رواية صعيدية غيرت حياتى بقلم أميرة السمدونى

الفصل الثامن

” لا …منيش جابلة نمسكوا العصا من النصف،هي كلمة واحدة،فزي لمي خلجاتك خلينا نمشي”

لكزت الخالة بعصاها الخشبية بحدة رضوى لتنهض عن الأريكة فى خضوع لفرمان والدتها المٌتسلطة،تحدج بإحتقار حماة ابنتها وهي تمصمص شفتيها بإستياء ،يربت على كتفها حمدان بلين ،ويهمس لها بكلمات غير مسموعة ،بينما هند تزفر بحنق ،تهُز قدميها فى توتر ،تقرض أظافرها فى ضيق من تصرف يامنة ،وكلماتها القاسية الجافة ،وياسين إلى جوارها يقبل غطاء رأسها ويدللها لكي تهدأ بلا جدوى ،وعمر فى وضع لا يسحد عليه،دفن رأسه بيأس بين يديه المٌتشابكة ووالدتي ترفع ساقيها على بعضهما بتكبر وهي تقول:_
_ فكرك يعني بتهددينا بالنسب الشريف،السكة ال تودي ،أنا عارفة كان مستخبي لنا الهم ده كله فين…..؟

إبتسمت الخالة بإنتصار ،يغمز أبي لوالدتي لكي تلتزم الصمت ،فأضافت الخالة :_
_ سبحانك يارب……من أعمالكم سٌلط عليكم…..وأنا أجول بت إسراء هتنزل معيوبة لمين أتاري لستها أم لسان طويل الشايبة العايبة ال بتخوض فى عرض الولايا

لامها الحاج برعي بعتب:_
_ وليه الفال الوحش ده،ده حتى الرسول يا جماعة ،بيقول تفائلوا بالخير تجدوه

تنحنح حمدان وهو يصحح:_
_ ماما بتهزر..صح مش كده يا حبيبتي

هزت رأسها برفض وهي تعيد جملتها :_
_ لاه…الكلام ده مفهوش هزار عاد…ولازم تعرف أن ..ال بيته من إزاز… يا ولدي ميحدفش الناس بالطوب.صوبت نظراتها صوبي أمي وهي تتابع بشماتة…الحال من بعضه يا حبيبتي…وصدجيني الصبح ورجة بتك حتكون حداها…محناش ناجصين تشوهات …وقرف

تدخل عمر بحدة وقد خرج عن شعوره:_
_ لو سمحتي متجبيش سيرة أختي بسوء على لسانك يا طنط …مداستلكيش على طرف..فمتحطهاش فى جملة مفيدة

مطت هند ثغرها وهي تقول بعدم تصديق لحماتي:_
_ لا إزاي متقلبش الطرابيزة عليها،وبعدين يا ابني معروفة يعني العين متكرهش إلا الأحسن منها

لكزها ياسين بخفة وهو يضع كفه الخشن على فاهها المتسرع وهو يقول :_
_ معلش يا جماعة متخدوش على كلام هند

رمقها والدي بسخط لتصرفها وهو يقول لكي تنهض عن مجلسها :_
_ هند….قومي أعملي لنا قهوة بتاعتي مظبوطة وشوفي الباقي هيشربها أيه..؟

كادت أن ترفض لكن ياسين سحبها من يديها الناعمتين وهو يشاكسها:_
_ شكل حزام أبوكي وحشك …الراجل عمال يبص لك ولا أنتي هنا…..عاوزة تباني وخلاص…مش بقولك حيزبونة..أنجري قدامي

عقبت الخالة بضجر:_
_ متعمليش حسابي….أنا شاربة كتير جوي ….لما هطج من جنابي

أخذ عمر نفساً طويلا ،يعلق بترجي:_
_ أنا عارف أن ده عيب وميصحش وعلى جثتي أخلى رضوى تعمل حاجة زي كده …وهحافظ على الامانة ..أنا بس عاوزك تديني فرصة تانية يا خالة

دعمه حمدان وهو يضيف:_
_ وأنا كمان شايف كده

جزت يامنة على أسنانها وهي تطالع ابنها حتى أوضح وجهة نظره:_
_ يا ماما ..الطلاق مش سهل كده.. بنتك لسه عروسة وطلاقها هيبقى أكبر جرسة فى تاريخ عيلتنا عمرك سمعتى عن عروسة أتطلقت بعد فرحها ب 3 أسابيع …الناس تقول أيه…بلاش الناس أنتي مختلفتيش مع حماتك مليون مرة وغضبتي ورجعتي بيت أهلك..بس مطلقتيش..وجيتي على نفسك..مطلبتيش الطلاق إلا أما أتجوز عليكي..متخديش عمر بذنب والدته

رفعت والدتي حواجبها بعصبية وهي تهتف بإنفعال:_
_ ومالها بقى والدته…؟ مش دي ال شالت قرفكم والعار ال بنتكم عملته …؟ دلوقتي بقيت كوخة…؟ ….هي كلمة واحدة رضوى لو متطاهرتش ..متلزمنيش لا أنا ولا ابني….أه معلش أنا متعبش وأربي وفى الأخريتجوز لي واحدة مش عارفة لها ابنها ده حفيدي ولا…

نهرها حمدان وقد فقد السيطرة على أعصابه:_
_ أنا قاعد من الصبح عامل إحترام إني فى بيتك…ومحترم عمر وعم برعي….لكن هتسوقي فيها يبقى نفضنا سيرة….ولعلمك رضوى اشرف منك ومن بلدك كلها ..ابنك كان عارف كل حاجة قبل حتى ما يقرأ فاتحة

فتحت ثغرها لتعلق ،لكن حدق بها أبي بضجر وهو يقول بصوت عال:_
_ وبعدين بقى معاكي..؟ هتفضلي لاغياني كده كتير …؟…دي قعدة رجالة مش حريم خشي جوه

منحتها الخالة نظرة جانبية وهي تقول :_
_ اه يا ضنايا …محدش ضرب ولدك على أيده..كل حاجة كانت برضاه….أزعج لي على اختك خلينا نمشي يا ولدي

تنهد أخي وشعور العجز يتملكه قبل أن يواصل:_
_ أنا جاي معاكم..ومستعد أعيش مع رضوى فى شقتها هناك…وهدفع لك الإيجار…كأني ساكن عادي…بس بلاش تبعديها عني..رضوى هى نبضي..وروحي….هي كل حاجة ..وأوعدك هشيلها فى عنيا

خبط حمدان على كتفه وهو يقول بمرح:_
_ عيب عليك يا أبو نسب،أيجار أيه وكلام فاضى أيه،ما بين الخيرين حساب

أعترضت حماتي بحدة ورضوى تجر حقائبها والغيوم متراكمة حول مٌقلتيها :_
_ لاه…أنت مصونتش كرامتها مرة….وهتينها وتجبلها الإهانة الف مرة…بتي فى دارها ….مٌعززة مٌكرمة لغاية ما تيجي أمك وتعتذر كيف الخلج بغلطها وجتها وبس هفكر

أعترض أخي طريق بخفقات قلب جريح ،وعيون ذابلة على وشك البكاء ، يتوسل إليها أن تبقى لا يريد أن يهين والدتي أمامهم ،بينما زوجته عنيدة للغاية ومٌصرة على إتخاذ موقف رادع تصان فيه كرامتها ،دفعته للخلف بعنف وهي تسير برفقة والدتها وحمدان مقوس الشفتين ببؤس على ما يحدث ،وهم يفتحون الباب فاجأهم دخول عمي عبد المنعم ،ليقول أبي لشقيقتي:_
_ زودي فنجال يا هند سكر زيادة

