رواية الحبُ.. أَوْس
الفصل العشرون
كان بحاجة للجوء إليه للأخذ بمشورته في التعامل معها بعد تأزم الموقف وتكرار الصدام بينهما فمن المحتمل أن يؤدي ذلك لتطور الأمور نحو طريق لا يحبذه، ربما استطاع بمرور الوقت أن يتعلم كيف يضبط أعصابه في أصعب المواقف هوجائية ويقوم من انحرافاته السلوكية، بل ويسيطر على جموحه العنيف ويكبحه إن لزم الأمر إن ظهر على السطح مهددًا بإحراق الأرض ومن عليها، لكنه لا ينكر أنه في بعض الأوقات يصل لحافة الانهيار ويكاد يفتك ويطيح بمن يقف أمامه، جلس “أوس” متصلبًا في المقعد المواجه لمكتب طبيبه النفسي د. “فهمي محفوظ”، سرد له بإيجاز ما دار مؤخرًا من مشادات كلامية وانفعالات ثائرة لزوجته، أصغى إليه الأخير باهتمامٍ كبير مدونًا بعد الملحوظات في الورقة البيضاء الموضوعة أمامه، تطلع إليه “أوس” بنظرة غامضة وهو يسأله باقتضابٍ:
-المفروض أنا اعمل إيه؟
أسند “فهمي” قلمه على الورقة لينظر إليه بابتسامة هادئة قبل أن يجيبه بحياديةٍ:
-طبيعي بعد الظروف اللي إنتو مريتوا بيها يحصل ده بينكم
رمقه بنظرة حادة غير مقتنعة بتبريره ليسأله بتهكمٍ:
-طب وأنا استفدت إيه بكلامك ده؟
رد الطبيب بحذرٍ:
-أنا هاحلل الموقف من منظوري الخاص، وأنا واثق إن حضرتك هتفهم قصدي إيه
علق باقتضابٍ:
-يا ريت
أخرج “فهمي” زفيرًا بطيئًا من صدره قبل أن يتابع موضحًا بنبرة عملية هادئة:
-كل واحد منكم ماضيه مأثر على تصرفاته، إنت بطبيعتك الميالة للعنف واللي كان تقريبًا حاجة أساسية في نمط حياتك، وهي بتجربتها السيئة معاك، وقت ما بيحصل خلاف بينكم وبتعجز عن إنك تحتوي عصبيتها بتهددها باللي قادر تعمله حتى لو بتمنع نفسك عنها، وهي بتشوف فيك الصورة القديمة بكل مساوئها
لم يقاطعه “أوس” واستمر في الإنصات إليه وهو يكمل بنفس الهدوء الجاد:
-ده غير إن من كلامك استشفيت إنها بتعاني من فقدان الثقة بنفسها، بمعنى إنها حاسة إنها أقل منك بكتير، سواء كان على المستوى التعليمي أو الاجتماعي أو حتى الثقافة اللي اتربى كل واحد منكم عليها، وده بيخليها حاطة نفسها في موضع مقارنة مع أي واحدة تانية حتى لو كنت بتحسسها إنها محور الاهتمام، هيفضل شعورها جواها ويزيد مع الوقت
سأله مهتمًا وقد بدا تفسيره مقنعًا إلى حد كبير:
-طب وإيه الحل؟
أجابه ببساطةٍ:
-قدملها الفرص المناسبة اللي تحسسها إنها قربت منك سواء فكريًا أو ثقافيًا
زوى ما بين حاجبيه مرددًا:
-قصدك تكمل تعليمها؟ على فكرة أنا معنديش مانع في ده
رد عليه مقترحًا:
-مش بس كده، تقدر تشوف هي حابة تتعلم إيه وتساعدها فيه وتشجعها تستمر وتكمل وتحفزها على النجاح وإنك معاها خطوة بخطوة، ده هيفرق معاها
شرد ليفكر في اقتراحاته العملية والتي ربما ستأتي بنتائجها المرجوة إن استطاع تنفيذها حقًا، حملق فيه “أوس” من جديد وهو يؤكد عليه:
-كمان المتابعة النفسية لتعزيز الثقة بالنفس وبناء جسر التواصل مع الأخرين مهمة جدًا، ضروري تكون إنت حريص أكتر منها على حضورها للجلسات دي، صدقني هيرفع من معنوياتها كتير ويفيدها زي ما هيفيدك!
لم يجادله في شيء بل رحب قائلاً برحابة صدر:
-تمام يا دكتور، وأنا موافق!
ابتسم “فهمي” لتجاوبه معه، وشعر في قرارة نفسه أنه استطاع إنجاز الكثير وإحراز تقدمًا ملموسًا مع حالة مرضية مستعصية كحالة مريضه الجالس أمامه، تفاءل كثيرًا بما يمكن أن يفعله “أوس” مستقبلاً لتحقيق الاستقرار النفسي والأسري ليس فقط لنفسه بل وللأقرب إليه .. زوجته.
…………………….. ……………………..
تململت ببطءٍ وهي تحرك ذراعها على الملاءة الناعمة باحثة عن الوسادة لتغطي بها رأسها بعد أن أزعجها صوت الدقات على باب غرفتها بالفندق، أرادت أن تستسلم لسلطان النوم لتخفف من حدة الصداع الذي يفتك بها جراء إفراطها في تناول الخمر ليلة أمس، نفخت بضيق وقد زاد الدق الحاد على الباب حتى بات وكأنه يدق في رأسها، اعتدلت “رغد” في نومها مسلطة أنظارها الناعسة على الباب، حركت جسدها لتنهض عن الفراش وهي تفرك خصلات شعرها المبعثرة بصورة فوضوية، لم تهتم بارتداء روبها الحريري لتغطي قميص نومها الأسود القصير الذي يصل إلى فوق ركبتيها بمسافة كبيرة يزينها قطعة من قماش الدانتيل، كما برز كتفاها ومفاتنها بشكل مُلفت للأنظار، ظنت في نفسها أن إحدى عاملات خدمة الغرف قد أتت في تلك الساعة المبكرة للقيام بعملها، كزت على أسنانها تتوعدها بحنقٍ:
-ده مابقاش فندق، بيشغلوا عندهم عالم أغبياء، مش بيفهموا، وأنا هاعرف الغبية دي مقامها
فتحت الباب وقد أفاقت سريعًا من نعاسها ليتلاشى أيضًا غضبها مع رؤيتها لابن عمها واقفًا عند أعتاب الغرفة بكامل هيبته وقوته، رفعت حاجبها للأعلى مبدية اندهاشها من حضوره الغريب، لم تتوقع على الإطلاق أن يعرف مكان إقامتها الحالي، بل ويأتي بقدميه إليها، خاصة أنه كان نافرًا من حضورها، رمقها “أوس” بنظرات احتقارية كارهة لها، وزدات نظراته ازدرائية حينما أطلت عليه بذلك المنظر المستفز والمشين في نفس الوقت وكأنها لا تبالي بتطلع الغرباء لجسدها، رفع يده للأعلى قليلاً ليشير بإصبعيه لحراسته التي تبعته بالابتعاد، نفذوا أمره صاغرين، لم يكن ليجرؤ أحدهم على التطلع إليها في حضرته، تشكل على زاوية فم “رغد” ابتسامة مستمتعة وهي تدعي الترحيب به:
-مش معقول، “أوس الجندي” بنفسه هنا عندي!
مدت ذراعها لتستند على الباب وباليد الأخرى عبثت بخصلات شعرها مرددة بغرورٍ ومتعمدة التغنج بجسدها أمامه:
-ده أنا لازم أتغر في نفسي!
أومأت له بحاجبها كتعبير عن ثقتها بنفسها وتلك البسمة المستفزة ما زالت تلوح على ثغرها، دفعها “أوس” بجمودٍ وبوقاحةٍ من ذراعها بعد أن نظر لها شزرًا ليتمكن من المرور للداخل، تأوهت بألم طفيف من إثر خبطته لتلحق به بنظراتها المزعوجة، اشتد كتفاه انتصابًا وهو يعلق قائلاً ببرود متعمدًا استفزازها بقسوةٍ:
-متعمليش لنفسك قيمة أوي!
في لحظة واحدة هاجت دمائها التي تحمست لرؤيته ليتحول الأمر في ثوانٍ معدودات إلى كراهية صريحة، تابع مكملاً باستهجان:
-لأنك رخيصة!
استشاطت عيناها على الأخير وتحولت ضحكتها اللعوب لعبوس مُضاعف بسبب كلماته اللاذعة التي جرحت من كرامتها وانتقصت من أنوثتها الزائدة، سارت خلفه لتمسك به من ذراعه، استدارت لتواجهه هاتفة بحدةٍ:
-إنت فاكر نفسك مين؟ جاي لحد عندي عشان ….
قاطعها بصيغة آمرة نافضًا قبضتها عن ذراعه:
-اسكتي واسمعيني للآخر
أرادت إشعاره بنفس ما تشعر به من غلٍ وغيظ لذا لوحت له بسبابتها هادرة:
-جاي تأمرني هنا، اتفضل اطلع برا
ورغم طردها المتعمد له إلا أن ملامح “أوس” بدت هادئة للغاية أقرب إلى الجمود عن أي شيء آخر، فرك طرف ذقنه ليرد ببساطة قاصدًا الاستخفاف بأمرها:
-لأ
احمر وجهها غضبًا وبدت نبضات قلبها مسموعة بقوة في أذنيها من فرط الانفعال، ضغطت “رغد” على شفتيها كاظمة ضيقها مؤقتًا بداخلها لأ فضولها يحثها على معرفة سبب زيارته لها، وضعت كفيها أعلى منتصف خاصرتها، بدت في وضعية متعصبة بسبب اهتزازات جسدها المتواترة بصورة ملحوظة، بالإضافة إلى ذلك الصداع المؤلم الذي يضرب برأسها ويكاد يفتك بها لعدم حصولها على قسط وافر من النوم، تجاهل “أوس” التطلع إلى ملامحها المتشنجة ليلقي نظرة شاملة على الغرفة، وقعت عيناه مصادفة على كأس الخمر والزجاجة الفارغة بجواره، أيقن أنها كانت تحتسيه حتى ساعة متأخرة، دنا من الطاولة القصيرة ليمسك بالزجاجة رافعًا إياها في مواجهتها قائلاً بنبرة متهكمة:
-شكلك لسه مفوقتيش من ….
لم تتحمل المزيد من سخافاته المستفزة لها، قاطعته بنبرة حادة وهي تنتزع الزجاجة من بين أصابعه لتلقي بها على الأرضية بعصبيةٍ:
-ملكش دعوة باللي بأعمله، أنا حرة!
رمقته بنظرات متحدية تحمل الغضب الجم، وبادلها نظرات جامدة خالية من الإشفاق أو حتى الاهتمام، نكست “رغد” رأسها قليلاً حينما تمكن منها الصداع، كانت تود العودة لسباتها أو لتناول بعض الأقراص القاتلة للألم، تابعها “أوس” بعينين مراقبتين لتصرفها المفهوم، شيعها بنظراته وهي تتجه للكومود لتبحث بداخله عما يسكن الوجع، كان هادئًا حتى أبعد الحدود في التعامل معها، لاح شبح ابتسامة باهتة على طرف شفتيه وهو يرد:
-رأيي لازم تصحصحي في الكلمتين اللي هاقولهم ليكي
باغتها بالقبض على ذراعها، شهقت عفويًا من إمساكه لها بتلك الطريقة التي أشعرتها بفارق القوى الجسمانية بينهما، حملقت فيه بعينين متسعتين، أحست بتوتر رهيب يجتاحها، وفي نفس الوقت أيقظ فيها مشاعرها الكامنة نحوه بحبها لطريقة فرضه سطوته وسيطرته على الآخرين، دق قلبها بعنفٍ وشعر هو بحالة التخبط التي انتابتها لمجرد تقريبها منه، أفاقت من شرودها السريع حينما قال:
-ماتعشميش نفسك أوي
صاحت بتذمرٍ:
-إنت بتعمل إيه؟
لم يجبها وسحبها خلفه نحو الحمــام، كان “أوس” بحاجة لجعلها في كامل وعيها لتستوعب جيدًا ما سيمليه عليها، فهو أكثر الأشخاص درايةً بتأثير الخمر على شاربيه، والطريقة الأمثل لإفاقتها كانت بجعل الماء البارد ينهمر أعلى رأسها ليحفز خلاياها، صرخت “رغد” محتجة على إمساكه بعنقها ودفع رأسها أسفل صنبور المياه لتغمرها بالكامل، شهقت وسعلت وقاومت، لكن دون جدوى، لم يكترث بحركاتها العشوائية لتتخلص من قبضته، كان مسيطرًا عليها حتى تأكد أنها صارت واعية بشكل أفضل، تركها للحظة لتتنفس بعمق حتى يهدأ سعالها، نفضت الماء عن عينيها ووجهها صارخة به بغيظٍ:
-إنت اتجننت
بدت تعابيره أكثر قسوة وهو يطوق عنقها بقبضة يده ليضمن عدم إفلاتها منه، كور كومة من خصلاتها المبتلة حول يده ليجذبها منه فأجبرها على رفع رأسها للأعلى لتتطلع إلى انعكاس ملامحه في المرآة، كان “أوس” يقف خلفها، يبدو أكثر طولاً، هيبة، مهابة، خشونة عن ذي قبل، استطرد قائلاً بجفافٍ من بين أسنانه:
-بصي كويس أوي للوش ده
ردت ساخرة وبغرورٍ محاولة استفزازه وفي نفس الوقت التقليل من شأن زوجته:
-إيه؟ شكلنا لايقين على بعض؟ طبعًا أحسن من اللي متجوزها، صح؟
هتف بخشونة وقد تصلبت أصابعه على عنقها لتشعر بقوة قبضته:
-بلاش تخشيلي من السكة دي أحسنلك؟
سألته بمكرٍ وهي تشير له بعينين عابثتين:
-أومال جاي هنا ليه؟
صمت للحظة لكنها بادرت بالإجابة لتفسد عليه أي إجابة مناسبة يحاول الرد بها عليها:
-أكيد عشان تحس بقوتك معايا، أنا فاهمة طباعك كويس
أظهرت شفتاه ابتسامة ساخرة من محاولاتها اليائسة للتودد إليه بشتى الطرق لتلفت أنظاره ولتحظى منه على القليل من الاهتمام، أظلمت نظراته مؤكدًا عن ثقة كاملة:
-غلطانة يا “رغد”، مش إنتي اللي هابصلك!
إهانة أخرى جارحة ضربتها في مقتل، وقبل أن تتحرك شفتاها لتنطق تابع بنبرة جليدية جمعت بين القسوة والعدائية:
-عاوزك تبصي للوش ده كويس، لأني عمري ما بأسامح في حق مراتي!
حاولت “رغد” التحرر من قبضتيه اللاتين تسيطران عليها بشحذ غضبها ضده، أفلتها عن عمد بعد أن استثار مشاعرها الحقودة نحوه وبدد آمالها في الحصول عليه، فركت عنقها بيدها لتخفف من وطأة الألم عليه، ثم نظرت له قائلة باستخفافٍ:
-بلاش الجو الرومانسي ده لأنه مش شكلك
لم يعبأ بالحماقات التي تتفوه بها، رد محذرًا بلهجة قوية:
-خليكي فاكرة كلامي ده كويس، لأني هاندمك على كل لحظة أذيتي فيها “تقى” بكلامك ولو كان فيها موتي!
مجرد ذكر اسمها والتشديد على حمايته لها حتى وإن كلفه الأمر حياته أغاظها على الأخير، وأشعرها بالغيرة الشديدة، فهي التي تكاد تموت كمدًا من الحسرة على عدم زواجها منه، وتتوق فقط ليشعر ولو بقدرٍ قليل بما تكنه له منذ سنوات، ورغم علمه بمشاعرها إلا أنه نبذ أي محاولة لها لخلق بذرة حبٍ بينهما، لم تتحمل تباهيه بمقدرته على الدفاع عن زوجته فسألته بحنقٍ:
-إنت ليه متمسك بالبتاعة دي؟ قولي، فيها إيه زيادة عن أي واحدة تانية دخلت حياتك؟ اشمعنى هي بالذات؟ تفرق إيه عن …
قاطعها بخشون لتبتلع باقي أسئلتها المتتابعة في جوفها:
-ولا كلمة زيادة عنها! متخصكيش!
باتت يائسة حد الموت لتحصل منه على لحظة يظهر فيها اهتمامه بها، وإن كان زائفًا، اقتربت منه لتتلمس صدغه بأناملها، رققت من نبرتها لتسأله بتنهيدة محبطة:
-أنا بنت عمك يا “أوس”، فيها إيه مميز عني؟ ليه مش قادر تحس بيا؟
رد بجفاءٍ:
–متقارنيش نفسك بـ “تقى”، لأنك صفر على الشمال جمبها
لم تلقِ بالاً لجملته المهينة لها، كانت أكثر حماسة لتلمس بشرته الرجولية، وضعت “رغد” يدها الأخرى على كتفه لتقول بأنفاسٍ حارة وبصوتٍ خفيض:
-“أوس”، أنا.. بأحبك وعاوزاك، عمري ما حبيت “أكرم”، هو جمبك ولا حاجة، و..
تقزز من أسلوبها الرخيص في الاقتراب منه، تراجع مبتعدًا خطوة للخلف وكأن عقربًا سامًا قد لدغه، صاح بإهانة أشد قسوة:
-راعي اللي متجوزاه، هو مش مالي عينك؟ سايبك هنا تدوري على حل شعرك
صرخت بعفوية معبرة عن مشاعرها الناقمة نحو زوجها:
-مش بأحبه ولا بأطيقه
علق ساخرًا بابتسامة باهتة:
-وأنا زيه!
ضمت شفتاها لتضغط عليهما بعد أن هاجت دمائها من نفوره الواضح ورفضه الصريح لها، وما زاد من غضبتها قوله المتفاخر بأصل زوجته المتواضع:
-بس الفرق بينا إني بأعشق مراتي، وقبل ما نكون أنا وهي لبعض فهي بنت خالتي!
هتفت بتهكم قاصدة تحقيرها:
-قصدك الجانب الكحيان في عيلتك
لم يتردد أو يندم في منحها صفعة مؤلمة لتفيق من أوهامها وأحلامها الرومانسية الواهية، تدلى فكها عن اندهاشة مصدومة وقد تألمت من قسوتها:
-آآآه
تحولت لمحاته لعدائية أشد شراسة وهو يتابع مهددًا:
-مش هاسمحلك
كزت على أسنانها متمتمة:
-إنت…
قاطعها بصلابةٍ وبنظرات تحتقرها:
-أنا قولت اللي عندي!
أولاها ظهره متجهًا إلى الخارج لتتبه مهرولة وهي تصيح به:
-استنى يا “أوس”، رايح فين؟ أنا مخلصتش كلامي
لم يلتفت نحوها أو حتى يرد عليها، فحديثه معها بات هراءً لا يُحتمل، أكمل سيره حتى بلغ الباب، فتحه وقبل أن يخرج من الغرفة منحها نظرة أخيرة عكست مدى تأففه منها، صفق الباب خلفه لتتجمد في مكانها وهي تشتعل غيظًا وحنقًا، كورت “رغد” قبضتها تتوعده:
-ماشي يا “أوس”
…………………….. …………………….. …….
-إيه اللي أخرك يا حلوة؟
غمغم “منسي” بتلك العبارة لنفسه وهو يتحسس شعيرات صدره مراقبًا حركة المارة من بقعة منزوية في الزقاق في تلك الساعة المبكرة من النهار حيث يتوجه الطلبة وبعض الموظفين الحكوميين إلى أعمالهم، لفظ دخان سيجارته –الملفوفة يدويًا- ليحبسه في صدره المتأجج بمشاعر مكبوتة يريد إفراغها، تابع حديث نفسه الموسوس:
-صباحنا عنابي، ما هو اللي ما يجيش بالرضا، يجي بالغصب!
لمح طيفها من على بعد فتأهبت حواسه لرؤيتها تمشي بخجلٍ، ألقى “منسي” عقب سيجارته أسفل قدمه ليدعسه قبل أن يتخذ موضعه، فرك كفيه معًا، وانتظرها كذئبٍ متربصٍ بفريسته، لم تتوقع أبدًا أن يباغتها من تمقته حتى النخاع في ذلك التوقيت الحرج وهي في طريقها إلى مدرستها، اعتادت أن تنزل مبكرًا لتلحق مكانها في وسائل المواصلات قبل أن تعج بالزحام، شعرت بيد تضغط على فمها بقوةٍ وهي تنحرف عند الناصية، انحبست أنفاسها مع صراختها وتلوت مقاومة بغريزة طبيعية، شعرت بقبضة أخرى أشد قسوة تضغط على صدرها وتسحبها نحو ظلامٍ ما، تضاعف خوفها ودار برأسها الهواجس، ظل ذلك الصوت المرعب الملامس لأذنها يردد بخفوت:
-ششش، اهدي!
شحب وجهها كليًا وقد أوشكت على تخمين هوية الفاعل دون الحاجة للتطلع إلى وجهه، أدخلها “منسي” إلى ورشته مغلقًا الباب الحديدي ليقلل من فرصها في الهروب إن حاولت ذلك، أفلتها من بين قبضتيه لتندفع لا إراديًا بعيدًا عن الجسد الذي التصق بها، استدارت لتنظر إليه بعينين متسعتين في فزع، خرج صوتها مهتزًا مرتعدًا وهي تسأله:
-إنت بتعمل إيه؟
حك مؤخرة عنقه بلزمة اعتيادية وهو يدور بنظراتها على تفاصيل جسدها متخيلاً إياها بدون ثيابها المدرسية التي تحجب عنه الكثير، ارتاعت من نظراته الجريئة نحوها واستمرت في تراجعها للخلف تتوسله باستعطافٍ:
-سيبني أمشي لو سمحت، وأنا مش هاقول …
قاطعها بزفيرٍ ثقيل:
-مش هاتمشي يا قطة
ارتجفت “هالة” من طريقته في الحديث وأيقنت أنها حتمًا وقعت في بئر الهلاك، ظلت أنظار “منسي” مسلطة عليها تتفرس كل تفصيلة فيها برغبة جنونية، ابتلع ريقه في حلقه الجاف متابعًا:
-ده أنا عاوز أقولك كلمتين
ارتعشت شفتاها هاتفة:
-سيبني أمشي!
تراجعت بخطوات أقرب للتعثر مبتعدة عنه كلما تقدم خطوة نحوها، بدا غير طبيعي وهو يقول بإصرار:
-مش قبل ما أعبرلك عن حبي
حاولت تهديده عله يرتدع فصاحت بشجاعة زائفة:
-لو ماسبتنيش أمشي هاصوت و…
كركر ضاحكًا ليجبرها على قطم عبارتها قبل إتمامها ليضيف بعدها بعدم مبالاة:
-محدش فاضيلنا السعادي، وبعدين دول كلمتين حب وغرام
شهقت بخوفٍ حينما تعثرت قدماها وسقطت على الأريكة البالية، وقبل أن تعتدل لتنهض من عليها طرح “منسي” ثقل جسده عليها ليحول دون حدوث ذلك، صرخت بخوفٍ وقد باتت محاصرة منه ومهددة بتلويث سمعتها وشرفها، ضربته بأقصى ما تستطيع بقبضتيها في صدره علها تزحزحه هاتفة بهلعٍ:
-ابعد عني
زادته مقاومتها إصرارًا ورغبة في الحصول عليها، استمتع بمقاومتها متسائلاً ببرودٍ وابتسامة سمجة متشكلة على وجهه:
-ليه بس؟ ده احنا بنتعرف!
انحنى عليها لينال قبلة منها تشبع به أشواقه وربما تدفعه للحصول على المزيد مما تتمنع به عليه، ورغم حالة الخوف المتملكة منها إلا أنها صدته بأقصى طاقاتها، أبعدت “هالة” وجهه المقيت ذي الأنفاس الكريهة عنها، وأشاحت بوجهها للجانب لتمنعه من الاقتراب منها، بكت بهيسترية تستغيث بمن بالخارج وقد أوشكت على فقدان مقاومتها أمام خشونته العنيفة وكلماته المهددة التي أكدت لها أنها لن تنجو ببدنها منه:
-ساعدوني
لم يعبأ بصوتها الذي اختنق مع بكائها وردد غير مكترثٍ بتبعات فعلته الهوجاء:
-صوتي للصبح، مش فارق معايا، وهاقول إنك جاية هنا برجليكي
أشعرتها كلماته الأخيرة أنه لا مناص لها منه، سينال منها حتمًا وقد بدأت قواها تخبو مع نشاطه العنفواني المتزايد، توسلته ببكاءٍ:
-حرام عليك، أنا عملتلك إيه؟
استمر في محاولته المستميتة لتقبليها مرددًا بصوت لاهث:
-أنا عاوزك
وبنظرات زائغة وعشوائية حاولت البحث عما يمكن أن يساعدها في إنقاذ نفسها منه، التقطت عيناها الباكيتان ذلك الثقل المعدني الذي يشبه ما يستخدم في حساب الأوزان والمُلقى بإهمال على الأرضية، أرخت “هالة” إحدى قبضتيها مضطرة لتتمكن من الإمساك بها، بالطبع استغل “منسي” الفرصة ليقترب أكثر منها وتلمس شفتاه جانب وجنتها، قبلها عنوة منه بعشرات القبلات، وزاد تقززها من اقترابه المهلك، تحاملت على نفسها حتى تمد ذراعها لتمسك بالثقل، كادت أصابعها تلامسه، بكت وجزعت وانتفضت وهو يزداد عبثية معها وهي شبه عاجزة عن صده، وما إن بلغته حتى قبضت بكامل راحته عليه لترفعه دون تردد للأعلى قاصدة ضرب رأسه به، صرخ “منسي” متألمًا من خبطتها المفاجئة، اعتدل متراجعًا عنها واضعًا يده على رأسه، ضربته “هالة” مجددًا بشراسة وكل ذرة في جسدها تنتفض بخوفٍ، فقد اتزانه مع الضربة الثانية فدفعته بيديها ليميل على جانبه ويُطرح أرضًا، شهقت باكية وهي تتأمل الدماء النازفة بغزارة من رأسه والتي لطخت وجهه، كتمت صرخة مفزوعة أوشكت على الخروج من حلقها، استجمعت نفسها لتنظر له بهلعٍ مرددة لنفسها بذهول مرتاع:
-أنا عملت إيه؟ أنا قتلته!
نهضت عن الأريكة لتعتدل في وقفتها، شعرت أن قدماها عاجزتين عن حملها، بحثت عن مهرب لها من ذلك المكان وهي تكاد لا تصدق ما أقدمت عليه، نظرت إلى ثيابها التي أفسدها بلمساته المحرمة فحاولت ضبطها، لكن ماذا عن الدماء التي تناثرت قطراتها على قميصها الأبيض؟ شل تفكيرها للحظات، حدقت فيه بنظرات متجمدة رغم انهمار عبراتها بكثافة، أصبحت “هالة” شبه متيقنة بعد أن استوعب ما اقترفته يداها بأنها خسرت كل شيء في لحظة، أحلامها، فرصتها في إكمال تعليمها، مستقبلها، سعادتها، وأخيرًا حريتها، لقد حولها “منسي” الوضيع في لحظة مجونه العبثية إلى قاتلة مذنبة.
زادت رجفتها وبمنطقية بسيطة قررت الفرار قبل كشف جريمتها، أطلت برأسها أولاً لتتأكد من عدم متابعة أحد المارة لها، كان ذلك الحقير محقًا، فورشته تقع في الجزء الهادئ من منطقتهم الشعبية، وقلما يمر أحدهم من هنا في تلك الساعة المبكرة، تمالكت أعصابها وخطت للخارج وهي تتلفت حولها، بات خيار العودة إلى منزلها واللجوء إلى والدتها مستبعدًا من تفكيرها، لن تقدم لها العون بأي حال من الأحوال، بل ربما تفضح أمرها بعويلها وصراخها المصحوب باللطم، تجسد في مخيلتها فجأة صورته، وكأن عقلها لا إراديًا يبحث لها عن الحل المناسب لمأزقها العويص، همست مرددة علها تبث الطمأنينة لنفسها:
-مافيش غيره اللي ممكن يساعدني، أيوه، هو وبس .. “أوس الجندي” …………………….. ………… !!
…………………….. …………………….. ..يتبع >>>>>>>
كان بحاجة للجوء إليه للأخذ بمشورته في التعامل معها بعد تأزم الموقف وتكرار الصدام بينهما فمن المحتمل أن يؤدي ذلك لتطور الأمور نحو طريق لا يحبذه، ربما استطاع بمرور الوقت أن يتعلم كيف يضبط أعصابه في أصعب المواقف هوجائية ويقوم من انحرافاته السلوكية، بل ويسيطر على جموحه العنيف ويكبحه إن لزم الأمر إن ظهر على السطح مهددًا بإحراق الأرض ومن عليها، لكنه لا ينكر أنه في بعض الأوقات يصل لحافة الانهيار ويكاد يفتك ويطيح بمن يقف أمامه، جلس “أوس” متصلبًا في المقعد المواجه لمكتب طبيبه النفسي د. “فهمي محفوظ”، سرد له بإيجاز ما دار مؤخرًا من مشادات كلامية وانفعالات ثائرة لزوجته، أصغى إليه الأخير باهتمامٍ كبير مدونًا بعد الملحوظات في الورقة البيضاء الموضوعة أمامه، تطلع إليه “أوس” بنظرة غامضة وهو يسأله باقتضابٍ:
-المفروض أنا اعمل إيه؟
أسند “فهمي” قلمه على الورقة لينظر إليه بابتسامة هادئة قبل أن يجيبه بحياديةٍ:
-طبيعي بعد الظروف اللي إنتو مريتوا بيها يحصل ده بينكم
رمقه بنظرة حادة غير مقتنعة بتبريره ليسأله بتهكمٍ:
-طب وأنا استفدت إيه بكلامك ده؟
رد الطبيب بحذرٍ:
-أنا هاحلل الموقف من منظوري الخاص، وأنا واثق إن حضرتك هتفهم قصدي إيه
علق باقتضابٍ:
-يا ريت
أخرج “فهمي” زفيرًا بطيئًا من صدره قبل أن يتابع موضحًا بنبرة عملية هادئة:
-كل واحد منكم ماضيه مأثر على تصرفاته، إنت بطبيعتك الميالة للعنف واللي كان تقريبًا حاجة أساسية في نمط حياتك، وهي بتجربتها السيئة معاك، وقت ما بيحصل خلاف بينكم وبتعجز عن إنك تحتوي عصبيتها بتهددها باللي قادر تعمله حتى لو بتمنع نفسك عنها، وهي بتشوف فيك الصورة القديمة بكل مساوئها
لم يقاطعه “أوس” واستمر في الإنصات إليه وهو يكمل بنفس الهدوء الجاد:
-ده غير إن من كلامك استشفيت إنها بتعاني من فقدان الثقة بنفسها، بمعنى إنها حاسة إنها أقل منك بكتير، سواء كان على المستوى التعليمي أو الاجتماعي أو حتى الثقافة اللي اتربى كل واحد منكم عليها، وده بيخليها حاطة نفسها في موضع مقارنة مع أي واحدة تانية حتى لو كنت بتحسسها إنها محور الاهتمام، هيفضل شعورها جواها ويزيد مع الوقت
سأله مهتمًا وقد بدا تفسيره مقنعًا إلى حد كبير:
-طب وإيه الحل؟
أجابه ببساطةٍ:
-قدملها الفرص المناسبة اللي تحسسها إنها قربت منك سواء فكريًا أو ثقافيًا
زوى ما بين حاجبيه مرددًا:
-قصدك تكمل تعليمها؟ على فكرة أنا معنديش مانع في ده
رد عليه مقترحًا:
-مش بس كده، تقدر تشوف هي حابة تتعلم إيه وتساعدها فيه وتشجعها تستمر وتكمل وتحفزها على النجاح وإنك معاها خطوة بخطوة، ده هيفرق معاها
شرد ليفكر في اقتراحاته العملية والتي ربما ستأتي بنتائجها المرجوة إن استطاع تنفيذها حقًا، حملق فيه “أوس” من جديد وهو يؤكد عليه:
-كمان المتابعة النفسية لتعزيز الثقة بالنفس وبناء جسر التواصل مع الأخرين مهمة جدًا، ضروري تكون إنت حريص أكتر منها على حضورها للجلسات دي، صدقني هيرفع من معنوياتها كتير ويفيدها زي ما هيفيدك!
لم يجادله في شيء بل رحب قائلاً برحابة صدر:
-تمام يا دكتور، وأنا موافق!
ابتسم “فهمي” لتجاوبه معه، وشعر في قرارة نفسه أنه استطاع إنجاز الكثير وإحراز تقدمًا ملموسًا مع حالة مرضية مستعصية كحالة مريضه الجالس أمامه، تفاءل كثيرًا بما يمكن أن يفعله “أوس” مستقبلاً لتحقيق الاستقرار النفسي والأسري ليس فقط لنفسه بل وللأقرب إليه .. زوجته.
……………………..
تململت ببطءٍ وهي تحرك ذراعها على الملاءة الناعمة باحثة عن الوسادة لتغطي بها رأسها بعد أن أزعجها صوت الدقات على باب غرفتها بالفندق، أرادت أن تستسلم لسلطان النوم لتخفف من حدة الصداع الذي يفتك بها جراء إفراطها في تناول الخمر ليلة أمس، نفخت بضيق وقد زاد الدق الحاد على الباب حتى بات وكأنه يدق في رأسها، اعتدلت “رغد” في نومها مسلطة أنظارها الناعسة على الباب، حركت جسدها لتنهض عن الفراش وهي تفرك خصلات شعرها المبعثرة بصورة فوضوية، لم تهتم بارتداء روبها الحريري لتغطي قميص نومها الأسود القصير الذي يصل إلى فوق ركبتيها بمسافة كبيرة يزينها قطعة من قماش الدانتيل، كما برز كتفاها ومفاتنها بشكل مُلفت للأنظار، ظنت في نفسها أن إحدى عاملات خدمة الغرف قد أتت في تلك الساعة المبكرة للقيام بعملها، كزت على أسنانها تتوعدها بحنقٍ:
-ده مابقاش فندق، بيشغلوا عندهم عالم أغبياء، مش بيفهموا، وأنا هاعرف الغبية دي مقامها
فتحت الباب وقد أفاقت سريعًا من نعاسها ليتلاشى أيضًا غضبها مع رؤيتها لابن عمها واقفًا عند أعتاب الغرفة بكامل هيبته وقوته، رفعت حاجبها للأعلى مبدية اندهاشها من حضوره الغريب، لم تتوقع على الإطلاق أن يعرف مكان إقامتها الحالي، بل ويأتي بقدميه إليها، خاصة أنه كان نافرًا من حضورها، رمقها “أوس” بنظرات احتقارية كارهة لها، وزدات نظراته ازدرائية حينما أطلت عليه بذلك المنظر المستفز والمشين في نفس الوقت وكأنها لا تبالي بتطلع الغرباء لجسدها، رفع يده للأعلى قليلاً ليشير بإصبعيه لحراسته التي تبعته بالابتعاد، نفذوا أمره صاغرين، لم يكن ليجرؤ أحدهم على التطلع إليها في حضرته، تشكل على زاوية فم “رغد” ابتسامة مستمتعة وهي تدعي الترحيب به:
-مش معقول، “أوس الجندي” بنفسه هنا عندي!
مدت ذراعها لتستند على الباب وباليد الأخرى عبثت بخصلات شعرها مرددة بغرورٍ ومتعمدة التغنج بجسدها أمامه:
-ده أنا لازم أتغر في نفسي!
أومأت له بحاجبها كتعبير عن ثقتها بنفسها وتلك البسمة المستفزة ما زالت تلوح على ثغرها، دفعها “أوس” بجمودٍ وبوقاحةٍ من ذراعها بعد أن نظر لها شزرًا ليتمكن من المرور للداخل، تأوهت بألم طفيف من إثر خبطته لتلحق به بنظراتها المزعوجة، اشتد كتفاه انتصابًا وهو يعلق قائلاً ببرود متعمدًا استفزازها بقسوةٍ:
-متعمليش لنفسك قيمة أوي!
في لحظة واحدة هاجت دمائها التي تحمست لرؤيته ليتحول الأمر في ثوانٍ معدودات إلى كراهية صريحة، تابع مكملاً باستهجان:
-لأنك رخيصة!
استشاطت عيناها على الأخير وتحولت ضحكتها اللعوب لعبوس مُضاعف بسبب كلماته اللاذعة التي جرحت من كرامتها وانتقصت من أنوثتها الزائدة، سارت خلفه لتمسك به من ذراعه، استدارت لتواجهه هاتفة بحدةٍ:
-إنت فاكر نفسك مين؟ جاي لحد عندي عشان ….
قاطعها بصيغة آمرة نافضًا قبضتها عن ذراعه:
-اسكتي واسمعيني للآخر
أرادت إشعاره بنفس ما تشعر به من غلٍ وغيظ لذا لوحت له بسبابتها هادرة:
-جاي تأمرني هنا، اتفضل اطلع برا
ورغم طردها المتعمد له إلا أن ملامح “أوس” بدت هادئة للغاية أقرب إلى الجمود عن أي شيء آخر، فرك طرف ذقنه ليرد ببساطة قاصدًا الاستخفاف بأمرها:
-لأ
احمر وجهها غضبًا وبدت نبضات قلبها مسموعة بقوة في أذنيها من فرط الانفعال، ضغطت “رغد” على شفتيها كاظمة ضيقها مؤقتًا بداخلها لأ فضولها يحثها على معرفة سبب زيارته لها، وضعت كفيها أعلى منتصف خاصرتها، بدت في وضعية متعصبة بسبب اهتزازات جسدها المتواترة بصورة ملحوظة، بالإضافة إلى ذلك الصداع المؤلم الذي يضرب برأسها ويكاد يفتك بها لعدم حصولها على قسط وافر من النوم، تجاهل “أوس” التطلع إلى ملامحها المتشنجة ليلقي نظرة شاملة على الغرفة، وقعت عيناه مصادفة على كأس الخمر والزجاجة الفارغة بجواره، أيقن أنها كانت تحتسيه حتى ساعة متأخرة، دنا من الطاولة القصيرة ليمسك بالزجاجة رافعًا إياها في مواجهتها قائلاً بنبرة متهكمة:
-شكلك لسه مفوقتيش من ….
لم تتحمل المزيد من سخافاته المستفزة لها، قاطعته بنبرة حادة وهي تنتزع الزجاجة من بين أصابعه لتلقي بها على الأرضية بعصبيةٍ:
-ملكش دعوة باللي بأعمله، أنا حرة!
رمقته بنظرات متحدية تحمل الغضب الجم، وبادلها نظرات جامدة خالية من الإشفاق أو حتى الاهتمام، نكست “رغد” رأسها قليلاً حينما تمكن منها الصداع، كانت تود العودة لسباتها أو لتناول بعض الأقراص القاتلة للألم، تابعها “أوس” بعينين مراقبتين لتصرفها المفهوم، شيعها بنظراته وهي تتجه للكومود لتبحث بداخله عما يسكن الوجع، كان هادئًا حتى أبعد الحدود في التعامل معها، لاح شبح ابتسامة باهتة على طرف شفتيه وهو يرد:
-رأيي لازم تصحصحي في الكلمتين اللي هاقولهم ليكي
باغتها بالقبض على ذراعها، شهقت عفويًا من إمساكه لها بتلك الطريقة التي أشعرتها بفارق القوى الجسمانية بينهما، حملقت فيه بعينين متسعتين، أحست بتوتر رهيب يجتاحها، وفي نفس الوقت أيقظ فيها مشاعرها الكامنة نحوه بحبها لطريقة فرضه سطوته وسيطرته على الآخرين، دق قلبها بعنفٍ وشعر هو بحالة التخبط التي انتابتها لمجرد تقريبها منه، أفاقت من شرودها السريع حينما قال:
-ماتعشميش نفسك أوي
صاحت بتذمرٍ:
-إنت بتعمل إيه؟
لم يجبها وسحبها خلفه نحو الحمــام، كان “أوس” بحاجة لجعلها في كامل وعيها لتستوعب جيدًا ما سيمليه عليها، فهو أكثر الأشخاص درايةً بتأثير الخمر على شاربيه، والطريقة الأمثل لإفاقتها كانت بجعل الماء البارد ينهمر أعلى رأسها ليحفز خلاياها، صرخت “رغد” محتجة على إمساكه بعنقها ودفع رأسها أسفل صنبور المياه لتغمرها بالكامل، شهقت وسعلت وقاومت، لكن دون جدوى، لم يكترث بحركاتها العشوائية لتتخلص من قبضته، كان مسيطرًا عليها حتى تأكد أنها صارت واعية بشكل أفضل، تركها للحظة لتتنفس بعمق حتى يهدأ سعالها، نفضت الماء عن عينيها ووجهها صارخة به بغيظٍ:
-إنت اتجننت
بدت تعابيره أكثر قسوة وهو يطوق عنقها بقبضة يده ليضمن عدم إفلاتها منه، كور كومة من خصلاتها المبتلة حول يده ليجذبها منه فأجبرها على رفع رأسها للأعلى لتتطلع إلى انعكاس ملامحه في المرآة، كان “أوس” يقف خلفها، يبدو أكثر طولاً، هيبة، مهابة، خشونة عن ذي قبل، استطرد قائلاً بجفافٍ من بين أسنانه:
-بصي كويس أوي للوش ده
ردت ساخرة وبغرورٍ محاولة استفزازه وفي نفس الوقت التقليل من شأن زوجته:
-إيه؟ شكلنا لايقين على بعض؟ طبعًا أحسن من اللي متجوزها، صح؟
هتف بخشونة وقد تصلبت أصابعه على عنقها لتشعر بقوة قبضته:
-بلاش تخشيلي من السكة دي أحسنلك؟
سألته بمكرٍ وهي تشير له بعينين عابثتين:
-أومال جاي هنا ليه؟
صمت للحظة لكنها بادرت بالإجابة لتفسد عليه أي إجابة مناسبة يحاول الرد بها عليها:
-أكيد عشان تحس بقوتك معايا، أنا فاهمة طباعك كويس
أظهرت شفتاه ابتسامة ساخرة من محاولاتها اليائسة للتودد إليه بشتى الطرق لتلفت أنظاره ولتحظى منه على القليل من الاهتمام، أظلمت نظراته مؤكدًا عن ثقة كاملة:
-غلطانة يا “رغد”، مش إنتي اللي هابصلك!
إهانة أخرى جارحة ضربتها في مقتل، وقبل أن تتحرك شفتاها لتنطق تابع بنبرة جليدية جمعت بين القسوة والعدائية:
-عاوزك تبصي للوش ده كويس، لأني عمري ما بأسامح في حق مراتي!
حاولت “رغد” التحرر من قبضتيه اللاتين تسيطران عليها بشحذ غضبها ضده، أفلتها عن عمد بعد أن استثار مشاعرها الحقودة نحوه وبدد آمالها في الحصول عليه، فركت عنقها بيدها لتخفف من وطأة الألم عليه، ثم نظرت له قائلة باستخفافٍ:
-بلاش الجو الرومانسي ده لأنه مش شكلك
لم يعبأ بالحماقات التي تتفوه بها، رد محذرًا بلهجة قوية:
-خليكي فاكرة كلامي ده كويس، لأني هاندمك على كل لحظة أذيتي فيها “تقى” بكلامك ولو كان فيها موتي!
مجرد ذكر اسمها والتشديد على حمايته لها حتى وإن كلفه الأمر حياته أغاظها على الأخير، وأشعرها بالغيرة الشديدة، فهي التي تكاد تموت كمدًا من الحسرة على عدم زواجها منه، وتتوق فقط ليشعر ولو بقدرٍ قليل بما تكنه له منذ سنوات، ورغم علمه بمشاعرها إلا أنه نبذ أي محاولة لها لخلق بذرة حبٍ بينهما، لم تتحمل تباهيه بمقدرته على الدفاع عن زوجته فسألته بحنقٍ:
-إنت ليه متمسك بالبتاعة دي؟ قولي، فيها إيه زيادة عن أي واحدة تانية دخلت حياتك؟ اشمعنى هي بالذات؟ تفرق إيه عن …
قاطعها بخشون لتبتلع باقي أسئلتها المتتابعة في جوفها:
-ولا كلمة زيادة عنها! متخصكيش!
باتت يائسة حد الموت لتحصل منه على لحظة يظهر فيها اهتمامه بها، وإن كان زائفًا، اقتربت منه لتتلمس صدغه بأناملها، رققت من نبرتها لتسأله بتنهيدة محبطة:
-أنا بنت عمك يا “أوس”، فيها إيه مميز عني؟ ليه مش قادر تحس بيا؟
رد بجفاءٍ:
–متقارنيش نفسك بـ “تقى”، لأنك صفر على الشمال جمبها
لم تلقِ بالاً لجملته المهينة لها، كانت أكثر حماسة لتلمس بشرته الرجولية، وضعت “رغد” يدها الأخرى على كتفه لتقول بأنفاسٍ حارة وبصوتٍ خفيض:
-“أوس”، أنا.. بأحبك وعاوزاك، عمري ما حبيت “أكرم”، هو جمبك ولا حاجة، و..
تقزز من أسلوبها الرخيص في الاقتراب منه، تراجع مبتعدًا خطوة للخلف وكأن عقربًا سامًا قد لدغه، صاح بإهانة أشد قسوة:
-راعي اللي متجوزاه، هو مش مالي عينك؟ سايبك هنا تدوري على حل شعرك
صرخت بعفوية معبرة عن مشاعرها الناقمة نحو زوجها:
-مش بأحبه ولا بأطيقه
علق ساخرًا بابتسامة باهتة:
-وأنا زيه!
ضمت شفتاها لتضغط عليهما بعد أن هاجت دمائها من نفوره الواضح ورفضه الصريح لها، وما زاد من غضبتها قوله المتفاخر بأصل زوجته المتواضع:
-بس الفرق بينا إني بأعشق مراتي، وقبل ما نكون أنا وهي لبعض فهي بنت خالتي!
هتفت بتهكم قاصدة تحقيرها:
-قصدك الجانب الكحيان في عيلتك
لم يتردد أو يندم في منحها صفعة مؤلمة لتفيق من أوهامها وأحلامها الرومانسية الواهية، تدلى فكها عن اندهاشة مصدومة وقد تألمت من قسوتها:
-آآآه
تحولت لمحاته لعدائية أشد شراسة وهو يتابع مهددًا:
-مش هاسمحلك
كزت على أسنانها متمتمة:
-إنت…
قاطعها بصلابةٍ وبنظرات تحتقرها:
-أنا قولت اللي عندي!
أولاها ظهره متجهًا إلى الخارج لتتبه مهرولة وهي تصيح به:
-استنى يا “أوس”، رايح فين؟ أنا مخلصتش كلامي
لم يلتفت نحوها أو حتى يرد عليها، فحديثه معها بات هراءً لا يُحتمل، أكمل سيره حتى بلغ الباب، فتحه وقبل أن يخرج من الغرفة منحها نظرة أخيرة عكست مدى تأففه منها، صفق الباب خلفه لتتجمد في مكانها وهي تشتعل غيظًا وحنقًا، كورت “رغد” قبضتها تتوعده:
-ماشي يا “أوس”
……………………..
-إيه اللي أخرك يا حلوة؟
غمغم “منسي” بتلك العبارة لنفسه وهو يتحسس شعيرات صدره مراقبًا حركة المارة من بقعة منزوية في الزقاق في تلك الساعة المبكرة من النهار حيث يتوجه الطلبة وبعض الموظفين الحكوميين إلى أعمالهم، لفظ دخان سيجارته –الملفوفة يدويًا- ليحبسه في صدره المتأجج بمشاعر مكبوتة يريد إفراغها، تابع حديث نفسه الموسوس:
-صباحنا عنابي، ما هو اللي ما يجيش بالرضا، يجي بالغصب!
لمح طيفها من على بعد فتأهبت حواسه لرؤيتها تمشي بخجلٍ، ألقى “منسي” عقب سيجارته أسفل قدمه ليدعسه قبل أن يتخذ موضعه، فرك كفيه معًا، وانتظرها كذئبٍ متربصٍ بفريسته، لم تتوقع أبدًا أن يباغتها من تمقته حتى النخاع في ذلك التوقيت الحرج وهي في طريقها إلى مدرستها، اعتادت أن تنزل مبكرًا لتلحق مكانها في وسائل المواصلات قبل أن تعج بالزحام، شعرت بيد تضغط على فمها بقوةٍ وهي تنحرف عند الناصية، انحبست أنفاسها مع صراختها وتلوت مقاومة بغريزة طبيعية، شعرت بقبضة أخرى أشد قسوة تضغط على صدرها وتسحبها نحو ظلامٍ ما، تضاعف خوفها ودار برأسها الهواجس، ظل ذلك الصوت المرعب الملامس لأذنها يردد بخفوت:
-ششش، اهدي!
شحب وجهها كليًا وقد أوشكت على تخمين هوية الفاعل دون الحاجة للتطلع إلى وجهه، أدخلها “منسي” إلى ورشته مغلقًا الباب الحديدي ليقلل من فرصها في الهروب إن حاولت ذلك، أفلتها من بين قبضتيه لتندفع لا إراديًا بعيدًا عن الجسد الذي التصق بها، استدارت لتنظر إليه بعينين متسعتين في فزع، خرج صوتها مهتزًا مرتعدًا وهي تسأله:
-إنت بتعمل إيه؟
حك مؤخرة عنقه بلزمة اعتيادية وهو يدور بنظراتها على تفاصيل جسدها متخيلاً إياها بدون ثيابها المدرسية التي تحجب عنه الكثير، ارتاعت من نظراته الجريئة نحوها واستمرت في تراجعها للخلف تتوسله باستعطافٍ:
-سيبني أمشي لو سمحت، وأنا مش هاقول …
قاطعها بزفيرٍ ثقيل:
-مش هاتمشي يا قطة
ارتجفت “هالة” من طريقته في الحديث وأيقنت أنها حتمًا وقعت في بئر الهلاك، ظلت أنظار “منسي” مسلطة عليها تتفرس كل تفصيلة فيها برغبة جنونية، ابتلع ريقه في حلقه الجاف متابعًا:
-ده أنا عاوز أقولك كلمتين
ارتعشت شفتاها هاتفة:
-سيبني أمشي!
تراجعت بخطوات أقرب للتعثر مبتعدة عنه كلما تقدم خطوة نحوها، بدا غير طبيعي وهو يقول بإصرار:
-مش قبل ما أعبرلك عن حبي
حاولت تهديده عله يرتدع فصاحت بشجاعة زائفة:
-لو ماسبتنيش أمشي هاصوت و…
كركر ضاحكًا ليجبرها على قطم عبارتها قبل إتمامها ليضيف بعدها بعدم مبالاة:
-محدش فاضيلنا السعادي، وبعدين دول كلمتين حب وغرام
شهقت بخوفٍ حينما تعثرت قدماها وسقطت على الأريكة البالية، وقبل أن تعتدل لتنهض من عليها طرح “منسي” ثقل جسده عليها ليحول دون حدوث ذلك، صرخت بخوفٍ وقد باتت محاصرة منه ومهددة بتلويث سمعتها وشرفها، ضربته بأقصى ما تستطيع بقبضتيها في صدره علها تزحزحه هاتفة بهلعٍ:
-ابعد عني
زادته مقاومتها إصرارًا ورغبة في الحصول عليها، استمتع بمقاومتها متسائلاً ببرودٍ وابتسامة سمجة متشكلة على وجهه:
-ليه بس؟ ده احنا بنتعرف!
انحنى عليها لينال قبلة منها تشبع به أشواقه وربما تدفعه للحصول على المزيد مما تتمنع به عليه، ورغم حالة الخوف المتملكة منها إلا أنها صدته بأقصى طاقاتها، أبعدت “هالة” وجهه المقيت ذي الأنفاس الكريهة عنها، وأشاحت بوجهها للجانب لتمنعه من الاقتراب منها، بكت بهيسترية تستغيث بمن بالخارج وقد أوشكت على فقدان مقاومتها أمام خشونته العنيفة وكلماته المهددة التي أكدت لها أنها لن تنجو ببدنها منه:
-ساعدوني
لم يعبأ بصوتها الذي اختنق مع بكائها وردد غير مكترثٍ بتبعات فعلته الهوجاء:
-صوتي للصبح، مش فارق معايا، وهاقول إنك جاية هنا برجليكي
أشعرتها كلماته الأخيرة أنه لا مناص لها منه، سينال منها حتمًا وقد بدأت قواها تخبو مع نشاطه العنفواني المتزايد، توسلته ببكاءٍ:
-حرام عليك، أنا عملتلك إيه؟
استمر في محاولته المستميتة لتقبليها مرددًا بصوت لاهث:
-أنا عاوزك
وبنظرات زائغة وعشوائية حاولت البحث عما يمكن أن يساعدها في إنقاذ نفسها منه، التقطت عيناها الباكيتان ذلك الثقل المعدني الذي يشبه ما يستخدم في حساب الأوزان والمُلقى بإهمال على الأرضية، أرخت “هالة” إحدى قبضتيها مضطرة لتتمكن من الإمساك بها، بالطبع استغل “منسي” الفرصة ليقترب أكثر منها وتلمس شفتاه جانب وجنتها، قبلها عنوة منه بعشرات القبلات، وزاد تقززها من اقترابه المهلك، تحاملت على نفسها حتى تمد ذراعها لتمسك بالثقل، كادت أصابعها تلامسه، بكت وجزعت وانتفضت وهو يزداد عبثية معها وهي شبه عاجزة عن صده، وما إن بلغته حتى قبضت بكامل راحته عليه لترفعه دون تردد للأعلى قاصدة ضرب رأسه به، صرخ “منسي” متألمًا من خبطتها المفاجئة، اعتدل متراجعًا عنها واضعًا يده على رأسه، ضربته “هالة” مجددًا بشراسة وكل ذرة في جسدها تنتفض بخوفٍ، فقد اتزانه مع الضربة الثانية فدفعته بيديها ليميل على جانبه ويُطرح أرضًا، شهقت باكية وهي تتأمل الدماء النازفة بغزارة من رأسه والتي لطخت وجهه، كتمت صرخة مفزوعة أوشكت على الخروج من حلقها، استجمعت نفسها لتنظر له بهلعٍ مرددة لنفسها بذهول مرتاع:
-أنا عملت إيه؟ أنا قتلته!
نهضت عن الأريكة لتعتدل في وقفتها، شعرت أن قدماها عاجزتين عن حملها، بحثت عن مهرب لها من ذلك المكان وهي تكاد لا تصدق ما أقدمت عليه، نظرت إلى ثيابها التي أفسدها بلمساته المحرمة فحاولت ضبطها، لكن ماذا عن الدماء التي تناثرت قطراتها على قميصها الأبيض؟ شل تفكيرها للحظات، حدقت فيه بنظرات متجمدة رغم انهمار عبراتها بكثافة، أصبحت “هالة” شبه متيقنة بعد أن استوعب ما اقترفته يداها بأنها خسرت كل شيء في لحظة، أحلامها، فرصتها في إكمال تعليمها، مستقبلها، سعادتها، وأخيرًا حريتها، لقد حولها “منسي” الوضيع في لحظة مجونه العبثية إلى قاتلة مذنبة.
زادت رجفتها وبمنطقية بسيطة قررت الفرار قبل كشف جريمتها، أطلت برأسها أولاً لتتأكد من عدم متابعة أحد المارة لها، كان ذلك الحقير محقًا، فورشته تقع في الجزء الهادئ من منطقتهم الشعبية، وقلما يمر أحدهم من هنا في تلك الساعة المبكرة، تمالكت أعصابها وخطت للخارج وهي تتلفت حولها، بات خيار العودة إلى منزلها واللجوء إلى والدتها مستبعدًا من تفكيرها، لن تقدم لها العون بأي حال من الأحوال، بل ربما تفضح أمرها بعويلها وصراخها المصحوب باللطم، تجسد في مخيلتها فجأة صورته، وكأن عقلها لا إراديًا يبحث لها عن الحل المناسب لمأزقها العويص، همست مرددة علها تبث الطمأنينة لنفسها:
-مافيش غيره اللي ممكن يساعدني، أيوه، هو وبس .. “أوس الجندي” ……………………..
……………………..