ملكة على عرش الشيطان بقلم اسراء على

الفصل الثالث والعشرون

إن النفس ضعيفة أمام الخوف
و…الحُب!!!!….

أيعقل أن يستسلم العقل!..ولكن عقلها حقًا إستسلم لذلك التفكير الذي أطاح بها لمدة ثلاثة أيام..مُنذ قُبلتهم بـ المرحاض وهي لم تره أبدًا وكأن الأرض قد إنشقت وإبتلعته

تلك الذكرى التي تُداهمها ليلًا وبـ أحلامها تعيش ذلك الإحساس ومذاق قُبلته..لتنتفض بعدها بـ فزع وهي تتحسس شفتيها فـ تحمد الله أنه لم يكن سوى حُلم

والآن وبـ سيارتها تتجه إلى مسقط رأسها كما طلب والدها تتحسس شفتيها بـ شرود غريب عليها..تنبهت إلى صوت السائق الذي حمحم بـ حرج

-يا هانم تليفون حضرتك بيرن من زمان..جايز يكون الباشا!…

هوى قلبها لإفتراض السائق أن يكون هو..لذلك أبتلعت ريقها بـ تردد ثم أخرجت هاتفها وإذ بها تجد رقمًا غيرُ مُسجل..تنهدت بـ راحة ثم أجابت ليأتها صوتٍ غريب

-الدكتورة رايحة فين من ورا جوزها!..أوعي يكون لحضرة الظابط؟
-قطبت جبينها وتساءلت بـ توجس:مين معايا؟!…

سمعت صوت ضحكات أسارت بـ بدنها الخوف لذلك آثرت الصمت حتى يُفصح عن هويته..ثوان لتسمع تنهيدة طويلة ثم أتبعه حديثه المُخيف

-تلات أيام وأنتِ لوحدك فـ البيت والباشا مسافر وسايب مراته فريسة سهلة لأي حد عاوز ينتقم منه فيها..تلات أيام وأنا مستني تتطلعي من الجُحر مع إني كُنت أقدر أأذيكِ فيه..بس حبيت ألعب شوية…

إرتجفت شفتيها وتلفتت حولها وخلفها إلا أنها لم تجد أحد..أمسكت مقبض باب السيارة وهمست بـ تحشرج

-مين!!..نزار مش كدا؟!…

سمعت صوت تصفيقه من الجهة الأُخرى ثم أردف بـ فحيح أفعى

-اسمي طالع من بؤك زي الشهد اللي كان نفسي أدوقه
-هدرت من بين أسنانها:عاوز إيه؟!…

وعلى الجانب الآخر

أرجع رأسه إلى ظهر المقعد وتأرجح به ثم قال بـ خفوت

-بقولك أخر أُمنية ليكِ..مش هتقدري تشوفيه..بس إفرحي هتقابلي أمك وأخوكِ قُريب
-شحب وجهها وتساءلت:قصدك إيه!
-همس وكأنه سر:العربية فيها قُنبلة..حابب أخلص عليكِ عشلن ميبقاش فيه عائق بيني وبين جوزك…

إبتلعت ريقها بـ صعوبة وتندى جبينها بـ قطرات العرق على الرغم من الطقس البارد..سمعت صوت قهقهته ثم حديثه الخبيث

-عقرب الساعة بيمشي تك توك..تك توك..للأسف مش هيقدر يلحقك…

صمت قليلًا ثم قال بـ خُبث كأنه تذكر شيئًا ما

-أه وبـ المُناسبة لو العربية وقفت أو قللت سُرعتها..بووووم..العربية هتتفرتك..سلام يا قمر…

تهدلت يدها ليسقط الهاتف من بين يديها..كان وجهها يُحاكي شحوب الموتى..تساقطت عبراتها وتيقنت أن نهايتها إقتربت..إن لم تكن حانت

نظر إليها السائق بـ غرابة من المرآة الأمامية ثم تساءل بـ تعجب

-في حاجة يا هانم!…

لم تدرِ أن صوت أفكارها قد ترجمته شفتيها وهي تهمس بـ شرود و صدمة

-العربية فيها قُنبلة
-إيه!!!…


قبل أن يصل إلى المنزل أتاه إتصال من سائق زوجته الخاص فـ أجاب بـ فتور

-خير!
-أتاه صوت السائق الذي تملكه الهلع:إلحق يا باشا..فيه قُنبلة فـالعربية..والهانم معايا..

تجمدت عيناه وتيبس جسده لثوان قبل أن يهدر بـ غضب

-ومستني إيه..وقف العربية وإنزل يا مُتخلف
-مش هينفع..لو العربية وقفت القنبلة هتنفجر…

ضرب أرسلان المقوّد بـ غضب ثم على حين غُرة أدار السيارة لتسير بـ الإتجاه المُعاكس ليزيد من سُرعته..صرخ بـ جنون

-أنتوا فين!
-مبعدناش عن البلد
-عاد يضرب المقوّد ثم هدر:حافظ على سُرعتك وأنا جايلك..لو مراتي حصلها حاجة هدبحك قبل ما تنفجر العربية بيك…

أغلق الهاتف ثم قذفه بـ قوة وهو يزأر بـ غضب أسود..كان يزيد من سُرعته حتى وصلت إلى الحد الأقصى..كل ما يدور بـ خلدهِ هو أن يلحقها

وعلى الجانب الآخر

كانت سديم تبكي بـ صمت والسائق يُهدئها..إلا أن مؤشر البنزين قد أشار قُرب إنتهاءه..ضرب المقوّد ثم قال بـ توتر

-يا هانم!..يا هانم اسمعيني
-همست بـ صوتٍ مبحوح:في إيه!
-خلل يده بـ خُصلاتهِ وقال بـهلع:دلوقتي البنزين هيخلص…

إتسعت عيناها وبدأ جسدها يهتز بـ نشيج..إلا أنه أكمل حديثه فـ أولويته هو حياتها

-إفتحي الباب ونُطي..مفيش حل غير كدا…

نظرت إلى الطريق الذي يتسابق مع سيارتهم ثم نظرت إليه وهمست

-طب وأنت!
-رد بـ سُرعة:متخافيش..هحصلك..بس يلا أبوس إيدك..العربية هتقف فـ أي وقت…

بـ أيدٍ مُرتعشة..فتحت الباب وترددت كثيرًا إلا أن صوت السائق أفزعها

-يلااا…

أخذت نفسًا عميق ثم دفعت بـ نفسها خارج السيارة تبعها السائق..وعلى بُعد عدة أمتار قليلة إنفجرت السيارة نتيجة تباطؤ سُرعة السيارة فـ تناثرت الشظايا بـ القُرب منهما

كانت السيارة تشق الطريق بـ سُرعة تُسابق الرياح..حتى لمح تلك الألسنة والأدخنة السوداء المُتصاعدة على قارعة الطريق

ضغط المكابح بـ قوة حتى أصدرت صريرًا عال..ثم ترجل سريعًا..وضع يديه بـ خُصلاتهِ يشد عليها بـ قوة..كانت عينيه مُتستعتين ، شرستين ، مذهولتين لذلك الحدث الذي لم يحسب له حسابًا

سيارتها تشتعل نيرانًا تشق عنان السماء..ومن هول المشهد زأر بـ صوتهِ كُله إلا أن ذلك الجسد المسجي أرضًا لفت إنتباهه ليركض بـ أقصى سُرعته وهو يصرخ

-سديييييييم!!!!…

تسمع صرخته ، صوته القوي واسمها الذي خرج من بين شفتيه بـ لهفة جعلت عيناها تُفتح بـ بُطء

جثى أمامها ثم رفع رأسها إليه وهتف بـ قوة و صوتٍ أجش

-سديم!!…

لأول مرة مُنذ زواجهما تسمع اسمها منه..وخاصةً تلك النبرة التي تملأها اللهفة..أما هو فـ دارت عيناه المُظلمة على ملامحها المكدومة ثم شفتيها التي همست بـ تعب و خفوت

-أنا كويسة…

ضم رأسها إلى صدره مُحتضنًا إياها إليه..مدد ساقيه وجذبها إليه..بقى مُشددًا لعناقها عدة دقائق إستعاد بها نبضاته المسلوبة ثم أبعد رأسها عن صدره الذي تلطخ بـ دماءها ليجدها قد فقدت الوعي

وضع يد أسفل ظهرها وأُخرى أسفل ظهرها ثم حملها بين ذراعيه..يُقربها إلى صدره دون أن يعي..مُشددًا على جسدها..خوفه عليها لا يتناسب مع ملامحه القاتمة بـ درجة تبعث الرجفة..وعيناه المسودة بـ غضب بُركاني يُهدد بـ إطاحة الأخضر واليابس..وأنفاسه الهادرة كـ إعصار قوي

وضعها بـ السيارة بـ حرص ثم عاد يتجه إلى السائق الذي نهض بـ تثاقل..وجلس على جانب الطريق..وقف أمامه أرسلان فـ لم يجد الآخر قُدرة على النهوض

قذف أرسلان الهاتف ليلتقطه الآخر ثم قال بـ جمود

-كلم حد من الرجالة يجيلك…

ثم تركه و رحل ليتجه إلى سيارته..عاد يقود بـ ذات السُرعة ليعود إلى بلدته


حملها بين ذراعيه ليدلف إلى المشفى والجميع ينظر إليه بـ دهشة والخوف..إقتربت منه إحدى المُمرضات لتضع سديم بـ مساعدته وإثنتين فوق الفراش النقال

توجهن بها إلى غُرفة الجراحة بـ إنتظار أحد الأطباء..ولكن لم يأت أحد لذلك هرولت المُمرضة إلى الخارج ليوقفها أرسلان يتساءل بـ صوتٍ قاتم

-في إيه!
-تلعثمت قائلة:مـ..مـ..مفيش جراحين متوفرين حاليًا..غير دكتور لسه متخرج جديد
-هاتيه…

كان صوته مُخيف فـ لم تستطع سوى الهروب وإحضار الطبيب الذي هرول وهو يقول بـ إستنكار فـ لمحه أرسلان

-هعمل عملية إزاي يعني؟!..أنا يُعتبر لسه تحت التدريب…

لم يُكمل حديثه إذ وجد من يطبق على تلابيبه ثم يدفعه بـ قوة إلى الحائط جعلته يتأوه ألمًا فـ صرخت المُمرضة بـ هلع..نظر إلى عيني أرسلان المُرعبة بـ خوفٍ جعل حدقيته تهتز..وإزداد إهتزازها مع تهديده

-أحسنلك متطلعش من جوه إلا لما أسمع إنها كويسة..سامع ولا تحب أسمعك بـ طريقتي!
-أومأ الطبيب بـ هيستيرية قائلًا:سـ..سامع
-يلا غور…

دفع جسده الهزيل ليسقط الطبيب أرضًا ولكنه نهض مهرولًا ثم دلف إلى غُرفة الجراحة

مرت ساعتين كاملتين وهو يجلس أمام الغُرفة ينظر إلى الأمام بـ عينين مُشتعلتين كـ الجمر المُلتهب يُذيب العظام..حتى خرج الطبيب يرتعش لينهض أرسلان بـ جسدهِ الضخم فـ تراجع الآخر خطوة..وقبل أن يسأله تكفل هو بـ الشرح بـ نبرةٍ مُهتزة

-الدكتور..مـ..آآآ..مفيهاش حاجة شوية رضوض وشرخ فـ دراعها الشمال..بس كدا…

تنفس الطبيب بعدما أردف بما لديه دُفعةً واحدة ثم أكمل

-هي هتفوق من البنج ومفيش أي مُضاعفات إن شاء الله…

وهرب..بينما وقف أرسلان ينظر إلى باب الغُرفة بـ ذات النظرة وملامح لا تُنذر بـ الخير


في صباح اليوم التالي

بدأت سديم بـ إستعادة وعيها رويدًا..تأوهت بـ ألم وهى تضع يدها على رأسها المُضمد ثم نظرت إلى أرسلان الجالس فوق المقعد جوارها..يضع يديه على مسندي المقعد وعيناه كـ الصقر تُحدق بها

تململت بـ تأوه ثم تساءلت بـ صوتٍ مبحوح ، مُتألم

-هو إيه اللي حصل!
-مال بـرأسه إلى الجانب وقال بـخفوت خطير:أنا اللي المفروض أسأل…

مسحت على عينها اليُسرى المكدومة ثم قالت بـ تأوه

-مش فاكرة..مش فاكرة غير مُكالمة جاتلي قبل ما كل دا يحصل…

أومأ بـ هدوء ثم نهض وإقترب منها ليضع يديه حول رأسها ثم إقترب منها..لم تخف بتاتًا لسببين كون الرؤية مشوشة لديها وأنها لم تستطع تبين ملامحه..والثاني هو تألمها الواضح فـ الخوف لم يُشكل جانبًا من إنعقاد حاجبيها

ولكنه فاجئها قائلًا بـ هدوء

-تحبي أنادي الدكتور!
-نفت قائلة بـ خفوت:لأ..عاوزة أتعدل بس…

أومأ بـ بُطء ليضع يده خلف ظهرها بـ حرص ثم رفع جسدها وعدّل وضع الوسادة خلفها ثم عاد يضعها..جذب الغطاء وقال بـ نفس النبرة الهادئة

-كدا أحسن!…

أومأت بـخفة..ليجلس أرسلان جوارها..رفع يده وأعاد خُصلاتها المُشعثة خلف أُذنها وهمس بـ جمودهِ المعتاد

-حمد لله ع السلامة
-الله يسلمك…

نظرت إليه مطولًا حتى إتضحت الرؤية فـ لم تجد على ملامحه سوى الهدوء والغضب الدفين..بينما تلك النظرة الشيطانية التي تعلو عينيه أرسلت رجفة بـ جسدها لتتساءل بـخفوت مُخفضة رأسها إلى أسفل

-هو ليه عمل كدا!
-إبتسم بـ سُخرية وأردف:نزار قصدك؟…

أومأت بـ خفوت ..ليقترب منها أكثر حتى بات على بُعد إنش واحدًا منها ثم قال بـ جمود وسُخرية

-بيأدبني..بيعرفني إني ليا نُقطة ضعف وهخسر قدامه بـسببها…

إتسعت عيناها إلا أنه ضحك ثم إقترب أكثر وهمس بـ شيطانية

-بس أنا محدش يلعب معايا ويأذي حاجة تُخصني من غيرأما أأذن أنا بـ كدة
-حبست أنفاسها وتساءلت:عملت إيه؟!
-أجاب وعينيه تأسر عيناها:لعبت أنا كمان…

إقترب ثم قَبّل عيناها المكدومة لتشهق هي بـ فزع..إبتعد عنها ثم قال بـ خُبث

-بس أنا بلعب من غير قوانين…

سار بـ يدهِ على وجنتها لتعقد حاجبيها بـ عدم فهم ثم تساءلت

-مش فاهمة..تقصد إيه!…

إقترب من أُذنها ثم أكمل همسه ولكن هذه المرة بـ غموض

-يعني مينفعش حد يأذيكِ وأسكت…

تفحص الأوراق بين يديه وهو يجلس بـ تلك الغُرفة ينتظر أحدهم..تنهد بـ تعب فـكم إستغرق من وقتٍ حتى توصل إلى هوية الرجل المطلوب

أغلق الأوراق ما أن سمع صوت الباب يُفتح ثم يُغلق وصوت العسكري يهتف بـ إحترام

-المُتهم يا باشا
-أشار إليه قُصي وقال:طب روح أنت دلوقتي…

أدى التحية العسكرية ورحل..نظر قُصي إلى الرجل الذي أمامه..أصلع الرأس عدا الجانبين وبشرة خمرية تشوبها بعض العلامات نتيجة لجروح أصابت وجهه..وعمر لا يتخطى حاجز الأربعون..تفحصه جيدًا ثم قال بـ تمهل

-تعالى يا نصر إقعد…

تحرك المدعو نصر ثم جلس أمام المكتب ونظر مليًا إلى قُصي قبل أن يردف بـ صوتٍ أجش

-خير يا باشا..عاوزني ليه!
-إنتظر قُصي لحظتين قبل أن يرد بـ هدوء:الجمارك من سبع سنين…

لاحظ إنقباض عضلات فك الآخر وتوتره الملحوظ والذي ظهر جليًا مع صوتهِ المُهتز

-سـ..سـبع..سبع سنين إيه يا باشا!
-إبتسم قُصي بـ مكر وأردف:الجمارك اللي كنت شغال فيها فـ مينا أسكندرية..فاكر ولا تحب أجبلك تفاصيل أكتر
-حمحم نصر وهو يحك عنقه وقال:أنا معرفش قصدك إيه يا باشا…

تراجع قُصي بـ مقعدهِ ثم أردف بـ جدية وخُبث

-اللي قالولك متتكلمش باعوك..وبيخلصوا واحد ورا التاني..وأظن الأخبار موصلة..لو عاوز تخرج بعد سبع سنين كبش فدا ليهم!..صحصح معايا…

أخفض نصر عيناه وبـ الفعل يعلم أن من جعلوه كبش فداءًا لهم قد قُتِلوا الواحد تلو الآخر..أولئك الذين وعدوه بـ حُريتهِ الفورية ولكنهم تقاعسوا وعندما قرر البوح بـ كل شئ..كاد أن يُقتل لذلك قرر الصمت وإمضاء فترة عقوبته بـ السجن

تنهد نصر ثم رفع رأسه وقال بـ جدية

-أؤمرني يا باشا
-حينها تجهمت ملامح قُصي وهو يقول:عاوز أعرف كل حاجة..من طقطق لـ سلامو عليكوا
-بُص يا باشا عشان مضحكش عليك أنا مجرد سمكة صغيرة وسط سمك قرش زي أي حد بيشتغل معاهم..ملناش قيمة ومنعرفش غير اللي بيطلب منا…

صر قُصي على أسنانه ليهدر بعدها بـ غضب

-متلفش كتير..معقول متعرفش أي حاجة
-أنا مقولتش كدا سعادتك..الحكاية إن المفروض شُحنة تسليم مواد غذائية جاية عن طريق البحر فـمينا اسكندرية والمطلوب مني وكام مُفتش إننا منطعنش فـ صحة الشحنة يعني سليمة وزي الفل..عشان تتدخل مصر
-تأفف قُصي وقال:كل دا أنا عارفه..أنا عاوز جديد..مين متورط تاني معاك!…

حك نصر جبهته ثم قال وهو ينظر إلى قُصي

-بعض الكميائيين اللي بيشتغلوا فـ المينا..ودول كمان إتقبض عليهم..منهم اللي إنتحر فـ السجن واللي أحب إنه يعترف..إتقتل
-عاوز أسماء ناس كبيرة
-أخذ نصر نفسًا عميق وقال:أنا كدا هموت يا باشا..دول عنيهم فـ كل حتة
-حك قُصي فكه وقال بـ غموض:متقلقش عامل حساب كا حاجة
-معتدش تفرق والله يا باشا..المهم اللي عرفته ف الخباثة إن كل حاجة تمت بـ اسم واحد كبير “نزار العبد”..هو اللي إتفق مع الكل..و بـ سببه إحنا هنا
-ضيق قُصي عيناه وتساءل:متعرفش اسم حد تاني!…

حرك نصر رأسه نافيًا فـ عاد يتساءل قُصي بـ جمود

-طب وحادثة البيت من سبع سنين برضو!..والشخص اللي إتورط فـ الليلة كلها وإنه هو اللي محرضكوا بـ اسم الشركة اللي شغال فيها!
-كان مطلوب مني أجهز شوية رجالة لموضوع كدا مكنتش أعرف إنه لقتل عيلة..بس بعدين نزار دا قالي إنه إتصرف..لما عرفت إن فيه حد لِبس الليلة وإن عيلته إتقتلت..عرفت إن الليلة خلصت علينا وعليه
-متعرفش الشخص دا!…

تساءل قُصي بـ إهتمام وهو يترقب إجابة الآخر إلا أنه حرك رأسه نافيًا ثم قال

-معرفش أي حاجة يا باشا صدقني
-تمام…

نهض قُصي ثم ربت على منكبه وقال بـ همسٍ ونبرةٍ جامدة

-في وجبة هتوصلك تاكلها وملكش دعوة بـ الباقي..زي ما عرفت اللي عاوزه منك..مش هسيبك عشان محتاجك تاني…


تحسس فكه المكدوم وأثار الجروح التي ملأت وجهه عقب المواجهه الشرسة والتي أطاح به أرسلان فيها..للحق لم يعلم أنه أطلق الشيطان هذه المرة بـ إيذاءه لـ زوجته

“عودة إلى وقتٍ سابق”

كان بـ مكتبه بـ المنزل الخاص به يُتابع بعض الأعمال حتى سمع صوت جلبة يأتي من الأسفل وصوت إطلاق نيران يكاد يُعلن الحرب العالمية الثالثة لذلك نهض مهرولًا ينظر من نافذة غُرفتهِ الكبيرة

إتسعت عيناه وهو يرى أرسلان و معه العديد من الرجال يقتحمون المنزل مُدمرين ما تقع أعينهم عليه

تراجع إلى مكتبهِ سريعًا مُخرجًا مُسدسه ثم وجهه بـ إتجاه الباب ولكن ما حدث كان خارج توقعاتهِ تمامًا وكأن أرسلان يعلم ما سيفعله الآخر لذلك إلقاء القنينات التي تحوي مادة سريعة الإشتعال عليه جعل نزار يُلقي المُسدس فـ الشرارة المُنبعثة نتيجة خروج الرصاصة قد تُسبب تحفيز المادة لإحراقه

أما عندما نظر إلى أرسلان تصبب العرق أنهارًا وهو يرى ماردًا ينتفس بـ قوة وعينان تنظران إليه فـ وجد بهما الجحيم..وجد بهما نهايته وعذابه..تراجع إلى الخلف وهو يراه يتقدم منه

الحظ لم يكن حليفه هذه المرة إذ بـ لحظة كان أرسلان يقبض على تلابيبه وبـ الرغم من قوة بنيته الجسدية إلا أن الآخر قد رفعه عن الأرض..دفعه إلى الحائط ثم وجه له عدة لكمات قبل أن يهدر بـ صوتٍ جهوري ، مُرعب

-ليه بتسطر نهايتك بـ أبشع مما أنا كاتبلك!…

دفعه إلى الحائط بـ قسوة فـ صرخ ألمًا..ليعود ويلكم أضلعه بـ قوة أكبر ثم صرخ بـ شراسة

-مراتي خط أحمر وأي حاجة تُخصني خط أحمر فـ متخليش شيطانك يوزك وتلعب معايا عشان ساعتها هتتمنى إن ربنا مخلقكش من أساسه…

بصق نزار الدماء من فمهِ ثم قال ضاحكًا

-مسألتش عرفت منين!..مسألتش عرفت معاد خروج مراتك منين؟!..زي ما أنت حطيت خاين لروبرت اللي قتلته فـ روسيا..أنا حاطط خونة فـ أهل بيتك..ها أهل بيتك يا شيطان…

وليته لم ينطق..فـ الجحيم المُتسعر بـ عينيه إزداد إشتعالًا و رُعبًا..جأر أرسلان بـ صوتهِ كله

-نهايتك أبشع مما تتخيل..هخليك تتلفت حوليك فـ كل حتة ومش هتتوقع الضربة هتجيلك منين..هخليك كل ثانية تتوقع موتك ومش هتعرف هيجيلك إزاي..هخليك ساعتها تيجي تبوس رجلي عشان أموتك وأريحك من العذاب…

جذبه إليه يضرب حاجبه بـ جبهتهِ ثم دفعه إلى النافذة بـ قسوة عدة مرات حتى تهشمت مُسببة جرح كليهما..أوفقه على حاجة النافذة فـ بقى مُعلقًا بـ الهواء لتتسع عينيه بـ رهبة ثم نظر إلى أرسلان وهدر

-لو قتلتني هتموت يا مجنون
-إقترب أرسلان منه وهمس بـ فحيح:هقتلك بس مش بـ الرحمة دي…

جذبه أرسلان إليه ثم أطاح به إلى الداخل فـ سقط أرضًا مُرتطمًا بـ المكتب..نظر إليه الأول بـ عينين ناريتين ثم رحل بـ تهمل وكأن خطواته ذات اللحن الرتيب هي الوعد المقطوع بـ قتلهِ

“عودة إلى الوقت الحالي”

إبتسم نزار وهو يتحسس ذقنه ثم قال بـ خُبث

-من واجبي أطمن على المدام…


تراجعت بـ رأسها إلى الخلف مُغمضة عينيها..تكره تلاعبه بها وبـ عقلها..تعلم عبثه جيدًا وأنه يستمتع بـ ذلك العبث وبعثرة كيانها..تارة يقترب بـ عبث وتارة يقترب بـ قلق..ذلك القلق الذي تراه لأول مرة عندما كانت على حافة الموت..وليتها ماتت

تنهدت بـ تعب ثم مسحت على عينها التي قَبّلها بـ رقة وكأنه يتأكد لسلامتها..فـ تضرجت وجنتيها بـ حُمرة خجلة ثم همست بـ إستنكار

-أنتِ هتخيبي على كَبر ولا إيه يا سديم؟!…

شهقت وهي تستمع إلى صوت ضحكة مكتومة آتية من زاوية الغُرفة..حولت أنظارها إليها لتجده ينظر إليها بـخُبث مُمتزج بـ سخريته المُعتادة..لتعض على شفتيها بـحرج ثم همست

-مش كنت مشيت!…

نهض أرسلان ثم تقدم منها بـ تهمل..وحينها لاحظت كفيه المُضمدين فـ عقدت حاجبيها وقبل أن تتساءل كان هو يتحدث

-ورجعت لما نمتي..وإيدي إتعورت من إيه!..لما كنت بصفي حساب كدا
-زمت شفتيها بـ تذمر وقالت:مسألتكش…

جلس أرسلان على حافة الفراش ثم إقترب منها وهمس غامزًا إياها

-بس السؤال باين فـ عنيكِ…

رفعت حاجبها بـ إستنكار ثم أردفت هي بـ مكر أنثوي لم تعلم أنه سينقلب عليها

-وحضرتك خبير فـ العيون يعني ولا إيه!
-إقترب أكثر وحينها همس بـ أُذنها:حضرتي خبير فـ حاجة تانية…

شهقت دافعة إياه بـ ذراعها السليم فـ إبتعد عنها وهو يبتسم بـ سُخرية..إعتدلت بـ صعوبة وقالت بـ صوتٍ خافت

-على فكرة أنت بني آدم مش مُحترم…

رفع حاجبيه بـ تعجب قبل أن يُحرك رأسه يائسًا ثم تساءل بـ جدية أجفلتها

-محستيش بـ حركة غريبة فـ البيت قبل ما تخرجي!
-عقدت حاجبيها وتساءلت:حركة زي إيه؟!
-أي حاجة…

صمتت قليلًا وهى تسترجع أحداث الأيام السابقة ولكن لا شئ..زفرت بـ قنوط وقالت

-لأ
-أومأ بـ فتور وقال:ماشي…

كاد أن ينهض ولكنه سمع همسة خجولة منها وهي تتحاشى النظر إليه

-شـ..شكرًا عشان أنقذتني…

نظر إلى جانب وجهها مطولًا ليُديره إليه ثم قال بـ هدوء تتلمسه لأول مرة بـ حديثهِ كـ قلقهِ عليها أمس تمامًا

-دا الطبيعي
-حمحمت وقالت بـ شئٍ من التوتر:بس خد بالك هردلك الخدمة دي قريب..مبحبش حد يبقاله أفضال عليا
-إبتسم هو بـ خُبث وقال:طب ما تُرديها دلوقتي…

عقدت سديم حاجبيها بـ قلق من حديثه الخبيث إلا أنها تماسكت وقالت بـ تلعثم

-آآ..إزاي يعني؟!…

لم يرد أرسلان ولكنه إقترب قليلًا بل كثيرًا..يضع يديه حول جسدها ثم مال إلى شفتيها وهمس قبل أن يميل وينهل مما أرقته لثلاث ليالٍ

-كدا مثلًا…

وبـ الفعل تم ما شغل عقله وأرق لياليه بـ مضجعه..حتى بـ جوار جميلة وقُبلاتها التي تُغدقه إياها..وبـ كل قُبلة ترتسم صورتها أمامه..ولكن المذاق المُختلف لشفتيها يجعله يفيق ويبتعد

شفتيها كـ حبة الكرز الشهية..لايزال يتذكر ذلك المذاق مُنذ أول مرة..حاوط ظهرها حتى لا تسقط و تعمق أكثر مما ينبغي

أما هي فـ تسارعت أنفاسها إلى الحد الغير معقول..تيبست بين يديه لا تعرف ماذا تفعل..النفور منه حين يقترب تلاشى ولكن الرغبة بـ القُرب منهِ لا تُحبها فـ وقفت حائرة بـ المُنتصف..إما أن تستسلم وإما أن تُسلم بـ الأمر وقبل أن تتخذ قرارها بـ الإبتعاد كان الآوان قد فات

فُتح الباب بغتةً ليبتعد أرسلان عن سديم وقبل أن يلتفت أحس بـ تصلب جسدها بين يديه وهمسها الذي خرج مصدومًا كـ عينيها المُتسعة وهي تُبصر من أمامها

-قُصي!!…

وقُصي لم يكن يتوقع أن تكون بين يديه ذائبة هكذا..حينما عَلِم أنها تعرضت لحادث وكادت أن تُقتل لم يتأخر ثانية فـ قاده قلبهِ الملهوف إليها..ولكن ما رآه حَطم لهفته وتهشم عشقه لها الذي ظن أنه أقوى..أقوى أن تكون بين يدي أخيه

error: