ملكة على عرش الشيطان بقلم اسراء على

الفصل الرابع عشر

إحذر إشتعال نيران الإنتقام فـ لهيبها لا يشبع ولا يهدأ
بل تزداد إتساعًا حتى تبتلع الجميع…

فـ الدم لا يُغسل إلا بـ الدم على الأقل بـ مفهومه…

نظرت سديم إلى الباب وكذلك أرسلان ليجدا قُصي و والدها أمامها ينظران إليهما بـ نظراتٍ غاضبة..كانت تلك الصيحة الغاضبة صادرة عن أبيها أما قُصي فـ قد شلت الصدمة لسانه عن الحديث

حرك مُحرم إطارات المقعد ودلف إلى الُغرفة ليبتعد أرسلان عن سديم والتي إنكمشت على نفسها خوفًا وخجلًا..أخفضت رأسها همست بـ توسل

-بابا أنت فاهم غلط…

لم يرد مُحرم بل ظلت نظراته النارية مُسلطة على أرسلان والذي كان يُبادله النظر بـ هدوء وبرود ثلجي..إلا أنه أردف دون النظر إليها

-يا خسارة تربيتي فيكِ…

خنجر مسموم طعنه والدها بـ كلماته التي تدل على مدى خذلانه منها..وكأنها هي المُذنبة ولِما لا وهى تركته يقترب منها دون القُدرة على إبعاده أو ضربه كما يجب..ولكن أرسلان هل يردعه دفاعها الهزيل!

تقدم مُحرم من أرسلان ثم هدر بـ غضب

-نفسي أفهم مُجرم زيك بيقرب من بنتي ليه!..بتقرب لخطيبة أخوك ليه؟!..معقول معندكش نخوة!
-إبتسم أرسلان بـ سُخرية وأردف:لو معنديش نخوة كُنت سبتها لواحد يغتصبها
-جحظت عينا مُحرم وهدر بـ غِلظة:إخرس يا واطي..أنت فعلًا زي ما قُصي قال..واحد لا عنده ضمير ولا نخوة وكمان قاتل…

أظلمت عيني أرسلان بـ قسوة ثم نظر إلى قُصي الواقف بـ وجوم وغضب يكبته..وقد ظهر جليًا بـ كفهِ الذي يقبض عليه بـ قوة حتى إبيضت مفاصله..ثم هتف بـ جمود ماكر

-الظاهر فيك حاجة غلط..نسوانك هما اللي بيترموا عليا…

شهقت سديم بـ صدمة واضعة يدها فوق شفتيها..أما قُصي فـ نظر إلى أرسلان بـ نظرات نارية ، مُميتة..ليبتسم ويُكمل بـ خُبثٍ

-هي اللي كلمتني عشان ألحقها..مش أنا اللي جريت وراها..زي اللي قبلها وإتهمتني إني بغويها…

لم يتحمل قُصي تلك الكلمات المسمومة التي بثها أرسلان ليتحرك غاضبًا ولكمه بـ قوة بـ وجهه والآخر لم يتحرك..بل تركه يفعل ما يُريد..وعلى الرغم من قوة الضربة إلا أنه ظل ثابتًا..كاد أن يكلمه مرةً أُخرى ولكن هذه المرة وجهها إلى جانب معدته..تحديدًا لذلك الجرح الناتج عن الشجار الحاد الذي دار بينه وبين نزار..هنا خرجت سديم عن صمتها وركضت تمنعه

تعلم أن أرسلان لن يمنعه بل سيترك قُصي يضربه إلى ما شاء الله..ولكن جرحه سينزف مرةً أُخرى وبـ شكل أو آخر تشعر تجاه بـ إمتنان لنجاتها..وهي تمقت ذلك الشعور

صرخت سديم وهي تُبعد يد قُصي عن لكمه متوسلة

-بلاش يا قُصي..عشان خاطري لولاه كان زماني ميتة..أنا إستنجد به وهو متأخرش…

ويعلم الله أنا لم تكن لتحميه قط بل لأجل قُصي..لأنه سيقتله دون شك

هدر بها بـغضب وهو يُمسك ذراعيها بـ قوة آلمتها ولكنها لم تجد القُدرة لتتحدث فـ أكمل بـ صوتهِ الجهوري

-أنتِ عارفة اللي روحتي تترمي فـ حضنه وتطلبيه ينجدك عمل إيه!..سرق مني خطيبتي زمان..ومعندوش مانع يعملها تاني…

دفعها بعيدًا عنه وكأنها عدوى أو آفه خبيثة ثم أردف بـ جنون وهو يشد خُصلاته

-مش فاهم أنتِ إزاي تطعنيني فـ ضهري بـ سكينة تلمة زي دي!
-همست بـ تحشرج واضعة كفيها فوق فمها:قُصي!!!
-هدر بـ وحشية وهو يستدير إليها:إخرسي ومسمعش صوتك..وأحسنلك سبيني وأمشي عشان مش ضامن غضبي..أو أقولك أنا اللي ماشي…

شهقت بـ نشيج باكي ولولا غضبه منها لكان جذبها إلى أحضانه يكسر رأسها ويداويها ولكنه حقًا كان في أوج جنونه فـ تركها ورحل..صرخت راكضة خلفه

-قُصي!..متسبنيش وتمشي
-إستدار مُجفلًا وهدر:سبيني دلوقتي بقولك..سبيني بدل أما أنهي كُل حاجة بينا…

شحب وجهها وهي تستمع إلى كلماته القاسية فـ تراجعت خطوتين غيرُ مُصدقة لتلك القسوة النابعة منه إليها

راقبت إبتعاده عنها حتى إختفى تمامًا وبقى ثلاثتهم..نظرت إلى أرسلان الذي كان يُتابع المشهد بـ وجه صخري وإبتسامة ساخرة تُزين شفتيه..لتقترب منه هامسة بـ حدة وغل

-عجبك المشهد!..خليه محفور فـ ذهنك عشان هعيشهولك بس بـ طريقة أقسى…

رفع أرسلان حاجبه الأيسر بـ سخرية دون أن يرد..كاد أن يرحل ولكن صوت مُحرم الذي أوقفه بـ كلماتٍ غامضة

-أنت اللي قتلت الوزير و عزت الدمنهوري صح؟…

نظرت سديم إلى والدها بـدهشة هامسة بـ صدمة

-بابا!!!…

أما أرسلان فـ توقف فجأة ثم إلتفت إليه ينظر بـ عينين ميتتين وبـ جمود ونبرةٍ حاقدة أردف

-أيوة…

صمت ثقيل أطبق على المكان فـ سديم تكاد أنفاسها تختفي لتلك الصدمة التي تلقتها..و مُحرم لم يكن أقل صدمةً منها..كان قُصي قد قصَ عليه ما يحدث وحديثه السابق الذي أوضحه عن أرسلان جعله يتيقن أنه هو المتورط بـ أحداث القتل وحالة التوتر السائدة بـ البلاد

ولكنه أخذ نفسًا عميق وقال بـ هدوء

-يبقى إبعد عنا..لأني مش هسلم بنتي لقاتل
-ضيق أرسلان عينيه وقال:ومين قال إني عاوز بنتك!
-مش محتاجة..أنا مش عارف غرضك إيه وإيه أهدافك!..بس من الواضح إن سديم واحدة منها..ولو آخر يوم فـ عُمري مش هنولهالك
-إلتوى شدقه بـقسوة وهمس:لأ هتنولهالي..لمصلحتك و مصلحتها ومصلحة الكُل…

ليتركهم راحلًا دون حديث..صفع الباب خلفه بـ قوة ورحل يكبت ذلك الغضب المُتفجر بـخلاياه..أطاح بـ قدنة نبتة صغيرة موضوعة بـجوار باب غُرفة مكتبها وأكمل سيره بـ خيلاء


ضرب قُصي على المقوّد بـ غضب غيرِ قادر على كبحه..مسح على خُصلاته بـ عُنف وشيطانه يصور له العديد من المشاهد الحميمية ولِما لا ولا تزال تلك الذكري اللعينة محفورة بـ ذهنه

فتاة بـ ربيع عمرها..أحبها وقرر خطبتها ولكن ظهور أخيه الوسيم والجرئ قلب الموازين..فـ مالت هي مع الهوى

ليستيقظ ذات يوم على تلك الرسالة النصية جعلت من عينيه تشتعل بـ براكين الغضب..خطيبته الشابة بـأحضان أخيه تتعرى من ثيابها الواحدو تلو الأُخرى وتُخبره عن مدى عشقها وميلها له

وإنتهت القصة عند صفعتان وحربًا طاحنة دامت لساعتين بين الأخوين وهربت الشابة وأُغلقت الصفحة بل مُزقت ولكنها تركت بـ النفس جراح يصعب إلتئاهما..وكُره لن يستطيع الزمان محوه

أوقف سيارته عند ذلك الطريق مُفقر الحياة و وضع رأسه فوق المقوّد مُغمضًا لعينيه و صوت تنفسه يتردد صداه بـ أرجاء السيارة

أخرج هاتفه الذي صدح مُعلنًا عن وصول رسالة نصية كُتب بها اسمًا واحدًا

“نزار العبد”

اسم يكفي لتتحول عينيه إلى بركتين عميقيتن من الظلام والقسوة..ألقى الهاتف وعاد يقود سيارته عائدًا إلى البلدة

ذلك الاسم الذي حُفر بـ ذاكرته يوم مقتل عائلته..كان أرسلام قد همس به دون أن يدري فـ إلتقطته أُذنيه..وبعدها جمع بعض المعلومات حتى وصل أنه هو وراء مُخطط قتل عائلته

ورغم ذلك لم يعفِ أرسلان من تحميله الذنب..بحث عنه طويلًا ولم يجده فـ قرر الإستسلام ولكن مشاعر الغضب والإنتقام لم تخمد للحظة

وتلك الرسالة أعلمته أنه هو ذات الشخص الذي حاول الإعتداء على سديم..وعند تلك النُقطة تحديدًا زعق بـ صوتٍ جهوري وغضب أسود يعلم أن ما ستؤول إليه الأمور ليس بـ السهل والطريق الذي سيسلكه لا عودة منه


وضع الأوراق على مكتبه وقال بـ هدوء

-كلمي اللي فـ الشركة على الميعاد الجديد..وبلغي طقم الحرس الجديد اللي هيطلع لسيادة وزير الإقتصاد
-أخذت السكرتيرة الأوراق وقالت:تمام يا فندم..أنا هنزل الشركة دلوقتي..حضرتك تؤمرني بـ حاجة تانية!
-لأ روحي أنتِ…

أومأت وخرجت من غُرفة مكتبه بـ منزله الجديد الذي إستأجره بـ
مدينة القاهرة

نهض عن مقعده وتوجه إلى تلك المرآة المُعلقة بـ المرحاض ونظر إلى ذلك الجرح القطعي الذي خلفته قطعة زُجاجية مُهشمة بـ أيدٍ ناعمة ولُعبة الشيطان

أخرج الهاتف من جيب بنطاله وأجرى مُكالمة

-لو سمحت عاوز أعمل بلاغ عن محاولة قتل فـ *****…

صمت يستمع إلى الطرف الآخر ليرد بعدها بـ إبتسامة خبيثة

-المقدم السابق نزار العبد…

أغلق هاتفه بعد لحظات ليضعه بـ جيب بنطاله ثم أخرج لُفافة تبغ ليُدخنها بـ إنتظار ما سيحدث

و بـ الأسفل كانت سيارة قُصي تخترق حدود المنزل مُحطمة البوابة الحديدية ولا أحد من الحرس يتحرك بُناءًا على أمر سيدهم

ترجل من السيارة مُخرجًا لمُسدسه خلف جزعه ثم ركض إلى الداخل

صوب إلى قفل الباب ثم ركله بـ ساقه ليُفتح على مصرعيه..صرخت الخادمات وإنبطحن أرضًا خوفًا من ذلك الوحش الكاسر الذي إقتحم المكان

إنحنى إلى إحداهن وتساءل بـصوتٍ حاد

-هو فين اللي مشغلك؟!
-أشارت إلى الأعلى بـ إرتجاف قائلة:فـ..فوق..فـ مكتبه…

نهض سريعًا وصعد الدرج حتى وصل إلى الغُرفة المنشودة..ركل الباب بـ قوة لينخلع ثم دلف

وجده نزار يقف أمام النافذة المُطلة على الحديقة ليرفع مسدسه وأطلق رصاصة هشمت الزُجاج..لم يجفل الأول بل إلتفت وإبتسم بـ خُبثٍ قائلًا

-كان لازم يعني أبعتلك مسدج عشان تشرفني!…

إلتوى فك قُصي بـغضب ثم تقدم بـ بُطء مُثير للأعصاب ثم همس بـ نبرةٍ قاتلة

-بتعجل بـ موتك
-ضحك نزار وقال:أنت وأخوك بتقولوا نفس الكلمة..بس أنتوا لسه متعرفوش مين هو نزار…

تحسس وجنته المُقطبة وأكمل بـ خُبث

-طب دا حتى الدكتورة ملهاش فـ الكلام..فعل وبس..حتى سابتلي علامة عشان أفتكرها بيها…

تعالت أنفاس قُصي بـ حدة وتحولت عيناه إلى جمرتين مُشتعلتين ، قاسيتين ثم تقدم مرةً أُخرى وهمس بـ فحيح

-هقتلك دلوقتي…

تطلع نزار بـ ساعة معصمه ثم نظر إلى قُصي و أردف بـ مرح

-للأسف مش هتلحق…

لم يلتفت إلى عبارته بل أطلق رصاصة تفادها الآخر بـ حرفية..وقبل أن يُطلق الأُخرى وجده مَن يضربه مِن الخلف ثم يُقيده هادرًا

-إثبت مكانك…

لم يعِ قُصي ما يحدث إلا وهو ينظر إلى نزار الذي ينفض الأتربة الوهمية عن ثيابه وأردف بـخُبث

-عيب تستقل بـ ظابط مُخابرات سابق وكمان عنده أكبر شركة أمن فـ الوسط الشرقي كله…

إتسعت عينا قُصي بـ صدمة وقبل أن يتحدث جذبه الضابط لينهض ثم وجه حديثه إلى نزار وقال

-إحنا أسفين يا نزار باشا..وحضرتك هتشرفنا فـ القسم عشان المحضر
-فتح ذراعيه وقال:أنا تحت أمرك…

أما قُصي وبعد تفكير لم يدم لحظات حتى رفع رأسه فجأة ثم همس بـ صدمة

-أنت الظابط الخاين…

إبتسم نزار وإقترب منه يهمس بعدما أشار إلى الضابط بـ أُذنهِ

-أيوة أنا..وأنا اللي قتلت عيلتك..وهقتلك أنت وأخوك وخطيبتك قريب…

ربت على كتفه بـ قوة ثم إبتعد ليجذبه الشرطي راحلًا ولكن قُصي جأر بـ صوتهِ

-مش هتفلت مني يا حيوان..ورحمة أمي وأختي لادفعك التمن غالي…


عاد أرسلان إلى منزله ثم إتجه إلى الحظيرة المُلحقة بـ منزله..نزع ثيابه وإرتدى ثيابًا أُخرى..بنطاله رياضي أسود يعلوه كنزه سوداء ذات أكمام..وإتجه إلى فرس الموجود بـ تلك الحظيرة

كان الحِصان ذا لون أسود وشعره الأسود الغزير مُنسدل فوق عينه اليُسرى..ربت أرسلان على مُقدمه رأسه ثم سحبه خلفه إلى الخارج

إمتطى الفرس ولكزه بـ بخفة بـ قدمه ليبدأ الفرس بـ العدو..وكل فترة كان يلكزه أرسلان ليزيد من سرعته ومعه لمحات من الماضي تظهر أمامه حتى ذلك اليوم

“عودة إلى وقتٍ سابق”

عاد إلى منزله دون أن يمسح دماء صديقه..فتح الباب وما كاد أن يغلقه حتى أحس بـ أحدهم خلفه..إستدار ليجد المدعو عزت الدمنهوري يوجه إليه فهوة المسدس..وبـ نبرة جامدة أردف

-من غير صوت ولا حركة..إدخل…

تحرك دون صوتًا فـحقًا ما حدث مُنذ ساعات أفقده القُدرة على التركيز..وعندما دلف وجد وزير الدفاع جالسًا وتحت قدمه والده ينزف الدماء من كثرة ما تلقاه من ضرب..إتسعت عيني أرسلان وركض إلى والده وهمس

-بابا!..عملوا فيك إيه!
-همس والد أرسلان:أنت إيه اللي جابك!..دول هيقتلوك…

لم يجد ما يرد به إذ سحبه حارسين يُقيداه بـ قوة جبارة..أما عزت فـ تحرك أمامه وهمس بـ خبث

-عشان تعرف إن اللعب مع الكُبار نهايته مأساوية…

سمع صرخات شقيقته التي أمسكها عزت من خُصلاته الفحمية ثم قربها منه وهدر

-خليك فاكر كل حدث هنوثقه النهاردة..عشان تفكر مليون مرة قبل ما تتدخل فـ حاجة متخصكش
-صرخ أرسلان بـ حدة وعجز:لااا..سبيوها هي ملهاش ذنب..إقتلوني أنا بلاش هما
-ضحك عزت وقال:هششش..وإتفرج…

ألقى بـ شقيقته الصُغرى أرضًا ثم مال إليها وشق ثيابها..والصغيرة تبكي وتصرخ مُنادية بـ اسم شقيقها

-أرسلاااان..أرسلااااااان…

وهو يصرخ بـ قهر وتذلل..شقيقته يتم الإعتداء عليها أمامه وأمام والده..تلك الفاجعة لم ينسها أبدًا ولن ينساها..صوتها وصوت صراختها..عبراتها وتلوي جسدها الهزيل أسفله كان أكثر المشاهد قساوة رآها بـ حياته

“عودة إلى الوقت الحالي”

أوقف الحِصان على حين غُرة عندما وصل إلى المقابر..قفز وسحب الحِصان خلفه..حتى وصل إلى المقبرة التي تضم عائلته

دلف وأغلق الباب خلفه..وقف يقرأ الفاتحة ثم جثى على رُكبتيه يتحسس القطع الرُخامية المحفور عليهم اسمائهم

كانت عينيه مُظلمتين وقاسيتين بـ درجة مُرعبة..عضلات جسده تتشنج لتلك الذكرى التي تأبى الرحيل..تحسس قبر شقيقته مرةً أُخرى وهمس

-ملكيش ذنب غير إني أخوكِ..ربنا يرحمك يا ريماس…

إتكئ بـ ظهره إلى الحائط ولم يتحرك..وظل هكذا حتى أتاه إتصال

أخرج هاتفه من جيب بنطاله و وضعه على أُذنه دون أن يتعرف على هوية المُتصل

-أيوة!
-أتاه الرد من الطرف الآخر:إلحق يا أرسلان باشا..حضرة الظابط قُصي قبضوا عليه
-لمعت عيني أرسلان بـ بريق خطير وهمس مُتساءلًا:إتقبض عليه ليه!!
-حاول يقتل نزار العبد…

ساد صمت ثقيل إزداد فيه سُرعة تنفس أرسلان الذي هتف بعد وقتٍ قصير

-غبي..خليك ورا الموضوع أنا جاي…


حينما خطى بـ ساقيه خارج قسم الشرطة وجد سديم تقف أمامه بـ عينين شرستين تستعد لـ الإنقضاض عليه..أما نزار فـ إبتسم وتقدم منها قائلًا

-بـ نفسك جاية تطمني عليا!..كدا كتير
-همست بـ فحيح:بـ نفسي جاية أقتلك…

وقبل أن تُخرج السكين الصغير من حقيبتها..كانت هُناك يد تمنعها..إلتفتت إلى والدها فـهمست بـ صدمة

-بابا!..جيت هنا إزاي؟…

نظرت إلى ذلك الرجل الغريب الذي يدفعه فـعرفت أنه أحد رجال أرسلان..صرت على أسنانها بـ غضب ولكن مُحرم أردف

-حذرني من اللي هتعمليه عشان كدا بعتني ليكِ..متضيعيش مُستقبلك
-بس هو دخل قُصي السجن!…

نظر مُحرم إلى نزار الذي ينظر إليهما بـ عبث ثم أردف بـ قوة

-قُصي برئ وهيطلع
-ضحك نزار وقال:هيطلع إزاي وهو حاول يقتلني فـ بيتي!!…

إقترب من سديم ثم همس وعيناه الثعلبية تُحدق بـ لهيبها الأزرق بـ عبث

-بس عندي صفقة تخليه يُخرج زي الشعرة من العجينة…

بـ اللحظة التي إبتعدت بها سديم عن نزار..كانت الرصاصة تخترق كتفه الأيسر حتى أنه ترنح ساقطًا إثرها..صرخت سديم بـ هلع وإبتعدت ليقترب بعض العساكر وحرس نزار يعاوناه على النهوض

وضع يده مكان الإصابة ثم رفع بصره بـ الأنحاء حتى وقعت على ظل شخص يقف أعلى بناية مواجهه لـ قسم الشرطة..لم يحتج نزار معرفة هوية القناص فـ كان هو وبـ لا شك

ظله الأسود المُعاكس لجسده جعل من ملامحه المُظلمة تزداد ظُلمه..كانت هيئته تحكي عما ينتويه..كانت هيئة مُرعبة لوحشٍ كاسر قد أطلق العنان لغضبه

عَلِمَ نزار أن جحيمه قد بدأ من اليوم وأن دوره الذي ينتظره..لن ينتظره بل سيبدأ بـ عذابه الحصري مُنذ الآن وأيضًا سيكون الأخير

جذبه الجميع بعيدًا عن مكان الحادث وتوجهوا به إلى السيارة ليتم نقله إلى المشفى ليتلقى العلاج

وبدأت حالة الإستنفار..أما سديم كانت تقف بـ المنتصف حتى جذبها والدها ليقول الرجل بـ هدوء وكأن شيئًا لم يحدث

-مينفعش نقف هنا..لازم نمشي
-همست سديم بـ صدمة:بس أنا لازم أشوف قُصي
-هتف مُحرم بـ جدية:يلا دلوقتي يا سديم…

وبـ الفعل تحركت معهما وهي تنظر إلى ما يحدث بـ شرود..قلبها يُعنفها لرحيلها وترك قُصي وحيدًا بين جدران السجن..ولكن الوقوف هُنا وسط تلك الفوضى لن ينفعه أو ينفعها بـ شئ..لتتبع والدها الذي رغم غضبه منها إلا أنه جذبها إلى أحضانه فـ سقطت باكية

أما بـ أعلى ذلك المبنى

عيناه السوداوين كانتا أكثر ظُلمة..تلك النشوة التي ظهرت بـ عينه توازي توهج نيران إحتراق منزله

لم يكن أرسلان ليدع شخصًا كـ نزار يتخلص من أخيه الذي ذات يوم أنقذه من وسط ألسنة النيران فـ تذوقها هو

أنزل البندقية عن كتفه و وضعها بـ حقيبته بعدما فككها ثم أغلقها وحملها فوق ظهره ليهبط ويخرج من البناية كما دخل تمامًا


بعد ساعة

كان يتوجه إلى قسم الشرطة بـ كل هيبة ووقار يضع يديه بـ جيب سترته الثقيلة وقبل أن يضع ساقه على أول درجة سمع من خلفه صوتها المُزعج

-أنت السبب فـ كل اللي بيحصل…

تنهد أرسلان بـ ضيق ثم إستدار بـ فتور وقال

-وهو أنا اللي قولتله روح أقتله فـ بيته!
-لو مكنش شافنا فـ الوضع دا مكنش زمانه فـالسجن
-مط شفتيه وقال:هو اللي غبي مش أنا…

توجه إليها ليقف أمامها وأردف بـ جمود صخري

-إسمعي وجودك فـ الصورة مش هيقدم ولا هيأخر..فـ إخرجي ملكيش دعوة…

لم يبدُ عليها أنها سمعت حديثه إذ أردفت بـ صُراخٍ مُتهم

-زمانك مبسوط إنه دخل السجن..مش كدا!!
-أظلمت عيني أرسلان وقال:أه أنا فعلًا مبسوط…

تنفست سديم بـ حدة بل لهثت من فرط إنفعالها ليقترب أرسلان ويهمس بـ خُبث

-لو طلعتهولك النهاردة هاخد إيه فـ المُقابل!…

أجفلت سديم وتراجعت إلا أنها قالت بـلهفة عندما وصل إلى عقلها أن قُصي سيخرج

-بجد هطلعه!
-مط شفتيه وقال بـ بساطة:على حسب اللي هاخده
-عضت على شفتيها وهمست بـ جمود:مُقابل!…

رفعت أنظارها إليه وهمست بـ فتور وعيني ميتتين

-عاوز إيه!
-إبتسم بـ شراسة وقال:طلبي عارفاه
-صرخت بـ رفضٍ قاطع:لأ مستحيل
-لم يجفل ولكنه قال بـ هدوء:براحتك..أنتِ اللي خسرانة مش أنا…

رمقها بـ نظرةٍ أخيرة ثم إستدار عنها وتركها واقفة..تعلم أن قُصي إن شاء أرسلان لن يخرج وبـ الفعل جريمته ليست بـ الهينة..والأدلة جميعها ضده وهو ليس بريئًا على الإطلاق

تنفست بـ قنوط..وأغلقت عيناها بـ يأس تخلل قلبها بل أظلمت حُجراته عندما توصلت إلى أكثر الحلول ظُلمًا له ولها ولكن هل مز سبيلٍ آخر!!

راقبت إبتعاده بـ أعين ميتة ثم لحقته وهدرت بـ إنفعال تعتصر قلبها الذي ينتفض بين ضلوعها

-موافقة…

توقف أرسلان ثم إستدار رافعًا حاجبه الأيسر ثم تساءل بـ خُبث وهو يعقد ذراعيه

-موافقة على إيه بـ الظبط!
-صرت على أسنانها وقالت بـ عُنف:على عرضك
-إبتسم بـ شيطانية وأردف:حلو..وأنا عند وعدي..خطيبك السابق هيطلع النهاردة…

ولكنه إقترب منها وأمسك خُصلاتها ثم قربها من أنفه وهمس بـ صوتهِ الشيطاني فـ إرتعدت لنبرته

-بس هتكوني ليا النهاردة…

error: