نوفيلا((المراهقة واللص))

الفصـل الثـامـن
المُراهقة واللص
ــــــــــــــــــ

بهدوءٍ شديد تعامل “أصهب” مع هذا الموقف الذي وتّر اعصابه، ولمنع استرابة الأخير في أمره سريعًا كان مختلق الرد الصواب والأصح ليُخرج نفسه من تلك المسألة المتأزّمة، رد “أصهب” باطراقٍ وقد حاول التأني:
– إتفضل حضرتك اقعد وهفهمك كل حاجة!
نظر له “عزيز” بانصاتٍ ثم هز رأسه يريد فهم الموضوع، ليُخمد ثورة اندهاشه وفضوله، تحرك أولاً ناحية الصالون منتصف الشقة ومن خلفه “أصهب” الذي لمح “جيداء” تفتح باب الغرفة وتمد رأسها منها، رمقها بنظرة قوية ثم أشار لها بيده أن تتوارى ولكنها رفضت تريد الاستماع لما يدور بينهما، حيث ارادت أن يكتشف والدها وجودها برفقته كي يأمر بتزويجهما، وذلك كما ترى بالأفلام لتتسع بسمتها ويغتبط قلبها ثم انتظرت بشغفٍ ما سيدور بينهما من احاديث…
جلس “عزيز” على الأريكة ومن مقابيله “أصهب”، نظر له “عزيز” منتظرًا شرحه لسبب وجوده، تفهم “أصهب” فقال مبتلعًا ريقه بترددٍ:
– أنا كان عندي مشكلة مع ناس كده وحاولوا يقتلوني، بس الحمد لله هربت
انصدم “عزيز” ثم قال بعتاب:
– لما إنت واقع في مشكلة مطلبتش مساعدتي ليه وأنا كنت اتصرّفت مع الناس دي، مش اتفقنا نبقى أصحاب من آخر مرة
رد “أصهب” بارتباكٍ:
– ما أنا وقتها ملقتش غير “رنا” لما كلمتني وقتها، وبعدين طلبت مساعدتها وهي قالتلي على الشقة دي استخبى فيها مؤقتًا
وعي “عزيز” للأمر وهو يمط شفتيه متفهمًا، بينما تصلبت “جيداء” عند باب الغرفة وهو يتحدث عن أختها وليس هي، تسارعت أنفاسها الغاضبة وهي تكز على اسنانها تريد الخروج وإظهار نفسها لتنهي ذلك الهراء الذي يتفوه به، لكنها تأنّت للإستماع لبقية حديثه فربما هناك سببًا ما دفعه ليقول ذلك، قالت كاتمة ضيقها:
– ماشي يا “أصهب”، بقى هي “رنا”..
نظر له “أصهب” مستشفًا ما يفكر به، رد “عزيز” عليه بهدوء:
– طيب إنت دلوقتي عامل أيه، وبقالك كام يوم هنا؟
تنهد “أصهب” براحة حين انضوت عليه كذبته، رد موضحًا:
– مش كتير، أنا بس شركتي اتقفلت، يعني خلاص انتهت وعاوزة وقت ترجع ودا مش هيحصل غير برجوعي ليها
قال “عزيز” بثقة:
– إرجع وأنا معاك، مش عاوزك تخاف من حاجة، ازاي تستسلم كده بسهولة وتضيع مجهودك كده
هتف “أصهب” بشكيمةٍ:
– هرجع ليها إن شاء الله، بس مش دلوقتي، انا بس كنت عاوز من حضرتك طلب
هتف “عزيز” بحصافة:
– على طول أطلب متترددش!
ابتسم “أصهب” بتوتر قائلاً:
– كنت عاوز حضرتك متقولش قدام “رنا” على إنها ساعدتني، علشان هي كانت خايفة من حضرتك لما طلبت أقعد هنا، فيا ريت لو سمحت اعمل مشوفتنيش خالص هنا علشان وعدتها مش هقول حاجة لحضرتك
ابتسم “عزيز” وهو يوافق على ذلك حين قال:
– خلاص مافيش مشكلة، انا مش متضايق من وجودك، أصلاً بناتي طيبين قوي، وواضح إنهم خدوا عليك، شكلك يتحب بسرعة وباين محترم، بس أنا كنت أحب تطلب المساعدة مني، بس مافيش مشكلة طالما أنا واثق فيك
ارتاح “أصهب” على ثقته فيه وحديثه المُحبب للقلب، قال ممتنًا:
– متشكر قوي
نهض “عزيز” وهو يقول بمعنى وبيده حقيبة الأوراق ولم ينتبه لها “أصهب” من توتره:
– أنا دلوقتي كنت جاي علشان حاجة، هدخل مكتبي اعمل حاجة وبعدين ارجعلك
نهض “أصهب” هو الآخر وهو يردد مبتسمًا بودٍ:
– دي شقة حضرتك إتفضل!
تحرك “عزيز” لغرفة المكتب فتتبعته نظرات “أصهب” حتى ولج للداخل موصدًا الباب خلفه، تفاجأ بعدها بـ “جيداء” تلكزه من ظهره بعنف فاندفع خطوة مدهوشًا، التفت إليها فهمست بحقد:
– بقى هي “رنا” اللي ساعدتك؟!
نظر “أصهب” لباب المكتب قلقًا من خروج والدها في أي لحظة ومن ثَمّ رؤيتها، عاود النظر إليها هامسًا بانزعاج:
– ادخلي جوة دلوقتي وانا هافهمك على كل حاجة دلوقتي
– مش هادخل وهخليه يشوفني معاك
بدت غاضبة فاضطرب “أصهب” من عنادها الدائم، ترجاها قائلاً:
– علشان خاطري يا “جيدا”، مش هينفع يعرف إنك اللي ساعدتيني
ثم أمسكها من ذراعها متحركًا بها ناحية الغرفة، هدرت بضيق وهي تدفعه عنها محتجة:
– ليه بقى إن شاء الله؟!، لازم يعرف إنك عاوزني أنا
هتف “أصهب” باستنكار وهو يدفعها لداخل الغرفة:
– إنتي مجنونة، هو أنا بقوله جوزهالي، دا أنا بقوله هي اللي ساعدتني
نظرت له بوجهٍ عابس، تابع بتوضيح مدركًا عقلها الصغير:
– هي واعية عنك وكبيرة وأكيد والدك مش هيضايق من مساعدتها ليا، وكمان أنا مش عاوزو يعرف علاقتي بيكي خالص، لأنه هينكشف إني كنت جاي علشان اسرقه، ودا مش عاوزو يحصل على الأقل دلوقتي قبل ما أخلص من اللي حاولوا يقتلوني
ثم تأملها بترقبٍ ليرتاح قليلاً حين وجد ثورة غضبها تهدأ عن السابق، أكمل بحب:
– على فكرة قولت بحبك وخلاص، مش لازم تشكي في كده، وكمان وعدتك بالجواز، عاوزة أيه تاني
ابتسمت “جيداء” باستحياءٍ، سألته بتتیمٍ:
– هتطلب إيدي إمتى؟
تنهد “أصهب” لا يعرف أنه سيفعلها أو لا، رد بجهلٍ:
– مش على طول كده يا “جيدا”، يعني ينفع اقول لوالدك اللي ميعرفنيش قوي عاوز أتجوز بنتك كده وش
فتحت شفتيها لتتحدث فاستمعا لصوت والدها ينادي “أصهب”، ارتبكا الاثنان فهمس لها بتحذيرٍ:
– خليكي هنا، مش عاوز أسمع نفسك ولا يحس بوجودك
لم ينتظر ردها ثم تحرك للخارج مستجيبا لنداءه، نفخت “جيداء” بخفوت لتقنع نفسها بعدم الإستعجال، هو وعدها ويكفي…
في الخارج وقف “أصهب” أمامه باحترام محاولاً الهدوء، قال له “عزيز” بمفهومٍ بعدما فكر في شيءٍ ما:
– أيه رأيك يا “أصهب” تيجي عندي في الفيلا؟
نظر له “أصهب” عاقد الجبين لم يدرك ما يقصده، ابتسم “عزيز” قائلاً بتوددٍ:
– أنا حبيتك يا “أصهب”، وحابب تكون معايا، أيه رأيك تيجي تشتغل عندي بودي جارد للبنات
حدق به “أصهب” مشدوهًا، اردف “عزيز” بمعزى:
– بصراحة مش بثق في أي حد بسهولة، بس إنت ارتاحتلك، وكمان بيني وبينك عملت بحث صغير عنك لقيتك محترم جدًا وابن ناس، وعرفت عنك كل حاجة، ومش هقلل منك خلال شغلك عندي، دا بس مؤقت على ما أشوف موضوعك مع الناس دي
شرد “أصهب” في حديثه ليغوص في بحر أفكاره، تأرجح قراره ما بين قبوله ورفضه، هداه تفكيره بأن ذلك الصواب، قربه منه ربما فرصة سائغة للإنتقام ممن دمروا حياته، ربما فرصة للثأر من مقتل صديقه غدرًا، تنهد بعُمقٍ ليختار في نفسه أخيرًا، تابع “عزيز” بعقلانيةٍ وهو يحثه على الموافقة:
– ومحدش هيعرف إنك عندي، أنا خط أحمر، وعندي حصانة، يعني لو عرفوا إنك عندي محدش هيقربلك، هيخافوا
بدون نقاش رد “أصهب” بعزيمة:
– موافق
ابتسم “عزيز” باتساع قائلاً:
– تعالى يلا معايا دلوقتي، مش همشي من غيرك
ارتبك “أصهب” متذكرًا وجود “جيداء”، والتي تجلس على طرف الفراش بالغرفة تستمع لحديث والدها وقلبها يقفز فرحًا والسعادة ملأت قسماتها فسوف يضحى قريبًا منها، وبالأحرى سيعيش معها، كل ذلك جعلها تشعر بالأمل في القادم بأن تصبح له فقط، رددت في نفسها:
– الحمد لله، حتى بابي حبك زيي، بس يا ترى هتمشي معاه دلوقتي وتسيبني هنا؟!….
ثم صمتت لتستمع لرده، بينما في الخارج رد “أصهب” بتردد:
– إتفضل حضرتك هوصلك لحد تحت، وأنا هجهز نفسي وهتلاقيني عندك النهاردة
تنهدت “جيداء” بغبطة، في حين لم يمانع “عزيز” ليقول:
– خلاص اللي تشوفه يا “أصهب”، الليلة مستنيك تيجي……
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
في سيارة “أنس” ظل هو ورفيقه “رأفت” يتبادلان الأحاديث حول ما يحدث في الداخل ليتخيلا وجود مشادات بينهما حين يعلم والدها بوجودها في شقة رجل غريب، أثناء ذلك انتبه أنس لخروج “عزيز”، لا والطامة الكبرى خروج هذا الشاب الذي كلف والده بمقتله، ليُخالف ما يحدث توقعاتهما، لكز “أنس” “رأفت” في ذراعه قائلاً بذهول:
– إلحق بص وشوف بعينك!
أدار “رأفت” رأسه ناحيتهم فشهق مصدومًا حين علم بهوية الرجل الذي معه، ردد بعدم تصديقٍ:
– دا طلع هو اللي بتقول ابوك قتله، كده الموضوع بقى فيه حاجة مش طبيعية
رد “أنس” بشرودٍ وهو يحملق فيهما:
– أنا لازم افهم كل حاجة، يعني البت تبقى معاه دلوقتي، وتلاقيه أكيد شافها، وكمان شكله عارف بعلاقتهم، وبابا يخلي حد يقتله!، اوووف، الموضوع يجنن بجد أنا مش فاهم حاجة
ثم رج رأسه كأن ذلك فوق طاقته ليتفهمه، بينما رد “رأفت” بحيرة:
– ومين سمعك، أنا اتجننت خلاص
ثم انتبها لرحيل “عزيز” وصعود الشاب للمبنى ثانيةً، سأل “رأفت” بشغفٍ:
– هنعمل أيه دلوقتي يا “أنس”؟
كان قد اتخذ “أنس” قراره، رد بخبث:
– يلا نمشي، علشان مش أنا اللي هعمل، بابي اللي هيتصرف!
هتف “رأفت” باعتراضٍ:
– مش عاوزين ندخّل نفسنا في مشاكل، علشان عاوزين نبقى بعيد، إحنا عاوزينها هي وبس
قال “أنس” بعد تفكير:
– ما إحنا هنخلص منه إزاي، مش لازم نبعده علشان نعرف نقرب منها
رد “رأفت” باستهزاء:
– طيب ما ابوها شوية يعني علشان نخاف من التاني وننسى أبوها
هتف “أنس” لاعنًا غباءه:
– إحنا محدش يعرف باللي بنعمله معاها يا أهبل إنت، وأكيد طالما أبوها ساكت كده يبقى ميعرفش حاجة، إنما اللي كان مستنيها لما تخرج من المدرسة ده وهربت معاه أكيد حكتله على كل حاجة
سأل “رأفت” بعدم فهمٍ:
– طيب وتفسر بأيه معرفة أبوها بيه؟!
رد “أنس” نافخًا بحيرة:
– هو دا اللي مجنني
ثم صمت ليتابع بمعنى وهو يُشغل سيارته:
– خلينا نمشي من هنا قبل ما حد يشوفنا ونفكر بالراحة كده هنعمل أيه معاه!……
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
جاء الليل وكانت “جيداء ” قد وصلت للفيلا برفقة “أصهب” الذي قرر عدم الدخول الآن إلا حين يُقبل الليل، وذلك بعدما شرح لها وجهة نظره في عدم اخبار والدها بحقيقة الأمر، خاصةً أنه لم يعلمه بماهية الأوراق وأنه على علاقة بها، بعد أن قضى بداخل سيارته فترة قرر الولوج، قابله “عزيز” بترحيباتٍ حارة وبالأخص “رنا” التي تهللت أساريرها حين رأته، لمح والدها تلك الفرحة على وجهها فابتسم، ليرتاب في وجود شيءٍ يجمعهما، أو ربما حبًا متبادلاً بينهما كونها عاونته في شدته، ثم أخذ يفكر في شيءٍ ما….
بعد ذلك أخذ “عزيز” بنفسه “أصهب” للمكان الذي سيقطُن فيه، حيث اراد أن يتحدث معه بشأن أمر خاص، ولج “عزيز” لداخل غرفة كبيرة للغاية مرفقة بمرحاض راقي بجوار الفيلا، هي مخصصة للسيد عزيز حيث يتخذها كمكتبٍ يطالع فيه بعض المهام بعيدًا عن الفيلا، جهّزها اليوم لتستقبل “أصهب” الذي تجول بأنظاره على زواياها وجدها راقية تحوي أثاثًا باهظ الثمن وحديث، جلس “عزيز” على كرسي المكتب قائلاً بهدوء:
– أقعد يا “أصهب” عاوز أتكلم معاك
تحرك “أصهب” ليجلس على مقعد آخر كان قد سحبه ليكون بالقُرب منه دون أن يُعلق، تابع “عزيز” متنحنحًا بتردد:
– “أصهب” أنا لاحظت إن “رنا” باين متعلقة بيك، وكمان إنها تساعدك كده مش من فراغ، أكيد عملت كده علشان بتحبك
ازدرد “أصهب” ريقه وقد ارتبك، نظر له قائلاً بتوتر:
– مش فاهم إزاي يعني؟!
ابتسم “عزيز” ليرد شارحًا:
– “رنا” بتحبك وباين قوي
تبلّد أصهب في استيعاب كلماته حتى تجمدت الدماء في عروقه، جف حلقه واختلج بدنه ليسأل نفسه، كيف يعقل هذا؟، وماذا يريد من ذلك؟، سأل “عزيز” بحماسٍ داخلي:
– قولت أيه يا “أصهب”، طبعًا مش هتمانع ترتبط بيها؟!
كاد قلبه أن يتوقف عن النبض، وكادت أن تخور قواه، وُضِع في موقفٍ لا يتحمله أحد، ربما حديثه عنها بنى في مخيلته تلك العلاقة الغير موجودة، بحذرٍ رد “أصهب”:
– طبعًا يشرفني، بس أنا….
قاطعه “عزيز” بفرحة:
– خلاص اتفقنا، وأنا عارف إنك هتسألني إنك مش من مقامها ومش هتقدر تعيشها في نفس المستوى، صدقني يا “أصهب” كل دا ميهمنيش، أنا كنت راجل عادي على فكرة، بس بمجهودي وصلت للي أنا فيه الوقتي، ومتواضع قوي وبكرة تعرفني
لم يكن ذلك ما يفكر به “أصهب” أو ينتوي قوله، فتح شفتيه ليتحدث لكن لم يعطيه “عزيز” الفرصة ليقول شيء، نهض قائلاً بسعادةٍ بائنة:
– خلاص يا “أصهب”، جهّز نفسك يومين كده على ما تاخد على الجو هنا وتتعود علينا وتيجي تطلب إيديها مني، وبالمرة علشان يكون وجودك هنا يقربنا من بعض ويكون عادي
نهض “أصهب” وقد انجلى الذهول والقلق ملامحه، تركه “عزيز” بحالته المشدوهة تلك كمن أصابه سهمًا للتو وتركه ينزف، حدث نفسه برفض وحيرة:
– مش معقول إزاي!، حسيت إن جوازي منها مستحيل، يا ترى هتعمل أيه يا “أصهب”؟…….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
مرت الفترة الدابرة و”عزيز” ما زال يراسل “رائف” سرًا مستغلاً أحد رجاله الموثوق بهم، أراد أن يُوقعه “عزيز” في شر أعماله ليحصل على تسجيلٍ صوتي له، لكن الحقير كان يأخذ احتياطاته بشأن ذلك، لكن لن يمل من مداومة إرساله تهديدات صريحة له، في تلك الفترة لم تخرج “جيداء” من الفيلا وذلك ما أزعج “أنس” الذي بات منتظرًا خروجها لتنفيذ ما اتفق عليه مع رفيقه الأحمق “رأفت”، عن “أصهب” كان يرى “جيداء” بروحها الطيبة ولكنه كان في عالمٍ آخر وحالة كئيبة لم يعلن عنها…
جاء اليوم الموعود والذي على أساسه أخبر “عزيز” ابنتيه بحضور “أصهب” في مسألةٍ شخصية، ملمحًا بأنه زواج دون الخوض في تفاصيل، كل من ابنتيه ظنت الظنون بأنه جاء من أجلها، بدأن يتزيّن بأروع الحلي والفساتين الراقية….

بداخل غرفة “جيداء” كانت واقفة امام المرآة مرتدية فستان سهرة من اللون الأسود يصل لكاحليها، عاري الصدر والأكتاف، وعن شعرها هندمته بتسريحة رقيقة غير متكلفة، كما أنها لم تُكثر من وضع المساحيق كونه لم يحبها، قالت بأنفاسٍ مضطربة:
– أخيرًا خلاص!
ثم ابتسمت برضى على حالها وهي تتنهد بقوة لتتهيأ للخروج وقلبها ينبض بفرحة فقد حان الوقت ….

وعن “رنا” أنهت ارتداء ثيابها الراقية والتي تُشبه البذلة، أسفل السترة قميص من اللون الأحمر القاني، رفعت شعرها للأعلى مع وضعها للقليل من مساحيق التجميل، تحركت نحو الخارج وبداخلها يقين تام في طلب “أصهب” الزواج منها، فإن كان لا فمن إذا دونها…
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
بالأسفل جلس “أصهب” برفقة “عزيز” الذي اتخذت الفرحة مجراها عليه لتستفيض على كامل هيئته، في كلماته وضحكاته معه، بعكس “أصهب” الذي زيّف حتى البسمة كي لا يرتاب في أمره، ليُدرك في آخر المطاف استحالة ارتباطه بها، ثم في نفسه ابتسم بألمٍ منتظرًا بشجنٍ ما سيحدث إذا علمت “جيداء”، حيث عوّد نفسه على تقبُل الأمر فزواجه منها غير مقبولٍ ولا يصح وهي بهذا العُمر، قال “عزيز” بحماس:
– مبروك يا “أصهب”، بصراحة أنا سعيد قوي!
رد “أصهب” بشبح ابتسامة:
– أنا أسعد حضرتك..
هبطن الفتيات الدرج لينتبه الاثنان لهن، كانت “رنا” ممسكة بيد اختها وهن يتحركن ناحيتهما في صالون الفيلا منتصف الردهة، وزّع “أصهب” نظراته عليهن ثم رست بالأخير على “جيداء” بطلعتها التي استلبت قلبه، هتف “عزيز” بابتهاج جلي:
– تعالوا يا حبايب بابا
جلسن الفتيات بجانب بعضهن وهن يتطلعن بحبٍ وعشقٍ على “أصهب”، بداخل كل منهن مشاعر ما، لم يدرك “أصهب” منها سوى ما تشعر به “جيداء”، بسمتها الرقيقة تلك سيجعلها تختفي بعض لحظاتٍ، قال “عزيز” بشغف:
– “أصهب” جاي النهاردة علشان يبقى واحد مننا
اتسعت ابتسامة “جيداء” وهي تنظر له، كذلك “رنا” التي ابتسمت برقة وقد استحت، نظر “عزيز” لـ أصهب قائلاً:
– إتكلم يا “أصهب”
ازدرد “أصهب” ريقه بتوتر وهو يجاهد ليتحدث بهدوء، مرر أنظاره على من حوله ليجد جميع الأعين عليه، قال بنبرة سريعة لينهي كل ما يوتر اعصابه:
– أنا جاي أطلب أيد الأنسة “رنا”
ابتهجت “رنا” وهي تبتسم بشدة، بينما تلاشت بسمة “جيداء” وهي تحدق فيه مستنكرة ما تفوه به، نظر لها “أصهب” فرددت من بين شفتيها بذهولٍ:
– “رنا”! ……………………..………

error: