رواية صعيدية غيرت حياتى بقلم أميرة السمدونى
الفصل الحادى عشر
فلاش ليوم مقتل كاملة
“جودة ..!!”
هتفت درتي باسمه فى هلع وهي تتراجع للخلف بذعر،وسط ضجيج ،حركة، غبار ،فى إحدى شوارع القاهرة التي يقطن بها المحامي ،أثر بناء برج سكني ضخم ،تصطف أكوام الرمل والاسمنت والزلط أمام منزلها ،وقدميها لا تساعدانها على الوقوف من شدة المفاجأة، فهو لا يعلم مكانها..؟ ولما جاء ..؟ تهاجم الأسئلة رأسها الثقيل بتوتر،قطعه صوته الجاد وعينيه السووداوين وهو يتلاعب بأعصابها:_
_ مفاجأة مش إكده…؟ معلش..عمر الشجي بجي
تسائلت وهي تبتلع ريقها بإضطراب من هيئته ومن المسدس المحاوط لأنامله :_
_ رايد إيه مني..!،إنطج بدل ما أصرخ وألم عليك الخلج
شد مسدسه بجدية مٌضيفاً رصاصة إلى خزنته وهو يقول بتهديد:_
_ الجصاص يا كاملة ،كيف ما لفيتي حبل المشنجة حولي وبلغتي الشرطة عني بالأجندة ال حداكي ،أنا كمان لازمن أتاويكي وميتعرفلكيش مكان
أتسعت حدقتي عينيها بخوف وترقب :_
_ أعجل يا مجنون متوديش روحك فى داهية
علق بمرارة :_
_ ومين جالك إن مكروه هيصيبني ،صدجيني أنا هطلع منيها زي الشعرة من العجين،لا من شاف ولا من دري..!
أستفسرت بعدم إستيعاب:_
_ كيف يعني..؟ هتلبس طاجية الإخفا…؟
مع جملتها جذب الصبية من ذراعها بعنف ،وهو يصوب فوهة السلاح تجاه رأسها الصغير وهي ترتعد فى تشنج:_
_ لاه، زجة خفيفة منيها ليكي هتكوني فى خبر كان ،وصوابع الإتهام كليها هتتوجهلها هي وأبوها ال أواكي
عقدت ما بين حاجبيها بإستغراب قبل أن تتابع بلوم:_
_ والبت زنبيها أيه عاد فى تصفية الحسابات دي…؟
ندت منه بسمة ساخرة قبل أن يستطرد:_
_ لا جلبك رجيج جوي وبتخافي ،على العموم أبوها عارف ألاعيب الجانون وهيطلعها براءة ..بجتل غير مجصود،الدور والباجي عليكي أنتي
أستفهمت بشك:_
_ أنا أيه…!!
واصل وهو يمط شفتيه :_
_ يا حرام،مجنعة جوي ،أنا نفسي كنت هصدج أنك مسجلتليش وأنا بأجر البلطجية لأبو مهند ،وكنت هصدج انك مبلغتيش عني البوليس دلوجيت ومخلياهم يجلبوا الدني علي..!!
صمتت لثوان قبل أن تجيب بمنطقية :_
_ وأنا مصلحتي إيه عاد…؟، جااتلي جتيل…؟ ومناش خابرة…؟ الدور والباجي على ولد البندرية شجيجك وليد اكيد هو ال رايد يتخلص منك،ويظهر بمظهر الشريف العفيف جدام أمك ومرتك،خصوصي نوارة ال كانت بتغفلك وتنزل تجابلك فى أنصاص الليالي
ترك الصغيرة الباكية التي توارت خلف باب السطح وهي تبكي،بينما رفع أصبعه فى مواجهة وجههها بتحذير ووعيد:_
_كله إلا نوارة يا كاملة إلزمي حدك
واصلت بإقناع:_
_ طب تجدر تجولي مرتك رشت المسحوج ليه اليوم إياه…؟وخلت إسراء تجع على جدور رجبتها…؟إلا لو كانت عينها على وليد…!
غلت الدماء فى عروقة ،فدنا منها وهو يكز على أسنانه،ويدفعها للخلف بقبضته القوية :_
_ جولت لك متحشريهاش في حديت عاد
إبتسمت بإستفزاز :_
_ ياريت الأمر وجف عند جده،إلا إنها طعنتك فى رجولتك ،وجالت إنك مبتكفهاش،ومش مالي عينها…!
مع عبارتها القاسية الاخيرة ،دفعها بحدة للوراء وهو يصيح ويهتف بإنفعال:_
_لاااااه،أنتي اكيد بتجولي إجده لأجل تبخي سمك فى ودني وأطلجها وتفضل أختك زينة ال على زمتي بس بعينك
ألتفتت للخلف وهي على مسافة خطوة واحدة من الهاوية يصيبها الدوار،فقالت بهبوط مفاجأ:_
_ هملني هموت في يدك،بتخنج
ما أن أفلت يديه وسحبها من على عنقها بقوة حتى أختل توازنها وسقطت على كومة الرمال من الطابق الرابع ليتهشم جسدها ويتحطم ،بينما يراقب جسدها الغارق فى الدماء جودة بذعر ،وضربات قلب مٌتسارعة إقترب فيها من الصغيرة وهو يضع فوهة المسدس على عنقها:_
_ والله لو جولتي عن شيء لأاجتلك…!!،أنتي وأبوكي وأدفنك وإياها
فر مٌسرعاً من الباب الخلفي للعمارة ،خشية أن يراه أحدهم يغطي بعمامته الصعيدية وجهه ،وهو يركض صوب الشارع العمومي،بينما زينة تصك بيديها على صدرها بهلع وهي تأن وتبكي وتنتحب وتصرخ بإنفعال:_
_ كااااااااااااااااااااااااا
والمارة يخبطون بأيديهم بتعجب على ما حدث وبشفقة على جسد المراة الملقى على الارض بإهمال والبعض الأخر إستدعى الإسعاف حتى جاء المحامي وتبعهم إلى المشفى ،مع طفلته الباكية والخائفة
باك
فى منزل كاملة
قبل أن تعلق درتي بكلمة واحدة فاجئها دخول جودة بعبائته الصعيدية ،وبنظراته الغامضة وهو ،يرفع صوبهما السلاح فى تهديد قائلاً:_
_ هتجولي لي ودلوجيت كيفك لساتك عايشة وال رايده منينا ولا أجتلك…!!
جائه صوت مألوف للغاية من الداخل ،لإمرأة ملتفة بسواد قاتم وهي ترتدي نقابها قائلة بغضب:_
_ جودة…؟ إيه ال جابك إهنه…!،راجل البيت مهواش موجود
عقد ما بين حاجبيه بعصبية وهو يقول:_
_ زين أنك خابرة ،وواحدة متجوزة كيفك ،بتسوي أيه فى بيت راجل غريب..!
أجابت بغموض:_
_ بجرب حظي كيف ما أنت جربت ،إيه حرام علي وحلال عليك..!!
رمق زينة فى عبائتها الواسعة بإستياء وهو يقول:_
_ والله كنا أخوات وملمستهاش يا موهجة جلبي
أبتعدت عنه وهي تعنفه بينما درتي تتابع بشماتة ما يحدث لكونه السبب فيما حل بها :_
_ ما هو كلام ال بناخدوه منيك ،لكن الفعل تتجوز علي…؟ دي أخرتها يا جوزي يا سيد الرجال ،ده أنا كنت بضرب المثل بحكمتك…!
أردفت زينة :_
_ متقلقيش الليلة أنا هيتكتب كتابي على حمدان وهسيب لك جودة تشبعي بيه
أتسعت حدقتي عينيه على أخرهما وهو يقلص المسافة بينه وبينها :_
_ وووواه ،من ميتى الحديت الماسخ ده…؟على جثتي الجوازة دي تتم
رفعت زوجته حاجبيها بغيرة وهي تستجوبه:_
_ جوازكو سوري صوح…؟ بتأكل بعجلي حلاوة…؟ ماشي يا جودة ابجى شوف من ال هيدير باله عليك وعلى عيالك عاد
نفخ بغضب فهو لا يحمل أية مشاعر لزينة ،لكن كونها على زمته فما سيحدث سيكون زنا،وقبل أن يوضح ما يجول فى باله ،فتح باب الشقة المحامي برفقة صغيرته العائدة من المدرسة ،التي ما أن لمحت جودة حتى اجهشت فى البكاء متذكرة أخر لقاء سيء بينهما فتابع أبوها:_
_ كان بودي أقولك خليك معانا للغدا ،بس الجو مش هيبقى لطيف معاك هنا، عموماً انستنا الشوية الصغيرين دول
رمق زوجته وهو يلكزها بخفة :_
_ عاجبك إكده جبتي لنا الكلام انجري جدامي
رفضت الإنصياع له ،فصفعها بقوة :_
_ يظهر أن برج من نفوخك هج جدامي يا حرومة…!!
وقف أمامه عاصم بإستياء:_
_ أيه يا أخي حد يعامل مراته بقلة ذوق قدام الناس كده…؟
قال له بعناد ووعيد:_
_ اخرس خالص يا محام الغبرة لاحسن يمين بعظيم لأبلغ بتزويرك في أوراج رسمية للهانم كاملة ،وتخريج تصريح للدفن مزور
جلس عاصم بثقة وهو يضع ساقيه على بعضهما ،وقبل أ نيفتح فمه بكلمة واحدة،عقبت درتي:_
_ رجلك جبل منيه هتكون جت في الخية”السجن” ،غير الاجندة في مليون دليل ودليل
خرج فى غضب صفق فيه الباب من خلفه…!!
فى القاهرة
وفى إحدى الغرف الأنثوية الناعمة
” لو معترفتش بيه بورقة الجواز العرفي ،وهرفع عليك قضية نفقة ياياسين وهثبت شرعية الطفل ،قدامك 3 أيام لا فوقهم ولا تحتهم ،ولو مخدتش أي خطوة، متلومش إلا نفسك..!!”
كانت هند تتابع الرسالة بعدم تصديق،وفى ذهول،لتتذكر اسم”يوسف” حينما كانا يلعبان الصراحة سوياً ولم يكشف لها عن هويته،أيعقل أن يكون ابنه…؟ أتعيد مأساتي مع زوجي مجدداً..؟ لا فهذه المرة الامر مٌختلف ،وسترون كيف،أطرقت فى التفكير للحظات،نهضت بعدها لتغلق باب الغرفة بإحكام ،مٌتنهدة على الفراش ويديها تتشبثان بالهاتف المحمول وهي تكتب لها عبر تطبيق الواتس أب
_ مش هقدر مراتي حامل ولو عرفت هتطلب الطلاق،وبصراحة كده أنا مش عاوز أخرب بيتي وأنا لسه عريس جديد
ظهرت لها على الناحية الاخرى مٌتصل الأن وهي تقرأ بغيظ ما كتبه لها ياسين الاسم الظاهر على الشاشة قبل أن تضيف:_
_ يعني خايف على مشاعرها ومش خايف على ال هيجي كمان كام يوم وهيبقى حتة منك…؟
ردت هند بذكاء:_
_ بصي أنا ممكن أمهد لها إننا هنتبنى طفل وهكتبه باسمي ،لكن لو عرفت بوجودك هتخرب البيت،وهتعملهالي ليلة ها قولتي أيه…؟
ضيقت عينيها قبل أن تكتب:_
_ لا مش موافقة ،أنت لازم تكتب علي والولد يتربى فى وسطنا ،مش عوزاه يطلع معقد بسبب غلطة حصلت بيني وبينك فى يوم..!!
أستطردت هند بدهاء ومراوغة قلبها يكاد أن ينفطر فيها من شدة الحزن والصدمة:_
_ ماشي وأنا موافق أيه رأيك نوثق العقد العرفي عند الشهر العقاري بكرة…؟
واصلت بغندهاش لموافقته:_
_ ماشي يا ياسين لما نشوف أخرتها معاك أيه
كتبت لها بإقتضاب :_
_ طيب عشان مراتي داخلة علي ،كلميني على الرقم ده ومتتصليش على ده تاني عشان هديه لأمي جابت عدة جديدة
منحتها هند رقمها لتسجله المغفلة باسم ياسين زوجها،فهند لن تترك زوجها بسهولة وإن كانت ستعاقبه وستريه أياماً ملون الفحم،لكن لن تفرط فيه، ما أن انهت محادثتها معها حتى طرق على الباب وهو يتسائل:_
_ أحم ،هتفضلي ضاربة لي بوز كدع كتير،خلاص يا ستي بكرة نحتفل بعيد ميلادك،وهعملك عيد ميلاد محصلش هعزم فيه اهلك كلهم وهشرفك بس أفتحى بقى
نهضت بتكاسل وتثاقل ،ينهش الحزن قلبها فيه ،وبعيون ذابلة فتحت باب الحجرة وهي تقول:_
_ معلش كنت بغير ،أحضر لك العشا يا ياسين…؟
أضاف :_
_لأ كلت مع بابا وماما ،بس معنديش مانع أحلى بالبسبوسة بتاعتى
أطفأت أنوار الغرفة وهي تقول بتثائب مزيف ،تكاد أن تخونها عيونها بالدموع فيه :_
_طيب أنا هنام عن إذنك
جذبها من ساعدها وهو يحاصر جسدها الهزيل المنتفض ذو الحرارة المٌرتفعة وهو يهمس برومانسية:_
_ بدرى كده ..؟ وتسيبى
دنا منها بجرأة أكبر وهو يلتهم شفتيها بإثارة وحب وكأنهما حبات من الفراولة اللذيذة :_
_ وهتسيبي جوزك حبيبك لوحده في ليلة مفترجة زي دي…؟
أزاحته برفق ،تخبأ خلفه كل معاني الخذلان والالم قبل أن ترسم إبتسامة باهتة:_
_معلش خليها يوم تاني انا تعبانة النهاردة وحيلي مهدود تصبح على خير…!!
تدثر بالغطا بإستغراب ،يمط فيه ثغره ،ليستغرق فى النوم بينما هي تبكي بصوت مكتوم،والدموع تحرق وجنتيها ،لترتدي “حذائها المنزلي” ،وتغلق الروب الخفيف بإحكام يتمايل فيه شعرها على كتفيها بدلال ،وهي تتجه إلى حجرة الصالون تشكو همومها فى سجدة طويلة لله،فهي لن تطلع احداً مجدداً بمشاكلها مع زوجها وستأخذ حتماً بنصيحة زوجي .
ومع حلول المساء فى الصعيد
كانت المندرة الصعيدية مٌتزينة بالأسلاك الكهربائية الملونة،تٌبث الأغانى التراثية عبر مكبرات صوت ،تتمايل عليها النساء فى الباحة الخلفية للمندرة،وهن يحزمن خصرهن بأغطية شعر،يتنافسن بحماس فى وصلات الرقص الشرقي والتراثي المٌحبب ،اتابعهم بتصفيق وحرارة وإلى جوارى رضوى ،تبتسم لسعادة أخيها ،تسحب الفتيات يد زينة من وقت لاخر لتشاركهن البهجة والزغاريط تعلو أرجاء المنطقة ،تبدو رقيقة بلمسات التجميل الخفيفة ،وكأنها أميرة من أميرات ديزني،وعيونها المحاكية لعيون الغزال فى الجمال ،وجسد رشيق أنثوى ناعم وثائر،على الناحية الأخرى يرقص حمدان بحلته السوداء الأنيقة وقميصه الأبيض بالعصا الخشبية مع زوجي يحيهم بعض الرجال بطلقات من الرصاص فى الهواء ، وعمي يصفق بإبتسامة عذبة ،لإطمئنانه على أخر أولاده وأصغرهم ،والخالة يامنة تتابع الموقف بسأم وضجر ،تتوعد فيه حسب ظنها ل “كاملة” لكنها فى الحقيقة “زينة” بجعلها ستدفع الثمن غالياً لإستحواذها على أملاك جودة،وكذلك جعل إمرأته تهٌج منه
فنوارة لم تعد منذ تلك الليلة المشئومة ولا جودة هو الاخر،فقد كان مشغولاً كيف سيحثل على دليل إدانته،راسل زوجته عبر الهاتف فى رسائل نصية ،يطالبها بالبحث عن تلك الأجندة بأي طريقة كانت ،والقلق والتوتر يأكلان قلبه ،خشية أن ينفذ المحامي تهديده،رفضت أن تطيعه فى أول الأمر لكنه ضغط عليها بأولادها الصغار وبقوله بانها إن لم ترتجع فسيتهمها في شرفها سيأتي حكم المحكمة حتماً لصالحه بضم الصغار ولم تراهم،سارت على أطراف أصابعها بحذر شديد للغاية وهي تفتح ضفلة الدولاب وتلتفت لكاملة المٌستغرقة فى النوم حتى وجدت الأجندة بين أكوام من الغسيل،لكن المفاجأة كانت حينما،أٌضيئت الانوار مرة واحدة من قبل….!