نوفيلا((المراهقة واللص))

الفصـل التـاسـع
المُراهقة واللص
ــــــــــــــــــ

بعدما انتهت تلك المهزلة كما وصفتها لم تلبث برفقتهم حتى تركتهم صاعدة لغرفتها، تحركت “جيداء” لترتمي على تختها باكية بحرقة وقد انفطر قلبها، كطفلةٍ صغيرة أطلقت العنان لصوت بكاءها الذي يغزو القلوب للرحمة بها، شهقات متتالية لم تتوقف أعربت عن مدى استياءها، رددت بنبرة مؤلمة:
– ليه تعمل معايا كده؟، إنتي وعدتني، أنا باحبك، أنا اللي أستاهل تكون معاها، أنا اللي شوفتك الأول
ببراءةٍ كالأطفال نطقت جملتها الأخيرة، عقلها لم يعي حتى مبرراته لتنتظر بلهفة أن يتقرب منها فقط، أن تصبح معه هو، توالى بكاءها ما بين شهقاتها الموجعة وتأنيبها له، في لحظةٍ دامغة وفكرها يدور حول ما يحدث من حولها توقفت عن البكاء، اعتدلت “جيداء” لتجلس على طرف الفراش وقد إنتوت له، هداها فكرها الصغير للإنتقام، للثأر!، فقد خدعها، صرّت أسنانها بغضبٍ فغيظها منه أثار بداخلها حقدًا على كليهما، رددت باستشاطةٍ:
– مش هسيبك تعمل معايا كده، إنت واحد حقير، قربت مني وعاوز تتجوز أختي، خدعتني بس مش هاسكت
بدت أنفاسها تتقطع من بكاءها الطفولي، نهضت “جيداء” متحركة نحو الشرفة لتنشق بعض الهواء ليتخلل رأتيها، أسندت ذراعيها على سور الشرفة لتحدث أمام أنظارها فاجعة كبرى، هو واختها يتبادلان الحديث بسلاسة معا في حديقة الفيلا، أحدت إليهما النظر بغضب وقد بغضتهما، ما شق قلبها الصغير ضحكات أختها وابتسامته كأنه لم يكسر قلبها هذا قبل قليل، انسابت عبراتها دون وعيٍ منها ولكنها كانت جامدة متصلبة النظرات عليهما، حزن عميق سبح بداخل روحها البريئة لتردد بهيئةٍ تائهة:
– ليه؟، ليه محبتنيش، ليه مش عاوزني أنا؟!
نطقت بتلك الكلمات بحيرة، لم تعي أن صغر عُمرها ربما سببًا في ذلك، مررت أنظارها الحانقة عليهما لتنفلت شهقة منها بالتزامن مع بكاءها الواجم، فكرها البريء لم يستوعب الكثير لتكمل بألمٍ:
– بكرهك “أصهب”!، ومش مسامحاك، ومش هخليك تتجوزها!!
بتوعدٍ هدرت بذلك وهي تحدق به باحتدام، في تلك اللحظة لمحها “أصهب” وهو يتحدث مع “رنا” حيث كان هو في واجهة الشرفة و”رنا” توليها ظهرها، ارتبك قليلاً ليتعثر في النطق ثم في وهلةٍ وعي لنفسه كي لا تلاحظ “رنا”، تتحدث “رنا” معه وهو مستمر في خطف النظرات لـ “جيداء” الذي يعلم بداخله كم الحزن المضطرم بداخلها ليزوغ فكره فيها، كثورٍ هائج رمقته جيداء بقسوة أشد حين وجدته يتطلع عليها وهذا ما وتّر “أصهب” من القادم، ليتوجس من ردة فعلها، قالت “رنا” مبتسمة برقة وهي تتأمله بحب:
– على فكرة فضلت كتير الفترة اللي فاتت لما قولت إنك هتسافر هتجنن علشان أشوفك، مكنتش مصدقة لما بابا قال إنك هتفضل معانا هنا
انتبه “أصهب” اثناء شروده في “جيداء” التي لم يرى غيرها الآن أنها تتحدث، قال محاولاً الإنتباه:
– كنتي بتقولي حاجة يا رنا؟!
قطبت “رنا” بين حاجبيها غير راضية، ردت بحزنٍ طفيف:
– إنت مش معايا ولا أيه!، أيه اللي شغل بالك مرة واحدة كده؟!، المفروض متفكرش غير فيا أنا
ازدرد ريقه متوترًا، رد مزيفًا ابتسامة:
– أنا فعلاً كنت بفكر فيكي، بس عاوز أنام علشان منمتش كويس
ابتسمت “رنا” بلطافة، ثم بحركةٍ مباغتة منها دنت منه لتقبّل وجنته رغم حياءها من ذلك فاشتد ارتباكه، ثم تلقائيًا نظر لـ “جيداء” ليراها تقف موضعها ويبدو الغضب على قسماتها، رددت بحقدٍ:
– حيوان!، مش هسامحلك
ثم تسارعت أنفاسها بغضب ليستأذن “أصهب” قائلاً باقتضاب:
– تصبحي على خير يا “رنا”
هزت رأسها مبتسمة برقة مرددة:
– وإنت من أهله!
إضطر “أصهب” للرحيل ليهرب من نظرات “جيداء” التي تخترقه كسامٍ طائشة، لا يعرف هو ماذا يبرر لموقفه المتعقد هذا، دون أن ينظر إليها إستدار متحركًا نحو غرفته، تعقبته نظرات “رنا” الودودة والمحببة، بعكس نظرات “جيداء” المستشاطة، قبل أن تراها أختها دلفت للداخل وهي تتمتم بحنقٍ لاعنة إياها، توجهت لهاتفها تريد أن تفاتحه في الأمر، أو ربما تلومه، تعنفه، لا تدري ماذا ستفعل، فقط أرادت بداخلها أن تستمع إليه، عقلها طفولي تريد الحل الودّي كونها ما زالت متعلقة به، شرعت في مهاتفته ثم انتظرت بتلهفٍ رده وهي تجلس على تختها، لكن الأخير لم يجب عليها، ليتأجج غضبها منه، عاودت مهاتفته لكن اللعين أغلق هاتفه، أخرجت صرخة مهتاجة وهي تهدر ببغضٍ:
– بكرهك، يا رب تموت، مبقاش أنا لو مخليتك تندم
ثم توعدت لا تدري ماذا تفعل معه، لكن بداخلها أرادت ذلك، ستفعل ما بوسعها لتنتقم منه، بات عدوها الآن كونه أحرق كل ذرة عشق بداخل قلبها، أذعنت “جيداء” لبكاءها المدروس ثم استلقت على التخت مستسلمة للبكاء والتفكير الغائر حتى أخذها لنومٍ عميق تخرج في أحلامها ما تضمره ……..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
بعد تضيق الخناق عليه واستمرار إرسال تهديدات له بالأخير جاء الخبر السار للسيد “عزيز” بوقوع “رائف” بالفخ، بعدما كلف شخصًا بمداومة بعث تهديدات وأوراق جعلته بالأخير يقبل المساومة، في الصباح جلس “عزيز” في مكتبه يستمع لصوت “رائف” وهو يبتسم بمكرٍ ليشجيه ذلك الصوت الذي طالما تمنی أن يخرسه، حدث نفسه ببهجة:
– والله ووقعت يا “رائف”، إنتي واللي معاك!!
ثم بعد ذلك قام “عزيز” بمهاتفة أحد المسؤولين ليخبره بما توصل إليه، منغمسًا في بعض المهام الذي سيتخذها لاحقًا، قطع جلسته الخاصة والعملية “جيداء” التي ولجت عليه غرفة مكتبه، انتبه لها “عزيز” ثم نظر لها باقتطاب، زيفت بسمة وهي تتحرك ناحيته بوجهها البريء، قالت بهدوءٍ ظاهري:
– صباح الخير يا بابي
ابتسم لها بتوددٍ قائلاً:
– صباح النور يا حبيبتي، خير، صاحية بدري ليه؟
أكملت سيرها ناحيته وهي تدور حول مكتبه حتى وصلت إليه وسط استغرابه منها، وقفت أمامه قائلة باستعطاف:
– ممكن يا بابي اروح عيد ميلاد واحدة صاحبتي
نظر لها “عزيز” غير قابلٍ ذلك ثم فتح شفتيه ليمانع، حينما أحست بأنه لن يرتضي سريعًا توسلت ببراءتها المعتادة:
– علشان خاطري يا بابي أنا مش باخرج كتير، دا عيد ميلاد وكل أصحابي هيحضروا، وهيبقى بدري مش متأخر، يعني مش هغيب لبليل
كشّر “عزيز” لا يريد ابتعادها فهو یخشى عليها فقط كونها صغيرة، لكنه لا يريد أن يحرمها ايضًا فتحير، بنظراتها وتعابيرها الرقيقة توسلت “جيداء”، فقال هو بتعليل:
– بس أنا خايف عليكي يا حبيبتي
بخبثٍ منها الزمت نفسها بإكمال مخططها، قالت بلطفٍ مصطنع:
– وكمان لو خايف عليا مش هابقى لوحدي، مش فيه “أصهب” بودي جارد، ولا حضرتك غيّرت كلامك، هيخرج معايا وهيرجعني وهيحميني أكيد، وكمان مبقاش غريب!
قالتها بتهكم داخلي وحقد ليتفهم عزيز مغزاها فهو قرر أن يزاول مهنته كما هي حتى يحين له الظهور ثانيةً، قال بتأكيد:
– لا زي ما هو بودي جارد، أنا اتفقت معاه إنه هيشتغل عندنا عادي على ما موضوعه ينتهي وأعرف مين عاوز يخلص منه
ابتسمت “جيداء” لتدفعه هيئتها وحديثها المعقول للقبول، بعد تفكيرٍ منه تابع بحكمة:
– خلاص يا “جيدا”، طالما “أصهب” هيكون معاكي ومش هتتأخري يبقى روحي أنا موافق
اتسعت ابتسامتها ثم انحنت عليه لتحتضنه وهي تهتف بمرح:
– حبيبي يا زيزو ربنا ما يحرمنا منك يا رب
ضحك “عزيز” وهو يراها سعيدة وتمازحه، قال وهو يشدّد من ضمها لأحضانه الأبوية:
– كل اللي بتمناه أشوف الفرحة الحلوة دي على وشك إنتي وأختك
نظرت “جيداء” بمكر أمامها وهي تحتضنه ليجهل نظراتها تلك ثم ردت بمغزى لم يتفهمه:
– هتشوف الفرحة يا بابا متقلقش….!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وقف أمام غرفة مكتب والده مترددًا في الولوج أو من عدمه، شعر “أنس” بالإحباط من عدم رؤيتها الفترة الغابرة ليحجب القدر كل السُبل أمامه للتمكن منها، ملجأه الوحيد هو إخبار والده بشأن هذا الرجل ويعني “أصهب”، وذلك حينما وجده أمس يخرج من الفيلا، ذلك يعني الألفة بين “عزيز” وبينه، اعتزم إبلاغ والده فربما يعاونه لتشتيت العلاقة بينهم والتخلص من هذا الرجل وذلك لصلة والده به فربما يمدحه والده، تحمس “أنس” ليدق الباب متأهبًا لإخباره….
ولج بعدما سمح له والده ثم ابتلع ريقه قائلاً بتوتر وهو يتحرك نحوه:
– بابا أنا كنت عاوز اقولك لحضرتك حاجة مهمة قوي!
أنصت له “فاروق” دون أن يعلق فتابع “أنس” باحتراسٍ لعلمه بهذا “أصهب”:
– أنا بالصدفة يا بابي سمعتك في الفون بتكلم حد عن واحد اسمه “أصهب” وإنه مات
انتفض “فاروق” من مقعده متوجسًا بشدة فأسرع “أنس” متابعًا:
– محدش عرف إن حضرتك اللي عملتها، دا إنت بابا وأكيد هخاف على حضرتك، دا أنا جاي لحضرتك في حاجة أهم
هتف “فاروق” بتعابيرٍ حادة:
– بتتجسس عليا، إنطق بسرعة تعرف أيه؟
اضطرب “أنس” ليجاوب بتوتر:
– أنا يا بابا لما سمعت حضرتك بالصدفة اتفاجئت إنه مامتش ولسه عايش، وإنه على علاقة بـ “جيداء” بنت أنكل “عزيز”، وكمان عايش معاهم في الفيلا وباين علاقتهم كويسة
اعتلت الصدمة هيئة “فاروق” ثم نهض لا إراديًا مدهوشًا، استفهم باستنكار:
– يعني أيه لسه عايش؟، أنا اتأكدت بنفسي!
يتحدث “فاروق” بعفوية مع ابنه متناسيًا ارتكابه جريمة قتل دون أن يحترس، بينما أكد “أنس” وهو يُحاذِر من غضبه:
– ممتش يا بابا، أنا متاكد منه، هو عند أنكل “عزيز”
انتبه “فاروق” لما يقوله ابنه وهنا استوعب الموضوع، حدق في الفراغ لينهمك في ربط الأمور، ربما تعاون مع “عزيز” للكشف عنهم، لا بل بالأكيد افتعل ذلك، وهذا يعني بأن من يهاتف “رائف” هو منهم أيضًا، اضطرب “فاروق” ليستحوذ عليه الخوف، ارتمى على مقعده ليغمض عينيه بأسى فقد انكشف أمره وقريبًا سيقع وسينتهي، تأمل “أنس” والده بخوفٍ منه كونه على علمٍ بأنه كلف بقتل أحدهم وهذا ما تناساه “فاروق”، ليصبح ابنه يجد أن فعل ذلك سهلاً، نظر لابنه الواقف أمامه ليأمره بصرامةٍ جعلته يخشاه:
– روح دلوقتي، والكلام اللي قولتهولي دا مش عاوز حد يعرف بيه خالص
اومأ “أنس” برأسه مرات متتالية مرددًا بانصياع:
– حاضر، اللي هتقول عليه هعمله!
ثم تحرك سريعًا نحو الخارج فاقتفى والده اثره مشدوهًا زائغًا في تلك المسألة، عاد لرشده حين تذكر “رائف”، انتفض باحثًا عن هاتفه ليخبره ليتخذ إحتياطاته، ضغط أرقامه سريعًا ليأتي الرد الفوري، هتف “فاروق” بضياع:
– شوفت المصيبة اللي حلّت علينا يا “رائف”…..!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ارتدت هذا الشورت القصير للغاية مع بلوزة من القماش الخفيف لتضحى شبه عارية وملفتة بكل تفاصيلها متعمدة ارتداء ذلك وما يحلو لها، ولم تضع أي مساحيق فقد أجلت ذلك لوقتٍ لآخر حين تخرج من الفيلا، انتهت “جيداء” من تجهيز نفسها ثم بخباثةٍ ارتدت سترة كبيرة تصل لركبتيها لتخبئة ما ترتديه أسفله، حملت حقيبتها ثم هدجت للخارج وقد أخذت قرار الإنتقام، لن تجعله يهنأ مطلقًا، وجدت والدها يخرج من مكتبه فمثّلت البراءة ثم ودّعته بابتسامتها الرقيقة قائلة:
– هروح أقول لـ “أصهب” علشان يوصلني، أصلي نسيت أبعت حد يقوله
ابتسم لها وقبل أن يرد هتفت “رنا” بضيق وهي تتحرك ناحيتهما:
– يعني أيه “أصهب” هيوصلها، مش المفروض بقى خطيبي وميصحش يشتغل عندنا
امتعضت “جيداء” لتنظر لاختها بغِيرة خفية، بينما وضح لها والدها بمعنى:
– يا حبيبتي أنا بعمل كده لمصلحة “أصهب”، مش في صالحه إن حد يشوفه اليومين دول، خليه متخبي لما نشوف قصته
تنهدت “رنا” بضيق وعبست لا تريد التقليل من شأنه، اهتمامها هذا أضرم الحقد في قلب “جيداء” التي تحاول عدم إظهار ما تشعر به، نظرت لوالدها قائلة بهدوءٍ زائف:
– همشي بقى يا بابي علشان متأخرش وارجع بدري
ابتسم لها والدها بلطف مقبلاً أعلى رأسها، ألقت “جيداء” نظرة على “رنا” لتودعها فرسمت الأخيرة شبح ابتسامة، دلفت خارج الفيلا وعقلها يملٶه الأفكار المتكدسة حول ما ستفعله الليلة، تحركت “جيداء” قاصدة التوجه إليه فهي لم ترسل من يخبره لتفعل ذلك بنفسها كونها تريد ذلك، بخفة يد ونظرات ماكرة دقت عليه الباب، بعد لحظات فتح “أصهب” ليتفاجأ بها فارتبك، ابتسمت بسخرية وهي تنظر إليه ومن هيئته بدا أنه كان متهيئًا للخروج، رفعت رأسها للأعلى وهي تخاطبه:
– أيه، متفاجئ إنك شوفتيني، مش كده؟
لم يرد “أصهب” فلوت ثغرها بتخكم ثم بيدها ابعدته من صدره لتمر للداخل وسط تعجبه، سارت “جيداء” لداخل الغرفة وهي تمرر أنظارها عليها وعيناها تتأمل اشياءه الخاصة، وقف “أصهب” من خلفها راسمًا الثبات ومدهوشًا من تصرفاتها التي تكبر عُمرها، بينما استدارت هي ناحيته قائلة بتعالٍ:
– انا كلمت بابي وقولتله إني خارجة، وإن إنت اللي هتوصلني وهتحميني ومسؤول ترجعني
لم يجد “أصهب” ما يقوله فتابعت باستهجانٍ وهي تدنو منه:
– مش إنت خدام عندنا، ولا أنا غلطانة
انزعج منها فعارض ذلك قائلاً:
– أنا مش خدام عند حد، أنا وعدت ابوكي إني هشتغل بودي جارد مؤقت على ما اشوف حل ليا، وكمان مش فضيلك شوفي غيري، أنا عندي مشوار مهم أهم ومش مهتم بكل اللي قولتيه
أطلقت ضحكة رنانة اصابت قلبه بنعومتها فحدق بها بعشق قرأته في نظراته، وقفت أمامه مباشرة قائلة بمغزى:
– وطبعًا عامل محترم أيه هيهمك، قربت مني وعاوز تتجوز اختي
ارتبك “أصهب” فابتسمت ساخرة، تابعت باحتقار:
– وكمان بتخدع بابا، خبيت عليه حقيقتك، لأنك كداب
هتف بغيظ وهو يحدجها بقسوة:
– أنا مش كداب، أنا عارف نفسي كويس، كل الحكاية إني مش عاوزوه يفهمني غلط، أنا كنت مضطر آجي هنا علشان الورق
– ومضطر تتجوز اختي علشان الورق؟!
قالتها بحزن وقد لمعت عيناها بالدموع، وجعت قلبه وهو يراها هكذا، لكنه رسم الصلابة قائلاً:
– إنتي صغيرة ومكنش ينفع اتجوزك، لسه العُمر قدامك
انصدمت من حديثه لتردد باستنكار:
– وكان فين كلامك ده لما قربت مني، لما وعدتني بالجواز، لما قولت بتحبني، مش حرام تعمل معايا كده وتتجوز اختي، نسيت لما……
ثم نظرت لشفتيه ملمحة بأنه قبّلها فتوتر، برر ما فعله بتلعثم:
– أنا مش عارف عملت كده إزاي، مكنش ينفع اقربلك واعتذرتلك على اللي عملته
اغتاظت فهل يجوز فقط اعتذاره، اهتاجت لتصفعه للمرةِ الثانية لكسره قلبها وعدم احساسه بما بداخلها، أحد “أصهب” النظر إليها متحكمًا في تعنيفها، حيث أهانته ثانيةً، لم تبالي به لتأمره بحدة:
– يلا علشان توصلني
ثم جاءت لتتحرك نحو الخارج فقبض على عضدها ليجعلها تقف أمامه، بادلها الصفعة التي جعلتها مصدومة متفاجئة وهي تنظر إليه واضعة يدها على خدها، هتف بغيظ:
– لو عملتيها تاني مش هيحصلك كويس، ومتفكريش إني بخاف من أي حد، في لحظة ممكن أمشي من هنا، بس قولت وجودي هنا هيسهل مهمتي إني أكشف اللي حاولوا يقتلوني
نظرت له “جيداء” بخوف لتجرءه عليها، تابع هو ممررًا انظاره عليها بازدراء ليخيب آمالها بالكامل:
– ولازم تعرفي إن الراجل بيدور على الست المحترمة، يعني اللي تحافظ على نفسها، مش تروح تتعلق بواحد وتقرب منه من غير حيا وجاية تقول عليه دلوقتي مش محترم، وكانت مستعدة تسلمله نفسها لو كان قرب منها
شهقت من وصفه لها وإهانته المتعمدة في شخصها، هي فقط تحبه فتألم قلبها من واقع كلماته المستهجنة، بعكسه هو الذي اجبرته بنزقها أن يقول ذلك، ردت بقوة زائفة منتوية له:
– ضربك ليا مش هعديه، وإهانتك كمان، تعالى يلا وصلني
ثم تحركت نحو الخارج ليتصايق من وصولهما لتلك المرحلة، تنهد بضيق ووجهٍ كالح ثم خلفها ليدلف للخارج مضطرًا لاصطحابه ليخشى أن تُذيع سره فقط الآن، ركبت هي السيارة من الوراء متعمدة احتقاره فكبح ضيقه ثم استقلها خلف عجلة القيادة، تحرك بالسيارة حتى دلف من البوابة الفيلا، سألها بتجهم:
– هتروحي فين؟
– سوق وإنت ساكت وهقولك وإحنا ماشين
قالتها باحتقار ليتحكم هو في نفسه أكثر، تعمدت عدم شلح سترتها إلا حين الإقتراب من الملهى الشبابي الذي ادّعت أنها ستسهر فيه، أشارت عليه ليقف فهي فقط تراه وهي تمر من امامه، وقف “أصهب” ثم لمحها عبر المرآة الأمامية تشلح سترتها ليظهر ما ترتديه بالأسفل من ثياب عارية فانصدم، لم تكتفي “جيداء” بذلك لتفاجئه بإخراجها العديد من مساحيق التجميل التي دستها في حقيبتها، ثم شرعت في تجميل وجهها وهي تمسك بمرآةٍ صغیرة، كذلك زادت من تزين وجهها بالمساحيق لإغاظته فقط، اهتاج ليعلن عن رفضه قائلاً:
– أيه اللي بتنيليه ده؟
ردت بعدم اكتراثٍ متعمد:
– وإنت مالك، مبقاش غيرك هيدخل في حياتي
ثم تابعت ما تفعله وسط تبرمه وقد ثار بالكامل، انتهت “جيداء” ثم ترجلت من السيارة بهيئتها العارية والتي تظهر مفاتنها بسخاءٍ، بدت اندفاعية فقط لتثير حنقه غير مدركةٍ دوافع ذلك، ترجل “أصهب” سريعًا خلفها فهو بالتأكيد لن يتركها هكذا، دلفت “جيداء” للملهى متوترة فهي لم تعرف أحد، رسمت الثبات حين وجدته يسير بجوارها فرسمت التعالي، تعمقت للداخل لا تعرف أين ستذهب لتحتار فهي ترى تلك الأماكن في التلفاز، وجدت طاولة ما فتوجهت لتجلس إليها وهو معها متماشيًا إلى الآن مع رغبتها، وقف بجوارها متسائلاً:
– فين أصحابك وفين العيد ميلاد؟
ازدردت ريقها بتوتر مجيبة بثباتٍ زائف:
– مافيش عيد ميلاد، أنا بس عاوزة أسهر
– نعم يا اختي!
هتف بها وهو يرمقه بضيق، ادعت عدم خوفه منه قائلة برعونة:
– خليك في نفسك، إنت هنا بتحرسني وبس
كز على أسنانه بقوة وشعرت به راسمة للبرود، هدر باستياء:
– قومي نمشي من هنا، مش ناقص حركات عيال أنا، بصراحة زودتيها ودا مش عاجبني، مش كفاية اللي عملاه في نفسك
ثم أمسك ذراعها بقوة ليجعلها تنهض فهتفت رافضة:
– إبعد عني بدل ما افضحك وهقول لبابا على حقيقتك أنا مجنونة وأعملها، إنت واحد كداب
ثم دفعته لتجلس مرة أخرى فخبط كفًا بكفٍ مضطرًا لقبول ذلك، لم تبالي به حتى جاء النادل، نظرت له جيداء قائلة بطيش:
– هات الحاجات اللي بيشربوها هنا
صرخ “أصهب” في نفسه مما تفعله تلك الغبية، بينما كانت “جيداء” تتصرف بجهولية كونها لا تعي ما حولها، أو تفطن النظرات التي تخترق جسدها وما هي نواياها، بعكس “أصهب” الذي يدرك ذلك وقد قتلته الغِيرة عليها، خاطبها بتعقل:
– “جيداء” اللي بتعمليه دا غلط، مافيش عيلة تعمل كده، عارف إنك زعلانة مني بس بجد مينفعش تعملي كده، لسه صغيرة ومش عارفة حاجة
لم تهتم بما يقوله كثيرًا لتردد:
– أنا حرة!!
شلح “أصهب” سترته حين انتبه لمن يحملق فيها، وضعها على كتفها قائلاً:
– طيب خلي دي عليكي
بغيظ القتها أرضًا، هتفت بتبرمٍ:
– أنا فهماك كويس، قبل كده قولت مش عاوزني ألبس كده، بس أنا بقى حرة وإنتي مش جوزي ولا أي حاجة علشان تتحكم فيا
قال باستياءٍ وقد ضجر من طيشها:
– وعلشان كده أنا مش عاوزك، لا يمكن ارتبط بواحدة بتعمل في نفسها كده
رغم حزنها من رأيه فيها قالت بمكرٍ جعله يثور:
– لو وحشة في نظرك كتير يتمنوني ولا اتعميت!! ….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
بنفس الملهى على البار كان يجلس “رأفت” وبجواره “أنس” يرتشفون الخمر، سرد له “أنس” ما حكاه لوالده فاغتم “رأفت” وهو يؤنبه:
– ليه يا “أنس” تقوله، كده الموضوع كبر وممكن يدخّلنا في حاجات مش قدها!!
هتف “أنس” بتثبيطٍ:
– ملقتش غير الحل ده قدامي، بقالها كام يوم مش بتخرج والبيه عايش معاهم وتلاقيهم مع بعض آخر إنسجام، قولت أما اقلبها عليهم أحسن
– طيب وهتوصلها إزاي، إنت عارف بنحاول معاها من قد أيه؟
استفهم بذلك “رأفت” وهو یتجرع كأسه دفعه واحدة، رد “أنس” بمكرٍ:
– متخفش منستهاش، “جيدا” دي أصلاً أجمل بنت شوفتها، وبصراحة كده شكلي بحبها
نظر له “رأفت” قائلاً بضيق:
– بس إحنا متفقناش على الحب، ولا ناوي تاخدها لوحدك؟!
ارتبك “أنس” لينفي بتضليلٍ:
– لوحدي أيه بس، أنا أقصد حبيتها قوي وعاوزها عادي!!
ارتاب “رأفت” في أمره حين شعر بنظراته المهزوزة التي فضحته في أنه يريدها وحده، بالفعل لن يسمح بذلك، لمح بطرف عينيه “جيداء” فالتفت لها بالكامل مدهوشًا من وجودها في مكانٍ كهذا، لكز الأخير مرددًا بذهولٍ:
– مش دي “جيدا”؟!
ادار “أنس” رأسه ليراها وبالفعل وجدها هي لينهض واقفًا محله، رد بدهشة:
– ايوة هي!، بتعمل أيه هنا دي؟!،
نهض “رأفت” قائلاً بخبث:
– جات برجليها
ثم تحرك خطوة ناحيتها ، لكن انتبه “أنس” لوجود “أصهب” فأمسك الأخير ليمنعه قائلاً بحذر:
– استنى دي مش لوحدها، هو معاها!
تأفف “رأفت” من وجوده هادرًا:
– وهنعمل أيه، مش ممكن نضيع الفرصة دي النهاردة، مش هنشوفها تاني كده
قال “أنس” بعقلانية ماكرة:
– متخافش، عندي حل هقولك عليه، علشان لازم الأول نبعده عنها وبعدين ناخدها من غير ما حد يحس، هنخوفها يعني
أعجب “رأفت” بالفكرة ليوافق عليها، هتف مستفهمًا:
– قول هنعمل أيه؟
رد “أنس” بقتامة:
– إسمع بقى هنعمل أيه!!…
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
لم يدرك “أصهب” وجود هذين الشابين وهما يتربصوا بهما وبما يخططوا له، كذلك لم ينتبه بأن هناك بعض الأعين التي تتابعه باهتمام من مقربة منه وإذا بهما رجلين ضخام الهيئة ومسلحين، لينشغل كل فكره لما تفعله لتلك الفتاة الطائشة وما تقوله لتأخذه الأحاديث المحتدمة معها، هتف أحد الرجال عبر الهاتف:
– اطمن يا باشا، في الوقت المناسب هنخلص عليه!!………..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

error: