ملكة على عرش الشيطان بقلم اسراء على

الفصل الخامس

أنا لستُ سيئًا..بل أنا الأسوء على الإطلاق…

أغلق جهاز التلفاز بعدما شاهد النشرة الإخبارية والتي تُفيد بـ إنتحار وزير الدفاع المُفاجئ نتيجة لمرض إبنته الذي لا علاج له وقد توفت قبل لحظات من موته فـ لم يتحمل وأقدم على الإنتحار

وضع جهاز التحكم عن بعد على الطاولة أمامه ثم إتكئ بـ مرفقه على رُكبتيه وذقنه إلى كفيه المضمومين وعيناه شاردتين بـ البعيد قبل أن يأتيه إتصال بعد عدة دقائق لينتشله من شروده

تنهد بـ عُمق ثم مدّ يده وأمسك الهاتف ليرد على المتصل دون أن يتحقق من هوية المُتصل

-أيوة!!
-عزت باشا!..شوفت الأخبار؟
-تنهد المدعو عزت ثم أردف:أه شوفت…

أتاه صوت الآخر وقد طغى على نبرته التوجس والهلع

-عارف دا معناه إيه!
-أجاب عزت بـ تصلب:معناه إن معالي الوزير مستحملش خبر موت بنته وإنتحر بعدها..حُط دا فـ دماغك كويس
-بس يا باشا آآ
-قاطعه عزت بـ صرامة:متتأخرش فـ العزا..بينا كلام طويل…

أغلق الهاتف دون أن يُزد بـ كلمةٍ أُخرى ثم ألقى الهاتف بـ عُنف ليُحدث نفسه قائلًا بـ غضب

-قولتله يقتله أول ما دخل السجن..الواد مكنش باين عليه إنه سهل…


إستيقظت سديم بعد ليلة مؤرقة طويلة لتجلس فوق الفراش عدة دقائق تستعيد كامل وعيها ثم نهضت

أخرجت ثيابها المكونة من ثوب أخضر يصل إلى ما بعد الرُكبة بـ قليل وفوقة سُترة سوداء من خامة الجينز وبعدها إتجهت إلى المرحاض وبـ طريق ذهابها وجدت سُمية تُحادث أحدهم بـ الشُرفة لم تحتج إلى وقتٍ طويل لتتهكن هوية الآخر لذلك إنطلقت سريعًا تقتحم المكان

إنتفضت سُمية عند إقتحام سديم الشُرفة بينما قُصي بقى يُحدق بهما بـ هدوء

عقدت ذراعيها أمام صدرها ثم أردفت وهى ترفع حاجبها الأيمن بـ حذر

-أكيد بتوصيها تحبسني!
-إبتسم قُصي بـ إصفرار ثم قال:صباح النور…

حلّت ذراعيها وقد بدأ الغضب يتسلل إليها لتقول وهى تقترب منه

-ملكش دعوة بحياتي يا حضرة الظابط..قولتلك أنا مش خايفة
-رفع منكبيه بـ لا مُبالاة:دا مكنش كلامك إمبارح
-ضربت الأرض بـ قدمها ثم أردفت بـ حدة:أنت اللي أخدت الكلام بـ منحنى تاني…

تجاهلها قُصي لينظر إلى سُمية التي تُتابعهم بـ عقدة حاجب ثم تشدق بـ هدوء

-زي ما إتفقنا يا سُمية
-ردت عليه سُمية بـ جذل:عنيا يا سي قُصي
-هو إيه دا اللي عنيا يا سي قُصي!..محدش ليه دعوة بـ حياتي على فكرة
-زفر قُصي بـ نفاذ صبر وهتف:أنتِ عارفة إحنا بنتكلم فـ إيه أصلًا !
-وبـ نبرة هجومية قالت:مش بتتفقوا تحبسوني؟!…

ضحك قُصي للمرة الثانية هو يُخفض رأسه لثوان ثم عاد يرفعها إليها..تابع نظرتها المُتحيرة وقد راقته تلك النظرة كثيرًا ليردف بعدها بـ هدوء ثلجي

-أنتِ ناضجة بما فيه الكفاية عشان تبقي عارفة مصلحتك..وأنا مملكش إني أحبسك..أنتِ مش حيوان أليف
-أشارت بـ سبابتها بـ تحذير:إحترم نفسك
-تدخلت سُمية قائلة بـ لُطف:سي قُصي ميقصدش..هو كان بيوصيني إني أجيبك فرح إبن الحج رزق عشان تهيصي وتريحي أعصابك شوية مش أكتر…

رفعت ناظريها إليه بـ عدم تصديق ليرفع منكبيه ردًا على نظرتها لتعود وتنظر إلى سُمية قائلة بـ إرتباك حاولت إخفاءه بـ حدتها

-ولو برضو..مش من حقه يفرض عليا أجي أو لأ
-أتاها صوته الساخر من خلفها:أنا مبفرضش عليكِ يا سديم..أنا سبق وقولتلك إنك ناضجة بما فيه الكفاية…

ضيقت عيناها وهى تنظر إليه بـ نظرات حانقة لتستدير وسُمية تردف

-كل الموضوع إن الحج حب يعزمك بس سي قُصي قاله بلاش تكلمها عشان زمانها نايمة وهو هيخليني أجيبك…

حكت سديم فروة رأسها بـ حرج ولكنها أبت إظهاره لتقول وهى تهم بـ العودة إلى الداخل

-أنا نازلة الشُغل..بعد إذنكوا…

تركتهم وعادت إلى الداخل لتنظر سُمية إلى قُصي قائلة بـ حرج

-معلش يا سي قُصي..اللي حصلها إمبارح مش سهل
-ضحك قُصي ثم قال بـ مُزاح:لأ يا سُمية دي وحمة..ربنا خلقها كدا تور بينطح
-أتاهم صوتها الصارخ بـ غضب:سمعتك يا قليل الذوق يا عديم الإحتراك لمشاعر أثنى مُرهفة الحس زيي…

إرتفع حاجبي كُلًا من قُصي وسُمية بـ دهشة ما لبثت أن تحولت إلى إبتسامة مُشاكسة من قِبل الأول ليهمس

-مش معقولة دي بنت أبدًا…


أنهت حمامها الدافئ ثم عادت إلى غُرفتها وإرتدت ثيابها..صففت خُصلاتها على هيئة جديلتين مُتعاكستين ثم رفعتهما على هيئة كعكة..وعلى جانبي وجهها أسدلت خُصلتين

إرتدت حقيبة سوداء وضعت بها مُتعلقاتها الشخصية وهاتفها الخلوي ثم إتجهت إلى خارج الغُرفة

وجدت سُمية قد حضرت الإفطار وتضع الشاي الساخن بـ الأكواب..توجهت سديم إلى أحد المقاعد لتلتقط أحد الأوراق الخاصة بـ عملها

لاحظتها سُمية لتقول بـ بشاشة

-أنا حضرت الفطار يا ست سديم..تعالي إفطري قبل ما تنزلي
-ردت عليها سديم دون أن تنظر إليها:معلش يا سُمية مش هقدر عشان إتأخرت
-لتردف الأُخرى بـ عتاب:مينفعش تنزلي على لحم بطنك كدا..تعالي كلي لقمتين وبعدين إنزلي
-مش هقدر والله..يلا باي…

ودون أن تسمح لها بـ الحديث مرةٍ أُخرى كانت قد خرجت..هبطت الدرج لتجد حارسين يقفان أمام مدخل البناية..نظرت إليهما بـ تفحص ولكنها مطت شفتيها بـ عدم إكتراث وأكملت سيرها إلا أن يد أحدهم منعها وهو يقول بـ نبرة غليظة

-قُصي باشا مانع خروجك لوحدك…

رفعت حاجبها بـ ذهول ما لبث أن تحول إلى غضب لتهدر

-قُصي مين دا اللي مانعني أنا من الخروج!
-وهمسة مُشاكسة أتت من خلفها:أنا قُصي العمري…

شهقت سديم بـ صدمة لتتراجع خطوتين وهي تراه يقف خلفها بـ كامل أناقته..يرتدي بنطال جينز أسود وقميص أبيض يلتصق بـ جسده مُظهرًا عضلات صدره المُتعرجة

إبتسم قُصي بـ ثقة ثم أقترب منها وقال

-صباح الخير…

إستعادت سديم إتزانها لتتحول إلى قطة شرسة وهى تصرخ

-على فكرة أنت بتتعدى حدودك معايا وأنا مش هسمح بـ كدا
-وبـ نبرة أكثر ثقة أكمل:أنا متعدتش حدودي يا دكتورة..أنا بحافظ على الأمن العام وسلامة المواطنين
-ضمت شفتيها بـ غيظ ثم أردفت بـ جمود:لو سمحت..أنا مش فاضية للعب العيال دا..ورايا شُغل ولازم أروحه
-وأنا معنديش مانع…

بساطة نبرته بـ الحديث جعل براكين الغيظ تشتعل بـ داخلها وهي تقول بـ حنق

-أنت شارب إيه عـ الصُبح
-وبـ نبرة مُستفزة أردف:قهوة سادة…

أخرجت تنهيدة حارة ر حانقة من بين شفتيها المُغريتين بـ لونهما الأحمر ثم قالت بـ نفاذ صبر

-أنا مش عارفة أنت مالك على الصُبح..بس أنا حقيقي مش فاضية ولازم أمشي
-وأنا قولت معنديش مانع
-يووووه أنا مش فاضية لـ اللي ملوش مُسمى اللي بتعمله دا
-إبتسم قُصي بـ جانبيه وقال:بُصي يا ستي
-قاطعته دون أن يُكمل:مش هبص وأنا همشي دلوقتي والجدع فيكم يوقفني..ساعتها هتصرف بطريقة مش حلوة…

دفعت الحارسين بـ غيظ رادفة

-وسع أنت وهو…

نظر الحارسين إلى قُصي الذي أشار لهما بـ الإبتعاد ليبتعدا وتعبر هي..بقى ينظر إلى طيفها بـ نظرة مطولة قبل أن يتنهد ثم توجه إليهما وقال بـ هدوء

-معلش يا رجالة خليكوا وراها لحد أما أستلمها منكوا بالليل
-حاضر يا قُصي باشا…

توجه قُصي إلى سيارته وإنطلق إلى عمله


كان يسبح بـ سرعة جنونية مُنذ ما يقرب ساعة..كُلما تشوشت ذاكرته ما حدث بما يقرب السبع أعوام..تزداد ملامحه قتامة فـ يزداد عنفه وسرعته

تذكر عندما أتاه صديقه مهرولًا يشكوه خائفًا مما سمعه..هبط أسفل الماء ليجلس بـ قاع حوض السباحة وحبس أنفاسه وما حدث يمر أمامه كـ عرض سينمائي

“عودة إلى وقتٍ سابق”

بعدما أنهى عمله وضع نظارته الطبية وقال بـ هدوء لسكرتيرته

-تمام كدا..الوفد هيوصل بكرة الساعة عشرة الصُبح..مش عاوز غلطة
-تمام يا مستر..بعد إذن حضرتك…

أشار إليها بـ الإنصراف وما كادت أن تفتح الباب لتجد أحدهم يدفعه وملامحه تحمل جميع أنواع الرُعب وبـ نبرة لاهثة هتف بـ اسمه

-أرسلان!!!…

نهض أرسلان بـ فزع وهو يرى صديقه بـ تلك الحالة..يرتدي زي الخدمة العسكرية..ليتجه إليه وأمسك مرفقه مُساعدًا إياه على الجلوس

نظر إلى سكرتيرته وجأر بـ حدة

-ماية بسرعة…

أومأت سريعًا لتخرج..عاد أرسلان ينظر إلى صديقه وتساءل

-مالك يا مؤمن!..إيه اللي حصلك وطلعت من الجيش إزاي!..أنت مش أجازتك خلصت…

نظر إليه المدعو مؤمن بـ عينين خائفتين ثم أردف بـ صوت خفيض مشدوه

-أنا هربت…

“عودة إلى الوقت الحالي”

صعد إلى سطح الماء بعدما فقد قدرته على التنفس..مسح على وجهه بـ عُنف ونظراته تتحول إلى أُخرى سوداء..ضم قبضته وضرب سطح الماء بـ غضب ثم خرج من الماء نهائيًا

إلتقط منشفة وجفف قطرات الماء عن جسده قبل أن يأتيه أحد حرسه يُخبره وهو يقف بـ إحترام

-راحت لشغُلها فـ المُستشفى يا باشا
-أردف أرسلان بـ جمود:أُنشر خبر موت مراتي..فـ ظرف نص الساعة عاوز الموضوع دا بيتكلم فيه الصغير قبل الكبير
-حاضر يا باشا…

ألقى أرسلان المنشفة بـ إهمال ثم جلس ليلتقط لُفافة تبغ بُنية اللون وأشعلها..نظر إلى الفراغ قليلًا قبل أن يردف بـ خُبث

-مُكنتش أعرف إن لقاءنا هيكون قريب كدا..قريب أوي…

تمدد فوق المقعد واضعًا يده فوق عينيه وأخذ يُدخن بـ هدوء وكأنه لم يكن يشتعل بـ براكين الإنتقام والحقد مُنذ قليل


خطت بـ ساقيها إلى داخل المشفى..وجدت جميع الأعين مُسلطة عليها ولكنها قابلتها بـ كل شموخ..لم تكن لتخاف ولكن همسة إلتقطتها أُذنيها من أحد العاملين بـ المشفى

-هي رجعت عايشة إزاي!..دا كدا حطها فـ دماغه أكتر..الدكتور التاني هرب بره البلد هنا عشان ميمسكوش…

عضت سديم لسانها لتكبح رهبتها التي بدأت تظهر وأكملت سيرها المُضطرب حتى وصلت إلى غُرفة مكتبها

ما أن دلفت حتى أغلقت الباب وإتجهت إلى الأريكة لتُلقي بـ جسدها عليه بـ إنهاك..إرتمت على ظهرها واضعة يدها فوق عينيها ثم جذبت وسادة لتضعها فوق فمها..مضت ثوان قبل أن تصرخ بـ كل قوتها

أبعدت الوسادة ثم نهضت بـ عُنف وهى تتحرك بـ الغُرفة على غيرِ هُدى..مسحت على خُصلاتها وهمست

-أنا لازم أمشي من هنا..هو عاوز مني إيه!…

أخرجت هاتفها لتُحادث أبيها..ثوان وأتاها صوته المرح

-الإبنة العاقة اللي سافرت ومعبرتش أبوها بـ كلمني شكرًا حتى…

ضحكت سديم فـ هي تحتاج إلى أن تضحك وبـ شدة لتقول بعد عدة لحظات

-إحنا أسفين يا باشا..عامل إيه!
-الحمد لله..أنتِ اللي عاملة إيه؟..حد بيضايق هناك؟!…

إبتسمت بـ سُخرية لاذعة..تُرى أتُخبره أم لا!..ولكن ماذا سيفعل والدها القعيد..تنهدت ثم قالت بـ نبرة جاهدت أن تكون طبيعية

-أنا كويسة..ومتخافش محدش يقدر يضايق سديم
-أتاها صوت والدها مُؤكدًا:عارف يا حبيبتي..بس أنتِ عارفة مبرتاحش إلا وأنتِ قدام عيني…

إبتسمت سديم بـ خفة..تعشق والدها وهو يعشقها كـ أي إبنة..صحيح علاقتهما تقتصر على الإبنة و الوالد ولا توجد علاقة صداقة بينهما..ولكن يظل أباها..لم يُدللها وهي تشكره لذلك إلا أنه حنون كما كان دائمًا مع والدتها قبل أن تتوفى

عاد صوت والدها يصدح ولكن هذه المرة بـ جدية

-زميلك سليم كلمني وقالي أنه هيحاول يتصرف فـ موضوع النقل دا وتبادل الأسماء..قالي الموضوع مش هيطول أوي
-تهللت أسارير سديم وهي تقول بـ تفاؤل:بجد يابابا!..أنا فكرته هيخلع..طلع راجل
-ابن حلال…

خيم الصمت ثوان قبل أن تردف سديم

-بتاخد أدويتك يا بابا!…

إستطاعت أن تستشعر إبتسامته وهو يقول بـ مكر شاب لا يليق بـ عمره المتجاوز للأربعين

-المُمرضة الجديدة مُمتازة
-ضيقت سديم عيناها وقالت بـ سُخرية:مُمتازة ولا حلوة!
-الأتنين…

ضربت سديم جبهتها ثم تشدقت بـ نفاذ صبر ونبرة يائسة

-يابابا عيب اللي بتعمله دا..دي بنات ناس برضو
-رد عليها والدها بـ براءة:أنا قولت إيه بس!..أنا بس بقول رأيي مش أكتر
-همهمت:واللي بيحصلي دا بسبب عمايلك المراهقة دي…

لم يفهم والدها ما تقول ليسألها بـ عدم فهم

-بتقولي إيه يا بت أنتِ!
-بـ نبرة صفراء كـ إبتسامتها أجابت:بقول خُد بالك من نفسك يا بابا
-طب يلا أقفلي عشان مرات أبوكِ جت…

نظرت سديم إلى الهاتف بـ ذهول لما تفوه به أباها مُنذ لحظات..حركت رأسها يأسًا ومن ثم همست

-مش هتتغير أبدًا يا بابا…

إنتفضت على صوت الباب الذي فُتح بـ همجية..لتلتفت هي بـ غضب ولكن قبل أن تتفوه بـ كلمة كانت المُمرضة القصيرة تهتف

-سمعتي آخر الأخبار يا دكتورة!
-عقدت سديم حاجبيها وتساءلت:أخبار إيه!…

إرتفع حاجبيها المعقودين وهي ترى المُمرضة تضرب وجنتيها بـ حسرة قائلة بـ نواح

-مرات الشيطان ماتت النهاردة…

وكأن أحدهم ضرب أُذنيها بـ قوة فـ أصمتها..ظلت تنظر إلى المُمرضة بـ غرابة..ساد الصمت والذهول لفترة طويلة قبل أن تقطعها سديم بـ صوتها الغريب وكأنها مُنفصلة عن العالم الواقعي

-معلش مين مات!
-تحدثت المُمرضة بـ شفقة:مرات الشيطان اللي روحتيله إمبارح ماتت النهاردة
-همست بـ كلمة واحدة:أخرجي…

وضعت سديم رأسها فوق حافة المكتب..لتُحرك المُمرضة فمها بـ حركة شعبية ثم خرجت دون حديث

كانت عينا سديم مُتسعة بـ قوة وعبارة واحدة تتبادر إلى ذهنها

-“موعد اللقاء الأقرب قد حان”…

ولكنها لم تتوقع أن يكون قريبًا إلى ذلك الحد..الصدمة جعلت جسدها رخويًا غيرُ قادر على الحركة..تهدل ذراعيها وذلك الهاجس يعود

-إهربي يا سديم…


توجهت إلى المنزل بـ خُطىٍ مُتثاقلة غيرُ واعية لذلك الشخصين خلفها..صعدت درجات السُلم حتى وصلت إلى طابقها

فتحت الباب ودلفت..ألقت حقيبتها بـ إهمال ونزعت سُترتها الجينز تبعها حذائها ذو الكعب ثم توجهت إلى المرحاض

فتحت مصدر المياه و وقفت أسفله بـ ثيابها..تساقطت المياة فوقها علها تُفيقها من ذلك الكابوس المُرعب

بعد خمسة عشر دقيقة..أغلقت مصدر المياه ثم خرجت دون أن تُجفف جسدها

عادت إلى غُرفتها وبدلت ثيابها..تسطحت على الفراش ونامت..تتلمس الهروب

بعد ثلاث ساعات

إستيقظت على صوت طرقٍ عنيف..إنتفضت جالسة وقد علت ضربات قلبها بسرعة مُخيفة..نهضت بـ ساقين ترتعشان حتى وصلت إلى الباب وبـ نبرةٍ مهزوزة

-مين!!…

لحظات لم يأتها الرد..فـ أحست أنها قد توقفت عن التنفس وأنها ستموت لا محالة..ولكن صوت أنثوي تعرفه جيدًا جاءها

-ست سديم!..بقالي ساعة بخبط…

عادت تتنفس من جديد وقد هدأت ضربات قلبها لتفتح الباب ثم قالت بـ نبرة مُتهدجة

-معلش كنت نايمة
-شهقت سُمية قائلة بـ حرج:يووه..معلش يا ست سديم صحيتك
-لا ولا يهمك..تعالي إتفضلي…

نظرت سديم بـ تفحص إلى عباءتها السوداء ولكنها مُطرزة بـ خطوط فضية مُبهرجة وكذلك وشاح الرأس المُتماثل مع العباءة

جلست فوق الأريكة وقالت بـ إبتسامتها المُعتادة

-مش ناوية تيجي الفرح
-إمتعضت ملامحها وهى ترد:لأ معلش مش قادرة
-خفتت إبتسامة سُمية وقالت:ليه بس يا ست سديم!..دا حتى العُمارة كلها رايحة وسي قُصي مش عاوز يسيبك فيها لوحدك…

وعند عبارة بـ مُفردها..إرتعدت عندما تخيلت أنها ستكون فريسةً سهلة المنال بين يديه..ولكنها أردفت

-وبعدين إزاي يعملوا فرح ومرات الـ…

لم تستطع النطق بـ اسمه أو لقبه لتُكمل بـ قنوط

-ميتة!!
-أجابتها سُمية وهي تُشير بـ يدها:لا متقلقيش..مفيش عزا ولا حداد ولا أي حاجة..هو الخبر إنتشر والبلد هادية..حتى هو إختفى…

دنت من سديم وقالت بـ خفوت

-بيني وبينك..حد من رجالته قال إنه سافر عشان يدفن مراته فـ بلد أبوها…

تخللت الراحة ثنايا روحها الهلعة..لتبتسم بـ إتساع قائلة

-داهية تاخده ولا ترجعه أبدًا
-لم تُعقب سُمية ولكنها قالت:يلا خُشي إلبسي الحتة اللي ع الحبل وتعالي معايا..والله هتتبسطي
-صدقيني مش هقدر
-هنا وصاحت سُمية:بقولك إيه يا ست سديم..أنا مش هتحرك من هنا غير ورجلي على رجلك..أه عشان بس نبقى واضحين…

زفرت سديم بـ قنوط ولكنها أومأت بـ خفة ودلفت إلى غُرفتها

إلتقطت ثيابها المُبللة و وضعتهم مؤقتًا فوق أحد المقاعد الخشبية ثم أخرجت ثياب خاصة لها

كان إختيارها ثوب من اللون الأزرق الداكن مُطعم بـ فصوص بيضاء..يضيق على جسدها حتى رُكبتيها ومن الأسفل إتساع خفيف يسمح لها بـ الحركة

ذراعها الأيسر مُغطى بـ الكامل أما الآخر فـ قد تركته عاريًا لا يستره سوى طبقة شفافة

أسدلت خُصلاتها بـ حُرية ثم وضعت مساحيق التجميل..كحل أسود ثقيل و أحمر شفاه وردي اللون ..و خط أسود فوق جفنيها..رشت عطرها الثقيل ثم إلتقطت حقيبة بيضاء صغيرة وضعت بها هاتفها وخرجت

-أنا جاهزة…

إرتفعت أنظار سُمية إليها لتتسع بـ إنبهار قائلة

-الله أكبر يا ست سديم..قمر أربعتاشر
-إبتسمت بـ خجل وقالت:بجد حلوة!
-أنتِ مش شايفة نفسك ولا إيه!…

جذبت يدها تضعها بـ مرفقها ثم قالت وهى تتجه إلى باب

-يلا عشان إتأخرنا..البلد كلها هناك…


نظر إلى ساعة معصمه للمرة التي لا يعلم عددها..تأخرت.. واثق أنها ستأتي..يعلم أنها خائفة وتخشى أكثر أنها ستكون وحيدة اليوم بـ البناية

كان جالس بعيدًا عن الصخب حتى يراها..ولم تمضِ سوى عدة دقائق قبل أن تظهر هي وسُمية مُترجلاتان من وسيلة المُواصلات البسيطة

عيناه تسمرت عليها..كانت بشكلٍا ما تخطف الأنظار..خطفت أنظاره وأنظار الجميع..إستحوذت على أنفاسه فلا تخرج إلا حين أن تتقدم ساقها اليُسرى ولا تدخل إلا حين أن تتقد ساقها اليُمنى

عيناه تفحصتا جسدها الممشوق والمغوي بـ غريزة رجل أمامه حواء فاتنة..لم يعٍ وصولهما أمامه إلا حين نادته سُمية بـ نبرتها العالية

-سي قُصي..قاعد بعيد ليه!!…

ثبت أنظاره على سديم التي أخفضها حرجًا منه وتلاعبت بـ أطراف الفستان بـ توتر..إبتسم قبل أن يقول بـ مكر

-كنت مستنيكِ يا سُمية…

إبتسمت سُمية بـ مكر وقد تفهمت نظرات الآخر لترد بـ المثل

-معلش بقى يا سي قُصي..مكنتش جاية لولا الست سديم أصرت عليا فـ جيت…

شتمت بـ سرها وهي تعي أنها محور حديثهما ولكنها لم تجرؤ على رفع عينيها إلى خاصته التي تأكلها لتسمع صوته الخبيث

-لأ دا أنا لازم أشكرها بقى….

إنتفخت أوداجها غضبًا لتسحب يد سُمية قائلة وهى تنظر إليه بـ حدة

-يلا يا سُمية رجلي وجعتني من الوقفة…

جذبتها خلفها بـ قوة لا تتناسب مع هيئتها الرقيقة..تابع قُصي إبتعادها عنه وهو يبتسم ليراها تجلس بـ أحد الأركان الهادئة نسبيًا وبجوارها سُمية

كانت حرب النظرات على أشدها بينهما..هو يرمقها بـ تسلية أما هي فـ نظراتها كانت أنصال ترميه بها فـ تتسع إبتسامته

وعلى الناحية الأُخرى أوقف مُحرك سيارته وموقع الزفاف يلوح أمام..ترجل من السيارة وعلى وجهه إبتسامة قاتلة

أغلق زر سُترته السوداء وتوجه إلى الزفاف..يعلم أنها بـ الداخل ولما لا وهو بـ الأصل يتتبع تحركاتها والغبية تظن أنها ستكون بـ أمان وسط هذا الحشد

وعند تلك النُقطة إبتسم بـ شيطانية..غبية إن كانت تظن أن هُناك من يوقفه

بكل خيلاء سار إلى حفل الزفاف..وحين لمحه الجميع توقفت الموسيقى عن العزف بل و توقف الجميع عن التنفس وهو يبتسم بـ ملامح قاتلة

كانت جالسة بـ إنبهار..عيناها تُطالع ما يحدث بـ إنبهار خالص..كان الزفاف شعبي بـ درجة لم ترها من قبل..على الرغم من تلك الأشياء الغريبة التي تراها من مشروبات ومأكولات أو حتى تلك الأدخنة والتي تعلم أنها ليست طبيعية إلا أنها شعرت بـ شيئٍ من الإطمئنان

حين توقفت الموسيقى..تصارعت ضربات قلبها فجأة..أدارت نظرها إلى سُمية التي شهقت هامسة

-الشيطان!!…

شحب وجه سديم وإرتجف جسدها..شعرت بـ برودة تجتاح أوصالها وعيانها تشوشت رؤياهما..إلتفتت إتجاه أنظار سُمية لتقع عينيها عليه

أحست أن أحدهم يسحب روحها تدريجيًا وهو يلتفت لها ونظراته تلتقي بـ خاصتها حينها شعرت وأن المكان تحول إلى صحراء قاحلة لا أحد سواهما بها..إستطاعت أن تقرأ شفتيه التي عبثت بـ اسمها ونظرته الماكرة التي تعتلي وجهه

-سديم…

إنخلع قلبها لشفتيه التي نطقت اسمها بـ طريقة تقشعر لها البدن..على الرغم من أنها لم تسمع صوته ولكنها شعرت بـ صوته يخترق عقلها..وكأن أحرفه سطرت بداية اللقاء بينهما ونهاية حياتها هي

error: