نوفيلا((المراهقة واللص))

الفصـل الحـادي عشر(قبل الأخير)
المُراهقة واللص
ـــــــــــــــــــــــ

– أيه اللي بتقوليه ده إنتي اتجننتي؟!
هدرت “رنا” بذلك وهي تنهض من تختها ملقية بعدم إكتراث باقة الورود على الأرضية، ذابت قوة “جيداء” لتتوتر منكمشة في نفسها وهي تلعن تهورها، وقفت “رنا” أمامها مُعيدة حديثها بنبرةٍ مهتاجة وقد قست نظراتها نحوها:
– فهميني أيه اللي بتقوليه ده، وأيه بينك وبين “أصهب”؟
ابتلعت “جيداء” ريقها بصعوبة وقلبها ينبض، نظرت لها ببراءةٍ وهي ترد موضحة:
– أنا شوفت “أصهب” الأول، وهو قالي إنه بيحبني أنا
أنصتت “رنا” لما تقوله اختها بذهول، لكنها انصدمت حين تابعت:
– وقرّب مني لما كنت معاه لوحدنا في شقة بابي في جاردن سيتي، ووعدني بالجواز
فغرت “رنا” فاهها غير مستوعبةٍ ما تقوله اختها الصغيرة، والتي لم تعي ماهية العلاقات إلى الآن، تأملتها “رنا” من منظور الأخوة ولم تعتبرها غريمة لها، هي صغيرة وتدرك ذلك، شعرت بأنه قد استغلّها الحقير، لكن رددت بإنكارٍ:
– بس إزاي “أصهب” يعمل معاكي كده، معقولة!
ردت بعفوية:
– “أصهب” مش وحش، هو كويس، بس قالي باحبك، وبعدين عاوز يتجوزك إنتي، أنا مش فاهمة ليه عمل كده!
تشنجت قسمات “رنا” وانفعلت هادرة:
– أنا مش مصدقة إنه يقرّب منك بكل بجاحة وعاوز يتجوزني، دا حرام أصلاً، البني آدم دا مش كويس ولازم بابي يعرف حقيقته
لم تنطق “رنا” بكلماتٍ أكثر حتى تحركت نحو الخارج مهرولة لتبلغ والدها، ارتعبت “جيداء” ثم ركضت خلفها معارضة بأنه سيئ، فقد خشيت تأزّم الموضوع وبالتالي لن يتقبله أحد…
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
هبطت الدرج برشاقةٍ كبيرة ثم سارت بانكتال ناحية مكتب والدها، دلفت “رنا” دون استئذانٍ ليتفاجأ بها وهي بحالة منفعلة، هتفت “رنا” بغضب:
– شوفت المصيبة يا بابا، الأستاذ اللي حضرتك أمنتله يدخل في وسطينا وعاوز تجوزه بنتك، طلع خاين ومستهلش
هب “عزيز” واقفًا وهو يردد باندهاشٍ:
– الكلام دا عن “أصهب”؟!
ابتسمت بتهكمٍ وهي تسرد خدعته الدنیئة موضحة:
– استغل “جيدا” وقرّب منها يا بابا، والحيوان جاي عاوز يتجوزني، شوفت البجاحة والوقاحة وصلت لفين!
تحرك “عزيز” ناحيتها وتعابيره هادئة بعدما استمع لها وهذا ما استغربت منه “رنا”، وعن “جيداء” كانت أمام باب المكتب لتستمع لكل ذلك وتخشى الولوج كي لا يُعنفها والدها، هي بالفعل كالأطفال لكن بداخلها رفضت الحديث عن “أصهب” بهذا الشكل، تفاجأت بحديث والدها الهادئ فاندهشت، قال “عزيز” بتروٍ:
– إهدي يا “رنا”، أنا عارف كل حاجة!!
شهقن الفتيات في نفسٍ واحد رغم بُعد المسافة وقد بدت عليهن الصدمة، رددت “رنا” باستنكارٍ:
– عارف إنه كان مع أختي وقرّب منها وعاوز يتجوزني أنا
رد نافيًا ذلك:
– لا الموضوع مش كده، “أصهب” ولد كويس وحكالي على كل حاجة بعد ما جه هنا، بس موضوع جوازه منك كنت أنا السبب
حدقت في والدها بعدم استيعاب، تابع موضحًا:
– أنا اللي روحت وقولتله مش هلاقي أحسن منك يتجوز “رنا”، وهو علشان ميزعلنيش وافق، بس بعدها كلمني وقالي إنه بيحب “جيدا” ومينفعش يتجوزك وهو بيفكر فيها، كذبه عليا هو اللي خلاني افكر فيه بينكم حاجة
بدت تعابير “رنا” تتبدل للحزن والدموع تتجمع في مقلتيها فالمفاجئة أكدت نفسها، بعكسها “جيداء” التي ابتهجت في الخارج واتسعت بسمتها، في تلك اللحظة ولجت متحمسة، رددت بمسرةٍ وهي تدنو منهما:
– “أصهب” مش وحش، شوفتي يا “رنا” قال لبابي إنه بيحبني أنا
قالتها لاختها التي نظرت لها بطرف عينيها وعلى ثغرها بسمة حانقة، نظر لها والدها قائلاً بصلابة:
– “جيدا” الكلام اللي بتقوليه دا عيب، مينفعش بنت في سنك تقوله، وأنا قولت لـ “أصهب” إن حتى جوازه منك مستحيل
انصدمت “جيداء” مستفهمة بحزن:
– يعني مش هتجوزني “أصهب”؟
رد بحزم:
– مستحيل أجوزك ليه وأختك كانت عاوزاه، وتاني حاجة إنك صغيرة ومش هجوزك لأي حد دلوقتي، وهو عارف دا كويس وفهمته ميتكلمش غير لما أنهي موضوعه الأول وأخليه في أمان، بس مش عارف ليه الموضوع اتفتح مع إني نبهت عليه
تساقطت بعض العبرات من عيني “جيداء” لا تريد ذلك وهي تتوسل والدها بهيئتها الرقيقة، بينما اشفقت عليها اختها ولأول مرة تشعر بقرّبها من أحد لهذه الدرجة، بكت “جيداء” بحرقة وسط نظرات والدها القاسية، هتفت ببكاء:
– جوزني “أصهب”، أنا ماليش ذنب أنا حبيته، متزعلنيش يا بابي
زفر “عزيز” بضيق قائلاً بأمر:
– إتفضلي على اوضتك، ومش عاوز اسمعك تتكلمي في الموضوع دا تاني، و”أصهب” دا عاوزك تنسيه، إنتي فهماني
ارتعبت “جيداء” من نبرة والدها الصارمة، تحركت نحو الخارج راكضة وهي بشدة، نظرت “رنا” لوالدها وكادت أن تتحدث، أشار لها بالصمت قائلاً بهدوء زائف وتعابيرٍ عابسة:
– إتفضلي يا “رنا” إنتي كمان، كده الموضوع بقى واضح وإنتي عاقلة وفاهمة ومش هتعملي زيها
هزت “رنا” رأسها بانصياع كونها ادركت الموقف، لكن بداخلها لم ترغب في انقلاب الأمر هكذا، قالت باستئذان:
– حاضر يا بابا عن إذنك
ثم دلفت للخارج فتابعتها نظرات والدها التي تضايقت، هو أراده لابنته واتضح بأنه يحب الأخرى، قال بخيبة أملٍ:
– يا خسارة يا “أصهب”،كان نفسي تكون لواحدة من بناتي، بس أنا مُضطر اعمل كده علشان مزعلش واحدة على حساب التانية….!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
جمع اغراضه في حقيبة يد شبه كبيرة متهيئًا للرحيل، هو يعرف نهاية ذلك لكنه سترها بداخله، أخبره السيد “عزيز” بقراره لكنه كان بداخله متأملاً في تغييره، تنهد “أصهب” بحزن ثم وضع الحقيبة على التخت ليحكم ربط حذاءه حين جلس على طرفه، انتبه لدق الباب فارتجف بقلقٍ وبداخله يعلم بانتهاء كل ذلك، نهض ليفتح الباب وهو يسير بتردد، انقبض قلبه حين وجده السيد “عزيز” ليتيقن ما كان متوقعه، لم ينطق “عزيز” بل مرق ليولج الغرفة، خلّفه “أصهب” فنظر له “عزيز” قائلاً باقتضاب ذات مغزى:
– “رنا” عرفت!
على الفور تفهم “أصهب” تأزّم الموقف، تابع “عزيز” بمعنى:
– أنا قولتلهم على قراري اللي قولتهولك، هي “جيدا” زعلانة شوية بس هي صغيرة ومع الوقت هتنسى، يمكن تكون متعلقة بيك وخلاص كده
نظر له “أصهب” كمن انشق قلبه لنصفين وهو يعلم رحيله المُجبر عنها، لكنه احترم قراره قائلاً:
– اللي تشوفه حضرتك أنا هاعمله، أنا حكيتك الحقيقة لما الموضوع خد منحنى تاني علشان متفهمنيش غلط
هز “عزيز” رأسه قائلاً باعجاب:
– أنا مبسوط منك يا “أصهب”، لولا حتى مساعدتك مكناش عرفنا حتى نعرف الناس اللي عاوزين يضيعوا البلد، وإن شاء الله هيتقبض عليهم، أنا كلفت سيادة اللواء إنه يبعت أمر بالقبض على “رائف”، علشان هو اللي هيقول على الكل، والتسجيل اللي يدينه معانا
تنهد “أصهب” بقوة متسائلاً:
– طيب ومطلوب مني أيه دلوقتي؟، لو حضرتك عاوزني أمشي حالاً معنديش مانع!!
كان قد لمح “عزيز” حقيبته، رفض ذلك الآن مرددًا بعقلانية:
– لا مش دلوقتي، طول ما إنت هنا هتبقى في آمان، لما يتقبض على “رائف” وغيره ممكن تمشي
ابتسم “أصهب” قائلاً بامتنان:
– متشكر قوي، حد غيرك مكنش اهتم بأمري قوي كده، حضرتك امبارح ساعدتني كتير لما كلمتك وحكيتلك على اللي حصلنا أنا و”جيدا”، والحمد لله ربنا ستر ومحصلناش حاجة
بادله “عزيز” البسمة قائلاً بحنوٍ وهو بربت بلطف على كتفه:
– الحمد لله، أنا أعتبرتك من أول لحظة زي ابني، أنا لماح وعرفت فيك الاحترام، بس معلش على الظروف اللي هتخليك تبعد عننا، وبإذن الله ربنا هيقف معاك
أخفض “أصهب” رأسه يائسًا رغم كلماته المحفزة، ادرك “عزيز” حالته لاعنًا مشيئة القدر، لكن قدر الله وما شاء فعل، بعد ذلك تنبّه الإثنان للحراس من الخارج يصدرون أصوات ما، اضطرب “عزيز” مستفهمًا:
– يا ترى بيحصل أيه برة؟!
– مش عارف
قالها “أصهب” بجهل ثم هرع الاثنان نحو الخارج لرؤية ما يحدث؛ في الخارج كان الحراس يمسكون بهذين الرجلين المرابطين أمام الفيلا، تحرك “أصهب” خلف “عزيز” وهو يدقق النظر فيهما، هتف “أصهب” بشغف:
– أيوة دول اللي كانوا بيجروا امبارح ورانا
هتف “عزيز” بأمرٍ صارم حين علم بذلك:
– بسرعة يتسلموا في القسم علشان تاخدوا أقوالهم، هيفيدونا جدا في اللي هيقولوه، وشددوا المراقبة عليهم…..!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
لاحقًا، في مطار القاهرة كان يمسك بصالة المغادرة حقيبة من النوع النفيس، لكنه كان متنكرًا بعض الشيء ليُخفي هيئته الحقيقة، راقب “رائف” ببؤبؤي عينيه من تحت نظارته الشمسية ما حوله وهو ينتظر بتوتر أن تحلق به الطائرة، لكن هيهات من ذلك فكان مراقبًا، تفاجأ في لحظة بمجيء عدد من رجال الأمن ناحيته فارتعد في جلسته وقد امتقعت قسماته، حاوطوه ليشتد خوفه، قال الضابط المكلّف:
– اتفضل معانا يا “رائف” باشا، متفكرش إنك لما هتتنكر كده مش هنعرفك، إحنا مراقبينك من زمان قوي
نهض “رائف” وهو تكاد لا تحمله قدماه، ازدرد ريقه وجسده يرتعش، أمسكه رجال الأمن كل منهما بذراع، مرر أنظاره الخائفة عليهم وقد علم بنهايته، لكن لم يعي النهاية الحقيقية التي تنتظره، في لمح البصر أثناء سيرهم به تفاجئوا به قد سقط من أيديهم فاندهشوا، سريعًا انحنى الضابط ليتفحصه مرتابًا بأنه اغشي عليه، لكن الحقيقة وضحت حين رأى الدماء، هتف الضابط بحزمٍ ونظرات حادة وهو يعتدل واقفًا:
– بسرعة فتشوا المكان، دا انضرب من سلاح كاتم للصوت!!
حدثت حالة من الهرج والمرج في المكان، جاءت سيارة الإسعاف لأخذه وأثناء فحصه تبين وفاته الفورية، هنا انتهت قصة “رائف” وهو السبيل لكشف البقية، فماذا إذًا عن القادم….!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وصل الخبر لـ “فاروق” الذي كان متخذًا حذره، جمع فقط بعض الأوراق الضرورية ليرحل من البلاد، حيث اودع أمواله في أحد البنوك السويسرية، دلف من مكتبه حاملاً تلك الاوراق في حقيبة صغيرة، ردد عبر الهاتف بنبرةٍ مهتاجة صارمة للطرف الآخر:
– الطيارة الخاصة تكون جاهزة دلوقتي، دقايق وأكون عندك
ثم تحرك بخطوات زموعة ناحية باب الفيلا، رآه ابنه الوحيد “أنس” فسأله وهو يقترب منه حيث استمع لحديثه:
– مالك يا بابا، فيه حاجة حصلت علشان تسافر؟!
رد على عجالةٍ:
– أنا مسافر ضروري، شوية وهبعتلك تحصلني، خلي بالك من نفسك يا أنس
ثم ربت على كتفه ليخرج من الفيلا قاصدًا مغادرة البلاد، هتف “أنس” بتوجس:
– طيب حتى فهمني حصل أيه؟!
لم يجد الرد حتى وجد والده قد رحل وتركه، انتبه لهبوط والدته الدرج فتوجه ناحيتها، خاطبها ببراءة:
– بابا سافر يا مامي!
ردت بعدم إكتراثٍ وهي تنظر لساعة يدها الثمينة:
– ما يسافر، أيه المشكلة، وسع كده علشان مش فاضية وهروح شرم أسبوع مع أصحابي
– يا ماما كلميني زي ما بكلمك، أنا حاسس إني مش ابنكم
قالها باستياءٍ لكنها لم ترد عليه حيث جاءها اتصال أهم منه في نظرها وهو من أحد الرجال التي تخون زوجها معه، أجابت وهي تضحك غير مباليةٍ بابنها وهي تتحرك نحو الخارج، اقتفى “أنس” اثرها حزينًا من استهتارهم، ليجد نفسه بالأخير وحيدًا في هذا المكان، ردد ببٶسٍ:
– حرام عليكوا، بتخلفونا ليه طالما مش قد المسؤولية
لحظات بعدها وولج عدد كبير من أفراد الأمن المسلحين، بدا “أنس” مرعوبًا وهو يمرر انظاره المهزوزة عليهم، هتف الضابط بأمر:
– فتشوا الفيلا وأي حاجة تلاقوها اتحفظوا عليها
لم يعي “أنس” شيء ليتفوه بكلمة، نظر له الضابط مدركًا هويته، قال بنبرة زادته رعبًا:
– ودا كمان هاتوه على القسم، وشمعولي الفيلا……..!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
بكفي يديها كفكفت عبراتها الغزيرة ثم اعتزمت الذهاب إليه، هبطت “جيداء” الدرج سريعًا لتلحق به لعلمها برحيله الآن، دلفت من الفيلا لتجده متهيئًا لركوب سيارته، لا إراديًا تشبثت به قائلة باصرار:
– متمشيش وتسيبني، خدني معاك
نظر لها بحسرة، قال بابتئاسٍ:
– خلي بالك من نفسك يا “جيدا”، لسه العُمر قدامك
– أنا عاوزة آجي معاك إنت
بعزيمةٍ قالت ذلك ويديها لم تتركه ونظراتها تستجديه، لم يعرف ماذا يجيب لكن والدها أتى من الخلف قائلاً بحدة:
– جيدا إطلعي على اوضتك فوق
لم تنصت لوالدها لترد بقلة احترامٍ:
– ملكش دعوة بيا، خلي “أصهب” يتجوزني، ليه هتخليه يبعد عني؟
التمس لها والدها العُذر لصِغر سنها، لم يرد عليها بل خاطب “أصهب” بجمود:
– يلا يا “أصهب” امشي!
اومأ برأسه ممتثلاً لأمره ثم ابعد يديها ليستقل السيارة، لم تذعن “جيداء” لتمنعه صارخة بانفعالٍ:
– مش هتمشي
ثم جذبته ليخرج فحزن “أصهب” لرؤيتها هكذا والعبرات تنهمر من عينيها البريئة، في تلك اللحظة أمر “عزيز” حراسه بأن يمسكوا بها، صرخت حين ابعدوها عنه هادرة:
– ابعدوا عني
لم يتحمل “أصهب” ذاك الجو المشحون حتى انطلق بسيارته بسرعةٍ فائقة كي لا يستمع لصوتها الذي يفطر قلبه، في شرفتها بالأعلى كانت تتابع “رنا” كل ذلك بأسى، بالفعل اتخذ والدها القرار السليم في تلك المسألة، لكن من تحملت العذاب كانت “جيداء” بمفرها، وذلك حين رحل وتركها أمام ناظريها لم تتحمل وتصمد كثيرًا حتى سقطت مغشيًا عليها، هتف والدها بخوف:
– بنتي “جيدا”……!!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
مرت عدة أيامٍ كان قد غادر “فاروق” البلاد هاربًا ولم تتمكن الشرطة من القبض عليه مثله كمثل من دمّر البلاد وخربها، اغلقت القضية على ذلك المنوال لتدمير هؤلاء الفاسدين كل ما له صلة بهم، لتستمر حالات الفساد المتعارف عليها ممن يخربون أوطانهم بلا مبالاةٍ منهم، وعن “أنس” قد خرج حيث استلمه أحد اقرباء والده، فوالدته لم تكن موجودة او بالأحرى كانت مُنشغلة عنه، قضى تلك الفترة منتظرًا من يأتي ليصطحبه عند والده، لكن بداخله ادرك بأنه تناسى أمره هو الآخر، استسلم للأمر الواقع ليجد حياته قد دُمّرت، شعر بضياع مستقبله ثم بكى من قلبه، تخلى عنه صديقه المُقرّب والوحيد “رأفت”، وذلك لتلوث سمعة والده، هنا شعر بقيمة من حولهم ليجد الزيف في حواراتهم وما يفعلونه من أكاذيبٍ، منتظرًا هو لمستقبله المجهول…..
لم تفارق “جيداء” غرفتها من رحل عنها، بات والدها دائب المجيء إليها ليواسيها بكلماته العقلانية، جلس بجوارها على التخت متأملاً وجهها الذي ذبل، قال بتحنّن:
– “جيدا” حبيبتي مينفعش كده، امتحاناتك قرّبت ومش هتلحقي تذاكري، ينفع تضيعي السنة كده
كان تحدق أمامها فقط ولم ينطق لسانها بحرف، مسد “عزيز” على رأسها برقة، عاتب نفسه على قراره ولكن ماذا يفعل حينها؟، كان مضطرًا لذلك من أجل اختها هي الأخرى، قبّل أعلى رأسها بلطفٍ متابعًا:
– أنا عارف إنها فترة وهتعدي، كل ده هتنسيه، إنتي صغيرة ودا مجرد تعلّق وخلاص، لما تكبري هتفهمي إنك كنتي غلط
داخليا كانت “جيداء” ثائرة بعكس هيئتها الجامدة، لم تتحمل المزيد من حديثه حتى أغمضت عينيها كتمويهٍ منها بأنها غفت، هذا ما حدث حين نظر لها “عزيز” حين وجدها هكذا، سألها بحذر:
– نمتي يا “جيدا”؟
لم يجد ردًا فتأكد بأنها نامت، دثرها “عزيز” جيدًا ثم نهض ليتركها على راحتها، ردد بأسى:
– ربنا يحميكي يا بنتي وتنسي!!
ثم تحرك نحو الخارج موصدًا الباب خلفه، فتحت “جيداء” عينيها في تلك اللحظة لتطلق العنان لعبراتها المستجمعة، تحسّرت على نفسها وعدم شعور الآخرين بها لتجدهم لم يرأفوا بحالتها، قالت ببكاءٍ وألم:
– كلكم انانين قوي، أنا مبقتش احبكم
ثم بكت وهي تضم نفسها كالجنين، سمعت رنين هاتفها لتبتسم بكآبة، فمن سيسأل عنها، رغم ذلك مدت يدها لتُجيب فهي تريد التحدث مع أحدهم لتُفرغ ما بها من آلامٍ، شهقت بصدمة حين وجدته “أصهب”، سريعًا كانت مجيبة بتفاؤلٍ وهي تعتدل:
– “أصهب”، وحشتني، أكيد بتكلمني علشان ترجعلي
رد “أصهب” متنهدًا بكمد وهو ینفي:
– لا يا “جيدا”، أنا كنت بكلمك علشان اودّعك
تخلل لأذنيها أصوات ليست بغريبةٍ عليها، أجل مذياع في المطار وصوت مألوف لها، حملقت أمامها بضياعٍ متسائلة:
– إنت رايح فين؟
رد باقتضابٍ:
– مسافر!
– وهتسيبني؟
سألته بألمٍ غزا روحها، رد مجبرًا:
– غصب عني
قالها بتبريرٍ لم تقتنع به، قالت ببكاءٍ واجم:
– بالسهولة دي، أنا افتكرت هتخطفني ونهرب، أنا مكنتش همانع، علشان دا اللي كنت عاوزاه من أول مرة شوفتك فيها
ابتسم بحزنٍ وسخرية معًا، فاستعطفته قائلة:
– خدني معاك، متفكرش هندم، مش حقيقي، أنا باحبك
شعر بانتزاع قلبه من محله وهو يستمع لصوتها الذي تحن له القلوب القاسية، رد بايجازٍ ليرحم قلبه المجروح:
– اشوفك بخير، خلي بالك من نفسك!
ثم أغلق الهاتف ليتركها هكذا وحيدة، رغم وجود أهلها من حولها، لكنه كان بمثابة طوق يبعث الحنان لتتعلق به، حب من أول نظرة أحست به، تعلق روحي ووجداني نبت في قلبها، انسابت عبراتها أكثر مُعربة عما تشعر به الآن، معلنة بأنه ليس حبًا عابرًا، نظرت لما حولها بشرودٍ مستفهمة بحزنٍ عميق:
– ليه مش حاسين بيا؟! ……………………..……………..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

error: