رواية صعيدية غيرت حياتى بقلم أميرة السمدونى
الفصل الثانى
أنهت الخالة يامنة صلاة الضحى وهي تسبح وتحمد الله وتستمع لأيات من الذكر الحكيم تُبث عبر الراديو ،لتمنح المنزل الراحة والطمأنينة ، بينما نوارة إلى جوار الفرن “البلدي” وإلى جوراها طاولة مستديرة صغيرة الأرجل”طبلية” وإناء واسع تضيف الماء إلى الدقيق فيه ،بينما صغارها فى الحضانة يشغلون أوقاتهم بشيء مفيد ،لم تكن الامور بيننا وصلت لأوج التفاهم والمحبة فكما يقولون دائماً”إن كان القمح قد التبن تبقى الحما تحب مرات الابن” ،على ما يبدو إنها معركة أزلية أو قاعدة عامة ،بينما هي فى خلوتها دخل عليها ابنها البكري شهقت بفرح وبغير تصديق:_
_ حمد لله على السلامة يا ولدي ،نوووارة ..شهلي يا بت …بسرعة سبعك رجع ونور البيت من تاني
لم تنجح نوارة فى إلتقاط جملة الخالة ،لبعد المسافة ولوجودها فى الحوش الخلفي أو الفناء للمندرة فأردفت وهي تهم بالنهوض:_
_بتجولي أيه يا خالة …منيش سمعاكي…ثوان هغسل يدي من العجين وجاية
قال جودة بقلق على أحوالهم:_
_ كيفك يا أمه…وكيف حمدان كلكم زين..!
أردفت وهي تقبله من وجنتيه ويديه بإشتياق ودموعها تغالبها:_
_بخير يا ابني ،طول ما حسك فى الدنيا ،جولي ليه سلمت نفسك عاد وكيف بلتطخ يدك بالدم…؟
واصل بعيون شاردة تحمل فى طياتها الغل:_
_ سلمني ولد البندرية ال أوتيه لسنين وسنين…قال لأجل العدالة تاخد مجراها
هلت عليه نوارة بحنين وهي تجفف يديها فى طرف عبائتها وترفع عنها نقابها لتعانقه بحرارة:_
_ جودة …منيش مصدقة نفسي…نورت المندرة كلها…اتوحشتك كتير ..صحتك وحالك وكلك زوين..؟
إحتضنها بحنان وهو يضيف:_
_الحمد لله ..وولادك عاملين أيه..؟
فرك زوجي يده بعينيه بشدة من هول المفاجأة ليقول بصدمة:_
_ جوووووووودة..!
قال جودة بعبائته الصعيدية المٌتسخة:_
_ مفاجأة مش إكده…؟..,,شكل المفاجأة معجبتكش
أضاف وليد بإستفهام
_ لا أبداً نورت بيتك ومطرحك، استغربت بس عشان حكم ال 10 سنين ال خدته على قتل كاملة و مهند بعد التخفيف، مع إنك مكملتش أسبوع واحد..!
رفع حاجبيه بتهكم مرير:_
_ ،ولاد الحلال بجى دفعوا للمحامي فلوس النقض وبمحامي شاطر عارف ثغرات القانون طلعت براءة وبعدين لستاك مصمم أني ال جتلت طليجتك…؟
تابع وليد بتفسير:_
_ ده مش كلامي دي شهادة بنت المحامي،إنك أنت ال زجيت كاملة من على السطح ..!
تدخلت الخالة مُجدداً لتقول بضيق:_
_ ووواه..مش وجته الحديت البايخ..سيبوا أخوكم يطلع يرتاح يا ولاد
إتجه بنظراته الحادة القاسية لأبيه وكأنه يعاتبه :_
_ معتجدش بعد النهاردة هيكون فيه راحة يا أما… ألا صحيح عامل أيه يا أبوي عرفت تنام وتحط رأسك على المخدة وأنت فاشي سر ولدك للغريب ومبلغ عنيه البوليس..؟
مط شفتيه عمي وهو يقول متجهاً للمخرج:_
_ الكلام ده ملهوش لزوم يا جودة…المهم رجعت بيتك بالسلامة…هستأذنكم أنا بقى ..على تليفون يا وليد
قال نوارة بإستغراب
_ ووواه …هتمشي جبل الغدا يا عمي….!
عقبت يامنة بسخط وإنزعاج:_
_ وكأنك مخلفتش غير ولد البندرية يا حاج منعم ,لا نجول الدكتور
ضحك عبد المنعم بسخرية عاتبة:_
_30 سنة جواز …وال فيكي فيكي..نفس العقدة…العلام …ال حرمت البكري الكبير منه
نفخت بعصبية:_
_ متجلبش فى الدفاتر الجديمة عاد..وجولي كنت بتعمل إيه فوق مع البندرية بتشتكيك مني صح…؟
قال حماي بتصحيح وهو يدافع عني:_
_ البنت لا إشتكت ولا قالت بم….كشف عادي زيها زي أي واحدة حامل….وبنسبة لشغل البيت فمتقليش عليها يا يامنة البنية لسه شهورها الاولى والحمل مثبتش….عندك نوارة ورضوى ربنا يديهم الصحة…أنسي إسراء الفترة دي و
واصلت يامنة بغضب وإنفعال:_
_ مكانتش شكاير أسمنت ال طلعتها فوج بنت المركوب…ال هتعمل عليهم الزيطة دي كوالايتها
قال عمي بتحذير جاد وهو يرفع عنه نضارته الطبية :_
_ حملها لو نزل …هيبقى بسببك ..متولمهاش بعد كده اللهم بلغت فاللهم أشهد
بتر حديثهم دخول حمدان المفاجأ بعد عودته فى إجازة سريعة من مكتبه الهندسي،ليعانق الحاضرين بود ومحبة وإشتياق ولهفة ،وعمي يساله عن أحواله :_
_ عامل إيه يا بشمهندس وأخبارك .،وأخبارها
لوت فمها بمكر ووعيد:_
_ اخبارها…؟ وأنت مفكر إني هجبل ببندرية تاني..على جثتي
أردفت نوارة بطيبتها المعهودة فهي كما يقولون عادة” حمار شغل”، لتقول:_
_ هدخل أكمل تحضير الوكل أمانة عليك يا عمي متمشيش جبل ما نتغدوا سوى،اللمة الحلو دهي مش عندينا كل يوم
فى تلك الأثناء كنت واقفة على الدرج أراقب الموقف من بعيد،لتطالعني حماتي بضيق ومشاعر متنوعة من السخط ، لكن دخول إمرأة غريبة بنقاب لفت انظارالجميع،لتنزعه عنها وأثار كدمات والعلامات الزرقاء تغطي جسدها ،لنقول جميعاُ فى صدمة وذهول ورعب:_
_ كااااااااااااااااااااااااا
المشهد الثالث
أما فى القاهرة وفى بيت العائلة الخاص بياسين تحديداً
كان اليوم مرهقاً بنسبة لشقيقتي ، فلم يغمض لها جفن مع أذان الفجر،أدت فرضها وقرات وردها فى حماس ،وبدأت تعد أطباق منوعة من الحلويات وصواني الدجاج والبطاطس،وأنواع اللحوم الفاخرة بلا كلل على الإنترنت،تشاهد مقاطع الفيديو وتحاكيها بالضبط وفى صبر ،يساعدها ياسين فى إتمام المهام الخفيفة وغسل الصحون والأوعية المٌتسخة اولاً بأول ،فاليوم تقام عزومة كبرى لحماتها وحماها وكذلك أيضاً سماح شقيقة زوجها وهي الأخرى برفقة زوجها،تريد هند أن تثبت نفسها ومهارتها منذ اللحظة الأولى،ساعات من التعب الوقوف فى المطبخ والعرق والصداع تحاوطها إلى أن انتهت وجبة الغداء ونهضت تدخل الاطباق وما على السفرة إلى المطبخ ،ولتعد فناجين القهوة والشاى لضيوفها ،دخلت ورائها سماح وهي ربة منزل فى الثلاثينات من العمر تكبر ياسين ب 3 أعوام،ترتدي فستان واسع ،بطنها المٌنتفخة تعلن عن وجود جنين ،تغسل أختي الاطباق بمسحوق التنضيف وتزيل الصابون بالماء بينما ترتشف سماح فنجان قهوتها وهي تجفف بقطعة قماش نظيفة أطباق “الصيني” بحذر لكي لا تنكسر ،
:_
_ كان فى موضوع عاوزة أفاتحك فيه…ووشي فى الأرض منك..خايفة لتفهميني غلط
علقت هند برقة:_
_ لا أبداً …تحت أمرك
حاوظت سماح بكف يديها معدتها المكورة وهي تقول بعيون مٌلتمعة وبشفتين بائستين :_
_ أنتي عارفة أني حامل فى الشهر التاني يت هنود، وحملي عزيز وصعب..ومحتاج لراحة ….حتى جوزى والله ما عارفة هخدمه إزاي أول كام شهر دول
واصلت هند وهي تناولها إحدى الأوعية:_
_لا ألف سلامة عليكي…مفيش حلاوة من غير نار…أول ما تشوفي النونو هتنسي التعب ده كله
قالت برجاء وتوسل:_
_إن شاء الله يخليكي يا حبيبتي ..عقبالك يارب…أنا بس كان لي طلب عندك،إلهي ميوقعكيش فى ضيقة
هند:_
_ أتفضلي
إبتلعت ريقها بصعوبة وبخجل قبل أن تتابع:_
_ بصراحة كده عاوزاكي تشيلي ماما الكام شهر دول…أنتي عارفة أن عندها خشونة فى الركب والعمود الفقري فيه ألالام رهيبة..وماشية بمسكنات وال كانت بتنضف لها البيت أنا …بس خلاص معدش فيا حيل أشيل ورقة
صمتت هند لثوان لتُحكم السيطرة على أعصابها قبل أن تواصل :_
_أأه،بس أنتي مش شايفة أن لسه بدرى على الكلام ده…انا ملحقتش أفرح بعريسي ..ملناش غير أسبوع والحياة الجديدة غريبة ومختلفة شوية…وكده هتصعبيها أكتر
سماح وهي تجفف الصيني:_
_ لا تقيلة ولا حاجة ..وبعدين الشغل حركة ونشاط …وبيخلي الخدود تورد والوش ينور والأعصاب تجمد ده حتى فيه 10 فوايد
نفخت هند بغضب:_
_ خليهم لك يا سماح مش عوزاهم
قطبت سماح حاجبيها :_
_ تقصدي إيه ..؟
استطردت هند بإصرار وتفسير وجرأة:_
_ ال بتطلبيه فوق طاقتي…أنا عروسة جديدة وبدرس ..ومحتاجة وقت على ما أخد على شغل البيت…متنسيش إني كنت بلاقي ال يأكليني ويشربني ويلبسني وأنا فى بيت أهلي…مكنتيشش بشيل قشاية …فهاجي هنا إزاي أشيل مسئولية بيتي وبيتها …؟
فتحت فمها بإعتراض وبصوت عال:_
_ أسمعي يا عنيا….القفة ال ليها ودنين يشلوها أتنين …زي ما هي أمي فهي أمه…ولازم تشيلوا طرف
أشارت هند بإصبعيها:_
_ أديكي قولتي طرف..مش تسيبي لي الليلة كلها
واصلت سماح وهي تشرب قهوتها الساخنة:_
_ مؤقتاً بس..لغاية ما أولد ولا عاوزاني أسقط الحمل…؟
علقت هند وهي تضع السكر فى الاكواب الفارغة والشاي الناشف::
_ فال الله ولا فالك ….مقصدتش كده …بس انا حقيقي معنديش وقت بشتغل فى شركة بعد الساعة 12 والصبح فى محاضرات وباجي بعد ده كله أعمل غدا وأروق بيت مفيش غير ساعة ولا 2 ال بقعدهم مع ياسين
قطع عليهم حديثهم دخول تحية وقد إصتنتت إلى جزء من الحوار وهي تجر عبائتها وترمقهم بإستياء وشعورها بالشفقة على حالها يزداد حتى كادت أن تبكي:_
_ ربنا ميحوجنيش ليكم…ويمتعني بصحتي…هانت عليكي أمك يا سماح تخلي ال يسوى وميسواش يتحكم فيها
قالت هند بصدمة:_
_ ماما…أنا
أوقفتها حماتها بيديها اليمنى بتحذير وهي تطالعها من أخمص قديمها لشعر رأسها بإستحقار:_
_ كلمة ماما دي مسمعهاش تاني،أنا سلمتك راجل زي الفل بيراعي ويتقي ربنا فيكي ،وأنتي مبتراعهوش ولا شارية خاطر أهله لحد هنا والكلام وقف
أخذت سماح نفساً طويلاً قبل أن تقول:_
_ ما أنتي عارفة ظروفي يا ماما…وعارفة دي هتبقى المرة الكام ال حملي يسقط فيها، ولا نسيتي أن الدكتور قالي لو الحمل تم لإي سبب المرة دي إحتمال كبير جداً مخلفش تاني..؟
ربتت على كتفها:_
_عارفة وعذراكي،الدور والباقي على السنيورة مرات أخوكي ….ال بتنطط …بس ليها راجل يشكمها
قالت أختي بإعتراض:_
_ طنط ….يعني أنتي عذراها ومش عذراني وأنا عروسة ومن حقي أفرح زي أي بنت بأول كام شهر جواز قبل ما يجي بيبي ويلبخني…؟
دخل ياسين بعد لحظات على صوتهم العالي ليستفسر عن تأخر مجىء أكواب الشاى::
_ بتتودوا فى إيه وسايبنا بره
واصلت والدته بلا إكتراث له :_
_ يلا يا سماح ….هسبقكم على تحت وأبقى حصليني مع أبوكي
أمسك بيدها مٌستفسراً وهو ينظر لهند منٌتظراً أن تعطيه تفسير لما يحدث :_
_ مالك يا ماما حد زعلك..؟
ألقت نظرة أخير على هند بإزدراء قبل أن تهبط لشقتها بالأسفل :_
_ لما يبقى لك كلمة فى بيتك ونتعامل بإحترام هبقى أخش لك
حاول تهدئتها بشتى الطرق بلا جدوى ،رافضة الحديث معه فأخبرته شقيقته بما حدث وبخطأ هند فى الرد على والدته ، صعد ياسين والدماء تغلي فى عروقه ف”تحية تعاني من إرتفاع ضغط الدم ومشكلة كهذه مرُجح لة ارتفع تأثيرها على حاله امه الصحية ان تصاب لا قدر الله” بجلطة “أو سكتة قلبية” ،دفع باب غرفة النوم المٌزينة بالورود بقدميه بإنفعال ،بينما هند على السرير تضم ركبتيها لبعضهما بواسطة أصابعها المٌشتبكة ،لتدفن رأسها بين ركبتيها فى بكاء وإنهيار قال فيه ياسين فى قسوة:_
اسمعي بقى يا بنت الناس …أمي دي خط أحمر …ومش قدك عشان تردي عليها الكلمة بكلمتها وتعمليها ند
بصوت مبحوح عللت:_
_ أنا أسفة …ب…بس والله يا ياسين سماح السبب…عوزاني أكنس وأمسح لوالدتك تحت و..
بلا مبالاة تابع :_
وإيه يعني …؟ اعتبريها أمك…؟ مش طول الوقت يا ماما يا ماما ولا ده كله كلام أونطة …؟
أردفت من بين شحتفتها :_
_ بس أنا ياسين من الأسبوع الجاى هستلم شغلي ومش هيبقى فى غير ساعتين نقعدهم سوا يادوب هجيب وقت منين لشقة ماما كل يوم
بعدم إكتراث واصل:_
_ مش شغلي يا هند …دي بتاعتك أنتي …ولا تحبي أطلع بابا وماما يباتوا معانا بدل ما تبقى شقتين تعب …؟
جففت دموعها وهي تنهض برجاء :_
_ ..مش عوزاهم لا …أبوس أيدك لا
بتنبيه لها قال:_
_ هند انتي نسيتي نفسك…دول أهلي ….ودي شقتي
بعناد كبير وعصبية ونفاذ صبر تابعت:_
_ وأنا مراتك مش خدامة أهلك يا ياسين ومن الاخر كده جحا أولى بلحم
طوره
رفع حاجبيه بإستنكار لطريقتها مٌستفهماً:_
_ طوره..؟ امي طور يا هند…؟
ثوان كز فيها على أسنانه قبل أن يقول:_
..طيب خدي هدومك وعلى بيت أهلك يا هند
إعترضت بلين:_
_ بس أنا لسه عروسة الناس هتقول أيه على …؟
سحب سترته من على الشماعة بقسوة وحدة وهو يصفق الباب الكبير من خلفه مستكملاً:_
_ معاكي حق…أنا ماشي وسبهالك مخدرة