ما فى المسشتفى

” ملقوش الجثة ،لأني غيرت مكانها ، الموضوع خد أسبوع وفى تحريات مكثفة ،فى الاسبوع ده روحت الصعيد ولبست نقاب نوارة ،وقصدت أوقع رضوى، يمكن هي معملتليش حاجة بس أنا كنت عاوزة جودة لما يخرج من السجن يلاقي مراته فى الشارع بعد ما خالتي ترميها لكلاب السكك،وعلى فكرة أنا ال بلغت والدتك أن رضوى مش عذراً ،لأني عرفت كل حاجة من مذكرات كاملة ،مكنتش عاوزاها تتهنى،كنت عوزاه يطلع من السجن قلبه ينكوي على أخته،لما يلاقيها راجعة يوم صباحيتها ، زي ما عمل معايا وحرق قلبي على الحاجة الوحيدة ال باقية لي من ريحة أهلي ”

قالت زينة عبارتها وهي تحدجني بإستمتاع لتفاصيل وجهي ،التي تسبها وتلعنها ألف مرة،بينما وليد يعاتبها :_
_ غضبك منه عماكي خلاكي أذيتي واحدة ملهاش ذنب ….أنيت جربتي الظلم …المفروض متظلميش

بررت وهي تستل سيجارة من علبتها:_
_ ما أنا هكثف الهجوم والضربات عليه مش هخلي عزيز عنده ..غير وهحرق قلبه عليه..يمكن أنت نفدت لأنك مش من نفس البطن…بس هو حسابه عسير…ودفع الحساب كان أول حاجة فيه لما روحت له وساومته أني هطلعه براءة بس يمضي لي تردد كتير ،وبعد تفكير وافق ،بس ال هو ميعرفوش أني رفعت قضية خلع وهكسبها ….أما الخطوة التانية فهي أنت

نظر لها بعدم إستيعاب وهو يقول بإستنكار:_
_ أنا…؟ مالى…؟

أردفت وهي تنفث دخان سيجارتها وثغرها ملون باللون الأحمر الأنثوى الداكن:_
_ حط أيدك في أيدي وساعدني ندمر العيلة دى…لو عاوز تجيب حق والدتك ال ماتت بحسرتها عليك بسبب يامنة..خليك متعاون..ومش هتخسر

هز رأسه برفض ، وبإستهانة بحدثها وهو ينفي فعله لذلك:_
_ لا طبعاً ،يامنة بنسبة لي كارت محروق،محطة ،ترانزيت يعني،عشان حمل مراتي وراحتها ،لكن أنا هاخد إسراء وهنسافر طنطا.. ..ونبدأ حياة جديدة كلها حب وإحترام وودة…أنا مش عاوز أعيش عمري كله فى صراعات وفى فعل ورد فعل…عاوز أعيش فى سلام يا زينة .

همت لتلقي شيئاً على مسامعنا لكنها ترددت وتراجعت فى اللحظة الأخيرة لتصحح:_
_ الموضوع بسيط…كل ال هحتاجه منك …تمضي لي على كل ال هي كتبتهولك باسمك ….وتسيبني أتحكم فيها وأذلها هي وجودة

أتسعت حدقتي عينيه بفضول وذهول :_
_ فاهم مدى كرهك لجودة لكن ال مش قادر أستوعبه هو مدى الحقد ال فى قلبك تجاه يامنة

أخذت نفساً من سيجارتها بتركيز تضيق فيها عينيه :_
_ يامنة كت بتموت فى اليوم ألف مرة لما والدك أتجوز عليها…أمي حكت لي….قد أيه خالتي كانت حاسة بتأنيب ضمير،لأنها خدت خطيب أختها…وزي ما خدته جت ال لطشته منها

قوس ما بين حاجبيه بصدمة ليلوذ للسكون للحظات غائمة وهو يقول:_
_ يعني بابا ..كان…كان…..

فأجابت بتأكيد وثقة:_
_ كان خاطب والدتي قبل يامنة وسابها..وخالتي مستحرمتش وكسرت بمشاعر أمي …وكوت قلبها ولازم تشرب من نفس الكأس…وأنا عارفة يامنة من أختي ميأدبهاش غير الفلوس

زفر بإستياء وهو يمرر أصابعه فى فروة رأسه بحيرة ،وإضطراب قبل أن يواصل:_
_ والأدب ده مينفعش غير عن طريقي…يامنة ست شرانية وجداً….أخاف بصراحة لتأذي مرأتي ..وبعدين أنا مش هتنازل عن عيادة مجانية فى القاهرة ويمكن دي الحسنة الوحيدة من الست دي عشان أكتبها باسمك..هبقى كسبت أيه يعني

صفقت بيديها بإعجاب برجاحة عقله وهي تضيف بغموض:_
_ خسارة قريبة ولا مكسب بعيد…عموماً هسيبك تفكر ..وهنفذ الخطة التانية مع نوارة…أول مسمار فى نعش جودة ويامنة

سالها وليد:_
_ هتعملي أيه…!

أما فى طنطا

وفى المطبخ العمومي على وجه التحديد

مررت هند الليفة الخاصة بالأكواب فى عمق كنكة القهوة ،تضع مسحوق التنظيف السائل الأصفر بشرود ،يجلس زوجها على كرسي طويل ذو أرجل عالية شابكاً يديه ببعضهما ،ترتفع أختي بأطراف أصابعها للوصول إلى الرف الثالث ،لتجذب كيس البن ذو الماركة العالية ،بأنامل مٌرتعشة وهي تقفز ،حتى أتى من خلفها ياسين ليلامس كفه طلبها ،وهو يقول وعطرها الانثوى الناعم يداعب خياشيمه:_
_ مش عاوزة مساعدة…؟

ردت بفتور:_
_ يوووه ،بطل رخامة

فتابع وهو يتقمص الحزن ويبتعد عنها:_
_ كده..؟ طيب شوفي مين هيجبهولك يا أوزعة

إبتسمت برقة وهي تغازله على مضض:_
_ ميبقاش خلقك ضيق أومال…أنا لى بركة إلا أنت يا حبيبى

عقب وقد أتسعت إبتسامته الخبيثة ،وبغموض أصر:_
_ طبعاً أنتي عارفة أن مفيش حاجة ببلاش الزمن ده

أومأت بالإيجاب فأستطرد وهو يدنو منها بجرأة ويشير إلى وجنتيه :_
_ عاوز …بوسة

لكزته بخفة وهي تهز رأسها برفض وبدلال،تبحث فيه عن السكر :_
_والله أنت رايق وفايق الدنيا قايمة حريقة بره،وأنت قاعد تحب هنا الحب ولع فى الدرة هههههه

تشبثت عينيه على شفتيها برومانسية :_
_ من جبينى طيب وهجبهولك

قالت بعناد:_
_لا

قلص المسافة بينهما وهو يتقدم بجرأة،حتى إلتصقت بالحائط ،وعينيها البندقتين تتنقلان فى مكان ،وترفان،حتى أطبقت عليهما بخجل ،فألتقط ثغرها الأملس فى قبلة مطولة ورومانسية ،وهي تدفعه بغضب :_
_ أنت قليل الأدب..هو ده جبيبني …وسع كده …أنا هجيبها بعصاية المقشة ولا الحوجة ليك

حاوط رسغيها بذراعه القاسي وبنظرات باردة،والذعر يدب فى أوصالها قبل أن يعقب وتصمت فى إستجابة له ونشوة:_
_ وليه معاملة جوز الام دى…يا حبيبتى أنا جوزك ..وحبيبك…وقلبك
يلتهم شفتيها بنهم وبعشق ،قطعه دخول رضوى المفاجىء ،وهي تسال عن القهوة يتنحنح كلاهما :_
_ احم طيب هستناكي بره

أعتذرت رضوى:_
_ أسفة أني جيت فى وقت مش مناسب

قال ياسين فى تخفيف:_
_ لا..متقوليش كده…هكلم سماح على ما تخلصى

تبعها عمر ليستفرد بزوجته وليتحادثان فى تصميمها على الذهاب مع والدتها ،فرمقه ياسين وهو يقول بصوت مرتفع وفى سخرية:_
_ هو أبوكي مأجر المطبخ ده بنسيون ولا أيه…؟
ليتبادل عمر وهند الضحك،وكذلك رضوى وقد توردت وجنتيها من الحياء والخجل

error: