ملكة على عرش الشيطان بقلم اسراء على
الفصل الخامس والعشرون
رغم حُطام قلبك يومًا ما سيزهر الحُب فيه و يُرممه…
فيودور دوستويفسكي
تسارعت دقات قلبها وهي بـ مفردها الآن معه..معه و فقط حتى أن أيمن قد أخذ وليد معه حتى يتركهما بـ مفردهما وليته لم يفعل
إنتفضت عندما سمعت صوت إنغلاق الباب ولكنها لم تجرؤ على الإلتفات..لا تُصدق أنها وافقت على عرضهِ الغريب والمُفاجئ بـ طلبه لزواج منها..ترددت كثيرًا ورفضت ولكن شقيقها ألح عليها ألا ترفض فـ قُصي مثال لـ الرجل الشهم وأنه سيصونها..وهي شابة في مُقتبل العُمر لمَ تترك نفسها تغرق كـ المرساة بـ المياه!..عليها أن تترك نفسها لـ الرياح فـ رُبما تُسقطها بـ أرضٍ خصب تُزهر روحها
تقدم قُصي منها وقال بـ خفوت أجش دون أن ينظر إليها أو يُديرها إليه
-تحبي تتعشي الأول!…
سرت رجفة بـجسدها عندما نطق “الأول”..هل يعني أن هُناك ثانيًا؟..تصلب جسدها ثم أخفضت رأسها وهي تستدير قائلة بـ تشنج
-مرسيه مش جعانة..لو أنت جعان أحضرلك العشا!
-حرك رأسه نافيًا ثم قال بـ هدوءِ المُعتاد:أنا بسأل عشانك أنتِ…
أومأت بـ رأسها دون أن ترفعها إليه..بينما قُصي ترك لنفسهِ العنان بـ تأملها..شابة لا تكاد تُتِم العقد الثالث لها..إلا أن هيئتها لا تدل إلا أنها فـ الأربعين..خُصلاتها السوداء الثائرة ، و المُفعمة بـ الطاقة عكس ملامحها الفاترة..رحمة شابة أجبرتها الحياة أن تشيخ مُبكرًا
تنهد بـ ثقل و بـ داخلهِ توتر يأبى أن يعترف به لذلك وضع يده خلف عنقه وقال بـ إبتسامة
-طب مش محتاجة تغيري هدومك
-صرخت بـ خجل:مرتاحة كدا…
صدرت عنه ضحكة مكتومة جعلتها تعض شِفاها السُفلى بـ حرج إلا أنه أكمل
-مرتاحة إزاي!..خُشي غيري وأنا هستناكِ هنا
-صدقني مرتاحة كدا
-بس أنا مش مرتاح..خشي غيري يا رحمة
-إبتلعت ريقها بـ توتر قائلة:طيب…
إستدارت لتدلف إلى الغُرفة فـ وجدت حقيبتها فارغة و موضوعة أعلى خزانة الثياب..يبدو أنه أفرغها..إبتسمت بـ إمتنان ولكن سُرعان ما زال وهي تتذكر ثيابها الداخلية..لذلك وضعت يدها على فمها ثم شهقت رادفة بـ خجل
-شوف القليل الأدب!!…
ظلت دقيقتان حتى توجهت إلى الخزانة لتُبدل ثيابها إلى أكثر ثياب مُحتشمة أحضرتها معها..فـ كانت ترتدي منامة حريرية سوداء ذات أكمام قصيرة و مشقوقة ليظهر ذراعيها بـ سخاء..و تُعقد حول عنقها بـ حبلين مُتعاكسين مُظهران عظمتي الترقوة وما أسفلها بـ قليل..وبنطالها أسود اللون يصل إلى كاحليها..ثم وضعت فوق الكنزة شالًا من الصوف لتحمي نفسها من البرد
تشنجت عندما سمعت صوت طرقات هادئة..لتحبس أنفاسها لثوان قبل أن تسمع صوته يهتف من خلف الباب
-رحمة!!..خلصتي؟!
-خرج صوتها مبحوحًا:آآ..أيوة
-طب هدخل…
وبـ الفعل حرك مقبض الباب لتُغلق رحمة عيناها سريعًا..على الرغم أنها إمرأة متزوجة قبلًا ولكن ذلك الخجل الفطري يجعلها فتاةولم يسبق لها الزواج أبدًا
أغلق الباب خلفه وإتكئ إليه ينظر إليها بـ هدوء..عكس روحه الثائرة والمُنطفئة بـ الوقت ذاته..سديم تركت به جرح غائر لم يندمل ..سديم كانت العشق الأسرع والأكثر نقاءًا ولكن هُدم كل ذلك بـ لحظة كان يعلم أنها لن تُقاوم سحر أرسلان الهاشمي وكيف لأُنثى أن تقف أمامه!..ولكنه لم يتوقع أن يكون هذا أسرع من إستعادتها إليه
وكانت رحمة الطريق الأمثل لـ إطفاء ذلك الحريق و وسيلة إنتقام فعالة ولكن مع هذا الإحساس بـ الذنب قتله لأن يجعل تلك الصغيرة هي أداة إنتقام رخيصة سيفقد لذتها بـ مرور الوقت ولكن ستبقى مرارتها كـ العلقم بـ حياتها هي
وفي خضم تفكيره كانت هي قد فتحت عيناها ظنًا منها أنه قد خرج عندما يئس من تصلبها كـ تمثال حجري..إلا أنه خيب ظنها وأفقدها صوابها وهي تراه عاري الصدر و يقف مُحدقًا بها بـ شرود
تراجعت إلى الخلف فـ إصطدمت بـ الفراش ليخرج قُصي عن شرودهِ إثر صوت تألمها..إقترب منها وتساءل بـ قلق
-جرالك حاجة!
-أشارت بـ يدها أن يقف وقالت بـ توتر:أنا كويسة متقلقش…
توقف قُصي على بُعد خطوة واحدة منها ليجدها مُخفضة رأسها أرضًا مُتحاشية النظر إليه..هُنا وقد لاحظ أنها لم تنظر إليه الليلة أبدًا..لذلك وضع يده أسفل ذقنها مُتجاهلًا رعشتها و ذهولها ثم تساءل مُحدقًا بـ عينيها
-مبتبصليش من ساعة أما دخلنا البيت دا ليه!
-همست بـ توتر:مش..مش كدا…
لم تستطع تكوين عبارة ليبتسم قُصي فـ عضت على شِفاها السُفلى بـ خجل مُتحاشية النظر إليه..وبقى هو مُبتسم تنتقل سوداويه ما بين شفتيها و ملامحها لتستقر بعدها على ملامحها
تلاشت إبتسامته وهو يقترب منها ولا يزال ذقنها حبيس إصبعيه حتى مست شفتيها خاصتها في قُبلة تمنى أن يحصل عليها مع سديم
وعند ذكرها فتح عيناه سريعًا ثم إبتعد مُسرعًا عن رحمة المذهولة لاعنًا قلبه الأحمق..شد خُصلاته بـ جنون ليهدر وهو يخرج عن الغُرفة
-أسف مش هقدر…
تركها هكذا بـ طعنة قاسية لأنوثتها مُغلقًا الباب خلفه بـ قوة جعلتها تنتفض ثم إرتمت فوق الفراش تتساقط عبراتها بـ صمت
في صباح اليوم التالي
فرقت جفنيها بـ نُعاس لتجد أن الشمس قد أشرقت..داهمتها أحداث أمس فـ تصلب جسدها المُقيد بـ يده..رفعت أنظارها إليه مصعوقة لتجده يغط في سُباتٍ عميق
ظلت هكذا تحتبس أنفاسها ونظراتها مُعلقة به..هي عرضت جسدها أمس لتحصل على إنتقام أحمق من قُصي والذي لن يعلمه البتة..ولكن هكذا صور لها شيطانها الإنتقام
إبتلعت ريقها بـ توتر وحاولت النهوض ولكن يده كانت كـ الكِلاب حقًا عجزت عن إبعادهِ..إتسعت عيناه وهي تجد شفتيه ترتفع بـ إبتسامة لأول مرة تُبصرها..كان كمن وجد راحته أخيرًا..كمن بلغ نهاية المطاف..إبتسامة رائعة ، رجولية صارخة..إبتسامة جعلت خفقة لعينة تهرب من بين خفقاتها العادية جعلت يدها تتلمس زوايا شفتيه القاسية وكأنها تتأكد من إبتسامتهما
وهو لا يشعر بـ كل ذلك بل حُلمهُ السعيد جعله يبتسم..لأول مرة مُنذ سبع سنوات يزوره حُلم عكس الكوابيس التي تُداهمه
“صغيرة تفتح باب غُرفته بـ صعوبة نظرًا لقِصر قامتها..ثم تركض لتقفز فوق ظهره العاري..وتبدأ تضربه بـ خفة بـ كفيها الصغيرين صارخة بـضحكة طفولية سالبة للأنفاس
-أرسلان..أرسلان..قوم بقى بقينا الصُبح..يلا عشان توصلني المدرسة…
وهذا الشاب يفتح عيناه بـ نُعاس ثم يبتسم قائلًا بـ تحشرج
-صباح الخير يا قردة
-ضحكت الصغيرة وقالت:صباح النور يا أرسلان..يلا دا أول يوم مدرسة هتأخر…
صرخت عندما وجدته يسحبها من ذراعها ثم يُلقيها فوق الفراش..ليقول بـ مكرٍ بعدها
-بابا لو سمعك بتقولي أرسلان كدا..هيعلق
-زمت شفتيها بـ حنق ثم قالت بـ دفاع:بس إحنا لوحدنا..وبابا مش هيعرف
-وإفرضي فتنت!…
كشرت عن أنيابها إلا أنها عادت تبتسم ثم قالت بـ تهديد
-هقوله إنك بتعاكس بنت البواب
-ضرب رأسها وقال:سوسة..أنتِ سوسة…
ثم هجم بـ فمه إلى معدتها ودغدغها لتصرخ هي بـ ضحكات صارخة
-خلاص أسفة يا أبيه..أسفة مش هعمل كدا تاني…
إبتعد عنها لتركض فـ أتاها صوته
-إلبسي وأفطري عشان أوصلك…
عادت تنظر إليه من شق الباب ثم قالت وهي تُخرج لسانها
-برضو هقول لبابا…
ثم تركته وركضت ليضحك أرسلان لشقيقته التي تعلم عنه ما لا يعلمه غيرها رغم أنها لم تُكمل التاسعة ولكنه يعشقها وكأنها محبوبته”
فتح عيناه بعدما إنتهى الحُلم ليجد سديم تُحدق به بـ شرود فـ بقى ساكنًا عله يسبر أغوارها
أما سديم فـ لم تُلاحظ تلاشي إبتسامته..بل حفرتها بـ عقلها علها لن تراها مُجددًا..أرسلان يملك روحًا مشوهه لا أكثر سلبوا منه الكثير فـ لا بأس بـ الإنتقام..حقًا تحسده لصلابته وعدم فُقدانه لرشده بعد ما عاناه..لو كانت هي لـ جُنت بلا أدنى شك
تنهدت ثم قررت النهوض ولكنها تيبست على صوتهِ الماكر ، والذي يطغى على نغمته النُعاس
-قايمة ليه!..كملي فُرجة وأنا هعمل نفسي مش واخد بالي…
شهقت بـ فزع ثم نظرت إلى عينيه بـ تركيز هذه المرة وقالت بـ تلعثم
-مش قصدي..كنت سرحانة
-إلتوى فمه بـ شبه إبتسامة وقال:صباح الخير
-صـ..صباح النور…
إنتظرت أن يتركها أو أن يُبعد عيناه الصقرية عنها ولكنه لم يفعل..لتقول هي بـ توتر و لعثمة
-ممـ..ممكن إيدك عشان أقوم…
لولهة ظنت أنه لن يتركها فـ عيناه كانت تُحدق بها بـ تدقيق و غموض..إلا أنه تركها بـ النهاية
أحاطت جسدها بـ الملاءة ثم جذبت قميصه المُلقى ترتديه..تصلبت وهي تشعر بـ يدهِ تلتف حول خصرها وشفتيه اللتين تهمسان بـ القُرب من عُنقها فـ تلفحه أنفاسه الساخنة
-ندمانة!…
تشنج جسدها الذي ضربته البرودة لثانية إلا أنها عادت ترتخي ثم أجابت بـ صلابة
-أنا اللي عرضت نفسي عليك..مينفعش أندم…
إنتفضت لتلك القُبلة التي زرعها على عُنقها المُدمغ بـ علاماتهِ وأكمل همسه ولكن خرج هذه المرة قاسي
-أحسنلك متندميش…
نهض هو الآخر ليرتدي بـنطاله ثم قال بـ هدوء
-جهزي نفسك عشام هاخدك مشوار
-حكت عنقها وقالت:فين!
-لما أخدك هتعرفي…
زفرت بـ قنوط فـ وجدته يتجه إلى الخارج فـ أوقفته دون تفكير
-أنت هتطلع كدا!
-إلتفت أرسلان إليها وتساءل:كدا اللي هو إزاي!…
أشاحت بـوجهها بعيدًا علها تُخفي تلك الحُمرة ثم غمغمت بـ خفوت و خجل
-يعني مش..مش لابس تقيل والجو برد..هتتعب
-إبتسم أرسلان بـ تسلية ولكنه قال:متقلقيش عليا..مبتأثرش بـ البرد..بتأثر بس بـ حاجات تانية…
إلتفتت إليه بـ جنون وهدرت من بين أسنانها
-بلاش قلة أدب
-حك ذقنه وأكمل بـ عبث:واللي بينا إمبارح دا مش قلة أدب!…
لجمتها الصدمة بـ خجل..الوقح لن يترك ثانية إلا وذكرها بـ أمس..يتباهى بما حدث..فتحت فمها تنوي إلقاء بعض السباب ولكنها عادت تُغلقه فـ لا تجد فائدة من الجدال معه لذلك همست بـ يأس
-من فضلك إطلع عشان أجهز
-عنيا…
قالها بـ تسلية ثم خرج وعلى وجهه ذات الإبتسامة التي رأتها مُنذ قليل..وضعت يدها على صدرها ثم همست بـذهول
-أنت قلبي بـ يدق بسرعة كدا ليه!…
حك خُصلاته بـ نُعاس ثم إتجه إلى غُرفته لجلب ثيابٍ جديدة..دلف ليجد جميلة بـ إنتظاره ترتدي ثياب فاضحة بـ هدف إغراءه فـ تحولت عيناه العابثة إلى أُخرى صلبة ، قاسية
لم يُعرها إهتمام ليتجه إلى خزانته ليُخرج ثيابه فـ وجدتها تتحرك بـ إتجاه وتحتضنه قائلة بـ نبرتها المبحوحة ، المغوية
-وحشتني…
إبتسم بـ تهكم ليُكمل إخراجه لثيابه ثم أبعد يديها عنه وإلتفت إليها بـ نفس نظراته القاسية..بينما هي تراجعت قليلًا تتغلب على التوتر الذي إجتاحها ما أن رأت عيناه
وضعت يدها على صدرها ثم عادت تقترب منه وهمست بـ إغواء
-متاخدش على خاطرك مني يا أرسلان..الغيرة عمتني…
رفع حاجباه بـ سُخرية واضحة أغضبتها لتُكمل بـ نبرةٍ بها شيئًا من القسوة
-مقبلش حد يشاركني فيك ولا هقبل أبدًا
-عقد ذراعيه أمام صدره وقال بـ فتور:أنا مش جابرك يا جميلة..عاوزة تتطلقي براحتك..مش عاوزة…
طار الهزل و الفتور ليضرب بـ قبضتهِ الخزانة ثم هدر بـ شراسة أفزعتها
-يبقى تعيشي زي ما أنا كاتبلك..فاهمة!..أنا منستش ولا هنسى خيانتك أبدًا..مش أرسلان اللي واحدة رقاصة تخونه وتلعب من ورا ضهره
-همست بـ ذهول مُتسعة العينين:رقاصة!..بتعايرني دلوقتي..الرقاصة دي هي اللي فتحت دراعتها وأخدتك فـ حُضنها..وهي اللي إدتك حياة جديدة..لحقت تنسى!
-أردف بـ جمود و نبرة مُظلمة:أنتِ اللي رخصتي نفسك..أما بـ النسبة لـ اللي قولتيه دا..فـ هو اللي مانعني أقتلك…
إتجه إلى طاولة الزينة يجلب ساعته السوداء ولكنها أوقفته تهدر بـ شراسة أنثى مجروحة الكرامة
-كنت معاها صح!..عشان كدا بتقولي الكلمتين دول صح؟..هي اللي مخلياك كدا؟!…
إلتقط الساعة ثم توجه إلى الباب ولكنها أمسكته فـ دفعها بـ إزدراء هادرة بـ نبرتهِ القوية والتي تصدعت لها حوائط الغُرفة
-مش *** زيك ولا زيها يمشوا أرسلان..إحفظي مكانتك كويس عشان متخسريهاش ولا تخسري حياتك..أنتِ معايا على تكة..تكة واحدة فصلاكِ عن الموت…
إتسعت عيناها بـ صدمة ونهج صدرها وهي تراه ينظر إليها بـ نظرات مُرعبة قادرة على إذابة العظام ثم خروجه الإعصاري..فـ جلست فوق طرف الفراش تشد خُصلاتها ثم همست بـ غضب
-غبية..وأنت أغبى يا أرسلان..بس أنا مش هسكت…
دلف إلى الداخل بعدما أغلق أبواب الشُرفة..فـ هو لم يذق النوم مُنذ أمس..داخله صراع عنيف ما بين الذنب والغضب..لم يستطع أن يقرب رحمة ليس لشخصها ولكن صورة سديم لا تنفك أن تظهر له..أغمض عيناه بـ غضب وهو يهمس بـ شراسة بعدما تشكلت صورتها أمامه
-إطلعي من دماغي بقى..إطلعي وإرحميني..
حك خُصلاته بـ قوة حتى كاد يقتلعها ثم توجه إلى المطبخ ليجد رحمة تقف أمام الموقد تعد الإفطار..توقف قليلًا دون حركة أو حديث يُتابع وقوفها الشارد والغاضب
إبتسم بـ تهكم ما بال الغضب بهما اليوم..ولكن ألا يستحق بعد رفضه لها الأمس..أليس من حقها الغضب و ربما قتله!..تنهد بـ صوتٍ غير مسموع ثم قرر الإتجاه إليها
بـ خفة نظر إلى محتويات المقلاة بـ إبتسامة مُغتصبة ثم همس بـ حماس كاذب
-صباح الخير…
شهقت رحمة بـ فزع واضعة يدها على صدرها ثم نظرت إليه من طرف عينها بـ غيظ وهدرت بـ صوتٍ مكبوت
-صباح الزفت
-عقد قُصي حاجبيه وقال:يا ساتر يارب…
إبتعد عنها ليسكب لنفسه كوبًا من الماء ثم أردف بعدها بـ غمغمة
-مالك بس ع الصبح…
قذفت المقلاه فوق الموقد وقالت بـ غضب و قهر إختزنته طوال الليل
-تحب أفكرك عملت إيه أمبارح! ولا حضرتك فاكر كويس..أنا حتى فـ جوازتي الأولى محصلش معايا كدا…
كاد قُصي أن يتحدث ويُدافع عن نفسه إلا أنها لم تسمح له وأكملت بـ غضبها المُشتعل فـ إشتعلت بُنيتها معه
-لو متجوزني عشان تهني قولي وعرفني..لأني إتعرضت لذل وإهانة قبل كدا معنديش طاقة أتعرضلهم تاني…
ضربت قلبه بـ تلك الكلمات فـ نمت بـ داخله الشعور بـ ذنب الذي يتآكله..نظر إليها وإلى يدها المُرتعشة التي تُعيد خُصلاتها إلى خلف أُذنها ثم همست بـ تعب
-أنت إتجوزتني ليه!..مش معقول شاب زيك قدامه الحياة يتجوز واحدة متجوزة ومعاها طفل!..فهمني إشمعنى أنا؟…
أغمض قُصي عيناه بـ ألم..أيقول الحقيقة أنها لم تكن سوى أداة إنتقام أم يكذب!..ولكنه يكره الكذب..ولكن رحمة لا تستحق..رحمة قد تكون النور بـ نهاية هذا الطريق المُظلم..لا يجب جرحها يكفي ما فعله أمس..هذه أيضًا ليست شخصه..هذا لم ولن يكن قُصي
فتح عيناه وقد لمحت بهما رحمة ذلك الصراع العنيف الذي أفتكه و لجزء من الثانية شعرت بـ الشفقة عليه إلا أن أحداث أمس تُعاد أمامها فـ تزداد شراسة لذلك حاولت قدر الإمكان الصمت
تقدم قُصي منها و مدّ ذراعيه إليها يُحاول محاوطة كتفيها ولكنها تراجعت بـ رفض فـ أبعد يده بـ تفهم ثم غمغم بـ هدوء و صلابة
-طب خلاص إهدي ممكن يا رحمة!…
رفعت حاجبها الأيسر بـ إستفزاز وهزت قدمها بـ عصبية ليأخذ قُصي نفسًا عميق ثم أردف بـ صدق
-أنا أسف جدًا..عارف اللي عملته إمبارح صعب بس مش أنتِ السبب..المشكلة فيا أنا مش فيكِ…
رفعت حاجبها الآخر وظلت تنظر إليه بـ صمت..زفر قُصي بـ قنوط وأكمل واضعًا يده خلف عنقه
-كل اللي طالبه منك وقت..وقت أتأقلم مع الوضع دا..أنا عارف إني بطلب منك كتير
-أشارت إلى نفسها وهدرت:وأنا ذنبي إيه!..أنا ذنبي إيه أستناك تتأقلم..ولما أنت عارف المشكلة فيك بتظلمني معاك ليه!
-حك مُؤخرة عنقه وقال:عارف إن ملكيش ذنب..بس معلش إستحمليني..خلينا ننسى إمبارح وكأنه لم يكن ونبدأ النهاردة…
قذقت تلك القطعة القُماشية من يدها ثم قالت بـ جمود وهي تتجه إلى الخارج
-صعب تمحي الإهانة يا حضرة الظابط..الفطار جاهز..بعد.إذنك…
ثم تركته ورحل..صر قُصي على أسنانه وحك ذقنه بـ قوة كادت أن تجرحه ثم جلس زافرًا بـ قنوط يهمس
-وبعدين يا قُصي من إمتى كُنت كدا يعني!…
ضرب سطح المكتب الخشبي بـ غضب ثم هدر بـ ذلك الذي يقف أمامه
-يعني إيه جميلة مش فـ البيت الـ**** دي راحت فين!
-رد الذي أمامه بـ خفوت:يا باشا الهانم شكت فيا..عشان كدا غيرت البيت وغيرتني أنا كمان
-صر نزار على أسنانه وقال بـغضب:إتصرف يا حيوان..في ظرف يوم أعرف الرقاصة دي إختفت فين
-أوامرك يا باشا…
أشار إليه نزار بـ أن يرحل فـ رحل وجلس هو..حدق بـ وجه بـ تلك المرآة التي أمامه..وجهه تشوه تمامًا بدءًا من ذلك الجرح الذي خلفته سديم إلى الشظايا التي إخترقته بعد إنفجار سيارته بسبب أرسلان
أطاح بـ المرآة وهو يهدر بـ غل و حقد
-نهايتكوا على إيدي..بس صبرك عليا يا أرسلان…
بـ تلك الأثناء طرقت الخادمة الباب ثم دلفت وقالت بـ إحترام
-عُمر بيه مستني حضرتك بره
-قال بـ جمود:طلعيه هنا ومحدش يهوب ناحية الأوضة
-حاضر يا فندم…
خرجت الخادمة ليعتدل نزار بـ جلسته مُخفيًا غضبه ليتحول إلى البرود التام
دقائق وعادت الخادمة ليخطو خلفها رجلًا بـ نهاية الثلاثينات قوي البنية..داكن العينين التي تُماثل بشرته الداكنة..تعلو شفتيه الغلظتين إبتسامة تهكمية وهو يقول
-لا مش معقول..بقى حتة عيل زي دا يعلم عليك كدا
-لم يتخلَ نزار عن بروده ليردف:معلش بقى سبته يلعب شوية…
أومأ عُمر بـ تهكم ثم إقترب وجلس أمامه ليقول نزار بـ فتور
-جاي ليه!
-عيب يا راجل..دا أنا ضيف..رحب بيا حتى
-رد عليه نزار بـ نفاذ صبر:عُمررر..مش فاضيلك…
ضحك عُمر ثم أخرج من جيب سترته قُرص مضغوط و وضعه أمامه ليقول بـ جدية غُلفت جوانبها بـ الخُبث والعبث
-السي دي دا هتشكرني عليه لما تشوفه…
إلتقطه نزار وحدق به بـ تدقيق ثم قال وهو يضعه بـ أحد أدراج مكتبه
-فيه إيه؟!
-لما تشوفه هتعرف
-تساءل نزار:حاجة تانية؟!
-حمحم عُمر وقال:أه..الباشا بعتني مخصوص عشان طالب شوية حرس لأنه مقلق من الشيطان دا…
تراجع نزار بـ مقعده وإرتسمت إبتسامة تهكمية على شفتيه ثم أردف بـ سُخرية
-مقلق!..دا من ساعة أول واحد إتقتل ودا لا حس ولا خبر..فص ملح وداب..يقوم بعدها يبعتك عشان خايف يطلعلي
-رد عليه عُمر بـ فتور:الحذر واجب
-مط نزار شفتيه وقال:من عنيا..هبعتلك رجالة حاضر..بس خليه ياخد باله عشان الشيطان هيجيبه لو فـ بطن الحوت نفسه…
نهض عُمر دون أن يرد عليه ولكن قبل أن يخرج أردف بـ غموض و تهديد خفي
-خاف يا نزار عشان الجاي إعصار هيدمر الكل…
كانت بـ جواره بـ السيارة تتحاشى النظر إليه لا تعلم إلى أين يتجهان..زفرت بـ قنوط لتتساءل بـ فضول
-إحنا رايحين فين!
-أجابها دون النظر إليها:لما نوصل هتعرفي…
لوت شدقها بـ غيظ لتنظر من النافذة المجاورة لها..وطافت بـ ذاكرتها إلى ما قبل قليل..تحديدًا وهي ترتدي ثيابها أمام المرآة
ما بالها تشع جمالًا ورقة عن ذي قبل..وجهها المتورد وشفتيها المُنتفختين أضافا جمالا عجيب إلى وجهها..حينها إبتسمت وهى تتلمس شفتيها التي أغدقها أرسلان بـ قُبلات رقيقة لم تعدتها قبلًا..قُبلات تملكية ذات مشاعر جياشة
ضربت رأسها وهمست بـ إستنكار
-إيه يا سديم أنتِ هتخيبي على كبر ولا إيه!..مكنتش ليلة يعني…
زفرت بـ يأس وهي تلتقط الحزام الجلدي ذو اللون الجملي لتُحيط خصرها فوق ذلك الثوب الأسود ذو خامة قطيفة..يُحيط جسدها بـ تفصيل حتى ما قبل رُكبتيها بـ قليل..وذراعين طويلين ولكن ذو ظهر و صدر مفتوحين
وضعت فوقه شالًا جملي اللون لتحمي نفسها من برودة الطقس..ثم إتجهت إلى السيارة حيث كان ينتظرها..توقفت لحظات وهي تُحدق بـ ذلك الوحش الذي أمامها
حيثُ ماثلها بـ لون ثيابه السوداء..قميص أسود يُحدد عضلات صدره القوية و بنطال أسود يضيق على فخذيه المُعضلين..خُصلاته المُصففة بـ عناية ورائحة عطره القوية الذي وصلها إلى مكانها فـ أزكمها
إبتلعت ريقها بـ صعوبة وتوتر وهي تجد أفكارها تنحرف إلى إتجاه آخر..لم تكن ليلة يا سديم تماسكِ
أخذت نفسًا عميق ثم إتجهت إلى سيارته وصعدت بـ صمتٍ..أدار أرسلان المُحرك وهو يقول بـ عبث
-مكنتيش محتاجة كام دقيقة كمان عشان تفصليني أكتر!
-ضيقت عيناها ثم غمغمت بـ قنوط:مكنتش بفصلك ولا حاجة..بس إستغربت إنك اللي هتسوق
-رفع حاجبه ثم تساءل بـ سُخرية:ومن أمتى مبسوقش العربية
-تأففت بـ.نفاذ صبر قائلة:مش هنتحرك ولا هتفضل تسأل؟
-ضحك أرسلان بـ تهكم وقال:نتحرك عشان الدكتورة بس…
جعدت وجهها بـ إزدراء ثم أدارت وجهها إلى النافذة لينطلق أرسلان ثم سألها بـ هدوء
-تحبي تفطري الأول!
-مش جعانة
-براحتك…
وها هي تجلس بـ جواره مُنذ ما يقرُب ثلاثون دقيقة دون حديث..الطريق مجهول ، لا حياة به..الصحراء على الجانبين ولا حياة سوى صوت الرياح
إرتعش داخلها لما دار بـ خلدها..عدة أحداث نابعة من أفلام سينمائية تُتابعها أثرت على البقية المُتبقية من عقلها ولكن لها الحق فـ أرسلان لا أحد يتوقع أفعاله
إستفاقت من شرودها عندما وجدت السيارة تصطف أما منزل خشبي صغير بـ وسط الصحراء..إلتفتت على صوتهِ وهو يأمرها بـ صلابة
-يلا إنزلي
-تمسكت بـ مقبض الباب وقالت:أنزل فين!…
أشار إلى المنزل الخشبي وقال بـ تهكم
-هنا يا دكتورة
-إزدردت ريقها بـ توتر وتساءلت:هو إحنا هنعمل إيه هنا!…
كان أرسلان قد هبط من السيارة ثم إتجه إلى الباب الخاص بها وبعدها فتحه قائلًا بـ سُخرية أغضبتها
-متخافيش مش هقتلك وأتاوي الجُثة هنا..إنزلي يا دكتورة وبلاش أفلام أجنبي كتير عشان أثرت على عقلك…
تأففت بـ غضب ثم هبطت ليغلق أرسلان الباب خلفها ليجذبها بعدها إليه متوجهًا إلى المنزل
فتح الباب ليدلف تبعته سديم..كان المنزل بسيط لدرجة تُريح الأعصاب..أثاث خشبي رائع وبسيط ، مُنتقي بـ عناية
إلتفتت إلى أرسلان الذي أشعل الأضواء ثم قالت
-بيتك دا!
-أومأ بـفتور وقال:أيوة..الأوضة دي فيها هدوم إلبسيها وحصليني من الباب اللي ورا دا…
قالها وهو يُشير إلى باب خلفي..همت أن تستفسر أكثر ولكنه قد تركها ورحل بـ الفعل..صرت على أسنانها بـ غضب و حنق ولكنها إتجهت إلى الغُرفة لتُبدل ثيابها
بعدما أبدلت ثيابها إلى سروال من خامة الچينز الأسود تعلوه كنزة صوفية ثقيلة ثم عكصت خُصلاتها البُنية على هيئة ذيل حُصان وترجلت خارج المنزل كما أشار
وجدته قد أبدل ثيابه هو الآخر إلى بنطال چينز مُهترئ وكنزة سوداء قُطنية ويُثبت بضع زُجاجات فارغة ثم توجه إلى أحد الأركان وجذب شيئًا ما لم تلمحه وأخذ يضبطه
توجهت إليه ثم هتفت بـ صوتٍ عال نسبيًا
-ممكن تفهمني هنعمل إيه!…
إستدار إليها حاملًا ذلك الشئ فـ شهقت وهي تتبينه والذي لم يكن سوى بندقية صيد!!!
تراجعت إلى الخلف وصرخت بـ فزع
-هو إحنا هنعمل إيه!
-إلتوى فمه بـ شبه إبتسامة ساخرة وأجاب:قولتلك متخافيش مش هقتلك هنا..عاوز أعلمك إزاي تمسكِ سلاح
-شحب وجهها وهمست:ليه…
أسند البُندقية إلى أحد أركان المنزل ثم إتجه إليها مُحاوطًا ذراعيها ليقول بـ قوة
-لظروف..وبعدين مرات أرسلان لازم تتعلم تدافع عن نفسها..سمعتي!
-حركت رأسها نافية وقالت بـرفضٍ تام:بس أنا مش عاوزة..بليز خليني أمشي
-هدر بـ قوة:إسمعيني كويس..مش كل مرة هيكون فـ إيدك حتة إزازة هتقدري بيها تعوري اللي قدامك..لازم تعرفي حاجات أكتر..مستوعبة؟!…
بدت لا تفهم ليجذبها إليه وهو يأخذ البندقية ثم أكمل بـ جمود وقسوة
-مش هكون موجود كل مرة أدافع عنك..لازم تدافعي عن نفسك..ودلوقتي بلاش دلع وإعملي اللي هقولك عليه..مش هضغط عليكِ دي أول مرة فـ.متخافيش…
أغمضت عيناها وهي تُحرك رأسها بـ نفي ولكن أرسلان تجاهلها..أوقفها ثم وقف خلفها واضعًا بين يديها البُندقية ثم عدل من وضعيتها قائلًا بـ جدية
-خليها بـ الوضع دا..كتفك لازم يسند البندقية وإيديكِ الأتنين تتحكم فـ الجسم من قدام..واحدة على الزناد والتانية ماسكة الماسورة
-همست بـ خوف:بلاش..مش عاوزة والله
-إلا أنه هتف بـ رفض و قوة:قولتلك متخافيش..أنتِ مرات أرسلان الهاشمي..يعني الخوف دا كلمة تمسحيها من قاموسك خالص…
إزدردت ريقها بـ صعوبة ليُعدل من وضعية البُندقية ثم صوبها ناحية أحد الزُجاجات ولم يفلتها..قال بعدها وهو يضع كفه فوق كفها وأردف
-جاهزة!!…
إرتعشت ليديه الباردتين و أنفاسه التي تضرب عنقها إلا أنها أومأت بـ تردد..لم يبتعد أرسلان بل أبقى يديه فوق يديها وضغط إصبعها لتنطلق رصاصة مُصيبة إحدى الزُجاجات..فـ إنطلقت صرخة من فم سديم وإبتعدت
حرك أرسلان رأسه بـ يأس وقال بـ نفاذ صبر
-الموضوع سهل..يلا جربي لوحدك…
همت أن ترفض ولكن أمام نظرته الصارمة لم تجد بدًا من التقدم..أعادت إمساك البندقية وساعدها هو مرةً أُخرى لوضعها الأول ولكن هذه المرة إبتعد أرسلان تاركًا لها حُرية الحركة
إزدردت ريقها وتمتمت بـ خفوت أن يوفقها الله..صدح صوت أرسلان من خلفها قائلًا
-إضربي يلا…
تردد لـ لحظات ولكنها أطلقت الرصاصة..صرخت وهي تسقط فوق الرمال نظرًا لقوة خروج الرصاصة فـ إرتد الجُزء الخلفي المُثبت بـ كتفها فـ دفعها إلى الخلف أدى إلى سقوطها
سقطت البندقية من يدها وتمددت هي فوق الرمال..إقترب أرسلان منها وهو يضحك فـ غمغمت بـ عدم وعي
-أنت إيه اللي طلعك فوق كدا!…
إزدادت ضحكاته وهو يمد إليها يده ثم قال
-أنتِ إيه اللي نزلك تحت كدا!…
جذبها إليه فـ نهضت تضع يدها موضع البندقية فـ قد آلمها..ولكن عيناها كانتا أسيرتين تلك الضحكة الرائعة ، الخاطفة للأنفاس ، الرجولية المُهلكة..لأول مرة ترى سديم ضحكته بـ إستثناء ضحكه التهكمي ولكن تلك الضحكة الصافية وكأنه عاد طفل
عيناها ظلت مُعلقة به حتى رفعت زرقاويها إليه وهمست مُتساءلة بلا وعي
-أنت إزاي كدا!..أنت مش شيطان..أنت مكنتش شيطان صح!…
إلتوى فمه بـ إبتسامة تهكمية قبل أن يُحاوط خصرها ثم أردف بـ نبرتهِ القاسية ولكن بها شئٍ من الألم
-الظُلم بيخلق من الطبية جبروت…