رواية الحبُ.. أَوْس

الفصل الثاني عشر
رمقه بنظرة عدائية صارمة لا تحمل إلا تهديدًا صريحًا بالفتك به دون إبداء ذرة ندمٍ واضحة إن تجرأ وفكر في تحديه باللفظ أو الفعل، هكذا اعتاد التصرف بخشونة والظهور بمظهر القوة والشموخ، قست نظرات “أوس” وتحولت لمحاته لمزيج من القوة والشراسة وهو يجوب بعينيه الصارمتين وجه المقيت “منسي”، سأله مجددًا بلهجة خشنة:
-جاي هنا ليه؟
ازدرد الأخير ريقه محاولاً استجماع شجاعته الفارة أمام خصمه الشرس الذي لا يعرف للتفاهم مصطلحًا في قاموسه، شعر بقبضته الشديدة تضغط على كتفه لتشعره بفارق القوى الجسمانية بينهما، بل وبترجيح الكفة لصالحه إن فكر في معاداته، تشجع قائلاً بنبرة شبه مهتزة:
-أنا.. طالع شقتي
ثم حانت منه التفاتة سريعة نحو “هالة” التي كانت مشدوهة بما يحدث، استشاطت نظراته من إذلاله بتلك الطريقة، ومع ذلك كظم غيظه كي لا يزيد الطين بلة، عاد ليحدق في “أوس” بتوترٍ، فهيبته المصطنعة على المحك، وربما ستضيع كليًا إن أخطأ في انتقاء كلماته أمامه، لوى “أوس” ثغره مرددًا باستهجان وقد ارتفع حاجبه للأعلى:
-شقتك!
أومأ برأسه موضحًا بحذرٍ:
-أيوه، أنا ليا لي شقة هنا!
سأله باستنكارٍ:
-ومن امتى الكلام ده؟
رد بتجاوزٍ طفيف قاصدًا إظهار شجاعة زائفة أمام “هالة” التي كانت تتابع المشهد بينهما بذهول صادم:
-هو حرام ولا إيه؟ أنا ماشي بالقانون، مأجر شقة زي أي حد ما بيعمل
رد عليه “أوس” بغلظةٍ:
-وإيه اللي موقفك هنا؟
تعقدت ملامحه مدعيًا بالكذب:
-باخد نفسي زي مخاليق ربنا!
بدا “أوس” غير مقتنعٍ برده الأخير، ردد باقتضابٍ دون أن يرف له جفن:
-هنا!
هز رأسه بإيماءة خفيفة قائلاً:
-أيوه، السلم قديم وبيهد الحيل
ربت “أوس” على كتفه بقوةٍ قاصدًا إيلامه ليضيف بعدها بنبرة ذات مغزى وقد بات صوته خشنًا على الأخير:
-هاعمل نفسي مصدقك
ثم سأله مباغتًا وهو يشير بعينيه نحو “هالة”:
-بس مالك بقى بيها؟!
شحب لون وجهه رعبًا من سؤاله الأخير الذي أكد له أنه مكشوف كليًا أمامه، تصنع الغباء متسائلاً:
-تقصد مين؟
رد بغموضٍ:
-إنت فاهمني كويس
نظر “منسي” بطرف عينه إلى “هالة”، في لمحة بصر استطاع أن يرى الثقة قد عادت إليها، وربما القوة بعد أن كانت كالفرخ المذعور ترتجف منه، وبحسبة سريعة أيقن أن الموقف ليس في صالحه، لذا أجاب بعدم اكتراث:
-دي … دي بت عيلة من الحتة، هابصلها على إيه، وبعدين أنا مجتش جمبها
لم يصدق “أوس” حرفًا واحدًا مما قاله، ومع ذلك رد بهدوءٍ مريب حمل التهديد الصارخ:
-تمام، خليك فاكر كلامك ده كويس، عشان لو كان غير كده هيبقالي تصرف تاني
فغر “منسي” فاهه بتوترٍ من أسلوبه المنذر بالشر، لكزه “أوس” بعنفٍ في كتفه كنوعٍ من إزاحته عن طريقه، وراقبه وهو يكمل صعوده على الدرج، لم يتجرأ الأخير على رفع نظراته نحو “هالة” التي انزوت في الجانب لتتحاشى اقترابه منها، غمغم “منسي” بغيظ مكتوم مع نفسه:
-فاكر نفسه اشترانا ولا إيه؟
اختفى بعد لحظات في الطابق العلوي مدعيًا أنه ولج إلى منزله، لكنه بقي في مكان خفي لا تلتقطه الأعين ليختلس النظرات ويتلصص عليهما، راقبت “هالة” وجه ذلك المهيب بنظرات جمعت بين الخوف والرهبة والاحترام والامتنان، تحركت شفتاها لتبرر فبدت كلماتها متلعثمة:
-أنا .. هو ..
قاطعها “أوس” بجدية تامة دون انتظار أي تفسير منها على سبب خوفها:
-تقدري تنزلي
ثم تنحى للجانب ليفسح لها الطريق لتمر من جواره، وقبل أن تهبط على الدرج رمقته بنظرة ممتنة هامسة له:
-شـ.. شكرًا
التقطت أذناه صوتها الخافت ولم يعلق عليها، وقف أمام باب المنزل يقرع الجرس منتظرًا فتح من بالداخل له، تنفست “هالة” الصعداء مرددة بارتياح وكأن همًا ثقيلاً قد أزيح عن صدرها:
-الحمدلله يا رب
غلت الدماء في عروق “منسي” وشعر بأنه قد تلقى صفعة مؤلمة على مؤخرة عنقه هزت من صورته أمام تلك الفتاة التي لا حول لها ولا قوة لتزيد من جذوة غضبه بداخله، كز على أسنانه هامسًا بتوعدٍ وقد تحول وجهه لكتلة دموية ملتهبة:
-مش هاعدي اللي حصل على خير، مش سايبك النهاردة يا بت الـ ……، لازم تعرفي “منسي” يبقى مين!!
انتظر على موقدٍ مشتعل ولوج خصمه اللدود للداخل ليهرع خلف “هالة” قاصدًا إرعابها لتدرك أنه لا مناص لها منه.
……………………..……………………..……….
تفاجأ بها تحديدًا تفتح له الباب، لم يحبذ أن تكون الوجه الذي يتطلع إليه عند زيارته للمنزل، لكنه مضطر للتعامل معها حتى وإن كره ذلك، امتقع وجهه لرؤيتها رغم محاولاته المضنية تجاوز ما فعلته مع زوجته وتآمرها مع والده الراحل للتخلص من طفلتهما قبل أن تولد في صفقة مشبوهة بقيت آثارها عالقة بالذاكرة، لا زالت بذرة الحنق نحوها موجودة بداخله بالرغم من مرور الوقت، فالغفران يتطلب إرادة من حديد للحصول عليه، زفر “أوس” متسائلاً بجفاءٍ مسموعٍ:
-“تقى” صاحية؟
تحسست “فردوس” طريقها للداخل وهي تترك له المجال ليتبعها، عمدت إلى التباطؤ في خطواتها والتلكؤ لتشعره بالضجر والامتعاض، أجابته بتعبٍ زائف:
-أيوه، أهي أعدة مع جارتها جوا
ألقت بثقل جسدها على الأريكةلتضيف بتذمرٍ:
-وأنا العاجزة بأخدم عليها وعلى اللي بيجولها
امتقع وجهه من كذبها الزائف، ثم رد بوقاحةٍ ليوقفها عند حدها قبل أن تتمادى في تصديق أكاذيبها:
-بيتهيألي بلاش إنتي تقولي الكلام ده، لأني مش هاصدقه، وأظن أنا باعت اللي يشوف طلباتك
علقت عليه بقلة حيلة:
-هو يعني أنا أنكرت؟ بس بيجي عليا وقت أحس فيه بالعجز، وإنت …
بترت عبارتها عن عمد لتثير فضوله، تعمدت التنفس بعمقٍ قبل أن تواصل شكواها:
-مستخسر تطلع كام ألف أتعالج بيهم
احتقنت نظراته من أسلوبها الفج في طلب المساعدة، وما أغاظه أكثر استرسالها بالقول:
-إيش حال ما كنت خالتك وجدة بنتك، ده حتى الناس بتعيب على جوز بنتي بخله وهو معاه أد كده!
اغتاظ من محاولتها الفاشلة لابتزازه عاطفيًا، كان تجاهلها هو الرد الذي تستحقه كي يحافظ على هدوئه قبل أن يتهور أو يتطاول عليها ويسمعها من الكلمات ما يخرسها للأبد، تحرك ليقف على بعد خطوات من باب غرفة “تقى” الموصود ليهتف عاليًا:
-“تقى”!
انتبهت الأخير لوجوده بالخارج، فردت عليه:
-ثواني يا “أوس”
فهم الأخير دون السؤال مباشرة عن احتمالية جلوسها بأريحية مع رفيقتها التي ربما تكون مثلها، لم ينطق بالمزيد واكتفى بدس يديه في جيبي بنطاله الداكن، تحرجت “بطة” كثيرًا من حضوره المفاجئ، أسرعت بوضع حجاب رأسها عليها بإهمال مرددة:
-يادي الكسوف
ردت عليها “تقى” مبتسمة:
-خدي راحتك يا “بطة”، “أوس” مش هايدخل دلوقتي، هو فاهم إن معايا حد
علقت معترضة بحرجٍ أكبر وهي تضبط عباءتها التي انكمشت على ثنايا جسدها:
-معلش بردك، ده جوزك وتلاقيه عاوزك في كلمتين ولا حاجة، أشوفك وقت تاني
ثم أقبلت عليها لتودعها وانحنت حاملة رضيعها “إسلام” بين ساعديها، أكدت عليها “تقى” بإصرار:
-ماتنسيش، هستناكو في عيد ميلاد “حياة”
ردت عليه بنبرة متعجلة:
-إن شاء الله، مع السلامة
أدارت “تقى” المقبض لتفتح باب الغرفة، كانت نظراتها الأسبق في البحث عن زوجها بالخارج، لمعت حدقتاها بوهجٍ مميز مع رؤيته، استقبل “أوس” نظراتها بسعادة لتنسيه الحديث المكدر لوالدته، تنحنحت “بطة” قائلة بوجهٍ منخفض وهي تسرع في خطواتها:
-سلامو عليكم
لم تنتظر الرد منه، بل أكملت سيرها إلى الخارج، تعلقت نظرات “تقى” بوجهه الذي افتقدته ليومين، ارتسم على شفتيها ابتسامة صغيرة عكست شوقًا خجلاً وهي تطالعه من على بعد مستندة بيدها على باب الغرفة، استطردت قائلة بهدوءٍ مصطنع:
-أخبارك إيه؟
أجابها باقتضابٍ:
-تمام
تجاهل “أوس” وجود والدتها وتقدم في خطواته متجهًا نحو غرفتها، رمقته بنظرة ذات مغزى تلفت انتباهه لتواجد أمها على مرأى ومسمع منهما، لم يكترث بها من الأساس، واستمر في تقدمه حتى بات قبالتها، منحها نظرات متيمة أظهرت توقه إليها، لف ذراعه حول خصرها ليجبرها على التحرك معه للداخل وقد شعر بتلك الرجفة المرتبكة التي اعترتها لكونها تخشى من تركيز والدتها معهما، استمر في سحبه الرقيق لها وعَمِد إلى صفق الباب بقوة ليزيد من حنق “فردوس” التي كانت نيران غيظها تأكلها، لفت “تقى” ذراعيها حول عنقه متعلقة به، رمشت بعينيها هامسة بارتباك:
-ماما برا و….
قاطعها متمتمًا بخفوت:
-وحشتيني
أكد اشتياقه لها بقبلة عميقة على شفتيها نقلت إلى وجدانها مشاعره المتأججة بحبها الجارف المتشعب في كيانه، أغمضت عينيها مستسلمة لذلك التأثير المغري المخدر والمحفز في نفس الآن لأحاسيس عظيمة، قطع لحظتهما الخاصة غمغمة الرضيعة “حياة”، تراجعت “تقى” برأسها لتلتقط أنفاسها، تأمل “أوس” صفحة وجهها التي توردت بدموية مغرية، تلمس بيده بشرتها فاستشعرت تلك السخونة على يده، تنهد قائلاً بنبرة هادئة لكنها جادة:
-جهزي نفسك، هنمشي دلوقتي
ارتفع حاجباها للأعلى متسائلة باندهاش:
-دلوقتي؟!
أجابها مؤكدًا بغموضٍ:
-أيوه
سألته باستغرابٍ:
-هانروح فين؟
تشكل على زاوية فمه ابتسامة عبيثة وهو يجيبها:
-هاتعرفي كمان شوية
ازدادت حيرة من جملته تلك فرددت متسائلة بجدية وقد بدت تعابيرها قلقة نوعًا ما:
-ده سر؟
لمحت تلك البسمة المتسلية التي ضاعفت من غموض الموقف على فمه قبل أن يرد:
-لأ مفاجأة
أومأت برأسها مستسلمة:
-ماشي
ابتسمت له قبل أن تنسل من أحضانه لتنفذ مطلبه على عجالة، راقبها “أوس” باستمتاعٍ وهي تنحني لتجمع متعلقاتها الخاصة وبعض الأشياء التي تخص طفلته في الحقائب، جلس على الأريكة مركزًا بصره عليها لتشعر بنظراته تحاصرها وهي متأكدة في قرارة نفسها أنها نظرات مليئة بالرغبة، أرادت أن تعبث معه فتمايلت بميوعةٍ ودلال لتستفز مشاعره الذكورية، أدرك ما تفعله فتقوس ثغره بابتسامة ماكرة، تركها تتمادى في دلالها المغري هامسًا لنفسه بتأكيد متحمسٍ:
-كل حاجة وليها وقتها
……………………..……………………...
هرولت عائدة إلى البناية المقابلة وهي في حالة انتشاء جلية، لم تشعر “هالة” بمثل ذلك الارتياح من قبل، فقد أنقذها وجود ذلك المهيب ذو السلطة من مضايقات “منسي”، بل وأوهمها أن ما فعله معه من تحذير ضمني سيردعه وربما يمنعه عنها، لكنها كانت مخطئة في حساباتها، لحق بها من تبغضه قاصدًا تبديد أفكارها، تفاجأت على حين غرة منها بمن ينقض عليها من الخلف ليمسك بها بذراعٍ قوية التفت نحو خصرها، وبيدٍ تكمم فمها فمنعتها من الصراخ، وجدت “هالة” نفسها مرفوعة عن الدرج، وقدماها عاجزتان عن ملامسة الأرض، ارتعدت أوصالها بالكامل وقفز الرعب في قلبها.
لحظات وكانت تهبط الدرج متجهة إلى الزاوية المظلمة عند المدخل حيث تتواجد المناور الخلفية بصحبة ذلك الغريب، راودتها هواجس مرعبة، شعرت بألم كبير يضرب ظهرها حينما تم إلصاقها بالجدار القديم، انحبست تأوهاتها المكتومة في جوفها، رفعت رأسها للأعلى لتطالع من تجرأ على فعل ذلك في وضح النهار دون أدنى تفكير في عواقب طيشه، حدقت بعينين متسعتين في هلع بوجه “منسي” المشحون غضبًا، تضاعف خوفها أضعافًا مضاعفة من نظراته التي أفزعتها، ضغط بيده على فمها هامسًا من بين أسنانه بغلٍ:
-متفكريش إن البيه ده هيحميكي مني
اغرورقت مقلتاها بعبرات مذعورة من حديثه، أحست بتلاشي ذلك الإحساس المطمئن الذي غمرها لثوانٍ في لحظة، ارتجف بدنها بالكامل من كلماته المهددة لها، زاد “منسي” من ضغطه متابعًا:
-إنتي هنا في حتتي، وملكيش مهرب مني!
بكت رعبًا من همجيته المخيفة لها، رمقها بنظرة مخيفة عكست ظلامًا قادمًا وهو يكمل:
-وقريب هتعرفي ده، خليكي فاكرة، “منسي” مش عضمة طرية، أنا سيد الكل هنا!
كادت “هالة” أن تفقد وعيها من شدة الخوف، أرخى يده عنها ليتأمل الحالة التي تركها عليها مستعيدًا باستعراض قوته عليها جزءًا من بعثرة كرامته قبل برهةٍ، حدجها بنظرات جائعة تحمل رغبة في اقتناص الفرصة والنيل منها، ما أنقذها منه هو صوت الهمهمات النسائية القريبة، أسرع “منسي” مختفيًا من المكان لتشعر بأن الأرض تميد بها، انهارت على الأرضية باكية بحرقةٍ وهي شبه متيقنة بأن الخلاص منه أمرًا مستبعدًا.
……………………..……………………..………….
رقصت بميوعة متعمدة إثارته بمفاتنها الظاهرة من أسفل ثيابها الخليعة لتجبر عيناه على عدم مفارقة جسدها، هي تجيد مثل تلك الأمور ببراعة لتتربح ماديًا منها، فرك “يامن” جانب عنقه ممتعًا عيناه بما هو محرم عليه، دنت منه الفتاة العابثة وهي شبه مترنحة في خطواتها بفعل الإرهاق والخمر الذي عبث برأسها، مد يده ليمسك بمعصمها ثم جذبها بقوة لتسقط على حجره، همست له بنعومة زائدة:
-بالراحة يا بيه، أنا مش أدك!
تفرسها بنظرات جريئة قبل أن يقول لها:
-هو أنا عملت حاجة لسه
أحنى رأسه عليها ليقبلها بشراهة، فبادلته قبلات حميمية عميقة تزيد من لهيب الموقف، توقف فجأة عما يفعل حينما سمع قرع الجرس، تراجعت الفتاة عنه لتسأله بتوترٍ:
-هو إنت مستني حد
رد ببرودٍ:
-هيفرق معاكي؟
أجابته بتخوفٍ وقد اختفى لون وجهها:
-أصل لو حد شافني و….
قاطعها بجفاء قبل أن يزيحها عن قدميه لينهض:
-خشي جوا
لملمت سريعًا ثيابها المبعثرة راكضة للداخل في حين ســار “يامن” في اتجاه الباب ليفتحه، بهتت تعابيره بشكل كبير وقد أطلت “رغد” بوجهها الصارم ونظراتها المشمئزة عليه، ردد مصدومًا:
-إنتي
دفعته بتأفف من كتفه لتمرق إلى الداخل وقد رأت الحالة الفوضوية التي عليها المنزل، نظرت له شزرًا من طرف عينه قبل أن تحرك شفتيها لتنطق بتهكم:
-هو ده اللي ضحك عليك “أوس” بيه؟
سألها بضيقٍ وهو يحاول تجاهل تلميحها الأخير:
-رجعتي إمتى؟ وليه معنديش خبر؟!
اقتربت من الطاولة الزجاجية الصغيرة المليئة بكؤوس الخمر وبعض المسليات، ألقت نظرة شاملة على ما فيها، بدا وجهها متأففًا وعلامات الامتعاض جلية عليه، التفتت نحوه لتقول له:
-خلي السافلة اللي هنا تمشي!
ابتلع ريقه محاولاً الظهور بثباتٍ أمامها، لكنها دومًا تكشف أمره بسهولة، رد بتردد شبه ملحوظٍ وقد توترت نظراته:
-معنديش حد
منحته نظرة احتقارية قبل أن توليه ظهرها، لم يكن غريبًا عليها تصرفاته المتجاوزة، فليست تلك المرة الأولى التي تضبط عنده ساقطات أو عاهرات يقضي معهن وقته وينفق ما معه عليهن، تحركت للأمام باحثة عن العاهرة المختبئة بالداخل، أمسكت بكتلةٍ من شعرها تجذبها بشراسة نحو الصالة صارخة بها بسبابٍ لاذع:
-إياكي تيجي هنا تاني يا …..!
خشيت الفتاة العابثة من افتضاح أمرها وربما اقتيادها للقسم الشرطي إن تحدتها، فهرولت هاربة من المكان دون تلقى باقي أجرتها، زفر “يامن” بضيق لتصرفها الفظ معه، وبخته قائلة بازدراءٍ:
-ده اللي فالح فيه!
صاح مغتاظًا من تسلطها عليه:
-والله أنا حر، أعمل اللي أنا عاوزه، ملكيش إنتي فيه
نفضت أناملها معًا مظهرة له نفورها من تلمس الفتاة، ثم جلست على الأريكة واضعة ساقها فوق الأخرى، جمدت عينيها القاسيتين عليه ليشعر “يامن” بأن عودتها تحمل مصائب جمة سيكشف النقاب عنها عما قريب، أضافت قائلة بهدوءٍ مخيف:
-مش هنتحاسب على قذاراتك دي!
صمتت للحظة لتتابع بعدها بغموضٍ:
-أنا جاية لحاجة أهم ……………………..……………………..…………… !!
……………………..……………………..…………
يتبع >>>>>>

 

error: