نوفيلا((المراهقة واللص))

الفصـل السـادس
المُراهقة واللص
ــــــــــــــــــ

وحيدًا استقر في تلك الغرفة ذي الحالة المتواضعة على سطح إحدى البنايات المتوسطة المستوى، مجفلاً في وضعه الذي تغيّر من ليلةٍ وضحاها، اختبأ “أصهب” فيها منذ عدة أيام مضت، حتى ظن جميع المتربصين به بأنه الذي احترق بداخل سيارته، عاونه على ذلك رفيق مُقرّب من “عامر”، حيث أوصاه الأخير قُبيل لفظه لأنفاسه الأخيرة بداخل المشفى بأن يلجأ إليه ومن ثَمّ يفر هو، على أريكة جانبية تسطح عليها “أصهب” مغمض عينيه ومخبئًا وجهه بذراعيه، نحف قليلاً حيث لم يجد الشهية ليتناول شيئًا، صديق دربه قُتل بدلاً منه!، سيصبح مطاردًا إذا علم أحد بأنه على قيدِ الحياة، لذا توارى عن أنظار من يعرفونه، حتى شركته التي جاهد على تحسينها أهملها لتتوقف عن العمل، تنهد بهدوءٍ حزين على ما هو عليه الآن، دقات متقطعة كأنها لغزًا يُعرب عن ماهية الطارق أفاقته من جموحه المتعمد، تلقائيًا اعتدل جالسًا على الأريكة مرتبكًا قليلاً وهو يحدق بالباب، رغم معرفته من الطارق إلا أنه بات يتخذ حذره، حيث أمسك سلاحه الناري بيده وهو ينهض كي يفتح، تحرك ببطء وعينيه تترقب الدقات، فتح “اصهب” الباب باحتراسٍ وبطء ثم وجده ذلك الرفيق الطيب فتنهد براحة مبتسمًا له ثم دس سلاحه سريعًا في سترته، قال الأخير بنبرة خفيضة بشوشة:
– خايف من أيه؟!، مش إتفقنا تحفظ الخبطة بتاعتي
تنحنح “أصهب” بخفوت مجيبًا بحرج:
– معلش يا “حسني” الإحتياط واجب!
تفهم الأخير عليه ثم أفسح له “أصهب” المجال ليمر للداخل، ولج “حسني” ثم اوصد “أصهب” الباب بالقفل ليتحرك خلفه، وضع “حسني” المتطلبات التي جلبها على طاولة صغيرة بجانب الأريكة، التفت له برأسه قائلاً باشتهاءٍ مصطنع ليفتح شهيته:
– أما أنا جايبلك أكلة حلوة قوي، كباب وكفتة إنما أيه
ثم شرح في فتح الحقائب البلاستيكة ليرتب الطعام على الطاولة، دنا منه “أصهب” ليجلس على الاريكة غير راغبٍ في تناول شيء مطلقًا، بالأحرى لم يكترث كثيرًا في التفكير في تلك الأمور، ألقى “حسني” نظرة عليه مدركًا ما يمر به، انتهى من بسط الطعام بالإضافة إلى زجاجات المشروبات الغازية الباردة، تحرك ليجلس بجانبه ثم وضع يده على كتفه قائلاً بتهوين:
– قول الحمد لله، عارف إنك زعلان على عامر، ومن كل اللي حصل ده
نظر له “أصهب” بحزن لمع في مقلتيه، تابع حسني برباطة جاشٍ:
– بس إنت لازم تشد حيلك وتعرف إنت هتعمل أيه وهتتصرف إزاي بعد كده، خصوصًا الورق اللي معاك ده، لازم تستفيد من وجوده معاك في إنك تنتقم، الورق دا قيمته عالية قوي
يتحدث “حسني” بعقلانية وهو يُحمّسه ويشد من عزمه، لكن ما جهله بأن “أصهب” لا يحتاج لكل ذلك، فقد قضى تلك الفترة يخطط عن خطوته التالية، فهو لن يمر ما حدث هكذا، رد “أصهب” باقتضابٍ:
– طيب
ابتسم “حسني” مرددًا بسماحة وهو ينهض:
– يلا قوم علشان بقى علشان تاكل، ومتخافش يا سيدي مش هاكل معاك، الأكل كله ليك إنت!
رفع “أصهب” نظراته ناحية ليسأله بغرابة:
– هو إنت رايح فين؟!
رد شارحًا بتردد:
– ما إنت عارف، مرات عامر وولاده لوحدهم، ولازم اسأل عليهم
نهض “أصهب” مستفهمًا بشغف:
– صحيح هما عاملين أيه دلوقتي؟
رد متنهدًا بأسى:
– الحمد لله، زعلانين قوي على “عامر”، بس هما وضعهم كويس قوي، والفلوس اللي اديتهالي اوديهالهم نفعتهم قوي، وحياتهم ماشية الحمدلله
اغتم “أصهب” ليسأل بحسرة:
– لا حول ولا قوة إلا بالله، طيب إنت مش كنت قولتلي إنهم هيسافروا الصعيد عند أهل “عامر”
رد “حسني” مؤكدًا:
– ايوة هيسافروا، بس مستنين الولاد يمتحنوا الترم الأول وهيمشوا على طول
هز “أصهب” رأسه بتفهم، قال “حسني” بمعنى:
– انا همشي أنا بقى، ولو عوزت حاجة اتصل بيا من التليفون اللي معاك
شكره “أصهب” بنظرة امتنان ليدلف “حسني” للخارج فاقتفى “أصهب” أثره، تمم على غلق الباب ثم توجه ناحية هاتفه، فكر مليًا في فكرة ما طرأت على ذهنه وقرر تنفيذها، ضغط دون تردد على أرقام هاتفها ثم انتظر ردها عليه، مرة واثنين على هذا المنوال حتى أجابت بصوتها الرقيق الذي أراح روحه قليلاً، نطق اسمها لتزداد فرحتها:
– “جيدا”
هتفت الأخيرة بابتهاج:
– “أصهب” حبيبي، إنت قولت يومين وهتكلمني، روحت فين وليه إتأخرت عليا كده
تحرك “أصهب” ليجلس على طرف التخت بهيئة ضجرة، رد بمفهوم:
– معلش يا “جيدا” ما أنا قولتلك ظروف، المهم دلوقتي عاوز أقابلك ضروري
صاحت مستفهمة بابتسامة متسعة:
– إمتى وفين؟، هتجنن واشوفك!
ابتسم “أصهب” بألم، تابعت هي بحزن ناعم أجج محبته لها:
– كان نفسي اقول لبابي إني باحبك، بس حظك إني لقيته نايم، بس ليه لما رجعت كلمتني أصريت مقولوش على اللي بينا، على فكرة لو خايف من بابي يرفض تبقى متعرفوش، بابي راجل متواضع قوي، مش بيهمه المراكز خالص
قالت ذلك بكل ثقة فتنهد “أصهب” قائلاً بإرادة:
– سيبك من كل ده الوقتي، المهم عاوز اشوفك، عاوز أطلب منك حاجة علشان أعرف إنتي قدها ولا لأ، بس المهم محدش يعرف إنك جيالي، حتى لو مين، هتعرفي؟
هتفت مرحبة بحماسٍ وقد تراقصت دقات قلبها:
– موافقة، قولي إمتى وفين بقى عاوز تشوفني؟…….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ألقت تلك المجلة باهمال وفتور استحوذ عليها، كانت “رنا” جالسة بغرفتها تفكر فيه ليشغلها بالكامل، رن في أذنها صوته الذي وتّر أعصابها حين قال لها على عجالةٍ بأنه سيسافر لمكان ما، مختصرًا في الحديث معها دون أن يعلمها بشيءٍ آخر، ظلت تهاتفه ولكن لا جدوى فهاتفه مغلق منذ تلك الليلة التي قامت بمحادثته فيها، نهضت “رنا” من على ذلك المقعد لتتوجه لاختها تتحدث معها قليلاً لتفرغ بعض من الضجر الجاثي على صدرها…
ولجت غرفتها لتندهش وهي تجدها تقف امام المرآة تتزين ببعض المساحيق وترتدي ثيابًا أنيقة اظهرتها أكبر من عُمرها الحقيقي بكثير، تحركت ناحيتها وهي تتأمل هيئتها باعجاب، انتبهت لها “جيداء” فارتبكت وهي تلتفت إليها، ثم وضعت أحمر الشفاة ناظرة إليها ومزيفة ابتسامة متوترة، سألتها “رنا” بتعجب وهي تمرر أنظارها على هيئتها:
– رايحة فين كده؟
ردت “جيداء” بارتباك:
– دا أنا كنت بجرب بس الفستان، أنا مش هروح في مكان
مطت “رنا” شفتيها بعدم إقتناع، قالت بمعنى:
– انا كنت جاية اقعد معاكي!
اضطربت “جيداء” لترد بتلعثمٍ:
– أ.أ.أنا كنت هنام
هتفت “رنا” بغرابة من أمرها:
– بدري كده!
ردت مختلقة حجة ما:
– اصلي تعبانة شوية
ثم وضعت يدها على مقدمة رأسها متابعة مدعية المرض:
– وعندي صداع شديد
لم تقتنع “رنا” فمنذ لحظات كانت واقفة بخير وترتدي فستانها الجديد، ازدردت “جيداء” ريقها من نظراتها التي تشك بها ثم نظرت لها بترقب، قالت “رنا” بتنهيدة:
– طيب أسيبك ترتاحي، أنا كنت عاوزة اقعد معاكي
هتفت “جيداء” بشغف:
– لما اصحى من النوم هاجي عندك ونتكلم
ابتسمت لها “رنا” بودٍ، قالت بمعنى:
– طيب خلاص أنا هكلم “نيللي” ونخرج النادي أنا وهي شوية
رحبت “جيداء” بالفكرة قائلة:
– فكرة حلوة قوي، وبرضوه تخرجي تشمي هوا
هزت “رنا” رأسها ثم استدارت لتغادر وهي تردد:
– طيب تصبحي على خير
لم تعلق “جيداء” بل تتبعتها بنظراتٍ ثاقبة حتى دلفت، على عجالة كانت ساحبة حقيبة يدها لتُعلق على كتفها متأهبة للرحيل، دلفت للخارج وبحذر شديد تسللت لتهبط الدرج وهي تراقب بنظراتها ما حولها حتى وصلت لباب الفيلا لتنطلق ذاهبة إليه مستقلة إحدى سيارات الأجرة….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
لمح والده يتحدث بطريقة مريبة مع أحدهم كأنه يتشفى في شخصٍ ما، أكمل “أنس” هبوط الدرج ليتنصت عليه عن كثبٍ فالموضوع جذبه، بأعين مظلمة تحرك ناحيته حتى تفهم موت أحدهم بتكليفٍ منه، قال “فاروق” ضاحكًا بتشفٍ:
– صورته منورة الجريدة أهي، يلا في ستين داهية، حد قاله يلعب مع اللي أكبر منه
رد عليه الآخر ضاحكًا بانتشاء، قال “فاروق” بمفهوم:
– هروح أبعت حد يشوف موضوع الورق، سلام يا “رائف”
ثم أنهى والده حديثه ليتحرك متوجها لمكتبه، راقبه “أنس” حتى ولج ثم سار ليمسك بتلك الجريدة ليرى عن من يتحدث، شهق بصدمة حين وجده هذا الشاب المرتبطة به “جيداء” وكانت على علاقة به، ردد بذهول:
– معقول!، وأيه يا ترى علاقة بابا بيه؟!
استفهم بحيرة وقد شدّد من انعقاد حاجبيه، قرر “أنس” مهاتفة رفيقه “رأفت” ليخبره، في غضون ثوانٍ معدودة كان ضغط أرقامه ليتحدث معه، هتف “أنس” بشغف:
– شوفت اللي حصل يا رأفت؟
أجاب “رأفت” بصوتٍ ناعس وهو يعتدل في فراشه:
– خير، أيه اللي حصل؟
هتف “أنس” بعدم تصديقٍ إلى الآن:
– الراجل اللي كان مع “جيدا” في الحفلة واللي ركبت معاه قدام المدرسة، إتقتل!
شهق “رأفت” ليردد باندهاش:
– مات إزاي ده؟!، يكونش أبوها عرف بعلاقتهم فقتله!
نفى “أنس” ذلك موضحًا بحيرة:
– للأسف بابا هو اللي سلط حد يقتله
اندهش “رأفت” فتابع “أنس” بحيرة:
– بس دا كان أيه علاقة بابا بيه، شكل الموضوع في حاجات كتير وإحنا مش عارفينها
اعتدل “رأفت” وقد ركز في حديثه، استفهم بمغزى:
– طيب وهنعمل أيه دلوقتي؟
التوى ثغر “أنس” بابتسامة ماكرة، رد بوقاحة:
– يعني هنراقب “جيدا” ونحاول نخطفها، استنينا كتير، وكمان محدش عرف يعملنا حاجة والموضوع شكله نام خلاص وتلاقيها مقلتش لحد أصلاً، والراجل اللي تعرفه خلصنا منه، وتلاقي ابوها مش عاوز مشاكل لنفسه فسكت، يعني محدش هيعرف إننا اللي بنجري وراها أو حتى خطفناها
لمعت الفكرة في ذهن “رأفت” ليضحى بذيئًا، كيف لصغير مثله أن يفكر هكذا بكل سفاهة، رد بموافقة فورية:
– أنا عندي اللي يراقبها، من بكرة هخليه زي ضلها منين ما تروح لحد ما نتصرف في الوقت المناسب
هتف “أنس” مادحًا إياه:
– تعجبني، يلا صحصح كده علشان نبتدي! …..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وقفت باحثة عنه في المكان المتفق عليه ليتقابلا فيه، دارت “جيداء” حول نفسها وقد جابت المكان بنظراتها المتفحصة لكن لم تجده، تنهدت بضيق وعبست لتنظر في ساعة يدها، رددت بتبرمٍ:
– فين ده لحد دلوقتي، دا قالي هكون مستني في الميعاد!
وعن “أصهب” كان بالفعل متواجدًا، لكن متخفي خلف نظارة شمسية وشارب مزيف كي لا يتعرف عليه أحد، تأفف هو الآخر من عدم حضورها إلى الآن ثم نهض من جلسته ليبحث عنها، لم يلاحظ وجودها بسبب فستانها القصير وهيئتها التي جعلتها فتاة تخطت العشرين من عُمرها، ولهذا لم تجذبه نظراته ليتأكد منها فقط ظنها غير ذلك، زفر بضيق قائلاً:
– مجتش ليه دي، ممكن حد يشوفني!
اثناء تحركه في البحث عنه كانت في ذات التوقيت تتحرك للخلف دون انتباهٍ فاصطدمت به، التفتت سريعًا له لتعتذر قائلة بحرج:
– أسفة مش قصدي
انتبه لها وهو يحدق بها مذهولاً من هيئتها ككل، ردد بعفوية:
– “جيدا”
تنبهت لصوته ثم هتفت باقتطاب:
– “أصهب”!
هز رأسه مبتسمًا لها، قال بتأكيد وهو يتأملها باعجاب:
– أيوة “أصهب”، أنا معرفتكيش
تفهمت عليه لتبتسم باستحياء، ردت بثقة مزيفة:
– دا العادي بتاعي
ضحك بخفوت على رقتها، كم كانت رائعة!، قال بمعنى:
– طيب تعالي نقعد مافيش وقت ولازم أقولك عاوز أيه
اومأت برأسها لتمتثل له ثم أمسك يدها فابتسمت بشدة وخجلت، تحركا نحو طاولة ما ليجلسا عليها وقلبها تتراقص دقاته وهي معه، جلس الاثنان في مقابيل بعضهما فنظر لها “أصهب” قائلاً بتردد:
– بجد معرفتكيش، معقول إنتي في إعدادي
ابتسمت لترد غامزة بعينها:
– قولتلك مش صغيرة!
ثم نزع نظارته ليتسنى له تأمل جمالها وتلك اللمعة الساحرة في عينيها السوداء كسوادِ الليل الحالك، مرورا بشعرها الحريري الذي أبان بياض بشرتها الرقيقة، لشفتيها الصغيرتين الذي جذلته من الحظة الأولى للتطلع عليهما ومن ثم …
أفاق “أصهب” من شروده المُباح مضطربًا، نظر لها وجدها تبتسم بمكر كونها استشعرت نظراته نحوها، سألته بجراءة:
– عجبتك؟!
ارتبك “أصهب” مجيبًا بتوضيح:
– أي بنت حلوة لازم أي حد يبصلها
أسندت ساعديها على الطاولة لتبدو المسافة بينهما ضئيلة، سألته بخبث:
– وإنت شايفني حلوة علشان تبصلي كده؟
تأجج توتره ليُعلن بالأخير مُغايرته للموضوع، قال بارتباك:
– خلينا في الموضوع المهم اللي كنت عاوزك فيه، انا مش هينفع أفضل هنا كتير أو أكون معاكي برة كده!
تأفف “جيداء” لتردد بغضبٍ طفولي:
– على طول كده بتغير الموضوع، متنساش إنك قولتلي إني باحبك، يعني متخبيش بقى
رد “أصهب” بجدية بعض الشيء:
– “جيدا” لو سمحتي خلينا في الموضوع اللي جتيلي هنا علشانه
تنهدت “جيداء” بعبوس جلي معلنة استماعها له، قال ببراءة:
– باحبك اعمل أيه، على فكرة دمك تقيل قوي، المفروض تقولي وحشتني والكلام ده
تنهد قائلاً ليريحها:
– طيب وحشتيني وباحبك، ممكن بقى تسمعيني
ابتسمت بخجل لتهز رأسها بموافقة، تابع “أصهب” بنبرة مقلقة:
– “جيدا” اسمعيني كويس، فيه ورق مهم قوي معايا كنت عاوزك تسلميه لوالدك، الورق دا فيه حياتي، أنا في نظر اللي عاوزينه مقتول، صاحبي مات بسببه وافتكروه أنا
لم تستوعب “جيداء” كل هذا الحديث ليصبح فوق ادراكها، ظنت نفسها تتابع فيلما أجنبيا لم يمس الواقع بصلة، أحس “أصهب” بها ليتابع بحرسٍ أشد:
– عاوزك بس تاخدي الورق تديه لوالدك، هو أول ما هيشوفه هيعرف يتصرف
رغم أن الحديث لم تستوعبه لكن فكرها دفعها لتقول بتلقائية:
– هو دا الورق اللي كنت عاوز تسرقه من خزنة بابي؟!
اعجب بتفكيرها فأكد مع هزة من رأسه قائلاً:
– هو يا “جيدا”
سألت بعدم فهم:
– طيب ما توصله لبابا إنت، حتى هينبسط منك؟
رد “أصهب” مدركًا بأنها ستسأله عن ذلك:
– باباكي لو عرف إن الورق كان معايا هيعرف إني كنت عاوز أسرقه، وممكن يفكر إني مرتبط عن الأعمال المشبوهة اللي فيه، وأنا ماليش علاقة، خليني بعيد افضل، على ما يوصل للناس دي
حركت رأسها متفهمة، سألت باهتمام:
– طيب لو عملت كده هشوفك تاني، ولا هتهرب ومش هتكلمني
رد بإماءةٍ خفيفة:
– هشوفك يا “جيدا”، علشان كمان هتبقي حلقة وصل لو فيه اي حاجة، بس مبقيناش هنتقابل برة، خليها في المكان اللي قاعد فيه أضمن، علشان محدش يشوفني أو كده
اتسعت بسمتها الشقية، قالت بحماس:
– دي أحسن فكرة، عندك أضمن، وكمان أنا باجي بتاكس، يعني محدش هيعرف إني جيالك، قولي بقى ساكن فين؟
رد بشرحٍ مقتضب:
– في اوضة صغيرة فوق عمارة في وسط البلد، هكتبلك عنوانها
اشفقت “جيداء” عليه لتقول باحتجاج:
– ليه تعذب نفسك وتقعد في مكان وحش زي ده؟
– اعمل أيه ما أنا مستخبي!
قالها بقلة حيلة حمّستها لتقول بحسمٍ:
– لا مش هتقعد في المكان ده، عندي ليك مكان أحسن بكتير، ومحدش هيعرف إنك فيه
سألها بفضول:
– فين؟
نظرت له لترد بعزيمة:
– هتقعد في شقة بابا اللي في جاردن سيتي
اختلجت انفاس “أصهب” وهو يتطلع عليها بتخوف، طمأنته قائلة:
– محدش بيروح فيها ومقفولة من زمان قوي، حتى بابا مش بيخلي حتى حد يدخل ينضفها، وأمان ليك علشان محدش هيشك إنك في بيت الوزير
فكر “أصهب” بعقلانية في حديثها، تابعت هي بحب وهي تتجرأ وتمسك بيده:
– وكمان اروح أشوفك في مكان أعرفه ويكون نضيف
ازدرد “أصهب” ريقه من أفعالها المُباحة، سحب يده ليوافق على ذلك قائلاً بعدما فكر بتعقل:
– خلاص موافق
ابتسمت باتساع وهي تقول بتصفيقٍ:
– أيوة كده علشان أشوفك براحتي، النهاردة خلاص هيكون مفتاحها عندك!
تنهد بعُمقٍ ثم قال بتكهّن:
– المهم دلوقتي توصلي الورق
ابتسمت وهي تفكر ليهديها تفكيريها الخبيث لاستغلال الموضوع أكثر لصالحها ثم فركت أسفل ذقنها، نظر لها “أصهب” مترقبًا ردة فعلها بغرابة فبدت نظراتها غير مفهومة، فاجأته حين قالت بجدية حاسمة:
– لو عاوزني أعمل كده اوعدني تتجوزني، قولت أيه؟ ….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
يتحدثن عنه بسؤال من الأخرى وجواب منها هي، حيث افرغت “رنا” ما تضمره بداخلها من أسرار لرفيقتها المقربة “نيللي”، بعدما تواعدن للقاء بداخل النادي، قالت “نيللي” بمعنى:
– هيكون راح فين يعني، تلاقيه عنده شغل وهيرجع
هتفت “رنا” باستنكار:
– شغل أيه اللي يخليه يقفل تليفونه!، دا أنا مش عارفة اوصله وهتجنن، بفكر اسأل عنه وأشوفه فين!
ردت “نيللي” بعقلانية:
– طيب استني شوية يمكن سافر برة ومعندوش رقم وهيرجع قريب ولا حاجة
زمت “رنا” شفتيها مفكرة، قالت بتجهمٍ:
– يا رب يكون زي ما بتقولي، أنا خايفة يكون بيتهرب مني، اصل الفترة اللي فاتت من وقت ما اخدت رقمه كنت بكلمه أنا وبيبقى عامل مشغول، عُمره ما كلمني
قالت “نيللي” بتفهم:
– تلاقيه مش زي ما إنتي فاهمة، معقول بنت في جمالك حد يتهرب منها، دا كفاية “محي” واللي عملاه فيه، مش بيبطل يسأل عنك يا جميل كل أما بيشوفني
لوت “رنا” ثغرها لتهتف بحنقٍ:
– هو الواد ده مش هيحل عني بقى، انا قرفت منه، بيكلمني كأني مراته وواثق من نفسه، مريب كده وبيخوفني لدرجة إني بافكر إنه ممكن لو تضايقته بكلمة يعملي حاجة وحشة
لكزتها “نيللي” بخفة لترد غامزة بمكرٍ:
– بيحبك يا جميل، هو الحب كده
زفرت “رنا” بانزعاج قائلة بعدم اهتمامٍ:
– وأنا مش باحبه، يا ريت يبعد عني!……
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وقفت بالأعلى عند مُقدمة الدرج منزوية خلف ذلك العمود الضخم تتابع بشغفٍ قاتل والدها الذي ولج الفيلا ومن جانبه يتقدم منه الخادم حاملاً لتلك الاوراق التي اعطاها لها “أصهب”، حيث بحنكةٍ وضعتها في صندوق البريد الخارجي وهي مُتخفية، حتى تصل لوالدها بشكلٍ طبيعي وتضمن توصيلها له فقد ظلت تراقبها حتى أتى الخادم بها، مد الخادم يده بالأوراق له قائلاً:
– الورق دا وصل حضرتك النهاردة يا “عزيز” بيه
نظر السيد “عزيز” للأوراق قاطبًا الجبين، تناولها منه ليتفحصها ببطء، من الورقة الأولى تعرف عليها، أجل هي الأوراق المسلوبة من خزنته الخاصة، تحير السيد “عزيز” ليردد مذهولاً:
– مش معقول، إزاي ترجع تاني؟!
صمت ليحدق أمامه بتفكير عميق، حدث نفسه ببصيرة:
– معنى كده إن اللي سرق الورق حد غير اللي يهمهم أمرها، وممكن حصل حاجة تخليه يرفض يديهم الورق
ثم تنهد متحيرًا بشدة، راقبته “جيداء” مبتسمة بغبطة لتنفيذ ما خططت له، تحرك نحو غرفتها وهي تردد بتهللٍ:
– لازم أقول لـ “أصهب” وأفرحه، تلاقيه راح شقة جاردن سيتي….
في الأسفل كان قد أجرى السيد “عزيز” مكالمة عاجلة مع أحد المسؤولين ليخبره بسرية عن ذلك، انهى حديثه ليتفقا على مخطط ما، في النهاية قرر “عزيز” شيئًا ما حين قال لنفسه بشكيمةٍ:
– الورق دا مش لازم يفضل هنا، بس أوديه فين؟
ثم فكر بعقلانية ليجد المكان المناسب، دون إنذارٍ خطرت على باله شقته القديمة ليجدها الحل الصائب، قال بانشراح:
– مافيش غيرها، هي شقة جاردن سيتي! ………………….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

error: