رواية صعيدية غيرت حياتى بقلم أميرة السمدونى

الفصل العاشر
المشهد الاولفى المندرة الصعيدية وبعد مرور يومين تبدلت فيهم الأحوال

رد وليد باب الغرفة بلطف ،ينزع فيه قميصه المٌجعد ،يلقى به فى المغسلة الكهربائية الصغيرة ،المحتلة لركن من الحمام الداخلة ،يتنهد بتعب بعد يوم عمل شاق فى مستوصف القرية ،بينما أنا أمسك خصيلات شعرى الناعمة لأجففها بالمنشفة القطنية ،عقب الإنتهاء من الإستحمام الدافىء ،الذى أعادنى لنشاطى ،أنتبهت فى إنعكاس المرأة لوجود زوجى على الفراش العريض ،ويديه خلف رأسه يتأمل سقف الحجرة بشرود ،قطعته بتساؤل :_
_الجميل سرحان فى أيه…؟

قوس شفتيه للأمام بحيرة :_
_ فى حمدان يا حبيبتى ،حاسس أني خدعته، كان لازم أقوله أنها مرات جودة ومسبهوش على عماه

أضفت بنبرة حانية ،أدٌس فيها المشط فى فروة رأسي ،لأسرحه إلى الوراء :_
_ المهم أنه عارف انها زينة وحقيقتها ،أما بقى جزئية جودة وجوازه فمش هتهم أخوك أوي خصوصاً أنها خلعت جودة من 4 شهور وأكثر،فمش هتفرق أوي يعني الحتة دى معاه

تابع مٌتنهداً بوجوم:_
_ كانت هتفرق معاه أنا متأكد،حمدان مرضاش يتجوز كاملة أو زينة عشانى ،عشان تخصنى،وهو مش متعود عنيه تبص على حاجة حد عزيز عليه،وكان مستعد ينزل القاهرة ويشتغل فى مطعم أن شاء الله يغسل لهم صحون يعمل أي حاجة وميبصش لحاجة غيره،بس لما عرف حقيقتها صعبت عليه خصوصاً بعد الأيام السودا ال شافتها فى بيت الناس ال اتبنوها وفى نفس الوقت فيها من مواصفات شريكة أحلامه حاجات كتير كلية طب وفى الجامعة الأمريكية ،وهاي على الأخر ،وبردو عشان يرودها ويشيل من دماغها خالص فكرة الإنتقام من والدته فكر ألف مرة قبل ما يكتب كتابه عليها النهاردة

نحوت ببطء نحوه ،وأنا أشبك كفاى ببعضهما فى تفكير ،أقتنعت فيه بحديث وليد ،لكن تساورني الشكوك تجاه نوايا “زينة” ،خاصة إنها من عجينة شقيقتها ،فأستكملت بلين:_
_ ملناش دعوة ،خليهم فى حالهم وأحنا فى حالنا يا وليد،أحنا مش قد دوامة الإنتقام دي،زينة خلاص معندهاش حاجة تخسرها بعد أهلها وطلاقها من حمدان،حتى مفيش عيل ولا هدف تعيش عشانه ،لكن احنا فى ال مستنينا وهتيجي تنور دنيتنا كمان 3 شهور

فغر فاهه بإبتسامة عذبة وعيون لامعة :_
_ وأنا واثق انها هتبقى زى القمر شبهك،هتاخد منك حنيتك وحكمتك وجمالك

أحمرت وجنتاى وأنا أبادله الغزل :_
_ومنك علمك وذكائك ،وهتبقى أحلى دكتورة ياسمين فى الدنيا ،أنا بجد مش متخيلة أن حلم الأمومة ال بحلم بيه طول عمري من وأنا عيلة وبلعب بالعرايس هيتحقق

قولت جملتى الأخيرة وأنا ألامس بأناملى ياقة منامته الرياضية السوداء بثغر ملتوى غامض ولذيذ:_
_ بس كان لى عندك طلب يا ليدو

أجاب وهو يضغط بيديه على رأسي ليقربني منه ويقلص المسافة بيننا وعينيه مٌرتكزتان على شفتاى بإثارة:_
_ عيون وليد،أنتي تؤمري وأنا أنفذ

أخذت نفساً عميقاً قبل أن أضيف:_
_ ال 90 يوم الجايين عاوزين نتصدق كل يوم كل يوم،بنية أنها تنزل سليمة وأن ربنا يرفع عنا البلاء

فأستفسر بفضول:_
_ مش معنى الصدقة يعني يا حبيبتى..؟

فهمست بصوت ناعم ورقيق:_
_أصل النهاردة سمعت الشيخ بيقول أن الدعاء والتضرع لله بيرد الأقدار وبيغيرها،والصدقة بتدفع البلاء،وأنا نفسي الكابوس ده يتزاح وتفوت الشهور هوا ،وأشوفها أحلى وأطعم بنوتة

قبل جبيني بحنان :_
_ حاضر يا حبيبتى أنتى تؤمرى

بتر حديثنا طرقات حمدان المٌتتالية على الباب فى إستئذان يقول فيه بمداعبة:_
_ أيه يا عم وليد هو أنت العريس ولا انا…؟ قولت عشر دقايق ودخلت تبات جوه ماشي يا عم الله يسهله

ضحك الدكتور وهو يدفع عنه الغطاء :_
_ وأنا أقول العين جاية منين ماشي يا عريس دقيقتين هغير وجاي لك

أما فى القاهرة

جلست حماة هند على الأريكة العريضة برفقة زوجها ،تشاهد فيلماً كلاسيكياً قديم لفاتن حمامة وعمر الشريف ،وياسين إلى جوارها يعبث بهاتفه النقال فى تململ ،بينما شقيقتي فى المطبخ ،تفتح باب الفرن بقماشة صغيرة فى حذر من سخونته،لتشد صنية الحلوى المٌتعجنة لتضعها إلى الداخل ،متوجهة إلى عين البوتجاز تراقب نضج القهوة ورائحتها الشهية قبل أن تصبها فى مج صيني صغير لحماتها وأخر للعم عبد العزيز ،تسير ببطء لكى لا يختفي “الوش” ،يبدو عليها الحزن والألم لنسيان ياسين مٌناسبة هامة ،لا بأس ستعاتبه ولن يفلت من يديها لكن بعد أن يغادر والديه ،اللذان عرضت عليهم قضاء السهرة معهم،وقبل أن تتجاوز عتبة المطبخ جائها صوت ياسين القائل :_
_ هند وحياة أبوكي قبل ما تيجي أعملي لي قرفة باللبن ،بس متسخنهاش أوي لتلسع لسانى

كزت على أسنانها بحنق قبل أن تعقب بنفخ:_
_ حاضر يا حبيبي ثواني وتكون عندك

ثم أضافت في سرها” يا أخي يكش تلسعك حية معندكش ذوق أبداً ،الحق علي أنا ال قبلت الصبح أبقى مرمطون فى الشغل وبليل تحت رجله معودتهوش يشارك معايا المسئولية ،فعلاً معاكي حق يا ماما ابنك على ما تربيه وجوزك على ما تعوديه “،وأثناء “برطمتها” فجائها من الخلف وهي تركن إلى الرخامة وتصب اللبن الساخن ،وهو يهمس بهدوء خلعها من مكانها :_
_ بتقولي حاجة يا حبيبتي…؟

لكزته بخفة على ذراعه وهى تعاتبه:_
_ لو سمحت متكلمنيش أنا مخصماك

عقد ما بين حاجبيه بإستغراب :_
_ ليه يا حبيبتي…؟

فواصلت والدماء تغلي فى عروقها بغضب لنسيانه ليوم كهذا :_
_ النهاردة أيه فى أيام ربنا يا ياسين…؟

أطرق فى تفكير قبل أن يجيب:_
_ أمممم ،خميس

تهلل وجهها قليلاً قبل أن تتابع :_
_ وده مبيفكركش بحاجة خالص..!!

صفق بحماس قال فيه:_
_ حد ينسى يوم زى ده بردو ،ده يوم مصر كلها بتستناه ،ياه يوم الكرامة…

طبعت قبلة على وجنتيه بفرح وطفولية وهي تتابع بتساؤل،تحاوط فيه بذراعيها رقبته بدلال وغنج ودلع:_
_ أيوة ليه بقى يا حبيبى

فأجاب بتلقائية :
_ يوم بنتسناه نمن 40 سنة ،يوم العزة والنصر والكرامة يا حبيبتي 6 أكتوبر

أبتعدت عنه وقد عبست ملامحها وهي تتنهد بإنزعاج،ترص فيه الأكواب على الصنية :_
_ مصر كلها بتستناه ها…ياسين ابعد عني ومتكلمنيش الساعة دي ،أنا بجد مش مسمحاك وزعلانة منك جداً ،ده جوازنا مفتش عليه شهرين عشان تلحق تنسى كده يعني لسه لا فى عيل ولا تيل ولا مسئوليات امال لما نخلف هتعمل أيه يعني …؟

أخذ يطوف حولها فى محاولات مستميتة لإرضائها بلا جدوى ،وضعت التحية لأهله وأنسحبت لغرفتها وهي تأن وتنتحب لنسيانه ليوم كهذا ،على الرغم من عدم إحتفالنا به فى منزل أبي منذ أن كسرت هند حاجز ال 15 عاماً ،لكنهن النساء يعشق الإهتمام بالتفاصيل ويقارن دائماً ما بين مسلسلات أبطالها مرفهون ويلعبون بالاموال لعباً ويتقاضى ممثلوها أعلى الاجور ومن خلفهم فريق كامل ليخرجوا بهذه الطلة الجميلة والأنيقة ،وما بين موظف على أرض الواقع سحلته الهموم والضغوط،ضمت ركبتيها إليها ،وهي تدفن رأسها حتى أضاء هاتفها مٌنذراً بوصول رسالة نصية صادمة للغاية عى هاتف زوجها التي فتحته بفضول
” لو معترفتش بيه بورقة الجواز العرفي ،وهرفع عليك قضية نفقة ياياسين وهثبت شرعية الطفل ،قدامك 3 أيام لا فوقهم ولا تحتهم ،ولو مخدتش أي خطوة، متلومش إلا نفسك..!!”

المشهد الثالث

فى إحدى البيوت المٌستقرة على أطراف القرية الصعيدية ،تجاوزت زينة عتبة الباب وهي تتنهد بإحباط ،ألقت فيه التحية على شقيقتها كاملة، كاملة الجالسة على كرسي مٌتحرك أتى لها به المحامي بعد أن غير كل أوراقها الرسمية وكذلك اسمها أي”تزوير فى أوراق رسمية “،أختارت موقعاً إستراتجياً لن يشك أحداً بوجودها فيه ،فحتماً أن راودهم الشك فى حياتها فسيبحثون فى القاهرة ولن يخطر على بالهم وجودها إلى جوارهم ،تقضي لها زينة وزوجها المحامي حاجيتها ،أنصرف عاصم إلى عمله وطفلته لمدرستها ،بينما قالت كاملة مٌضيقة عينيها:_
_ ها نجول مبروك يا عروسة ..؟

تنهدت بعمق قبل أن تقول:_
_ لسه بليل كتب الكتاب،بس أنا مش مرتاحة يا كاملة ، وحاسة أني بظلم نفسي للمرة التانية ،يعني ما صدقت أخرج من نقرة جودة أقع فى دوحديرة ،وحمادن كمان أنصح من جودة بكتير ،وخايفة يكتشف أني كنت متجوزة أخوه

طمئنتها بصوتها الرخيم :_
_ لاه…عيلة علام الخوف ميعرفش لجلبيهم طريج،أجمدي خلينا ننتجم منيهم بمزاج أكده

تابعت زينة وعينيها مٌنكستينفى الأرض يحزن:_
_ حاسة أني بظلمه معايا ،حمدان معمليش حاجة ،وميستاهلش أني ألف عليه وأخد حاجته ،وبعدين أنا أتظلمت وجربت الظلم مينفعش أظلم

عنفتها كاملة بحدة:_
_ ووواه ،جلبك رج إياك،وعتجيبي ورا ،لا فوجي يا بت أبوي ،وعرفيهم أن لحمنا مٌر،ولو حمدان مساولكيش حاجة فأمه عملت كتير،لما جتلت أمك كيف ما حكيت لك وهي حية لما خدت خطيبها،خلينا فى المهم دلوجيت عملتي أيه مع وليد بخصوص العيادة…؟

ردت بتلعثم:_
_ مرضاش بصراحة،وقالي هيساعدني في أي حاجة إلا دي
ثم تابعت بنصح وخوف على وليد:_
_بقولك أيه يا كاملة فكك من وليد كده كده هو مش ابن خالتك وغريب ،حسابك مع خالتك وولادها

خبطت بعصاها الخشبية الأرض بغضب وهي تهتف:_
_ جلبك رج ياك ،ما داهية لتكوني حبيتيه،والله أجتلك المشرحة مش ناجصة جوتلة …!

أجابت بنفي:_
_مش بالظبط،بس هو فضل سهران جنبي فى الليلة ال جودة ضربني فيها وحراراتي عليت ومرضيش يسبني غير لما أطمن علي ،قلبى مش اجيبني أذيه وليد حنين أوي يا كاملة..وميستاهلش كل ال بتعمليه فيه ده..صدقيني أتغير أوي

قبل أن تعلق درتي بكلمة واحدة فاجئها دخول جودة بعبائته الصعيدية ،وبنظراته الغامضة وهو ،يرفع صوبهما السلاح فى تهديد قائلاً:_
_ هتجولي لي ودلوجيت كيفك لساتك عايشة وال رايده منينا ولا أجتلك…!!

فلاش ليوم مقتل كاملة

error: