رواية صعيدية غيرت حياتى بقلم أميرة السمدونى

الفصل السابع
فى مستوصف القرية الطبيكانت قد مضت سويعات على نقل عمي وزوجي لي لمستوصف القرية على عجل ،فبينما كان الدكتور عبد المنعم مٌنهمكاً فى عمل التحاليل الطبية اللازمة للإطمئنان على صحتى فى مكتبه،كنت أجاهد لكي أفاتح عيناى المٌرهقتين ،محاولة تحريك أطرافى المٌتشجة ببطء ،أشعر بألم رهيب على وجنتاى ،أتسعت مٌقلتاى على أخرهما حينما تذكرت مغازلة وليد لها منذ قليل ،أتحسس موضع الإنتفاخ فى معدتى لأجده كما هو، ولم يصبه مكروه ،إنتبه وليد النائم على طرف السرير المٌتنقل لحركتى،فرفع رأسه المُثقل بالهموم فرحاً وهو يفرك عينيه بغير تصديق يهتف باسمي فى حماس وإلى جواره أستقرت كاملة أو كما ظننت ،تتابع شغفه الطفولي بي فى حسرة على أحوالها ،فهمس بصوت مبحوح :_
_ حمد لله على السلامة يا قمرىأشحت بوجهى المٌتحجر بعيداً عنه،وأنا أعقد ذراعى أمام صدرى فى عدم رضا عنما إرتكبه منذ قليل،جذب ذقني بأنامله بحنان وهو يقول:_
_ يا حبيبتى أنتى فاهمة غلط….أنا عمري ما عينى هتشوف غيرك…..دى كانت خطة عشان أوقع كاملة

صمت لثوان قبل أن يمنحها نظرة ذات معنى جانبية وهى فى عباءتها السمراء،مٌصححاً:_
_ أو بمعنى أصح زينة

فتحت فاهي ببلاهة ،وبعدم إستيعاب، يرتفع حاجبي بدهشة لكونها شبيهة كاملة للغاية ،هممت لأنطق،ولأستفسر،لكن أحبالي الصوتية خذلتنى ،وكأنني أصبت بشلل فى ،جراء إنهيار عصبي حاد ،تنتفخ وجنتاى فى ورم مٌريع ،فطن إليه وليد،ليلتقط كفى البارد وهو يقبله بمداعبة:_
_ إسراء … دي فترة مؤقتة بكبيره أوي شهر…ومع الأدوية هتتحسني ..أنا مش عاوز حاجة تأثر على نفسيتك..ولا على نفسية أجمل طفلة فى الدنيا…شوفي رغم ال حصلك إلا أن بابا لحقك إرادة ربنا قبل كل شيء يا حبيبتي..مش عاوز الشك يدخل ما بينا فى يوم..ولا تأخدي بالظاهر،صدقيني أنا شكيت أنها مش كاملة لما قولتي لي فوق على زمة جودة ولابسة هوت شورت ،وبتشرب سجاير ،إستحالة دى تكون شخصية واحدة عاشرتها أربع سنين،كان لازم أتأكد وكنت متفق مع حمدان على كده،وهيوضح لك فى أقرب فرصة ،قولنا لو كاملة هتبادلني الحب والمشاعر ولو مش هي هتزقني وتتمنع..كان إختبار يا عبيطة…وبعدين ما هي كانت قدامي قبلك و4 سنين بحالهم وبين 4 جدران

تتابع عيناى زينة وعيونها الشاردة فى الفضاء ،ليطلب منها وليد أن تقص علي حكايتها ،فإبتسمت بمرارة قبل أن تشرع فى حديثها الأليم:_
_ أسمعي منه وبلاش تخسريه.. الواحدة مننا عايزة أيه غير واحد يحبها ويخاف عليها….؟ …عارفة أنك بتسألي نفسك أنا مين ..؟؟ أنا زينة ال نسوها من سنين…..من ساعة ما كنا عيال. ..أنا زينة أخت كاملة الصغيرة…زينة ال تاهت وهي فى عمر ال 5 سنين ….وخدوها ناس طيبين من أهل البلد. .. ربوها وعلموها فى القاهرة ودخلوها الجامعة الأمريكية. ..وبقيت مودرن وشيك. ..علموني كل حاجة حلوة إلا الإنتقام. ….وإني متنازلش عن حقي

أستفسر وليد بفضول،بينما تجلس على كرسي بلاستيكي بجسد هزيل مٌنكمش ،واطراف مٌتشنجة:_
_ وايه ال فكرك بينا بعد الغيبة دي كلها…؟

أطبقت على جفنها بشدة قبل أن تعيد فتحه بعد ثوان واجمة ترمش فيها بأهدابها:_
_ أول ما ربنا رزقها ببنت…فرحت وسجدت حمد وشكر….وبقى جوزها طاير من الفرحة. …فرحة كانت فيها حيرة لمصيري. ….خاصة بعد لمسات ونظرات وهمسات جوزها لعودي ال فار…الغيرة دقت فى قلبها عمتها. ..لدرجة إنهم.فكروا يرموني فى ملجأ……ولما رفضت وثورت. …عرفوني بأهلي. ..وببابا محمد والدي أنا وكاملة. …رجعت وكلي لهفة وشوق ليه هو وماما. ..وأختي ال مش فاكرة منها غير شوية ذكريات سمعتها من أمي. …بابا عشان يعوضني عن المر ال شفته فى غيابهم كتب لي كل حاجة باسمي. ..وكان شايف أن وليد الدكتور ستر وأمان وضهر لكاملة. .مش هتحتاج لمليم. ..ووصاني قبل ما يموت اتجوز جودة ويبقى هو الوصي على أملاكه،وبإيجار أرض أمي أكمل تعليمي..لكن ..!!

تسائل زوجي بإنبهار وبضربات قلب مٌتسارعة وبإرتياب:_
_لكن إيه..!

أطلقت تنهيدة عميقة مليئة بالأهات قبل أن تضيف والغصة تكوي حلقها:_
_جودة وافق وكتبنا ورق عرفي اتسجل رسمي لما تميت ال 20 سنة…..سافرت القاهرة وبقى جودة بعد وفاة والدى هو الآمر الناهي فى ورثي…. .يمكن ورثي كان العوض الوحيد ال كان هيلخيني أكمل تعليم ..آه كان أحسن تعليم بس ما كانتش احسن تربية ..والرجل ال أويني بيتسحب بليل من جنب مراته…زي الحرامية. .ويفتح باب اوضتي وهو بيسحب عني الغطا وبيحسس….ولمساته بتقتلني وأنا ببكي ومنهارة. .بس مش قادرة اقول لست ال كانت لي أم جوزك خاين. ..جوزك مش راجل،يمكن . …..كل ده عوضه كان فى فلوس اتحكم فيها جودة…..فلوس بيها كنت هكمل تعليمي فى الجامعة الأمريكية. ….لكن قبل يوم موت كاملة …..يوم عيد ميلادي ال تميت فيه 21 سنة …جودة ضربني وكواني. .وكسرني. …وأجبرني اتنازله عن كل حاجة وأنقلها بإسمه

ندت منها إبتسامة مٌنكسرة وشريط ذكرياتها يٌعاد أمامها:_
_ طبعاً قبل ما أتم السن القانوني..والدولة والدين يعترفوا بوجودي ،كبشر ليه الحق فى الحياة ،أما كاملة فمكنتش تعرف برجوعي متقابلناش ولا مرة ،بسبب تهديد جودة وخوفه منها لأبلغها بجوازي ونوارة تعرف وتسيبه…وتطلب الطلاق لكن اليوم ال ضربني فيه وربطني في رجل سرير قررت أنتقم وأخد حقي، وسالت نفسي لحد أمتى هيفضل متداس علي بالجزمة وببلع وساكتة ومتحملة ذل وإهانة….؟،هددته إني هقول لكاملة فكرني بهلفط بأي كلام ..لحد ما دورت عليها فى الأقسام والمستشفيات ..وعرفت بقضيتها والمحامي ال مترافع لها ..وروحت له المكتب وقالي أنه هيتجوزها ودلني على بيتها …و…

تعالت الطرقات على باب الحجرة صحية ،المٌعطرة برائحة المستشفيات ،فتح وليد الباب لأبيه ،وهو يحمل روزمة من الأوراق وبنضارته الطبية يتفحصها،بينما تأن زينة وتنتحب لذكرى هزت كيانها كله ،إبتسم الدكتور عبد المنعم:_
_ لا ده أحنا بقينا عال العال ،حمد لله على السلامة يا أم ياسمين،عاوزك تمشي على الأدوية بإنتظام..وتقومي لنا بألف سلامة

لم أستطع سوى أن أومأ بالإيجاب وشبح إبتسامة على ثغرى ،قبل أن يلح عمر بالإتصال على حماه ،حينما قامت الحرب العالمية الثالثة فى منزلنا عقب وصول الخالة يامنة برفقة حمدان حينما تلصصت السمع وعلمت ما حل بصغيرتها ،مضت إلى طنطا برفقة ابنها الأصغر وأصطحبوا فى طريقهم بأمر من وليد ياسين وهند بسبب تعطل سيارتهم،أضاف الدكتور عبد المنعم حماي بحكمة عبر الهاتف :_
_ يا ابني المسائل متتحلش بالشكل ده ،طلاق ايه بس… لالا ..عارف والله طريقة يامنة مسفتزة قد أيه..بس خليك أذكى منها ومتديلهاش الفرصة تخرب بيتك..طيب بص في أيدي حالة مستعجلة هخلصها وأجي لك

قال العبارات الأخيرة وهو يرد على عمر المنفعل ،وأعصابه ثائرة ،والخلاف على أشده ،وحرب الحموات الباردة ،وقف بتردد وهو يقول:_
_ طيب يا جماعة مضطر أستأذن …لأحسن الأجواء متوترة جداً فى طنطا،ويامنة عرفت بمشكلة رضوى وشكلها ناوية تجيب ضلفها
وأنتي يا إسراء،الدواء فى مواعيده ها،وأنا هكلم الممرضة بره تديكي حقن مهدئة عند اللزوم

مضى بخطوات سريعة للمخرج ،ليحكم غلقه وليد من بعده ،وزينة لا زالت فى هواجسها متكورة على نفسها فى إحدى جوانب الغرفة ،مد لها ذراعه وهو يشدها برفق ،يشفق فيه على ما مرت به ،يستطرد بإهتمام :_
_ كملي..وصدقيني مفيش حرف من ال قولتيه هيخرج بره لجنس مخلوق

أحضر لها كوباً من الشاي بعد أن عانت من صداع رهيب،لتلامس الكوب الزجاجي بالنعناع بأنامل مٌرتعشة ،مستكملة:_
_ عرفتها بنفسي وحضنتها وفضلنا وقت طويل نحكي لبعض عن ال عشناه فى السنين الطويلة،أو بمعنى أدق كل واحدة بتحكي للتانية خييتها،اندهشت جداً لما قولت لها جوازي من جودة تم إزاي وتهديده لي وأنه مضاني على كل أملاك والدتي …ال هي مسألتش فيها لأنها أنشغلت فى جوازتك التانية واتصدمت…كانت بتسمع مني بتركيز قبل ما تقوم تجيب لي أجندة،سألتها فيها أيه…؟ قالت لي أنها مذاكرتها ال بتكتبها من زمان ،بإعتبار الورقة والقلم هما دول أكتر حاجة بيسمعوها …ونبهتني أن الأجندة دي سلاح الفعال ضد جودة،خاصة أن فيها سر مراته وأمه ميعرفهوش…ولو النيابة عرفته..هيتسجن تاني الصبح…كونه القاتل الحقيقي والمحرض على قتل والد مهند،ومعاها الأدلة بالصوت والصورة

كان وليد يسحب منها الكلام سحباً وهو يستفهم:_
_ ها وبعدين…؟

فواصلت بشرود عينيها حبوات اللؤلؤ فى الفضاء:_
_ بلغت عنه وفضل البوليس يدور عليه ….وقلب الدنيا ..ومكنوش لاقينه..كان فاكر كاملة هي ال بلغت عنه وباعته ….راح لها البيت وفضل متربص لها على سطح الدور الرابع لحد ما طلعت وهي بتكلم بنت المحامي….كنت أنا تحت العمارة فى التوقيت ده،وفى تراب وعفرة جامدين..وريح شديدة لأن كان فيه نقلة رمل كبيرة جداً تحت البيت ده غير الزلط ….سمعتها بتصرخ بصوت رج المكان كله…ببص لفوق…لاقيت أيد بتزقها..أستشفيت أن هو..بلغت عنه أنه قتلها وسلمت تصريح الدفن للبوليس ..وبنت المحامي أعترفت طبعاً عليه..بس أنا لما قعدت مع نفسي وفكرت …لقيت أني غلط وجداً …كان لازم مريحهوش ..كان لازم يشوف جهنم على الأرض …روحت ولبست لبس كاملة وأتكلمت صعيدي من المسلسلات والأفلام ال بشوفها ،وقولت لهم أن فى سوء تفاهم،فى البداية الشرطة مصدقتنيش…!!

لغاية ما أصروا قبل أذن البراءة يفتحوا قبر كاملة…وكانت المفاجأة أنهم ملقوش الجثة …!

error: