رواية صعيدية غيرت حياتى بقلم أميرة السمدونى

رواية صعيدية غيرت حياتى بقلم أميرة السمدونى

الفصل الأول

ولأن دوام الحال من الحال حدثت تطورات عدة فى ليلة عرس أخي وزوجته، حينما تزينت المندرة الصعيدية بشوارعها إستعداداً لإستقبال العرسان الجُدد،بعد أن إطمئننا على هند وأولصلنها مع عريسها ، تطل أشجار الفاكهة من الجنينة لتنشر عبقها فى أرجاء المنطقة ، يعطي شجر مسك الليل رائحة عطرة ومميزة، يطلق بعض الرجال من الأرقاب والأحباب بعممهم الصعيدية النار فى الهواء وهما يرقصون بالعصيان الخشبية ،بينما السيدات يتغنين ببعض الأغاني الشعبية ويرقصون بغطاء يحاو خصر إحداهن فى دلال والجميع يصفقون بفرح أمام باب المندرة:_
_ أفرحي يا دي المندرة جياكي عروسة سكرة …أيوة يا حارة ضلمة احنا ال نورنا

بينما تتعالى أصوات الطبول والبوق فى زفة تعيد الروح للحياة ،تغنى الحاجة فوقية والدتي بعزمها هي وخالاتي “سم الله الرحمن الرحيم وهنبدأ الليلة.. آه.. آه ..
ده عريسنا الزين كحيل العين وعروستة حلوة وجميلة حنقول يا ليل، ونقول ياعين.. حصوة في عينك ياللى ياللى ما تصلى ، ماتصلى على النبى”،فى منافسة حامية بين أهل العروسة وأهل العريس ،يراقصني وليد بفرح ، ألقت الخالة بعصا خشبية عليه ،لتقطع صفو الاجواء الرومانسية ،إلتقطها كل من وليد وحمدان ، يتمايلون بعصيانهم فى حركات إستعراضية مٌثيرة، يتوسط الموكب رضوى بإبتسامتها الخلابة العذبة ،وروحها الجميلة ،وهي تمسك بيديها اليسرى باقة من الورود بينما اليمنى مشبوكة فى يد عمر بحلته السوداء الأنيقة ،يسيران وسط فرحة الأهل والأحباب ،ما هى إلا لحظات حتى لمحت إمرأة بنقاب أسود وسط الجموع ،ظننتها للوهلة الأولى نوارة ،فلم أعط للأمر بالاً، إلا إنها غابت عن الاعين تماماً فى أقل من ثانية ،لأنتبه على صراخ رضوى بهستيريا وهلع أوقف الزمن:_
_ أأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأه.!!

توقفت الطبول والمازمير ،وعمر لا يراها فى أي مكان على الأرض ،إلى أن أتى لها صوته من بلاعة صرف صحي،تم فتحها بشكل مفاجأ ،تفوح منه رائحة سيئة لا تطاق ،أغلق أنفه بيديه،والخالة يامنة تشهق بغضب،وهي تسير صوب رضوى بضيق ووجوم على ما ألم بها ،تكز على أسنانها بعصبية وهي تقول:_
_ ووواه….مين ولد المركوب ال فتح البالوعة دي عاد…؟ …والله ما هيفلت من يدي..أأأه يا ناري لو يطولهولي ..والله ما هتعجه ..
مدت يدها لابنتها ،دفعها عمر بلين وهو ينخفض علىالأرض مٌرتكزاً على ركبتيه ،ووليد إلى جواره يخلع عنه سترته السوداء ليمنحها لي :_
_ إسراء خشي جوه….انتي حامل ومحتاجة لراحة..متقفيش هنا

قال جملته بحذر وهو يلتفت من حوله ،وكأنه قد لمح من فعل ذلك ،ليقول بعد ثوان:_
_ لا ….متتحركيش من هنا …لو الدنيا أتشالت وأتحطت أوعي تخشي جوه من غيري

هممت للإستفهام عن سر ذعره ،لكن بكاء رضوى وإنهيارها باغتنا والخالة ترتكز هى الاخرى ،أشار لها عمر:_
_ خليكي يا ماما بعيد…متبهدليش نفسك…أنا ووليد هنطلعها ..متنحنيش قدام الناس كده غلط

إبتعدت الخالة وهى تراقب الموقف ،وهم يمدون لها كفوفهم ،لتتشبث بها وقد تحول فستانها الأبيض لحاوية نفايات ذات رائحة كريهة، وهي تأن وتنتحب وعمر يحتضنها على الرغم من سقوطها فى المستنقع ليهدأ من روعها،ولا زال الغرباء والأقرباء يراقبون الموقف،صرخ فيهم عمر بإنفعال لم نعهده من قبل:_
_ بتتفرجوا على إييييييييييه..!!، خلاص شطبنا …شرفتوا

قال جملته ورضوى مُتشبثة به كطفلة صغيرة،وما زاد الأمر سوءاً، تدلى حمالتها الداخلية وظهور بعض المناطق من جسدها ،نظراً لتمزق الفستان ،خلع عنه سترته ليلفها بها وهي ترتجف ببرودة، تلاشت مع أحضانه الساخنة وقبلته على جبينها ،ليحملها ويصعد بها إلى الاعلى ،والخالة وأمي وأبي فى ذيلهم،عدا حمدان خبط بيديه على بعضهما وهو يلتقط أنفاسه ،ليستوقفه وليد:_
_ كنت فين يا حمدان…؟

رد وعينيه شاردتين تبحثنا عن شيء ما:_
_ إبعد عن طريقي يا وليد…قبل ما أرتكب جناية

عقب زوجي بإستفسار:_
_ شوفتها…؟ تفتكر مرات أخوك…؟

أجاب وهو يدفع زوجي بعيداً عن طريقه:_
_ معرفش..ملحقتش أشوف وشها هربت مني

ثم هتف بعلو صوته وهو يصيح والنيران تنطلق من عينيه:_
_ أهي …….داخلة البيت ..إن ما خليت ال يشتري يتفرج

ركضنا جميعاً للداخل فلم نجد أحداً سوى نوارة بنقابها فى المطبخ ،وهي تجهز العشاء للعرسان ،وتتابع إستواء الحمام والمحشي بطيب خاطر، حتى فاجأها حمدان بتهور،وهو يمسك يديها ليدفعها إلى حائط قريب بغضب ووليد يحاول إبعاده:_
_ عملتي كده ليه…؟ليه يا نوارة..من أمنك لن تخونه وغن كنت خاين..إمناكي وإحتوانكي …بعد ما طليقك رماكي لكلاب السكك …شيلانكي اسم راجل..ليه بتغدري بواحدة معملتلكيش حاجة..؟

عقب وليد وهو يدفع حمدان بعيداً عنها:_
_ أنت أتجننت ….؟ .إزاي تكلم مرات اخوك كده..؟ ده بدل ما تراعي ربنا فيها فى غيابه

أجابت من بين دموعها الساخنة وجسدها المٌرتجف:_
_ والله ما جيت يميها…ولا أعرف بتتحدتوا عن إيه …بلاش الظلم الله يخليك صدجني..وبعدين مفيش عدواة بيني وبينها لأجل أأذيها دي اخت جوزي يعني من موصلحتي أكسبها ..خبرني إيه ال عستفيده عاد من الأذية وليه…؟

علقت والشك يغامرني تجاهها فهي من تسببت فى سقوطي من قبل ونقلي للعناية المٌركزة :_
_ نوارة،أنا شوفتك متحاوليش تنكري ،وكلنا على فكرة لمحانكي..ولما أتقفشتي طلعتي تجري فى الغيطان لحد ما مسكك جودة فوريرة على البيت

لم تستطع إن تدافع عن نفسها ،لكنها إنزوت فى إحدى أركان المطبخ لتبكي بإنهيار وهي تردد :_
_ حسبي الله ونعم الوكيل

إنقض عليها حمدان بغيظ ليجذبها من فروة رأسها ،فوقع نقابهابأنامله القاسية وقد غطى الغضب على عينيه وهو يقول والنقاب بين يديه :_
_ بتتحسبني على مين يا بت صفية…أتجنتي..ولا جرى لعقلك حاجة..؟ وده ده ال بتتحامي فيه وراء كل مصيبة بتعمليها…؟، نسيتي ال عملتيه فى إسراء قبل كده…؟
بأي حق هصدقك…؟

نظر له وليد بذهول ،صفعها حمدان على وجنتيها بينما صغارها يبكون،أصطحبتهم للخارج لكي لا يروا ما يحدث لوالدتهم،وأنا أوصي زوجي بتهدئة حمدان نادمة للغاية على سوء ظني،نعم أنا من تسببت فى ما حدث لها ،بجهلي وبوسوسة الشيطنا،فأنا لست ملاك بالطبع، قبل أن يشدها وليد منه صفعها جودة صفعة مدوية،،وهي تثور وتخبط بأقدامها فى الأرض ،ودموعها ووجنتيها كتفاح أحمر وهي لا تنطق باسم شيء سوى زوجها:_
_ جودة إلحجننننننننننننننننننننننننننننننى يا جوزي…عيموتوني..تعالى شوف الامانة ال هملتها لهم .إخوك بيضروبني

واصل جودة وسط تسمر وليد بصدمة فى مكانه وغير إستيعاب لما يحدث:_
_ جوودة..هو ال بلانا بيكي، كتير جولنا له بلاش المستعمل لكن مسمعش كلامنا وأدي النتيجة…سودتي وشنا…وخليتي أسود يوم ممكن تحلم بيه ببنت

إنتبه وليد ليشدها خلف ظهره ،وهو يعنف حمدان:_
_ جرى إيه يا اخي ،قلبك ده إيه مفهوش رحمة ولا إنسانية …؟… إفرض مش هي هو مفيش حد يعني منتقب إلا هي…؟،وبعدين دي ليلة فرح يعني البيت فيه غرب كتير مش شرط هي يعني

خرجت نوارة بذعر ودموعها لا زالت تغسل وجنتيها حاولت أن اعتذر منها ،لشعوري بالذنب لكنها لم تعط لي الفرصة سحبت أطفالها وصعدت للأعلى،وهي تلملم ملابسها وحاجيتها بإصرار على الإنتقام لكرامتها ،لكن عصا حماتي أوقفتها وهي تقول بصرامة وحزم بعد أن حكت لها ما جرى بالأسفل وهي تتشنجج:_
_ أسمعي…خروج من الموندرة ..أنسي…مناش ناجصة فضايح..البلد كوالايتها الليلة هيتودودوا فى سيرة بتي،ميبجاش بتي ومرات ابني فى فجرية واحدة،أعجلي وخشي فضي خلجاتك جوه

قالت بعناد:_
_ لا..أكلها بعيش ومولح بكرامة …ولا أكلها بحمام إهنه .بذل وإهانة يا خالة

أردفت يامنة وهي ترفع حاجبيها بتهديد:_
_ خلص …أنجلعي من أهنه..بس ولدك الصغير محمد …مهواش متحتح من هنه ..وبينا وبينك المحاكم…وساعتها هاخد ولادك كلهم موش محمد ولد جودة بس…شبهة وهشبهك ..خراب بيوت وهخرب بيتك فأعجلي ولمي الدور

خضعت لها نوارة على مضض وبألم نفسي كبير ،فهي لا تملك مأوى،ومنذ تلك الليلة الغائمة توترت علاقتي مع سلفتي ،ولم تعد تلقي على حتى الصباح

فى الطابق العلوى من المندرة الصعيدية وفى الليلة التالية للفرح مساءِ

كانت الغرفة هادئة ،ينيرها شمعتان بضوء خافت فى أجواء رومانسية، وبسجاد ذو لون غامق ،وستائر ذات لون لطيف مٌبهج،كبهجة مبسمها،وعلى الفراش وثير ناعم جلست رضوى وكأنها لاتلامس السرير من براءتها ورقتها وعذوبة صوتها ،يقترب منها عمر خطوة فخطوة،وهو يراقب وجهها الشبيه بالقمر فى تمامه برومانسية،بينما ترتسم إبتسامة بلون وردى على ثغرها فى منامتها المفتوحة الأكمام بلون بنفسجى رقيق،أربك عمر لشدة جمالها وهو يتنحنح بمغازلة:_
_ مس..مساء العسل

أردفت بصوت خافت:_
_ مساء النور

يمنحها علبة مٌغلفة ،طٌبعت عليها عدة قلوب حمراء ،ملفوفة بشريطة سوداء أنيقة ، مدت أصابعها على إستحياء ،لتتفحصها بحمرة وجه برىء وبنظرات دافئة ،بينما يراقب زوجها كطفل وبشغف ردة فعلها ،حينما لمحت عدة أشرطة لأم كلثوم ،ولعبد الحليم ،وبعض من الأثار الكلاسيكية ،أصحاب الزمن والفن الجميل ،لمعرفته بمدى تشبث رضوى بهويتها وبالماضى ،وحنينها إليه ،طبعت قبلة طفولية على وجنتيه وهى تشكره بإمتنان ،داعب عطرها الأنثوى الخاص أنفه ،ليضفي نوعاً من المتعة والرقة على أجواء الغرفة ،ألتقط كفها البارد وهو يقبله فى شغف:_
_ على إيه يا حبيبة ،وقلب وروح وكل عمر

سحبت أصابعها المٌرتجفة بذعر ،وهي تحدق له بإرتياب،وجسدها يرتعش وكأنها مٌصابة بحمى من نوع نادر،يمر شريط إغتصابها أمام عينيها ،لتنساب دمعة رقيقة على خدها أزاحها عمر بأنامله الخشنة ،فى محاولة للتخفيف عنها وهو يضيف :_
_ مٌتفهم مخاوفك يا حبيبتى وشعورك،والدنيا الجديدة ال دخلتى عليها، بس عاوزك تفهمي مفيش حاجة هتم من غير رضاكي أنا مش هاشم يا رضوى

أخذت نفساً عميقاً ،وهي تعتذر عن ما بدر منها للتو،بشفتين مٌترددتين،ومتلعثمتين :_
_ ع…عم…عمر…عارفة إن ملكش ذنب ،ومينفعش تحاسب على غلطة غيرك عملها…ب…

مرر أنامله على ثغرها الناعم بمٌداعبة وهو ينهض عن الفراش:_
_ هووووش..بطلى هبل…أنا متخلقتش غير عشان أسعدك وأكون فى ضهرك،وأنا لو عارف أن اليوم كان بمزاجك،مكنتش هشيلك اسمي وأنا واثق ومطمن

سرحت مٌقلتيها فى الفضاء ،لتسيلان بالعبرات الساخنة وهى تحاول إلتقاط نفسها،وتجميع شتاتها إلى أن تابع عمر وهو يلامس كفها الأملس:_
_ أرمي حمولك على ربنا وتعالى نصلى

أرتدت إسدال الصلاة ،وهو يفرش السجاد المنقوشة بصورة للكعبة،لتقف من خلفه، يقيم الصلاة وقلبها يأن ويبكي ويشكو لله ألمه ،فى إنحناء ظهرها لله كانت إستقامة قلبها،وفى سجودها راحة نفسية كبيرة،ومٌسكن يدوم للحظات ليست بالقصيرة،ربما لم تجد الامان فى حضن أبيها حينما كانت طفلة تعبث مع أطفال الحى على رغم طفولتها الهادئة، لكنها وجدته فى الكبر خلف رجل كان إمامها فى الصلاة والحياة،كلمتان مقرونتان بالراحة النفسية،والسلام الداخلى،ادت فرضها وأطاعت ربها،ألتفتت حولها فلم تجده،عاد بعد قليل وفى يده بعض المقرمشات والتسالى ليشرق وجهها برضا :_
_لب ،وسودانى وكمان فشار ،لا ده أنا ماما داعية لى بقى

غمز بعينيه وهو يستل أحد الشرائط ،ليضعها فى جهاز العرض الكبير ،وهو يحتضنها على الأريكة العريضة ،ليبدأ فيلم طرزان الكرتوني،فتى الأدغال المتوحش المٌجسد للإسنان البدائى،يشاهدان بإستمتاع، وهما يلتهمان الفيشار المٌملح بشهية ،وضحك وكأنهما طفلان يتشاكسان ما بين وقت وأخر ،أبدت إعجابها بأحداثه قائلة:_
_حلو أوى ،الفيلم يجنن، بس يا ترى فى حد فى الحقيقة ممكن يقبلك بعيوبك ويساعدك تطور من نفسك ولا ده فى السيما وبس…؟

التوى ثغره بمرح وهو يسحب اللب السورى:_
_ أكيد فيه…ودايماً حوالينا ناس بتدعمنا وتقوينا ،يمكن بسبب المشاكل ال بنمر بيها والنماذج السيئة ال بتقابلنا بنشوف الدنيا ضباب ،لكن الحقيقة دايماً فى شعاع من نور فى نهاية كل كهف مٌظلم

تنهدت بعمق وهي تفكر فى كلماته مواصلة :_
_ تعرف يا عمور ،أجمل حاجة فى الحياة،أنك تلاقى إنسان فى العسر قبل اليسر معاك،بيشدك من القاع للقمة،واثق فيك أكثر ما أنت واثق فى نفسك

نظر لها برومانسية وهو يتابع قسمات وجهها الطفولى وشغفها ،وقبل أن ينطق بكلمة واحدة ،بترت والدتي بإتصالها المٌلح والمفاجىء جلستهم ،شرعت رضوى تنظف المكان وتهندمه،بينما عمر يتحدث بصوت خفيض هامس مع أمي فى محاولة لتهدئة فرط عصبيتها وهي بتقوله:_
_ سمعت أنا قولت أيه..؟ ،طلقها

رد عليها بعد فهم:_
_ ليه يعني..؟ مش أفهم ولا هرمي اليمين عميانى يا ماما…؟

جاوبته بحدة وإنفعال:_
_ طالما بتسأل ليه،تبقى لسه معرفتش أن الهانم مدام ،وغفلتك …ومصانتش عرضك

اتسعت عينيه بصدمة لمعرفة والدتي،قبل أن يضيف وهو يبتلع ريقه بأعجوبة:_
_ معلش أن الله غفور رحيم

علقت بعصبية،وهي تحرك كفها فى الهواء بجدية بالغة:_
:_
_ أدفعي مهر بالشي الفولاني ودفعت،أنسي أن أمها يامنة ال مش طايقة بنتي وممرمطة بكرامتها الأرض ونسيت، هتاخدها وتعيشوا عند أهلها وهتسيب شقتك ال كلفتني فيها دم قلبي وأنا ببنهالك وسكت،إنما بقى لحد الشرف فلا ،أنت مش ناقص أيد ولا رجل عشان تاخد واحدة ليها تجارب قبلك

أخذ عمر نفساً طويلاً وهو يخرجه ببطء:_
_ معلش أن الله غفور رحيم

واصلت والدتي بإستهجان لضعف موقفه وسلبيته:_
_ وشديد العقاب ،والزانية والزاني .ولا أحنا بناخد من الدين ال على هوانا ونسيب الباقي،ال زيها يستاهل الرجم فى ميدان عام عشان تبقى عبرة لغيرها

بتر عبارتها وهو يبرر :_
_ يا ماما والله كان غصب عنها و..

قضمت جملته بحسم وبلهجة ىمرة :_
_ مفيش و ،هي كلمة واحدة لو عاوزها تفضل على زمتك هاتها وتعالى

رفع حاجبيه بإستنكار مُتسائلاً:_
_ أجيبها إزاي وأحنا فى شهر العسل..؟

قالت بحدة وقبل أن تغلق الهاتف بإنزعاج وتتوجه إلى أعمالها المنزلية:_
_ معرفش ..أتصرف…ولو مجتش..هتلاقيني فوق دماغك بس بجرسة تسمع الصعيد كله

وبعد مرور أسبوع غائم وطويل وملىء بالأحداث الساخنة

وفى حجرتي بلمندرة الصعيدية

جلس وليد إلى جوارى على طرف السرير،لا يدري كيف سيواسيني وإن كان هو الاخر بحاجة لمواساة وعطف أشد ، لحظات غائمة،كئيبة، إنهارت الأحلام الوردية فيها بطفلة سليمة، على المكتب العريض المجابه للفراش أستقر عمي عبد المنعم دكتور النساء وهو يعيد ظهره للخلف فى مرارة ووجوم، تبدو ملامحي ذابلة ،وحزينة ،ومصدومة للخبر الطبي السيء الذي ألقاه العم منذ لحظات على مسامعنا ،ليضعنا فى حيرة من أمرنا ما بين الإختيار لحياة أو موت ،بقاء أو فناء ،غاص قلبي بين ضلوعي بحسرة وشعور بالقهر لا يوصف ،تنسكب الدموع الساخنة لتغسل وجنتاى وتزيح ولو جزء صغير من مآساتي لكبرى ،لم أدري بشفتاي إلا وهما تنطقان بصوت مبحوح يشوبه الألم والأنين،وبإنهيار غير مسبوق تسك يداي على صدري بعصبية
_ليه..؟ ليه يارب أنا…؟ يارب لو بتمتحني فأنا مش قد المحنة دى

ربت زوجى على كتفي بحنان ،وهو يقبل جبهتي ويضمني إلى أحضانه قائلاً:_
يا حبيبتى لا يكلف الله نفساً إلا وسعها …أحنا قدها….وبعدين قدر الله وما شاء فعل هنعترض..!

أضاف عمي عبد المنعم :_
_ مقدمكمش غير الصبر والدعاء …..وصدقوني ربنا كبير وقادر يغير حاله من لحال أفضل ..ده حتى ربنا بيقول “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ …

تابع وليد بإيمان :_
_ ونعم بالله ..وبعدين أحنا مش اول ولا أخر ناس يحصلهم كده…..وفى ال حصلهم أشد وأفظع ..الجذع عمره ما كان حل يا إسراء

أخذ حماي نفساً عميقاً قبل أن يستطرد :_
_ أهم حاجة متجبوش سيرة لحد…خصوصاً يامنة…أنتوا عارفين العقلية الرجعية ال لسه محتفظة بيها..مش هتجيبها لبر ..سيبوا كل حاجة لأوانها

أستطردت بحُرقة وبقرار شبه نهائى والهواجس كلها تهاجم رأسي:_
_ عمي ..مفيش أوانها …هجهض الجنين النهاردة .قبل بكرة ..مش هجيب طفلة للدنيا دي أعذبها ..وأعذب نفسي…طول الوقت هتبقى بتقارن بينها وبين زمايلها فى الشكل وطريقة معاملة المجتمع والناس ليها …هبقى حاسة بالذنب تجاهها طول الوقت ..هشوف فى عنيها نظرات اللوم والعتاب طول الوقت..مش هتقدر تعيش حياة سوية مع راجل يحبها ويخاف عليها…مش هبقى سبب فى إنها تكبش الجحيم بأيديها فى حياتها

قال العم عبد المنعم لتهدئة ثورتى العارمة ودموعي المتشنجة:_
_ إسراء ..أنتي ملكيش أي دخل فى ال حصل لها …التشوهات ناتجة عن عيوب وراثية..نقص إنزيمات وراثية وهيموجلوبين فى حالتك…كنتي تبقى السبب لو بتدخني..أو بتشربي كحول ومخدارت..غير كده دي عوامل وراثية….قضاء وقدر ..فى النهاية القرار ليكي أنتي وجوزك

قطب وليد حاجبيه بإستنكار:_
قرار إيه يا بابا …ده قتل مقنع مش إجهاض….إزاي عايزنا ناخد قرار بموت أو حياة طفل..! ،مش يمكن يتولد سليم..وربنا يخلف كل توقعاتنا الطب مش دايماً صح

استكمل بتوضيح ونصيحة:_
_سيبها براحتها يا وليد…بس قبل أي خطوة لازم نكلم دار الإفتاء ..صحيح أني دكتور نساء.متمكن …لكن مش عالم دين وفى حالتك لازم إستشارة من جهة دينية موثوقة يا إسراء

عقبت بإستسلام وشعور بالعجز حيال الموقف يكتنفني :_
_ ال ربنا رايده هيكون … يارب أيدني القوة والصبر مش طالبة غير كده

:_قال عمي برضا للقضاء وبشفقة
_ ..وفى كل محنة منحة يا بنتي…ربنا يعوضك خير..وصدقيني غيرك بيتمنى ضفر عيل..فكري كويس أوي قبل ما تجازفي بقرار تندمي على نتايجه بعد كده..وبنسبة لحماتك همهد لها أن ممكن الحمل يسقط وحاولي متجبيش سيرة الموضوع قدامها يامنة دماغها ناشفة وتصرفاتها مش مضمونة

قطع حديثنا سماع صوت جودة بالأسفل، فهبط وليد برفقة أبيه ،بعد أن طلبت منهما إعطائي فرصة للبقاء بمفردي قليلاً كي تهدأ أعصابي ولكي أستطيع الوصول إلى القرار الصحيح فى تلك الكارثة ،وبعد لحظات قصيرة اتجهت للمرحاض لكي أغسل وجهي ،لكن تناهت إلى مسامعي صوت الخالة يا منة بالأسفل

error: