رواية الحبُ.. أَوْس

الفصل الخامس والعشرون
رمقه بنظرة مستخفة عكست تشفيًا واضحًا في حدقتيه، فالكلمات تصيب في مقتل إن اختيرت بعناية، استشاط “يامن” على الأخير من أسلوبه المستفز والمثير للنزعة القتالية وحثه على الاشتباك معه، تجاوز أفراد الحراسة ليندفع نحو “منسي” قاصدًا الإمساك به من تلابيبه، جذبه بعنف من ياقته وقد أطبقت أصابعه على عنقه ليضغط على عروقه، كز على أسنانه هادرًا به:
-إنت اتجننت، ده أنا أخد روحك قبل ما ده يحصل
تقوس فم “منسي” بابتسامة جانبية متهكمة مقللة من قدرات خصمه، تحداه بثباته الجلي، ثم رمقه بنظرة غامضة حملت خبثًا لئيمًا، وفي لحظة مباغتة استخدم مديته في إحداث جرحًا مؤلمًا في ذراع “يامن” الذي تأوه من الألم الصارخ، انفلتت يده عن عنقه ليضعها على جرحه النازف فتحرر الأخير منه وتراجع خطوتين للخلف، رفع “منسي” مديته عاليًا مهددًا بها:
-إنت مش أد الغلابة اللي زينا، احنا معندناش اللي نخاف عليه، وده تذكار صغير مني!
ثم وزع نظراته الساخرة على فردي الحراسة الأمنية متابعًا:
-وبلاش تتحامى في شوية الهفأ دول، مش هاينفعوك مع الرجالة اللي بجد!
أوقف “يامن” بإشارة من يده تقدم رجلي الحراسة للانقضاض عليه، ثم رد عليه بغيظٍ تاركًا دمائه تسيل:
-أنا راجل غصب عنك
أطلق “منسي” ضحكة ساخرة معلقًا عليه ببرود:
-ما هو باين، سلام يا ابن الأكابر، أنا خدت اللي عاوزه
اشتعل وجهه كليًا بحمرة مضاعفة تنذر بانفجار عاصف وهو يراقب ابتعاده عنه، لقد تم تصعيد الأمور بينهما لمستوى أكثر خطورة، فلم تقف المسألة عند إهانة رجولية أو إبراز قوة عضلية وتفوق جسدي، بل لمسه الأمر بقوة ليتحول لثأر شخصي، دنا أحد أفراد الحراسة منه مرددًا بحذرٍ:
-“يامن” بيه
صرخ به بعصبية متشنجة:
-محدش يتدخل
تعلقت نظراته بالفراغ متوعدًا إياه:
-هاتشوف يا ……!!
……………………..………………..
دارت بعينين تعكسان وهجًا مشرقًا زوايا ذلك المطعم الفاخر الذي يعلو إحدى ناطحات السحاب متأملة المنظر الخلاب من الأعلى، دق قلب “تقى” بقوةٍ متحمسة وهي ترى عن كثب روعة المشهد من تلك البقعة الفريدة، لم تكن لتحلم برؤية مكانٍ كهذا أو حتى الولوج إليه ولو حتى في أحلامها، لف “أوس” ذراعه حول خصرها لتنظر إليه بوجهها النضر وبابتسامتها الرقيقة، همس لها بصوته الجاد:
-احنا هنقعد هناك
أومأت برأسها موافقة تاركة له حرية توجيهها فدفعها برفق دون أن يتركها نحو الطاولة القاصية الخاصة بهما، وبلباقة مهذبة سحب المقعد لها لتجلس كالملكة المتوجة عليه، جلس “أوس” في مواجهتها لتبقى أنظاره مركزة عليها هي فقط دون غيرها، أراد صنع لحظة خاصة بهما تُضاف إلى ذكرياتهما السعيدة، غلف المكان صوتًا ناعمًا لموسيقى هادئة أضفت لمسة سحرية على الأجواء، استندت “تقى” بكفيها على الطاولة وهي تدير رأسها في كافة الاتجاهات متأملة بنظرات خاطفة المتواجدين بالمطعم، ثم عادت لتحدق في باقة الورد الحمراء التي تملأ المزهرية الصغيرة مبتسمة بسعادةٍ، مالت للأمام قليلاً لتهمس بخجلٍ:
-تقريبًا مافيش حد إلا احنا
رد بنصف ابتسامة لاحت على جانب ثغره:
-وماله!
تأملت من جديد الحياة في الأسفل بصخبها المكتوم مؤقتًا عن مسامعها من خلال الحائط الزجاجي المجاور لها، شعرت بتلك اللمسة الحنون على يدها فانتشلتها من تحديقها لتنظر ببسمة ناعمة إلى أنامله الموضوعة عليها، ارتفعت عيناها لتنظر إليه بحبٍ، أردف “أوس” متسائلاً:
-عجبك المكان؟
أجابته معلقة بحماسٍ ودون تفكيرٍ:
-أوي، أنا أول مرة أشوف حاجة زي كده
داعب أناملها بإبهامه ليقشعر بدنها من طريقته الناعمة معها، رد مؤكدًا بتنهيدة عكست حبه العميق لها:
-كل أحلامك أوامر بالنسبالي
ابتسمت قائلة بامتنانٍ:
-ربنا يخليك ليا
سحبت “تقى” يدها في خجل وهي تختلس النظرات حولها لتتأكد من عدم مراقبة القلة القليلة للمساتهما العاشقة، تفهم “أوس” موقفها الحذر وجلس باسترخاء في مقعده ليستطرد بعدها بغموض مثيرٍ للفضول:
-عندي ليكي خبر حلو
قطبت جبينها متسائلة:
-إيه هو؟
أجابها موضحًا:
-خلاص جت التأشيرات والموافقة عشان سفر مامتك لبرا
تهللت أساريرها وازدادت عيناها إشراقًا مع ذلك الخبر المُطرب للآذان، رددت بصدمة فرحة:
-بجد؟
هز رأسه بإيماءة صغيرة متابعًا حديثه الجاد:
-أيوه، أنا تقريبًا خلصت كل حاجة، المستشفى والإقامة، والفندق، يعني مش ناقص إلا حجز تذاكر الطيران
تسارعت دقات قلبها بتلقيها لتلك الأخبار المبهجة، همست شاكرة بوجه تلألأ بدمويةٍ متحمسة:
-الله، أنا مش عارفة أقولك إيه يا حبيبي
رد عليها مبتسمًا:
-متقوليش حاجة، المهم تكوني مبسوطة عندي
-أه أوي
ثم صمتت للحظة لتضيف بعبوسٍ طفيف لم تستطع إخفائه عنه:
-بس كده أنا مش هاعرف أسافر معاها
توقع تطرقها لتلك النقطة تحديدًا، لذا حرص على تجهيز كل شيء كي يضمن توفير الرعاية والاهتمام لوالدتها، بدت ملامحه جادة للغاية وهو يرد عليها:
-هيبقى صعب يا “تقى”، ظروف الحمل معاكي، ما إنتي عارفة كلام الدكتورة
ضغطت على شفتيها متسائلة بتبرمٍ:
-أيوه، طب والعمل إيه؟ بابا راجل كبير ومش هيقدر ياخد باله منها لوحدها، ده غير إنك بتقول إنها في بلد أجنبي، يعني الموضوع مش سهل، هما هيتعاملوا إزاي و…..
قاطعها “أوس” مؤكدًا عن ثقة بائنة:
-مش عاوزك تقلقي، مش معقول خاسيبهم كده لوحدهم، أنا هابعت معاهم حد ثقة يتصرف في كل حاجة تخصهم، وهانكون على إطلاع أول بأول باللي بيحصل هناك كإننا معاهم، يعني ببساطة مافيش أي مشكلة
وكأنه أراح تفكيرها قبل أن يزداد قلقًا وحيرة بحلوله القاطعة للشك، بلا وعي هتفتٍ:
-أنا بأحبك أوي
تفاجأ “أوس” من بوحها بمشاعرها هكذا في سابقة لا تتكرر إلا نادرًا وفي ظروف خاصة، أدركت “تقى” ما نطق به لسانها فتورد وجهها بقوة وشعرت بتلك السخونة الملتهبة المنبعثة من وجنتيها، رمشت بعينيها متحاشية نظراته التي تدرسها باستمتاعٍ وهو يقول لها:
-أنا مش واخد على كده
ردت بارتباكٍ كبير:
-متكسفنيش بقى
أطلق ضحكة صغيرة ليضيف بعدها بتسليةٍ ضاعفت من توقه الشغوف لمشاعرها المتيمة:
-يا حبيبتي قولي ومايهمكيش، أنا مابصدق أسمع منك الكلام الحلو ده!
قطع خلوتها المميزة قدوم أحد الأشخاص مرتديًا بدلة سوداء لينحني في احترام أمام “أوس”، تنحنح بخفوت قبل أن يتساءل بنبرة رسمية:
-ننزل الأوردر يا باشا؟
أجابه باقتضابٍ:
-أيوه
حرك النادل رأسه قائلاً:
-تمام يا فندم
ثم انصــرف ليأمر تابعيه بإعداد وجبة الطعام الخاصة للضيفين المميزين، حاولت “تقى” تخطي تلك النقطة من الحديث الخجل لتهدئ من سخونة بشرتها قائلة بتلعثمٍ:
-زمانت “حياة” مدوخة “عفاف”
علق عليها “أوس” بهدوءٍ وهو يتأمل ارتباكها الملحوظ بنظرات ثاقبة:
-هي هتعرف تتعامل معاها، خلينا نكمل كلامنا و…
قاطعته بجدية زائفة:
-أنا بس مش عاوزة نتأخر عليها
هتف “أوس” قائلاً:
-“تقى” ماتفكريش في حاجة وإنتي معايا
طالعته بنظراتها الخجلة مرددة بانصياعٍ:
-حاضر
استطاعت أن تقرأ شفتيه وهو يهمس لها:
-بأحبك
عادت حمرتها المربكة تطفو على بشرتها لتوترها أكثر، وبقليل من المجهود سيطر “أوس” على ضحكاته المتسلية، دس يده في جيب سترته ليخرج منها علبة رفيعة سوداء من القطيفة مغلفة بشريط أحمر رقيق، مد يده بها نحوها قائلاً:
-اتفضلي!
تناولته منه وعلى وجهها علامات الحيرة والاستغراب، نظرت إليه متسائلة:
-إيه ده؟
أجابها مبتسمًا:
-افتحيها وإنتي هتعرفي!
أزاحت “تقى” الشريط لتنظر إلى داخل العلبة، انفرجت شفتاها عن دهشة مبهورة وهي ترى ذلك القلم الذهبي الذي يتوسط العلبة، انتزعته من مكانه لتلمسه بأصابعٍ مرتعشة قليلاً وهي تردد متسائلة بصدمةٍ:
-ده عشاني؟
شعر “أوس” بالرضا لكون هديته قد نالت استحسانها، أضاف بتريثٍ ليراقب ردة فعلها:
-وعليه اسمك، عشان تفتكريني وإنتي بتذاكري
أشرقت ملامحها وبرقت حدقتاها بلمعان مثير وهي تجوب بعينين متحمسين الحروف المنقوشة بعناية فائقة على جانب القلم، بالفعل حُفر اسمها بالخط الكوفي ليعطي تميزًا واختلافًا لهذا القلم ليؤكد لها أنه صُنع من أجلها فقط، لم يكن “أوس” بحاجة لتخمين إحساسها الداخلي، فوجهها قد بات مقروءًا بالنسبة له، وكل إيماءة من لمحاتها تمنحه سعادة لا توصف، عضت “تقى” على شفتها السفلى ممازحة برقةٍ:
-كده مافيش حاجة هتثبت في دماغي
رد عليها معززًا من ثقتها بنفسها:
-“تقى” أنا عاوزك تحققي كل اللي حلمتي بيه زمان، تحسي بقيمتك، وتكوني سعيدة في حياتك معايا، ومافيش حد يأثر عليكي
رمشت بجفنيها لتستوعب ذلك الأسلوب العميق الذي يتحدث به معها، وكأنها تخاطب شخصًا لم تعهده من قبل، يختلف عن ذاك الذي اتخذ العنف وسيلة لتنفيذ أوامره دون اكتراثٍ بتبعات جرائره، هتفت معلقة باندهاش بدا واضحًا في نظراتها إليه:
-إنت اتغيرت خالص يا “أوس”، بقيت واحد تاني
ظلت ابتسامته الصافية مرسومة على فمه وهو يقول:
-على إيدك يا حبيبتي
اتسعت ابتسامتها أكثر وهي تتأمل القلم من جديد، راقبها “أوس” بتمعن حتى قطع نظراته رنين هاتفه المتواصل، لم يهتم بالمتصل أو بأي شيء آخر سوى تلك اللحظات الفريدة مع حبيبته، سألته “تقى” مستفهمة حينما لاحظت تجاهله الكلي للاتصالات المتلاحقة:
-مش هاترد على تليفونك؟
رد عليها بتنهيدة مطولة:
-لأ، أنا النهاردة ليكي وبس
هزت كتفيها هامسة بدلالٍ وهي تضم العلبة إلى صدرها:
-بأحبك
حذرها بعبثيةٍ وهو يشير بحاجبه:
-كده هاتهور وهخالف تعليمات الدكتورة
كتمت ضحكتها بصعوبة وهي تعيد رأسها للخلف، لم يرَ كلاهما تلك الحقودة الحانقة التي تغلي في مكانها وهي تراقب بغيظٍ همساتهما الرومانسية، كزت على أسنانها بغضبٍ، ثم تنفست بعمق لتسيطر على هياجها الثائر بداخلها، ارتدت قناع البرود ورسمت تلك الابتسامة السخيفة على محياها، وبرشاقتها المعهودة طرقت الأرضية بحذائها العالي لتقف قبالتهما، استندت “رغد” بكفيها على الطاولة موزعة نظراتها الساخرة بين الاثنين وهي تعلق بتهكمٍ:
-أوه، جوز كناريا يهبلوا، So Romantic ..
رفع “أوس” أنظاره ليحدق في صاحبة الوجه السمج التي أطلت عليهما، دومًا تتعمد الظهور بالثياب الفجة والفاضحة لتثير الغرائز والشهوات في نفوس من يتطلع إليها، وتلك المرة تأكدت أن ترتدي ثوبًا زيتي اللون ليظهر بشرتها البضة، ومع ذلك تحولت عيناه للقساوة وهو يرد عليها بوقاحةٍ قاصدًا إهانتها علها ترتدع عن أساليبها الرخيصة في محاولة إغرائه:
-مش هاتبطلي حركاتك القذرة دي، مش ناوية تتوبي؟
أطلقت “رغد” ضحكة رقيعة عالية لتثير الانتباه بها قبل أن تصمت فجأة، مالت نحوه بجسدها متعمدة أن يرى مفاتنها قائلة له:
-وأضيع فرصة إني أكون جمبك، وبعدين أنا قولتلك يا بيبي مافيش حد شاغل بالي إلا إنت
فرجت “تقى” شفتيها مصدومة بقوة من جراءتها الزائدة عن الحد وتجاوزها لكل ما هو معروف من قيم وأخلاقيات، كذلك شخصت أبصارها وهي تشاهد بذهولٍ ما تفعله من محاولات توصف بكلمات نابية لتستدرج زوجها نحو فخها، تحركت عيناها نحو “أوس” وهو يرد بشراسةٍ:
-رخيصة!
هزت كتفها في عدم مبالاة لسبه إياها، ثم ركزت نظراتها المتعالية على “تقى” لتقول بتهكمٍ:
-مش بِطل جو الخمسينات ده؟ ورد ومطعم وموسيقى و…..
لم تكمل عبارتها الساخرة للنهاية حيث أمسكت “تقى” بكأس المشروب الموضوع أمامها لتقذف ما به في وجه “رغد” لتفسد مساحيقها، وبشرتها، وثوبها، شهقت الأخيرة مصدومة من تصرفها غير المتوقع، تحولت ملامحها للذهول الغاضب وقبل أن تصرخ باستنكار هدرت بها “تقى” بانفعالٍ مدافعة عن زوجها وحياتها الأسرية بعد أن هبت واقفة وضاربة بقبضتها بعصبيةٍ الطاولة:
-ابعدي عننا بقى، ماتسبينا في حالنا
اشتعلت “رغد” غضبًا لتصرخ بها بجنونٍ:
-إنتي اتجننتي، معدتش إلا واحدة بيئة وواطية زيك تبهدلني بالشكل ده!
وبقوة مشحونة من مواقف سابقة رفعت “تقى” يدها للأعلى لتهوي بها على صدغ تلك الوقحة قاصدة صفعها بقسوة وهي تقول:
-اخرسي
شهقت مجددًا في عدم تصديق من ذلك التحول العجيب لتلك الشخصية البائسة التي التقتها مسبقًا وظنت أنها فريسة سهل تدميرها بالكلمات وببعض الإيحاءات والحركات الموحية، بدت واقفة أمام امرأة مستعدة للفتك بمن يجرؤ على المساس بمن يخصها، ردت “رغد” بقليل من الكرامة محاولة الحفاظ على ماء وجهها:
-إنتي اتهبلتي؟ حتة حشرة زيك بتتجرأ على أسيادها!
لوحت “تقى” بسبابتها مهددة بعدائية أذهلت “أوس” الذي تفاجأ هو الآخر من ردة فعلها غير المسبوقة:
-أنا مش هاسكت عن أي إهانة بعد كده، والمجنونة تبقى إنتي اللي مش عاوزة تسيب واحد متجوز ولا مراته في حالهم، شوفي حد تاني اتسلي عليه، وإلا هادوس عليكي زي الحشرة!
مسحت “رغد” بقايا المشروب عن وجهها بيدها لتنظر بصدمةٍ إليها، لم تترك “تقى” الفرصة لها لترد أو تستفزها من جديد، رسمت ابتسامة متدللة على ثغرها وهي تدير رأسها نحو زوجها لتقول له بنعومة:
-يالا بينا يا حبيبي، المكان بقى يقرف
تنحنح قائلاً بصوت رخيم:
-تمام يا حبيبتي
تعمدت “تقى” دفع غريمتها بقسوة من كتفها لتتجاوزها فتأوهت الأخيرة من الألم والغيظ، في حين ألقى “أوس” نظرة ساخرة متشفية عليها قبل أن تلتف ذراعه حول خصر زوجته، ثم فرقع بأصابعه في الهواء هاتفًا:
-الحساب عند المدام يا متر!
ورغم شعوره بالرجفة التي اعترت جسد زوجته إلا أنه كان معجبًا بدفاعها عن أنوثتها وكرامتها التي انتهكت من قبل، طالعها “أوس” بعينين مغرمتين بها، همس لها بانبهارٍ أراد أن تراه وتشعر به:
-أنا مش مصدقك
همست بتلعثمٍ مرتجف:
-ولا أنا، أنا حاسة إن قلبي بيدق جامد، وهاقع من طولي
أحاطها “أوس” بذراعه جيدًا لتستمد منه الصلابة والثبات وهو يسير بها نحو مخرج المطعم قائلاً لها:
-اثبتي، ولا تتهزلك شعرة
ابتلعت ريقها قائلة بأنفاس متهدجة:
-حاضر!
تجمدت عينا “رغد” المحتقنتين على كليهما، بدت عروقها المشحونة بدمائها المغلية نافرة من كل أوصالها، خابت توقعاتها وفسدت خطتها لإزعاج الزوجين، ورغم هذا تضاعف شعورها الانتقامي أكثر تجاه “تقى” عن “أوس”، خاصة أن الإهانة تلك المرة كانت من جهتها، كزت على أسنانها قائلة:
-هتدفعي تمن ده يا قذرة!
شعرت “رغد” بإصبع يطرق كتفها فاستدارت للجانب لتجد النادل ممسكًا بكتيبٍ جلدي صغير، نظرت له بغرابة فأردف قائلاً بلهجة رسمية:
-الحساب يا هانم
ثم رسم ابتسامة سخيفة وهو يمد يده بالكتيب الذي يحوي فاتورة الطعام، استشاطت غضبًا وكورت قبضتها في غيظ متأجج لتصرخ بعدها بهيسترية هائجة، علق النادل على تصرفها قائلاً ببرود وكأنه كان يتوقع ردة فعلها:
-برضوه هتدفعي يا فندم ……………………..…………….. !!
……………………..…………………….
يتبع >>>>>>

error: