ملكة على عرش الشيطان بقلم اسراء على

الفصل الواحد والعشرين

الماضي الذي يعود حاملاً سوطه سيضرب في رأسك مسماراً ذهبياً مسماراً قصيراً لا يكفي لقتلك…

في صباح اليوم التالي

تململت سديم بـ نومها ثم فتحت عيناها بـ خمول..ثوان حتى إستعاد عقلها نشاطه وبدأ بـ إسترجاع أحداث أمس فـ سرعان ما إتسعت عيناها دق قلبها بسرعةٍ مؤلمة

إستدارت بـ خفة بعدما أبعدت يده عن خصرها ثم حدقت بـ وجههِ النائم لعدة ثوان ثم نهضت بـ خفة حتى هبطت عن الفراش
نزعت قميصه ثم إرتدت ثيابها سريعًا وهي تلتفت إليه بين فنية وأُخرى..فتحت الباب بـ خفة وحرصت على عدم إخراج صوت..نظرت إليه لتجده ما زال يغط في سُباتٍ عميق..لتعود وتلتفت ثم خرجت وأغلقت الباب خلفها

تنفست الصعداء ثم ركضت إلى غُرفتها..دلفت وأغلقت الباب مُتكئة عليه بـ ظهرها..تنفست بسرعة وهمست بـ خوفٍ إهتز له حدقيتها

-أنا لازم أهرب من هنا..يستحيل أقعد ثانية…

وبـ الفعل إتجهت إلى خزانتها وأخرجت ما وقعت يديها عليه تُبدل ثياب أمس..إرتدت بنطال قُماشي وردي اللون تعلوه كنزة بيضاء شبه ثقيلة ومن فوقها سُترة جلدية..لم تهتم بـ تصفيف خُصلاتها بل تحركت إلى أسفل سريعًا

نظرت يمينًا و يسارًا تتأكد من خلو الطريق ثم ركضت حتى وصلت إلى الباب المنزل..فتحته ثم خرجت

وجدت أحد الحرس يقف لتتجه إليه بـ ثبات قائلة

-هات مُفتاح العربية
-أجابها الحارس بـ إحترام:لو حضرتك عاوزة حاجة أبعت السواق
-تأففت قائلة:النهاردة الجمعة يعني أجازة..مش هطلعه مخصوص..أنا عندي عملية مستعجلة هخلصها وأجي…

نظر إليها الحارس مطولًا حتى أخرج المفتاح من جيبه..وقبل أم يضعه بـ يدها تساءل بـ شك

-بتعرفي تسوقي حضرتك!…

توترت..كل مل تعلمته عن القيادة كان مُنذ سنوات ولا تتذكر منه سوى المبادئ فقط..إلا أن ذلك لم يردعها لتقول بـ صرامة زائفة

-أه بعرف..عندك شك!
-حرك رأسه نافيًا:لا أبدًا حضرتك…

نظرت إليه بـ إزدراء قبل أن تتقدم ولكنها سُرعان ما إلتفتت وقالت بـ حرج

-أي عربية!…

إبتسم الحارس وأشار إلى سيارة سوداء لتتجه إليها سريعًا..فتحتها بـ صعوبة ثم صعدتها وأغلقت الباب

بقت تُحدق إلى معالم السيارة الداخلية بـ فاهٍ مفتوح لتضرب رأسها بـ المقوّد وهي تقول بـ يأس

-خطة الهروب الجُهنمية ضاعت…

أخذت شهيقًا عميق ثم رفعت رأسها و وضعت المفتاح بـ مكانه ثم أدارت المُحرك بعد عناء..تنفست الصعداء لتقول بـ سعادة

-الحمد لله..دروسك مراحتش على الأرض يا بابا…

تحركت السيارة بـ بُطء حتى تخطت البوابة الخارجية

و بـ الأعلى كان يُتابع ما يحدث بـ إبتسامة مُتسلية..حرك رأسه بـ يأس ثم إتجه يرتدي ثيابه وهبط إلى أسفل

توجه إلى سيارته ليتبعه الحارس قائلًا

-الهانم راحت المُستشفى يا باشا…

وضع أرسلان النظارة الشمسية على عينيه ثم قال قبل أن يصعد بـ جمود

-أرجع مشوفش وشك هنا…

ثم صعد سيارته وإنطلق بها..بينما إتسعت عينا الحارس بـ ذهول لا يدري أي خطأ إرتكب


تسارعت دقات قلبها وهي تعبر البوابة الخاصة بـ تلك المدينة..صرخت بـ حماس ثم أسرعت بـ قيادتها..حركت رأسها تُبعد خُصلاتها عن عينيها لتهمس بـ قوة

-كل اللي عليا هروح القسم وأبلغ عن كل حاجة…

بعدما قادت بـ مسافة معقولة بعيدًا عن البلدة..إطمئن قلبها لإبتعادها عنه ولكن فجأة لمحت سيارة تقف بـ عرض الطريق تعوق مُتابعة قيادتها

فـ
ضغطت مكابح السيارة بـ قوة حتى أصدرت صريرًا عال نتيجة إحتكاك الإطارات بـ الأرض الأسفلتية

قبضت على المقوّد بـ يديها بـ قوة وهى ترى سيارته تعوق هروبها وهو يتكئ إليها بـ ظهره واضعًا نظارة شمسية ويبتسم..وهو لا يجب أن يبتسم

إبتلعت ريقها بـ صعوبة بالغة وعلى الرغم من برودة الطقس إلا أن حبات العرق قد تجمعت على جبهتها..خفتت ضربات قلبها سريعًا وهي تراه يتقرب منها

إنعكاس أشعة الشمس على ظهره فـ تظهر ظلال وجهه المُخيفة..أغمضت عيناها وتلت الشهادتين وإنتظرت مصيرها اامحتوم

طرق النافذة لتجد نفسها تلقائيًا تفتحها بـ خنوع..وقبل أن تتحدث سبقها هو بـ هدوء مُرعب

-إنزلي…

حركت رأسها نافية إلا أنه لم يوافق بها كـ إجابة لذلك فتح هو الباب وجذبها لتهبط ثم توجه بها إلى سيارته ليضعها بها ثم إنطلق

نظرت إلى جانب وجهه الجامد والخالي تمامًا من أي تعابير ثم عادت تنظر إلى الأمام..الخوف شل جسدها عن الإنصياع لأوامر عقلها فـ سارت معه كـ المُغيبة

توقفت السيارة أمام منزل مهجور تمامًا وقد تلوثت حوائطه بـ إثر الحريق..دفع البوابة الصدئة بـ ساقه ثم دلف وجذبها خلفه..كانت سديم تتطلع لما حولها..لا شئ حي..الأشجار ذابلة..المياة جافة..والصوت الرياح هو ما يملأ خواء المنزل

دلفا إلى الداخل وكما توقعت..المنزل قد تآكل تمامًا من الحريق الذي إندلع مُنذ سبع سنوات..إزدردت ريقها بـ خوف ثم تساءلت

-إحنا هنا ليه!…

إستدار إليها فـشهقت لملامحه المُرعبة والقاسية بـ ذات الوقت..عيناه لم ترى ظلامها كـ تلك اللحظة..حينها إقترب منها وهمس بـ فحيح

-عشان الحقيقة…

إلتفتت إليه مصعوقة وهمست بـ دهشة وأعين مُتسعة

-حقيقة إيه!

تقدم أرسلان حتى وقف بـ مُنتصف الرُدهة مُحدقًا بـ كل بقعة حملت جثة أحد أفراد عائلته حتى علقت بـ البُقعة التي تم بها واقعة شقيقته..ثم أردف بـ نبرةٍ مُظلمة

-هنا شوفت قتل عيلتي كلها..من أصغر فرد وهو أُختي اللي كان عندها عشر سنين…

إستدار إليه وقد أفزعها ملامحه المُخيفة ونبرته السوداء كـ نظراته ثم أكمل

-عشر سنين مشفعوش ليها إنهم يرحموا طفولتها..فـ إغتصبوها قدامي…

شهقت سديم واضعة يديها فوق فمها لا تُصدق ما يتفوه به..تراجعت إلى الخلف مُرتعبة لما يقصه عليها بـ تلك النبرة الأكثر رُعبًا

-أبويا اللي إتقتل قدامي بـ رصاصة لسه محتفظ بيها لحد دلوقتي عشان منساش دمه وأمي اللي دبحوها برضو قدامي وكل دا عشان إيه!…

رفع يديه بـ سُخرية وأكمل بـ نبرة إلتمست فيها الألم

-عشان لما قررت أعمل حاجة صح..فـ دفعت التمن غالي…

شحب وجهها و خفتت ضربات قلبها وهي تتخيل ما دار هُنا من أفعال وحشية..نظرت إلى عينيه السوداء بـ تيه فـ وجدته يُكمل

-ولبست فـ كل دا..دخلت السجن لما إتهموني فـ قتلهم ولولا إني هربت كان زماني لسه فـ مكاني وهما بيستمتعوا بـ حياتهم…

إقترب خطوة منها لتتراجع إلى الخلف هي..وضع يده فوق وجنتها وأكمل بـ قسوة أرعبتها

-مش ندمان إني قتلتهم..ولو رجع بيا الزمن هقتلهم تاني ويمكن أبشع من كدا..كل واحد مات بـ الطريقة اللي يستحقوها…

رفع يده أمامها وعد على أصابعه وأكمل بـ ذات القسوة

-دبحت اللي خلوني أدبح صاحبي..بـ المناسبة هو اللي إكتشف كل كدا..و عملت نفس اللي إتعمل فـ أختي وقتلته..ولسه الحساب يجمع..أنا مش هبطل إلا لما أصفي حسابي معاهم..سمعاني…

لم تُصدق أنها تبكي..تبكي لما تراه مُن ظُلم يتعرض له الكثيرون دون أن يعلم الغير ويظنون أنه مُذنب..لا تُصدق أنه ضحية فساد..من كان شيطانًا أضحى ملاكًا

رفعت أنظارها إليه وهمست بـ خفوت

-طب وأنا إيه علاقتي!
-إبتسم بـ جمود وقال:الدكتور اللي كُنتِ بتتواصلي معاه كان بيخطط مع المافيا الروسية إنهم يجندوكِ لصالحهم…

إتسعت عيناها أكثر حتى شارفت على الأستدارة..لتتراجع إلى الخلف هامسة بـ نبرةٍ باهتة ، خائفة

-كدب..مُستحيل دا يكون حقيقة
-إلا أنه قال بـ سُخرية:لأ حقيقة..وأسألي أبوكِ..أومال وافق على جوازنا ليه!…

إصطدمت بـ الحائط خلفها لتتضع رأسهاوعليه ثم أكملت بـ شرود

-وقُصي إيه ذنبه؟!
-هو كمان مُستهدف ويوم أما يجوا يساوموني هيكون عليه
-ولما أخدتني منه كدا بتحميه!..ولا كدا بتحميني؟!…

إقترب منها و وضع كفه بـ جوار وجهها ثم إقترب وهمس بـ جفاء قاتل

-مش بحميكِ أد ما بحميه..أنتِ وفرتي عليا مجهود إني أدور عليكِ لما إتنقلتي هنا
-تساءلت بـ ذهول:أنت كُنت بتدور عليا!
-هـ..هدور عليكِ..المفروض إني أقطع أي سبيل يوصلوا بيه لهنا أو حتى ينجحوا
-وضعت يدها على شفتيها وهمست:يعني أنا وسط الدايرة دي!…

حدق بـ زرقاويها واللتين تحولتا من اللون الهادئ إلى اللون الداكن العميق..هبطت عبرة وأُخرى لتُغمض عيناها بعدها..رأسها يدور لتلك الحقائق التي تنكشف الواحدة تلو الأُخرى فـ تكون أقسى

أزال عبراتها بـ أبهامهِ وقال بـ قسوة مُحدقًا بـ عينيها المذهولتين

-كل قسوة وراها حقيقة قذرة..محدش بيتولد قاسي ولا عنده ميل للقتل…

دون وعي ضغط على وجنتها وهمس بـ نبرةٍ سوداء ، قاتلة

-الظُلم بيخلق من الطيبة جبروت…

إبتعد عنها ثم ترجل خارج المنزل تاركًا إياها تجلس وسط بقايا الأثاث وأثار الإحتراق

صوت أقدامه المُبتعدة وكأنها تدق قلبها فـ تعتصره..تائهة لما ستكون عليه مُنذ اليوم..أتُكمل هربها منه وتنتقم لذاتها لما فعله قبلًا!..أم تُكمل معه الطريق رغبةً بـ الحماية! ولا تدري من ستحمي


بـ المساء كان قُصي بـ طريقهِ إلى المنزل ولكن صوت هاتفه جعله يوقف السيارة بجانب الطريق ثم أجاب ليأتهِ صوت أيمن مُرتعب

-قُصي إلحقني!
-تحفزت حواس قُصي وهو يرد بـ قلق:إيه يا أيمن مالك!
-أتاه صوتهِ المتوتر:وليد إبن أختي..هرب ومش لاقينيه
-عقد حاجبيه وتساءل:يعني إيه هرب!..إزاي طفل زي دا يهرب!
-معرفش..معرفش…

مسح قُصي على خُصلاتهِ بـ ضيق ذلك الطفل يتخلل قلبه دون أن يعي لذلك عله يُذكره بـ طفولته التي كهرها لمجرد أن تزوجت والدته رجلًا غير والده

أخذ نفسًا عميق ثم أعاد تشغيل المحرك وقال بـ جدية

-أنا جايلك حالًا
-لأ..أنا مش فـ البيت أنا بدور عليه..روح مع رحمة دوروا عليه حولين البيت
-طيب أنا رايح أهو…

إنطلق بـ سيارته سريعًا حتى وصل إلى منزل أيمن بـ زمنٍ قياسيًا..ترجل من السيارة ليجد تجلس بـ جوار البناية تبكي كـ طفلة فقدت والدتها وليس العكس

إقترب منها ثم ناداها بـ خفوت

-مدام رحمة!…

رفعت رأسها سريعًا إليه ثم نهضت وتعلقت بـ قميصه قائلة بـ لهفة و نشيج

-قولي إنه معاك..هو بيحبك..صح هو معاك!…

إنقبض قلبه ألمًا وهو يراها تتعلق به بـ تلك اللهفة..لم يجد بِدًا أن يقول بـ رزانة و قوة

-متقلقيش هنلاقيه إن شاء الله…

حينها إنفجرت باكية تضع جبهتها فوق صدره وتبكي بـ نشيج حار صارخة

-إبني..ولييييد..أنا عايزة إبني..هوديه لأبوه بس ميرحش مني بلااااش…

تردد قُصي بـ وضع يده فوق كفتها حتى تغلبت عليه عاطفته فـ ربت على كتفها بـ رقة هامسًا بـ إطمئنان

-متخافيش..إن شاء الله هنلاقيه..تعالي بس ندور عليه ومنضعيش وقت…

أخذت عدة لحظات لتبتعد عنه فـ أبعد يده سريعًا ثم قالت وهي تُزيل عبراتها

-أسفة
-وضع يده خلف عُنقه وقال:ولا يهمك..المهم هو ساب البيت من أمتى!
-حركت رأسها بـ يأس:معرفش..أنا كُنت نايمة وصحيت ملاقتش وليد
-تنهد بـ حرارة وقال:تمام إن شاء اللهوهنلاقيه متقلقيش..يلا نبدأ ندور…

تحرك بـ أحد الأتجاهات لتتبعه هي وظلا هكذا لمُدة ساعتين دون فائدة..كادت أن تفقد الأمل ولكن قُصي أخبرها بـ جدية

-مش وقت إستسلام…

أومأت عدة مرات وأكملا البحث


تجلس بـ السيارة جواره بـ صمت أطبق على كليهما..فـ بعد تركه لها إنهارت صارخة بـ كُل ما يعتمل داخلها وظلت تبكي لوقت لا تعلم كم طال إلا أنها لم تأبه

نهضت بعدها تنفض ثيابها ثم توجهت إلى الخارج وجدته جالسًا بـ سيارته يرتدي نظارته الشمسية وملامحه صخرية ، جامدة وكأنها بل هي فاقدة للحياة

تقدمت منه ثم فتحت باب السيارة وصعدت دون حديث..فـ أدار المُحرك هو الآخر دون حديث وإتجه بها إلى القاهرة

سألته هي وكانت المرة الوحيدة التي تحدثت بها

-إحنا رايحين فين!
-وكان رده مُقتضب:أبوكِ طلب يشوفك…

ومُنذ ذلك الحين وهما لا يتحدثان..وصلا إلى القاهرة وقد حلّ المساء عليهما

توقف بـ سيارته بـ جوار أحد المِحلات ثم قال بـ جمود

-مش محتاجة تاكلي!
-أجابته دون النظر إليه:مش جعانة…

أومأ بـ فتور ثم ترجل هو دون أن يأبه بها..توجه إلى الداخل جالبًا عدة عُبوة عصائر مُتنوعة وبعض الأطعمة المُغلفة ليعود ويصعد السيارة

ناولها عُبوة عصير برتقال و بعض الأطعمة المُغلفة وأردف

-كُلي
-قولت مش جعانة..ويلا نروح لبابا عشان إتأخرنا عليه…

وضع ما بـ يده فوق ساقيها ثم أخرج لُفافة تبغ وأردف بـ صلابة

-مش همشي من هنا إلا لما تاكلي…

زفرت بـ غضب تأبى النظر إليه أو حتى إلتقاط الطعام لتأكل..فـ كل مشاعرها الآن بـ حالة من الإختلال..فقدت توازنها عندما إلتقت به

إختلست نظرة يتيمة إليه فـ وجدته جامدًا ، هادئًا ، وقناع صلب من القسوة يُغطي ملامحه..تتعجب حقًا من عدم إنهياره فـ ما قصه عليها لن يوازي مثقال ذرة لما مر هو به..لذلك وجدت نفسها تسأله بـ إستنكار

-ليه منهارتش!..غيرك كان زمانه إتجنن أو إنتحر سبب اللي مر به!…

رأت شفتيه ترتفع بـ شبه إبتسامة قاسية قبل أن يقول وتلك السحابة الرمادية تحوم حول وجهه فـ لا تزيد ملامحه إلا رُعبًا

-اللي مريت به قساني وخلاني أفقد أي إحساس يربطني بـ البشر…

إستدار بـ وجههِ إليها فـ توتر وأجفلت إلا أنه أكمل بـ صلابة

-الإنهيار للناس الضعيفة..أما لأمثالي فـ الإنتقام وبس هو اللي بيخليه عايش…

زفرت بـ قنوط لا تُصدق عنجهيته و صلابته..ولكن بـ زاوية صغيرة من قلبها تشفق عليه..تلك الأحداث مُجرد مرورها بـ خيالها تُسبب لها قشعريرة مُرعبة..فـ ماذا عن مَنْ تعرض لها!

فتحت العُبوة وبدأت بـ أرتشافها تبعها البسكويت وكادت أن تضع القطعة الأخيرة بـ فمها إلا أنها لمحت ذلك الطفل الذي يجلس وحيدًا بـ أحد مقاعدة الإستراحة بـ ذلك الطقس قارس البرودة

بـ لا تردد ترجلت من السيارة تحت أنظاره التي تبعتها بـ صمت حتى وجدها تجلس بـ جوار الطفل

وعلى الجانب الآخر كان وليد يجلس وحيدًا دون أن يبكي..يضع يديه بين ساقيه ورأسه مُتخاذلة..فـ بعد أن هرب من والدته توجه إلى منزلهم والذي يحفظ طريقه عن ظهر قلب

لم يكن ذنبه سوى أنه طفل أحب والده وأراد العيش معه فـ لم يُقابله سوى بـ النبذ مُغلقًا الباب بـ وجههِ

هبط الدرج وعاد ولكنه لم يستطع العودة إلى منزل خالهِ فـ جلس وحيدًا دون أن يلتفت إليه أحد

-فين بابا وماما يا حبيبي!…

إلتفت وليد إليها بـ عينين بريئتين ، حزينتين ثم قال وهو يمط شفتيه بـ جهل

-معرفش…

جلست سديم بـ جواره ثم ربتت على خُصلاته وأردفت بـ حنو

-طب متعرفش رقم بابا أو ماما!…

حرك رأسه نافيًا بـ بساطة ثم عاد ينظر أمامه..زفرت سديم بـ ضيق ونظرت حولها علها تجد أحدهم ولكن برودة الطقس جعلت الجميع يلجأ إلى دفء المنازل

عاودت النظر إليه فـ وجدته يرتجف بردًا لتجلس بـ جواره نازعة سُترتها ثم وضعتها فوق كتفيه وقالت بـ برقة تُداعب خُصلاته

-طب جعان يا حبيبي!…

أومأ موافقًا بـ خجل لتبتسم وتُعطيه كعكة مُغلفة ثم أردفت بـ إبتسامتها الرقيقة

-طب كُل دي…

أخذها وليد بـ خجل وسُرعان ما إلتهمها بـ جوعٍ سافر..جعل قلب سديم يتأوه لذلك الطفل..عادت تربت على خُصلاته وتساءلت

-عاوز كمان!…

أومأ مرةً أُخرى وقبل أن تنهض وجدت يد تمد لـ الصغير بـ حقيبة مليئة بـ الأطعمة التي أحضرها ليجذبها وليد ثم بدأ بتناول ما فيه بـ شهية مفتوحة

نزع أرسلان سُترته ثم وضعها على كتفيها وأردف بـ صلابة

-إبعدي شوية…

فغرت فاها بـ صدمة قبل أن تبتعد سامحة له بـ الجلوس جوارها..ظلت تُحدق بـ وجههِ الصلب لتقول بـ عفوية

-أنا مش فاهمة شخصيتك…

إبتسم بـ سُخرية ثم نظر إليها وأردف

-ليه!
-مطت شفتيها وقالت:أنت طيب ولا شرير..كويس ولا وحش..ظالم ولا عادل
-بـ برود نطق:أنا شيطان…

مطت شفتيها بـ قنوط تتجاهله ثم نظرت إلى الصغير وجدته يرتشف بـعض العصير..لتعود وتنظر إليه مُتساءلة وهي تضع خُصلاتها خلف أُذنها

-أنت عرفت إني هربت منين!
-أجاب دون النظر إليها:رد فعل متوقع…

لوت شدقها بـ غيظ لتعود وتتساءل بـ حدة

-ووصلت قبلي إزاي! وإزاي مشوفتكش؟!…

نظر إليها بـ سُخرية قبل أن يُجيبها بـ هدوء ساخر

-أنتِ جاية لمدينتي على فكرة..يعني أعرف الطُرق أحسن منك…

عضت باطن وجنتها بـ حنق تنظر إلى الأمام بـ شرود..ولكن إتسعت عيناها وهي تشعر بـ أنفاس ساخنة تلهب وجنتها فـ تصلب جسدها ورأسها

مال هو إلى أُذنها وهمس بـ خُبث

-أنا كُنت صاحي وشوفت كُل حاجة!…

لثم وجنتها بـ خُبث قبل أن يبتعد..لتشهق هى بـ خجل رادفة بـ تلعثم

-أنت قليل الأدب…

توردت وجنتيها بـ خجل وحرج جعل نبضاتها تتسارع تلعن غباءها الذي يضعها بـ تلك المواقف شديدة الإحراج

نظرت إلى الصغير الذي ينظر إليها بـ براءة ثم تساءلت هي بـ إبتسامة متوترة

-بردان يا حبيبي!…

حرك رأسه نافيًل لتجذبه إليها تحاوطه بـ حنو ثم قبلت رأسه..نظرت إلى أرسلان الذي عاد وجهه إلى قناعٍ صلب من القسوة

همت أن تتحدث ولكن صوتًا رجوليًا تحفظه عن ظهر صدح فـ جعل رأسها يرتفع مصعوقًا

-ولييييد!!!…

إتسعت عيناها بـ قوة وهى تراه يتقدم منهما لتهمس بـ صدمة و ذهول

-قُصي!!!…

error: