نوفيلا((المراهقة واللص))

الفصـل الخـامس
المُراهقة واللّص
ــــــــــــــــــ

ترجّلت من السيارة الخاصة بها حين فتح لها الحارس الشخصي الباب منكسًا رأسه باحترام، تحركت “جيداء” نحو مدرستها الخاصة وهي تعلِق حقيبتها المدرسية على كتفها، غير منتبهة لمن يجلس بداخله سيارته وأعينه متصلبة عليها، قال أحد الحراس لزميله:
– تعالى نشرب حاجة ونفطر على ما تكون خرجت
اومأ زميله بموافقة ليصف السيارة جانبًا ثم تحرك معه نحو مطعمٍ ما قريب من المدرسة، عن قرب كان “أصهب” من إنتوى المجيء لرؤيتها حين استعلم عن عنوان مدرستها، إلى الآن لم يعرف ما هو الشيء الذي دفعه لذلك، راقب وهو بداخل سيارته ولوجها للمدرسة مبتسمًا بشرود وهو يتأمل روعة أناقتها ورقيّها حتى في مشيتها، ناهيك عن طلعتها الجميلة التي جذبته وسحرته من أول لقاء له معها، كما رسمه القدر!، تنهد بقلة حيلة ليستحيل له فقط التفكير فيها، لا تناسبه عمرًا أو مقامًا، تبدلت قسماته للعبوس ليعلن بأنه بات يحبها، دقات قلبه هي من أقرت بذلك، حيث يستمع إليها كونها لأول مرة تدق هكذا، نفخ “أصهب” بقوة ليرحل من المكان، قبل أن يقوم بتدوير سيارته صدح هاتفه فحال دون مغادرته حيث اعتزم الرد أثناء وقوفه، ابتسم ساخرًا حين وجده هذا الأحمق الذي خدعه، رد على مضض:
– خير يا باشا!
هدر الأخير بانفعالٍ مدروس:
– إنت بتلعب بيا ولا أيه؟!، فين الورق لحد دلوقتي ومجبتوش ليه؟
تأفف “أصهب” بنفور منه، رد بمراوغة أثارت حنق الاخير:
– قولت مش معايا، لما يوصلني هبعته
هتف “رائف” بتبرم:
– والله يا “أصهب” لو بتفكر في حاجة مش هخليك عايش دقيقة واحدة، وإنت عارف أقدر أعمل أيه!
لم يبالي “أصهب” بتهديداته فروحه كما يقال باتت في يده، وذلك بفضل تلك الاوراق التي صارت بحوزته، رد باقتضاب لينهي ثرثرته التي باتت تزعجه:
– قولت خلاص لما يوصلني، كلها يومين ولا حاجة…..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
كان مخططًا دنيئًا للنيل منها، استدرجتها صديقتها المُقربة للمرحاض بشأن أمر خاص بها حتى تقع فريسة لهؤلاء الأنذال، لم تدرك “جيداء” بأن فكرهم يصل لتلك الدرجة من القذارة، بل لم تفكر مطلقًا بأن يحدث ذلك من رفيقتها المُقربة، تخلّت عنها حين تناولت بضع ورقات نقدية وهي تبتسم بثقة، كل ذلك وسط نظرات “جيداء” المدهوشة، اضطربت انفاسها المذعورة لتقرر الهرب ولكن هيهات من ذلك، كان ذلك السمج واقفًا عنده ليحيل هروبها، هدرت بطلعة مهتاجة:
– ابعد عاوزة أخرج
رمقها بنظرة توحي بأن لا مفر لها اليوم فاختلج قلبها، التفتت للآخر الذي يبتسم لها بخبث ومن جواره رفيقتها الحقيرة التي عاونتهم على ذلك، رمقتها “جيداء” بنظرة ازدراء قللت من شأنها ولكن تجاهلت ذلك لتقول الفتاة بنبرة منحطة:
– طيب يا أنوس همشي أنا، أصلي بصراحة مش حابة أتفرج
شهقت “جيداء” بتخوف وقد انتفض بدنها مرتعدة مما سيفعلانه معها فابتسم لها أنس بغرور، ترقبت بنظراتها المهزوزة ما سيحدث لها، تابعت الفتاة بميوعة:
– عملت اللي قولتلي عليه، مش عاوز مني حاجة تانية؟
رد وهو يضغط على ذقنها مادحًا إياها:
– ميرسي يا حبيبتي تشكري قوي، خلاص روحي إنتي
تحركت الفتاة وهي تتغنج في مشيتها وتنظر باستهزاء لـ “جيداء” التي استشاطت منها، كادت أن تمسك بها لتفترسها حيث خانتها البذيئة وهي تردد باستهجان:
– حقيرة
لكن أسرعت الفتاة في خطواتها نحو الخارج حين فتح لها “رأفت” لتمرق ثم اوصد الباب ثانيةً بمفتاح ملتصقًا بالباب لكن لا يمكن نزعه، نظرت له “جيداء” برعب حقيقي تملك منها، صرخت بغتةً حين احتضنها الأخير من الخلف، هتفت بعنف:
– عاوز مني أيه يا حيوان؟!
لم يدع “رأفت” لصراخها مخرج حيث كمم فهمها حين تقدم منهما، اهتاجت “جيداء” بشدة وهي تحاول ردعه عنها، قال “أنس” بسخرية وهو يكتف ذراعيها من الخلف:
– بقولك أيه، متعمليش فيها محترمة وبنت ناس، أنا شايفك في الحفلة مع واحد، واوريكي صورته لو عايزة
عقدت “جيداء” بين حاجبيها وهي تفكر في حديث هذا القذر، سريعًا جاء “أصهب” على ذهنها، تفكيرها فيه جعلها لن تذعن لما يفعله هؤلاء الفسقة معها لتفكر فيه فقط، شحذت قواها وهي تجاهد لتفلت منهما فبالفعل كانت عنيفة، لم يتمكن أحد منها ليسقط أحدهم أرضًا نتيجة دفعة قوية منها حين ركلته بقوة، وكان “رأفت” الذي ارتطمت رأسه بالحوض فتألم بشدة، اغتاظ “أنس” منها ثم ادارها إليه ليتقرب منها محاولاً تقبيلها، لكنها رفضت بتاتًا ذلك لتطرحه أرضًا وهي تهتف باهتياج:
– محدش فيكوا هيقربلي، إنتوا متعرفونيش!
ثم بخطواتٍ زموعة تحركت ناحية الباب لتهرب، حاول “أنس” النهوض ليلحق بها ولكنها كانت الأسرع لتدلف للخارج راكضة كأنها تحررت من محبسٍ للتو، نظر “أنس” للآخر آمرًا إياه بصرامة:
– يلا بسرعة نمشي من هنا قبل ما تجيبلنا حد
ثم دنا منه ليعاونه على النهوض، وضع “رأفت” يده على مؤخرة رأسه ثم أبعدها لينظر ليده، شهق مفزوعًا حين رأى الدماء:
– إلحق دا فيه دم!
ألقى “أنس” نظرة على رأسه من الخلف متفحصًا جرحه، ابتعد قائلاً بسخط وهو يوبخه:
– دا خربوش صغير مش حاجة يعني تستاهل، اجمد كده ويلا نمشي الأول ونروح أي صيدلية يربطوهالك……
ثم جذبه من ذراعه ليتحركا سويًا نحو الخارج مغادرين المدرسة بأكملها……
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
تركت حقيبتها واشياءها الخاصة بصفها ولم تفكر إطلاقًا في احضارهم، ثم هرولت نحو الخارج دون أن تنظر فقط حولها أو خلفها، دلفت “جيداء” من البوابة الخارجية للمدرسة باحثة بتلهفٍ عن سيارتها الخاصة لتستنجد بالحراس، وقفت أمامها ثم شرعت في فتح الباب لكن دون جدوى، انتبهت لعدم وجودهما فشهقت بصدمة، هتفت بنهجٍ:
– راحوا فين دول؟!
تلقائيًا تجولت بأنظارها المترقبة حولها علها تجدهم، أثناء حديثه عبر الهاتف لاحظ “اصهب” خروجها فشدّد من انعقاد حاجبيه مستغربًا، ردد عفويًا:
– “جيدا”
تأمل “أصهب” هيئتها فوجدها مبعثرة، لا إراديًا كان مترجل من السيارة قلقًا عليها فيبدو أنها ليست بخير، أنهى حديثه على عجالةٍ ثم ألقى الهاتف باهمال على المقعد ليتحرك نحوها شبه راكض، اثناء بحثها عن الحراس انتبهت لتقدمه منها ففغرت فاهها مدهوشة من وجوده، تقدم “أصهب” نحوها وقبل أن يستفهم عن ما بها وجدها تلقي بجسدها عليه محتضنة إياها بقوة كمن وجدت السبيل في نجاتها، حاوطها بذراعيه ليبث بداخلها الأمان، طمأنها قائلاً:
– إهدي متخافيش، إنتي معايا!
– مش خايفة وأنا معاك
قالتها بصدق وحب سافر جعله يتوتر وهي تلتصق به هكذا، ربما حياتها المرفهة سببًا في انفتاحها عن العالم هكذا، تنبّه لوجود الناس من حولهما فابعدها قليلاً عنه، تذمرت “جيداء” وهي تنظر إليه فابتسم، فجأة تبدلت طلعته وهو يمرر أنظاره المزعوجة على هيئتها الغير مهندمة، سألها بامتعاض:
– مين اللي عمل فيكي كده؟
وعيت “جيداء” لنفسها متذكرة ما مرت به لترد بخوف جعله يشتعل غضبًا:
– يلا نمشي من هنا وأنا هحكيلك على كل حاجة، بسرعة أنا خايفة
ثم امسكت بيده فتحامل “أصهب” على نفسه من سؤالها عن السبب ليمتثل لرغبتها في الرحيل، تحرك بها نحو سيارته ليجعلها تجلس بجواره وكذلك هو حين ولج للداخل، قاد سيارته مقررًا الذهاب لمكان ما هادئ ليسنح لها الحديث بأريحية، رغم ارتعابها الداخلي لكنها كانت تبتسم بفرحة حين وجدته أمامها، مدركة بحسها أنه جاء من أجلها بالطبع، ابتهجت من ذلك لتجده يبادلها نفس المشاعر، دنت منه لتستند برأسها على كتفه بحركة منها، ارتبك “أصهب” لكنه تركها فربما خوفها أجبرها على ذلك، قال بتفهم:
– قولت متخافيش وإنتي معايا….
اثناء مروره بسيارته من أمام المدرسة تنبه لهما “أنس” فتعقبهما بنظراته الشرسة، حتى اختفت السيارة، نظر له “رأفت” قائلاً بتبرم:
– واقف كده ليه دمي اتصفّى يلا نمشي؟!
نظر له “أنس” قائلاً باغتياظ:
– شوفتها من شوية راكبة العربية مع الواد إياه اللي كانت معاه في الحفلة
كشر “رأفت” ليرد بغرابة:
– ودا أيه اللي هيجيبه هنا؟!
هتف “أنس” بضراوة وهو يتوعد لهما:
– عاملة محترمة بنت الوزير، بس ماشي، إما فضحتها هي واللي معاه علشان بتفضّله عليا أنا
ثم صمت ليتذكر صورته التي التقطها له عبر الهاتف فتقوس ثغره بابتسامة ماكرة، تابع ناظرًا أمامه بخبث:
– خلاص وقع ومحدش سمى عليه! ……
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وصل بها لمقهى متطرف ذي حالة منخفضة مقامًا على ضفة النيل، جلس برفقتها على طاولة ما خشبية قديمة، وضع الصبي العامل بالمقهى كوبين من مشروب الليمون ثم غادر، نظر لها “أصهب” قائلاً بهدوء ظاهري:
– إشربي الليمون علشان تهدي شوية
ابتسمت له هازة رأسها بطاعة ثم شرعت في ارتشاف بعض الليمون بأناقة وتريث وسط نظرات “أصهب” التي احبتها والمعجبة بكل ما فيها، وضعت “جيداء” الكوب وهي تنظر إليه مبتسمة برقة، تنحنح “أصهب” مستفهمًا بجدية:
– قوليلي بقى حصل معاكي أيه يخليكي تخرجي من مدرستي وشكلك مبهدل كده؟
بدا الحزن على ملامح “جيداء” ليتضايق “أصهب”، ردت بكمد:
– الولدين اللي كانوا بيضايقوني في المدرسة على طول كانوا عايزين أأأ…
ثم شعرت بالحرج فأخفضت بصرها، اشتد فضول “أصهب” ليسألها بانزعاج:
– كملي، قولي كانوا عايزين منك أيه؟
نظرت له “جيداء” عابسة حزينة، بترددٍ جم أخذت تسرد له ما حاولا فعله معها، وذلك بمعاونة رفيقتها، كان يستمع لها “أصهب” والدماء تغلي في عروقه، ناهيك عن وجهه الذي احتقن بشدة، تفكيره في لمس أحد لها قتلته ليعلن انفراده بها، تناسى نفسه ليترك العنان لمشاعره تستفيض بداخله، أنهت “جيداء” حديثها ثم نظرت له بترقب متخوفة من أن يظن القبيح بها كما وصفها في لقاءه الاخير بها، لكنه فاجأها حين بهدوءٍ عاصف:
– مش عاوزك تخافي من حاجة طالما إنتي كويسة وعرفتي تحمي نفسك، والولدين دول أنا هربيهم
قالها بتوعد وشراشة جعلتها تنتفض محتجة بشدة، قالت موضحة:
– على فكرة بابي عارف!
حملق فيها “أصهب” مدهوشًا، تابعت مدركة غرابته:
– بابي عارف إنهم بيضايقوني بس، بس النهاردة زودوها معايا، وكمان بابي مكنش عاوز يعمل مشاكل علشان إحنا بنات وخايف علينا، لإنهم ولاد ناس واصلين قوي وبابي بيقول مجرمين
انصت “أصهب” لها بعناية فتابعت بتنبيه:
– اوعى يا “أصهب” تعمل حاجة أنا خايفة عليك، بابي هينقلني مدرسة تانية قريب!
ابتسم “أصهب” لخوفها عليه، رد بتوتر:
– طيب يلا علشان تمشي، لازم باباكي يعرف باللي حصل علشان يتصرف في الموضوع ده بسرعة قبل العيال دي ما يعملولك حاجة تانية مش كويسة
ثم نهض فهتفت معارضة بتوسل:
– خلينا قاعدين مع بعض شوية، كنت عاوزة اتكلم معاك
جلس ثانيةً ليقول بتردد:
– بس مش هينفع تقعدي كتير كده، زمان الحرس قدام المدرسة مستنينك ومفكرينك جوه
تجرأت لتمسك بيده غير مكترثة لكل ذلك، قالت مبتسمة بخجل:
– أنا عاوزة أقعد معاك، أصلاً مش باحب المدرسة، باحبك أكتر
ازدرد “أصهب” ريقه من نظراتها ولمساتها، عاد لفكره ما عرِفه عنها فوعي لنفسه مدركًا الواقع الأليم، رد متقيدًا بالحدود:
– على فكرة إنتي لسه صغيرة، وعيب بنت في سنك تتصرف كده
ثم سحب يده فتجهمت تعابيرها، هتفت باستنكار:
– يعني أيه صغيرة، أنا باحبك قوي، والمفروض تبقى مبسوط من كده وتتجوزني
توتر “أصهب” من كلمتها الأخيرة بل وتجرؤها على قولها، قال رافضًا بعكس ما بداخله:
– مش هينفع اللي بتقوليه دي، ازاي تفكري في كده، عارفة عندك كام سنة علشان تتجوزي أصلاً
قالت بمعنى ظانة بأنه متضايق من تطاولها عليه:
– طيب أسفة لو كنت زعلتك مني
ثم نظرت له بنظرات ساحرة جعلته يزوغ للحظات، انتبه لنفسه لينفض كل ما يفكر به، نهض من مقعده فتيقنت بأنه عنيد، نظرت له لتعارض لكنه قال بحزم أبكتها وجعلها تتذمر:
– قومي يلا علشان أوصلك واطمن عليكي، وتفكير بس في الموضوع ده تنسيه، علشان مستحيل …….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
– إقتله مش محتاجة تفكير!
هتف “فاروق” بتلك الكلمات بقلبٍ متحجر لشريكه “رائف” الذي أخبره بمراوغة “أصهب” في جلب الاوراق حين جاء صباحًا لشركته وهو غاضب بشدة، رد عليه “رائف” محبذًا ذلك:
– وعلشان يبقى عبرة لغيره من اللي يفكر يقف قصادنا
أكد “فاروق” وهو يسند ظهره على مقعده الوثير:
– وكمان الورق طول ما هو معاه ممكن يفكر يستغله، ويهددنا كل شوية، ومرة في مرة يطلب فلوس، وتبقى روحنا في إيد عيل زي ده، لأ خلينا من أولها كده نخلص منه
قال “رائف” بعقلانية:
– طيب إفرض الورق مع حد تاني زي ما بيقول، ولو فكرنا نقتله التاني هو اللي يلعب بينا
ابتسم “فاروق” بسخرية، رد باقتناعٍ تام:
– طالما بيتكلم معاك كده يبقى معاه وعارف كمان فيه أيه، مش معقول الورق هيفضل كل المدة دي عند حرامي باعته يسرق، دا على الأقل الورق هيكون عنده في ليلتها
نظر له “رائف” وقد اقتنع هو الآخر، رد بمفهوم:
– يبقى نخلص منه الأول، وبعدين نبعت اللي يفتش في شقته والمكتب على رواقة ويجيب الورق، أكيد مش هيكون مخبيه في مكان تاني، وكمان محدش يعرف بالإتفاق اللي كان بينا
سأل “فاروق” بفضول:
– طيب وهتنفذ إزاي؟
رد الأخير بقسوة جلية وقدا بدا الغموض عليه:
– دا أنا مجهزله موته ما يحلمش بيها
لم يهتم “فاروق” بذلك ليستفهم بنظرات قاتمة:
– وأخبار “عزيز” أيه بعد ما عرف بسرقة الورق؟ ……
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
إنزعج السيد “عزيز” مما أخبرته به ابنته، قصت له “جيداء” ما حدث باستثناء مقابلتها مع “أصهب” فقد أمرها أللا تحكي عنه وهذا ما أغاظها، ضمها والدها لأحضانه وهو مهتاج من الداخل، لكن لم يظهر ذلك أمام ابنتيه، جلس بها في الصالون برفقة اختها الكبيرة التي تضايقت من ذلك، لكنها متعجبة من وجوم والدها حيال تلك المسألة الحساسة، بينما قال بتفهم:
– خلاص متروحيش المدرسة لحد أما تنقلي، والولاد دول أنا هاعرف أتصرف معاهم إزاي، بس بطريقتي، هخليهم يندموا إنهم يقربولي، ومش بس هما، أهلهم كمان
قالها محدقًا أمامه بتوعد فهو يعلم بأن والد أحدهم من قام بسرقة الأوراق من عنده لتورطه في الأمر، تابع بطلب من ابنته الكبرى:
– خديها يا “رنا” علشان تاخد شاور وبعدين تنام لها شوية علشان تستريح
اومأت “رنا” برأسها بانصياع ثم سحبت اختها من أحضان والدها، نهضت “جيداء” مع اختها ثم تحركن نحو الأعلى، صعدن الدرج وسط نظرات والدهما التي تبدلت للضيق مما يحدث معه، توعد في نفسه قائلاً:
– أما نشوف أخرتها معاكوا أيه، فاكرين بكده هتهربوا من اللي بتعملوه! ……..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
حل المساء و”أصهب” مستلقيًا على الفراش في غرفته شاردًا تمامًا في تلك “جيداء” التي تعرف عليها صدفة، لعن في نفسه قلبه الذي ضعف أمام فتاة كهذه، تنهد بعُمقٍ كبير ليخرج من تلك الافكار التي آرقته، قُرِع جرس شقته فنهض ليفتح بتكاسل، تحرك متقدمًا من الباب ليفتح وإذ به صديقه “عامر”، رحب “أصهب” به فهو يلتقي به دائمًا كونه يسكن أعلاه في المبنى، قال بسماحة:
– تعالى ادخل أنا قاعد لوحدي
رد الأخير على عجالة:
– معلش يا “أصهب”، كنت عاوز عربيتك علشان ورايا مشوار مهم قوي
رد “أصهب” بنبرة غير ممانعة دون أن يسأله عن السبب:
– أكيد طبعًا تاخدها من غير استأذان، استنى أجيبلك المفتاح
ثم تحرك للداخل ليجلب المفتاح من طاولة قُرب الباب، حضر “أصهب” به ثم أعطاه له، ابتسم له الأخير قائلاً بتودد:
– ربنا ما يحرمني منك، أصلي عربيتي لقيت عجلتها نايمة خالص
رد “أصهب” بحضور ذهن:
– مافيش مشكلة، خدها ورجعها وقت ما تحب، أصلاً بكرة بافكر ما اروحش الشركة، عاوز ارتاح شوية
قال “عامر” بلطافة وهو يتأهب للرحيل:
– طيب اسيبك إنت ترتاح، تصبح على خير
رد “أصهب” عليه ثم غادر عامر ليوصد “أصهب” الباب متنهدًا، توجه لغرفته ليجد هاتفه كان يصدح قبل قليل لكنه لم يستمع له، تحرك ناحيته فصدح مرة أخرى فمط شفتيه ليرى من، وجده رقمًا مجهول الهوية فأجاب ولم يمانع قائلاً:
– أيوة
استمع للطرف الآخر يخرج تنهيدة هائمة جعلته يقلص المسافة بين حاجبيه متعجبًا، ردت بصوتها الناعم الذي عرفه على الفور:
– وحشتك مش كده؟!
فجأة خفق قلبه وزيّن ثغره ابتسامة حالمة من مهاتفتها له، استلقى “أصهب” على الفراش ناظرًا للأعلى وهو مستمر في الاستماع إليها بتوق، حيث ما زالت تتحدث برقتها قائلة:
– مش جايلي نوم قولت أتكلم معاك، لسه فيه حاجات كتير عاوزة أكلمك فيها
ثم عبثت في خصلات شعرها السوداء وهي متسطحة على بطنها فوق تختها، انتظرت رده وهي تبتسم بخبث لتدرك بأنه يتهرب منها، وعن “أصهب” تاه عن العالم من حوله وهو مغمض العينين، اختطفت قلبه برقتها، لم يحلم بأنه سيقع في غرام فتاة في عمرها أو في هيئتها يومًا، استغربت “جيداء” وجومه هذا لتستطرد حديثها مدعية الحزن:
– إخص عليك مش عاوز تكلمني، وأنا اللي افتكرتك هتبقى مبسوط لما تسمع صوتي
فتح عينيه منتبهًا لها، سريعًا نفى:
– لا مش كده، أنا بس قولتلك مش هينفع يبقى فيه بينا كلام وكده، لا تفهمي إن اللي بتقوليه ده ميصحش
اعتدلت جالسة وهي تردد بحب:
– من وقت ما شوفتك وإنت مطيّر النوم من عيني، إنت حلو قوي
ارتبك “أصهب” من حديثها المُباح، رد لتغيير الموضوع:
– قولتي لباباكي على الولاد دول واللي عملوه فيكي؟
تيقّنت أنه لا يريد التحدث معها بشان علاقتهما، ردت بمفهوم:
– كان نفسي اقول إنك اللي وصلتني وكنت معاك، وكمان حمتني منهم
رد “أصهب” بارتباك فهو لا يريد كشف سبب حضوره عندها:
– كده أحسن!
زمت شفتيها غير مفطنة غرضه من ذلك، نفضت الحديث في ذلك الأمر لتبتسم قائلة بتوقٍ ودلال ناعم:
– طيب لو قولت أنا باحبك هتقول ايه؟
اخرج قلبه دقة شاردة ليردد دون وعي:
– هقول وانا كمان
لم تصدق “جيداء” اذنيها، جحظت عيناها قائلة بعدم تصديق:
– بجد يا “اصهب” بتحبني؟!
انتبه “أصهب” لنفسه ثم اضطرب كثيرًا، رد بتلعثم:
– أ.أ.أنا يعني ..
قاطعته سريعًا لا تريده أن ينفي ذلك:
– خلاص إنت قولت إنك بتحبني، مينفعش تغير رأيك!
رد موضحًا:
– “جيدا” إنتي صغيرة قوي، مش هينفع…
قاطعته ثانية وقد احتجت بشدة:
– قولت أنا مش صغيرة
ثم تأففت كثيرًا، قبل أن يرد وجد عبر الهاتف من يهاتفه هو الآخر وموضوعًا على الإنتظار، ابعد الهاتف ليجدها اختها “رنا”، حيث أعطاها يوم مقابلته لها في النادي رقمه، توتر بشدة من مهاتفتها له، وضع الهاتف على اذنه لينهي الحديث مع “جيداء”، لكنها سبقته لتتابع بعزيمة جعلته يخشى القادم:
– وانا كمان بحبك، وعلشان تصدق هروح اقول لبابي إني باحبك وعايزة اتجوزك إنت، سلام
ثم اغلقت الهاتف ليلحقها قائلا:
– “جيدا” استني متقوليش حاجة
فات الآوان لذلك فقد اغلقت الهاتف بالفعل، ردد بخوف وهو يعتدل جالسًا:
– يا دي المصيبة واليوم النحس ده
ثم انتبه بأن رنين هاتفه عاد من جديد وكانت “رنا” أيضًا، مسح وجهه بكفه ليهدئ انفعالاته ثم نفخ بقوة وهو يلعن من بين شفتيه ما يحدث، فقد اعترفت له أختها بحبها له هي الأخرى، قبل أن يرد عليها وجد من يطرق باب شقته بعنف فنهض قلقًا، تجاهل رنين الهاتف ليرى من فالطرقات لا تبشر بخير، أغذ في السير نحو الخارج وهو يغمغم:
– خير يا رب، المصايب بتيجي ورا بعضها باين
فتح الباب ليجد بواب المبنى يقول بهلع:
– إلحق يا “أصهب” بيه، عامر بيه كان راكب عربيتك ومشي بيها شوية ولقيناها انفجرت وولعت
تملك الرعب من “اصهب” ليردد بصدمةٍ:
– إيه اللي بتقوله ده! ……………………..……………….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

error: