رواية الحبُ.. أَوْس
الفصل الرابع والعشرون (الجزء الأول)
استلقى أمام شاشة التلفاز متابعًا بشرود ما يعرض عليها، لم يكن به أي رغبة للخروج أو التنزه أو حتى قضاء سهرته المسائية بالخــارج، وكأنه قد ضجر فجأة من حياته الفارغة، أشعل “يامن” سيجارة أخرى نافخًا دخانها في الهواء، أدار رأسه للجانب حينما سمع قرع الجرس، نهض بتثاقل من على الأريكة العريضة متجهًا بخطوات بطيئة إلى الباب، بدت ملامحه مدهوشة حينما رأى “رغد” تقف بالخارج، دفعته دون ترحيب منه لتلج للداخل وهي تلقي نظرة شاملة على أرجاء المكان، التفتت نحوه لتسأله بتهكمٍ ساخط:
-مش مخبي واحدة جوا؟
نظر لها شزرًا ثم اقترب منها لينحني نحو منفضة السجائر الموضوعة على الطاولة القصيرة ليطفئ بقايا خاصته، اعتدل في وقفته واضعًا كفيه في جيبي بنطاله ليرد ببرود:
-لأ بطلت
جلست على الأريكة واضعة ساقها فوق الأخرى، رمقته بنظرات مستخفة وهي تعلق ساخرة:
-مع إني مش مصدقاك
جلس في مواجهتها قائلاً بصوتٍ شبه متشنج:
-مش مهم تصدقي، مش هيفرق معايا رأيك
سألته بفضول وهي تطالعه بعينين دارستين لردود فعله:
-وده من إيه التغيير ده؟
أجابها ببساطة دون تفكيرٍ:
-قرفت من نفسي ومن كل حاجة
هزت “رغد” ساقها بحركة ثابتة مبدية استهتارها بتصريحه الأخير، ثم عقبت عليه بجدية:
-كل مرة بتعمل كده، وهما يومين بس، وبترجع أسوأ من الأول
لم يرغب “يامن” في الجدال معها أو مناقشة تصرفاته وتبريرها لها، انتصب في جلسته وتصلبت عروقه متسائلاً بخشونةٍ طفيفة:
-إنتي جاية ليه؟
داعبت وجنتها بسبابتها وهي تجيبه بابتسامة غير مريحة:
-عشان أشوفك، مش معقول نكون في بلد واحدة ومانشوفش بعض
بدا غير مقتنع بزيف اهتمامها فرد قائلاً:
-سيبك من جو الحنين الأسري ده وقوليلي إيه اللي في دماغك؟
أخفضت “رغد” ساقها لتجلس باسترخاء أكبر وهي تجيبه:
-ولا حاجة، أنا حابة أقضي السهرة معاك
استشعر بجدية أنها تخطط لأمر ما، فهدوء أعصابها المريب يوحي بشر مستطير على وشك الحدوث، انتزعته من تفكيره الشارد على سؤالها الجاد:
-مش ناوي تروح تشوف بابا؟
أجابها بعد زفير ثقيل:
-طلبت زيارته ورفض
علقت بتوبيخٍ:
-ماهو لو إنت تحت طوعه مكانش عاملك بالشكل ده
هاجت دمائه من طريقتها المستفزة لاستثارة أعصابه فرد بانفعالٍ ملحوظٍ وقد هب واقفًا على قدميه:
-هو لازم أعمل كوارث عشان أعجب؟
نهضت هي الأخرى لتبدو في مواجهته، ثم ردت عليه ببرود قاصدة استفزاز أعصابه والتلميح الصريح برعونته الطائشة:
-ما إنت طول عمرك في المصايب، إيه اللي جد عليك؟
صاح مدافعًا عن نفسه:
-اللي جد عليا إني عاوز أتغير وأكون أحسن، مش هاستنى لما أدخل السجن وأعفن جواه عشان أعرف إني غلطت
أطلقت ضحكة ساخرة مستهجنة زادت من اشتعاله، مالت نحوه لتهمس له وهي تحاول السيطرة على ضحكتها المستفزة:
-ولا خايف منه
تجمدت حدقتاه على وجهها متسائلاً:
-قصدك مين
أشارت بحاجبيها ليفهم المغزى من وراء حديثها المتواري والذي قصدت به شخصًا بعينه، لم يترك الفرصة لعقله ليخمن هويته بل حذرها بلهجة حادة:
-“رغد” نصيحتي ليكي بلاش تعادي “أوس الجندي”
ضربت أخته على كتفه بيدها قائلة باستخفافٍ:
-خلي المواعظ دي لنفسك، أنا عارفة كويس أوي بأعمل إيه
سارت خطوتين للأمام مبتعدة عنه ثم استدارت نحوه لتضيف عن ثقة:
-وقريب هاتشوفه مكسور
قبض “يامن” على ذراعها ليجذبها منه نحوه، نظر في عينيها بنظرات حادة وهو يسألها بخشونة:
-إنتي ناوية على إيه؟
نفضت أصابعه القابضة عليها بقوة لتتحرر منه، منحته نظرة مخيفة قبل أن ترد هامسة ببسمة شيطانية تدب الرعب في الأبدان:
-كل شر يا حبيبي!
ثم ضحكت عاليًا لتزيد من شعوره الحانق، تضاعفت شكوكه بكونها تحيك مؤامرة دنيئة ستلحق الأذى بابن عمه وربما عائلته، لوحت له “رغد” بأناملها مودعة إياه قبل أن تفتح الباب وتخرج من منزله، صفقه “يامن” خلفها بعصبيةٍ مغمغمًا من بين أسنانه:
-مش هترتاحي إلا لما تخربيها وتضيعي نفسك يا “رغد”!
……………………..
لم يكن بحاجة لامتلاك ذكاءٍ خــارق ليفطن إلى أن وراء تلك الفوضى التي عمت بمنزله وبعدها ورشته شخصية هامة قد دعس دون وعي منه على قدمها ليتلقى جزائه، جاب “منسي” بنظراته المتحسرة زوايا ورشته بعد أن فتشها أفراد الشرطة جيدًا، تنفس الصعداء لكونه قد تلقى ذلك التحذير الجاد من “شعبان” في الوقت المناسب ليتمكن من إخفاء ما قد يثير الشبهات حوله أو يضعه تحت طائلة القانون، فلو تركه هكذا لذهب في مهب الريح، ابتلع ريقه ووضع قناع البراءة ليقول بتشنج المظلوم:
-حرام يا جدعان اللي بيحصل، عشان إيه البهدلة دي؟ احنا غلابة وفي حالنا وبنقول يا حيطة دارينا!
حذره الضابط المُكلف بتلك المهمة هادرًا بتهديدٍ شديد اللهجة:
-اسكت وإلا هاحطك في البوكس
ضرب “منسي” كفًا بالآخر قائلاً بانكسار زائف:
-أديني هاحط الجزمة في بؤي وأسكت، بس مايرضيش ربنا خراب البيوت المستعجل ده
اقترب أحدهم من الضابط ليؤدي له التحية العسكرية قبل أن ينطق برسميةٍ:
-ملقناش حاجة يا باشا
مط الضابط فمه وهو يجوب بنظراته المتفحصة أرجاء المكان من جديد ليقول بعدها بنبرته الصارمة:
-تعالوا ورايا
اقترب “منسي” من أحد المخبرين الذين تربطهم به صلة خفية، مسح وجهه المتعرق بعرقٍ بارد وهو يميل نحوه ليسأله بنبرة أقرب للهمس:
-أنا بس عاوز أعرف مين اللي عامل فيا المغرز ده
تلفت المخبر حوله ليتأكد من عدم متابعة الضابط له، ثم أجابه بحذرٍ:
-بيقولوا واحد تقيل أوي من عيلة “الجندي”، إنت تعرف حد من العيلة دي؟
ردد “منسي” مصدومًا وقد ضاقت عيناه:
-“الجندي”!
-شوف إنت زعلت مين ووصى عليك جامد
قالها المخبر بغموضٍ قبل أن يتركه وينصرف ليتبع باقي أفراد رجال الشرطة، تسمر “منسي” في مكانه محدقًا في الفراغ أمامه بنظرات قاتمة، على الفور لمع اسم “أوس الجندي” في ذاكرته لتظهر الأمور بوضوحٍ وتتكامل أطرافها في ذهنه، تمتم مع نفسه قائلاً بحنقٍ كبير:
-بقى الحكاية كده، هو مافيش غيره!
……………………..
-“عبده”!
قالتها “بطة” بوجهٍ مصدوم ونظرات متفاجئة وقد أطل زوجها من خلف باب المنزل، ظهر الارتباك جليًا على تعبيراتها الباهتة، لم تتوقع مجيئه قبل عدة أيــام بسبب انشغاله بنقل بعض المواد الغذائية المستوردة من أحد الموانئ المصرية وإيصالها لمستودعاتها، فماذا عن كذبة وجود أختها معها؟ ستنكشف بسهولةٍ وستوضع في موقف حرج مع والدتها التي لن تصمت عن ذلك الأمر مطلقًا، تخبطت أفكارها وتماوجت معًا، ألقى “عبد الحق” بحقيبته الصغيرة على الأرضية ليحتضنها باشتياقٍ وتلهف قائلاً لها:
-وحشتيني يا بت!
شعرت بضمته القوية على جسدها، ابتلعت ريقها في حلقها الجاف لتسأله بتوترٍ:
-إنت لحقت خلصت شغلك؟ مش كنت قايل هتقعد ….
قاطعها قائلاً بإرهاقٍ وهو يتراجع عنها لينظر إلى وجهها:
-البضاعة لسه ورقها مخلصش، قدامها كام يوم، إيه اللي هيخليني بايت هناك، قولت أرجعلك إنتي والواد
ادعت الابتسام قائلة:
-وماله ياخويا، نورت بيتك
بذلت “بطة” الكثير من الجهد لتبدو طبيعية في تصرفاتها رغم الارتباك المتواتر الذي يزداد بداخلها، قفز قلبها بين قدميها حينما سألها بفتورٍ:
-أومال أمك وأخواتك عاملين إيه
أجابته باقتضابٍ وهي ترمش بعينيها:
-كويسين
تثاءب “عبد الحق” هاتفًا بإرهاقٍ:
-حضريلي لقمة أكلها لأحسن واقع من الجوع
أومـأت برأسها قائلة:
-عينيا
تحركت صوب المطبخ الصغير لكنها توقفت عن السير واستدارت لتنظر بعينين مذهولتين في صدمة واضحة عندما أضاف زوجها بفتورٍ:
-بالحق، مش “منسي” كان فاتحني في موضوع الجواز من أختك “هالة”
شهقت مستنكرة:
-إيه؟ يتجوز مين؟!
تابع موضحًا وهو يثني ساقه ليستند بمرفقه على ركبته:
-كلمني من فترة في الحكاية دي، بس أنا انشغلت ونسيت أقولك
هدرت به “بطة” بعصبية وقد عاد إلى ذاكرتها ما فعله ذلك الخسيس النجس بأختها:
-نسيت؟ وبعدين مافيش إلا الواطي ده عشان أجوزه أختي؟!
نظر لها “عبد الحق” بتعجب وهو يسألها مستغربًا:
-ماله الراجل؟
احمر وجهها غضبًا من برود زوجها وتقبله لمسألة الزواج برحابة صدرٍ، صاحت مهاجمة إياه بشراسة:
-ده بلطجي وصايع ورد سجون، و”هالة” أختي أحسن منه مليون مرة، إزاي توافق على كلامه ده؟
رد مستنكرًا بفتورٍ بائن على قسماته:
-هو كفر لما طلب السفيرة “عزيزة”؟
أجابته بحنقٍ مغتاظٍ:
-ده سمعته الزفت معروفة بين الناس كلها، بقى عاوزنا نوافق على اللومنجي ده؟
حك “عبد الحق” رأسه الحليقة بمللٍ، ثم طالعها بنظرات غير مكترثة معلقًا عليها:
-أنا ماليش فيه، اصرفوا مع بعض، هو الراجل كلمني وأنا ماطلت معاه، إنتو أحرار!
كزت “بطة” على أسنانها هامسة بنبرة مغلولة:
-مش هايحصل، معدتش إلا الكلب الجبان ده، يا مين يناولني رقبته أدوسها تحت رجلي!
لم يلقِ لها زوجها بالاً واستلقى على الأريكة ليريح جسده المتعب من عناء السفر والمجهود المتواصل، بينما ظلت هي تغلي على موقدٍ مشتعل تفكر في طريقة للخلاص من ذلك الدنيء وحماية أختها من مكائده الخبيثة.
……………………..
انحنت بحذرٍ نحو صنبور المغطس محاولة إغلاقه لكنه لم يطاوعها، نفخت “ليان” بضيق لعجزها عن التعامل معه، همست بسبةٍ مزعوجة ثم سارت بتمهلٍ على الأرضية المبللة مكملة تجفيف جسدها وشعرها، ارتدت روبها الحريري لتمشي بعدها في اتجاه باب الحمام، وقفت عند أعتابه صائحة بصوتٍ مرتفع:
-“عدي” بليز تعالى بسرعة!
هزت ساقها بعصبية طفيفة وهي مستندة بيدها الأخرى على حافة الباب منتظرة قدومه، أقبل عليها الأخير متسائلاً بحيرةٍ:
-في إيه يا “ليو”؟
أجابته بضيقٍ مستخدمة يدها في التوضيح:
-مش عارفة أقفل الحنفية، لازم تشوفلنا سباك، أنا زهقت بجد
رد مبتسمًا وهو يداعب وجنتها برفقٍ:
-طب ليه النرفزة دي على الصبح يا حبيبتي؟ الموضوع مش مستاهل كل ده
كتفت “ليان” ساعديها أمام صدرها بعد أن تنحت للجانب لتفسح له المجال ليمر قائلة له بتبرمٍ:
-أوكي، أنا هادية، وريني شطارتك
رد بثقة تامة وبتباهٍ واضح:
-إنتي جيتي في جمل!
خطا “عدي” نحو الداخل دون أن يترك ملف الأوراق الذي بيده، أحنى جزعه للأمام ليتمكن من غلق الصنبور بحرصٍ كي لا يبتل، وقفت “ليان” خلفه تتابعه بنظرات جمعت بين الفضول والاستخفاف، لاحظت فشله في إحكام غلقه فسألته بتهكمٍ بائنٍ في نبرتها:
-ها عرفت تقفلها؟
التفت للجانب ليقول لها بامتعاضٍ:
-بأشوف أهوو
أخفت ضحكة عبثية تراقصت على شفتيها وهي تعلق ساخرة:
-ده الجمل اللي بتقول عليه؟
حذرها بعبوس:
-بلاش تريقة
ردت عليه بيأسٍ:
-قولتلك هي بايظة وعاوزة تتصلح، وإنت مكبر دماغك
اعتدل في وقفته لينظر لها بغيظٍ قبل أن يصيح متذمرًا:
-ماهو أنا مش هاسيب الشغل اللي ورايا عشان أصلح حنفيات؟
نفخت متسائلة بنفاذ صبر:
-يعني إيه الحل دلوقتي؟
انحنى مجددًا ليغلق الصنبور قائلاً بنرفزة ظاهرة عليه:
-أنا هاحاول أقفل الـ …..
بتر عبارته مجبرًا حينما انتزع الصنبور في يده بسبب إفراطه في استخدام قوته مما جعل الماء يندفع بغزارة مغرقًا المكان، صرخت “ليان” بفزعٍ وتراجعت للخلف صائحة فيه:
-إيه اللي عملته ده يا “عدي”؟
حاول إيقاف تدفق المياه قائلاً بتوترٍ:
-الحنفية طلعت في إيدي
أسرعت “ليان” بغلق المحبس الرئيسي لوقف اندفاع المياه، ثم سحبت منشفة جافة لتمسح به وجهها، رددت بغيظٍ:
-بهدلتني
نفض “عدي” المياه العالقة بذراعيه لينظر بعينين مصدومتين للملف الذي أُغرق بالكامل، ازدرد ريقه قائلاً بتوجسٍ قلق:
-ده مش هايجي حاجة جمب البهدلة اللي هاخدها من أخوكي، الورق باظ، طب أقوله إيه؟
هزت كتفيها في عدم اهتمامٍ قائلة له:
-ماليش دعوة، وابقى شوف سباك بيفهم!
رمقها بنظرة مغتاظة من برودها، تركته في مكانه وانصرفت من الحمام ليخفض عينيه متأملاً ثيابه المبتلة، ضغط على شفتيه مواسيًا نفسه برثاءٍ:
-بتخلعي منها، كده اليوم بان من أوله، استعد أنا بقى للبهدلة اللي هاخدها على دماغي!
……………………..
قابله مصادفةً على المقهى ليسأله عن أخت زوجته فأخبره “عبد الحق” ببساطة أنه لم يرها منذ فترة وبالتالي لم يعرف ردها بعد عن رأيها في الزواج منه، كانت محاولة ساذجة منه للتملص من مشاركته في ذلك الأمر، لم يرَ شرارات الغضب التي أطلت من حدقتي “منسي” فقد استشاط الأخير حنقًا وغلت الدماء في عروقه لسبب آخر، شعر في قرارة نفسه أنه بات أضحوكة لفتاة صغيرة تتلاعب به كيفما تشاء، لم يُرهبها محاولته الاعتداء عليها، بل إنها أقدمت على قتله بكل قسوة ولجأت إلى من يدمره، وها هو الآن ينكوي بنيران حقده، توعدها في نفسه ألا يمرر الأمر على خير، سيقلب الطاولة على رأسها وستكون له رغمًا عن إرادتها مهما فعلت، اتجه إلى منزل والدتها مُصرًا على معرفة الرأي النهائي لابنتها في عرضه بالزواج، بدت “أم بطة” جاهلة بالمستجدات من الأمور فتحرجت منه، وقد ظهر ذلك بوضوح على ردودها، لذا فكر ببراعة في استغلال الموقف ومعرفة مكان “هالة” من خلال استدراج أختها اللئيمة التي حتمًا لها ضلع في إخفائها عن عينيه، ألح عليها لتسمح له –وهي بصحبته- بالذهاب إلى منزل “عبد الحق” والحديث مع العروس الصغير، لم تجد “أم بطة” بدًا من الرفض فامتثلت لطلبه واتجهت معه إلى ابنتها الكبرى.
مزيج من القلق والكراهية انعكس على لمحات وجهها وهي تفتح الباب لتجد والدتها ومن خلفها “منسي” يطالعها بنظرات غامضة تطوي شرًا دفينًا، عادت “بطة” لتحملق في وجه أمها قائلة ببسمة مهزوزة:
-إزيك يامه، مش تقولي إنك جاية
ردت عليها بامتعاضٍ ساخط:
-حبيت أعملهالك مفاجأة يا حيلة أمك
حاولت ابنتها أن تبدو أكثر استرخاءً وهدوءًا وهي ترد:
-ده البيت بيتك يامه تشرفي في أي وقت
ثم ألقت نظرة مستهجنة على “منسي” المرابط في الخلف متسائلة:
-بس إيه اللي جاب ده معاكي؟
أجابتها أمها بجمود وهي تطالعها بنظراتٍ غامضة لم تشعرها بالارتياح:
-سي “منسي” مش غريب، وأنا قاصدة أجيبه معايا النهاردة
تنحنح الأخير قائلاً بصوته الأجش:
-سلامو عليكم
تجاهلت “بطة” عن عمد رد التحية لتهمهم قائلة:
-استغفر الله العظيم
لكزتها والدتها في كتفها وهي تسألها بحدةٍ:
-أومال فين جوزك؟
أجابتها مشيرة بيدها نحو باب الغرفة المغلق:
-نايم جوا
انتبه ثلاثتهم إلى صوت فتح الباب ليظهر بعدها “عبد الحق” وهو يجذب جلبابه المنزلي الرمادي للأسفل، رد قائلاً بابتسامة فاترة:
-سلامو عليكم، منورين يا جماعة، ده أنا مستنيكم من بدري
عبست ملامح “بطة” على الأخير عقب جملته تلك التي أثارت الهواجس في نفسها، اقتربت منه لتسأله بصوتٍ خفيض:
-هو إنت كنت عارف إنهم جايين
أجابها بعدم مبالاة:
-أيوه، “منسي” كلمني قبل ما يجي يستأذني!
كبتت غيظها من إخفائه ذلك الأمر عنها داعية الله أن يمر النهار على خير، فالبدايات غير مبشرة على الإطلاق، ووجود “منسي” يعني كارثة وشيكة، هوى قلبها في قدميها مجددًا بتوترٍ مضاعف حينما سألتها والدتها بصوت قاتم ونظراتها المريبة مركزة على وجهها:
-أومال البت “هالة” فين؟ مش باينة يعني!
اختفى جمود “بطة” الزائف ليحل الشحوب على ملامحها، تدلت شفتها السفلى للأسفل في بلاهة واضحة عليها، اضطربت نظراتها واكتست تعبيراتها بارتباكٍ مقروءٍ للعيان، رددت بتلعثمٍ وقد لُوحظ تســارع أنفاسها:
-“هـ… هالة” ……………………..
……………………..
يتبع >>>>>>