ملكة على عرش الشيطان بقلم اسراء على

الفصل الرابع والعشرون

وكان يشعر في قرارة نفسه أن هذه السعادة ليست كاملة
كان يشعر بـ وجود سوس ينخر فيها
سوس صغير ولكنه نشيط…

وكان السوس يأكل قلبه في هذه اللحظة…

إسودت عينا أرسلان بـ ظلام دامس إلا أنه إبتعد عنها بـ هدوء ثم نهض وإستدار يواجه قُصي المذهول والمُتجهمة ملامحه واضعًا يديه بـجيبي بنطاله ليردف بـ نبرةٍ غليظة ، باردة

-نورت يا حضرة الظابط…

نظر إليه قُصي بغتةً وكانت ملامحه قاتمة كـ نظراته لكنه عاد يولي إهتمامه لسديم ثم أشار بـ إزدراء إلى أرسلان وهدر

-كُنتِ بتعملي إيه فـ حضنه!
-تلعثمت سديم:مـ..مـ
-ضحك أرسلان بـ قسوة وقال:متمأمأيش..قوليله كُنتِ بتعملي إيه فـ حُضني!…

إقترب قُصي بـ خُطىٍ سريعة ناحية سديم وبدى على وشك إفتراسها إلا أن يد أرسلان القوية أعاقته ثم دفعه بعيدًا وهدر

-هتتهجم على مراتي يا حضرة الظابط ولا إيه!
-قبض قُصي على تلابيبه وصرخ بـ شراسة:من أمتى كانت مراتك ها!..مش أنت أخدتها مني إنتقام مش أكتر!…

إبتسم أرسلان بلا مرح ثم أردف وهو يُبعد يدي قُصي عن ثيابه

-من ساعة الحفلة وهي بقت مراتي قولًا و فعلًا…

تجمدت عيني قُصي للحظات قبل أن يلتفت إلى سديم المُنكمشة على نفسها بـ خوف و صدمة ثم قال بـ بهوت

-هو قصده إيه!..قصده إيه رُدي!…

صرخ بـ سؤالهِ الأخير فـ إنتفضت متأوهة..كاد أن يقبض على عُنقها ولكن أرسلان كان بـ المرصاد إذ أمسكه من كتفه و دفعه إلى الحائط مُثبتًا إياه بـ قوة ثم أردف بـ نبرةٍ كـ الفحيح

-من النهاردة لو شوفتك بتحوم حولينها هنسى إنك أخويا
-دفعه قُصي وقال بـ إزدراء ونفور:خليهالك..مش عاوزها…

شعرت سديم بـ قبضة أثلجت قلبها ما أن أردف بـ عبارته ونظرته المُميتة ثم أدمى ما تبقى من أشلاء قلبها وهو يهتف بـ حُزن مُتألم

-خيبتي ظني فيكِ..يا خسارة حُبي ليكِ…

عَدّل من وضع ثيابه ثم خرج صافعًا الباب خلفه..مسح أرسلان على خُصلاته وإبتسم بـ سُخرية هاتفًا بـ برود

-درامي أوي حضرة الظابط…

حينها إلتفتت إليه سديم ونظرت إليه بـ نظرات مُحملة بـ الكُره والحقد ثم أردفت بـ نبرةٍ تشي بـ كُل ما يعتمل داخلها من مشاعر نافرة

-بكرهك..بكرهك أكتر من أي حاجة…

نظر إليها أرسلان بـ ملل على الرغم من تلك النظرة السوداء التي تلوح بين حدقتيه إلا أن نبرته خرجت هادئة ، باردة إلى حد يُثلج القلوب

-هشوف الدكتور هيكتبلك خروج أمتى…

ثم تحرك بـ خُطاهِ الهادئة ولكن حين خرج من الغُرفة صفع الباب بـ قوة جعلتها تشهق بـ رُعب تصحبها إنتفاضة فـ تأوهت بـ ألم إلا أن ذلك الألم الجسدي لا يُعادل ألم روحها الذي تشعر به لأجل قُصي..حطمته وأرسلان حطمها..تبخر العشق بـ ثوان وإنتهت قصة لم تبدأ

إنقلب السحر على الساحر..أرادت الإنتقام منه فـ خسرت هي..كيف لم تلمح أنها مُعادلة غيرُ متوازنة على الإطلاق..خسرت الرهان وخسرت قُصي والأهم خسرت نفسها


خطى داخل المشفى بـ ثقة لا تتلائم مع وجهه المكدوم حتى وصل إلى غُرفتها..طرق الباب ثم دلف وعلى وجهه أبتسامة خبيثة

كانت المُمرضة تنهي تضميد جراح رأسها ثم لملمت أشياءها هاتفة بـ إبتسامة مُجاملة

-حمد لله ع السلامة يا دكتورة
-الله يسلمك…

نظرت سديم إلى الضيف الغيرِ متوقع..يحمل باقة أزهار بيضاء ويتكئ إلى الجدار مع إبتسامة خبيثة جعلت جسدها يقشعر

تقدم بـ خُطىٍ بطيئة فـ قبضت على الغطاء بـ قوة تستمد منه صلابة زائفة..وضع نزار الباقة قُرب ساقيها وأردف بـ فحيح

-حمد لله ع السلامة..مكنتش متوقع إنك هتفلتي منها
-إبتسمت هازئة:عُمر الشقي بقي…

إزدادت إبتسامته الخبيثة ليقترب ويجلس على طرف الفراش ثم أكمل بـ ذات النبرة

-بس تصدقي لسه حلوة زي ما أنتِ
-صرت على أسنانها وهدرت:عاوز إيه؟!…

ضحك وحك ذقنه ثم قال وهو يتمعن النظر بـ وجهها المُحتقن بـ غضب على الرغم من إرتعاش جسدها الواضح

-هعمل معاكِ صفقة..وهخصلك من الشيطان من غير أي خساير
-المُقابل!
-مط شفتيه وقال:مفيش مُقابل…

حينها ضحكت سديم هذه المرة وأردفت بـ خُبث أُنثى

-متعودش فـ حياتي أشوف حد بيعمل خدمة من دون مُقابل
-إبتسم بـ إعجاب وقال:ذكية وبعترف…

رفعت أحد حاجبيها بـ إستهجان لتتسع إبتسامته وهو يتحدث بـ خُبثهِ المُعتاد

-عمومًا كُنت هطلب خيانتك ليه..سلميه ليا على طبق من فضة هتاخدي مُكافأة دهب…

تمعنت سديم بـ ملامحهِ المكدومة وعلى الرغم من خُبثها إلا أنها إستطاعت أن تلمح ذلك الحقد الدفين تجاه أرسلان فـ قررت أستفزازه..رغم أنها تكره زوجها وما يفعله معها إلا أن ما تعرضت له عائلته لن تدعها تخونه أبدًا

-أنت مفكر إني أقدر أضحك عليه!..حتى مفكر نفسك إنك ممكن تهزمه!..دا دخل بيتك و وسط حراستك وعمل من وشك خريطة..فـ جاي ليا أنا وبتقولي أخونه!..أه عاوزة أخلص منه بس مخصرش حياتي…

رأت عيناه تحتقن بـ غضب قبل أن يردف وهو يـصر على أسنانه حنقًا لتلك المرأة التي ترفض عرضه بل وتهينه

-أخر كلام!
-مطت شفتيها وقالت:معنديش غيره
-إبتسم ثم همس وهو يدنو منها:مش خايفة لأقتلك دلوقتي؟
-إبتسمت بـ إصفرار قائلة:أنا شيفاك أذكى من كدا…

إتسعت إبتسامته ثم قال وهو ينهض مُتجهًا إلى الباب

-عندك حق..أنا أذكى من إني أقتلك دلوقتي..لسه دورك مجاش…

ثم فتح الباب وخرج..ضربت سديم الفراش بـ يدها السليمة وأغمضت عيناها بـ غضب غلف ثنايا عقلها الذي لم يخرج من صدمة الساعات الماضية


كان بـ طريقهِ إلى سيارته المصفوفة وقبل أن ينهض الحارس من مكانه يفتحها وعلى بُعد أمتار قليلة كانت السيارة تنفجر مُطيحة بما حولها بـ الهواء بمن فيهم نزار

صرخات عمت المكان..هرج ومرج ساد وأشخاص تركض..وأشخاص تبتعد..وقدمي شخص تقترب منه بـ بُطء مشوش الرؤية ليكتشف هويته ولكنه لم يحتج أكثر من ثانيتن عندما همس ذلك الشخص

-جراءة منك إنك تيجي هنا وبـ كُل بجاحة طالع لمراتي من غير حتى أما تتخفى وكأنك مش عارف مين هو أرسلان الهاشمي…

إتضحت الرؤية لنزار قليلًا ثم نظر حوله ليجد المكان فارغ عداهما ورجاله المُحاصرون بـ رجال أرسلان..عاد ينظر إليه وهمس بـ تأوه

-اللي بيحصل دا مش هيعدي على خير
-ربت أرسلان على منكبه وهمس بـفحيح:وأنا عاوز أشوف هتعمل إيه..متحضرش مارد مش هتعرف توقفه…

نهض أرسلان ولكنه قبض على تلابيب نزار وسحبه فوق الأرضية الصلبة وهو خلفه يصرخ بـ ألم إلا أن الأول لم يأبه بل وجد نفسه تتلذذ لصوت صرخاته المُتألمة ومعالمه تغدو أكثر قساوة ، قتامة و رُعب قُذف بـ قلوب المتواجدين حتى رجاله

تركه أمام إحدى سياراته ثم قال بـفحيح وهو يركله بـ قسوة

-متخافش مفيهاش قُنبلة زي ما عملت مع مراتي..أنا نزيه حتى فـ إنتقامي

أشار لرجاله بـ الرحيل ليعود هو إلى المشفى يصعد إلى حيث سديم


بعد يومين

حينما تعافت قليلًا أصرت على العودة فـ لم يُجادلها أرسلان..فـ مُنذ ذلك اليوم الملعون وهو لم يتحدث معها أبدًا وكانت هي أكثر من مُمتنة فـ إن تحدثت فـ ستفقد عقلها ورُبما حياتها

ترجل من السيارة ثم إنحنى إلى نافذة سيارتها وقال بـ جمود

-هتعرفي تنزلي ولا أنزلك!
-فتحت الباب وقالت بـ إزدراء:أوعى من وشي…

صر أرسلان على أسنانه وفجأة فتح الباب ثم جذبها بـ قسوة فـ صرخت بـ ألم وقبل أن تتحدث كان هو يهدر بـ غضب ناري

-حذاري تتكلمي معايا بـ الطريقة دي..ساعتها مش هتدخلي المُستشفى لأ أنتِ هتدخلي القبر…

ثم دفعها بعيدًا عنه فـ ترنحت ولكنها عادت تتماسك لتتكئ إلى السيارة وتتحرك بـ عرج طفيف..إحتقن وجهها غضبًا لمعاملته الدونية لها ولكنها آثرت الصمت فـ حالتها الصحية لا تسمح لها بـ نشوب شجار

وصلت إلى الداخل وصعدت إلى غُرفتها بـ مُساعدة إحدى الخادمات ثم تمددت فوق الفراش تتأوه بـ تعب

أحضرت الخادمة بعض الثياب وساعدتها في التبديل ثم قالت قبل أن ترحل

-تحبي أحضر لحضرتك أكل!
-تمتمت سديم بـ تعب:لأ مش عاوزة…

إنحنت الخادمة بـ إحترام و رحلت..بقت سديم بـ مُفردها ولا يوجد بـ ذهنها سوى قُصي تلك الضربة القاسية التي تلقاها..أغمضت عيناها بـ يأس فـ قد حاولت لأكثر من مرة الإتصال ولكنه لا يُجيب وعندما تيأس تبعث بـ رسالة نصية ولكن كل ما تلقته لا شئ إلا مُنذ ساعتين رسالة نصيها منه مفادها كلمة واحدة

“خائنة”

إنقباض غريبة شعرت بها حينما قرأت هذه الكلمة..لم تبكي بـ حياتها إلا عند موت والدتها وشقيقها ومرة من أجله وهذه المرة من أجله أيضًا..لم يُحاول أن يسمعها ويسمع تبرأتها مما أُتهمت به فـ قررت الإنسحاب ومحاولة تمزيق تلك الصفحة..أما إنتقامها من أرسلان يزيد من نيرانها المُستعرة

لم تتحمل البقاء أكثر فـ قد شعرت بـ إختناق فـ نهضت ثم إتجهت إلى شُرفة غُرفتها وجلست فوق السور تتكئ إلى الجدار الجانبي و تضم ساقيها إلى صدرها

أزالت عبراتها وبقت تُحدق بـ حديقة المنزل لساعات حتى لمحت سيارته تعود ويترجل منها تبعته إمرأة..عقدت حاجبيها بـ تساؤل ولم يلبثا أن إرتفعا وهي ترى تلك المرأة تتلعق بـذراعه بـ حميمية..إنطلقت شرارات حارقة وهى تنهض وتهبط الدرج إلى أسفل

لم تعلم أنه قد تصل به الوقاحة ليُحضر نساءًا غيرها إلى المنزل..وقفت أسفل الدرج وبقت تنتظرهما رافعة أحد حاجبيها بـ غضب

حينما دلف هو وجميلة وجدها تقف بـ مواجهته وتنظر إليه بـ نظرات قاتلة..ولم يخفَ عليه نظراتها المُدققة تجاه جميلة

أدار يده حول خصرها فـ رأى النيران تشتعل بـ زرقاويها المتوهجتين بـ تلك الشُعلة الزرقاء

تقدما منها ثم قال بـ خُبث وهو يُحدق بـ سوداويهِ بـ زرقاويها

-بنفسك بتستقبلينا
-تجاهلت حديثه وتساءلت بـ غضب مكتوم:مين دي!…

كانت جميلة تُحدق بـ سديم بـ نظراتها الهادئة..لم تمضي مُدة طويلة مُنذ أن علمت بـ زواجهِ وحينما عَلِمت..غضبت وثارت..إحترقت وإحترق قلبها معها..لم تظن أن تُشاركها أُخرى به ولكنها عادت لتهدأ عندما عرفت أنه لا يكن لها الحُب..فـ لا توجد معركة من الأساس وهي الرابحة حتمًا

أفاقت من شرودها على صوت أرسلان المُتشفي وهو يقول بـ قوة بـ عينين تُحدقان بـ خاصتي سديم دون أن يحيد عنها

-جميلة…

وكادت أن تفتح فاها وتتساءل إلا أنه أخرسها بـ كلمتهِ المُختصرة والهادئة إلا أن وقعها كان كـ السكاكين التي تنخر عظامها

-مراتي…

خذلته وكم تمنى ألا تخذله أبدًا ولكنها فعلت وندم هو..مُنذ ذلك اليوم وهو لم يخطُ أرض المدينة يشعر بـ النفور كُلما إقترب منها فـ يعود أدراجه

وها هو بـ طريقهِ إلى منزل صديقه أيمن عله يجد السلوان بـ صُحبته..تنفس بـ عُمق وكأنه يتسول أن يُزيل الهواء أوجاعه..ترجل عن سيارته ثم توجه إلى البناية

طرق الباب ليأتيه صوت الصغير يصرخ بـ طفولية بريئة

-مين بره!
-إبتسم قُصي وقال:أنا قُصي…

فتح الصغير الباب بـ صعوبة بالغة ثم دفعه ليسمح لقُصي بـ الدلوف..إنحنى إليه يربت على خُصلاتهِ وتساءل

-إزيك يا بطل!
-الحمد لله..إزيك أنت؟
-قَبّله قُصي وقال:الحمد لله أنا كمان..أومال خالو فين!…

وقبل أن يرد وليد أتى صوت رحمة الرقيق من خلفهِ يتساءل بـ عقدة حاجب

-مين يا وليد؟!…

تسمرت وهي ترى قُصي ينهض وعلى وجههِ إبتسامة صغيرة ليقول بـ هدوء

-أنا يا مدام رحمة..أخبارك إيه!…

ظلت لحظات صامتة ، مُتسمرة مكانها إثر الصدمة تتذكر آخر حادثة بينهما فـ توردت وجنتيها بـ خجل..لتتنحنح وتُخفض وجهها ثم أردفت بـ غمغمة

-الحمد لله..حضرتك أخبارك إيه!
-حضرتي كويس..بس بلاش ألقاب..ممكن تقوليلي قُصي عادي…

إرتفع حاجبيه بـ ذهول وهو يستمع إلى شهقتها فـ تراجع وأردف بـ توتر

-هو أنا قولت حاجة غلط!
-تلعثمت قائلة:لا أبدًا..أنت أكيد جاي لأيمن صح!
-أومأ قائلًا:أيوة..هو هنا؟
-نايم..ثواني هصحيه…

إستدارت رحمة لترحل بينما هو راقب إبتعادها قبل أن يُخفض أنظاره إلى وليد الذي يشده من بنطاله وهو يقول بـ براءة

-أنا بقيت بحب ماما وبسمع كلامها..مش عاوز بابا تاني…

إنحنى قُصي يحمله ثم توجه به إلى أحد المقاعد وقال بـ هدوء و لُطف

-ماما كويسة وبتحبك يا وليد..عشان متزعلهاش منك تاني..وعد!
-أومأ الصغير بـ حماس وقال:وعد…

ساد السكون عدة لحظات قبل أن يقطعه وليد بـ سؤالهِ العفوي والبسيط ولكنه كان أكثر من كافي أن يجعل الدماء تفر من وجه قُصي

-ممكن تكون بابا ليا!..أصل أصحابي كلهم عندهم بابا وأنا لأ…

حدق قُصي بهِ بـ عدم إستيعاب و هربت الحروف التي تعلمها أمام طلبه البرئ..هم أن يفتح فمه ويتحدث ولكن صوت تحطم خلفه جعله يستدير مُجفلًا وهو يرى رحمة واقفة فاغرة لشفتيها و بهت لونها بـ شدة

وأسفل قدميها أشلاء تحطم كؤوس العصير لترف بـ جفنيها بعدها عدة مرات ثم إنحنت هادرة بـ توتر

-آآ..أسفة..مـ..مكنش قصدي…

زفر قُصي بـ توتر هو الآخر ليُنزل وليد ثم تقدم منها وإنحنى يجمع معها ما تحطم..شهقت وتراجعت إلا أنه ظل ثابتًا وقال بـ هدوء عكس ما يعتمل داخله

-محصلش حاجة لكل دا..طفل صُغير متاخديش على كلامه
-رفت بـ جفنيها عدة مرات ثم قالت بـ تلعثم:آ..أنا اللي..أسفة..حطيتك فـ .. موقف مجرح…

وضع آخر قطعة زُجاج وقال بـ إبتسامة مُجاملة

-ولا مُحرج ولا حاجة..دا طفل زي ما قولتلك…

أتى من خلفهما صوت أيمن يتساءل بـ دهشة غلب عليها صوتهُ الناعس عليها

-إيه اللي حصل!!…

إستقامت رحمة سريعًا ثم قالت بـ حرج وهي تتعثر بـ خطواتها

-عن إذنكوا..هحضر عصير تاني غير اللي وقع دا…

ثم رحلت مُسرعة عنهما..بينما بقى قُصي يُحدق بـ طيفها الراحل بـ غموض لم يفق إلا عندما ربت على منكبه أيمن يُحدثه بـ بشاشة

-نورت يا قُصي..تعالى إقعد…

ألقى نظرةً أخيرة مكان إختفاء رحمة ثم إتجه معه إلى الأريكة يجلس بـ جوار وليد الذي أشعل التلفاز وبدأ بـ مُشاهدة الرسوم المُتحركة..ربت على خُصلاتهِ وظلت نظراته مُعلقة بـ هذا الطفل الذي أثار تعاطفه

-مالك يا قُصي!..في حاجة ولا إيه!…

إلتفت إليه قُصي ولم يرد فورًا بل إنتظر وكأنه يأخذ مساحة جيدة من الوقت لترتيب حروفه فـ قال أخيرًا بـ نبرةٍ غامضة

-أه فيه حاجة مهمة كمان!
-قطب أيمن حاجبيه وتساءل:خير يارب
-حك قُصي ذقنه وقال بـ جدية:أنا طالب إيد أُختك رحمة…

وقبل أن يرد إلتفتا إلى صوت تحطم آخر ولم تكن سوى رحمة والتي أطلقت شهقة تبعها هروب دون أن تهتم بـ تنظيف الفوضى التي خلفتها مرتين

************************************

تهدل ذراعيها بـفعل الصدمة وفغرت شفتاها بـ ذهول غير متوقع..أرسلان ليس بـ الشخص السطحي أو الطفولي لتلك المزحة..ولكن عينيه الصقرية والتي تُحدق بها بـ خُبثٍ أكد لها جدية الأمر

سُرعان ما سيطرت على ذهولها وعادت تتحكم بـ إنفعالات وجهها ثم أردفت بـ سُخرية و قوة لا تليق إلا بها

-بجد!..مبروك
-ضحك أرسلان وقال بـ سُخريتهِ المُعتادة:الله يبارك فيكِ..عُقبالك…

نظرت إليه شزرًا ثم إلى جميلة التي تقف بـ سكون تُحدق هي الأُخرى بها بـ خُبثٍ ظُلل جوانبه بـ التحدي..صرت على أسنانها وقالت بـ عُنف

-وأنا مقبلش إني تكون لي زوجة تانية…

إلتوى فمه بـ شبه إبتسامة قاسية ثم إقترب منها وأردف بـ أُذنها بـ همس

-على فكرة أنتِ اللي زوجة تانية..مش هي…

ضربها بـ مقتل فـ شل لسانها عن الحديث..إلتفت أرسلان إلى جميلة وقال بـ صلابة

-تعالي عشان أطلعك لـ الأوضة…

تقدمت جميلة بـ خطواتٍ مُتغنجة حتى وصلت جوار سديم..نظرت إليها بـ تشفي ثم صعدت..بينما ظلت هي واقفة لا تعي ماذا حدث أو بماذا تفوه..هي زوجة ثانية والأهم هي خائنة!!!..حاصرتها جميع ذكرياتها بدءًا من مُقابلتها لـ قُصي حتى زواجها من أرسلان

حينما طال وقوفها تنهدت بـ قسوة ثم قررت الصعود إلى غُرفتها ولكنها لم تعلم لمَ ساقها شيطانها أن تتجه إلى غُرفتهما و تنتظر..تنتظر ماذا لا تعلم ولكنها يجب أن تنتظر فـ سديم لا تقبل أن تكون في خانة الضحية

وبـ الداخل

وضع أرسلان حقيبتها أرضًا وقبل أن يلتفت وجدها تُعانقه من الخلف تُقبل كتفيه بـ حميمية زائدة..تصلب جسده وتشنجت عضلاته ليُبعد يدها سريعًا عنه ثم إلتفت إليها

طالعته جميلة بـ غرابة ثم تساءلت

-مالك يا حبيبي في إيه!…

كان يُطالعها بـ غموض و قسوة..عيناه جامدتين ، صلبتين أصابتها بـ توتر..بدأ حديثه بـ هدوء وهو ينزع سُترته السوداء

-الخيانة شئ مبحبوش..وسبق وحذرتك من الخيانة..مش كدا يا جميلة ولا إيه!…

إنقبض صدرها بـ قوة وشحب وجهها سريعًا لحديثه..إبتلعت ريقها بـصعوبة ثم قالت مُتلعثمة

-قصدك إيه!
-أظلمت عيناه بـشدة وأكمل حديثه بـ شراسة:حذرتك من الخيانة وقولتلك إن ديتها عندي الموت..بس خُنتيني ولعبتي من ورا ضهري..أنتِ و الـ****اللي مشغلاها هنا..مش كدا ولا إيه؟!
-إختفت أنفاسها وهي تُجيب:أنا معرفش قصدك إيه؟
-رفع حاجبه الأيسر وقال:خاينة وبجحة كمان؟
-صرخت بـإنفعال:أنا مخنتكش…

وتجرؤ على الكذب..فـ تقلصت معالمه بـ غضب أسود هدد بـ حرق الأخضر و اليابس..كور قبضته بـ قوة فـ قد عَلِمَ أن الخائن أحد بـ منزله..وحينما إكتشف تلك الخادمة أخبرته كل شئ وأن جميلة هي من طلبت منها أن تُخبرها بما تفعله سديم..ليأتي بها إلى هُنا ليُذيقها جحيم أرسلان الهاشمي

ظلت تُثرثر وتنفي الإتهام عنها ولكن غضبه كان أكبر من أن يُنصت أن يعفو..أراد إخراسها فـ كُلما تحدثت كُلما أشعلت رغبته بـ قتلها وهو حقًا أراد صمتها..لم يجد بدًا من عقابها بـ أهون عقاب حاليًا حتى يُفكر بـ عقاب يليق بها

همست هي بـ توتر مُستغلة سكونه

-هي كدابة..أنا معملتش حاجة…

همسها كان بـ مثابة إلقاء عود ثقاب بـ جوار النيران فـ أثارت أستفزازه وأطلقت مارده
حينها لطمها أرسلان بـ قوة أسقطتها فوق الفراش..ولأول مرة يضرب إمرأة..وضعت يدها على وجنتها المُلتهبة..أحست وكأن عظام فكها تهشمت لتلك الصفعة القوية

وضع أرسلان رُكبته فوق حافة الفراش ثم دنى منها وهمس بـ فحيح أفعى مُرعب

-مش أرسلان الهاشمي اللي يتخان..فاهمة!…

أومأت بـ هستيرية وعبراتها قد شقت طريقها إلى وجنتيها كـ أنهار جارية..ولكنها تستحق تلك اللطمة بل أنه كان رقيقًا معها بـعقابه

فك أزرار أكمامه تبعه قمصيه ثم إستدار بـ عينين حمراوتين كـ الدم ثم هدر بـ صوتٍ زلزل كيانها

-إوعي تفكري ولو للحظة إنك هتكونِ ملكة فـ البيت دا..أنتِ هتكوني خدامة بس للأسف اللي مانعني عنك حاجة واحدة بس…

نظر إلى بنطها ثم أردف بـ جفاء قاسي

-إبني اللي فـ بطنك…

نظر إليها بـ إزدراء ثم رحل تاركًا إياها تبكي بـ حرقة

أما هو ما أن خرج من الغُرفة حتى تنفس الصعداء مُغمضًا عينيه وما أن فتحهما حتى وجد سديم أمام تنظر إليه بـ هلع مُمتزج بـ غضب لتهتدر بـ إهتزاز

-أنا كنت هموت بسببها!!…

وضع أرسلان يديه بـخصره ثم إقترب منها حتى حاصرها بينه وبين الحائط جوار الغُرفة..ملس على وجنتها المجروحة وهمس ناظرًا إلى زرقاويها المُتسعتين

-محدش هيمس منك شعرة طول ما اسمك على اسمي
-تنفست بـ سُرعة وتساءلت بـ سُخرية:جايب الثقة دي منين!…

إبتسم وحينما يبتسم أرسلان فـ ما عليها سوى إنتظار المحسوم..إقترب أرسلان منها حتى باتت أنفاسه تلفح وجنتيها فـ تُشعلهما خجلًا ثم أردف بـ همسٍ عابث على الرغم من جديته

-دا مش ثقة على أد أما هو وعد…

إتسعت عيني سديم بـ صدمة إبتلعها هو عندما إقترب محاوطًا عنقها يُقبلها بـ قوة ورقة بـ الوقت ذاته..يصك ملكيته و يُقر بـ إنتماءها إليه..يفي بـ عهده وهو خيرُ وافي

ثم إبتعد على حين غُرة وتركها مُتسعة العينين ، نبضاتها تخطت المُعدل الطبيعي ، خائرة القوى ، مسلوبة الإرادة

***********************************

بعد مرور عدة أيام

كانت تقف شاردة أمام المرآة..تُفكر و تُفكر لم تهتم لوجود جميلة بـ المنزل ولا محاولاتها اليائسة في إستقطاب أرسلان أو حتى عفوه عنها بل كانت بـ وادٍ آخر

مُنذ عشرون دقيقة هاتفها قُصي وأخبرها بـ كل قسوة بـ حق ما أهدرته من عشق وكرامة رجلًا أحبها بـ صدق

“هتجوز الليلة يا سديم وهتكون فـ حضني واحدة ست غيرك..هعمل زي ما عملتي مع غيري..وهحرق قلبك زي ما حرقتي قلبي”

لم تبكي ولم تصرخ..بل الجمود هو ما ظلل ملامحها الجامدة والتي لمعت بـ قسوة جديدة عليها..ومرةً أُخرى سديم لا تُحب أن تكون بـ خانة الضحية

لم تعي لـ دلوف أرسلان الغُرفة أو حتى وقوفه خلفها إلا حينما أودع عظمتي لوح الكتف قُبلة رقيقة فـ تشنج جسدها على الفور..نظر إلى عينيها التي تنظر إلى خاصتهِ بـ صلابة ثم همس هو بـ سُخرية

-قولت أجي أشوف مراتي اللي مشوفتهاش بقالي كام يوم…

لم تلتفت أو ترد على الفور بل ظلت تنظر إليه بـ غموض وداخلها بركان يحثها على الإنتقام منه ، ومن قُصي ، وقبلهم من نفسها..إلا أنها أخذت نفسًا عميق وإستدارت..بـ داخلها تبخر الإنتقام إلا من قُصي لذلك و بـ دون مقدمات إرتفعت تُقبل شفتي أرسلان بـ قوة أثارت دهشته

أبعدها على الفور فـ نظرت إليه بـ أعين ناعسة بها نظرة إغراء لا يستطيع مقاومتها أعتى الرجال إلا أنه هدر بـ صوتٍ أجش

-بتعملي إيه!
-إبتسمت ثم عضت شِفاها وهمست:زي أي زوجة عاوزة جوزها…

عادت تقترب وهي تُحرر خُصلاتها ثم أرتفعت وأحاطت عنقه هامسة بـ إغراء

-بعرض نفسي عليك لمرة واحدة يا تقبل يا ترفض…

أودعت وجنته قُلبة بطيئة وحين حاولت الإبتعاد..كان خصرها أسر ذراعيه اللذين سُرعان ما رفعاها عن الأرض ثم توجه بها إلى الفراش ليسلبا لحظات مسروقة من الزمن لن تعود ولن تتكرر من وجهة نظرها

وبعد مدة طويلة..كانت توليه ظهرها ورأسها مُرتمي فوق ذراعه..تتساقط عبراتها بـ صمتٍ غير قادرة على إصدار صوت بُكاءها..وهو خلفها يُعانق جسدها وذراعه الحُر يُداعب خُصلاته..بينما نظراته كانت حقًا قاسية وملامحه مُظلمة بـ درجة مُخيفة

كانت أول من يقطع الصمت بـ حديثها الهامس وهي تسير بـ أصابعها فوق عروقهِ البارزة

-كنت خايفة أموت يوم الحادثة..من زمان وأنا بكره الحوادث..بكره الدم..بس إتخصصت جراحة عشان محدش يحس بـ اللي حسيته…

أكمل مُداعبة خُصلاتها وأبقى تركيزه معها فـ أكملت بـ تحشرج

-اليوم دا إفتكرت ماما وأخويا..هما الأتنين ماتوا فـ حادثة وبابا كان معاهم بس ربنا نجاه بس للأسف جاله شلل..وقتها كنت فـ تالتة ثانوي ومجموعي جاب طب..بس معرفتش أحتفل معاهم لأنهم ماتوا فـ نفس اليوم…

تنهدت بـ حرارة ثم أكملت حديثها دون أن تستدير

-بس لأول مرة هعترف قدامك إني كنت خايفة أموت…

ظل أرسلان صامت لا يتحدث وملامحه لم تفقد ظلامها..إلا أن سديم إلتفتت إليه ونظرت إلى عينيه القاسية ثم أردفت بـ خفوت يائس

-خلينا ننسى ليلة واحدة إحنا مين..خلينا ننسى كل حاجة ونرميها ورا ضهرنا ليوم جايز بعده نصبح ناس تانية…

أنهت حديثها لتدس نفسها بـ أحضانه فـ حاوطها أرسلان مُستندًا بـ ذقنه فوق قمة رأسها المدفونة بـ صدرهِ..وبـ تلك اللحظة وقع كِلاهما بـ العشق

error: