ملكة على عرش الشيطان بقلم اسراء على
الفصلالثالث
ملكةعلىعرشالشيطان
لا بأس بـ بعض الخوف فـ هو أحد وسائل النجاة الفريسة…
و وسيلة إستمتاع الصياد…
تساءلت بـ داخلها لِما يحدث معها كل ذلك!..سؤاله لم تجد القُدرة على الإجابة عليه..هيئته التي أمامها جعلت الأحرف تهرب منها وكأنها طفل يتعلم الحديث لأول مرة
إبتلعت ريقها بـ صعوبة وقبضت على كفيها بـ قوة تُخفي تعرقهما وإرتعاشهم..وحينما إستدار أغلقت عيناها سريعًا وذلك الهاجس يُخبرها “أُهربي” ولكن الهرب لم يكن خيارًا مُتاحًا فـ خطواته التي ترن بـ أُذنيها تقترب حتى شعرت بـ ظلهِ أمامها
إبتسم بـ سخرية ثم دنى ليصل إلى مستوى قامتها القصيرة بـ النسبةِ له ثم تشدق بـ برود ثلجي
-إفتحِ عينيكِ يا دكتورة..متخافيش أنا مش وحش زي ما قالولك…
رجفة سارت بـ جسدها إثر صوته القوي ذو بحة رجولية..شدت على جفنيها وأخذت تتنفس بسرعة والهاجس يعود ويُخبرها الآن “النهاية”
عاد صوته يصدح وهو يُشير إلى حارسيه بـ الإبتعاد عنها
-قولتلك متخافيش..أنا اللي محتاجلك يعني أنا اللي لازم أحافظ على حياتك…
عدت بـ داخلها إلى ثلاثة ثم قررت أخيرًا أن تُخرج زرقاويها من أسرهما لتجد أول ما إصطدمت به عيناها هو خاصته السوداء..لمحت بهما تعبير غامض وهو يُحدق بها بـ جمود
مال بـ رأسه وتفرس النظر بها..عينين بـ لون السماء الصافية بهما خوف تتلذذ به نفسه السادية وملامح وجهها المُرتعبة شبه إبتسامة قاسية إرتسمت على وجهه وهو يُقول مُعرفًا بـ نفسه
-أحب أعرفك بـ نفسي الأول…
مدّ يده وأكمل بـ خُبث
-أرسلان الهاشمي..الشيطان زي ما بيقولوا…
نظرت إلى يده الغليظة التي تنتظر خاصتها الرقيقة لترفع حاجبها الأيسر ثم نظرت إليه بـ ثقة كانت تفتقر إليها مُنذ دقائق وأردفت
-سديم المصري..الدكتورة الجديدة زي ما بيقولوا…
إبتسم بـ إتساع وأسنانه البيضاء تبرز خلف إبتسامته المُتلاعبة..تتظاهر بـ القوة ويعلم..أما الثقة التي تتحدث بها فـ هي عفوية لا تقصدها وإنما إن كانت تُريد إثبات شيئًا لن يكون سوى أنها تُخبره بـ وضوح أنها تستطيع مواجهته وظهر هذا بـ سؤالها الحاد
-ممكن أفهم إيه شُغل العصابات دا!..خاطفني ليه؟!
-وأجاب بـ إستهجان:خاطفك!!..أنا مبخطفش هما اللي إتصرفوا من دماغهم..أنا بس قولتلهم يطلبوا منك إنك تيجي معاهم بـ هدوء وبكل تحضر و رُقي
-عقدت ذراعيها وهى تتشدق بـ سُخرية:والله!..وفين التحضر وهما أجبروني أجي هنا والأسلوب اللي تعاملوا معايا بيه؟!
-وبـ نفس نبرتها الساخرة أردف:حقك عليا..هقتلهم حالًا…
يسخر منها!!..ألا يكفي ما سببه من رُعبٍ لها!..هيئته الطاغية بـ بنطاله وقيمصه الأسود تتناسب مع ملامحه المُقتضبة رغم سُخرية نبرته..حاجبين أسودين كثيفين يتلائمان مع خُصلاته السوداء شديدة السُمرة وفكه الحاد المُزين بـ لحيته..كل ذلك لا يوحي بـ الشيطان الذي يخافه الجميع وأولهم القانون
أغمضت عيناها ثوان بعدما إنتهت من تأمل ملامحه لتقول بـ جمود وكأنها لم تتأثر به قط
-لو سمحت أنا عاوزة أمشي
-هتمشي حاضر..بس تخلصي اللي أنتِ جاية عشانه…
إتسعت عيناها بـ دهشة لثقته بـ الحديث بل وإستدار عنها وإتجه إلى الداخل ليعود بعد ثوان ومعه طبيب آخر..ليقول وهو يربت على كتفه والآخر يرتجف
-طلع عندك حق وشكلها شاطرة ومش هتتعبني..يلا إتكل أنت على الله
-شـ..شكرًا يا..باشا
-وبـ ذهول أردفت وهي تنظر إلى الطبيب:أنت!!
-مر بـجوراها سريعًا وهمس:آسف…
وإتخفى بسرعة البرق..إلتفتت على صوت أرسلان وهو يقول بـ جدية وصوته القوي
-مش يلا..كل دقيقة بتتأخريها غلط على حياتك وحياة المريضة اللي فوق
-أنت بتهددني؟!
-مبهددش..أنا بنفذ على طول…
إرتجف قلبها لنبرة صوته التي تحولت إلى أُخرى غليظة مُخيفة بـ الرغم من هدوءها ولكن كان تأثيرها قوي عليها
سحبها من يدها يجرها خلفه ليصعد درجات السلم وهى تتلوى خلفه بـ صُراخ حاد غُلفت جوانبه بـ الخوف
-سبني بقولك..أنا مش بقرة سايقها وراك…
نفذ صبره صوت صراخها يصم أُذنيه ليجذبها بـ شراسةٍ إليه ثم يدفعها إلى الحائط خلفها..لتشهق هي بـ ألم وتفاجئ ولكن قبل أن تتحدث همس هو
-إسمعِ!!..صوتك اللي فرحانة بيه دا أنا همحيه خالص سامعة!!…
هدر بـ الأخيرة وهو يضرب الحائط خلفها ولكنها لم ترد بل إتسعت عيناها بـ فزع وقدرتها على إخفاء خوفها تلاشت ليُكمل بـ نفس النبرة الهامسة وهو يقترب من وجهها
-أنتِ هنا لحاجة مُعينة هتخلصيها وتمشي على طول..بدون أسئلة وبدون صوتك العالي دا..لو عاوزة تروحي قطعة واحدة….
كانت نبرته كـ الهسيس تنبعث منها النيران عندما لامست أنفاسه بشرتها البيضاء ولا مفر للهرب منه سوى إغلاق جفنيها لتحجب رؤية عينيه الشيطانيتين عنها
إزدردت ريقها بـ خوف وهى تُحاول إبعاده عنها لتتشدق بـ إرتجاف
-خلاص..خلاص فهمت..وسع بقى …
ولكنه لم يتحرك قيد إنملة ثم أكمل بـ نبرة هادرة
-ياريت تعرفي إن لصبري حدود ولو وصلت لحدودي هتزعلي أوي مني..ومش عاوز أقولك زعلي وحش إزاي…
ضمت شفتيها دون أن ترد عليه ليبتعد بـ بُطء عنها ثم عاد يُمسك مرفقها ودفعها إلى أحد الغُرفة..تحركت خطوتين إثر دفعته لتلتفت إليه وعيناها تُطلقان الشرر ليهتف بـ نبرة تحذيرية قاتمة وهو يُشير بـ سبابته إليها
-خلصي شُغلك جوه..وياريت مسمعش أخبار وحشة…
إرتفع حاجباها بـ صدمة ولم تستطع الرد..ليُغلق الباب بـ وجهها تاركًا إياها مع مريضتها المجهولة
إستدارت سديم إلى المريضة..كانت تظهر عليها أعراض المرض واضحة..مُتصلة بـ أنبوب لتوصيل الأُكسجين إلى الرئتين و صوت تنفسها واضح
إقتربت منها سديم وجلست على طرف الفراش..كانت فتاة متوسطة الجمال والعُمر..ذات شعرٍ أسود وعينيان بُنيتان كـ حبتي بُندق..ربتت على خُصلاتها وتساءلت بـ صوتٍ خفيض
-مدام!..أنتِ سمعاني؟!…
أومأت الأُخرى بـ تعب لتسألها سديم بـ لُطف
-حاسة بـ إيه!..أنا دكتورة وجاية عشان أكشف عليكِ
-ردت الأُخرى بـ ضعف:حاسة بـ ضيق تنفس ومش شايفة كويس..حاسة إني عاوزة أصرخ…
بدأت الرؤية تتضح لسديم..فـ وضعت يدها على جبين المريضة لتتأكد شكوكها..تُعاني من الحُمى .. ربتت على خُصلاتها وقالت بـ إبتسامة
-ثواني وراجعة…
إتجهت إلى الخارج لتجد أرسلان يقف بـجوار الباب وما أن رآها حتى تقدم إليها وقبل أن يسأل قد سبقته هي
-تقدر تقولي المدام تعبانة بقالها أد إيه!!
-أجابها:من فترة طويلة
-زي ما توقعت..مراتك يا حضرة عندها سرطان الكبد وللأسف فـ المراحل الأخيرة..إزاي مأخدتش بالك!…
أظلمت عيناه بـ درجة أرعبتها..حك ذقنه وهمس بـ نبرةٍ قاتمة
-والحل!..مفيش أي دوا لحالتها دي؟
-ضيقت عيناها وتساءلت:أنت كنت عارف إنها مريضة سرطان ومتحركتش!!!…
رأت الجحيم يشتعل بـ عيناه وهو يقترب منها لتعود إلى الخلف ولكنه لم يسمح لها بـ الهرب أكثر إذ قبض على معصمها وقربها منه ثم همس بـ صوتٍ كـ الفحيح
-بلاش أسئلة إجابتها مش هتعجبك..أنا عاوز رد مُختصر..فيه علاج لألمها اللي هي فيه ولا لأ!
-حاولت التملص من يده وهدرت بـ تألم:سيب إيدي..سيب إيدي بقولك
-صرخ بـ وجهها بـ غضب ناري:ردي عليا….
أخذت تتنفس بسرعة و قوة بـ أنفاس مُرتجفة وهى تنظر إلى جحيم عينيه بـ أُخرى مُتمردة ، غاضبة وخائفة إلى أن قالت بـ حدة
-سيب إيدي عشان أكتبلها أدوية تقدر تسكن الوجع مؤقتًا…
ظل ينظر إلى عينيها مُطولًا قبل أن يترك يدها بـ حدة فـ فركتها إثر قوة قبضته والتي تركت أثرًا واضحًا على معصمها
أشار لأحد الحارسين ليأتي سريعًا..أخبرتخ سديم بـ إقتضاب أنها تحتاج إلى ورقة وقلم ليأتي بهما الحارس..دونت بعض الأدوية الضرورية ثم رحل يُحضرها
تركته ورحلت قبل أن يتهجم عليها كما فعل مُنذ قليل و دلفت إلى المريضة..حمدت الله أنها كانت على تواصل مع طبيب ألماني يختص بـ الأورام السرطانية وكانت شبه شغوفة بـ ذلك المجال وهو لم يتأخر عن تزوديها بـ المعلومات اللازمة بـ الرغم أنها بعيدة كل البُعد عن ذلك المجال ولكن شغفها به لم يمنعها عن التطلع والتعرف عليه
وبالمثل الطبيب لم يبخل بـ معلوماته لها فـ قد رأى الشغف وتعجب أنها لم تلتحق بـذلك المجال كانت لتُحقق نجاحًا باهرًا ولكنها أخبرته أنها تخصصت بـ الجراحة لأسباب شخصية لم تُفصح عنها
عادت من شرودها على صوت طرقات الباب..لتدلف بعدها خادمة تُعطيها ما تحتاج ثم ترجلت إلى الخارج
إتجهت سديم إلى المسجية فوق الفراش بدأت بـ حقنها بـتلك المواد الكيميائية بـ المحلول الطبي ثم ظلت بجوراها عدة دقائق وبعدها خرجت
وكما توقعت وجدته يجلس على أحد المقاعد ينتظر خروجها..توجهت إليه وهدرت
-عاوزة أمشي…
نظر إليها بـ لا مُبالاة ثم نهض بـ تثاقل ليردف بـ برود
-حالتها إيه!
-صرت على أسنانها وتشدقت:الحالة مطمنش أبدًا..مقدرش أحدد باقلها أد إيه عشان الأعمار بيد الله بس الحالة زي ما قولتلك متأخرة جدًا..دي مراحل المرض الأخيرة يعني الحالة مينفعش معاها علاج كيماوي..لكن ممكن تقدر تعمل عملية إستئصال الأماكن اللي إتضررت من المرض لأنه إنتشر خارج الكبد اللي لازم تستأصله ويتزرع جديد…
حك ذقنه الحاد وساد صمتٍ مُريب بينهما قبل أن يبتسم إبتسامة..ومن المُفترض بـ عُرفها أن الإبتسامة تبعث الراحة بـ النفوس ولكن إبتسامته تمثلت بـ النقيض فـ قد كانت كريهه ، قاسية ومُرعبة..ثم تشدق بـ نبرة كـ هسيس النيران
-نتقابل بعد المدة اللي أنتِ مش عارفاها…
سُحبت الدماء من وجهها حتى بدت شاحبة كـ الموتى ولم تقدر على التحرك فـ جسدها قد تجمد وعجز عن الحركة بالرغم من إفراز الإدرنالين بشكل مُفرط إثر خوفها الغيرُ مُبرر لعبارته المُبهمة
إنتفضت على صوته وقد خرجت صرخة غيرُ مقصودة وهو يهدر بـ غضب
-ودلوقتي إختفي من وشي…
وقبل أن تستوعب حديثه كان حارس قد سحبها خلفه وخرج تاركة أرسلان خلفها يزأر بـ صوته كله وعبارة عجزت عن فهمها
-أنت اللي وصلتها لكدا..هي بتدفع تمن غلطك…
كانت قد وصلت إلى البوابة الخارجية وهى ترتجف..تركها الحارس وعاد يدلف مُغلقًا الباب خلفه
وقفت هي بـ الخارج مذهولة ، ترتجف خوفًا مما حدث بـ الداخل..صوته و وعيده جعلاها غيرُ قادرة على إستعياب ما يقصد ولكنه لن يكون جيدًا البتة
وعلى الناحية الأُخرى قد رآها حارس البوابة العجوز فـ أثارت شفقته ليتجه إليها خلسة
وضع يده على كتفها لتنتفض فـ قال بـ إطمئنان
-متخافيش يا بنتي..دا أنا…
كانت على وشك البُكاء ولكنها تماسكت وأومأت بـ رأسها بـ خفة..تقدم منها العجوز وسألها
-تحبي أجبلك ماية تشربي!
-حركت رأسها نافية ثم تشدقت بـ تشنج:أنا عاوزة أروح
-حرك رأسه مُتعاطفًا:لا حول ولا قوة إلا بالله..تعالي يا بنتي أما أشوف حد يوصلك…
سارت معه مسلوبة الإرادة فـ طاقتها قد نفذت بـ الداخل وهي تتظاهر بـ القوة..وقد تيقنت أنها لا يجب أن تبقى هُنا أكثر من هذا..ستهرب إلى أبعد بقاع الأرض فـ هي لا يجب أن تراه مرةً أُخرى
كانا قد وصلا إلى وسيلة مواصلات بسيطة المُتعارف عليها بـ تلك المدينة ليتحدث العجوز مع السائق بـ عبارات مُبهمة جعلت من الأخير ينظر إليها بـ دهشة ثم أومأ وقال
-عنيا يا حج…
إبتسم العجوز لسديم ولكنها كانت بـ عالمٍ آخر..تحرك السائق وكان بين كل حين وآخر ينظر إليها ثم تشدق
-إنك تخرجي حية من البيت دا..دي مُعجزة بـ حد ذاتها..بس طالما دخلتي البيت وخرجتي يبقى مستحيل متدخليش تاني…
صمت فجأة وقد تنبه لما قاله وظهر تأثيره جليًا على ملامحها التي شحبت أكثر وبقت تُحدق بـ عينيه بـ المرآة بـ إتساع
ضرب على المقود بـ غضب عندما عَلِم ما حدث أمام المشفى..بـ أول يوم عملٍ لها قد أُخطفت على مرآى ومسمع من الجميع ولم يتحرك أحدهم خوفًا..لعن بـ داخله ذلك الشيطان الذي يُثير الرُعب بـ النفوس ويجعل من الرجال كـ القطط يخشون التدخل
نظر حوله ليلمحها تجلس بـ وسيلة المواصلات البسيطة مُنكمشة على نفسها..ليضغط المكابح بـ قوة حتى أصدرت صوت إحتكاك ثم أدار سيارته ولحقها بـ الطريق المُعاكس
تقدم بـ سيارته و وقف أمام السائق الآخر ليوقفه مُجبرًا..ثم ترجل بـ غضب صافعًا الباب بـ قوة
هبط السائق وما أن رأى قُصي حتى قال سريعًا
-باشا…
دفعه قُصي ثم إتجه إلى سديم..كاد أن يُعنفها ولكن شحوب وجهها وعينيها المُتسعة لجمتا لسانه عن أي حديث
أخذ نفسًا عميقًا وهو يضع سبابته وإبهامه على مُنحدر أنفه يتنفس بـ حدة ثم إستدار إليها واضعًا يده على ذراعها فـ إنتفضت بـ رُعب ليتراجع سريعًا رادفًا بـ قوة
-إهدي يا سديم..أنا قُصي…
لا تزال عينيها مُتسعة وتنفست كذلك بُسرعة..تيقن أنها عانت الأمرين وهي بـ وكره الملعون..صر على أسنانه ولأول مرة يشعر بـ العجز..تلك سليطة اللسان ترتجف خوفًا ورهبة
جذب يدها دون حديث لتصرخ به بـ هلع وحدة
-أنت واخدني على فين!
-قبض على يدها أكثر وتشدق:هوصلك البيت…
ثم إستدار إلى السائق وأعطاه بضع ورقات نقدية وأكمل طريقه..فتح باب السيارة بـ مقعدها المُخصص لتصعد وهى ترمقه شزرًا..إرتفع حاجبيه بـ تعجب تلك المجنونة التي لا يفهمها أبدًا..صفع الباب بـ قوة وإتجه إلى مقعد السائق
كانت سديم تجلس بجواره زامة لشفتيها ضيقًا لسببين..خوفها الغير مُبرر من ذلك الشيطان أرسلان والسبب الآخر لإظهار خوفها أمام جارها النرجسي
تأففت بـ صوتٍ مسموع ليتشدق قُصي بـ سُخرية
-اللي يشوقك دلوقتي ميشوفكيش وأنتِ شبه الكتكوت المبلول من شوية…
إلتفتت بـ جسدها كله إليه وقد تطاير خوفها وحلّ مكانه الغضب لتصرخ بـ حدة
-ما هو أنت لو شايف شُغلك ومش سايب الراجل دا يعمل اللي على مزاجه مكنتش إتحطيط فـ الموقف دا ولا خليت شبه ظابط زيك يشوفني كدا…
ضرب على المقود بـ غضب..هي مُحقة..هو لا يستطيع القضاء عليه كما ينبغي..لولا أن القانون يقف عاجزًا أمام سُطلته لكان تخلص منه بـ مُنتهى اليُسر
تنفس بـ قوة حتى إستمعت إلى هدير أنفاسه يتردد صداها بـ السيارة قبل أن يقول بـ جمود وهو يُسيطر على غضبه
-أنتِ لسه متعرفيش حاجة..أنتِ شايفة الصورة من زاوية واحدة بس لسه مشوفتيش باقي الحقيقة
-ضربت كفيها بـ بعض وهي تقول بـ عصبية:مفيش أكتر من زاوية لواحد زي دا بيعمل اللي على مزاجه ومحدش واقفله..إيه لازمة القسم اللي هنا!
-إلتوى ثغره بـ سُخرية وقال:كلهم كلاب عنده
-تراجعت إلى الخلف وهمست بـ عدم تصديق:وأنت زيهم!!…
إلتفت إليها على حين غُرة وقد تفاقم غضبه إلى أعلى مراتبه..ليقول بـ صوتٍ جهوري أفزعها
-خُدي بالك من كلامك عشان لسانك دا هو اللي هيقصر عُمرك
-إحترم نفسك
-نظر إليها بـ عينيه اللتين تقدحان الشرر:أنتِ اللي بني آدمة مُستفزة وبتقولي كلام مش عارفة إذا كان حقيقة ولا مُخك العقيم دا هو اللي رسمها…
كادت أن تتفوه بما يجب ولكنه أشار بـ يده أن تصمت دون النظر إليها وأكمل بـ جمود
-على العموم أنا ولو كنت بشتغل معاه..مكنتش كلفت نفسي أروح لغاية عنده عشان أرجعك سليمة…
ثم صمت لتشعر هى بـ خجل من نفسها..دائمًا ما تتفوه بـ حديث مُندفع لا تُقدر عواقبه ولكنها لا تستطيع أن تُهان بل يجب أن ترد الصاعين وأكثر
تنهدت بـ قنوط ثم إعتدلت بـ جلستها عاقدة ذراعيها أمام صدرها تزم شفتيها بـ غضب وعدم رضا..أعادت خُصلاتها المُتطايرة إلى الخلف وعادت إلى وضعيتها الأولى
نظر قُصي إليها من طرف عينيه ولكنه أشاحها بعد ثانية واحدة دون حديث وأكمل الطريق بـ صمت أو حتى إختلاس النظر إليها
بعدما وصلا إلى البناية هبطت سديم سريعًا تُريد الراحة عقب تلك المواجهة التي إستنزفت طاقتها ولكن صوت أول رجل قابلته هُنا أوقفها وهو يتساءل
-ست الدكتورة!!..حمد لله ع السلامة أنا لما سمعت اللي حصل جيت جري على هنا أطمن عليكِ…
إرتفع حاجبيها بـ تعجب بهذه السُرعة إنتشر ما حدث بـ جميع أرجاء البلدة..ستُصبح حديث الجميع بـ الأيام القادمة ولكنها ستسير بـ شموخ ولن تُظهر تأثرها بما حدث
إلتفتت إليه سديم وقالت بـ سُخرية
-فيك الخير..أنا كويسة..بعد إذنك عاوزة أرتاح…
كاد أن يوقفها بـحديثه ولكن قُصي قد تدخل قائلًا بـ غلظة
-روح أنت يا رزق وأنا هبعت سُمية تقعد معاها عشان أعصابها التعبانة
-ردت هي بـ تمرد:أنا كويسة…
زجرها بـ حدة لتتأفف بـ ضيق ثم صعدت وهى تطرق الأرض بـ قدمها..تابعها قُصي وهو يُحرك رأسه يأسًا منها ثم إستدار إلى رزق وقال
-مش عاوز جنس مخلوق يهوب هنا يا رزق..فاهم!!..رجالتك يقفوا هنا
-حك رزق ذقنه وقال بـ تردد:بس يا باشاا آآ
-قاطعه قُصي بـ صرامة:اللي بقوله تسمعه..ومتخافش أنت ورجالتك فـ حمايتي..هو مش هيسيبها فـ حالها لأنه شكله حطها فـ دماغه
-زفر رزق بـ يأس وقال:أمري لله يا باشا..بعد إذنك هروح أدي خبر للرجالة…
أومأ قُصي ثم صعد إلى طابقه لينظر إلى باب شقتها مُطولًا ثم دلف إلى خاصته وأجرى إتصالًا بـ سُمية وأخبرها أن تصعد وتبيت ليلتها مع سديم
توجه أرسلان إلى غُرفة زوجته ثم أغلق الباب خلفه ليجدها تنام بهدوء وكأنها لا تُعاني..إبتسم بـ سُخرية ليتقدم منها وجلس فوق طرف الفراش وملس على خُصلاتها لمدة قصيرة وبقى يُحدق بها
دنى منها وهمس بـ جمود بـ القُرب من أُذنها
-هو السبب..هو اللي وصلك لكدا..هو غلط وأنتِ دفعتي التمن…
نهض و أخرج هاتفه ليقوم بـ تصويرها ليبعث رسالة نصية لأحدهم مُرفقة معها صورتها
-“ها قد إقتربت نهايتها ونهايتك أنت أيضًا”…
وضع الهاتف بـ جيب بنطاله وتوجه خارج الغُرفة وهبط إلى أسفل ثم توجه إلى غُرفته المُحرمة..دلف وأغلق الباب خلفه
إتجه إلى لوحةٍ بيضاء مُدون عليها عدة أسماء أولها اسم زوجته..أمسك قلمًا ما ثم وضع على اسمها علامة خطأ..أغلق القلم و قذفه بـ إهمال
نظر إلى اللوحة ها قد تخلص من أول أسماء لائحته وكانت زوجته ليتبقى خمسٍ..خرجت منه إبتسامة تهكمية ثم رحل
توجه إلى الحديقة وتمدد على ظهره واضعًا ذراعه فوق عينيه
بعد عشرون دقيقة..أتى أحد رجاله ليقف أمام أرسلان بـ إحترام ثم تشدق بعدما حمحم بـ صوتٍ أجش
-الظابط إتفق مع تاجر السلاح رزق أنه يُحط رجالته قدام البيت…
لم يرد أرسلان ولم يُبعد ذراعه عن عينيه ولكنه أشار بـ يده الآُخرى بـ معنى أن يُكمل حديثه ليُكمل الحارس
-وبس حضرتك..تقريبًا الدكتورة بقت فـ حمايته…
أشار إليه أرسلان بـ الرحيل..فـ رحل وحينها ظهرت إبتسامته المعهودة..إبتسامة تعني أن القادم سيكون أمتع ثم همس بـ تلذذ
-إلى لقاءٍ أقرب…