رواية الحبُ.. أَوْس

الفصل الخامس عشر

اندفعت للخــارج وعبراتها الموجعة تتسابق للنزول من طرفيها، كفكفت بقايا دمعاتها سريعًا بأناملها المرتجفة قبل أن تلتقطها الأعين فتثير فضول أحدهم، لكن احتفظت عيناها بتلك الحمرة البائنة، تنفست “هالة” بعمقٍ لأكثر من مرة لتضبط انفعالاتها، فكم شعرت بالمهانة والخزي لمجرد الحكم عليها من مظهرها البسيط بأنها خادمة بائسة، ولما لا تحزن وهي بالفعل هكذا؟ فقط لم تعتد أذناها على سماع تلك الكلمات القاسية، رأتها “بطة” فاقتربت منها، دققت النظر في تعبيراتها المنكسرة متسائلة باستغرابٍ:
-في إيه مالك؟
أجابتها باقتضاب فخرج صوتها إلى حد ما مختنقًا:
-مافيش!
تفرست فيها “بطة” بجدية أكبر، فقد كان ردها غير مقنع لها، عادت لتسألها بجدية دون أن تبعد نظراتها المتفحصة للمحاتها الحزينة عنها:
-أومال وشك عامل كده ليه؟
بهتت “هالة” قليلاً وهي تحاول اختلاق كذبة ما تكون مرضية لفضول أختها، فلا حاجة بها لاستعادة ذلك الموقف السخيف الذي زجت بنفسها فيه وسرده عليها لتتلقى اللوم منها، وربما التوبيخ لتصرفها الأخرق منذ البداية، تنهدت ناطقة:
-في حاجة دخلت عيني طرفتها جامد
مطت فمها وبدت عيناها الثاقبتان تتفحصاها باهتمام، تراجعت عنها قائلة بزفير قصير:
-طيب، ابقي خلي بالك، ويالا عشان هيطفوا الشمع
هزت رأسها في استسلام لتتبعها مرددة بخفوتٍ حزين:
-حاضر
أخفضت نظراتها نحو حقيبة يدها الجلدية باحثة بداخلها عن منشفة قطنية لتجفف بشرتها المبتلة، وتزيل ما علق في أهدابها من عبرات، زفرت ببطءٍ آملة أن يمضي ما تبقى من الليلة على خير.
……………………..……………………..
أخرج منديله القماشي الأسود الذي يتطابق مع لون قميصه ليمسح به ما تناثر من قطرات المشروب عليه، استرعى فضوله تلك الفتاة الصغيرة التي بدت على وشك الانهيار باكية لمجرد خطأه في تحديد هويتها الوظيفية، كانت ردة فعلها مبالغ فيها، حرك رأسه بتعجب مستنكر، كان ممتنًا لكون قميصه داكنًا فلم تظهر آثار البقع عليه، استقام “يامن” في وقفته مرددًا مع نفسه:
-حالة غريبة، مشوفتش في حياتي كده!
شعر باهتزاز هاتفه في جيب بنطاله، أخرجه من جيبه لتتحول تعابيره للانزعاج لمجرد رؤية اسمعها يصدح على شاشته، نفخ مطولاً قبل أن يجيب على اتصالها المُريب:
-أيوه يا “رغد”
أصغى لصوتها الحاد الذي سبب الأذى لأذنه لصراخها، تنهد قائلاً:
-موجود عند “أوس”، في حاجة حصلت؟
التوى ثغره للجانب فكان ممتعضًا وهو يجيب بآليةٍ على أسئلتها المتعاقبة:
-وكمان عرفتي إنه نقل مكان جديد!
أبعد الهاتف عن أذنه ليتجنب صرخة مزعجة ألمته، وضعه من جديد مرددًا بنفاذ صبر:
-حاضر، مش ناقصة نرفزة، هابعتلك اللوكيشن في رسالة!
اتسعت حدقتاه باندهاشة عجيبة وقد أغلقت الخط دون أي مقدماتٍ، استشعر كارثة خطيرة على وشك الحدوث، دس الهاتف في جيبه مُحدثًا نفسه بتوترٍ انعكس في نبرته ووجهه:
-شكل الليلة مش هاتعدي على خير!
علق سترته بعد أن طواها على ذراعه ثم خطى بتمهل إلى الخارج ليشارك في حفل عيد الميلاد السخيف من وجهة نظره.
……………………..……………………...
خبت الأضواء قليلاً مما جعل وهج الشمعة يظهر بوضوح، تجمع الضيوف حول المائدة المستطيلة ليشاركوا العائلة الغناء للرضيعة التي أتمت عامها الأول، صفق الجميع بعد انطفاء الشمعة لتُضاء الصالة من جديد، احتضن “أوس” زوجته بذراعه هامسًا لها بنبرة متيمة وعينيه تعبران عن حب شغوف:
-كل لحظة وإنتي حياتي
هدهدت صغيرتها قبل أن تطالعه بنظرات هائمة عشقًا من عينيها الزرقاوتين قائلة بوجه متوردٍ:
-ربنا يباركلنا فيها يا حبيبي
ضم الاثنتين إلى صدره ليحتويهما متابعًا بصدقٍ نابعٍ من قلبه النابض بعشقهما الأبدي:
-بأحبكم
راقبت “هالة” الموقف الرومانسي لأفراد العائلة بابتسامة ناعمة تكونت على شفتيها وبنظرات أقرب للوله، أحست بصدق المشاعر النابعة من الزوجين، فبالرغم من المآسي التي عانت منها “تقى” بسبب جبروت زوجها وتسلطه المخيف إلا أنها في النهاية حظيت به زوجًا محبًا عاشقًا بها، يبذل ما في وسعه لإسعادها، تمنت لو قابلت مستقبلاً من يهيم بها ويحبها حتى النخــاع، أفاقت من تحديقها الشارد بهما على صوت أختها الآمر بجدية:
-روحي هاتي الهدية، أنا حطاها على الكنبة اللي ورا
أومأت برأسها إذعانًا لطلبها وهي ترد:
-ماشي
التفتت بجسدها للخلف مندفعة بتعجلٍ وبلا تفكيرٍ نحو الأريكة الموضوع بها الهدية المغلفة، كان عقلها مشغولاً فلم ترَ إلى أين تخطو، لذا اصطدمت دون عمدٍ بذاك الذي كان سائرًا في نفس اتجاهها، وجدت نفسها واقعة في أحضانه، بل وكفاها مستندان على صدره، كتمت شهقة خافتة وحرجة منه، اشتعل وجهها مرة أخرى، اعتذرت سريعًا قبل أن ترفع وجهها نحو الشخص الذي ارتطمت به:
-أسفة!
أمسك بها “يامن” من كتفيها ليعدلها في وقفتها، طالع وجهها المألوف الذي التقاه قبل برهة بنظرات مصدومة، لكن تبدلت تعابيره للابتسام مرددًا:
-إنتي!
انفرجت شفتاها في صدمة أكبر منه، وتضاعفت الحمرة التي احتلت بشرتها بالكامل لتبدو أكثر حرجًا عن ذي قبل، استقام “يامن” في وقفته لتظهر عليه لمحات الغرور وهو يقول ممازحًا:
-ده إنتي مستقصداني بقى
حملقت فيه باندهاش متوترٍ، فتابع مبتسمًا ليخفف من حرجها معتقدًا أنها ربما تنفجر باكية إن أخطأ في هويتها:
-خدي بالك يا آنسة
لم تجد “هالة” ما تعلق به عليه، ظلت نظراتها الخجلة متجمدة على وجهه المتسلي بالتطلع إليها وكأنها كائن غريب يدفعه فضوله الغريزي لتفحصه ودراسته باهتمامٍ، لم تعرف ما الذي تفعله أو كيفية التصرف في ذلك الموقف الذي تكرر مرتين، وكانت هي المتسببة فيه، بدت لوهلة ضائعة، متخبطة، مترددة، وعاجزة عن التفكير، وهو لم يتوقف عن رمقها بتلك النظرات الغريبة التي كانت تخترقها وتزيدها تخبطًا، انتفضت على إثر الصوت الآمر القادم من خلفها:
-يالا يا “هالة”!
استدارت برأسها لتجد أختها تلوح لها بذراعها لتتوقف عن التلكؤ وإضاعة الوقت، ردت عليها بنبرة مهتزة:
-طـ.. طيب
داعب “يامن” طرف ذقنه وهو يتنحى للجانب قليلاً لتتمكن من المرور قائلاً لها بتهذيبٍ:
-اتفضلي، مش هاقف في سكتك!
خطت بارتباك بجواره وهي متيقنة أن نظراته ما زالت ترافقها، انحنت ملتقطة الهدية ثم تحركت بعيدًا عنه مفضلة ألا تمرق على مقربة منه، ورغم هذا ظل وجهها يبعث تلك السخونة الحرجة، وعلى قدر الإمكان تحاشت النظر في اتجاهه مفضلة الاختباء خلف أختها الكبرى.
……………………..…………
ســارت أجواء الحفل بهدوءٍ واستمتع الحاضرون بالترتيب البسيط لكل شيء، مرت “تقى” بين ضيوفها لتتأكد من عدم وجود ما ينقصهم، بالطبع انزوى “أوس” عند الجانب ليتحدث مع “يامن” وبعض أقربائه عن الصفقات والاتفاقات الأخيرة، أوشكت “هالة” على الانتهاء من تناول قطعة الحلوى بالشوكة، لاكت البقايا الأخيرة بتعجلٍ حينما مالت عليها “بطة” لتقول لها بجدية:
-بأقولك إيه “عبده” اتصل بيقولي عمته تعبت وودوها المستشفى
ردت بأسفٍ:
-يا ساتر يا رب
تابعت “بطة” قائلة بوجهٍ ممتعض وملامح قلقة:
-أنا مش هاينفع أسيبه لوحده
علقت عليها أختها موافقة إياها في الرأي:
-اللي تشوفيه يا “بطة”
أشارت لها بعينيها مكملة:
-بصي احنا خلاص عملنا الواجب، نقوم نمشي، مالهاش لازمة أعدتنا هنا
سألتها “هالة” مستفسرة:
-طب هانقول لـ “تقى” عشان تبعت معانا العربية ترجعنا؟
هزت رأسها بالنفي وهي ترد:
-لأ، بلاش نتقل على الجماعة، احنا أول ما نطلع من الحتة دي نركب أي مواصلة من على أول الشارع الرئيسي!
اكتفت “هالة” بالإيماء برأسها، ثم نهضت من مكانها واضعة الصحن الفارغ على الطاولة، وفي أقل من دقائق كانت كلتاهما تسيران نحو الخارج بعد توديع “تقى” ورضيعتها، وبدون أن تنتبه جيدًا لكزت “بطة” بكتفها تلك الضيفة المتأخرة التي كانت تصعد بغنجٍ متدلل الدرجات الرخامية، هتفت معتذرة دون أن تلتفت نحوها:
-لا مؤاخذة
رمقتها “رغد” بطرف عينها بنظرات مشمئزة مزعوجة من تلك الشابة السوقية التي تجرجر نفسها وهي تحمل في يدها رضيعًا بثيابٍ بدت وضيعة للغاية، ناهيك عن الفتاة الأخرى الملتصقة بها والتي كانت أقرب لخادمة منها إلى شابة، ارتسم على تقسيماتها المتغطرسة علامات التأفف والنفور، لكن أوحى لها مظهرها بشيء ما، بل أكد لها ما تنامى إلى مسامعها من معلومات شيقة عن أصول زوجة ابن عمها، فكرت بذكائها أن تستغل ما رأته للتو في تحفيز عقلها وشحنه لتفتعل مشكلة فتفسد الأجواء اللطيفة معلنة بذلك بدء الحرب الضروس مع قطب عائلة “الجندي”.
خطت للداخل تجوب بعينين حادتين لكنهما قاسيتين كل ركن في تلك الفيلا الفاخرة، تحولت نظراتها للحنق والغيظ وهي تتأمل بنفسها كم الترف والثراء الفاحش الظاهر في كل شيء بدءًا من الأرضيات وانتهاءً بالأثاث والثريات والتحف والأنتيكات، وقعت نظراتها على “ليان” التي كانت تكركر ضاحكة، انخفضت نظراتها لتلاحظ ذلك التورم الخفيف الملموس على بطنها، انتابها الفضول لمعرفة سببه، فعلى ما تذكر أن تلك الطائشة مهوسة بصيحات الموضة والجسد المثالي، ولكن النتوء الشاذ الذي برز بوضوح من أسفل ثوبها الضيق جعلها تشك في احتمالية حملها، ستترك الأمر جانبًا لتتحرى عنه لاحقًا، فهي الآن لديها مهمة خطيرة ومرعبة، بحثت بدقة عن خصمها فوجدته يقف بشموخٍ إلى جوار إحداهن وهي تحمل رضيعة بين ذراعيها، لم تكن بحاجة لتخمين هويتها، فلمساته المداعبة لوجنتها وكذلك ميله نحوها أكد لها أنها زوجته، تقوس ثغرها ببسمة شيطانية لئيمة، تمتمت مع نفسها بخبثٍ:
-جه وقت اللعب اللي بجد!
اقتربت بخيلاء من ثلاثتهم متعمدة أن يصدر حذائها العالي صوتًا مزعجًا، شبكت ساعديها أمام صدرها بعد أن وقفت بينهما لتقول من زاوية فمها بنبرة أقرب للسخرية عنها للتهنئة:
-هابي بيرزداي
تفاجأ “أوس” بحضورها غير المرغوب فيه، نظر لها شزرًا متأملاً بنظرة شمولية سريعة هيئتها الصارخة والفاضحة، فقد ارتدت “رغد” ثوبًا أحمر اللون، عاري الصدر والكتفين، يبرز مفاتنها الأنثوية بصورة فجة مثيرة للغرائز لدى الجنس الآخر، ويكاد يلامس حافتي ركبتيها، ناهيك عن كم مساحيق التجميل التي تفننت في وضعهم على وجهها لتبدو كدمية ملونة أو فتاة ليل رخيصة –من وجهة نظره، ومع ذلك لم يتأثر بذلك الابتذال الرخيص منها، مدت ساقها للأمام قليلاً متعمدة أن تولي ظهرها لتقى لتشعرها بازدرائها نحوها وتجاهلها المقصود لها، ركزت “رغد” نظراتها المتهكمة على وجهه لتقول بعتابٍ مصطنع:
-بقى كده يا “أوس”، مش كنت تعزمني؟
رمقها بنظرة احتقارية متعالية ليرد بعدها ببرودٍ:
-مع إن المفروض أعمل كده، بس معاكي لأ
نظرت لها “تقى” بحيرة، فهي لم تستشف هويتها بعد، لكن أنبئها حدسها الأنثوي أن وراء تلك المرأة خطب ما، عقبت عليه “رغد” بعدم اكتراثٍ وكأنها لا تبالي مُطلقًا بانزعاجها من وجودها أو حتى ردوده الوقحة:
-عادي، أنا ماليش في الجو السخيف ده!
ثم دنت منه خطوة لتقلص المسافات بينهما قاصدة التصرف بجراءة أمام عيني زوجته لتثير غيرتها النسائية وكذلك لتشعرها بكونها على الهامش لا يشكل حضورها فارقًا معها، مدت يدها لتتلمس طرف سترته مداعبة كتفه وهي تضيف بدلالٍ سخيف:
-بس كان لازم أشوفك النهاردة، إنت أكتر من ابن عمي
تجهمت تعابير “أوس” من تصرفها المتطاول معه، وبدون ترددٍ أزاح يدها بعيدًا عنه وكأنها جربة سيطاله منها عدوى ما، في حين جحظت “تقى” بعينيها مصدومة من فعلتها الجريئة وتعاملها بكل ذلك التجاوز مع زوجها، اكتست حدقتاها بحمرةٍ مغتاظة منها، وقبل أن تتحرك شفتاها لتوبخها التفتت “رغد” نحوها مرددة بنبرة ساخرة للغاية:
-دي المدام بقى؟!
فاض به الكيل من فجاجتها، بل اشتعلت نيران حنقه على الأخير ليرد هادرًا بشراسة من بين أسنانه المضغوطة:
-ميخصكيش
وكأن غضبه المندلع لا يساوي عندها شيئًا، ظلت نظراتها الدونية مسلطة على “تقى” لتشعرها بضآلتها وبعدم ملائمتها لشخص مهيب ذو قوة ونفوذ مثل “أوس الجندي”، مطت “رغد” فمها لتقول بتأفف:
-مممم.. حاجة أوريجنال خالص
لمحها “يامن” من على بعد فتوجس خيفة من رؤيتها، اقترب سريعًا ليرحب بها وهو يجوب بنظراته الوجوه المختلفة في التعبيرات:
-أهلاً “رغد”
نظرت له أخته شزرًا من طرف عينها قبل أن ترد ببرود مستفز:
-خليك على جمب
أحرجته بوقاحةٍ وببرود بأسلوبها الفظ في الحديث، أدرك أن مجيئها سيكون لعنة على أصحاب المنزل، لذا الأسلم له عدم التدخل في مشكلاتها الخاصة والابتعاد عن مصائبها، بالإضافة إلى أن ابن عمه جدير بالتعامل معها بكفاءة ودون مساعدة، رفع “يامن” كفيه في الهواء مرددًا بضيقٍ:
-براحتك، إنتي حرة، سلام!
انسحب كما جاء دون إضافة المزيد تاركًا الجميع على أهبة الاستعداد للتراشق اللفظي وربما أخطر من ذلك، فضل عدم البقاء في الحفل حتى لا يكون شاهدًا على مشاجرتهم، فاتجه نحو باب الفيلا دون أن يلقي بالاً لما يمكن أن تفعله أخته، تحرك “أوس” نحو زوجته ليلف ذراعه حول كتفيها، ضمها إلى صدره متسائلاً بخشونةٍ:
-جاية ليه؟
تجمدت نظرات “رغد” على وجه “تقى” المتوتر، بالنسبة لها كان جمالها مستفزًا، باهتًا، جديرًا بهز ثقتها وإشعارها بأنها مصطنعة، وما زاد من إحساسها الداخلي بالغيظ والغليان هو دعم “أوس” لها ووقوفه إلى جوارها وكأنه درعها الواقي الذي سيذود عنها إن تعرضت لخطر ما، استشاط غضبها لمجرد التفكير في ذلك، لكن ببراعة وتريث أخفت حنقها لتبدو كجبل جليدي أمام أنظارهما المتقدة، استعادت في عقلها صورة الفقيرتين اللاتين التقت بهما مصادفة عند المدخل فأظهرت ابتسامة متهكمة على زاوية فمها وهي تسأله بوقاحةٍ:
-هي دي بقى اللي حاربت أهلك عشانها؟
توهجت عينا “أوس” ببريق مخيف، ذاك الذي تهاب التطلع إليه، ورغم هذا لم تهتز منها شعر، بل أضافت بقسوة متعمدة سكب الزيت على النيران المستعرة:
-كنت مفكراها نزوة زي تملي
صرخ بها بصوتٍ خشن غاضب وجهوري محذرًا إياها من التمادي برعونة في الهجوم على زوجته:
-لمي لسانك
أشارت “رغد” بسبابتها نحوها مضيفة ببرود ومدعية الضحك:
-مع إن شكلها لوكال أوي، وحاجة يععع!
رفع إصبعه أمام وجهها يحذرها بلهجة أشد قوة وقد بلغ ذروة غضبه:
-“رغد”، ولا كلمة
واصلت ازدرائها على “تقى” مكملة بتأففٍ لتشعرها بدونيتها:
-بقى “أوس” باشا “الجندي” صاحب العز والهيلمان الكبير ده كله واحدة بيئة زي دي توقعه، بجد هزُلت!
أرخى “أوس” ذراعه عن كتفي “تقى” ليتقدم خطوة للأمام في مواجهتها هادرًا بتشنجٍ وقد احتقنت دمائه الثائرة في عروقه:
-اخرسي أحسنلك!
كتفت ساعديها أمام صدرها متابعة تهكمها الصارخ:
-ذوقك اتغير أوي، أو جايز إنت اللي غاوي رمرمة من الشارع
تجاوز “أوس” آخر حدود صبره، ولم يعد للسكوت تواجدًا لديه، رفع ذراعه عاليًا في الهواء، ثم بكل قسوة وكراهية هوى به على وجنتها ليصفعها بشراسةٍ، تألمت من شدة الصفعة المباغتة واهتز جسدها بالكامل فارتدت للخلف كردة فعل لا إرادية، اشتعلت نظراتها صائحة به وهي تكز على أسنانها:
-آآآآه، بتضربني
قبض على ذراعها غارزًا أصابعه القوية في لحمها قاصدًا إيلامها بقوة، دفعها وسط الحضور المذهولين من طريقة جره المهينة لها هادرًا بها على مرأى ومسمع من الجميع:
-بـــرا، وإلا هرميكي بنفسي!
كانت مقاومتها له معدومة أمام اندفاعه العدواني الشرس، هدرت به بصوتٍ مختنق:
-إنت اتجننت بتمد إيدك عليا؟
رد بعدائية صريحة متعمدًا أن يسمع الجميع إهانته القوية لها:
-وههزقك قصــاد الموجودين، مراتي خط أحمر، وإنتي مكانك تحت جزمتها!
صاحت تتوعده ببقايا كرامة جريحة ومبعثرة:
-هدفعك تمن ده غالي
دفعها بعنفٍ أكبر للأمام ليرميها خارج فيلته، فلا مكان لمثيلاتها المتعجرفات والمسيئات إلى زوجته، أطاح بها بقسوةٍ مضاعفة فانكفأت على وجهها وهو يصرخ من خلفها بانفعالٍ كبير:
-بـــرا!
تألمت “رغد” بشدة من قوة السقطة، جُرحت رُكبتاها وأُفسد ثوبها، التفتت بوجهها المشتعل بحمرته الغاضبة لتجده قد صفق في وجهها لتزداد غليانًا، استندت على كفيها لتنهض وهي تتوعده:
-هوريك يا “أوس”، وابقى خلي الزبالة دي تنفعك ……………………..……………. !!
……………………..……………………..………….

يتبع >>>>>>>>

error: