نوفيلا((المراهقة واللص))

الفصــل الثـاني
المُراهقة واللّص
ــــــــــــــــــ

– فوقي يا “جيدا”!، أيه اللي حصلك ما إنتي كنتي بتكلميني من شوية؟
هتفت “رنا” الأخت الكبرى والوحيدة لها بهذا السؤال مستغربة مما حدث لاختها فجأة، في حين جلب والدها السيد “عزيز” زجاجة العطر لينثر على راحة يده القليل ليجعلها تتنشّقه ومن ثَم تفيق، هذا ما حدث حين جلس بجوارها على الناحية الأخرى ثم قرّبه من أنفها مما أدى إلى تأليب حواسها لتفتح عينيها ببطءٍ وقد كشرت تعابيرها، تأمّلت بأعينٍ مجهدة أبيها واختها حين مررت أنظارها المتعجبة عليهم، هتفت مستفهمة بتألمٍ غزا رأسها:
– هو أيه اللي حصل؟!
ردت اختها باندهاشٍ وهي تمسح على رأسها:
– إنتي اللي فيكي أيه؟، أنا فضلت أنادي عليكي ومرة واحدة لقيتك سكتي، خليت بابي یجیب الحرس يكسر الباب ولقيناكي واقعة على الأرض مغمي عليكي!
رمشت “جيداء’ بعينیها محاولة أن تتذكر، بينما هتف والدها مستفهمًا بقلق:
– أيه اللي حصلك يا جيدا؟، فيه حاجة بتوجعك يا حبيبتي؟، دا إحنا سايبينك كويسة ومافيش حاجة!
قال جملته الأخيرة بغرابة، لبضع لحظاتٍ تذكرت “جيداء” ما حدث، ابتلعت ريقها بتوتر لا تريد بداخلها إخبارهم بوجود لصٍ، لا تعرف لما ولكن دفعتها رغبة ما لعدم كشف هويته، ردت بترددٍ مختلقة حجةً ما:
– أنا كنت رايحة افتح الباب لـ “رنا” فراسي اتخبطت في السرير وأنا ماشية واغمى عليا
ثم مررت نظراتها المُترقبة عليهم فوجدت اقتناعهما بذلك فابتسمت داخليًا بمكر، رد والدها بحنوٍ:
– طيب فيه حاجة لسه بتوجعك؟
نفت سريعًا لتنهي الأمر فهو يربكها:
– لا يا بابي أنا كويسة دلوقتي الحمد لله، هنام وهصحى وهيبقى مافيش حاجة خالص
ابتسم لها والدها بلطف ثم قبّل جبينها، كذلك هتفت اختها بحنان:
– طيب يا حبيبتي ارتاحي، أنا بس مجاليش نوم وجيت كنت عاوزة اقولك إن بابي خلاص شاف حد ينقلك مدرسة تانية
– بجد يا “روني”؟
قالتها بسعادة بالغة جعلت “رنا” تؤكد وهي تلقى نظرة على والدها الذي يبتسم:
– بجد يا حبيبتي، اسبوع ولا حاجة وبابي هينقلك، هو شوية!
اتسعت ابتسامة “جيداء” ثم نظرت لوالدها بامتنان فسوف تتخلّص من هؤلاء الفتية الذين يضايقونها في مدرستها، في حين قال والدها بلطافةٍ:
– يلا نامي بقى ومش عاوزك تشيلي هم حاجة!
هزت رأسها لتمتثل لأمره، نهضت اختها من جوارها برفقة والدها تاركين إياها تنال قسطًا من الراحة، تعقبتهم “جيداء” بترقبٍ حتى دلفوا، تنفست بارتياح ثم اعتدلت جالسة، قطبت جبينها وهي تفرك مقدمة رأسها حيث كبحت شعورها بالألم أمامهم، هتفت بتبرمٍ:
– كده تضربني بالروسية، ماشي، بس هتروح مني فين، هفضل أدور عليك لحد ما ألاقيك
ثم مدت يدها في جيب منامتها لتخرج ورقة ما استلبتها من سترته حين قامت باحتضانه، قالت بتعالٍ وهي تخرجها:
– مش لوحدك اللي بتعرف تسرق!
ثم نظرت لها بخبث وهي ترفعها نصب أعينها فاتضح أنها كارتًا خاص به، أجل فاسمه الذي أخبرها به مدون عليه، أسفله ارقام هواتفه، مطت شفتيها مرددة باعجابٍ ممتزج بالدهشة:
– باين حرامي على مستوى، دا عامل كارت زي المحترمين!
ثم تنهدت بهيامٍ متذكرة وجهه الجميل ورائحته التي ألهبت حواسها، رقدت على جانبها محتضنة الوسادة بقوة تريد النوم، قالت بصوتٍ لاح العشق فيه:
– خلاص، من دلوقتي مش هاحب غيرك …….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
صباحًا، ترجل من سيارته أمام شركته الخاصة والتي هو شريك فيها مع صديقه المُقرّب “عامر”، ولج “أصهب” للداخل متجهًا لمكتبه وعقله شارد في تلك الفتاة التي رآها ليلة أمسٍ والتي عطّلت مهمته بل وجعلته لن يقدر على تكرار الأمر ثانيةً، زفر بخفوتٍ ليبلغ مكتبه، أمر سكرتيرته بجدية:
– كلمي “عامر” بيه يجيلي دلوقتي
– دا مستني حضرتك جوه من بدري يا فندم
قالتها بعملية وهي تنهض، زم ثغره للجانب متفهمًا ثم تحرك ليولج مكتبه، خطا بقدمه للداخل ليجد صديقه المقرّب جالسًا بانتظاره، نظر له “عامر” قائلاً ببسمةٍ بشوشة:
– أخيرًا شرفت، مش عوايدك تيجي متأخر كده!
تحرك “أصهب” ليجلس على مقعد مكتبه، رد بتأففٍ وهو يجلس:
– اسكت دا إنت متعرفش حصلي أيه امبارح!
هتف “عامر” بتوجس:
– اوعى تقول المهمة فشلت!
حرك “اصهب” رأسه مؤكدًا فتضايق “عامر” بشدة وقد ضرب المكتب بكفه، ردد بعبوس:
– يا دي النيلة، دا الزفت لو مجبنالوش الورق النهاردة هيرجع يهددنا بوصولات الامانة، ومش بعيد الشركة تقفل
أخفض “اصهب” رأسه فهو السبب في كل ذلك للعبه القمار وامضاءه على ورق ليضحى مديونًا، نظر له “عامر” لا يريد أن يضع اللّوم عليه فهو ما زال شابًا طائشًا في مقتبل عمره لم يبلُغ الخمسة والعشرين عامًا، يتيمًا ابن أحد اصدقاءه القدامي، وهو من قام بتربيته ويعتبره كأحد ابناءه، رغم ذلك لم يكبّره “أصهب” بالعُمر ويعتبره كأخٍ له وصديق مقرّب، قال “عامر” مبتسمًا بسماحة ليخفف همه:
– خلاص مش مشكلة، روح تاني وهاتله الورق خلينا نخلص
نظر له “اصهب” ليخبره بتردد:
– للأسف امبارح بنته شافتني، أصلي دخلت من اوضتها اللي كانت قريبة من سور الفيلا، ومش بعيد تكون قالت عليا
هتف “عامر” بتوبيخٍ وقد بدا مزعوجًا:
– ليه؟، هو إنت مش كنت مغطي وشك؟
ارتبك “أصهب” ليخفي ذلك، أكد بزيفٍ:
– أيوة طبعًا، بس أنا خايف تقول عليا فياخدوا حذرهم المرة الجاية، ومش بعيد اتمسك فيها!
تفهم “عامر” عليه، قال بمعنى:
– خلاص طالما الموضوع كده، خليني أشوف حد محل ثقة يقوم بالمهمة دي، وبالمرة يكون فاهم شغله ازاي، هو إنت يعني كنت حرامي!
قال جملته الاخيرة باستنكار، فتنهد “أصهب” وهو قلقًا من الداخل، هتف بضيق:
– كان مستخبيلي دا كله فين بس، معقول أخرتها ابقى حرامي، بعد كل اللي وصلتله واحد زي ده يهددني
ثم نظر امامه متجهمًا، قال بمفهوم وهو يرجع بذاكرته للخلف:
– أنا مكنتش في وعيي، أنا كنت شارب كتير، وهو استغل كده وخلاني ادخل جامد في اللعب وامضيله على الوصولات
تابع بحيرةٍ جمة:
– بس هموت واعرف الورق دا يبقى فيه أيه، أكيد مصايب
نظر له “عامر” غير مهتمٍ بما يحويه الورق، قال بمعنى حين تذكر:
– على فكرة فيه حفلة معمولة في فيلة الباشا، وأكيد “عزيز الفيومي” من المدعوين، إحنا نستغل الحفلة دي ونبعت حد يقوم بالمهمة، ومحدش هيشك فينا علشان هنكون موجودين، ومش عاوزك تضايق نفسك، هو بيعمل كده عارف إنك بتعرف تفتح الخزن بسهولة وعندك خبرة في كده
نفخ “أصهب” بقوة مزعوجًا، رغم ذلك لم تقمع رهبته من أمر تلك الفتاة التي رأت وجهه، سأله بقلق:
– بس أنا خايف البنت دي تقول عليا!
رد “عامر” بحيرة من أمره:
– هتخاف ليه بقى مش قولت كنت مغطي وشك، يعني مش هتعرفك مهما عملت
نظر له ” أصهب” مترددًا في اخباره، أخذ قراره بعدم قول شيء حتى لا يتأزم الوضع، فهي قد رأته وأيضًا علمت باسمه، قاله لها دون وعيٍ حيث أسكرته رائحتها وقربها الشديد منه، ارتاب “عامر” في أمره حين نظر له محاولاً سبر أغوار عقله، قال “أصهب” مزيفًا ابتسامة ليمحي شكه:
– عندك حق، أيه بس اللي هيخوفني!……….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
في يوم الحفلة، حضر السيد “عزيز” برفقة ابنتيه فتصلبت بعض الاعين عليهم، فهم على علمٍ بمستواه الاجتماعي كرجل أعمالٍ معروف وأيضًا وزير يتحكم في بعض الأمور، يسير من خلفه حرسه الخاص والمسلح، نظر “عزيز” لما حوله مبتسمًا ببشاشة فهو رجل سمح ذي طلعة حسنة، أمينًا على منصبه ولم ينحاز للأعمال المشبوهة رغم المُغريات التي تُعرض عليه، قالت ابنته الكبرى “رنا” التي تممت الثانية والعشرين من عمرها:
– بابي أنا هروح أشوف “نيللي” بنت انكل “كاظم”، هي قالت إنها هتيجي
رد والدها بموافقة:
– روحي يا حبيبتي أكيد
تحركت “رنا” لتبحث عن رفيقتها وسط المدعوين، في حين تأملت “جيداء” الحفل من حوله باعجاب فهي المرة الأولى التي يصطحبها والدها لأماكن كتلك بعدما تحايلت عليه للخروج متأملة رؤية هذا اللص ولو صدفة، نظرت لوالدها متسائلة:
– وأنا هاعمل أيه يا بابي؟
رد بعدم رضى وهو يتحرك معها لداخل الحفل:
– والله يا “جيدا” مكنش ليه لزوم تيجي، مافيش بنت في سنك هنا، كلهم كبار ومخلصين دراستهم كمان
كشرت “جيدا” لتهتف بغضبٍ متماشي مع عمرها:
– يعني هافضل طول عمري محبوسة، وكمان بكرة الخميس معنديش دراسة، واللي يشوفني مش هيقول صغيرة، دا الناس بيعتبروني بنتك الكبيرة
نظر لها “عزيز” مبتسمًا بمعنى فهي تملك جسدًا لا يُعرب عن عُمرها الحقيقي، قال متنهدًا:
– خلاص تعالي اقعدي معايا
لحظات وتقدم منهم “رائف الباشا” حين لمحه قادمًا فهو رجل ذي شخصية ماكرة، هتف مرحبًا وهو فارد لذراعيه:
– “عزيز” بيه نورتني
ابتسم له “عزيز” بتصنعٍ ثم عانقه كنوعٍ من الترحيب المزيف، ابتعدا ليتابع “رائف” بمكرٍ داخلي:
– سعيد قوي إنك شرفتني، يا ريت الحفلة تكون سبب إن يكون فيه بينا شغل
كان “عزيز” متفهمًا لنواياه، زيف ابتسامة قائلاً باقتضاب:
– إن شاء الله
وجه “رائف” بصره للحسناء التي بجانبه ليمرر أنظار باعجاب عليها، كانت “جيداء” تتطلع على الحفل غير منتبهةٍ له، في حين انزعج “عزيز” من نظراته نحو ابنته، تضايق داخليًا ثم امرها:
– روحي يا “جيدا” دوري على اختك واقعدي معاها أحسن
هتف “رائف” بمدحٍ ونظراته تخترقها:
– معقول دي “جيدا” بنتك الصغيرة، كبرت واحلوت قوي
امتعض “عزيز” ليُعيد أمره لها بحزم:
– مش قولت روحي شوفي اختك واقعدي معاها
اضطربت من نبرة والدها الغاضبة، رددت بانصياع:
– حاضر يا بابي
ثم تحركت منكتلة في خطواتها فتتبعتها نظرات “رائف” الماكرة التي تتفحصها بتمنٍ، للأخير كبح “عزيز” اعلان ضيقه ليقول بنبرةٍ جافة:
– هنفضل واقفين ولا أيه؟!
انتبه له “رائف” ليرد بتوتر وهو يشير على طاولة ما:
– لا طبعًا اتفضل…..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
استمرت “رنا” في البحث عن رفيقتها حتى ضجرت، أثناء تحركها للخلف بظهرها لم تنتبه لمن وراءها، خبطت في شخصٍ ما يمسك بكأسٍ في يده تناثر منه القليل نتيجة اصطدامها به، استدارت معتذرة بشدة:
– أسفة قوي يا…
لم تكمل جملتها حتى جذبتها وسامته فزاغت بعينيها وهي تحملق به، نظر لها “أصهب” قائلاً بعدم تضايق:
– لا مافيش حاجة، خير إن شاء الله!
ثم وجدها تحدق به فتنحنح بحرج، سألها بتردد:
– فيه حاجة حضرتك، إنتي تعرفيني؟!
هزت رأسها لتعود لرُشدها، ردت بتلعثم:
– لا..د..دا أنا كنت باقول أسفة
زيف ابتسامة قائلاً بمعنى لا مشكلة:
– عادي أنا مش متضايق
سرحت ثانيةً في وسامته، دق قلبها بشدة للمرةِ الأولى، استغرب “أصهب” منها، اعاد استفهامه:
– فيه حاجة تانية؟!
أخرجها من شرودها المستهام لتفيق مما هي فيه، قبل أن ترد جاءت رفيقتها “نيللي” قائلة لها:
– “رنا”، أنا قلبت عليكي الحفلة
التفتت لها “رنا”، ردت بتوتر:
– أنا هنا، كنت بدور عليكي!
ردت بابتسامة رقيقة وهي تسحبها من يدها:
– طيب يلا تعالي
ثم تحركت بها ولكن كانت تسير “رنا” معها وهي تتطلع عليه غير منتبهة للطريق أمامها، لوّحت له بيدها بهيام لتودعه فاندهش “أصهب” ثم ابتسم هازًا رأسه من حالتها، جاء “عامر” من خلفه قائلاً بمغزى حين استنبط ما حدث للتو:
– من حقها تتوه، ما هي شايفة الجمال كله
التفت له “أصهب” فتابع الاخير غامزًا بخبث:
– خف على البنات شوية
ابتسم “أصهب” قائلاً بغرورٍ مصطنع:
– اعملهم أيه يعني، أصلي حلو وهما اللي بيعجبوا بيا…….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
من مقربةٍ منهما كانت تبحث “جيداء” عن اختها، جابت الحفلة بأنظارها لتلمح هؤلاء الفتية الذين يتغزلون بها بداخل الصف، فهما أولاد رجال اعمالٍ معروفين لم تكن تعلم بحضورهما، لكن لما لا؟! فهذا طبيعي وجود أمثالهم، رآها أحدهم فغمز لصديقه قائلاً بأعين لامعة ببريقٍ ماكر:
– مش دي “جيدا” يا “أنس”
ادار “أنس” رأسه نحو من ينظر إليها، رآها هو الآخر مجيبًا بنظراتٍ خبيثة مثله:
– هي بعينها وحلاوتها
ثم تحركا نحوها فازدردت “جيداء” ريقها بتوتر من وجودهما، تحركت لتعود ادراجها إلى حيث والدها لتحتمي به، أثناء سيرها المضطرب وقعت عيناها عليه لتشهق بصدمة وتتوقف موضعها، رددت بعدم تصديقٍ وهي تحدق به:
– معقول هو؟!
تناست أمر الفتية لتجفل في وجوده، تدريجيًا اتسعت ابتسامتها وقد انجلت الفرحة على محياها، هتفت بتصفيق كالأطفال وهي تركض ناحية:
– والله هو، دا أنا مش هسيبك النهاردة………………….
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

error: