رواية “جواد بلا فارس”
انتظر “آدم” فى توتر الى أن سمحت به سكرتيرة “شكرى” والد “ساندى” بالدخول .. دخل مكتبه بثقه وتبادلا عبارات السلام والمجاملة .. ثم قال “شكرى” بإعجاب شديد :
– الحقيقة المشروع الى “ساندى” ورتنى الملف بتاعه مشروع هايل جداً .. وكمان المنطقة نفسها شوفت الصور والسى دى اللى كانوا مع الملف .. وبصراحة المنطقة تحفة
قال “آدم” بحماس :
– وعلى الواقع شئ تانى .. مكان بجد خيال
صمت “شكرى” قليلاً ثم قال :
– بس فى نقطة مخوفانى شوية يا دكتور
قال “آدم” وقد ضاقت عيناه :
– نقطة ايه ؟
قال “شكرى” بجدية :
– المنافسة القوية اللى هنواجهها هناك
ابتسم “آدم” بثقه وهو يقول :
– وهو ده بالظبط اللى أنا عايزه
قال “شكرى” بإستغراب :
– ازاى يعني ؟
قال “آدم” شارحاً :
– المنطقة اللى اخترتها عشان أنفذ عليها مشروعى هى من أروع مناطق العين السخة .. المنطقة دى على شكل دايرة .. متقسمة من النص ل 3 مثلثات .. كل مثلث بيمثل قرية سياحية .. يعني المنطقة عبارة عن 3 قرى سياحية على شكل دايره .. بيشتركوا مع بعض فى نقطة واحدة فى النص ودى اسمها “المنطقة الخضراء” وهى مساحة كبيرة للـ 3 قرى حق الانتفاع بيها
قال شكرى :
– تمام
فأكمل “آدم” بحماس :
– ال 3 قرى ملك لمجموعة شاكات كبيرة مصرية وأجنبيه وبيأجروا القرى التلاته بالكامل للشركات السياحية .. ال 3 قرى دول قرية واحدة بس منهم هى اللى متأجرة حاليا وهى اللى شغاله والقريتين التانيين غير مؤجرين
قال “شكرى” وهو يفكر بإمعان :
– بس يا دكتور القرية اللى متأجرة دى متأجرة لرجل أعمال كبير أوى وكمان القريه بتاعته ناجحة جداً وعليها اقبال كبير كل موسم
قال “آدم” بتهكم :
– القرية دى ناجحة بدراسة الجدوى بتاعتى وبالأسس اللى حطتها أنا لإدارة القرية السياحية
قال “شكرى” بإستغراب :
– ازاى يعني ؟
قال “آدم” بصرامة :
– أنا كنت داخل شريك فى المشروع ده مع “سراج اليمانى” صاحب القرية اللى شغاله دلوقتى واسمها “قرية الفيروز ” .. بس حصل خلافات بيني وبينه وهو خد دراسة الجدوى و كل تفاصيل خطتى اللى حطتها عشان ادارة القرية ونفذها بالمللى .. وده سر نجاح قريته
قال “شكرى” بحماس :
– يعني حضرتك يا دكتور تقدر تحط خطه عمل وطريقة فى ادارة القرية تضرب بيها شغل “سراج اليمانى” ؟
ابتسم “آدم” قائلاً :
– بالظبط كده .. لانى عارف كل صغيرة وكبيرة فى “قرية الفيروز” وعارف كويس عيوبها ومميزاتها .. وأقدر أخلى “سراج اليمانى” خلال فترة صغيرة يقفل القرية ويعد فى بيتهم
ضحك “شكرى” قائلاً :
– ممتاز يا دكتور .. شكلنا هنعمل بيزنس كبير أوى مع بعض .. لانى زيك بعشق روح التحدى وطموحى ملوش حدود
ابتسم “آدم” قائلاً :
– أهم حاجة عندى انى أبدأ تنفيذ فى أقرب وقت
قال “شكرى” :
– اللى فهمته من “ساندى” انك معندكش استعداد حالياً تدخل شريك فى راس المال
قال “آدم” :
– بالظبط كده أنا هدخل شريك بالمجهود مقابل ادارتى للقرية كاملة من الألف للياء
قال “شكرى” مبتسماً :
– اتفقنا يا دكتور وهكلم المحامى يجهز العقود والنسب ولينا أعده تانية مع بعض
ثم قال :
– بس قولى لو كل حاجة مشيت تمام .. انت هيكون عندك استعداد تسافر العين السخنة امتى ؟
قال “آدم” بثقه :
– السنة الدراسية باقى عليها أقل من شهر .. بمجرد ما الإمتحانات تخلص هطلب أجازة من الجامعة وأسافر فوراً
قال “شكرى” ضاحكاًً :
– أحب الناس اللى عندها حماس كبير زيك يا دكتور .. اتفقنا
**************************
خرجت “أسماء” من المصعد فتناهى الى مسامعها صراخ أبويها من داخل البيت .. فتحت الباب بسرعة وتوجهت اليها قائله بحده :
– حرام عليكوا صوتكوا جايب لآخر العمارة فضحتونا أدام الناس
أكمل والدها موجهاً حديثه لوالدتها دون أن يأبى لوجود “أسماء” :
– أصل انتى أصلاً مش ست زى باقيه الستات لو كنتى فاكرة نفسك ست تبقى غلطانه .. هو أنا ايه اللى بيخليني أبص بره ما أنا لو لاقى ست جوه البيت مش هبص بره
صاحت أمها بتهكم :
– ليه بأه ان شاء الله .. أنا ست غصب عنك .. بس الدور والباقى على اللى عامل نفسه راجل وهو تيييييييييت .. أصلا التيييييييييييت ميعرفش الا التيييييييييت اللى زيه .. عشان كده كل اللى بتعرفهم بنات صيع زيك بالظبط …..
قبل أن تكمل حديثها هوى زوجها على وجهها بصفعة صمت آذان “أسماء” وهى تصيح باكية :
– كفاية بأه حرام عليكوا
صاح والدها فى والدتها :
– أنا هوريكي يا بنت التيييييييييييييييت اذا كنت راجل ولا لأ
أفاقت والدتها من صدمة الصفعة سريعاً ودفعته بيديها قائله :
– امشى اطلع بره بيتي يا تييييييييييييييت
دفعها زوجها بيديه هاتفاً بغضب :
– بيتك مين يا أم بيت ده بيتي أنا .. انتى اللى تطلعى بره مش أنا
صاحت أمها بغضب :
– لأ بيتي أنا مشاركات فيه بفلوسى .. وانت اللى هتطلع منه مش أنا .. ما انت لو كنت راجل كنت عرفت تجبلى شقة بفلوسك لكن طول عمرك فاشل وصايع وبتاع نسوان ولولايا كان زمانك بتشحت انت وبنتك
هوى زوجها وجهها بصفعه أخرى وقال :
– اظاهر انتى عايزه تتربى .. أنا بأه هسيبك كده زى البيت الوقف لا انتى طايلة جواز ولا طايلة طلاق وابقى وريني هتعملى ايه اما علمتك الأدب وربيتك مبقاش أنا .. وهتجوز عليكي بدل الواحده تلاته وهجيبهم يعيشوا معاكى هنا وابقى وريني هتعملى ايه .. اعلى ما فى خيلك اركبيه
لم تحتمل “أسماء” المزيد فخرجت من البيت لا ترى أمامها من فرط دموعها المنهمرة على وجهها
**************************
أنهت “سمر” الكشوفات وظلت جالسه فى مكتبها شاردة تفكر فى كلام والدة “على” .. وجدت فى داخلها مشاعر كثيرة متناقضة .. فرح .. خوف .. لهفة .. رغبة فى الموافقة والرفض فى نفس الوقت .. لكم تكره هذا الشعور .. الشعور بالعجز والحيرة .. لا تستطيع أن تتحدى خوفها وتقدم على تلك التجربة .. تذكرت كيف مضت عليها وعلى والدتها الأيام والليالى دون أن يجدوا ما يسدوا به رمقهم .. تذكرت الشعور بالجوع .. ليس جوع جسدى فحسب .. بل جوع عاطفى .. جوع عاطفى لأب يحتوى ويطمئن ويبتسم فى وجهها فيعطيها الأمل ويخفف من أوجاعها .. أب يمسك بيدها الصغيرة ويقول لها لا تخشى شيئاً يا صغيريتى فأباكى موجود .. أب تراه يحتضن والدتها ويمسح دمعها .. لكنه اختار الرحيل .. بل الهروب .. وكأنهما حمل ثقيل على عاتقيه .. أخذت تتساءل ترى أين هو الآن .. ماذا يفعل .. أتزوج مرة أخرى ؟ .. بالتأكيد تزوج .. أله أبناء .. ألها أشقاء وشقيقات .. لماذا لم يعود .. إذا تحسن به الحال لماذا لا يعود .. لماذا حتى لا يخبرهم عن مكانه .. لماذا لا يتصل كل فترة ليطمئن عليهم .. ألهذه الدرجة نسيهم .. نسى أن له زوجة وابنة .. أخذت تتساءل فى ألم .. ألم يشتاق اليها والى والدتها .. ألم يشتاق الى ابنته الصغيره التى تركها يرقة صغيرة .. ألم يشتاق الى أن يراها وهى فراشة يافعه .. عادت بتفكيرها الى “على” .. والى رغبته فى الإرتباط بها .. اخذت تتساءل فى نفسها .. أى نوع من الرجال أنت يا “على” ؟ .. أستستطيع الصمود فى مواجهة مصاعب الحياة أم ستهرب عند أول أزمة ؟ .. الى متى ستستطيع الصمود ؟ .. أستستطيع حقاً أن تواجه الحياة معى .. بحلوها ومرها ؟ .. أم ستترك يدي فى منتصف الطريق ؟ .. أريد أن أطمئن اليك يا “على” وأن أثق لك .. لكن كيف السبيل الى ذلك ؟!
**************************
استيقظ “آدم” من النوم فزعاً .. استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ونهض يغسل وجهه .. عاد الى غرفته وهو يشعر بأن النوم فارق جفونه .. جلس على فراشه فى ظلام الغرفة .. وشعور بالضياع يتملكه .. نظر الى فراشه وهو يتذكر “آيات” يوم أن كان مريضاَ .. تذكر خوفها وقلقلها عليه .. تذكر رقتها وحنانها وهى تطعمه فى فمه .. أغمض عينيه بألم وهو يعترف لنفسه بأنه يشعر بالحنين اليها .. ويتمنى أن تعفو عنه وتسامحه وأن تغمره بحبها وحنانها من جديد .. صرخ قلبه قائلاً .. آه يا “آيات” لو تعلمين كم احتاج اليكِ الآن .. أحتاج اليك لتطيبي جراحى ولتساعديني على أن أخرج من ذلك المستنقع الذى غمرت نفسى به .. لست خائف على نفسى الآن بقدر خوفى عليكِ .. من سيطيب جراحك ؟ .. وهل ستطيب يوماً ؟ .. كم أتمنى رؤيتكِ .. والتمتع بإبتسامتك العذبه التى تغمر قلبي بعذوبتها ورقتها وصدقها .. ماذا فعلت بكِ وبنفسى ؟ .. توجه الى حاسوبه وفتحه .. تأمل صورتها بلهفة وحنين واشتياق .. قرأ رسائلها .. طبع كل حرف فيها داخل ذاكرته .. كيف استطاع أن يفرط فى حباً بتلك القوة .. وفى فتاة بهذا الصدق والبراءة .. فتاة أعطته قلبها ومشاعرها و اهتمامها ولم تبخل عليه حتى بذهبها .. أعطته كل شئ .. فماذا أعطاها هو ؟ .. لم تثقل عليه بالطلبات طوال فترة الخطبة .. بل لم تطلب أى شئ أصلاً .. لم تسأل حتى عن مكان سكنهما .. لم تسأل عن مرتبه .. لم تتضايق من مكان سكنه وبيته المتواضع عندما زارته .. لم تعلق حتى على هذا الأمر وتعاملت بشكل طبيعي .. واندمجت مع والدته وعاملتها بطيبة بلا غرور أو ترفع .. أخذ يفكر بألم .. لن أجد مثلها يوماً .. فتاة لم ترد منى إلا قلبى .. ولم أرد أنا سوى تحطيم قلبها
**************************
فوجئ “آدم” بـ “عبد العزيز” يقتحم مكتبه بالجامعة ويلقى أمامه علبة الشبكة ويقول بصرامة :
– اتفضل شبكتك واوعى أشوفك بتقرب من بنتى تانى
لم يترك له فرصة الرد وتوجه “عبد العزيز” الى الخارج وهو يصفق الباب خلفه بقوة .. فتح “آدم” العلبة يتلمس القطع الذهبية التى اختارتها “آيات” بنفسها .. تذكر فرحتها وسعادتها فى هذا اليوم وهى تنتقى كل قطعة وتجربها .. تذكر ابتسامتها العذبه وهى تقول له ” مبروك علينا احنا الاتنين” .. أغلق العلبة وألقاها فوق المكتب بلامبالاة .. تنهد فى حسرة وهو يسند رأسه الى قبضتى يده فوق المكتب ..
توجه “عبد العزيز” الى عميد الكلية وقص عليه ما حدث من “آدم” تجاهه وتجاه ابنته .. قال بحده :
– الدكتور اللى زى ده لازم يطرد من الجامعة مينفعش واحد زى ده ويدرس لطلاب وطالبات .. واحد بالأخلاق دى ميصحش انه يدرس فى جامعة محترمة ولا كلية محترمة .. لازم يطرد عشان يكون عبره لغيره
قال العميد وهو يتصل بمكتب “آدم” :
– هدى نفسك يا فندم وان شاء الله هنشوف الموضوع ده .. ألو .. دكتور “آدم” ياريت تشرفنى شوية فى مكتبي .. طيب منتظرك
فوجئ “آدم” بوجود “عبد العزيز” فى حجرة العميد .. قال العميد :
– اتفضل اعد يا دكتور “آدم”
جلس “آدم” وهو يتنهد بضيق .. قال العميد :
– الأستاذ “عبد العزيز” جاى يقدم فيك شكوى
ٌال “آدم” بضيق :
– شكوى ايه يا فندم ؟
صاح “عبد العزيز” قائلاً :
– يعني مش عارف اللى عملته .. ضحكت عليا وعلى بنتى وخطبتها وكنت عايز تكتب عليها وكل ده عشان تبتزنى أنا وهى .. مش عارف ازاى ضميرك وأخلاقك ماتوا للدرجة دى
قال العميد :
– لو سمحت يا أستاذ “عبد العزيز” مفيش داعى للكلام ده
ثم التفت الى “آدم” قائله :
– ردك ايه يا دكتور “آدم” على اللى سمعته دلوقتى ؟
قال “آدم” ببرود :
– عنده دليل على اللى بيقوله ده ؟ .. لو عند دليل يقدمه
هتف “عبد العزيز” بغيظ :
– أما بجح صحيح
قال “آدم” للعميد متجاهلاً “عبد العزيز” :
– أنا يا فندم كنت هاجى لحضرتك عشان أأقدم على أجازة بعد ما تنتهى السنة الدراسة دى
ثم نظر الى “عبد العزيز” قائلاً :
– هسيب القاهرة كلها
قال “عبد العزيز” بخنق :
– يكون أحسن برده
قال العميد :
– ياريت نحل الموضوع ودى ومفيش داعى الموضوع يكبر .. ايه رأيك يا أستاذ “عبد العزيز”
قال “عبد العزيز” يحزم قبل أن يغادر :
– أنا هشتكى للى خلقه .. هو قادر ينتقم منه ويجبلى حق بنتى .. مش هقول الا حسبي الله ونعم الوكيل .. بنتى من يوم اللى حصل وهى مفتحتش بقها بكلمة .. بس ربنا قادر ينصر المظلوم وينتقم من الظالم
غادر “عبد العزيز” ليترك “آدم” غارقاً فى بحور الندم والألم
**************************
عادت “إيمان” من الخارج بصحبة والدتها وهى تهتف:
– كان حتت يوم .. رجلى خلاص مش قادرة أمشى عليها
قالت أمها :
– هو انتى فاكرة شوار العروسة بالساهل ده هم ما يتلم
ضحكت “إيمان” قائلاً :
– لا ده أنا لو فضلت كل يوم أخرج بالشكل ده على الفرح هكون اختفيت
قالت أمها :
– أهو أحسن من شوربة الكرنب اللى قارفه نفسك بيها ليل نهار
قالت “إيمان” بمرح :
– لا خلاص كرنب ايه ده المشى اللى مشيته النهاردة يعادل حلتين تلاته أربعه .. أنا هبطل كرنب وهركز فى موضوع الشوار ده دخل مزاجى
هتفت أمها قائله :
– آه ياختى هو انتى دافعه حاجة من جيبك
ضحكت “إيمان” وهى تعانقها قائله :
– ربنا يخليكي لينا يا ست الكل يا منورة حياتنا وميحرمناش منك أبداً
توقفا عن الحديث بعدما خرج “على” من غرفته لينظر اليهما نظرة تردد وحيرة وأسى .. قالت أمه :
– انت مروحتش الشغل يا “على” ؟
تنهد قائلاً :
– لا روحت وجيت يا ماما
قالت “إيمان” بمرح :
– ايه مالك شايل طاجن ستك كده ليه ؟
قال “على” بضيق :
– عريس “إيمان” اتصل بيا من شوية
قالت “إيمان” بلهفه :
– خير قالك ايه ؟
صمت “على” قليلاً وهو ينظر الى أخته يشفق على ما ستسمعه .. ثم قال بصوت خافت :
– قال كل شئ نصيب
اختفت ابتسامة “إيمان” وهى تنظر الى أخيها فى حيرة .. ضربت أمها بيدها على صدرها قائله :
– ايه .. يعني ايه .. وهو وكان لعب عيال
قال “على” يهدوء :
– قال انه مش مرتاح وكل شئ نصيب
تجمعت العبرات فى عيني “إيمان” وقالت بصوت مرتجف :
– بس هو كان موافق .. ايه اللى حصل ؟
قال “على” وهو يرمقها بعطف :
– معرفش يا “إيمان” مقالش غير كده
ثم قال :
– بصى يا إيمان” مش انتى صليتي استخاره .. يبأه ده نتيجة صلاتك وأكيد ربنا اختارلك الخير ليكي
هتفت “إيمان” بغضب وحرقه :
– حرام والله العظيم حرام
لم تقف “إيمان” لتسمع المزيد من كلمات المواساة بل توجهت مسرعة الى غرفتها وأغلقتها عليها وألقت بنفسها فوق فراشها لتعود وسادتها تتبلل بدموعها من جديد
**************************
بدأت الامتحانات سريعاً ودخل الطلاب فى دوامتها التى تشقلب كيانهم رأساً على عقب .. كان فى ذلك أثر كبير فى أن تنخرط “آيات” فى شئ ينسيها ولو لبعض الوقت التفكير فى حزنها .. كان امتحان مادة إدارة الأعمال هى المادة الأخيرة فى الجدول .. قامت “آيات” بقصها من الجدول قبل أن تعلقه على باب غرفتها .. حتى كتاب المادة وأوراقها أخفتهم فى مكان لا تقع عيناها عليهم .. حاولت أن تتناسى حزنها وكربها وساعدها على ذلك والدها ووجود “أسماء” بالقرب منها .. كل يوم تقترب فيه من آخر مادة كان يدب الخوف فى أوصالها والألم فى قلبها .. حتى أتى اليوم الموعود .. ليلة الإمتحان .. كانت تضع الكتاب أمامها لا تجرؤ حتى على لمسه .. كانت تنظر اليه بتقزز شديد وهى تشعر وكأن هذا الكتاب جزء منه .. جزء من “آدم” .. حاولت التركيز فى مذاكرة تلك المادة التى كانت تحفظها عن ظهر قلب لكنها وجدت أن عقلها صفحة بيضاء وكأنها تقرأ تلك المادة للمرة الأولى .. فى صبيحة يوم الإمتحان .. ارتدت “آيات” أول ما وقع تحت يدها من دولابها .. ودون أى زينه كمان هى عادتها فى الأيام الماضية نزلت الى الأسفل ليستقبلها والدها مبتسماً مشجعاً .. كان “عبد العزيز” يقوم بتوصيلها الى الكلية فى كل امتحان ويجلس فى كافيتيريا الكلية حتى تنتهى من آداء امتحانها ويُرجعها الى البيت .. كان يخشى عليها بشدة أن تقابل “آدم” .. أو يحاول مضايقتها .. دعى الله كثيراً فى هذا اليوم أن يمر الإمتحان الأخير دون مشاكل .. وقف ونظر اليها بحنان قائلاً :
– جاهزة يا حبيبتى
أومأت برأسها .. سارا معاً الى السيارة وانطلق بهما السائق الى الجامعة .
جلست “آيات” فى المدرج تنتظر ورقة الأسئلة وقلبها يخفق بعنف .. تمنت ألا تراه .. تمنت أن يمضى اليوم بسلام حتى تغادر تلك الجامعة بغير رجعه .. التفتت حولها لتنظر الى “أسماء” التى ابتسمت لها فبادلتها “آيات” بإبتسامه هشة ضعيفة .. حانت اللحظة وتم توزيع ورقة الأسئلة .. فتحت “آيات” ورقة الإجابة وكتبت السؤال الأول .. نعم هذا السؤال تعرفه جيداً .. رأته كثيراً وحفظته عن ظهر قلب فى بداية العام الدراسى .. لكن الآن .. شعرت بأن الكلمات تهرب منها .. وكأنها ترى السؤال لأول مرة .. تعرف السؤال .. وتعرف الإجابة .. لكن أصابعها تأبى أن تكتبها .. حاولت ارغام عقلها على التركيز دون جدوى .. ذكرها هذا السؤال بيوم ألقى “آدم” تلك المحاضرة .. تذكرت كيف كانت تنظر اليه وقتها بحب ولهفة .. تذكرت الامتحان المفاجئ الذى كانت تعلم بأمره .. تذكرت يوم أن علمت بأنه يرغب فى التقدم لها وخطبتها .. تذكرت يوم خطبتها .. تذكرت يوم مرضه وقلقها وخوفها عليه .. تذكرت يوم شراء الشبكة .. تذكرت يوم كتب كتابها ومدى سعادتها وهى تنظر الى المرآة .. حاولت ارغام عقلها عن التوقف فى الاسترسال فى تلك الذكريات التى أصبحت تؤلمها أشد ايلام .. لكن عقلها آبى .. أسندت رأسها بيديها تحاول أن تصب تركيزها على ورقة الأسئلة دون سواها .. لكن قلبها خفق بقوة حتى كاد أن ينخلع من مكانه عندما دخل “آدم” المدرج وقال :
– أخبار الامتحان ايه يا شباب ؟
لم ترفع رأسها .. لم تحاول النظر اليه .. صوته جعلها تشعر بالخوف .. بالرعب .. بالفزع .. لا تدرى مما هى خائفة .. فقط تشعر بقلبها يخفق بجنون .. ولا تتنمى سوى رحيله عن المدرج .. وتركها بسلام .. بحثت عيناه عنها .. إلى أن رآها .. كانت تدفن وجهها فى ورقتها دون أن ترفعه لتنظر اليه .. اقترب من أحد الطلبة وهو مازال ينظر اليها .. قال للطالب :
– أخبار الامتحان ايه ؟
قال الطلاب بحماس :
– سهل جداً يا دكتور .. ده أسهل امتحان مر علينا
قال طالب آخر :
– أول مرة تحط امتحان سهل كده يا دكتور .. أكيد كلنا هننجح فيه
تقدم “آدم” تجاهها وتظاهر بفحص ورقة احدى الطالبات التى ابتسمت وهى تقول :
– شكل الدفعة كلها هتجيب امتياز يا دكتور
لم يعبأ “آدم” بكلامها .. فتركيزه كله ينصب على “آيات” التى لم ترفع عينيها اليه حتى الآن .. ترك الطالبه وتقدم أكثر بإتجاه “آيات” .. شعرت بأن الدماء هربت من وجهها .. رأته بطرف عينها واقف بجوارها .. شعرت بالإختناق وكأنه يسحب الأكسجين الذى تتنفسه .. اقترب أكثر فأحطات جسدها بذراعيها وكأنها تحمى نفسها منه .. امتقع وجه “آدم” وهو ينظر اليها ويقول .. يالله كم ذبلت .. تلك الوردة اليافعه ذبلت للغاية .. أين تلك الابتسامة العذبة التى كانت تزين محياها .. أين تلك العينان اللاتان كانتا تلمعان فى مرح .. أين هى تلك الفتاة التى تشع بهجة وسرور .. أتته الإجابة من داخله .. لقد قتلتها يا “آدم” .. قتلتها .. شعر بألم حاد فى قلبه .. و بأسى ظهر جلياً على وجهه .. امتدت يده ليتفحص ورقة اجابتها .. لا شئ . .لم تكتب أى شئ .. شعرت بأن قربه منها يعذبها .. يجدد آلامها وأحزانها التى لم تشفى منها بعد .. أخذت تصرخ بكل كيانها .. ارحل .. ارحل عنى لا تقترب منى .. لا أريد أن أراك .. لا أريد أن أسمعك .. لا أريد أن اشعر بك .. وجودك يمزقنى ويذكرنى كم كنت ساذجة .. كم كنت أضحوكة .. كم كنت لعبة بين يديك .. تجمعت العبرات فى عينيها مهددة بالسقوط .. مهددة بفضحها أمام عيناه .. حاولت منعها بقوة من السقوط لكنها فشلت .. وانهمرت عبراتها أمام عيناه .. نظر اليها “آدم” يراقب تعبيرات وجهها المتألم .. وتلك اللئالئ التى تتساقط من عينيها وتحاول محوها بسرعة .. قال هامساً :
– أخبار الإمتحان ايه ؟
لم تشعر بنفسها الا وهى ترفع يديها لتغطى أذنها .. يالله لكم أصبحت تكره صوته .. أصبحت تشعر بصوته وكأنه خناجر تمزق أذنيها .. أحكمت وضع يديها على أذنيها حتى لا تسمعه أبداً .. نظر اليها “آدم” بألم .. ثم .. ولدهشتها وجدته يأخذ قلمها من بين أصابعها .. تركته فوراً حتى لا تتلامس أيديهما .. أخذ القلم وفتح ورقة اجابتها ودون أن ينتبه أحد وضع علامة مميزة بداخل الورقة .. نظرت الى العلامة التى صنعها بدهشة .. ماذا يفعل .. أيحاول الانتقام منها .. أيحاول ايهام المراقبين بأنها من صنع تلك العلامة .. أيحاول أن يضعها فى مأذق .. رفعت رأسها تنظر اليه .. فتلاقت نظراتهما .. تلك العينان الزرقاوان كم عشقتهما من قبل .. كم تمنت ألا تفارقهما ابداً .. كم سبحت فى بحارهما .. أما الآن فلا تشعرانها تلك العينان إلا بالألم .. والنفور .. والغضب .. نظر “آدم” اليها .. كم تبدوء بريئة .. ضعيفة .. حزينه .. تمنى أن يزيل تلك النظرة عن عينيها .. وتلك العبرات من وجهها .. ليرى “آيات” التى يعرفها .. التى تنظر اليه بحب وشوق … أخذ يهتف بداخله .. ماذا أفعل لتسامحيني .. ماذا أفعل لأنال ثقتك من جديد .. ماذا أفعل حتى تتوقفى عن طعنى بتلك النظرات المعاتبة الغاضبة .. التى تشعرنى بمدى سوئى وحقارتى .. أبعدت عينيها عنه .. وقد اكتفت بما حصلت عليه من ألم .. من عينيه التى أصبحت مصدر ألمها وشقائها .. آلمه بعدها ونفورها .. لكنه يعلم جيداً بأنه يستحق ذلك .. التفت ليغادر فى صمت
انتهت “آيات” من آداء الامتحان الذى لم تكتب فيه الا بضع كلمات لن تعطيها درجة النجاح بأى حال من الأحوال وقفت خارج المدرج تبكى فى احدى الزوايا .. خرجت “أسماء” وقالت لها بلهفه :
– فى ايه يا “آيات” ؟
كتبت “آيات” فى دفترها :
– محلتش حاجه
عانقتها “أسماء” تحاول تهدئتها وهى تقول :
– خلاص يا حبيبتى ولا يهمك .. مش مهم
ثم نظرت اليها قائله :
– طيب تعالى نشوف امتحان الشفوى
كتبت “آيات” فى دفترها :
– محلتش نظرى كويس .. الشفوى هيفيدنى بإيه ؟
قالت “أسماء” :
– يا ستى متعرفيش ما فى ناس مبتبقاش حله حاجة وبتلاقيهم بينجحوا .. وان شاء الله تنجحى
سارت “آيات” مع “أسماء” للبحث عن لجنة الشفوى .. انتظرتا قليلاً مع الطلبة فى الخارج حتى استطاعتا الدخول للدكتور الذى سيقوم بإمتحانهما شفهياً .. جلستا أمامه … قال الدكتور :
– أسمائكم ايه ؟
قالت “أسماء” اسمها أما “آيات” فكتبته على ورقة وأعطتها له .. نظر اليها فى دهشة فقالت “أسماء” :
– معلش يا دكتور عندها مشاكل فى زورها فعشان كده هتكتب الإجابات فى ورقة
قال لها :
-ربنا يشفيكي يا بنتى
نظر الى اسمها ثم قال :
– لا انتى لجنتك مع دكتور “آدم خطاب”
تسارعت خفقات قلبها وهى تنظر الى “أسماء” بدهشة .. قالت “أسماء” :
– بس يا دكتور .. دكتور “أدم” بيمتحن المدبلرين .. و”آيات” دى أول سنة ليها فى رابعة يعني دفعتنا
قال الدكتور :
– والله ده اللى دكتور “آدم” قالهولى .. الطالبه دى تمتحن شفوى عنده
نظرت الفتاتان الى بعضهما البعض ثم تمتمت “أسماء” :
– استنيني بره هخلص امتحان وأطلعلك
خرجت “آيات” ووقفت فى الخارج وعلامات الأسى على وجهها .. فجأة وجدت “أحمد” يقترب منها .. ووقف أمامها .. نظرت اليه “آيات” لترى نظرات الحزن فى عينيه .. بدأ حديثه قائلاً :
– ازيك يا “آيات” عامله ايه ؟
أومأت برأسها .. فشعر بالألم .. وقال لها :
– أنا عرفت اللى حصل .. محبتش أكلمك الفترة اللى فاتت .. حسيت انى مش هقدر أعملك حاجة ولا أخفف عنك .. بس النهاردة آخر يوم ومكنش ينفع يمر كده من غير ما أتكلم معاكى
توترت “آيات” فأكمل بأسى :
– انت متستهليش كده .. متستهليش كده أبداً
خانتها عبراتها لتتساقط فوق وجنتيها .. ظهرت علامات الألم على وجهه وهو يراها متألمة هكذا دون أن يجد فى نفسه القدرة على التخفيف عنها .. على بعد خطوات وقف “آدم” ينظر اليهما .. ينظر الى “آيات” الباكية و “أحمد” الواقف أمامها يواسيها بكلماته نظراته .. شعر بغصة فى حلقة .. كان يجب أن يكون هو مكان “أحمد” الآن .. واقف مع “آيات” يتحدث معها .. سمع “أحمد” يقول لها :
– أنا لسه بحبك يا “آيات” .. عارف انك مش مستعدة أبداً تسمعى كلام زى ده دلوقتى .. بس أنا فعلاً بحبك
ثم كتب فى ورقة قائلاً :
– دى أرقامى كلها .. لو احتجتى أى حاجة كلميني فى أى وقت
أعطاها الورقة وهو ينظر اليها بحنان قائلاً :
– ماشى يا “آيات” ؟
كانت تشعر بالإضطراب .. اخذت الورقة وأومأت برأسها .. شعر “آدم” بالغضب بتجاه هذا الـ “أحمد” .. ود لو ذهب اليه وصرخ فى وجهه .. ابتعد عنها .. ود لو صرخ فى وجه “آيات” .. القى بتلك الورقة فى وجهه .. لكنه يعلم جيداً أن كلا الأمرين لن يجنى منهما إلا إحراج نفسه فحسب .. انتبه “أحمد” لوجود “آدم” فنظر اليه بتحدى .. ثم التفت الى “آيات” قائلاً وهو يرفع صوته :
– حبيبتى مش عايزك تشيلي هم طول ما أنا جمبك
نظرت اليه “آيات” بعتاب .. دخل “آدم” مكتبه وصفق الباب خلفه بقوة .. انتبهت “آيات” على صوت غلق الباب فالتفتت لترى مصدره .. فى تلك اللحظة خرجت “أسماء” وسلمت على “أحمد” ثم قالت :
– خلصت شفوى ؟
قال “أحمد” :
– لا لسه .. هروح أمتحن وأرجعلكوا
جذبت “أسماء” “آيات” فى اتجاه مكتب “آدم” نظرت اليها “آيات” بحزن .. فقالت “أسماء” بحده :
– “آيات” ضيعتى منك ال 10 درجات بتوع المحاضرة ده غير الامتحان اللى اتعمل فى اخر محاضرة واللى برده محضرتيهوش والنظرى محلتيش فيه كويس .. ايه ناوية تضيعي الشفوى كمان
ظهر الألم على محياها فقالت “أسماء” بحنان :
– عارفه انه صعب بس حاولى تضغطى على نفسك .. عايزين نخلص من الكلية دى بأه
ظهرت العبرات فى عيني “آيات” ثم كتبت فى دفترها :
– مش قادرة يا “أسماء” .. لو شوفته هيعط تانى .. مش عايزاه يشوفنى ضعيفه وبعيط
كانت فى عينها نظرة تصميم ألا تحضر الإمتحان .. ألا تراه .. امتثلت “أسماء” لرغبتها مرغمة وقالت :
– طيب تعالى يلا ننزل زمان عمو مستنينا فى الكافيتيريا
انتظرها “آدم” .. دخل كل طلاب لجنته الا هى .. أرسل احدى الطالبات للبحث عنها فعادت تقول :
– البنات قالولى انها مشيت يا دكتور .. شكلها مش هتحضر الامتحان
ظهرت علامات الحزن على وجهه .. لقد أغلقت “آيات” كل الأبواب فى وجهه .. وهاهى تغلق آخر باب .. وآخر أمل .. فى أن يراها ويتحدث معها ويشرح لها .. شعر بالغضب وبالضيق .. لماذا لا تعطيه فرصة الدفاع عن نفسه .. لماذا لا تستمع اليه .. لماذا تطرده خارج عالمها بلا شفقة أو رحمة .. لماذا لا تريد أن تفهم أنه ليس بهذا السوء .. ولكن ما الفائدة .. لن يفيد أى كلام ولا أى سؤال .. أيقن “آدم” فى تلك اللحظة أنه بالفعل خسر “آيات” .. خســرها للأبـــد
**************************
– أنا آسفة يا طنط
قالت “سمر” ذلك بصوت مرتجف .. حائر .. مضطرب .. نعم تتمنى الموافقة .. تتمنى أن تكون من نصيب “على” .. لن تنكر أنها انجذبت اليه .. الى أخلاقه وتدينه وغيرته وطيبته .. لكنها خائفة .. مازالت خائفة .. مازالت لا تستطيع التغلب على خوفها .. استخارت ربها .. مرات ومرات .. وقفت تناجيه فى جوف الليل ..لكنها مازالت خائفة .. مازالت الخوف يسيطر عليها ويشل تفكيرها .. لن تستطيع الإقدام على تلك الخطوة .. لا تشعر بأنها مستعدة لها بعد .. نعم رفضته .. رفضته وهى تتمنى الموافقة .
علم “على” .. حزن .. وصدم .. تحدث مع صديق طفولته قائلاً بتهكم ممزوج بالألم :
– أكيد رفضتنى عشان مش قد المقام
ثم قال :
– أنا قولت لماما تقولها انى هدور على شغل تانى .. وانى لسه فى بداية الطريق
ثم تنهد بحسرة قائلاً :
– أعمل ايه .. مش ذنبى ان حال البلد زى الزفت .. مش ذنبى ان مفيش فرص شغل .. مش ذنبى انى من أول ما اتخرجت مش عارف أشتغل شغلانه عدله أكون بيها نفسى .. أنا مش واحد صايع أنا اتعلمت وخدت شهادة بس للأسف مش عارف أشتغل بالشهادة اللى طفحت الدم عشان أخدها
قال صديقه مواسياً :
– ان شاء الله تلاقى شغلانه أحسن يا “على”
نهض “على” وهتف بغضب قائلاً :
– امتى .. هلاقيها امتى .. بعد ما “سمر” تضيع من ايدي وتتجوز أول واحد جاهز يخبط على باب بيتها .. ولا امتى .. قولى امتى هعيش زى الناس وأبقى قادر أفتح بيت .. لما يبقى عندى 40 سنة ؟!
التفت “على” ليغادر فى عصبيه جذبه صديقه قائلاً :
– “على” استنى بس رايح فين
صاح “على” بحده :
– رايح فى ستين داهية سيبنى .. بقولك سيبنى
سار”على” بأقصى سرعة وهو لا يدرى الى أين تأخذه قدماه .. كان يشعر ببركان ثائر بداخله .. بركان غاضب ناقم يريد أن يخرجه ليرتاح .. توقف بعدما تعب من المشى .. أخذ يلهث وهو ينظر حولها وجد مسجداً صغيراً فدخل وتوضأ وصلى .. بكت عيناه قبل قلبه وهو يتضرع الى الله أن يفرج كربه وأن يفتح له أبواب الرزق
**************************
استيقظت “أسماء” من نومها على اصوات الصراخ مرة أخرى .. جلست فى فراشها للحظات ثم ما لبثت أن نهضت وخرجت لتجد النقاش وقد احتد بين أبويها كالعادة .. قالت “أسماء” بضعف :
– حرام عليكوا بأه
هتفت والدتها بغضب :
– تعالى يا “أسماء” .. تعالى شوفى أبوكى المحترم عمل ايه
ثم نظرت اليها أمها قائله :
– أبوكى اتجوز يا “أسماء”
شهقت “أسماء” بقوة وهى تضع يديها على فمها وتنقل نظرها بين والدها ووالدتها فى عدم تصديق .. فصاح والدها متهكماً متشفياً :
– أيوة اتجوزت .. وهجيبها تعيش معاكى هنا فى البيت عشان أذلك وأقهرك
صاحت زوجته بغضب :
– ومين قالك انى هعدلك هنا .. أنا ماشية رايحة أعد فى بيت بابا ولو مطلقتنيش هرفع عليك قضية خلع وهبهدلك فى المحاكم
صاحت “أسماء” باكية وهى تنظر الى تنظر الى والدتها برجاء :
– لا أرجوكى متقوليش كده عشان خاطرى متقوليش كده .. مش هقدر أتحمل يا ماما .. متسيبوش بعض
قالت أمها :
– احنا أصلا كان لازم ناخد الخطوة دى من زمان
ثم نظرت الى زوجها بتحدى قائله :
– لو مطلقتنيش هرفع عليك قضية خلع فاهم
ثم توجهت الى غرفتها تحضر حقيبة ملابسها .. صاح زوجها بسخرية :
– اعلى ما فى خيلك اركبها مش هطلق وهسيبك كده لحد ما ترجعى تبوسى جذمتى عشان أفتحلك باب الشقة
شعرت “أسماء” وكأن الأرض تميد بها .. نعم انها تميد بالفعل .. جلست على أحد المقاعد ودفنت وجهها بين كفيها لتنفجر فى بكاء حار
**************************
نظر “آدم” حوله ليتأكد بأنه جمع كل أغراضه .. أخرج الحقائب أمام باب البيت .. ثم دخل وطرق باب غرفة والدته .. فتحها ليجدها جالسه على فراشها تبكى بحرقة .. اقترب منها وهو ينظر اليها بأسى .. جلس بجوارها .. صمت قليلاً ثم قال دون أن ينظر اليها :
– أنا مضطر يا ماما .. مضطر عشان أقدر أقف على رجلى تانى
قالت له بصوتها الباكى :
– اعمل اللى يريحك يا “آدم”
التفت اليها قائلاً :
– ماما أنا فعلا مضطر أسافر .. بس متقلقيش هظبط وضعى هناك وبعدين هاجى أخدك
قالت أمه باكية :
– اعمل اللى فيه صالحك يا “آدم” ومتشلش همى يا ابنى
تنهد “آدم” بألم وهو يشعر بالتمزق بين مشاعره ورغباته وطموحاته .. نهض متثاقلاً .. التفتت أمه تنظر اليه بأعين دامعه .. انحنى وقبل رأسها ثم غادر سريعاً .. حمل حقائبه وألقى نظرة أخيرة على البيت ثم خرج وأغلق الباب خلفه .. انخرطت والدته فى بكاء مرير وتعالت شهقات بكائها وهى تضم احدى صوره الى صدرها
**************************
تعانق الصديقان طويلاً .. ثم نظر “زياد” الى “آدم” قائلاً :
– فكرت كويس
قال “آدم” :
– أيوة يا “زياد” فكرت كويس
ثم سأله قائلاً :
– هترجع شرم امتى ؟
قال “زياد” :
– بكرة ان شاء الله
تعانقا مرة أخرى وقال “زياد” قبل أن ينصرف :
– خلى بالك من نفسك يا “آدم”
ربت “آدم” على كتفه قائلاً :
– وانت كمان يا “زياد”
ركب “آدم” سيارته .. لكنه شعر بأنه يرغب فى توديع شخص ما قبل ذهابه .. أوقف سيارته أمام الفيلا .. وهو ينظر اليها .. يأمل أن يرى “آيات” .. يأمل أن يلقى عليها نظرة أخيرة .. يأمل أن يخبرها بأنه راحل .. سيترك القاهرة ويرحل يبنى نفسه فى مكان آخر .. يأمل أن يعتذر اليها .. ويطلب صفحها .. يأمل أن يطمئن عليها .. وأن يرى ابتسامتها على وجهها ليخف شعوره بالذنب تجاهها .. وقف طويلاً دون أن يظهر لها أى أثر .. أدار سيارته وانطلق فى طريقه الى العين الساخنة .. لتحقيق أحلامه وطموحاته .. ليعود “آدم خطاب” كما كان .. ليبنى كل شئ من العدم .. ليعود قوياً ذو سلطة ومال .. خسر “آيات” ويتألم لخسارتها .. لكنه سيحاول تحقيق أحلامه .. ليخفف شعوره بالخسارة .. سيحارب “سراج” و ابنه فى عقر دارهم .. سيذيقهم كأس الخسارة .. ويجعلهم يتجرعون مرارة الندم .. نظر بحزم الى الطريق وسيارته تسير عليها بتصميم واصرار
**************************
على احدى الطاولات فى النادى .. جلست الأربع فتيات .. كل منهما شاردة فى عالها الخاص ومشاكلها الخاصة وأحزانها الخاصة .. تنهدت “إيمان” فى أسى وهى تتذكر الإهانه التى تعرضت لها .. هذه المرة وقع الإهانه كان أقوى وأشد من سابقاتها .. هذه المرة شعرت بمرارة الرفض فى حلقها وفى قلبها وفى روحها .. هذه المرة علمت وتأكدت بأن الفرح لن يطرق بابها أبداً فمثلها لن تحب ولن تُحب .. لن تكون كصديقاتها لن تتزوج مثلهن .. ستعيش وحيدة لأن مثلها لن يرغبها أحد .. فكرت بسخرية .. لماذا يترك رجل تلكم الفتيات الرشيقات النحيلات ليتزوج ممن هى مثلها ؟ .. لن يحدث ذلك الا فى عالم أحلامها .. أحلامها التى يجب أن تفيق منها وتعلم جيداً أنها مجرد أحلام وأوهام .. يجب أن ترضى بواقعها وتقنع به حتى لا تتعب مرة أخرى .. حتى لا تُهان مرة أخرى .. من الآن هى من سترفض .. سترفض أن يراها أى رجل ليجلس واضعاً ساقاً فوق ساق ويقرر ان كانت تصلح له أم لا .. لن تضع نفسها فى هذا الموقف مرة أخرى .. لن تسمح لأحد بإهانتها مرة أخرى أو التقليل من شأنها .. سترفض قبل أن تُرفَض .. تعلم أن فى ذلك هروب .. لكن المواجهة أصبحت مؤلمة .. مؤلمة للغاية
أمسكت “سمر” احدى الزهرات على الطاولة تتلمسها بيدها وقلبها يتساءل ,, تُرى أستعرف الحب يوماً أستستطيع الوثوق فى رجل يوماً .. ترى أستجد من يملء ذلك الفراغ الذى تشعر به بداخلها .. أحياناً تشعر بالندم لرفضها “على” .. كانت بالفعل تشعر بإنجذاب تجاهه .. لكنها ليست بحاجة الى رجل يتقدم الى خطبتها وتصير زوجته .. بل هى بحاجة الى أب .. تشعر بأنها فى كنفه وتحت حمايته .. تشعر أمامه بأنها طفلة صغيرة وهو مسؤل عنها .. تشعر معه بأنها ابنته وليس فقط زوجته .. تُرى أمن الممكن أن يكون “على” ذلك الرجل حقاً .. ؟ اتسرعت برفضها اياه ؟ .. أمن الممكن أن يكون “على” هو الأب والزوج الذى تحلم به ؟!
مسحت “أسماء”دمعة كانت أن تفلت من عينيها وهى تتذكر شجارات والديها .. ما هذا الكم من عدم الإحترام .. لماذا تشعر دائماً بان الاحترام مفقود بينهما .. تذكرت احدى الجمل التى قرأتها يوماً .. أن أساس الزواج الناجح هو الإحترام القائم بين الزوجين وإن فُقد فهذا معناه أن حياة الزوجين معاً قد انتهت .. فكرت بمرارة فى سطوة الرجل والذى يحق له أن يتزوج واحدة واثنان وثلاث وأربع .. لماذا لا تكون للمرأة نفس السلطة فيحق لها الزواج من أكثر من رجل .. لماذا يكون للرجل فقط حق قهر المرأة واذلالها بالزواج من أخرى .. لماذا التهديد دائماً بالزواج الثانى لإرهاب الزوجة الأولى .. شعرت بالإختناق وهى تضع نفسها مكان أمها .. تُرى أمن الممكن أن تكون مكانها يوماً ؟ .. أمن الممكن أن تتزوج رجلاً يلعب بورقة الزواج الآخر ليرهبها ويخضعها له .. لن تتحمل .. لن تحترمه .. لن تستطع أن تعيش مع رجل لا يستخدم معها سوى اسلوب الإرهاب لتحقيق ما يريد .. لن تسمح لرجل أبداً بأن يهينها ويضربها ويسبها ويجرحها ويفرض سيطرته عليها .. لن تكون تحت رحمة رجل لا تتمنى فى الدنيا سوى رضاه .. ولا يتمنى هو سوى قهرها
نظرت “آيات” الى السماء الزرقاء .. شعرت بأنها تذكرها بشئ ما .. ظلت تحاول تذكره .. الى أن تذكرت .. لون عيناه .. نفضت رأسها بألم وكأنه تريد اخراج أى ذكرى له من رأسها .. تنهدت بقوة وهى تتذكر كيف أحبته وكيف وثقت به .. وكيف ظنته فارسها .. كيف خدعت فيه .. كيف رفعها الى فوق السحاب ليهوى بها فجأة الى الأرض .. لترتطم بها .. لماذا لا توافق على الزواج من “أحمد” .. الذى ينتظر اشارة منها .. لماذا لا تفعل وتسكت قلبها عن التحدث من اليوم .. وتترك لعقلها حرية التصرف .. لماذا لا تأخذ بالمثل القائل .. خد اللى يحبك .. لماذا لا تفعل .. “أحمد” ش