رواية صعيدية غيرت حياتى بقلم أميرة السمدونى

الفصل الخامس

“جولت لك كتير لحمي مٌر ،مصدجتنيش إشرب عاد”

عبارة تفوهت بها كاملة مٌرتدية “هوت شورت ” يبرز حروق طفيفة على ساقيها النحيلتين ،وهي تدخن بشراهة ،يستند أحد ساعديها على سطح مكتب عتيق ،إعتكف عليه جودة ورأسه مٌنكس فى الأرض ،لا يدري كيف يتخلص منها وإلى الأبد دون أن يخسر عائلته،حتى قال وكأنه يعلن عليها الحرب:_
_واااه،وبعدين وياكي عاد ،كل ال حيلتي وأتحصلتي عليه،حتى بيتي وخربتيه ،رايدة إيه تاني ، مكفكيش خراب البيوت المستعجل..والله لو….

دنت منه وهي تتشبث بكتفه في قسوة،نافثة فى وجهه دخان سجائرها مٌتابعة،بانامل مطلية بلون هادىء لا يتناسب مع قوتها وحزم شخصيتها ،أيعقل أن تكون هي كاملة الضعيفة السلبية ..؟/ لا أدري لكنني أيقن تماماً من كونها إمرأة جذابة ومثيرة للغاية ،أرفدت بعناد يشوبه التهديد:_
_ ها..واصل…جولي تمامك وياي إيه…؟..هتجتلني ..؟…وأنا مستعدة للموت …بس يكون فى معلومك الأجندة إياها متحرزة رك بس ما يسيح دمي…هتكون ما بين يد وليد طليجي ..ال هيفشي سرك لمرتك ولأمك ..ويا عالم هيجطعولك تذكرة مٌستعجلة للاخرة وتحصلني ولا هيموتوك بالبطىء

قال فى إستسلام وهو يتنهد:_
_ خبريني طلباتك ..؟

صدرت عن شفتيها إبتسامة هادئة يشوبها المرارة وهي تشير إلى ساقيها غائرتي الجرح مٌستطردة :_
_الجروح الكوي لساتها منشفتش عاد،ومش هتنشف جبل طلاج نوارة

لوى ذراعها المٌتشبث بكتفه حتى أسقطها أرضاً وهي تصرخ من الألم وهو يقول:_
_ طلاج وطلجتك يا بت المركوب أنتي…خبر إيه عاد منتيش لاجية راجل يلمك…ولا أشتجتي للكرباج يعلم على جسمك…؟…غير إكده ال باجي لنا طلجة ..كيف يعني أطلجها أتجنيتي فى عجلك إياك..؟

كانت عقارب الساعة تشير للرابعة عصراً ،أقف خلف باب المكتب الخشبي العريض بحذر ،قطعته شهقة متفاجأة لجرأته عليها وكذلك لعقده عليها على الرغم من عدم مرور أشهر عدتها ،وهي مكورة على نفسها تأبى دموعها النزول ،تكز على أسنانها بضيق وإستياء ،محاولة تمالك أعصابها ،قبل أن تتابع بإصرار وعينيها تلتمعان بالشر،وبكف يديها تمسك خصلة من شعرها البني الناعم:_
_ وحياة مجاصيصي دهم،ليترد لك كل ال عملته…والليلة ومطلجتهاش ولو راجل ومن ضهر راجل جرب مطلجهاش

قبل أن تفلت أعصابه ليركلها مٌجدداً بقدميه ،إنتبه لوجودي وقد إنفتح الباب على أخره ،لإرتكازي بجسدي عليه ،فتسائل رافعاً حاجبيه بإستغراب:_
_ خير إن شاء الله …ال رماكي علينا

إبتلعت ريقي بأعجوبة ،يتصبب جسدي عرقاً وأنا أعود بخطواتي للخلف فى توتر وقلق من رد فعله :_
_أيه..ها..ام … لا مفيش كنت سامعة وليد بينادي ففكرته هنا ..ودخان السجاير فكرته وليد..معرفش إنك بتشربي ..أسفة

نهضت كاملة عن الأرض وهي تعدل من هيئتها لتستل سيجارة أخرى ،مٌضيقة عينيها لتحاصرني بنظرات غريبة قبل أن تضيف:_
_كتر الحزن يعلم البٌكا…السجاير من زمان متعودة عليها..لكني مشربتهاش جدام وليد من جبل ..

هم جودة بخطوات سريعة ليتوجه غلي والشرر يتطاير من عينيه ،لكن صوت وليد بالخارج أنقذني وبرفقته شقيقتي وحمدان وهو ينادي:_
_يا إسراء ..يا سوسو…هند هنا مش هتيجي تسلمي عليها …؟

أجبت وأنا أسير بخطوات مٌسرعة خارج المكتب ،لأهرب من “سلفي” وغرابة تصرفاته :_
_ جاية يا حبيبي ثواني

تبادلنا السلام والتحية،ولم أشعر بوجود شيء غريب بها سوى نبرتها الحزينة المٌنكسرة، بينما عينيها مٌغطتين بنظارة شمسية ذات طابع رجالي،تعود لزوجي الدكتور وليد ،حسنأ سأباشر التحقيق الآن،وقبل أن أفتح فمي بكلمة واحدة،لمحت “حماتي وهي تهبط السلم بعصاها الخشبية،ترتكز عليها ،تحدق بإستغراب فى هند فى محاولة للتعرف عليها :_
_ مين السنيورة عاد..؟

رد وليد بعذوبة وهو يدفع هند لتلقي التحية عليها:_
_ دي هند أخت إسراء،قربي يا هند سلمي

عانقتها أختي بحنان ،بينما الخالة تنفخ بإستياء:_
_يا أهلا وسهلا ..أصل المشرحة ناجصة جوتلة

تنحنح وليد بإستياء قبل ان يستطرد:_
_ أحم…إكرام الضيف واجب ..ها ..ملوش لزوم الكلام ده

ظل الصمت رفيقنا للحظات ،أفكر فيما حدث منذ قليل،لتستلني هند وهي تقبلني من وجنتاي بحرارة ودموعها تبلل وجهي ،بإشتياق وحنين ،وهي تعبث بكفها على بطني :_
_ وحشاني جداً يا سوسو ،والعفريتة الصغيرة ال جاية فى السكة دى ..حبيبة قلب خالتو

مع جملتها إختفت إبتسامتي خلف سحب الحزن ،مُتذكرة ما أخبرني به عمي منذ سويعات قليلة ،تنهدت بعمق وأنا أسحبها للأعلى ،لنتحدث ولنتبادل همومنا البعض ،بينما أستأذن وليد :_
_ طيب يا إسراء..هسيبكم على راحتكم…وهروح مستوصف قريب مننا هنا..فى حالات مستعجلة كتير على ما الأكل يجهز

مع جملته الأخيرة ،تناهى إلى مسامعنا صوت الخالة يامنة وهي تقول لإحدى صغار نوارة بلهجة آمرة قبل أن تدلف للمطبخ المركزي الكبير بالأسفل:_
_ أزعج لأمك من فوج لتحضر الوكل وياي جوام

فأتاها صوت كاملة بعبائتها الصعيدية مٌتجهة للمطبخ وهي تقول:_
_ شيعت لها من حبة …وهملتني وجفلت الباب في وشي ..وكأن علي يدها نجش الحنة ..!!

قالت الخالة محتفظة ببرودها ،وهي تمط شفتيها:_
_ وأنتي إيش حشرك عاد،وبعدين بدل ما تشيعي لها ما تهزي طولك وتجهزي لنا الوكل جوام ..بدل ما تخلي الغرب يكلوا وشنا ويجولوا علينا محناش أهل كرم..؟ …صوح…ومتنسيش توكلي الطير ..زمانه جرب يموت على السطح من جلة الوكل والشرب

مدت ذقنها بوعيد وهي تضرب بقدميها الأرض بعصبية وبلهجة قاهرية تلقائية أردفت بعد أن غادرت الخالة وهي تصعد لغرفة نوارة من جديد:_
_ حتى أنتي يا خالتي..!، ده أنتوا أيامكم مش فايتة..والله لهوريكم أيام أسود من قرن الخروب..!

فى طنطا

حزمت رضوى أمتعتها فى حسم لا تراجع عنها،ستسافر إلى الصعيد والآن وليذهب الناس وشكوكهم إلى الجحيم ،هاتفت العم عبد المنعم وأخبرته بما حدث ،وجم لما حل بها ،وأنقبض قلبه لبحة صوتها ،أتصل بياسين زوج أختي ليتفق معه على خطة شكلية مٌزيفة لكي لا يلفت عودة رضوى المفاجأة الانظار فى الصعيد ،بينما عمر بحلته الزرقاء الأنيقة لم يخلع حتى عنه رابطة عنقه، يجاهد لكبح جماح ثورتها بلا جدوى،تثني ملابسها فى حقيبة سفرها ،فى إنتصار لكرامتها أمام إمرأة مٌستبدة ومٌتسلطة، تأبى الخضوع لزوجها ولكلماته المعسولة،وقد نفذت خزانتها من الأعذار التي تلتمسها له فى كل مرة،فالامر يتطلب وقفة حاسمة وإلا يتعيش بقية حياتها تقدم فى تنازلات لا معنى لها ،هبط خلفها السلم وقد تناهى لمسامعهم صوت أبي وهو ينهر أمي بحدة:_
_ يا شيخة ال بيته من إزاز…انتي نسيتي إسراء وحبها لهاشم..؟ ولا هند وال كان هيجرى لها عند خالت لبنى..؟، كنا نرميها فى الشاراع وقتها وكانها جربة لمجرد حادثة أي بنت متنيلة متعرضة لها…؟…ده أنتي حتى ولية زيها المفروض تحسي بيها

عقبت بسخط وجفاء:_
_ وأنا مين يحس بيا وبالنار ال جوايا،يعني لو مكنتش نوارة قالت لي يوم دخلتهم كنت هعيش العمر كله معمية…؟

أخذ أبي نفساً طويلاً قبل أن يلفظه:_
_ أنا راضي وأبوها راضي..وأنت مالك يا قاضي..مش ابنك عارف وراضي ومسامح وهي مخبتش عليه…لزمتها أيه الهرجلة ال عملاها لنا دي

رفعت حاجبيها بغضب مٌستطردة:_
_ هرجلة..؟ ده بدل ما تجيبها من شعرها وتمسح بيها البلاط الهانم ال قرطستنا وحطت بوزنا كلنا فى الطين ،ومتقوليش إسراء وهند،لأنهم أشرف من الشرف

لوح بكفه فى وجهها بحنق من تصرفاتها الخاطئة وبصوت جهوري:_
_ لو مش عشانها ..يبقى عشان بنتك ال عايشة معاهم هناك…ال هتقدميه هتحصديه شغل الحموات بتاعك ده

أستكانت للحظات مضت فيها رضوى على عجلة وهي تفتح البوابة الحديدية إلا أن ذراع عمر حال دون ذلك،هزت قدميها بتوتر ،وهي تجفف دموعها من على وجنتيها المتوردتين :_
_ سيبني يا عمر

مط شفتيه بأسى وبنظرات خجلة منها:_
_ عارف أن كلمة أسف شوية..بس بوعدك يا رضوى أنا مش هخلي حد يدوس لك على طرف..ولو مش مصدقاني تعالي وهوريكي

سلتت كفها من يديه وهي توضح بغصة فى حلقها:_
_ لا يا عمر..مش عوزاك تخسر أهل أبداً أنا ممكن اتعوض هما..لو بتحبني بجد سيبني أروح لأهلي ..هما هياخدوا لي حقي من غير ما أورطك

رفض بعناد وهو يضم رأسها إلى أحضانه الدافئة ،وقد فلتت دمعة عابرة من مٌقلتيه :_
_ عمري ما حسيت بالعجز زي دلوقتى…أنا أسف ..اني كنت سبب فى دموعك يا حبيبتى …لو على عمى فهكلمه وهيجى لك لحد عندك بس متسبنيش..أنا ما صدقت أني لاقيتك

فى المندرة الصعيدية

حل الليل كضيف خفيف مع عقارب التاسعة مساءاً،فسجل القمر حضوره فى السماء لينير الكون بضوئه الفضي الهادىء، بعد أن قصصت على هند بما حل بطفلتي الصغيرة وتشجيعها لي على الإجهاض ،يحاول وليد ،أما فى الأسفل ، فأستقبل زوجي عديله ياسين بحلته الانيقة وبباقة الورود الحمراء الرومانسية قبل ساعة بود وترحاب ،يعاتبه زوجي على ما فعله بهند وعصبيته المٌفرطة معها ،كلاهما يجلسان سوياً مع حماي فى غرفة المسافرين يتجاذبون أطراف الحديث فى شغف ،لم يغب عن حمدان بحكمته وخفة دمه ، فشرع وليد وهو يعدل من نظارته الطبية :_
_ بزمتك دى الساعة4 الضهر هكون عندك .. هكون قدامك …أونطجي بصحيح

إبتسم ياسين ،يسند ظهره للمسند ،وهو يبرر :_
_ والله كنت ناوي فعلاً أطلع من القاهرة بدري،بس حمايا كلمني وقالي إنهم جايين النهاردة ،فأضطريت أقابله فى المطار هو وعمور ومدام رضوى

عقد وليد ما بين حاجبيه بإندهاش يفتح فيه فمه بعدم تصديق:_
_ حماك ال هو حمايا…؟ أمال مكلمنيش ليه..؟ ..غريبة معادهم كان كمان أسبوع ..مع أول رمضان أيه ال جابهم بدري…؟

رد حمدان وهو يرتشف فنجان قهوته بسخرية لتهدئة زوجي:_
_ متبقاش قلوق كده يا شق،وبعدين هو أيه ال أيه جابهم بدري، محسسني إننا فى مؤسسة حكومية وفي دفتر حضور وإنصراف خليك كول ومتكبرش كل حاجة

أستفسر الدكتور عبد المنعم:_
_ رضوى حصلها حاجة…؟

هز ياسين رأسه بالرفض ،بينما ملامحه وجهه يبدو عليها الحزن ،ليواصل وليد:_
_ ياسين أنت فى حاجة ومخبيها علينا…؟

أجاب بعد دقائق من السكون وهو فى حيرة من أمره:_
_ لا …بس..بس

أنزل حمدان ساقيه عن بعضهما وهو يقول بعصبية وخوف على شقيقته :_
_ بس إيه …انطق

قال بإستسلام:-
_ عمر ورضوى متخانقين والبيت قايم حريقة فى طنطا

نهض حمدان مع عمي ليتصلان ب “رضوى” عليها ، لتغلق هاتفها بعد إلحاحهما الشديد فى الإتصلات المتٌكررة ،مُثيرة القلق فى نفس عمي وشقيقها الأصغر “حمدان” ،قال وليد وهو يتناول إحدى السجائر بين شفتيه:_
_ خدتنا فى دوكة ومخلتنيش أقولك ….وأوصيك على هند ..هند أختي ..ال مجبتهاش أمي..عاوزك تحطها فى عنيك ومتزعلهاش، ومتبقاش راسك ناشفة،وجهها بس باللين وبذكاء ،متحسهاش إنها عروسة ماريونت وملهاش شخصية ولا رأي ..وأهلك ..نصيحة أفصل بينهم وبينها ..خلي التعامل بحدود بلاش الدنيا تبقى سايبة على بعضها كده

أومأ بالإيجاب موافقة على حديث وليد قبل أن تأتي الخالة يامنة وهي تقول:_
_ السفرة جاهزة ،اتفضل يا ولدي نورت الموندرة كلها

عقب وليد بضحكة لذيذة:_
_ غدا إيه بقى قولي عشا،كله عشان تأخيرك يا أبو نسب محدش رضى يحط أكل فى بوقه إلا أما تيجي ..يلا بينا

كان الأمر غريباً للغاية ،عدم خوف زوجي على “رضوى” ،تناول ياسين الطعام معنا ،لتمتد السفرة بأنواع شهية من الطعام المحشي والحمام وصواني المكرونة بالبشاميل،وأنواع من العصائر المنوعة ،تداعب الروائح الشهية الأنوف ،لتفتح الأنفس لتلتف الكراسي حول المائدة الكبيرة أمام البيت فى الهواء الطلق ،لحظات رومانسية جميلة ،فى ليل من أحلى ليالي الصيف بنسيمه الرطب ، تقدم الدكتور عبد المنعم الطاولة ،والخالة تفصص له”دجاجته الخاصة ه إلى أربع صغيرة بحنان وكأن حبها لها لن يطفأه الزمان ، بينما وليد يجلس إلى جواره أضع على ركبته منشفة بيضاء لكي لا تتسخ منامته الزرقاء ،وأنا إلى جواره وعلى الناحية المقابلة كاملة تحدق بي فى غيظ كبير ووليد يطعمني بحنان ويدللني أمامهم،أما نوارة فكانت شاردة فى عالم أخر يبكي صغارها لتقدم لهم الطعام ،لم تنتبه إلا عندما لكزتها الخالة وقد بدت هي الأخرى تطالعني بنظرات غريبة،تحمل فى ثنايها كره كبير ،أردفت كاملة وهي تسحب أحد صوابع المحشي بغضب بينما عمي فى واد أخر يفكر فيما حل بابنته وكيف الخلاص أخبرهم بوجود مشكلة لديها لكن لم يخبرهم عن حقيقتها :_
_ أتجلعي ..كومان..على واخرك…كهن حريم بصحيح

همست بدلع ورقة لأكيدها وأنا أمنح زوجي معلقة من السلطة:_
_ أأأه… يا ليدو

قاطعني وهو يضيف بذعر علي :_
_ سلامتك يا قلبي من الأه ، ،أجيب لك دكتور..؟

فأردفت وأنا أطبع قبلة على وجنتيه:-
_ دكتور إزاي ..؟ وأنت جنبي ده البصة في عينك تشفي العليل يا روح روح قلب إسراء من جوه

غرست كاملة السكينة على المفرش بعصبية وهي تكز على أسنانها بغيظ :_
_ال سابته الهانم تاخده مساحة السلالم أشبعي بيه يا مسهوكة…لكن حطي فى بالك الشاطر ال يضحك فى الأخر

رمقها وليد بضيق وهو يوجه لها الكلام بحدة وقسوة قائلاً:_
_ لمي لسانك يا كاملة وبطلي طولة لسان بدل والله لهمسح بيكي بلاط المندرة وما هيهمني لخالتك ولا الجن الأزرق

طالعته بتحدي وجودة على الضفة المقابلة بجوار نوارة ،نظراته مشحونة بالغيرة والحقد ،لتضيف:_
_ هجطع لك مترين تستر بيهم كرامتك ال هبدلهالك جدام الخلج دلوجيت ..أجف عوج وأتكلم عدل

تنحنح جودة وهو يكاد أن يزور قبل أن تمنحه نوارة كوب من المياه :_
_ فضونا سيرة من كيد النسوان ده..وأنتي يا كاملة ..أكتمي

خبط عمي بكفه على الطاولة بلهجة أمرة:_
_ على الأقل أعملوا إحترام للكبير ال قاعد وسطكم .وتطبلوا شغل لعب العيال ده

واصلت الخالة فى تأكيد على كلام طليقها:_
_ والله ال ما هتحط لسانها فى خشمها ….لأخلي رجلها يتجوز عليها الليلة

غاب عن تلك المناوشات ياسين وهند ،يتبادلان نظرات هائمة من وقت لأخر،تنكس شقيقتي رأسها فى الأرض بخجل ،حتى سعل ياسين بشدة،حينما وقفت فى زوره لقيمة صغيرة ،تضربه برقة على ظهره هند ، لتمنحه كوب من المياه الباردة،وقد أتته الفكرة من جودة،لامست أنامله الرقيقة كفها بحنان، فنزعت يديها بشكل مفاجىء فى خجل وحرج من ما فعله أمام الجميع،ليقول حمدان:_
_ أحم الله يسهله ..أيوة بقى

تأسفت هند بتلجلج وإعتذار ،وهي تمسح بغطاء رأسها قميصه ،المٌطلة منه عضلات صدره المكسية بشعر خفيف ومُثير ،قطب ياسين حاجبيه وقد إبتل قميصه الثلجي القابع أسفل السترة الزرقاء ،وهو يعنفها:_
_ تؤتؤتؤ…أنتي حولة …مش تفتحي…!

مدت ساقيها من أسفل الطاولة لتلكزه لكي يكف عن توبيخه لنا أمامنا إلا إن وليد علق بضحك:_
_ على فكرة دي رجلي ال هرستيها..وأنت يا عم ياسين لم الليلة جايبنك تصالحها مش تنكد عليها

فزت هند من مكانها وهي تركض صوب غرفة المسافرين لتجهش فى بكاء قطعه دخول ياسين ،المفاجىء دون أن يطرق الباب ،خلع عنه سترته الزرقاء وكذلك قميصه ،تواجه عينيها عضلاته القوية فى خجل ،رجع بظهره للوراء على أريكة عريضة،وهي قبالته على كرسي فردي وهو يقول بلوم:_
_ ال حصل ميتكررش تاني يا هانم ،أنا راجل حنين معاكي أه وبخاف من الهوا الطاير على مشاعرك أه، إنما المرة الجاية لو إتكررت وسيبتي بيت جوزك هتاخدي على دماغك

نظرت له بسخط قبل أن تعلق:_
_ غلطان وبيتأمر..وأنا ال فكراك جاي تتأسف..وبعدين أيه ده قاعد ملط كده مش خايف تعيا..!

واصل وهو يدنو منها بأنفاسه المثيرة وإبتسامته الخلابة للغاية وهي تعود بخطواتها للخلف حتى إلتصقت بالحائط وهو يقول :_
_ ماشي يا ستي أنا غلطان وكلب،ها مبسوطة كده

أطبقت على جفنيها وضربات قلبها مٌتزايدة قبل أن تسخر:_
_ لا متشبهش نفسك بالكلب لأحسن بيزعل

إبتعد عنها وهو يرد لها الإهانة مٌستطرداً:_
_ لا كله إلا كده مقدرش على زعل أبوكي

إتسعت عينيها وهي توبخه:_
_ بقى دادي بوبي …؟ تصدق أنا ال غلطانة إني قبلت أتجوز واحد مبقع زيك

عاد للأريكة وهو يضع ساقيه على بعضهما بتهكم :_
داداي..؟، عيشي عيشة أهلك يا بنتي ،الله يرحم أبوكي مان بيركب هو وإخواته الحمار وبيتخانقوا مين ال هيبقى جنب الشباك ،وبعدين تعالي هنا أنا مبقع يا أم شنب أنتي

أطبقت على عينيها وهي تضيقهما تتحسس موضع شنبها وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها:_
_ ده..ده علامة الانوثة أيش فهمك أنت…!

واصل بنفس سخريته :_
_ على كده بقى أنا ست الستات هههههه

رمقته بنظرة جانبية مٌستهزئة:_
_ والله كل واحد أدرى بنفسه

عقد ما بين حاجبيه بوجوم مصطنع:_
_ جرى أيه يا حيزبونة أنتي ،هتسوقي فيها ملا خلاص ولمي لسانك الطويل فى ليلتك دي

لم تجبه بل دخلت فى نوبة طويلة من الضحك حتى إستفزته فأضاف:_
_ نفسي أفهم جايبة البرود والتناحة دي منين..؟ عمال أهزق فيكي مقضياها ضحك ..؟

أجابت وهي تخرج لسانها :_
_ مش هقولك يا لئيم عشان متروحش تجيب زيي هه

تنهد بسخط:_
_ تصدقي بالله أنتي مُستفزة

علقت بإيجاز:_
_ طيب

قبض كفه وبسطه عدة مرات قبل أن يقول :_
_ صبرني ياربي

إقتربت من كرسيه وهي تركز على ركبتيها ،تدس عينيها فى عمق عينيه البندقيتين ،و هي تلتقط كفه البارد بين دييها وبشفتين مٌرتعشتين وبمشاعر فياضة وحساسة قالت :_
_بحبك

غمز بعينيه فى خبث لذيذ:_
_ ثبتيني يا بت ثبتيني

قبلت بشفتيها الورديتين كفه ،وقد بللت بدموعها الساخنة يديه وهي تجهش فى البكاء ،مواصلة إعترافها:_

_ ياسين أنا أسفة لو ضايقتك وسببت لك مشكلة مع ماما ،ال أنت عاوزه أنا هعمله..أنا فكرت كويس فى كلامك…متزعلش مني

إبتسم بحنان وهو يحتضنها ،ويرفعها للأعلى فى معانقة حنونة لتصمت بعد جملته شهرزاد عن الكلام المباح:_
هنود انتي شمس دنيتي ،ال بتنور حياتي مستحيل أزعل منك يا حبيبتي

error: