نوفيلا((المراهقة واللص))
الفصــل الـرابـع
المُراهقة واللّص
ــــــــــــــــــ
بهدوءٍ حذر ولج غرفة ابنته الكبرى بعدما انجلى النهار، حيث تركهن السيد “عزيز” ليلة أمسٍ معًا، حين ولوجه وجد ابنته “رنا” تدلف من المرحاض وهي تجفف وجهها بمنشفة صغيرة، تنبهت له قائلة بحضور ذهنٍ:
– بابا!، صباح الخير
ابتسم لها والدها بحسن طلعة، رد بوقارٍ:
– صباح الخير يا بنتي
ثم التفت إلى الفراش ليتطلع على ابنته الصغرى وهي غافية عليه، تحرك نحوها ومن خلفه “رنا”، سألها وهو يدنو من الفراش:
– هي عاملة أيه دلوقت؟
ثم جلس على الفراش ممررًا يده على رأس “جيداء” الغافية، ردت “رنا” ناظرة إليها:
– بقت كويسة، هي بس تلاقيها كانت خايفة من اللي كان بيحصل في الفيلا امبارح
اومأ والده رأسه مدركًا ذلك وقد اكفهرت تعابيره من تذکره ضیاع الأوراق تلك، ردد محاولاً تناسي ما حدث:
– طيب أول ما تصحى نروح النادي بما إن النهاردة الجمعة، ونقضي وقت حلو يمكن تنسى وتنبسط شوية
فتحت “جيداء” أعينها ببطءٍ حين استمعت لهما يتحدثان فنظر لها والدها مبتسمًا، قال بحنان:
– صباح الخير يا حبيبتي
ثم قبّل جبهتها فابتسمت له بتكلف، قال لها بمحبةٍ:
– يلا قومي علشان النهاردة هنروح النادي، مش كنتي دايمًا بتقولي أروح وأنا اقولك ذاكري، خلاص هنقعد اليوم كله هناك
رغم فرحتها من ذلك ظل ما حدث ليلة أمس راسخًا في رأسها، اعتدلت “جيداء” في نومتها محاولة اظهار فرحتها كي لا يرتابوا في أمرها، ردت بسعادة زائفة:
– حاضر يا بابي اللي تشوفه!
ضمها إليه هي واختها ليستندن على صدره برؤوسهن، قال بنبرةٍ حانية مكتنفًا إياهن:
– ربنا ما يحرمني منكوا يا حبايبي…….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
بعدما اغتسل توجه لخزانة ملابسه ليسحب منها ما يريد ارتداءه اليوم، وقف “أصهب” أمامها لبعض الوقت محتارًا حتى قرر ارتداء ملابس غير عملية فقد اعتزم الذهاب للنادي اليوم لممارسة بعض التمارين ليستعيد نشاطه، سحب المطلوب ثم شرع في ارتداءه، أثناء ذلك صدح هاتفه، توجه إليه ليُجيب ثم ابتسم بمكر حين علم بهوية المتصل، أجاب بعد وقتٍ متعمدًا التأخير، رد بهدوءٍ عاصف:
– أهلاً یا باشا
هدر الأخير بنبرةٍ متضايقة وقد تجهم بالكامل:
– فين الورق، ليه مبعتوش لحد دلوقتي؟!، وصلني إنه اتسرق
مط “أصهب” شفتيه غير مباليٍ بحالته، رد ببرودٍ مستفز:
– لما يبقى معايا هبعته!
هتف “رائف” بحنقٍ وغضبه يزداد:
– يعني أيه الورق مش معاك، اومال مع مين؟!
ابتسم “أصهب” بخبث حين ادرك هياجه من ذلك، حسنًا فهذا المطلوب، توجه للمرآة ليمشط شعره وهو يرد بنفس هدوءه:
– مش أنا اللي سرقته، أنا كنت في الحفلة معاك وبعت غيري، لما يوصلني هابقى اقولك واجبهولك بنفسي
ثم نظر لانعكاس صورته بثقة وهو ينثر بعض من عطره الخاص على كنزته، رد الأخير متسائلاً بقلق:
– وإنت واثق في اللي سرقه؟!
اتسعت بسمة “أصهب” المتشفية فيه، رد ليربكه أكثر:
– متضمنش حد اليومين دول، هو فيه حرامي تديله ثقتك
لم یتفهم الأخیر علیه فاکمل “أصهب” بمعنی:
۔ عمومًا لما يوصلني الورق هابعتهولك، أنا خارج، سلام يا باشا
ثم أغلق الهاتف ويعلو ثغره ابتسامة مغترة، تاركًا الأخير يستشاط غيظًا على الناحيةِ الأخرى ثم التقط مفتاح سيارته مغادرًا الشقة إلى النادي وهو يدندن ببعض الاغاني، بالفعل كان وصل “رائف” لقمة اهتياجه، ضغط على هاتفه بقوة كاد أن يكسره، دفع بعنفٍ مزهرية صغيرة كانت أمامه في غرفة مكتبه ليُفرغ تضايقه، صر اسنانه قائلاً بتوعّد:
– بتعلب معايا يا “أصهب”، طيب أما أشوف اخرتها معاك، شكلك نسيت أنا مين واقدر اعمل أيه.
أنهى كلماته ليشرع في مهاتفة أحدهم، وضعه على أذنه وهو ينتظر بترقب الرد وهو يهز قدمیه بحركةٍ عصبية، وصله الرد فهتف بنبرةٍ ضروسة:
– شوفت يا “فاروق” اللي حصل!، الزفت “أصهب” بسأله عن الورق بيقولي مش معاه وبعت حد غيره يسرقه، يعني الموضوع شكله كده مش هيعدي على خير
هتف “فاروق” بامتعاضٍ:
– اسمه أيه الكلام ده، إنت مش بتقول مالي ايدك منه، فيه أيه بقى؟!
رد الأخير بترددٍ وقد اكترب:
– هو يعني هيقدر يعمل أيه بيه، دا أنا أخلص منه في ثانية ولا كإنه كان موجود، مبقاش غير العيّل دا كمان!
رد “فاروق” بصوتٍ حازم أعرب عن عدم ارتضاءه:
– الورق يكون عندي، انت عارف الورق دا ممكن يعمل فينا أيه، هو صحيح مش فيه اسامينا بس فيه شغلنا اللي هيبوظ كله، يعني كده وكده هنروح في داهية علشان بيه هينكشف اننا ورا كل الصفقات المشبوهة اللي بتحصل
اعلن “رائف” عن تفهمه لكل ذلك قائلاً بمعنى:
– متقلقش إنت، أنا هتصرف معاه، ولو حب يلعب معانا هو عارف نهايته، خلينا نشوف أخرتها معاه
ختم “فاروق” معه الحديث ليتأفف بنفور، نهض من جلسته الخادرة في منتصف الردهة ليتوجه لمكتبه، هبط ابنه المُدلّل والوحيد الدرج فنظر له بجمود، قال “رأفت” مبتسمًا باشراق:
– صباح الخير دادي
تنهد والده متضايقًا منه حيث مرر أنظاره النافرة على ثيابه الغير رجولية بالمرة فتفهم الأخير نظراته ولكنه لم يكترث، هتف باستفهامٍ حانق:
– رايح فين كده إن شاء الله؟، أكيد رايح للصايع التاني
لوى “رأفت” ثغره للجانب قليلاً محرجًا، لم يعلق واكتفى بالصمت، ابتسم والده بسخرية عليه، قال ساخطًا:
– مش ناوي تتعدل بقى ولا الفلوس اللي بتديهالك امك كتير ومخلياك بقيت بتلبس زي البنات
هتف “رأفت” معترضًا وهو يتطلع على ثيابه:
– دي الموضة يا بابا، مش لِبس بنات
نظر له والده مستنكرًا بالمرة، هتف بتجهم:
– طيب أما أشوف أخرتها معاك.
لم يرتاح “رأفت” للحديث مع والده، رد باقتضابٍ وهو متهيئًا للرحيل:
– طيب يا دادي سلام بقى
ثم تحرك دون أن يستمع له، تعقبته نظرات والده الحانقة، ردد ساخرًا:
– يعني هتطلع حلو لمين، لابوك ولا لأمك اللي سهراتها كترت ومبقتش عارف بتروح فين……
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
بداخل النادي جلست “جيداء” مع والدها على إحدى الطاولات لتناول الإفطار، حضر الطعام ثم انتظروا مجيء “رنا” الذي تأخر، قال “عزيز” متنهدًا بضجر:
– اتأخرت قوي، متعرفيش هي راحت فين
نظرت له “جيداء” لتُجيب بجهل:
– معرفش يا بابي، اتصلت بيها تليفونها مشغول، تحب أروح ادوّر عليها يمكن في أي مكان يمكن بتكلم حد
قالتها باقتراح فهز رأسه موافقًا على ذلك، نهضت “جيداء” مبتسمة لتتحرك باحثة عن اختها….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
صف “أصهب” سيارته في زاوية ما ثم تحرك نحو الداخل، صدفةً وهو يعرج ليمرق عبر ذلك الممر ارتطم في تلك الفتاة تانية حين التصقت به، شهقت “رنا” باضطرابٍ وقد تفاجئت برؤيته مرة أخرى مما جعلها تتناسی أنها تهاتف صدیقتها، تقابلت عيناها بعينيه فسرحت في لونها الرمادي وهي مستندة على صدره، ارتبك “أصهب” من نظراتها ومن قروبها هذا، ابعدها عنه قائلاً بتوتر:
– باعتذر، عن إذنك
ثم تحرك ليغادر فتجرأت “رنا” حين أمسكت بذراعه، التفت لها “أصهب” مدهوشًا، قالت مبتسمة بتردد:
– أنا اللي أسفة، للمرة التانية واحنا بنتقابل كده!، صدفة غريبة قوي
ازدرد “أصهب” ريقه قائلاً بحرج:
– صدقيني لو تقصدي إني قاصد مش صحيح، أنا أصلاً معرفكيش
دنت منه فتأجج توتره، قالت برقة:
– أنا “رنا”، وإنت اسمك أيه؟
رد بتردد:
– “أصهب”
هتفت باعجاب:
– اسمك حلو قوي!
ابتسم بتصنع ليستدير مغادرًا فلم يعجبه الوقوف معها، انزعجت من ذلك لتلحق به، نتيجة ذلك ألتوت قدمها فصرخت متألمة وهي تذعن لسقوطها أرضًا، تحرك “أصهب” سريعًا نحوها حيث لم يبتعد كثيرًا، أمسك بها ليحملها بين ذراعيه، تعلقت بعنقه كابتة ابتسامة ماكرة فقد تعثرت فقط في خطواتها لكن قدمها بخير، استفهم بخشونة:
– حضرتك حاسة بحاجة؟
ردت بدلالٍ وهي تدّعي الألم:
– رجلي بتوجعني، بس هتبقى كويسة، بس لو سمحت ممكن توصّلني عند بابي، مش هاقدر أروح
تردد “أصهب” في ذلك، لكن رجولته وشهامته تدفعه لفعل الصواب، انتظرت “رنا” بشغفٍ أخفته رده، رد عليها بعدم ممانعة:
– طيب قوليلي قاعدين فين؟!…..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
جابت جميع الاماكن التي يمكن أن تذهب إليها تقريبًا باحثة عنها، تأففت “جيداء” بتضجرٍ ثم تحركت عائدة، لمحت من بعيدٍ فتاة تشبه اختها وشخص ما يحملها، ازداد انعقاد حاجبیها وهي تدقق النظر فيهما، شهقت حين تأكدت منها، ليس ذلك فقط سبب صدمتها، بالفعل كان هو حبيبها اللص، كزت على أسنانها بغيظ وهي تراهما معًا، شعرت بالغٍيرة تقتلها وتسارعت أنفاسها، لم تلبث مكانها حتى تحركت صوبهما وقد احتقن وجهها بحقدٍ جلي، انتبه “أصهب” لها فارتعد من وجودها، حيث جحظ عينيه مصدومًا وهو يحدق بها، قابلته “جيداء” النظرات بشراسة مضمرة، ظلت النظرات متبادلة بينهما حتى وصلت إليهما، وقفت امامهما فتنبهت لها اختها، توترت “رنا” من رؤيتها لها كذلك، قالت معلّلة ما تراه:
– تعالي يا “جيدا” شوفي حصل لاختك أيه، رجلي وأنا ماشية انجزعت
انتبه “أصهب” لاسمها الذي نطقته للتو، لا والعجيب من ذلك أنها اختها، يا للمصيبة فهذا يعني أنها أيضًا ابنة الوزير، شحب وجهه فجأة مما جعل “جيداء” تبتسم بمكرٍ وتشفٍ، نظر لها مرتبكًا وقد أحسّت به حين رمقته بنظراتٍ غير مفسرة ولكنها اربكته، مدحته بابتسامة مزيّفة:
– باين عليه شهم، كتر خيرك!
ابتسم لها بتوتر ولم يعلق، تدخلت “رنا” لتقول له بتلجلج:
– على فكرة بابي مش بعيد، ممكن تكمل جميلك وتوصلني لهناك
اومأ رأسه ممتثلاً لها، لم يجد ما يمنع رغم احراجه واضطرابه مما يحدث، فهو بات على وشك مقابلة ذلك الرجل الذي استلب أمس الاوراق من فيلته، تنفس محاولاً الهدوء والتحكم في توتره هذا، تحرك و”جيداء” من خلفه تأكله بنظراتها المتضايقة تارة والعاشقة تارة أخرى، لعن حظه السيئ الذي اوقعه في طريق تلك الفتاة فربما ستفضح أمره وهذا ما بات يخشاه، لكن هناك من جعله يفرح برؤيتها ولا يعرف ماهيته، وصل أخيرًا لطاولة والدهما السيد “عزيز” فازدرد ريقه من هيبة ذلك الرجل ثم أبعد نظراته قليلاً ليجد على مقربةٍ منه حرسه الخاص، انتبه لهم “عزيز” ثم نهض هاتفًا بقلق:
– “رنا”، مالك يا حبيبتي؟
اعتزمت “رنا” كسب الأمر لصاحها ومن ثَم توطد علاقة هذا الشاب الذي سرق قلبها بوالدها، قالت بألمٍ زائف وهي تمدح في “اصهب”:
– أصل يا بابي رجلي كانت هتتكسر بس “اصهب” لحقني، كان جنتل مان قوي ومسبنيش
نظر له السيد “عزيز” قائلاً بامتنان:
– متشكر يا استاذ “أصهب”
ابتسم له ” أصهب” بتصنع ثم أنزل “رنا” باحترازٍ لتجلس على المقعد فنظرت له مبتسمة برقة، بينما امتعضت “جيداء” من كل ذلك وتودد اختها له ثم نظرت له بنظرات مغتاظة تفهمها لكنها أعجبته، حيث لمح الغِيرة تشع من عينيها فكبح ابتسامة فرحة، هتف السيد “عزيز” بسماحة:
– اتفضل اقعد معانا
ثم أشار له لكن تردد “اصهب” قائلاً بحرج:
– لا مالوش لزوم، كفاية إن الآنسة بخير
هتفت “رنا” باصرار:
– لا مش هينفع تمشي، اتفضل معانا، على فكرة بابي وزير، معقول هترفض تقعد معاه
قالتها بمغزى جعله يُقلّب الأمر في رأسه فلما لا يتصاحب معه فربما تقرُبه منه لصالحه، قال بعد تفكيرٍ ناضج:
– طيب اللي تشوفوه
ثم جلسوا ليتناولوا الطعام معًا، وسط نظرات “جيداء” المتضايقة وكذلك نظرات “رنا” الودودة وهي تحاول سكب الطعام له، خدعته عيناه لينظر لتلك الفتاة التي سحرته وكان يجحف ذلك متجاهلاً دون عمدٍ النظر لاختها، لم تلفته اختها بتاتًا ليراها هي، كانت “جيداء” مستشعره نظراته لتختطف بعض النظرات نحوه، قطع ذلك الصمت السيد “عزيز” وهو يخاطب جيداء بمفهوم:
– على فكرة يا “جيداء”، خلاص كلها يومين تلاتة وهتتنقلي لمدرسة تانية
نظرت له “جيداء” مبتسمة بسعادة، بينما انتبه أصهب لحديثه فقطب بين حاجبيه متسائلاً، عن أي مدرسة يتحدث؟!، اكمل السيد عزيز حديثه بتوضيح:
– والحمد لله إن الترم الاول هيخلص وتاخدي التاني هناك، علشان متتعطليش، إنتي السنة الجاية هتبقي في سنة صعبة، تالتة اعدادي محتاجة تركيز، علشان تدخلي الثانوي مرتاحة، ولا محتاجاني انجحك كده من غير حاجة
ثم غمز لها فضحكت بخفوتٍ قائلة بثقة:
– لا يا بابي أنا شاطرة وبذاكر
لم تلاحظ “جيداء” نظرات “أصهب” المدهوشة عليها وهو يتأمل ملامحها وهيئتها المناقضة لعُمرها الحقيقي، بالفعل لمح البراءة في عينيها ولكن آخر ما فكر فيه أو ما سيلاحظه بأنها صغيرة بالعُمر، أجل ما زالت صغيرة ليحبها فقط، خدعته هيئتها وبات مسلوبًا الإرادة أمامها، حدق أمامه وقد انتفض قلبه بعدة دقاتٍ تعلن تذمرها لتصديق كل ذلك، اكفهرت ملامحه بشدة حين علم بتناقضهما، كل ذلك ليصبح اقترابه منها مستحيلاً، كانت هي على النقيض التفتت لتنظر إليه بجراءة متناسية ما حدث بينهما أمس، هي تحبه وانتهى الأمر، ركلته من تحت الطاولة في قدمه لينظر إليه فادار رأسه نحوها فابتسمت بمغزى وقد غمزت له، حركت شفتيها بكلمةٍ اربكته وجعلته يجفل تمامًا:
– بحبك
ارتبك بشدة ثم قرر عدم الخوض في هذه العلاقة الغير ممكنة، تعجبت “جيداء” من هيئته الكامدة لتعبس تعابيرها متضايقة، قطع كل هذا السيد “عزيز” يسأله:
– وإنت بتشتغل أيه يا “أصهب”؟ ……………………..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،