نوفيلا((المراهقة واللص))

الفصـل الثـاني عشر(الأخيـــر)
المُراهقة واللص
ـــــــــــــــــــــــ

انزعج حين علم بأنه سيتخلى عن دراسته في مدرسته الخاصة، ويعني ذلك تخيیره ما بين الحكومية التي تجمع عامة الشعب من الطبقات الأخرى، لم يحبذ “أنس” ذلك وتذمر، لكل ماذا سيفعل أقرباءه حيال دفعهم تلك المصروفات التي تطلبها تلك المدارس الغالية، تخلى والديه عنه ليصبح مخيرًا، وجعه قلبه من تبدل حاله في لحظة، لأول مرة يبكي هكذا، جلس على مقعد في ساحة المدرسة يحدث نفسه شاعرًا بالضياع، مرر أنظاره بحسرة على مدرسته التي سيحرم منها، لمح رفيقه “رأفت” يضحك عاليًا ومعه فتاة ما رفيقه، شعر بوخزة في قلبه حين رمقه بنظرة بلا مشاعر، حزن “أنس” في نفسه ولكن بداخله نبت كره عميق له لتخليه عنه، ارتاب في حديثه الهامس مع الفتاة فهو يعرفهما جيدًا، دفعه شعوره لمراقبتهما وذلك حين أخذها “رأفت” لزاوية ما ويبدو أنهما يتفقان على شيءٍ ما خبيث، اقترب بحذرٍ منهما وهو محاول التواري عن أنظارهما، سمع “رأفت” يتحدث بغموض:
– مش مشكلة إنها مبقتش معانا، هي بتروح النادي وعاوزك تعرفيلي الأوقات اللي بقت بتروح فيها!، وكمان بصراحة مبسوط قوي في اللي حصل لـ “أنس”، أخيرًا هتبقى ليا لوحدي
ردت الفتاة مبتسمة بخبث:
– كل حاجة هتكون عندك، أصلاً هي مبقتش تكلمني، بس واحدة صاحبتي عرفت إنها بقت بتروح النادي وكتير عن الأول، يعني فرصة إنك تستفرد بيها سهلة، بس متنساش الحلاوة
– إنتي تؤمريني
قالها بوقاحة فضحكت الفتاة ضحكة مقززة لا تتناسب مع عُمرها، بينما جحظ “أنس” عينيه ليحدق في نقطة ما وهو يخمن عن من يتحدثون، فكره أوصله أنهما يتحدثان عن “جيداء”، انتوى لهما ثم أخذ يتابع في صمت ما يخططان له محدثا نفسه بتوعدٍ:
– مفكر عاوز تاخدها لوحدك، وكمان فرحان فيا، طيب أنا بقى مش هخليك تتهنى يوم واحد في حياتك
بدا “أنس” يفكر بشراشة لينتقم منه، حالته التي اندحرت أوصلته لذلك، لم يفكر مطلقًا في مستقبل ليجد نفسه ضائعًا، متعطشًا لأن يتذوقوا مرارة ما اضحى فيه…..!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
برفقة صديقتها داخل النادي جلست تقص عليها ما حدث، ابتئست “رنا” مما مر عليها هي واختها، والتي ساء وضعها، خاصةً بعدما علمت برحيل “أصهب”، قالت “نيللي” بتنهيدة:
– أنا صعبان عليا “جيدا” قوي
حدجتها “رنا” بعبوس، هتفت بتبرمٍ:
– وأنا مش صعبانة عليكي، بعد ما كان هيتجوزني طلع مش بيفكر فيا أصلاً وعمّال يحب في اختي
اعترضت “نيللي” بدراية:
– هو كان بيحبها قبلك يا “رنا”، يعني كانت متعلقة بيه وفجأة لقاته عاوز يتجوزك إنتي، بصراحة الله يكون في عونها، زمان قلبها مكسور وهي في السن الصغير ده، البنات بيحبوا فيه ببراءة ونقاء من جواهم
زاغت “رنا” في حديث رفيقتها فهي بالفعل مُحقة، كانت هي الدخيلة عليهما، لكن ماذا بيدها أن تفعل فهذه مشيئة القدر، ردت مقتنعة:
– ربنا يحميها، أصلاً “جيدا” بريئة وتتحب، هي تلاقيها اتعلقت بيه علشان محتاجة حد جنبها، هي حبيته وشافت فيه الأمان
ثم تنهدت بقوة لتجد من يقف بجوارها ممسكًا بباقة من الزهور تشبه ما أرسلها “أصهب”، ناولها لها الرجل مبتسمًا بتصنع:
– الورد دا مبعوت مخصوص لسيادتك
ثم ناولها لها ورحل، عقدت “رنا” بين حاجبيها وهي تتأمل الزهور، قالت بعدم فهم:
– الورد ده زي اللي كان بعتهولي “أصهب”، طيب هو سافر، هيكون مين اللي بعته يعني؟!
بدت متعجبة من ذلك، ردت “نيللي” باستنباط:
– ما يمكن مش هو “أصهب” اللي كان بعتهولك، ولا إنتي متأكدة؟!
نظرت لها “رنا” بشرودٍ تفكر فيما قالته، هي لم تتأكد بأنه “أصهب” بل خمنت ذلك، ردت بحيرة:
– طيب هيكون مين لو مش “أصهب”؟!
جهلت “نيللي” الرد على ذلك، بينما لمحت “رنا” ورقة صغيرة مدون عليها كلام ما، نظرت لها باهتمام ثم أخذت تقرأ فحواها، نفس الخط ولكن بكلماتٍ أخرى، تحيّرت “رنا” أكثر فوجدت صديقتها تسألها بفضول:
– عرفتي مين دا يا “رنا”؟
نظرت لها “رنا” مفكرة لكن لم تنطق لتجاوب، دفعها شعور ما للتطلع حولها فربما من أرسله هنا، جابت جميع الأماكن بنظراتها الشغوفة حتى سقطت على من لم تتخيل أن يكون هو، كيف لها أن تتأكد وبسمته تلك تقول أنا الراسل، لم تتوقع ذلك فدائمًا تجده شخصًا متملك لا يعي تلك المشاعر، كذلك استنكرت كتابته لهذا الغزل المُسلب للعقول، شهقت في نفسها مرددة بعدم تصديق:
– “محي”!…….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
اعتزمت أن تشغل وقت فراغها وفكرها المأنوس بممارسة رياضة التنس، خطوة جديدة من “جيداء” لتتناساه وتستمر حياتها، كل ذلك كان خارجيًا فقط لكنها كانت طوال الوقت راسمة صورته أمامها، اجتهدت في دراستها حتى انتهت فترة امتحاناتها، وذلك بعدما اقترنت بمدرسة أخرى، ظنّت بأنها ابتعدت عن من يضايقونها، لكن أحدهم كان لها بالمرصاد، ومن غيره “رأفت”، هو بالفعل جاء من أجلها حيث تسلل خفية لداخل مكان تغيير الثياب بداخل النادي والخاص بالنساء، بفضل مساعدة إحدى الفتيات، لسوء حظ “جيداء” كانت بمفردها ثم شرعت في تبديل ثيابها غير منتبهةٍ له وهو يختلس لها النظرات المباحة وهو يختبأ خلف إحدى الخزانات، قرر “رأفت” التحرك نحوها وذلك لقضاء بعض الوقت المحرم معها، صرخت “جيداء” بغتةً حين وجدته يحاوطها من الخلف، ابتسم “رأفت” وقد بدت لهفته، قال بحب:
– متخافيش أنا “رأفت”
ارتعبت خشية تطاوله عليها، هتفت وهي ترتجف:
– لسه زي ما إنت، ملكش دعوة بيا يا حيوان إنت
حاول أن يديرها إليه ليتمكن منها ولكن لم تلبث محاولاته طويلاً حتى وجد من يطعنه من الخلف دون مقدوماتٍ أو حتى ردع، للحظة خاطفة كان “رأفت” يرى الضباب من حوله حيث تشوشت رؤيته، لم تدرك “جيداء” ما حدث معه كونه من خلفها، لكن حين ارتخت ذراعاه التي تكبلها حتى التفتت سريعًا ناحيته مبتعدة، صرخت بعنفٍ وهي تراه ملقيًا على الأرضية أمام قدمي “أنس” الذي يمسك بسكينٍ شبه كبيرة تستخدم في الطهي، نظرت له بخوفٍ خشية أن يتخلص منها هي الأخرى، قرأ “أنس” افكارها فطمأنها قائلاً:
– متخافيش أنا بدافع عنك، وهو يستاهل، عملت كده علشان باحبك بجد!!
إثر صراخها العالي جاء رجال الأمن الخاص بالمكان ليروا ذلك، سريعًا ركضوا ناحية “أنس” الذي لم يقاومهم قط، بل كان مذعنًا لما يحدث له، حتى كبلوا يديهم بالأصفاد، نظرت له “جيداء” بشفقة فاستعطفت الأمن قائلة:
– هو كان بيدافع عني!
– إحنا هنسلمه وابقي قولي كده في القسم، إحنا ملناش دخل، بس المفروض تروحي القسم تقولي اللي حصل
ثم سحبوه فنظر لها “أنس” قائلاً بدموع:
– سامحيني يا “جيدا”
آلمها قلبها من نبرته الضالة والمفقودة للتطلع لأي شيء وهي تتابع خروجه بنظراتها المشفقة عليه، بينما حضرت سيارة الإسعاف لتنقل جثمان “رأفت” وهي ما زالت واقفة مشدوهة تتابع كل ذلك، لحظات وولجت اختها حين علمت من إحدى رفقاتها بما حدث، لم تحضر بمفردها بل جاء “محي” معها ليشاركها ذلك كونه تقرب منها ليتحدثا أفضل، اقتربت “رنا” منها لتضمها لصدرها متسائلة بقلق:
– “جيدا” اختي، فيه حاجة حصلتلك؟
ردت بألمٍ وهي تحدق في الفراغ:
– “أنس” كان بيدافع عني، متخلهمش يقبضوا عليه
مسدت “رنا” على ظهرها بلطف، قال “محي” بتفهم:
– موقفه مش هيبقى صعب قوي، دا لسه عيل يعني مش هيتحبس
لم تعي “جيداء” ذاك فقالت “رنا” بمعنى:
– وكمان هخلي بابا يقف معاه، المهم دلوقتي تكوني بخير يا حبيبتي
ردت باقتضابٍ وقد هدأت بعض الشيء:
– أنا بخير …….!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ظهرت سماحة السيد “عزيز” في الوقوف مع “أنس” مخففًا من عليه العقوبة كونه ما زال قاصرًا غير مدركٍ لفعلته حسب القانون الموضوع، لارتكابه جريمة قتل غير عمدٍ كما اقرت “جيداء”، لكن بداخل “أنس” اراد التخلص منه ليضمر ذلك فهو قد انتهى، لكن دوافع جمة من حوله جعلته يفكر بإجرامية، ليس له دخل فيها، تلك نتيجة الإهمال التي ضيعت أطفالاً لم يصبو في الدنيا كثيرًا لتجد الحياة توليهم ظهرها…

مرت بعدها سنوات لتتناسى “جيداء” بالكامل كل ذلك منتبهة لدراستها، برزت علامات جمالها أكثر حين نضجت عن السابق، باتت مدللة للغاية تملك سيارة خاصة بها، حيث هداها والدها إياها حين تقدمت للسنة الأولى في الجامعة، شغلتها بعض المتاهات والصدقات التي تتبدلت على مر تلك السنوات، لكنها لم تمحي فكرها في تذكره متخيلة حياته الآن، متوجسة بأنه قد يكون تزوج غيرها، فإن فعلها فسيضحى له أطفالاً بالتأكيد، اقسمت بداخلها إن فعلها ستستقي من دماءه كؤوسًا، هي ما زالت تحبه ولم يتقلص حبه مطلقًا…
في إحدى الأيام استأذنت للسهر في إحدى الكازينوهات الشبابية الراقية بداخل النادي للسهر بصحبة رفقاتها، وافق “عزيز” بشرط مرافقة الحرس لها، لم تمانع “جيداء” طالما ذلك في صالحها، قابلوها بداخل النادي بالترحاب وبعض التهليل الحار، صرخت احداهن بترحيبٍ:
– “جيدا” وصلت يعني السهرة هتحلو!!
ثم جلست “جيداء” برفقتهم تتحدث بمرحٍ وعفوية، شعرت بذبذبات ما تهز حواسها في وجود أعين تراقبها، عفويًا ادارت رأسها للجانب لتجد رجلاً ينظر إليها ويجلس على طاولة ما قريبة منها، لم تبالي به في المرةِ الأولى ثم تجاهلته، لكن هناك من دفعها لرؤية ما إن عاود النظر إليها أم لا، بالفعل كان كذلك لتتعجب، دققت النظر فيه لترى بسمته التي وترتها، هيئته ليست بغريبةٍ عليها، شد انتباهها لأبعد الحدود في معرفة هويته، فجأة اضطرب قلبها وهو يخبرها بأنه هو، عدم رؤيتها له سنوات مسحت من ذاكرتها بعض ملامحه، لكن قلبها هو من شعر به، رددت في نفسها بأسى:
– “أصهب”!
جاوب ببسمة لعلمه بأنها تعرّفت عليه، شهقت بصدمة حين وجدت فتاة ما أتت وتقف بجواره وتضع يدها عليه، اشتعلت الغِيرة بداخلها حيث تأكدت بأنه تزوج، وعن “أصهب” انتبه للفتاة التي معه ثم ابتسم لها بألفة، جلست بجواره ليتبادلا الأحاديث، كان “أصهب” معها جسدًا فقط، لكن عقله منشغل بنظرات “جيداء” الحارقة التي يخرج الشرر منها، لم يكن “أصهب” على علاقة بتلك الفتاة بل هي أجنبية من أصول مغربية جاءت لزيارة بلده وتعرف عليها في مدينة شرم الشيح، أي مجرد صديقة عابرة، لكن “جيداء” لم تعي كل هذا، لمعت العبرات في عينيها لتخفيها سريعًا كي لا يلاحظ أحد، لم تصمد كثيرًا حتى نهضت لتستأذن بالذهاب للمرحاض قائلة بتوتر داخلي:
– عن إذنكم هروح الحمام ومش هتأخر
ثم تحركت وهي تنتفض من الداخل بشدة ودقات قلبها لم تتهادى بتاتًا، نظرت له بمعنى أنها تنتظره قريبًا من هنا وكأنها تأمره، تفهم “أصهب” لينهض متجهًا خلفها وبنفس ما تشعر به كان بداخله، استأذن باطراقٍ مزيف:
– هاعمل تليفون صغير وارجع
ابتسم له الفتاة برقة ثم سار إلى حيث توجهت، وجدها واقفة توليه ظهرها في زاوية خاوية من أي أحد، تحرك نحوها ببطء فاستشعرت وجوده، هنا استدارت بجسدها ناحيته ونظراتها المغتاظة الشرسة العاشقة عليه، وقف بالضبط أمامها لتجد نفسها من غيظها صفعته لتُفرغ ما أحدثه بداخلها حين تركها، وبالأخير لم يبالي ليُكمل حياته دونها، نظر لها “أصهب” قلقًا من أن تكون كرهته، لكنه اقنع نفسه بأنه تغار فقط، ما فعلته “جيداء” جعلها يبتسم باتساع، ارتمت عليه لتتعلق بعنقه محتضنة إياه باشتياق، حاوطها سريعًا بذراعيه بقوة وتملك، همست بتوق دون وعيٍ:
– وحشتني، ليه سببتيني
تهلل داخليًا وهو يرى أن محبتها له لم تنتزع من قلبها رغم الفراق، أعاد كلمتها بنبرة عاشقٍ:
– إنتي اللي وحشتيني أكتر، سامحيني يا حبيبتي
ثم شدّد من ضمها ليعتصرها بين ضلوعه، شوقه الجارف له جعله يتجاهل العالم من حوله، معلنًا بأنها له من الآن، بعد فترةٍ هكذا دون أن ينطقا بكلمةٍ فقط تتحدث أرواحهم في وجوم، ابتعدت “جيداء” قليلاً لتسأله بنبرة شرسة اعجبته:
– اتجوزت؟
ابتسم بشدة نافيًا:
– لأ، معقول هتجوز غيرك!
ابتسمت براحة قائلة بتردد:
– اومال مين الست دي اللي معاك؟
رد مبتسمًا بهدوء:
– دي واحدة كانت جاية مصر زيارة هي ومجموعة من أصحابها، عرفت إني نازل القاهرة حبت تتفسح فيها، كنت خارج لوحدي بس هي اصرت تيجي تسهر
هدأت ثورتها ثم قالت بمعنى:
– “رنا” اتجوزت وبقى عندها أولاد، يعني ينفع تتجوزني وهي مبقاش ليها علاقة بينا
رد بمفهوم:
– أنا وعدت باباكي إني لما ارجع هنتجوز، هو دا قراره على فكره، قالي ابعد عنها شوية، علشان رنا متزعلش
هتفت بفرحة:
– يعني بابي مش ممانع جوازنا؟
هز رأسه مؤكدًا:
– لأ مش ممانع، دا حتى كنت باكلمه على طول، وهو اللي قالي إنك هنا لو عايز أشوفك
لم تصدق “جيداء” أن يحدث كل ذلك وبدت مذهولة، لم تتفهم إلى الآن بأنه كان في البلاد ولم يغادر، سألت بشغف:
– إنت هنا من إمتى؟
– أنا كنت في شرم على فكرة، ورجعت هنا امبارح!
رد بنظراتٍ متيمة ليكمل بعشقٍ وسط ذهولها:
– هو اللي طلب مني أرجع القاهرة، ومقولش إني لسه في مصر، كنت فرحان قوي علشان خلاص، وكنت خايف تكوني نسيتيني
انزعجت من وجوده دون علمها، قال هو بأسف:
– سامحيني مش بإيدي، باباكي عمل كده علشان يعرف هتنسيني أو لأ
عارضت جملته الأخيرة حين عاودت احتضانه قائلة:
– محصلش ولا هي هيحصل!!
ثم ابتعدت لتجده يتأملها بنظراتٍ تفهمتها وهو يرى نضجها عن السابق، رغب في أخذ قبلة شوقٍ حين دنا منها لكنها بوعي منعته قائلة:
– أما نتجوز!
فاجأته بردها ليرفع حاجبيه مندهشًا، كانت تحبذ ذلك سابقًا، ابتسمت لتقول بنظراتٍ مظلمة:
– كنت صغيرة ومش فاهمة حاجة، مش قولتلي أبقى غير زمان، أنا باعمل زي ما كنت بتنصحني، وباعرف اخلي بالي من نفسي
ابتسم لعقلانيتها التي باتت فيها، رد باعحاب:
– كده تعجبيني قوي
ابتسمت لتسأل بجدية:
– هنتجوز إمتى بقى؟، خليها بكرة
قال بعدم تملكٍ جعلها تخجل حيث غلبه شوقه:
– لو عليا نخليها دلوقتي ……!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
لاحقًا، في فيلا السيد “عزيز” أقام حفل زفافهما بالحديقة الواسعة، أصر على إقامتهما معه بنفس الفيلا كونه سيصبح وحيدًا بفراق ابنتيه، لم يمانع “أصهب” ذلك حيث كانت رغبة “جيداء” أيضًا…
هبطت الدرج بفستانها الأبيض الناصع وهي ممسكة بباقة من الزهور الراقية واختها “رنا” معها، والتي لم تعد تتذكر الماضي فأسرتها عندها هي كل حياتها، استلمها والدها بالأول ثم قبّل جبهتها، سلمها لـ “أصهب” قائلاً بمرح:
– مش هوصيك عليها علشان هتبقوا معايا هنا وهتخاف تزعلها
ضحك “أصهب” بمحبة قائلاً:
– بعد السنين دي وهزعلها، مش ممكن!!
ابتسمت “جيداء” بخجل ثم أمسك يدها ليتحرك بها خارجًا، قضيا بعد الوقت المألوف والمُحبب لكليهما برفقة الأحباب، حيث جاء صديقه المقرب “حسني”، وكذلك دعا زوجة صديقه “عامر” وابناءه، رغم امتلاء الحفل بالكثير من المدعوين تعجّل “أصهب” في الرحيل ليكونا بمفردهما، نهض من مقعده ثم أمسك بيدها فنهضت مدهوشة، قال بعدم صبرٍ:
– شكل الحفلة هتطول، يلا نمشي إحنا
هتفت باحتجاج:
– خلينا شوية مع بعض، الحفلة تجنن ودا فرحنا، يعني مش هيكرر تاني
تأفف بنفاذ صبرٍ قائلاً بتصميم:
– قولت هنمشي يعني هنمشي
ثم سحبها من يدها خلفه وقد اضطربت، رغم تمنيها الزواج منه لكنها توترت، قابله أثناء سيره “حسني” الذي قال بخبثٍ خفي:
– خد يا “أصهب” مفتاح عربيتي، عليها زينة وشكلها حلو
ثم ناوله المفتاح، لم يمانع “أصهب” ليتناولها، أكمل سيره وهي معه متوترة وتبتسم باستحياء، ابتسم له “عزيز” حين رآه يغادر معها ولم يعترض، توجه “أصهب” ليستقلا السيارة ثم بدأ في تشغيلها وهو يغمز لها ليزيد من اضطرابها، انطلق بالسيارة حتى دلفا ليسيرا في الطريق العام، قال بمغزى:
– فيه واحد صاحبي عنده يخت في النيل، سبهولنا كام يوم
نكست رأسها مبتسمة بخجل لتبعد انظارها عنه، بعض وقت من سيرهم تباطئت سرعة السيارة فعقد حاجبيه بغرابة، فجأة توقفت السيارة عن الحركة فاندهشت “جيداء” مستفهمة:
– العربية مالها؟
لم يعرف “أصهب” السبب ليجاوب، أعاد تشغيل السيارة ليتفاجأ بأنها تخلو من الوقود، هتفت بتبرم:
– العربية مافيهاش بنزين!!
شهقت مستفهمة بامتعاض:
– طيب هنعمل أيه دلوقتي، دا مافيش حواليا حد ولا حتى عربية معدية؟
هتفت بمعنى بعدم استشف المقلب:
– أكيد “حسني” قاصد يعمل معايا كده، مقلبه سخيف على فكرة
تأففت “جيداء” ثم لاوت شفتيها بفتور، قال هو بعنادٍ:
– بس مش هسمحله يضيع عليا الليلة، ويضيع الدخلة بتاعتي!!
استفهمت “جيداء” بترقبٍ:
– هتعمل أيه؟، هتكلم حد
رد بمكرٍ وهو یرمقها بقتامة:
– هو أنا لسه هكلم حد، دا إحنا مشينا كتير
– اومال هتعمل أيه؟!
استفهمت بعدم فهم، رد هو بغموض:
– هاعمل زي واحد صاحبنا!!
لم تتفهم وهي تنظر لهيئته المريبة حتى تسائلت:
– عمل أيه؟
التفت بالكامل لها ونظراته انبثقت منها الهيام والشوق، انكمشت “جيداء” مبتلعة ريقها بارتباك في نفسها، ارتجفت أكثر حين تابع وهو يقترب منها وملامحه لاحت فيها الرغبة:
– هندخل في العربية!! ……………………..……………
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،


تمت دمتم بود

 

 

 

 

error: