نوفيلا((المراهقة واللص))

 

الفصــل الثـالث
المُراهقة واللّص
ــــــــــــــــــ

ركضت غير مبالية بمن حولها لتمسك به بمعنى أصح، هو لص؟!، لا وبالأحرى اعتبرته حبيبها الضائع، اهتاف قلبها عليه وازدادت ضرباته، لأول مرة تمر بذاك الشعور الذي اختلج قلبها منذ رأته، أسرعت “جيداء” في الركض نحوه ووجهها متهلل من فرط سعادتها، سرعتها تلك أدت لعدم عثور الفتية عليها فقد تاهت وسط المدعوين، وقفوا متحيرين وسط الحفل يبحثون بنظراتهم عنها من حولهم، تجهمت قسماتهم ليهدر “أنس” بتثبيطٍ:
– راحت فين دي، دا أنا لسه شايفها، لحقت تهرب؟!
زفر “رأفت” بضيق وعينيه تجوب المكان، هتف بغيظ ناظرًا له:
– هتروح مننا فين بس، هنشوفها في المدرسة، بس وقتها مش هسيبها!
بمكر نطق بتلك الكلمة، رد “أنس” باملاقٍ:
– بس دي هتخلي ابوها ينقلها، البت صاحبتها قالت كده، وإنت عارف ابوها وزير ومش هيغلب في الموضوع ده
رد “رأفت” بحنقٍ وقد انتوى لها:
– بس قبل ما تتنقل هوريها هاعمل أيه، أنا خلاص هي عجباني!
اظلم “أنس” نظراته نحوه فابتسم الاخير بمكر، قال بمغزى:
– هو إنت هتوريها لوحدك، تعالى يلا ندور عليهم يمكن نلاقيها
قالها وهو يدفعه من كتفه ليتحركا بعد ذلك باحثين عنها ونظرات المكر تملأ أعينهم، لم يليق عليهم تلك التصرفات الشيطانية، فربما اهمال والديهم تتبع ما يفعلانه من خلفهم سببًا تليدًا في تدني فكرهم، ربما رفاهية عيشتهم تستحوذ على جزءٍ من سوء أخلاقهم، ليصبح بالاخير وجود هذا الشباب العاق……
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فور مغادرة صديقه تفاجأ بمن يحتضنه من الخلف بقوة، وجه “أصهب” نظراته على تلك الأذرع التي تحاوط خصره فوجدها لفتاة فاضطرب ليبعدها عنه حين تملص منها، استدار بجسده نحوها لينصدم من رؤية تلك البنت ابنة الوزير، سريعًا كانت “جيداء” مرتمية في احضانه ومتشبثة به، هتفت باشتياق:
– وحشتني، أنا كنت هاتصل بيك في يوم الاجازة، وكنت بافكر أجيلك كمان
ازدرد “أصهب” ريقه بتوتر وهو يمرر انظاره على من حوله خيفةً من رؤية أحد لهما، تحرك بها وهي في أحضانه ليتوارى بها عن الانظار، منتصف بعض الزروع في الحديقة وقف وهي معه فهو مكان آمن له بالأكثر لتخوفه من فضح أمره على يد تلك الفتاة المجنونة كما وصفها، استسلمت له ليأخذها أينما كان ولم تعارض مطلقًا فباتت متعلقة به، رددت بعشقٍ:
– وديني في أي مكان مش هاقول لأ، المهم أكون معاك
بصعوبة أبعدها عنه لكن ليس كثيرًا، نظر لها قائلاً بنبرةٍ متضايقة خفيضة:
– عاوزة مني أيه، عارفة لو قولتي عليا، هموّتك، فاهمة
نظرت له “جيداء” بصدمة من تهديده، اضنتها كلماته رغم معرفتها بأنه يفتعل ذلك لخوفه من فضح أمره، اعتزمت التدلل عليه فردت بجراءةٍ وهي تحاوط خصره:
– طيب محدش شايفنه، اعطيني قبلة
ثم اغمضت عينيها وهي تقرب فمها فاندهش من وقاحتها، رغم ذلك دفعته رغبة في تجريب القبلة تلك حين سلط أنظاره على ثغرها، ارتبك رافضًا ليفعل ذلك مع فتاة لم يربطهما شيء، قال برفضٍ بعكس ما بداخله:
– مش هينفع، يلا ابعدي
ثم دفعها لتتراجع خطوة جعلتها تفتح عينيها متذمرة، قالت بحزن زائف رسمته على طلعتها:
– كده بسهولة كده مش عاوز تقربلي، وأنا من وقت ما سبتني وأنا بفكر فيك، حبيتك من أول مرة وكنت باحلم بيك
ثم دنت منه لتقترب ثانية من وجهه لتطوق عنقه ونظراتها تتمرر على ملامحه بهيام وحب فاضطرب ليتوتر أكثر من جراءتها تلك، وضعت قبلة على خده فذاب فيها، همست بنعومة:
– مش هقول عليك، بس خدني معاك
اجفلت عيناه لتخترق رائحتها أنفه، ضمها إليه فابتسمت، رد بصوتٍ مبحوح:
– مش هينفع
نظرت لعينيه قائلة بحزن طفولي:
– ليه بقى؟، على فكرة لو حتى سألوني هاقول عاوزة ابقي معاك، ومش هرجع معاهم!
سحرته نظراتها وجمالها الذي لمح فيه طفولة رائعة وهو يتطلع عليها، لم يعي مطلقًا بعُمرها فقد خدعته هيئتها دون درايةٍ منها، هي فقط تريد من يحتويها كما تشاهد في التلفاز ومن حولها، اقتربت منه راغبة في أخذ قبلة، جذبته كالمغناطيس إليها ليقترب منها هو الآخر، فجأة افاق مما هو فيه ليبعدها متراجعًا للخلف لا يريد الدخول في علاقات ربما ستسبب له مشكلات بسبب مكانة والدها، عبست “جيداء” لتهتف بغيظ:
– ليه بتعمل كده، فاكر نفسك أيه، إنت واحد حرامي، يعني يزيدك شرف تقرب مني، وأكيد عارف أنا بنت مين
تحكم “أصهب” في أنفاسه الغاضبة من نعتها له بالسارق، رد متطلعًا عليها بقسوة:
– إنتي واحدة قليلة الادب، شكلك مش متربية، أي واحد تشوفيه تتعلقي بيه وعاوزاه يقرب منك، رخيصة يعني
لم تحتمل “جيداء” حديثه المُستهجن في شخصها فهي ليست كذلك، صفعته بقوةٍ فجحظ عينيه مصدومًا من ضربها له، حدقت به بغضب وصدرها يعلو ويهبط لاستخفافه بمشاعرها التي لاحت نحوه هو فقط، تأجج غضبه وقرر الثأر لكرامته، عاقبها بطريقةٍ أخرى حين دنا منها بغتةً ليلوي ذراعها خلف ظهرها فتألمت، بيده الأخرى قبض على كعكة شعرها جاذبًا رأسها للخلف فنظرت له برهبة، انتوى الاعتداء عليها ليوحي لها بأنه يحتقرها فذلك كفيل باشعارها بالتدني، وخاصةً بأنه لا يوجد من يراه متناسيًا كل شيء فقد اهانته للتو بتطاولها عليه، رغم ذلك لم يستطع فعل ذلك، لصغر عُمرها لم تعي ما يريده منها حين نظرت له ببراءة بالفعل فيها، بالأخير كبح “أصهب” غيظه منها متخذًا في اعتباره مركز والدها، أو اعترافها عليه أيضًا، تراجع دافعًا إياها للخلف قبل أن يتهور ومن ثَم يندم، فركت هي ذراعها وهي تنظر له بنظرات خوفٍ واندهاش، أمرها متحكمًا في نفسه:
– يلا امشي من قدامي قبل ما تندمي على وجودك معايا
تناست تعلقها به ليحل الخوف منه مكانه، هناك من حثها لترضخ لأمره، حيث تحركت لتبتعد عنه راحلة وقلبها ينتفض بتخوف، اقتفى أثرها مزعوجًا وهو يزفر بضيق ثم تحرك ليغادر المكان، انتبه الفتية أثناء بحثهم لخروجها من وسط الزروع بتعابيرٍ ممتقعة متوجسة، أثناء انكتالها المضطرب مرت من أمام الفتية كأنها لم ترهبهما قط أو بالأحرى لم ترهما، بل رهبتها كانت من الآخر، اندهشوا من هيئتها فردد أحدهم بغرابة:
– مالها دي خايفة من أيه؟، مش معقول مننا دي معدية من قدامنا!
مط الاخير شفتيه متحيرًا، لمح شخصًا ما يخرج من الزروع مكان خروجها هي فرمقه بقتامة، خبط صديقه على كتفه قائلاً بمغزى:
– شوف كده، لسه خارج من المكان اللي خرجت منه
التفتت الآخر لما يشير عليه صديقه، رد بنظراتٍ مظلمة وهو يتفحص هيئته:
– دا الموضوع كبير بقى، دي طلعت سهلة وماشية مع الكل
ابتسم صديقه مرددًا بمكر:
– كده بقى سهلّنا كل حاجة، هو يعني هيتسلى لوحده
نظر له الآخر قائلاً بخبثٍ أشد:
– بتفكر في اللي بافكر فيه
التوى ثغر رفيقه قائلاً بوقاحة:
– لو موفقتش تيجي معانا هنهددها، بس المهم طلع موبايلك وخُدله صورة حلوة كده علشان تعرف إننا عارفين
ابتسم الآخر باعجاب ثم أخرج هاتفه ليلتقط صورة لـ”أصهب”، عن كثبٍ، ردد بنظراتٍ ماكرة:
– ماشي يا ست “جيدا”، وقعتي ولا حدش سمى عليكي…….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
انتهى الحفل فغادر السيد “عزيز” برفقة ابنتيه، في الطريق كانت “جيداء” في عالمٍ آخر، تعود بذاكرتها وقت تعلقت به وأحبته، إلى طريقته العنيفة في التعامل معها، أخافها بشدة فباتت تخشاه، رغم ذلك لم يتقلص حبها له، ربما تطاولها عليه من دفعه لذلك، لكنه أخطأ في حقها، تضايقت بشدة لتأزّم علاقتها به فقد عشقته بصدق وتعلقت به، لم تفكر مطلقًا كونه لصًا، بل ما جعلها تحتار هو وجوده في مكانٍ كهذا، ناهيك عن ثیابه الراقية وسط الجميع، تسائلت، هل هو معروف؟!، احتارت بشدة وأخذت تفكر في الأمر، ما اراحها وجود ارقام هواتفه معها، أيضًا عنوان مكتبه، سيساعدها ذلك في كشف هويته ثم تنهدت، فور وصولهم كانت الأحوال مضطربة والأمن في كل مكان يملأ انحاء الفيلا داخلها وخارجها، ناهيك عن سيارات الشرطة وأصوات الهواتف اللاسلكية، ترجل السید “عزیز” حين فتح له السائق وهو مدهوش وقلق في ذات الوقت، بدا الخوف على هيئة الفتاتين فتشبثت كل منهن بالأخرى، طمأنهن والدهن قائلاً بهدوءٍ زائف:
– متخافوش يا بنات، خدي اختك يا “رنا” في اوضتك على ما أشوف فيه أيه
أخذت “رنا” أختها معها لتولج الفيلا وهي تضمها إليها لتشعرها بالأمان رغم توجسها، تقدم المحقق من السيد “عزيز” الذي سأله بنبرةٍ عملية حازمة:
– ممكن اعرف حصل أيه، وبتعملوا أيه هنا؟!
رد المحقق خافضًا رأسه باحترامٍ موضحًا:
– حضرتك وصلّنا ابلاغ إن كان فيه لصوص اقتحموا الفيلا واللي شافتهم واحدة من الخدامات
– ومسكتوهم؟
سأله بضيق وقد قست نظراته، حرك رأسه بنفي قائلاً:
– للأسف، الخدامة تم ضربها فاغمى عليها ولما فاقت قالت عن كل حاجة، وهما كانوا هربوا، حاولنا نتصل بسيادتك بس حضرتك قافل تليفونك
انزعج “عزيز” فتابع المحقق حديثه باستغراب:
– بس اللي مش فاهمه إنهم مسرقوش أي فلوس لما فتحوا الخزنة الخاصة بحضرتك، الواضح كده إنهم سرقوا اوراق ممكن
قلص “عزيز” المسافة بين حاجبيه ليفكر في ذلك، تابع المحقق بتفهمٍ واطلاع:
– اتفضل معانا سيادتك علشان تشوف أيه اللي ناقص في الخزنة، واللي يخليهم يتجرأوا ويعملوا كده في فيلة سيادتك ومش خايفين من أي حد
اومأ “عزيز” برأسه متفهمًا، اثناء سيره للداخل زاغ فيما حدث، فورًا انصب فكره حين استعاد تركيزه على الأوراق الخاصة بالعمليات المشبوهة والتي تضم اسماء بعض رجال الاعمال العمالقة، أسرع في خطواته نحو مكتبه برفقة المحقق ليتأكد من ذلك، فور عدم رؤيته لتلك الاوراق الخطيرة اغتم كثيرًا، هدر بانفعال:
– يادي المصيبة السودة!…..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ولج “أصهب” لشقته في إحدى العمارات بمصر الجديدة وهو مكفهرًا حيث ما حدث مع تلك الفتاة جعله مرتعدًا من القادم، تحرك للداخل فوجد صديقه “عامر” بانتظاره، كان على علمٍ بأنه غادر الحفل حين جاءه اتصال ما من الذين قاموا بمهمة السرقة، جلس بجانبه على الاريكة ليستفهم:
– عملتوا أيه؟
جاوب “عامر” ببسمة ثقة وهو يمد يده له بالاوراق، تطلع “أصهب” على الاوراق ثم تناولها بشغف، أخذ يُطالع فحواها بتفحصٍ ثم فغر فاهه مصدومًا، هتف باندهاشٍ جم:
– أيه اللي في الورق ده؟!
رد “عامر” باستفهام:
– هو الورق دا فيه حاجة خطيرة ولا أيه؟، أصلي مفتحتوش!
رد “أصهب” بتشفٍ وهو يحدق بالأوراق:
– دا الورق يودي في ستين داهية، وأولهم الباشا
اعتدل “عامر” في جلسته ليسأله بارتياب:
– “أصهب” قولي هتعمل أيه، حاسس إنك مش هتسلمه الورق
نظر له “أصهب” مبتسمًا بمكر، رد بقتامة:
– معقول الورق دا هيكون قصاد شوية الفلوس اللي مضيت عليهم
حدق به “عامر” غير متفهمٍ، قال بخوفٍ عليه:
– أنا خايف عليك، متلعبش مع الناس دي إحنا مش قدهم، سلّمه الورق وهات الوصولات خلينا نخلص
لم يكترث “أصهب” لحديثه بل جاءت تلك الفتاة في ذهنه، لا يعرف لما ولكنه أراد رؤيتها ثانيةً، حثه شيء ما لعدم الإذعان لكل ذلك بتلك السهولة، حدق أمامه في نقطة ما، رد “أصهب” بعزيمةٍ وقد انتوى للخوض في تلك المعركة المجهول خباياها:
– يعني لازم أستفيد، مش كفاية ربالي الرعب الفترة اللي فاتت، هطلع عينه أنا كمان ……………………..………….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

 

error: