نوفيلا((المراهقة واللص))

الفصـل العـاشـر
المُراهقة واللص
ــــــــــــــــــ

أمسك رسغها ليمنعها من الإمساك بذاك الكأس اللعين، نظرت له “جيداء” بتخوف فهدر بتنبيهٍ جاد:
– لو شربتي منه مش هيحصلّك كويس!!
ردت باعتراض:
– وإنت مالك باللي باعمله، وكمان مين سمحلك تقعد جنبي؟
ترك يدها بعدما دفعها بعنف فانزعجت، رد بثقة:
– طالما خرجتي معايا ووالدك سمح بكده يبقى أنا ليا دعوة، ومش هسمحلك تعملي حاجة مش عجباني
هتفت بغيظ من حديثه الواثق:
– دخلك أيه بحياتي، أنا حرة أعمل اللي عاوزاه!
ثم مدت يدها لتلتقط الكأس فأبعده عنها هاتفًا بتعنيفٍ جعلها تخافه وهو ينهض:
– قولت مش هتشربي، ويلا قومي من المكان الزفت ده، حتة عيلة هتمشيني على مزاجها، أهو دا اللي ناقص
نظرت له لترد برفضٍ ووجهٍ متشنج:
– أنا مش عيلة ومش همشي من هنا، ووريني بقى هتعمل أيه؟
توجه “أصهب” ناحيتها وهو يحدجها بحنق لترتبك “جيداء” متخوفة من ردة فعله، عاود إمساك رسغها ليجبرها على الرحيل معه وهو يأمرها بحزم:
– قومي يلا
نهضت معه فيدها تؤلمها، قالت بالتماس:
– إيدي يا “أصهب” بتوجعني
– مينفعش معاكي غير كده
قالها بنفاذ صبرٍ منها وهو يجرها من خلفه، ثم بغتةً جاءت سيدة من خلفها حاملة لكأسٍ من المشروب ادعت اصطدامها بها فتناثر ما يحويه عليها، صرخت “جيداء” بامتعاض:
– يا دي النيلة، هدومي باظت واتوسخت!
تأمل “أصهب” هيئتها بتجهم فهتفت المرأة باعتذار:
– أنا أسفة، مخدتش بالي، تعالي الحمام وأنا انضفهالك
قالتها بلؤمٍ فرد “أصهب” بعدم إهتمام:
– معلش دي حاجة بسيطة
ثم سحبها ليُكمل سيره للخارج لكن “جيداء” عارضت بشدة قائلة:
– مش ممكن أخرج كده، عاوزة أغسل إيدي ورجلي على الأقل
زفر “أصهب” بتضايق لتعيد السيدة اقتراحها الماكر:
– تعالي يا حبيبتي أساعدك تروحي الحمام وتنضفي نفسك
اومأت “جيداء” برأسها لتذهب معها، ترك “أصهب” يدها قائلاً بأمر:
– متتأخريش، عاوز أمشي من هنا
– طيب
قالتها بتبرمٍ ثم سارت برفقة السيدة ناحية المرحاض، تعقبتهم نظرات “أصهب” المتأففة ثم اضطر للجلوس على الطاولة منتظرًا إياها….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
بداخل المرحاض شرعت “جيداء” في غسل ذراعيها وقدميها، للمرةِ الثانية وقعت في مكيدة أخرى رسمها هؤلاء الأوغاد حين لاحظت وجودهما بداخل المرحاض عبر المرآة ويقفا من خلفها بابتسامتهما الماكرة، سريعًا استدارت “جيداء” ناحيتهما وقد تملك الذعر منها مرددة:
– عاوزين مني أيه تاني، ابعدوا عني؟!
لم يتحدثا كثيرًا لينهوا الأمر قبل إكتشافه، دنوا منها ليُكبّل أحدهم ذراعيها ولكن سبقه الأخير لتكميم فمها ليمنع صراخها، ظلت تتملص “جيداء” منهما ولكن لا جدوى فقد تملكا منها، هتف “أنس” بغرور:
– متحاوليش، خلاص وقعتي
أخرجت صرخة مكتومة ثم تحركا بها نحو الخارج ليعرجوا ناحية الباب الخلفي للملهى وهي ما زالت ترفض وتجاهد للإفلات منهما وسط ردعها لهما…..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وعن “أصهب” ظل ينتظر وهو ينفخ بضجر لغيابها وهو يمرر أنظاره لما حوله خشية رؤية أحد له، أثناء جلوسه لاحظ حركة غريبة من حوله جعلت قلبه ينتفض بخوف، شد إنتباهه رجلين بهيئة مريبة، فورًا تنبه لنظراتهم المختلسة ناحيته ليتخذ حذره، اطمأن أن سلاحه الناري بحوزته في جيب سترته كي يدافع به عن نفسه فهو لا يستخدمه سوى في الشدائد فقط لعدم محبته لقتل احدهم، ثم تصرّف بطبيعته لعدم ملاحظته إياهم، باحتراس نهض “أصهب” ليدعي بحثه عن الفتاة التي كانت معه، أثناء سيره أحس بخطوات الرجلين منه خلفه، لكنه أكمل سيره يريد إحضار “جيداء” للهرب سويًا، حينما اقترب من المرحاض وقعت عيناه على هؤلاء الفتية وهما يكبلان “جيداء” ويسحبونها لتدلف برفقتهم من بابٍ جانبي، حجظ عينيه بغضب ليتفهم الآن مخططهما الدنيء، بخطواتٍ شبه راكضة هرع “أصهب” ناحيتهم نحو الباب الخلفي، اعتقد الرجلان بأنه يهرب فركضوا من خلفه أيضًا، أصبح بين مطَارَد ومطارِد، لم يكترث لأحد سوى إنقاذ “جيداء” الآن….
دفع الفتية “جيداء” لداخل السيارة، قال “رأفت” بأمر:
– يلا إركبي، إنتي عنيدة كده ليه!!
ظلت على وتيرتها المدافعة محاولة التملص من قبضتيهما، دفعوها بقوة وقبل أن يفعلا ذلك كان “أصهب” قد وصل ليمسك “أنس” من قميصة من الخلف ليلتفت إليه الأخير مرعوبًا، لكمه “أصهب” بقوة حتى زاغت عيناه من الضربة الأولى، هدر فيه بغيظ:
– آه يا ***** إنت وهو، شوية عيال تعمل كده
اخرج سبابًا لاذعًا ليوليه بالآخر، لكمة أخيرة من “أصهب” وكان قد اغشي عليه بجانب السيارة وافترش الأرض، خف الحمل من على “جيداء” التي صرخت لتبعد “رأفت” عنها حين تملصت بسهولة منه حيث اشتدت شراستها، دفعته بقوة اثناء اقتراب “أصهب” منها ليعجب بضراوتها في الدفاع عن نفسها، دفعتها تلك جعلته ينكفئ على وجهه في بركة من الطين، ضحكت على هيئته وكذلك “أصهب”، هدرت جيداء بضحكٍ هستيري:
– رأفت بقى مطين
ثم توالت ضحكاتها عليه و”رأفت” يرمقها بحنقٍ ويحاول النهوض متذمرًا وهي تصفق وتسخر منه، تنبه “أصهب” لمن يلاحقه ثم استدار باحثًا عنهما ليجد أحدهم يخرج سلاحه الناري فشهق بذعر، فورًا كان ساحبًا “جيداء” ليركضا بسرعة للهرب نحو الجراج، هتفت وهي تركض بتعثرٍ من خلفه لعلو حذاءها:
– بالراحة يا “أصهب” هقع، هو فيه أيه بقى ما خلاص؟!
هتفت وهو يلقي نظرة خلفه:
– بسرعة فيه ناس عاوزين يقتلوني وبيجروا ورايا!
ارتعبت “جيداء” حين سمعت ذلك، خوفها عليه وحبها له جعلها تتحمس في الهرب، خلال ركضهما في جراج الملهى الطويل تخلت عن حذاءها لتركض دون قيودٍ بسرعةٍ أكبر، هتفت بحماس:
– شد حيلك يا “أصهب”
قالتها وهي من سبقته لتسحبه هي فاندهش، أسرع معها في هذا الركض المثير، تعاملت “جيداء” مع الموقف بمرحٍ غير مدركة المخاطر، بعكس “أصهب” الذي قلق من القادم فموته على المحك، هتفت صارخة بفرح:
– سبقناهم مش هيلحقوا يمسكونا
نظر “أصهب” خلفه ليجد أنهما ابتعدا مسافة معقولة تسمح بالهرب، رد وهما يدلفا من باب الجراج:
– تعالي نركب العربية، أنا عارف راكن فين قدام الزفت ده!
ثم اكملا ركضهما نحو السيارة، بلغوها ليتفاجأ “أصهب” بإطارات السيارة الأربعة مفروغة من الهواء، هدر بأسى:
– يادي المصيبة، عجلات العربية كلها نايمة
ردت بعفوية:
– تعالى ناخد تاكس أحس قبل ما يحصلونا
لمح “أصهب” الرجلين وهما يخرجان من الجراج فأيّد فكرتها قائلاً:
– عندك حق، مافيش حل غير كده
ثم ركضوا ناحية الطريق العام، أشار بيده لسيارة أجرة فجاءت واحدة ليحمد “أصهب” الله، دلفا بداخلها من الخلف و”جيداء” تتنفس بصعوبة فقد ركضتت كثيرًا، قال هو للسائق بتكليفٍ وهو ينهج:
– لو سمحت سوق العربية بأقصى سرعة
انطلق السائق بالسيارة و”أصهب” ينظر خلفه بأنفاسٍ متقطعة، تنهد براحة حين لم يلحق بهما هؤلاء الرجلين الذين حاول أن يمسكا بمؤخرة السيارة ولم يجدي ذلك نفعًا حيث انظلقت امام انظارهما بسرعة البرق، هتف أحدهم بحدية:
– تعالى نحصّلهم بسرعة، الباشا لو عرف هيعلقنا
ثم توجهوا ناحية سيارتهما لينطلقوا بعدها خلفهما وأحدهم يردد بانزعاج:
– سوق بسرعة متخلهمش يهربوا مننا…!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
تشبثت “جيداء” بذراع “أصهب” خائفة بشدة، ربت على كفها قائلا بنبرةٍ اراحتها:
– متخافيش، إن شاء مش هيلحقونا
– أنا خايفة عليك إنت
تفوهت بها بعفوية وهي تنظر إليه بتتيمٍ وعشق فابتسم لها بمحبة، قال بصدق:
– وأنا كمان خايف عليكي
ابتسمت بخجل ثم شعرت بتقلب مفاجئ في معدتها أشعرها بالغثيان، قالت بعبوس:
– خليه يهدي العربية، حاسة إني هرجع من السرعة
كان السائق يقودها بسرعة كبيرة للغاية، لم يعلق “أصهب” عليها كونه يريد الهرب، لكنها بالفعل زائدة ومقلقة، طلب من السائق بهدوء ظاهري:
– خلاص لو سمحت هدي العربية شوية مافيش داعي للسرعة
كأنه لم يتحدث معه قط، السرعة كما هي والسائق غير منتبهٍ له، عقد “أصهب” حاجبيه متسائلاً بتعجب:
– هو ماله ده؟!
مطت “جيداء” شفتيها بجهل وهي ترفع كتفيها للأعلى، خاطبه “أصهب” ثانية بنبرةٍ حازمة:
– لو سمحت بقولك هدي السرعة
أيضًا لم يهتم السائق فاشتدت غرابة “أصهب” منه، نظرت له جيداء قائلة بتوجس:
– “أصهب” السواق دا مش طبيعي
اضطرب “أصهب” وفي تلك اللحظة ترك السائق عجلة القيادة لتسير السيارة بمفردها، ثم بعدم مسؤولية ادار رأسه ناحيتهما، ابتسم ببلاهة قائلاً بسخافة:
– مساء الخيييير
شهق “أصهب” برعبٍ هادرًا:
– العربية يا غبي
تجاهله السائق لتتسع بسمته المخبولة وهو ينظر لهما فحدجه “أصهب” بعدم تصديق، ارتعدت “جيداء” وهي تردد:
– يالهوي، السواق طلع مجنون يا “أصهب”
نظر “أصهب للطريق فالسيارة تسير بمفردها، أمره بحنق:
– طيب وقفها يا ابن المجنونة هنموت
يبتسم السائق ببلاهة لهما وبدا مستهترًا للغاية، ردد بنبرة مثيرة للإستفزاز:
– مبعرفش اوقفها، دا أنا مش عارف سوقتها إزاي
كز “أصهب” على أسنانه ثم نهض من جلسته دافعًا إياه على مقعد الراكب، هتفت “جيداء” بتعنيف:
– يا أهبل يا عبيط كنت هتموتنا
سريعًا تصرّف “أصهب” كي لا تصطدم السيارة في شيءٍ ما وتحدث كارثة حتمية، وذلك حين قفز ليجلس خلف عجلة القيادة ليتولى هو زمام الأمور، تحكم في السيارة وهو يتحرك يمينًا ويسارًا ليمرق مهدئًا من سرعتها، صفق السائق باختلال عقلي لتظهر هيئته المخبولة، هتفت جيداء بمرحٍ هي الأخرى لتظهر طفولتها:
– شاطر يا “أصهب”
نفخ “أصهب” من هؤلاء الحمقى ليردد بنفاذ صبر:
– صبرني يا رب، هو عداكي
ثم انتبه “أصهب” لسيارة إسعاف تسير بجانبه، خاطبه سائقها:
– وقف العربية دي، دا واحد مجنون هربان في عربية مدير المستشفى
– متوقفش
قالها الرجل المخبول وهو يرجف، كاد “أصهب” أن يوقف السيارة لكنه لمج عبر المرآة الجانبية سيارة أخرى تلاحقه وبها الرجلان، اتخذ قراره الدامغ وهو ألا يتوقف، زاد من سرعة السيارة ليتخطاهم جميعًا، هتفت “جيداء” بعدم فهم:
– منزلتوش ليه، دا مجنون ولازم نسلمه
رد بمفهوم:
– مش هينفع اوقف، العربية التانية ورانا
ثم ألقى نظرة خاطفة للرجل متابعًا بقلة حيلة:
– مضطر أهربك معانا، أكيد فيها جناية بس أعمل أيه!!
فرح المخبول وهو يقفز موضعه بسعادة، ثم تابع “أصهب” سيره بسرعةٍ كبيرة رغم تذمر “جيداء” ولكنها تحملت من أجله، ابتعد “أصهب” عن السيارتين مسافة كافية أدت لعدم رؤيته لهما، بخفة يدٍ أخرج هاتفه ليهاتف “حسني”، قال بنبرة متعجلة:
– “حسني” تعلالي على الشالية الصفيح اللي على النيل
استفهم الأخير عما يجري لكنه تابع بنفاذ صبر:
– مش وقته يا “حسني”، تعالى مستنيك هناك وهابقى احكيلك، دلوقتي حالاً تكون رايح على هناك، هستناك…!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
توجه لفيلته بعدما أخبره أنه سينهي أمر “أصهب” الليلة، وبالمرة يجد له حل في ورطته تلك، جلس “رائف” برفقة “فاروق” في حديقة فيلته على بارٍ صغير، قال “رائف” بقلق:
– أنا مش مرتاح، حاسس بكرة ولا بعده هيؤمروا بالقبض عليا، شوفلي حل يا “فاروق”!
قالها باستعطافٍ له فهز “فاروق” رأسه متفهمًا موقفه وهو ينفث دخان سيجاره الغالي، قال بمعنى:
– أنا أصلاً كلمت واحد يعملك اوراق علشان تسافر برة، بكرة ولا بعده هتكون خارج البلد، إطمن
ارتاح “رائف” قليلاً، لكنه استفهم بتوجس:
– طيب أنا مش هينفع أظهر على ما أسافر، هروح فين؟
رد بدراية:
– كل دا أنا عامل حسابه، طبعًا مش هنسيبك يتقبض عليك، لانه معناه إحنا كلنا وراك، وكمان لو اتمسكت هيؤمروا بقتلك، ودا مش عاوزوه لأنك ذكي في شغلك
ابتسم “رائف” وقد تبهج مرددًا الحمد، قال بغيظ بعدها:
– نفسي أخلص من الحيوان “أصهب”، مش هرتاح غير لما أشفي غليلي
– هتشفيه متخافش، الليلة خبره هيوصلنا!!
ثم بعض لحظاتٍ ولج ابنه الوحيد “أنس” بسيارته، ضيّق “فاروق” عينيه نحوه وهو يصف سيارته، ترجل “أنس” وهو يضع يده على خده متألمًا، لمح والده حالته الغير طبيعية فناداها بخشونة:
– “أنس”
ارتبك “أنس” وانتفض موضعه، نظر لوالده متوترًا، رد بتلعثم:
– نـ.. نـ. نعم يا بابا
– تعالى عاوزك
أمره بحده ليهرع نحوه الأخير وهو يتشهد، وقف أمام والده الذي اندهش من هيئته، هدر بذهول:
– أيه اللي حصل في وشك، ومين اللي عمل فيك كده؟!
ازدرد ريقه مجيبًا بارتباك:
– مـ.. مـ .مافيش ..يا بابا، أ.أ.أنا وقعت على بوقي
قرر “أنس” عدم إبلاغه بشيء حتى لا يتازم موقفه ويعرف بما يفعله مع “جيداء” من سفاهة، جاء والده اتصالاً هام، نظر له ليأمره بعدم اهتمامٍ من أمره:
– طيب يلا إطلع نام، وابقى إمشي بالراحة بعد كده
هز رأسه ليرحل سريعًا، ردد اثناء سيره بألم:
– هو أنا هيجيلي نوم، آه يا بوقي يانا، يا رب تموت يا “أصهب”…
أما والده و”رائف” فقد اخبرهما أحد الرجال عبر الهاتف بهروبه، هتف “فاروق” مهتاجًا:
– تروحوا قدام الفيلا وترقوبه، متمشوش من هناك غير وإنتوا مخلصين عليه، فاهمين يا بهايم…..!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
لاحقًا، توجه “أصهب” وهما معه إلى شاليه متطرف على نهر النيل مصنوع من الصفيح، ولجوا للداخل ثلاثتهم ثم توجه الرجل لزاوية ما يجلس فيها يحدث نفسه الضائعة، نظر له “أصهب” بشفقة ليدعو سرًا له، وعن “جيداء” فأول ما بحثت عنه شيء ما تغطي جسدها العاري به فقد شعرت بالبرد الشديد وهي تحتضن نفسها، تفاجأت بـ “أصهب” يحاوطها من الخلف بغطاء ما فشعرت بالدفء، همس في أذنها:
– حاسس بيكي
ابتسمت “جيداء” بخجل من قربه منها، ادارها إليه فنظرت له بوجهها الرقيق، سألته ببراءة:
– كرهتني يا “أصهب”، شايفني وحشة ومش كويسة؟
حرك رأسه نافيًا حين قال بلطافة:
– “جيدا” إنتي بنت بريئة، بس تصرفاتك طايشة، يمكن علشان يتيمة الأم مش عارفة تتصرفي بعقل في حاجات كتير، لازم تنتبهي في التعامل مع أي حد بعد كده ومتثقيش فيهم بسهولة، بس إنتي حلوة مش وحشة، وتتحبي على طول
سألت بحزن:
– طيب ليه عاوز تتجوز رنا طالما بتحبني أنا؟
فتح شفتيه ليرد لكن “حسني” انضم إليهم حاملاً أغراض ما بيده، التفت له “أصهب” مرحبًا، بينما حدق “حسني” في تلك الفتاة الحسناء التي معه، لاحظه “أصهب” ثم قال بتفهم وهو يسحبه للخارج:
– تعالى اكلمك برة!
ثم تحركوا للخارح وسط نظرات “جيداء” التي تبتسم بتأمل، فهي ستفعل ما بمقدورها ليتخلى عن فكرة ارتباطه باختها، قالت بعشقٍ نبت بداخلها:
– باحبك يا “أصهب” قوي، يا رب تتجوزني أنا….
ثم تنهدت لتجلس على الاريكة ضاممة نفسها فقد بردت …..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
سرد “أصهب” له ملخص ما مر عليهم، لكن لم يلفت انتباه “حسني” سوى الفتاة الجميلة، غمز له قائلاً بمغزى:
– بنت وزير يا ابن الأيه، واقع واقف
رمقه “أصهب” بنظرة ضيق ليلتزم حدوده فتفهم الأخير، قال بتحذير:
– متخدش الامور بهبل كده، على فكرة اللي أنا فيه مش هزار!
اومأ “حسني” برأسه، سأل بجهل:
– طيب مطلوب مني أيه أعمله؟
رد “أصهب” بمعنى:
– خد الراجل اللي جوه ده الأول سلمه لأي مستشفى وبعدين ارجع علشان تروحنا الفيلا، الوقت اتأخر علشان محدش يقلق ويسألوا فيه أيه!
رد “حسني” بطاعةٍ عمياء:
– خلاص ماشي هروح دلوقتي أسلمه
ثم انتبه على ما بيده قائلاً بتذكر:
– دا أكل، خده علشان لو الهانم جعانة…..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
غادر “حسني” برفقة الرجل تاركًا “أصهب” و”جيداء” بمفردهما، بسط الطعام أمامها على الأريكة فنظرت له باشتهاءٍ لتجد نفسها جائعة، مدت يدها لتأكل وهي تقول:
– الأكل دا جه في وقته، صاحبك بيفهم، أنا فعلاً جعانة
ابتسم لها بتوددٍ وهي تتناول الطعام، قال بسماحة:
– كلي براحتك، أنا هروح اعمل تليفون على ما تخلصي
هزت رأسها لتُكمل طعامها، أنهى “أصهب” اتصاله مع أحدهم ثم جاء بعد وقتٍ كانت انهت “جيداء” طعامها، جلس بجوارها فسألته وهي تمسح يديها وفمها بمنشفة ورقية مرفقة مع الطعام:
– كنت بتكلم مين؟
رد بتلجلج:
– مافيش حاجة مهمة، أكلتي؟
سألها بلطف فردت مؤكدة:
– الحمد لله
اقصى “أصهب” الطعام جانبًا، سريعًا كانت مقتربة منه، قالت بنعومة:
– باحبك
ارتبك “أصهب” لكن كان لقربها أثرًا، تابعت بحبٍ بريء:
– حبني أنا يا “أصهب”، أنا بنت كويسة وباحبك، أنا مش وحشة خالص زي ما إنت فاكر
رد باستنكار:
– مين قال إنك وحشة، انا بس كنت متضايق لما قولت عتك مش کویسة
ابتسمت وهي تحتضنه مذعنة لحضنه الدافى، كأنها محرومة من محبة أحدهم، قالت بنبرة جعلته يشفق عليها:
– محستش باي حب غير لما عرفتك، لما ببقى قريبة منك باحس بأمان، مامي ماتت ومشفتهاش، عاوزة حد يفضل جنبي ويحبني
رد بألفة:
– كلنا جنبك، واولهم أنا
ابتهجت روحها فابتعدت مستفهمة بابتسامة متسعة:
– خلاص يا “أصهب” بقينا حلوين، هترجع ليا وتسيب “رنا” يعني؟
رد مبتلعًا ريقه بتوتر:
– طيب يا “جيدا” أنا لسه مش عارف أعمل أيه
احتضنته ثانيةً وهي تقول برقة:
– براحتك خالص، المهم تبقى ليا أنا ويعرفوا إني باحبك
زاغ “أصهب” وهي بين يديه الآن، قلبه ارادها هي ولكن الظروف هي من دفعته للزواج من اختها، هي صغيرة ولن يرتضي والدها تزويجها له وهي في ذلك العُمر، تنهد بيأس ليردد في نفسه الكامدة:
– يا رب تكوني ليا، أنا بجد مش عارف اتصرّف إزاي، حياتي كلها اتقلبت من وقت ما شوفت واتعرفت عليكي
أنهى جملته ليشعر بها قد سكنت بين ذراعيه، خاطبها بترقب:
– “جيدا” إنتي نمتي ولا أيه؟!
لم يجد ردًا ليجدها بالفعل قد غفت كالأطفال، قال بحنوٍ:
– ربنا يعدي الأيام الجاية على خير….!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
صباحًا، أفاقت من نومها لتجد نفسها في فراشها، اعتدلت “جيداء” لتندهش وقد ظنّت نفسها تحلم، لكن لا، ما حدث كان حقيقة، ملأت الأسئلة رأسها وتحيرت، رن هاتفها التي لم تعلم إلى الآن كيف وصل لغرفتها فهي تركته بالسيارة ليلة أمسٍ، كان “أصهب” فاجابت على الفور، قال بنبرةٍ محببة:
– صباح الخير، نمتي كويس؟
لم تعلق على ذلك بل استفهمت ببهيتة:
– أنا جيت هنا إزاي، وكمان الفون بتاعي؟
سرد لها باقتضابٍ ما فعله وهي غافية، تابع بعدها بمعنى:
– نمتي ومحستيش بأي حاجة، رجعتك ونمتي في اوضتك، وبعدين بعت حد يجيب حاجاتك من العربیة
تيقّنت ما حدث فتسائلت بفضول:
– طيب وبابي مسألش لما شافني معاك ومتبهدلة ومن غير جزمة وكنت نايمة؟
رد بتردد:
– لا مسألش، أنا ألّفت قصة كده وهو مقالش حاجة!!
ابتسمت “جيداء” لتقول بنبرةٍ حماسية:
– نفسي يعرف إننا بنحب بعض، أنا اوقات بتجنن وبفكر أحكيلهم على حبنا
رد بتأنٍ:
– “جيدا” مش دلوقت قولتلك
ردت باحتجاج:
– بس كده إحنا خاينين ولازم “رنا” تعرف من أولها إنك عاوزني أنا
هتف متضايقًا بنفاذ صبر:
– “جيدا” أنا قولت أيه، خلاص متكلميش في حاجة، ولا عاوزاني ارجع في كلامي، أما صحيح عيلة وبابن هتتعبيني معاكي!!
اغتاظت منه لتهتف بمعارضة:
– أنا مش عيلة، وبعدين هنفضل نخبي ليه، لازم بابي و”رنا” يعرفوا كل حاجة
تأفف “أصهب” من اندفاع تلك الفتاة، رد بضجر:
– قولت محدش هيعرف يا “جيدا” غير لما اقرر أنا
هتفت بضيق:
– طيب و”رنا” اللي بتحبك ومستنية تتجوزك، كده هتسيبها تفكر إنك عاوزها وبتقول بتحبني أنا، كده إنت خاين
انتفض من مكانه هادرًا باغتياظ:
– احترمي نفسك، إنتي مش عارفة حاجة
هتفت باستياء وهي تنهض:
– لأ عارفة كل حاجة، إنك بتضحك عليا، بس أنا مش هسيبك تخدعني تاني، أكيد شايفني صغيرة وبتلعب بيا، بس أنا صحيالك وفهماك كويس، و”رنا” هتعرف كل حاجة النهاردة وأنا اللي هقولها
ثم أغلقت الهاتف وقد توغّر صدرها لا تريد سماع المزيد، ارتاع “أصهب” من طيشها مرددًا بضيق وهو يلقي الهاتف:
– يا دي المصيبة اللي وقعت فيها يا “أصهب”، هيقولوا عليك أيه!!
ثم توجه لخزانة ملابسه ليرتدي ثيابه، فربما ستكون نهايته للمكوث هنا اليوم وحتمًا سيضيع أمله في الإنتقام……
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ولجت غرفة اختها دون استئذانٍ فوجدتها جالسة على تختها تحمل باقة من الزهور تتنشّق عبيرها وتبتسم بشرود، انتبهت لها “رنا” فابتسمت بودٍ، دنت منها “جيداء” وهي مترددة في إخبارها، لكن بداخلها تريد إنهاء تلك المهزلة، قالت “رنا” بتهللٍ:
– تعالي يا “جيدا” شوفي الورد الجميل اللي صحيت الصبح عليه
زيفت “جيداء” بسمة صغيرة وهي تقف بجوارها، اضرمت غِيرتها حين تابعت بسعادة غامرة:
– “أصهب” اللي بعتهولي، وكاتبلي كلام حلو قوي!!
اغتاظت “جيداء” وقد شعرت بالحقد تجاهها، ردت باندفاع:
– متصدقيهوش
نظرت لها “رنا” بدهشة وهي متفاجئة، تسارعت أنفاس “جيداء” وهي تكمل بنبرةٍ مرتعشة طائشة:
– “أصهب” مش بيحبك، دا بيحبني أنا!! ……………………
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

error: