رواية “جواد بلا فارس”
رواية “جواد بلا فارس”
الحلقة ( 1 )
تسللت آشعة الشمس الذهبية لتلقى بنورها على أحد الأبراج السكنية فى أحد أحياء القاهرة الراقية .. تململ “آدم” فى الفراش وفتح عينيه بتكاسل .. حانت منه التفاته الى المرأة النائمة بجواره .. أزاح الغطاء ونظر الى ساعة الموبايل .. ثم نهض وخرج من الغرفة وتوجه الى الحمام .. أخذ دشاً ثم وقف أمام مرآة الحمام يزيل بيده بخار الماء الذى ترسب عليها .. نظر الى وجهه الوسيم ذو الملامح الرجولية .. وعينيهالزرقاويين الواسعتين التى تدير عقول الفتيات .. وبشرة وجهه الخمرية وشعره الأسود الحريري الذى انسابت بعض خصلاته المتبلله على جبينه .. فأعطته مظهراً جذاباً .. اذا أضيف الي ذلك جسده الرياضى وعضلاته المفتولة إذن فنحن أمام رجل قل من تستطيع مقاومة جاذبيته .. خرج “آدم” من الحمام لافاً منشفة حوله وسطه وآخرى يجفف بها شعره .. عاد الى الغرفة وتناول ملابسه الملقاة على الأرض فى اهمال وبدأ فى ارتدائها .. وقف أمام مرآة التسريحة يمشط شعره عندما وقعت منه الفرشاة على البلور لتصدر صوتاَ مزعجاً .. تململت المرأة النائمة فى الفراش وفتحت عينيها تنظر الى آدم الواقف أمام المرآة .. ابتسمت وهى تحمل قطعة ملابس شفافه ملقاة على طرف السرير لترتديها ثم تتوجه اليه وتلف يدها حول خصره قائلاً :
– صباح الخير يا بيبي
قال “آدم” بصوت رجولى رخيم :
– صباح النور
قبلت وجنته قائله بدلع :
– رايح فين على الصبح كده ؟
نظر اليها فى المرآة قائلاً بسخرية :
– هكون رايح فين يعني .. الشغل طبعاً
قالت بدلال :
– طيب متخليك معايا النهاردة
تحرك “آدم” مبتعداً عنها وذهب ليلتقط هاتفه الموضوع على الأرض بجوار السرير .. ثم قال :
– مش هينفع يا “بوسي”
قالت وهى تغادر الغرفة :
– طيب استنانى هاخد شاور ونفطر سوا
كان مندمجاً فى مطالعة بريده الالكترونى على الهاتف .. ثم خرج من الغرفة وحمل جاكيت البدلة الملقى على أحد مقاعد غرفة المعيشة ثم خرج وأغلق الباب خلفه .. خرجت “بوسى” من الحمام على أثر صوت غلق الباب لتجد “آدم” قد غادر البيت فزفرت بضيق .. ثم عادت الى الحمام مرة أخرى .
**************************
خرج “آدم” من البناية الأنيقة وتوجه الى السيارة ذات الموديل الحديث الواقفة أمامها .. انطلق بالسيارة .. ليتوقف عند احدى الإشارات ينتظر فتحها .. اخرج سيجاراً من جيبه وأشعله وهو ينفث دخانها بعمق .. حانت منه التفاته الى السيارة المجاورة .. ليجد الفتاة التى تقود السيارة الواقفة بجواره تبتسم له .. بادلها ابتسامتها وأخذت نظراته تزداد جرئه وخبثاً .. انطلقت الفتاة فى طريقها بعدما فُتحت الإشار .. سار “آدم” بسيارته خلفها وهو يبتسم بخبث .. أوقفت الفتاة سيارتها أمام أحد المطاعم وهى تعى تماماً تتبع “آدم” لها .. دخلت وطلبت فنجاناً من الشاى وجلست على احدى الطاولات .. دخل “آدم” يبحث بناظريه عنها الى أن وقع نظره عليها .. كانت فتاة جميلة وترتدى تنوره قصيرة و بلوزه مكشوفة الذراعين .. توجه الى طاولتها وجلس بدون أى دعوة .. نظرت الفتاة اليه بنظرات تملأها الإعجاب والدهشة فى نفس الوقت .. قالت بترفع :
– أفندم .. هو حضرتك مش شافني أعده هنا ؟
قال وهو يعقد ذراعيه فوق الطاولة ويرمقها بنظرات جريئه :
– لا شايفك .. وحسك كمان
قالت الفتاة مصطنعه الجديه :
– لو سمحت قوم من هنا عندك الترابيزات ماليه المطعم
قرب كرسيه منها بجرأة وهمس لها وهو يرفع حاجبه بثقه :
– عجبنى المكان ده ومش هتحرك من هنا
ابتسمت الفتاة وقد أعجبتها جرأته وثقته بنفسه .. حضر النادل يحمل الشاى فطلب منه “آدم” فنجانا آخر .. قضى مع الفتاة قرابة الساعة فى التعارف والدردشة وانتهى اللقاء بتبادل أرقام الهواتف ومضى كل منهما فى طريقه و هو يلوح للآخر مودعاً
**************************
رن جرس الهاتف الى أن انقطع صوته ليعود مرة أخرى يرن بإصرار .. تحركت الفتاة النائمة فى منتصف الفراش وتمطعت فى كسل .. وهمت بأن تأخذ الهاتف عندها انقطع صوت الرنين .. فعادت الى النوم مرة أخرى .. لكنها استيقظت عندما سمعت صوت الرنين مجدداً .. أمسكت هاتفها ونظرت بعينين نصف مفتوحتين الى اسم المتصل ثم ألقت برأسها على الوسادة وهى ترد بصوت ناعس قائله :
– ألو
صاح صوت أنثوى قائلاً :
– أيوة يا “آيات” انتى فين ؟
فركت “آيات” عينها وهى تقول بصوت ناعس :
– فى السرير
صاح الصوت الأنثوى :
– والله العظيم انتى بتهرجى
بدأت “آيات” فى الاستيقاظ شيئاً فشيئاً وقالت :
– ايه فى ايه يا “أسماء” ؟
صاحت “أسماء” بحده :
– انتى مش هتجبيها لبر السنة دى .. قومى يا فالحه عندك امتحان شيت كمان نص ساعة
هبت “آيات” جالسه على الفراش وهى تقول :
– هااااااااااار اسود .. هى الساعة كام ؟
قالت “أسماء” بحنق :
– 11 ونص يا فالحه
صاحت “آيات” بفزع وهى تزيح الغطاء وتغادر الفراش :
– طيب اقفلى يا “أسماء” اقفلى
ألقت بهاتفها على الفراش وفتحت الباب وأخذت تصرخ قبل أن تتوجه الى الحمام الملحق بغرفتها :
– دادة .. دادة
دخلت “آيات” الحمام وفى سرعة فرشت أسنانها وتوضأت وخرجت من الحمام وهى تجفف وجهها بالمنشفة فإصطدمت بسيدة قصير القامة فى العقد السادس من العمر تحمل ملامحها الطيبة والحنان .. قالت “آيات” بعتاب وهى تتوقف بعد ان اصطدمت بها :
– كده يا دادة “حليمة” مش قولتك امبارح تصحيني عشان عندى امتحان شيت
قالت “حليمة” بإستغراب :
– يا بنتى انتى قولتيلى ان الامتحان بكرة مش النهاردة
خبطت الفتاة على جبينها وهى تقول بحنق :
– أوف .. صح معاكى حق قولتلك كده .. أنا غبية
أنهت “آيات “صلاتها وأسرعت بفتح الدولاب وأخرجت ملابسها فى عجاله .. ساعدتها “حليمة” وهى تقول :
– براحه يا بنتى فى العجلة الندامة
صاحت “آيات” وهى تنزلع ملابسها بسرعه :
– ندامة ايه يا “دادة” الإمتحان هيضيع عليا .. ده عليه 20 درجة من درجات المادة يعنى لو ضاع منى هتسوح
أمسكت “آيات” هاتفها لتنظر الى الساعة وتصيح :
– يا لهووووويز باقى ربع ساعة
توقفت “آيات” أمام المرآة لترتدى حجابها الذى أخذت فى عجاله تلفه على شعرها بإحدى الطرق الحديثه التى رأتها على احدى المذيعات فى أحدى القنوات فى التلفاز .. ثم نظرت الى وجهها الذى بدا بريئاً هادئاً بعينيها السوداوين التى لا تتميز بالإتساع لكنها أيضاً لا توصف بالضيق .. والى بشرتها الخمرية مائلة للسمره والى شفاهها الرقيقة .. مطت شفتيها فى تبرم .. ثم أخذت كريم الأساس الذى اشترته أفتح درجة من لونها الحقيقي ليضفي عليها لوناً أكثر بياضاً وأخذت قلم الحكل لترسم عينيها وتزيد من اتساعهما .. ومررت قلم الروج على شفتيها بطريقة تزيد من سمكهما .. ابتعدت خطوة لتنظر لنفسها فى المرآة بعين الرضا .. مطت “حليمة” شفتيها فى تبرم قائله :
– لو أبوكى شافك كده هيقطم رقابتك
التفتت اليها “آيات” بسرعة قائله بلهفه :
– هو لسه هنا ؟
قالت “حليمة” :
– لا نزل الشركة من بدرى
ابتسمت “آيات” وهى تلقى على نفسها نظرة سريعة فى المرآة قائله :
– طيب وهيعرف منين
توجهت الى حقيبة يدها فى عجاله ووضعت فيها هاتفها ثم نظرت الى “حليمة” قائله :
– باى يا دادة
قالت “حليمة” وهى تشيعها بنظراتها :
– مع السلامة يا بنتى
نزلت “آيات” درجات الفيلا بسرعة وتوجهت الى الجراج وأخرجت سيارتها لتسير بها بسرعة عالية وسط شوارع القاهرة
**************************
– معلش يا دكتورة أصلها كانت تعبانه أوى امبارح وكانت فى المستشفى .. أنا اتصلت بيها وهى زمانها جايه
قالت المعيدة وهى تجمع أوراقها لتنصرف :
– أنا مليش دعوة بالكلام ده .. الإمتحان له معاد محدد
قالت “اسماء” برجاء :
– عشان خاطرى يا دكتورة .. انتى عارفه ان الامتحان ده عليه 20 درجة بحالهم
قالت المعيدة وهى تتوجه الى باب القاعة للخروج :
– دكتور المادة حدد معاد محدد للإمتحان وصحبتك اتاخرت .. مش فى ايديى بأه .. كلمى دكتور المادة
وقفت “أسماء” أمامها تمنعها من الخروج وهى تخرج هاتفها قائله :
– يا دكتورة بقولك هى كانت تعبانه .. وهى خلاص فى الطريق
اتصلت بـ “آيات” وبمجرد أن انفتح الخط صاحت “أسماء” :
– أيوة يا “آيات” انتى فين ؟
أتاها صوت “آيات” قائلاً بلهفه :
– أنا خلاص بركن أدام الجامعة أهو .. الامتحان خلص ؟
قالت “أسماء” :
– تعالى على قاعة ” أ ” بسرعة
أنهت “أسماء” المكالمة ونظرت الى الدكتورة قائله بلهفه :
– خلاص هى داخله الكلية أهى
أوقفت “آيات” سيارتها أمام الجامعة وخرجت منها مسرعة ودلفت من البوابة وهى تحث الخطى .. الى أن وصلت الى مبنى كُتب عليه بخط كبيرة ” كلية التجارة ” .. صعدت “آيات” الدرجات بسرعة وتوجهت الى القاعة ” أ ” .. استقبلتها “أسماء” على الباب قائله :
– بسرعة وقفتها بالعافية
دخلت “آيات” وتوجهت الى المعيدة قائله وهى تلهث :
– آسفه والله يا دكتورة .. الطريق كان زحمة موت
نظرت الدكتورة بشك الى “أسماء” ثم نظرت الى “آيات” قائله :
– الطريق كان زحمة ولا انتى كنتى تعبانه امبارح فى المستشفى ؟
وكزت “أسماء” “آيات” فى ذراعها ففهمت “آيات” وقالت بسرعة :
– كنت تعبانه جداً وبجد نزلت بالعافية رغم ان الدكتور كتبلى على راحه واللى زاد وغطى ان الطريق كان زحمه كمان
نظرت اليها المعيدة وهى تعطيها ورقة الإمتحان قائله :
– طيب يلا انجرى لو دكتور المادة شافك هيبقى سين وجيم
جلست “آيات” وأخذت تجيب على أسئلة الإمتحان .. انتظرتها “أسماء” بالخارج الى أن أنهت الإمتحان .. شكرت “آيات” الدكتورة بإبتسامه قائله :
– ميرسى يا دكتورة
جذبتها “اسماء” من ذراعها وتوجهت بها الى كافيتيريا الكلية وجلستا على احدى الطاولات .. نظرت “أسماء” الى “آيات” قائله بغضب :
– والله بتستهبلى .. ده أنا كان ناقص أبوس ايد المعيدة عشان متمشيش
ضحكت “آيات” وهى تقول :
– تسلميلي يا “سمسم”
قالت “أسماء” بغيظ :
– أهو ده اللى انتى فالحه فيه مبخدش منك غير كلام
قامت “آيات” وهى تقول :
– طيب هروح أعزمك على نسكافيه حلاوة جدعنتك معايا النهاردة
صاحت “أسماء” بمرح :
– نسكافيه بس .. ده انتى المفروض تعمليلي حفلة .. أنقذت 20 درجة كانوا هيضيعوا عليكي
قالت “آيات” بمرح وهى تنصرف :
– يختى مش لما أشوف هاخد منهم كام درجة الأول
عادت “آيات” حاملة أكواب النسكافيه البلاستيكيه .. ووضعت كوباً أمام صديقتها ..سمعت من خلفها صوتاً يهتف :
– ازيكوا يا بنات .. عملتوا ايه فى امتحان الشيت ؟
جلست “آيات” وهى تنظر الى الشاب خلفها قائله :
– ازيك يا ابنى عاش مين شافك .. غطسان فين مبشوفاكش فى السكاشن ؟
قال الشاب مبتسماً وهو يجلس بين الفتاتين على الطاولة :
– محسسانى ان احنا فى طب .. يا بنتى دى تجارة
قالت “أسماء” بمرح :
– طول عمرك فاشل يا “أحمد”
قال “أحمد” مازحاُ :
– سبنالكوا انتوا الدح
أخذت “آيات” تشرب من كوبها ببطء .. مد “أحمد” يده وأخذ الكوب الموضوع أمام “أسماء” ورشف منه قائلاً :
– الله كنت محتاج كوباية نسكافية تظبطلى دماغى
صاحت “أسماء” بحنق :
– ياباى على الغلاسه .. متروح تجيبلك واحد ده “آيات” جيباهولى
نظر “أحمد” الى “آيات” وهو يرشف رشفه أخرى قائلاً :
– مش مشكلة تروح تجيبلك واحد تانى
قالت “آيات” :
– ليه ان شاء الله .. مش قايمة تانى أنا
قامت “أسماء” وهى تقول بغيظ :
– أوف .. هروح أجيب أنا
نظر “أحمد” الى “أسماء” وهى تبتعد ثم التفت الى “آيات” ورمقها بنظراته قائلاً :
– عملتى ايه فى الإمتحان ؟
قالت “آيات” بلا مبالاة وهى تتجول بعينيها فى رواد الكافيتيريا :
– كان لذيذ .. بس فى كام نقطة فى التشوز وقعوا منى
ضحك “أحمد” قائلاً :
– يا بنتى ده تشوز يعني اعملى حادى بادى
ابتسمت “آيات” قائله بمرح :
– ما أنا لما فشلت فى انى أختار صح .. عملت حادى بادى
قال “أحمد” وهو يرمقها بنظرت اعجاب واضحة :
– بس انتى زى القمر النهاردة
نظرت اليه “آيات” بحدة وقالت:
– “أحمد” لو سمحت انت عارف انى مبحبش كده
قال “أحمد” بضيق :
– ليه بأه ؟
قالت “أيات” بحزم :
– لان احنا فريندرز وبس
قال “أحمد” بتبرم :
– وليه منكنش أكتر من فريندز يا “آيات” .. ليه منكنش ……..
قطع كلامه بعدما أتت “أسماء” حاملة كوبها .. جلست فى مقعدها الذى تركته منذ قليل .. قام “أحمد” قائلاً :
– سلام أشوفكوا بعدين
غادر “أحمد” .. ونظرات “أسماء” تتابعه .. ثم نظرت الى “آيات” بلؤم قائله :
– قالك ايه ؟
قالت “آيات” بلا مبالاة :
– هيقولى ايه يعني
قالت “أسماء” مبتسمه بخبث :
– فاكرانى مفهمتش اللى حصل ؟
قالت لها “آيات” بنفاذ صبر :
– ايه اللى حصل يعني
قالت “أسماء” :
– اتعمد انه ياخد من أدامى كوباية النسكافيه عشان أقوم أجيب لنفسي غيرها و يخلاله الجو
هتفت “آيات” بحنق وهى ترمق صديقتها بنظرات غاضبة :
– ومادمتى عارفه كده ايه اللى خلاكى تقومى أصلاً
قالت “أسماء” ضاحكة :
– مبحبش أبقى عزول يختى
قالت “آيات” بغيظ وهى تنتقل الى المقعد المجاور لـ “أسماء” وتفرك لحم ذراعها بين اصبعيها بقوة :
– بطلى الاسلوب ده مبحبوش
هتفت “أسماء” بألم :
– دراعى يا مفترية
قالت “آيات” بتشفى :
– أحسن عشان تحرمى تغيظينى تانى
قالت “أسماء” وهى تفرك ذراعها بيدها :
– يا بنتى ده الواد هيموت عليكي من سنة أولى .. بلى ريقه بأه
قالت “آيات” بتأفف :
– أوف .. ميت مرة أقولك أنا وهو فريندرز وبس .. فضينا بأه من السيرة دى
صمتت “أسماء” قليلا ثم نظرت الى “آيات” قائله بتهكم :
– انسى اللى فى بالك ده خالص
ارتبكت “آيات” ونظرت اليها قائله :
– تقصدى ايه ؟
تبادلتا نظرة ذات معنى .. الى أن أشاحت “آيات” بوجهها .. فقالت “أسماء” :
– طيب طمنينى على الأقل .. الموضوع متطور معاكى لحد فين
صمتت “آيات” وأخذت تحرك الكوب الفارغ بين يديها .. فقالت “أسماء” :
– خلاص برحتك مش هضغط عليكي
التفتت اليها “آيات” قائله بضيق :
– اتخنقت .. مش احنا خلصنا ما تيجى نقوم نلف بالعربية شوية أو نروح النادى ؟
قالت “أسماء” بإستنكار :
– عندنا النهاردة محاضرتين ورا بعض
قالت “آيات” وهى تنهض وتحمل حقيبتها :
– كبرى
خرجت الفتاتان من الجامعة وتوجهتا الى سيارة “آيات” وانطلقا بهما فى شوارع القاهرة .
**************************
دخل “أحمد” بسيارته الفيلا وأوقف سيارته فى الجراج ثم صعد الدرجات يصفر بمرح .. توجه الى غرفته وشرع فى تبديل ملابسه .. نزل الى الطابق السلفى وهو يدور بعينيه فى المكان .. الى أن ظهرت الخادمة فسألها قائلاً :
– بابا و ماما هنا ؟
فقالت الخادمة :
– أيوة يا فندم فى الجنينة
خرج “أحمد” ليجد والدته واقفة تساعد والده فى تقليم احدى الأشجار بالحديقة .. فأقبل عليها قائلاً بمرح :
– يعني “فؤاد” بيه “الأسيوطى” بجلالة قدره وحرمه المصون واقفين بنفسهم بيقصوا الشجر .. دى لو الصحافة شمت خبر هتبقى فضيحة بجلاجل
نظر اليه أبويه وضحكا عالياً .. ثم قال له والده “فؤاد” :
– ليه بأه ان شاء الله .. عيب ولا حرام
قالت أمه مبتسمه :
– من امتى بأه قص الشجر فضيحة
أقبل عليها “أحمد” وقبل يدها قائلاً بمرح :
– الايدين الحلوة دى تتلف فى حرير مش تقص شجر
ضحك أبوه قائلاً :
– انت عارف انى بحب أعتنى بالجنينة بنفسي و والدتك بتحب دايماً تساعدنى فى كل حاجة اعملها
التفتت أمه اليه وقالت بلهفه :
– قولى عملت ايه فى امتحان النهاردة ؟
قال “أحمد” مبتسماً :
– حليته بصابع رجلى الصغير
ضحك أبو بتهكم قائلاً :
– آه هتقولى على نباهتك .. عارفها كويس .. بدليل انك بقالك 3 سنين فى سنة رابعة مش عايز تطلع منها
قالت أمه بضيق :
– متعكننش عليه بأه .. هو وعدنى انه هينجح السنة دى ان شاء الله
ثم التفتت اليه قائله :
– مش كده يا “أحمد” ؟
قال “أحمد” مبتسماً :
– طبعاً يا ست الكل أنا وعدتك
قال “فؤاد” متهكماً :
– طيب ما انت وعدتها السنة اللى فاتت واللى قبلها وبرده سقطت
قالت زوجته بضيق :
– “فؤاد” بلاش كلمة سقطت دى
قال “فؤاد” صاخراً وهو يخلع الجوانتى السميك الذى يرتدي :
– والله أنا مش عارف ايه أخرة دلعك فيه .. ده لو بنت مش هتدلع كده ؟
عانق “أحمد” أمه قائلاً :
– ربنا يخليكي ليا يا ماما انتى اللى نصفانى فى البيت ده
صاح “فؤاد” قائلاً :
– أيوة اتلميتوا على بعض
ثم قال :
– أنا رايح المكتب .. لما الغدا يجهز نادولى
**************************
وضعت “آيات” هاتفها النقال بين أذنها وكتفها وجلست على فراشها تصبغ أظافر يدها بالمانكير .. وتحدثت بضيق قائله :
– ما انتى عارفة بابا يا “أسماء” .. مستحيل هيرضى انى أسافر سفريه فيها بيات
قالت “أسماء” بضيق :
– باباكى ده صعب أوى .. وكمان مش سامحلك تتأخرى بره البيت عن 10 بالليل .. يعني ايه أخرك 10 بالليل .. الناس أصلا بتبتدى تخرج الساعة 10
قالت “آيات” بحنق :
– خلاص بأه مش هنفضل نعيد ونزيد فى الكلام متخنقنيش انتى كمان
قالت “أسماء” بحزن :
– كان نفسي تيجي معايا أوى
زفرت “آيات” بضيق قائله :
– وأنا كمان .. انتى عارفه أنا بحب شرم أوى .. بس مش هينفع موضوع البيات ده
ثم قالت :
– طبعاً باباكى وافق
ضحكت “أسماء” قائله :
– آهااا باباتى حبيبى وافق طبعاً .. ماما اللى عصلجت شوية .. بس بابا راضانى ووافق
قالت “آيات” بمرح :
– باباكى ده راجل سكر .. مفيش زيه .. يا سلام لو يعد مع بابا شويه يعلمه ازاى يبقى أب فرى كده
سمعت “آيات” طرقات على باب غرفتها فقالت :
– ده أكيد بابا دى خبطته .. خليكي معايا هشوفه وأرجعلك
ألقت “آيات” هاتفها على الفراش وأخذت تنفخ فى أظافرها وتحركها فى الهواء لتجففها .. فتحت الباب ثم ابتسمت للرجل الوقور الذى يغطى الشيب رأسه قائله :
– بابا حبيبى
اقترب منها الرجل وقبل رأسها قائلاً :
– حبيبة بابا .. اعدة لوحدك وأنا آعد لوحدى .. متيجي نعد نتفرج على التى فى مع بعض
قالت “آيات” وهى تقبل وجنته :
– حاضر يا بابا هقفل بس مع “أسماء” و أنزل أعد معاك
نظر والدها الى هاتفها الملقى على الفراش وقال بمرح :
– انتوا مبتبطلوش رغى أبداً
ضحكت “آيات” قالئه :
– واحنا ورانا ايه غير الرغى
مسح على شعرها قائلاً :
– طيب يا حبيبتى هستناكى تحت
شيعته بإبتسامه ثم أغلقت الباب وعادت الى هاتفها لتضعه على أذنها قائله :
– “أسماء” انتى لسه عايشة ؟
ضحكت “أسماء” قائله :
– عايزانى أموت عشان مسافرش شرم للدرجة دى قلبك اسود وحقوده
ضحكت “آيات” قائله :
– آه بصراحة متغاظة منك عشان هتروحى وأنا لأ
ثم قالت بجديه :
– لا بجد اوعى تفكرى انى ممكن أحقد عليكي أو أبقى غلاويه كده .. انا مش كده والله يا “أسماء”
قالت “أسماء” بسرعة :
– انتى عبيطه يا بنت انتى .. انا بهزر معاكى
قالت “آيات” :
– طيب يلا من غير مطرود عشان نزله أعد مع بابا سيباه لوحده من ساعة ما جه من بره
قالت “أسماء” ضاحكة :
– ساعات بحس انك مراته مش بنته .. يلا سلام أشوفك بكرة فى الكلية
ثم هتفت قائله :
– عندنا بكرة امتحان شيت تانى اوعى تروح عليكي نومه زى النهاردة .. لو نمتى تانى لا انتى صحبتى ولا أعرفك مش هترجى المعيدة تانى
قالت “آيات” :
– لا متقلقيش يا “سمسم” هخلى دادة تصحيني .. يلا باى
– باى
**************************
جلست “آيات” على الأريكة بجوار والدها لمشاهدة التلفاز .. كانت مندمجه فى المشاهدة وهى تضع حبات الفشار فى فمها بنهم .. التف “عبد العزيز” والدها ينظر اليها وقد رُسمت ابتسامه حانيه على وجهه .. لف ذراعه حول كتفيها وقربها منه مقبلاً رأسها .. رفعت نظرها اليه مبتسمه فقال لها :
– تعرفى يا “آيات” من يوم وفاة أمك الله يرحمها .. ومفيش حاجة ماليه حياتى غيرك .. انتى اللى منوره حياتى بوجودك فيها وأى حاجه غيرك متهمنيش
دفنت “آيات” وجهها فى صدره وهى تقول :
– انت كمان يا بابا اللى وجودك منور حياتى ربنا ما يحرمنى منك أبداً
اقتربت دادة “حليمة” مبتسمة وهى تراهما هكذا .. وقالت بصوت حانى :
– يلا يا “آيات” يا بنتى عشان تنامى عندك امتحان الصبح
نظر “عبد العزيز” الى “آيات” بدهشة :
– عندك امتحان الصبح ؟ .. وايه اللى مسهرك لحد دلوقتى ؟
قالت وقد بدأ النعاس يزحف الى عينيها :
– مكنتش عايزه أنام
أوقفها والدها قائلاً بحزم :
– يلا على أوضتك يا “آيات”
ابتسمت “آيات” وانحنت لتقبل وجنته قائلاً :
– تصبح على خير يا بابا
رد والدها مبتسماً :
– تصبحى على خير يا حبيبتى
صعدت “آيات” الى غرفتها .. توجهت الى الدولاب لتختار ما ستدرتديه فى الغد .. فغداً يوم مميز بالنسبة لها .. لأنها غداً … ستـــراه.
**************************
بعد منتصف الليل بعدة ساعات .. دخل “آدم” بسيارته أحد أحياء القاهرة الشعبية وتوقف أمام احدى البنايات .. بدت سيارته الحديثة متناقضة مع الأجواء حولها .. صعد “آدم” الدرجات برشاقه الى ان توقف أمام أحد الأبواب وأخرج مفتاحه ليفتح الباب بهدوء .. أغلق الباب خلفه وضغط على زر المصباح بجوار الباب .. التفت وشهق بفزع :
– خضتيني يا ماما
نظر الى المرأة الجالسه على مقعد الصالون الكبير .. امرأة فى العقد السادس من العمر يبدو عليها علامات الوهن والضعف .. وقفت أمامه ونظرت اليه بتبرم قائله :
– كل يوم يا “آدم” ترجع وش الصبح .. ده غير بياتك بره كل شويه والتانى
زفر “آدم” بضيق وهو يقول :
– هو أنا صغير يا ماما .. انا راجل وعندى 32 سنة يعني مش عيل صغير
قالت أمه بعصبيه :
– وعشان ما انت راجل ومش صغير المفروض تصرفاتك تكون أعقل من كده يا “آدم”
قال “آدم” وهو يتوجه الى غرفته :
– نكمل خناق الصبح .. انا مصدع وعايز أنام
كاد ان يغلق باب غرفته فأوقفت أمه الباب بيدها ونظرت اليه قائله :
– اتعشيت ؟
اومأت برأسه قائلاً :
– أيوة
نظرت اليه بعتاب ثم تركته ودخلت غرفتها .. أغلق “آدم” باب غرفته التى كانت تحتوى على آثاث متواضع لكنه جيد .. خلع قميصه وتوجه الى حاسوبه وجلس ينظر الى بريده الالكترونى .. زفر بضيق عندما لم يجد مبتغاه وأخرج سيجاراً وأشعله وظل ينفث دخانه بعصبيه ..
ثم أغلق الحاسوب وتوجه الى فراشه بعدما أنهى سيجاره واغلق المصباح وغط فى سبات عميق
**************************
استيقظت “آيات” من فورها بعدما نادتها “حليمة” قائله :
– “آيات” .. اصحى يا بنتى عشان امتحانك
كان يبدو عليها النشاط بعكس الأمس .. أخذت دشاً سريعاً وارتدت ملابسها التى اختارتها بعناية الليلة الماضية .. وكالعادة وقفت أمام المرآة تضيف على ملامحها البريئة لمسات تخفى بها برائتها وبساطتها وتظهرها كإمرأة .. توجهت الى باب الفيلا فقالت بها “حليمة” قبل أن تغادر :
– مش هتفطرى يا “آيات” ؟
قالت “آيات” وهى تلوح لها مودعة :
– هفطر فى الجامعة يا دادة .. باى
توجهت الى سيارتها وانطلقت بها .. توقفت أمام الجامعة وخرجت لترتدى نظارتها الشمسية التى أضفت عليها بعض الغموض .. توجهت برشاقه الى داخل الحرم الجامعى .. قابلت “أسماء” فى الكافيتيريا .. فقالت “أسماء” بمرح :
– كويس ناموسيتك مكنتش كحلى زى امبارح .. يلا بينا نراجع خلاص معدش وقت
جلست الفتاتان معاً تراجعان بعض النقاط وتخبر كل منهما الأخرى عن توقعاتها لأسئلة الإمتحان .. ثم حان وقت الإمتحان ودلفتا الى داخل القاعة .. جلس “أحمد” على المقعد المجاور لـ “آيات” ونظر اليها مبتسماً فبادلته ابتسامته .. انتهى الإمتحان وخرجت الفتاتان لتعودا الى الكافيتيريا مرة أخرى .. قالت “آيات” بضيق :
– دكتور غبي
قالت “اسماء” بتبرم وهى تنظر الى ورقة الأسئله :
– امتحان مستفز لأبعد حد
زفرت “آيات” بضيق قائله :
– ده امتحان يجيبه فى الشيت أمال فى امتحان الترم هيعمل ايه .. ده هينفخنا
قالت “أسماء” وهى تطوى ورقة الإمتحان وتضعها فى حقيبتها :
– سيبك كبرى .. تعالى نشرب حاجة نروق بيها دمنا
بعد نصف ساعة بدأت “آيات” فى مراقبة ساعة الموبايل بإهتمام .. فنظرت “أسماء” الى وهى تقول بلؤم :
– فى ايه كل شوية تبصى لساعة الموبايل ؟
قالت “آيات” بغيظ :
– وعرفتى منين انى ببص لساعة الموبايل
قالت “أسماء” بسخريه :
– أمال بتبصى لايه ؟ للثيم مثلاً ؟
لم تجيبها “آيات” وتظاهرت بالإنشغال بالنظر الى رواد الكافيتيريا .. مرت الدقائق لتعلن الساعة الواحده الا عشر دقائق .. فأخذت “آيات” تلملم فى أشيائها وهى تقول لـ “اسماء” :
– يلا يا “أسماء”
قالت “أسماء” دون أن تتحرك من مكانها :
– يلا فين ؟
نظرت اليها “آيات” قائله :
– يلا عندنا محاضرة “ادارة أعمال” بعد عشر دقايق
قالت “أسماء” بلؤم :
– اشمعنى يعنى محاضرات “ادارة الأعمال” اللى بتصرى نحضرها
قالت “آيات” وهى تنهض مغادرة :
– أنا هحضرها عايزة تحضريها احضريها مش عايزة استنيني هنا لحد ما المحاضرة تخلص
نهضت “أسماء” وهى تسرع خلف “آيات” .. جلستا متجاورتين فى المدرج الذى ازدخر بالطلبة والطالبات .. سألت احدى الطالبات :
– هو الدكتور اتأخر ليه ؟
ردت أخرى :
– متأخرش ولا حاجة دى كلها 5 دقايق
ردت طالبة أخرى ضاحكة :
– ان مكنش ده يتأخر أمال مين اللى يتأخر
قالت أخرى بهيام :
– يخربيت كده ده عليه جوز عيون يهبلوا
شعرت “آيات” بالضيق وهى تستمع الى تلك التعليقات .. وفجأة انخفضت الأصوات تدريجياً وتعلقت الأنظار بالشخص القادم .. التفتت “آيات” تنظر الى باب المدرج وقلبها يخفق بسرعة وارتسمت ابتسامه صغيره على شفتيها ونظره حالمه فى عينيها .. دخل “آدم” المدرج ووقف على المنصة أمام المكتب ببدلته الأنيقة وملامحه الوسيمة ونظرات كالبحر متلاطم الأمواج .. نظر الى الطلاب قائلاً بصوته الرخيم :
– مساء الخير
ردد الطلاب :
– مساء الخير يا دكتــور “آدم”