رواية الحبُ.. أَوْس
الفصل الثامن والعشرون
ربما كان من الأسهل لو أجبره على الاعتراف علنًا بجريمته النكراء وما اقترفه من ذنب لا يُغتفر في حق ضحيته المظلومة أمام الجموع المرابطة عند النواصي، لكنه فضل أن يتجاوز فضيحة ستتناقلها الألسن وتضيف عليها من الزوائد ما يشوه سمعتها بالباطل، لذا اكتفى بتلقين ذلك البغيض الحقير ما يستحقه ليظل ما حدث له هو آخر ما يتحدث عنه الجميع مكتفين بالاعتقاد أن هناك ثأرًا شخصيًا بين صاحب السلطة وبين ذلك العاطل لتتطاوله على زوجة الأول، عاد “أوس” إلى سيارته بعد أن أشار لأفراد حراسته باتباع أوامره واللحاق به، سار خلفه “يامن” دون أن ينبس بكلمة، وكأن الطير قد حل فوق رأسه، استقل المقعد المجاور لابن عمه مكتفيًا بالتحديق بشرود في الزجاج الملاصق له، لم يطلب أي تفسير ولم يبادر بالحديث، تعجب “أوس” من صمته المريب، فهو لا يكفُ عن الشكوى أو التذمر أو دس أنفه فيما لا يعنيه وإزعاجه بأسئلته المتلاحقة، وها هو الآن يجلس في حالة سكون غريبة لا تلائم شخصه الفضولي، التفت نحوه نصف التفاتة ليسأله بجديةٍ:
-ساكت ليه؟
زفر “يامن” زفيرًا مطولاً قبل أن يجيبه بفتورٍ:
-عادي، مافيش حاجة
التوى جانب ثغره ليظهر بسمة باهتة متهكمة وهو يعلق عليه:
-مش مصدقك
استند “يامن” بمرفقه على حافة النافذة قائلاً بندمٍ:
-عندك حق، أنا نفسي مش مصدق اللي عملته لأني من الأول غلطان
رمقه “أوس” بنظرة سريعة فاحصة لملامح وجهه الممتعضة، في حين أضاف الأخير معبرًا عما يجيش به صدره مستحضرًا طيف “هالة” في مخيلته بوجهها الذابل المتورم:
-كنت السبب في اللي حصل للبنت دي، لو كنت دافعت عنها ومنعتهم ياخدوها مكنش ده حصلها ولا مامتها بهدلتها زي ما ….
قاطعه “أوس” مؤكدًا:
-طبيعة الناس دي كده، ردة فعلهم بتكون عنيفة
ثم كز على أسنانه متمتمًا:
-لدرجة إن كلب زي اللي شوفته يوسخ سمعة بنت بريئة عشان يطلع مظلوم
وافقه “يامن” الرأي مرددًا:
-أنا مش غايظني إلا الـ ….. ده، كان نفسي أموته بإيدي
بدا “أوس” في حالة استرخاء وهو يضيف:
-هو خد اللي يستحقه وزيادة
-بس تفتكر الناس هتنسى اللي حصل؟
-يومين وكل حاجة هاترجع لطبيعتها، محدش فاضي لحد
عاد ليسأله “يامن” باهتمام متلهفٍ وقد تجمدت حدقتاه القلقتان على وجهه:
-طب إيه اللي أقدر أعمله عشان أعوضها عن اللي حصلها بسببي؟
أجابه ببساطةٍ:
-ولا حاجة
ضايقه رده العائم فهتف محتجًا:
-يا “أوس” أنا حاسس بتأنيب الضمير، في حاجة وجعاني من جوا
وكأنه يوصف له ما يشعر به نحو تلك المسكينة التي تسبب في إيذائها دون قصدٍ منه، حاول تهوين الأمر عليه فأردف معقبًا:
-متقلقش، وأكيد سمعت بنفسك أنا هاتصرف إزاي معاها
بدا غير مقتنع بما قاله، مازال ذلك الشعور المنغص يزعجه بل ويتضاعف مع إحساسه بعجزه عن تقديم المساعدة لها، أومأ برأسه في استسلام قبل أن يشيح برأسه لينظر بعينين فارغتين في الطريق أمامه، لم يضف “أوس” المزيد وتابع قيادة السيارة في هدوءٍ حذر.
……………………..
كانت تحترق على جمرات ملتهبة وهي تجوب غرفة نومها بتوترٍ ملحوظ، وقفت “تقى” بالشرفة تتابع بنظرات حائرة حديقة الفيلا متوقعة قدوم زوجها بين لحظة وأخرى، كاد قلبها يخفق لأكثر من مرة من فرط الخوف القلق متذكرة ما مرت به من تجربة قاسية تمس سمعتها فكانت نهايتها بالطعن وبتطور الأمور وتصعيدها إلى مستوى آخر لم تتوقعه لتتغير حياتها بالكامل، خشيت أن تمر “هالة” بنفس الظروف، وتتعامل معها والدتها بقسوة فتفتك بها في لحظة طيش، حاولت أن تنفض تلك الأفكار السوداوية عن عقلها لتفكر بتروٍ فيما يمكن أن يفعله زوجها ليحد من تصاعد الأوضاع، توقفت عن التفكير بصورة تشاؤمية مع استماعها لصوت بوق السيارة المميز، ركزت بصرها وهي تشب على قدميها على البوابة الرئيسية للفيلا، لمحت “أوس” قادمًا، لم تنتظر صعوده ليخبر بالمستجدات، بل ركضت من الشرفة لتقابله بالأسفل، خرج صوتها لاهثًا وهي تسأله بتلهفٍ أثناء هبوطها المتعجل على الدرج:
-عملت إيه يا “أوس”؟
نظر لها بعتابٍ حاد مستنكرًا عدم اكتراثها بتبعات تصرفها الأحمق ذلك مما قد ينعكس بالسلب على حياة الجنين الذي يتشكل الآن في رحمها، اقترب من الدرج محذرًا:
-بالراحة يا “تقى”، أنا هاقولك على كل حاجة، بس خدي بالك
توقفت قبالته واضعة كفيها على ذراعيه فشعر بارتجافتها، حاولت أن تلتقط أنفاسها وهي تسأله بتوترٍ:
-طمني بس الأول، عملت إيه؟
أجابها بثقة واضحة على قسماته:
-متقلقيش، “هالة” كويسة!
سألته ونظراتها تتلاحق بتوترٍ أكبر:
-إنت شوفتها؟
رد بهدوءٍ ليشعرها بالاطمئنان:
-أيوه، ونبهت على أمها متقربش منها، يعني من الآخر هي مسئولة مني!
أخرجت “تقى” تنهيدة عميقة من صدرها كتعبير عن ارتياحها الشديد، ثم رددت مبتسمة:
-الحمدلله
عاد القلق ليغزو ملامحها فتساءلت بحيرةٍ وقد وقعت نظراتها على يده الجريحة:
-حصلك إيه
أمسكت بكفه بين أصابعه فسحبه بهدوءٍ منها قائلاً لها:
-دي حاجة بسيطة، متشغليش بالك
مسحت بأناملها على جروحه وهي تطالعه بنظرات حانية، ثم سألته بجدية:
-طب و”منسي”؟ عملت معاه إيه؟ ده واحد جبان ومحدش يقدر عليه
ورغم بساطتها في البوح بما يزعجها إلا أن كلماتها كانت مشككة في قدرات زوجها على التعامل مع أشخاص بغضاء كذلك الحقير النجس، وضع “أوس” إصبعيه على طرف ذقنها ضاغطًا عليه برفق وهو يقول لها بغطرسةٍ وعنجهية:
-حبيبتي اللي واقف قصادك ده “أوس الجندي” مش حد تاني، بلاش تقللي مني
شعرت بالتوبيخ المتواري في جملته الأخيرة فاعتذرت على الفور:
-أنا أسفة
بادل ردها المعتذر ابتسامة عذبة، رمقته “تقى” بنظرة حنون وهي تسأله:
-أومال فين “يامن”؟
أجابها قائلاً:
-رجع الشركة، ورانا شغل متعطل هناك
أومأت برأسها في تفهم:
-أها، ماشي
رفع بصره للأعلى متسائلاً باهتمامٍ:
-فين “حياة”؟ أنا مش شايفها
أجابته برقةٍ:
-بتلعب في أوضتها ومعاها “ماريا”، تحب أناديها و…
قاطعها بجدية:
-خليها براحتها، أنا هاشوفها لما أرجع، المهم اطلعي إنتي ارتاحي يا حبيبتي وأنا هاروح الشركة أخلص اللي ورايا
هزت رأسها في طاعة وهي ترد:
-حاضر
انحنى “أوس” عليها ليمنحها قبلة صغيرة على وجنتها مودعًا إياها، أوشك على الاستدارة والسير فهمست له بدلالٍ:
-“أوس”
حدق بها مرددًا:
-نعم
أسبلت عيناها هامسة برقة شديدة وهي تداعب رابطة عنقه:
-بأحبك
حاوط جانب وجهها بكفه مستشعرًا ملمسه الناعم على جلده وهو يرد بحنوٍ
-وأنا بأعشقك يا أغلى من حياتي
أغمضت عينيها مستسلمة لإحساس قربه منها الذي يحفز وجدانها وينقلها سريعًا لعالمٍ ورديٍ مليءٍ بالأحلام العاشقة، ردت بعدها بتنهيدة خافتة:
-ربنا يخليك لينا
تأهبت حواسها كليًا مع تلك القبلة المباغتة التي لم تتوقعها منه على شفتيها، شعرت بعمق أشواقه، ببثه لمشاعر توقظ الرغبة في القرب والتلاحم بين الأرواح، تراجع “أوس” عنها لتلتقط أنفاسها متأملاً بشرتها النضرة بحمرتها المغرية، وصدرها النابض بحبه العاصف، داعب طرف أنفها مشددًا:
-خدي بالك من نفسك لحد ما أرجعلك بالليل، مفهوم؟
ورغم صرامته إلا أنها أحبت ذلك منه فردت بخضوعٍ:
-طيب يا حبيبي
ودعها بابتسامة مشرقة قبل أن يسير في اتجاه باب الفيلا، ظلت مقلتاها تتبعه حتى اختفى من أمام أنظارها فاستدارت صاعدة الدرج لتذهب إلى غرفة ابنتها لتجالسها.
……………………..
لم يفارقه طيف وجهها المتألم رغم انقطاع أخبارها عنه لعدة أيام متلاحقة، كانت تزوره ليلاً في أحلامه لتعاتبه بصمتٍ أرق مضطجعه فينتفض من نومته مزعوجًا وهو يتصبب عرقًا غزيرًا ليخاصم بعدها جفنيه النوم فيظل متيقظًا حتى يحين موعد ذهابه لعمله، حاول “يامن” إنهاك عقله في متابعة ما يكلفه ابن عمه من أعمال ليظل مشغولاً عن التفكير عنها، لكن بقيت “هالة” تقتحم خلوته، تغزو شروده، لذا قرر في الأخير أن يتقصى عنها بنفسه ليشبع رغبته في الاطمئنان عليها، أعد لذلك الأمر جيدًا، حيث تواجد عند الناصية منتظرًا بداخل سيارته ومراقبًا عن كثب المارة الذين يعبرون الطريق للجانب الآخر، كاد أن ييأس من حضورها حتى لمحها تسير الهوينا وهي تحمل حقيبتها على كتفها، لم يرغب “يامن” في إفزاعها وإثارة القلائل بظهوره المباغت أمامها، لذلك تبعها بسيارته بحذرٍ شديد حتى تأكد من ابتعادها عن منطقتها السكينة ليزيد قليلاً من السرعة السيارة قاطعًا عليها الطريق، شهقت “هالة” بفزعٍ حينما رأت سيارة غريبة تسد عليها الطريق، تلاشى خوفها قليلاً وقد رأت صاحب الوجه المألوف أمامها، عبست ملامحها ورمقته بنظرة جادة ضاغطة على شفتيها بقوةٍ، ترجل “يامن” من سيارته متسائلاً باهتمامٍ:
-أخبارك إيه؟
ردت بجمودٍ وكأنها تعنفه:
-جاي ليه؟
ضاقت نظراته وهو يجيبها:
-أنا عاوز أطمن عليكي
بدت جادة التعبيرات للغاية حينما نطقت باقتضابٍ عابس:
-وأنا كويسة
ثم رمقته بنظرة مزعوجة قبل أن تتنحى للجانب لتتجاوزه، اعترض طريقها متسائلاً بغرابةٍ:
-استني بس، رايحة فين؟ أنا ملحقتش …
قاطعته بعصبية ملحوظة في نبرتها وردة فعلها:
-لو سمحت ملكش دعوة بيا، كفاية اللي شوفته واللي حصلي
سألها بضيق وقد وصله إحساسها المنزعج:
-وأنا ذنبي إيه؟
زفرت دون أن تجيبه فأضاف مبتسمًا عل بابتسامته البسيطة يخفف من حدة الأجواء:
-على فكرة أنا مقصدش أضايقك، بس كنت عاوز أطمن عليكي
زمت شفتيها معلقة:
-وقولتلك أنا كويسة
لوح بذراعه متسائلاً بنبرة عادية:
-طب تحبي أوصلك لمدرستك؟
ارتفع حاجبها للأعلى في استنكارٍ واضح لعرضه الذي لا يلائمها، ثم ردت نافية بصرامة:
-لأ، شكرًا
أوشكت على التحرك وتركه لكنه اعترض طريقها بجسده رافعًا يده في الهواء للأعلى راجيًا:
-ثانية واحدة بعد إذنك
سألته بنفاذ صبر وهي تشد من قبضتها على حقيبة ظهرها:
-في إيه تاني؟
أراد “يامن” تقديم يد المساعدة لها بشكلٍ أو بآخر عله بذلك يستريح من عذاب الضمير الذي لازمه لليالٍ طوال، بدون تفكير متأنٍ منه دس يده في جيبه ليخرج منه حفنة من النقود معتقدًا بذلك أنه سيسعدها حينما تشتري ما تحتاجه، مد كفه بهم إليها قائلاً:
-خدي دول
نظرت للنقود شزرًا قبل أن ترفع عينيها الضجرتين إلى وجهه وهي تسأله:
-إيه دول؟
رسم بسمة بسيطة على ثغره وهو يجيبها:
-يعني حاجة بسيطة عشان لو ناقصك حاجة، أو حابة تشتري ….
شعرت “هالة” بإهانة صريحة من طريقته، وبانتقاصٍ كبير في كرامتها بسبب تصرفه الذي أشعرها بالحقارة والدنو، تجهم وجهها كليًا وقست نظراتها على الأخير ثم ردت بصلابة وقد ظهر لمحة من الاختناق في صوتها:
-شكرًا يا بيه، خلي فلوسك معاك، أنا مش شحاتة، عن إذنك!
لم تنتظر تبريره بل دفعته من كتفه لتمر من جواره متجاوزة إياه ومسرعة في نفس الوقت في خطواتها كي لا يرى دمعات الحزن والقهر المتشكلة في مقلتيها، ربما هي فقيرة، شبه معدمة الموارد، تعاني من ظروف اقتصادية واجتماعية سيئة، ورغم ذلك تحاول الصمود وإظهار تفوقها وبراعتها في الاستذكار والدراسة، مسحت بظهر كفها عبراتها المنكسرة التي انسابت على وجهها، تبعها “يامن” بنظراته متسائلاً باستغرابٍ:
-هي اتضايقت؟!
……………………..
بدا مشغولاً بالرد على بعض الرسائل الإلكترونية لإنهاء أعماله العالقة وهو مستلقي بجوارها على الفراش فلم ينتبه إلى توترها الظاهر على جسدها، فقد كان معظم تركيزه على المعروض على شاشة حاسوبه المحمول، ومع ذلك شعر بلمسة حانية على ذراعه من أناملها الرقيقة وصوتها الناعم يناديه:
-“أوس”
رفع نظراته إليها مرددًا باقتضابٍ:
-نعم
أجابته بخجلٍ وهي تعض على شفتها السفلى بحرجٍ:
-أنا شامة ريحة مانجة
زوى ما بين حاجبيه بتعجبٍ شديد وهو يقول مستغربًا:
-مانجة؟!
هزت رأسها بالإيجاب موضحة له:
-أيوه، الريحة جامدة أوي في مناخيري، هو إنت مش شامم ده؟!
رد عليها متسائلاً:
-هو احنا عندنا مانجة أصلاً؟
أجابته نافية:
-لأ، مافيش هنا
ثم تحولت نبرتها للرقة ونظراتها للحنو وهي تضيف بخجلٍ لطيف:
-بس أنا نفسي فيها
ترك “أوس” حاسوبه لينظر لها بجدية قبل أن يسألها مستفهمًا:
-إنتي بتتوحمي ولا إيه يا “تقى”؟
هزت كتفيها هامسة:
-الظاهر كده
أضاف مؤكدًا:
-بكرة الصبح هاتكون عندك
عبس وجهها قليلاً وضمت شفتيها قائلة بضيقٍ:
-مش قادرة استنى للصبح!
هب “أوس” واقفًا ليقول لها بنبرة حاسمة وقد بدا عليه الجدية:
-خلاص هاجيبهالك
طالعته بغرابةٍ وهي تسأله:
-هاتعمل إيه؟
رد عليها بغموضٍ أصابها بالفضول:
-هاتصرف، ارتاحي إنتي
مدت “تقى” يدها لتمسك بكفه، جذبته منه قائلة له بعينين لامعتين:
-أنا أسفة هاتعبك
احتضن أناملها بأصابعه ثم أحنى رأسه على كفها ليقبله، رمقها بنظرة رومانسية تعكس شغفه الدائم بكل ما يتعلق بها وهو يرد:
-يا حبيبتي مافيش حاجة تغلى عليكي
تركها “أوس” بمفردها في الغرفة بعد أن ارتدى ثيابه على عجالة ليحضر لها ما رغبت فيه، انتظرته بحماسٍ لوقت ليس بالقليل حتى عاد إليها وهو يحمل في يده لأول مرة في حياته أكياس الفاكهة، كتمت بصعوبة ضحكة عابثة تقاتل للظهور على شفتيها، فصاحب السلطة والهيمنة والنفوذ ذو البدل السوداء والوجه الصارم يبدو كالمواطن العادي وهو يعود لمنزله حاملاً أكياس الطعام، شيء رفض عقلها استيعابه للحظات، حملق فيها “أوس” بغرابة وهو يرى نظراتها الشقية نحوه، لم يدع الأمر يحيره فسألها مستفهمًا:
-بتبصيلي كده ليه؟
حاولت “تقى” التنفس بعمق لتسيطر على ضحكاتها العابثة قبل أن تنفلت منها، ثم ردت بمرحٍ:
-مش عارفة أقولك إيه، أنا مبسوطة إنك جبتلي اللي نفسي فيه
حرك رأسه بإيماءة خفيفة وهو يقول:
-وماله يا حبيبتي، أنا هاخد شاور
تناولت منه الأكياس ثم ضمتها إلى صدرها مرددة بحماسٍ وقد زاد لمعان نظراتها:
-ماشي، خد راحتك
راقبته وهو يلج إلى الحمام فأسرعت بالجلوس القرفصاء على الفراش واضعة أكياس المانجو في حجرها بعد أن أحضرت طبقًا صغيرًا وسكينة الطعام، بدأت “تقى” في تقطيع الثمار وتناولها بشراهة متلذذة بمذاقها الشهي الذي حمسها لأكل المزيد، رددت بتأويهة مستمتعة:
-الله، طعمها حلو
استمرت على ذلك النحو حتى فرغت من تناول أغلب الثمار غير عابئة بالفوضى ولا البقع الصفراء المتناثرة على قميصها الأبيض والتي لطخته بشكل ملحوظ، خرج “أوس” من الحمام وهو يضع المنشفة على رأسه ليجفف بها شعره المبتل، أزاحه عنه لينظر لها بغرابةٍ، انعقد حاجباه بشدة من حالة الشره التي انتابتها، وقف قبالتها مدققًا النظر فيما تفعله وهو يسألها باندهاش عجيب:
-إنتي خلصتي المانجة كلها
أجابته بفمٍ ممتلئٍ بالطعام:
-دي حلوة أوي
ألقى “أوس” المنشفة بإهمال على طرف الفراش ثم ثبت عينيه عليها محذرًا:
-بالراحة يا “تقى”، كترهم مش حلو
اعترضت قائلة بوجهٍ شبه عابس:
-اطمن، دول …
لم يمهلها الفرصة لتختلق له الأعذار، فما أحضره لها من ثمار المانجو لم يكن بالكمية القليلة، جذب منها الأكياس والطبق المليء بالبقايا رغمًا عنها فهتفت معترضة وهي تحاول النهوض:
-استنى بس
أولاها ظهره ليمنعها من الوصول إلى غايتها قائلاً بإصرار:
-كده ماينفعش
نهضت من جلستها مقاومة بشدة إحساس التنميل الذي أصاب ساقها وجعلها عاجزة عن الوقوف بثبات، تغلبت عليه بصعوبةٍ وحاولت الوصول إلى الأكياس، لكنه حال بجسده دون حدوث ذلك، التفت حوله لتصل إليهم فاستدار معترضًا طريقها، ضربت بقدمها الأرض مرددة بتذمرٍ:
-يا “أوس” فاضل حبة صغيرين، يعني يرضيك النونو يطلع عنده وحمة عشان أنا مكلتش مانجة؟!
أبعد الأكياس عنها قدر المستطاع ليقول ممازحًا وهو يكاد ينهار ضحكًا من هيئتها المُضحكة:
-كده مش هيطلعله وحمة، ده احنا هنلاقي شجرة مانجة إن مكانش جنينة بحالها ……………………..
……………………..
يتبع >>>>>>>>>