ملكة على عرش الشيطان بقلم اسراء على
الفصل الثانى والعشرون
ما هو الجحيم؟!
معاناة ألا أكون قادرًا على الحُب…
توقف قُصي أمامهما بـ عنين ذاهلتين دون حديث..بينما نهضت سديم تُحدق به بـ قلب ينبض بـ عُنف وعينان مُتلهفتان لرؤيتهِ
وأرسلان بينهما يجلس بـ جمود وبرود يُحسد عليه..ينظر إليهما بـ التناوب دون حديث..ولكن ذلك الغضب المُنبعث بين ثناياه لا يقوى على كبحه إلا أنه إلتزم الصمت بـ صعوبة بالغة
ومن الخلف إندفعت رحمة إلى صغيرها تحمله إلى صدرها وتبكي بـ قوة ونشيج..قَبّلت وجنتيه المُمتلئتين و جبهته ثم هدرت بـحدة حانية
-كدا يا وليد تقلق ماما عليك…
لم يرد الصغير بل ظل يُحدق بها بـ هدوء قبل أن يضع رأسه على كتفها وهمس
-عاوز أنام…
ربتت رحمة على خُصلاته ثم هتفت بـ رقة مُبتسمة
-نام يا حبيبي…
حاوطته جيدًا ثم نظرت إلى سديم التي كانت بدورها تُحدق بـ قصي وقالت بـ إمتنان حقيقي
-مش عارفة أشكرك إزاي!..بجد مش هقدر أوفيكِ حقك..بجد شكرًا…
لم ترد سديم بـ الأصل لم تسمعها فـ هي غارقة بـ عالمها مع قُصي..إبتسمت بـ رقة وهمست
-قُصي!!..إيه اللي جابك هنا؟…
إقترب قُصي خطوة ثم قال بـ هدوء وهو ينظر إلى أرسلان الذي كانت ملامحه خالية تمامًا من أي مشاعر واضحة
-كنت بدور على وليد مع مامته
-قطبت حاجبيها وتساءلت:وتعرف مامته منين؟
-إرتفع حاجبيه وقال بـ سُخرية:هي غيرة ولا إيه!..عمومًا دي أخت ظابط صاحبي…
ربما لم ينطقها صريحة ولكن عيناه تكفلت بـ إرسال ما يكنه من إشتياق تلقته هي بـ وضوح ولم تكن بـ حاجة لترد فـ إبتسامتها خيرُ دليل
خرج أرسلان عن صمته ولكنه لم يتخلى عن جموده الظاهري وإتجه ناحية قُصي وأردف بـ قوة
-أظن دورك و دورنا خلص لحد هنا..لازم أمشي أنا ومراتي أصل حمايا مستنينا…
شدد على كلمة “مراتي”لتُظلم عينا قُصي بـ غضب ولكن أرسلان لم يهتم بل أمسك يد سديم وإستدار إلى رحمة التي تُتابع المشهد بـ سكون ثم أردف بـ إبتسامته القاسية
-حمد لله ع سلامة إبنك..متسيبيهوش لوحده تاني..مش كل اللي هيلاقوه ولاد حلال زينا…
إستدار بعدها إلى إتجاه سيارته ثم جذب سديم خلفه لتقسو ملامح قُصي الذي راقب إبتعادهما بـ عينين قاتمتين قبل أن يركض خلفها ليجذب أرسلان من كتفه ثم لكمه بـ غضب فـ صرخت سديم بـ فزع
مسح أرسلان فكه ونظر إلى أخيه بـ سُخرية حينما أردف قُصي بـ حقد
-متفتكرش إن اللعبة خُلصت هنا..لأ سديم ليا أنا مش ليك..واللي فكرته إتقفل هيرجع يتفتح تاني
-ضحك أرسلان دون مرح وقال:إيه هتسجني تاني!..دا أنا هربان فاكر ولا نسيت؟!
-صر قُصي على أسنانه وهدر:هربان!..والغلبان اللي حطيته مكانك وإتقتل مشوه بـ ماية نار!!…
شهقت سديم وهي تنظر إلى قُصي ثم إلى أرسلان الذي تراه ولأول مرة ترتسم ملامح الصدمة لثوان مُمتزجة بـ غضب ناري قبل أن يهدر بـ صوتٍ مُخيف
-جبت الكلام دا منين!
-تقدم قُصي وقال بـ جمود:مجبتش..الكلام دا اللي حصل..يمكن هروبك نساك بس مش عيب واحد فـ مكانتك ميوصلوش الكلام دا!
-همس بـ هسيس:مين ورا القصة!
-نزار العبد…
اسم كفيل بـ إنفجار البراكين بـ أرسلان عكس برودة وظلام عينيه القاسية كـ ملامحه..كور قبضته ثم أردف بـ قسوة بالغة قبل أن يصعد سيارته
-إبعد عن الموضوع..دا طاري أنا وأنا اللي هصفيه…
أغلق باب سيارته وأدار المُحرك ثم هدر بـ صوتٍ جهوري أفزع المتواجدين
-يلااا إطلعي…
نظرت سديم إلى قُصي بـ تعجب فـ نظر إليها بـ هدوء وأشار أن تتبع أرسلان
صعدت السيارة لينطلق أرسلان بسرعة صدرت عنها إحتكاك قوي بـ الأسفلت..زفر أرسلان بـ حرارة ثم توجه إلى رحمة المُحتضنة لصغير النائم وسألها بـ خفوت
-نام!
-أومأت بـ تعجب قائلة:أيوة..هو إيه اللي حصل دا!..والناس دي تعرفها منين؟
-أشار إليها أن تتحرك وقال:مشاكل عائلية..أهم حاجة إن وليد كويس
-قَبّلت رحمة رأس وليد وقالت:الحمد لله…
سار بـ جوارها ثم قال وهو يُخرج هاتفه
-لازم أكلم أيمن..زمانه على أعصابه…
أومأت رحمة ثم أردفت بـ إبتسامة رقيقة
-شكرًا تعبتك معايا
-إبتسم هو مُجاملةً وقال:مفيش شُكر..وليد زي إبني…
ربت على خُصلات الصغير بـ خفة كي لا يوقظه لترتطم يده دون قصد بـ وجنتها..شهقت رحمة بـ حرج ليهمس قُصي سريعًا
-أسف مكنش قصدي…
أومأت بـ توتر ثم أخفضت رأسها تُخفي تضرج وجنتيها الخجلتين..وأبطئت سيرها لتكون مُتأخرة عنه خطوتين
بينما قُصي حمحم بـ حرج وسار بـ هدوء أمامها إحترامًا لخجلها
أوقف السيارة أمام البناية ثم ترجل منها دون أن يعبأ بها..زفرت هي بـ قنوط ثم تبعته وتحركت خلفه
صعدا إلى الطابق الخاص بـ شقتها لتُخرج مفتاحها ثم فتحت الباب..دلفت وتبعها هو بـ ملامحه التي لا تُقرأ ولم تجرؤ هي على سؤاله أو الحديث معه
-بابا!…
نادت أبيها بـ صوتٍ عال ليأتها صوته من غُرفته يهتف
-تعالي يا سديم أنا فـ أوضتي…
نظرت إلى أرسلان الذي جلس فوق الأريكة واضعًا رأسه على المسند الخلفي مُغمض العينين..تنحنحت وقالت
-هروح أشوف بابا وأجي…
أشار إليها بـ يده دون أن يفتح عيناه وكم أحست بـ الغضب والغيظ يغلي بـ داخلها..إستدارت وإتجهت إلى غُرفة أبيها وهي تهمس بـ قنوط
-إيه الألاطة اللي أنت فيها دي!…
نفخت بـ غيظ ثم فتحت باب الغُرفة راسمة إبتسامة رائعة على شفتيها ولكن سُرعان ما أن إنمحت وهى تجد سُمية تجلس بـ جوار أبيها ترتدي ثياب النوم
نهضت سُمية بـ حرج وركضت تُعانق سديم قائلة بـ إبتسامة عصبية
-ست سديم والله ليكِ وحشة…
لم تُبادلها العناق بل ظلت تنظر إلى والدها الذي يُبادلها النظر بـ هدوء و رزانة
أبعدت سُمية عنها وأردفت بـ عصبية شديدة
-ممكن أفهم بتعملي إيه بـ المنظر دا!..مكنتش متوقعة آآ
-سديم!!!!…
جاءها صوت أبيها القوي يهدر فـ أصمتها مُخفضة رأسها إلا أن سُمية هتفت تُلطف الأجواء
-ما تقصدش يا سي مُحرم..أنت عارف هي أتصدمت إنها شافتني
-ولكن مُحرم هدر بـ قوة:تتعلم تحترم مرات أبوها…
رفعت أنظارها إليه مصعوقة ثم همست بـعدم تصديق
-مرات أبويا!..أنت إتجوزتها؟!
-رفع حاجبه وقال:عندك مانع!!…
همت أن ترد بما خطر بـ بالها ولكنها صمتت..تنفست بـ حدة ثم قالت وهي تنظر إلى أبيها نظرة ميتة
-لأ معنديش..ألف مبروك…
تشنج فك والدها لتلك النظرة ولكنه بقى يُحدق بها بـ نظرات نفذت إلى روحها..لتستدير إلى سُمية قائلة بـ جمود صخري
-خُدي بالك منه..أنا ماشية…
تحركت ولكن صوت مُحرم أوقفها
-مش بـ مزاجك..هتقضي اليوم هنا مع جوزك..أنا جايبك هنا عشان أعرفك إني إتجوزت وغصب عنك هتعامليها كويس…
إبتلعت غصة بـ حلقها إلا أنها صمتت أمام باقي حديثه
-ولو رجلك خطت برة البيت دا النهاردة متخشهوش تاني…
نظرت إليه ذاهلة لا تُصدق قسوة أبيها المُفاجئة..وتساءلت لما يُعاملها هكذا!..بما أذنبت؟
تداركت سُمية الوضع وقالت بـ إبتسامة مُتوترة
-براحة عليها يا سي مُحرم..هي بس متفاجئة شوية
-أنا بس بعرفها
-إبتسمت هازئة:متخافش..عرفت..بعد إذنكوا…
تركتهم وإتجهت إلى الخارج لتقترب سُمية من مُحرم رابتة على منكبه بـ خفة ثم قالت بـ عتاب
-ليه القسوة دي يا سي مُحرم؟..من أمتى كُنت كدا!
-زفر مُحرم بـ ضيق وقال:معرفش أنا بتعامل معاها ليه كدا..مش ذنبها..بس كل أما أفتكر إنها طلعتله الشقة فـ نُص الليل..أحس دمي بـ يفور
-عادت تربت على منكبه وقالت:أنت قولت مش ذنبها..ما هو برضو مفضحهاش وإتجوزها أهو…
تنهد مُحرم بـ حرارة وأغمض عينيه..على الرغم أن أرسلان أخبره كل شئ إلا أن ذكرى اليوم الذي هبطت إلى شقتها بـ خُصلاتها المُشعثة وهيئتها المزرية تجعل الحمم تتفاقم به بل ويحثه شيطانه على قتلها
أغلقت باب الغُرفة وإتكئت عليه ثم أغمضت عيناها فـ هبطت عبرتين أسرعت بـ محوهما لتأخذ نفسًا عميق وتحركت إلى الخارج
وجدت أرسلان لا يزال يجلس كما تركته تنهدت بـ فتور ثم قالت بـ صوتٍ مكتوم
-كُنت عارف إن بابا إتجوز!…
فتح عينه اليُسرى ثم قال بـ سُخرية
-ألف مبروك
-إستشاطت غضبًا قائلة:أنت بتهزر!..وبعدين طالما عارف مقولتش ليه؟…
ضرب أرسلان فخذيه ثم نهض وأقترب منها قائلًا بـ مكر
-لو عارف كُنت قولت..بس أبوكِ حابب يكسرك زي ما كسرتيه
-إتسعت عيناها وهمست بـ صدمة:يكسرني!
-أومأ مُؤكدًا:أها..يوم أما شافك نازلة من عندي..مفيش أي راجل يقدر ينسى الموقف دا..خصوصًا…
صمت ليقترب منها نازعًا سترته عنها وأكمل بـ لا مُبالاه
-خصوصًا إن بنته رخصت نفسها
-صرخت بـ غضب:أنت بني آدم سافل وحقير
-إبتسم بـ سُخرية وقال:هاتي حاجة جديدة…
صرت على أسنانها غضبًا وتنفست بـ حدة لكلماته التي أصابتها بـ الصميم مُباشرةً
أشارت بـ سبابتها مُحذرة بـ جمود جعل حاجبيه يرتفعان بـ سُخرية
-إحذر كلامك معايا..أنت لسه متعرفنيش..أنا لما بضرب ضربتي بتوجع وبتعلم
-أقترب بـ وجههِ منها وهمس بـ خُبث:وريني شطارتك…
ضيقت عيناها بـ غضب إلا أنها قالت بـ الأخير نتيجة لإستهلاك طاقتها فـ لا قُدرة لها على الحديث أو حتى مُحاربته
-طب يلا عشان تتخمد
-أشار بـ يده وقال بـ إبتسامة باردة:Ladies first
أردفت بـ إزدراء:يا سِمك يا أخي…-
تحركت أمامه إلى غُرفتها ثم فتحتها و دلفت تبعها هو..جلس فوق الفراش ولتقف أمامه تتساءل
-أنت هربت من السجن و دبست حد مكانك؟!…
تراجعت إلى الخلف بـ فزع عندما نظر إليها بـ سواد عينيه المُرعب والتي تُشبه الجحيم بـ غضبها..أما عن ملامحه التي لا تقل سوادًا عن عينيه فـ إبتلعت ريقها بـ رُعب لِمِ بثه لها من خوف..إلا أن نبرته خرجت هادرة على الرغم من هدوءها
-مبسبش حد يشيل ذنبي…
كانت جُملته وصمت..ظلت تُحدق به بـ رُعب قبل أن تنفرج ملامحه فجأة تتحول إلى السُخرية عندما سألها
-أبوكِ قالك إيه عني!
-هااه!!…
أردفت بها بـ دهشة لسؤالهِ الذي باغتها ولكنها أبتلعت ريقها وقالت مُمتنة لتغييره لذلك الحديث المُرعب
-مقالش حاجة غير بس…
وقصت عليه ما حدث بـ الداخل..رغبةً منها بـ أن تنسى تلك اللحظات التي أوشكت على إبتلاعها..فـ أرسلان شخصية تُرعبها على الرغم من عنادها أمامه إلا أن داخلها يرتعد..ظلت تتحدث بلا إنقطاع علها تُخفف ضربات قلبها التي تأبى الهدوء والعودة إلى مُعدلها الطبيعي
تُثرثر..تُثرثر بـ كثرة وقد بدأ ينتابه الغضب..رأسه تُؤلمه بـ شدة وهي لا تصمت
نهض أرسلان على حين غُرة ثم جذب ذراعها بـ قوة وهدر من بين أسنانه
-أنتِ هتسكتي ولا أسكتك بـ طريقتي!…
إبتلعت ريقها بـ توتر ثم أردفت بـ صوتها المبحوح إثر مرضها
-إيه!..مش بوضحلك قولنا إيه عشان متفهمش غلط!
-أغمض عينيه بـ نفاذ صبر وقال:مش عاوز أعرف ولا يهمني أعرف…
نظرت إلى باب غُرفتها ثم إليه وهتفت بـ قنوط
-طب ممكن توطي صوتك عشان بابا ميسمعش!
-نظر إليه بـ سُخريته المُعتادة وقال:ولو سمعنا هيضربني مثلًا؟
-لاحظ إنك بتتكلم عن بابا…
حرك رأسه بـ نفاذ صبر يائس ثم ترك يدها وإتجه إلى الفراش ليتمدد فوقه..أما سديم إقتربت بـ غضب ثم هدرت بـ حنق واضعة يدها بـ خصرها
-أنت هتنام جنبي على سريري!…
لم يرد عليها لتلكزه بـ إصبعها بـ كتفه ثم أكملت بـ غيظ
-دا سريري من حقي أطردك..ومش معنى إني سمحتلك مرة إني أنام معاك يبقـ…
ولكن إختفت حروفها مع وضع يده حول عُنقها ثم جذبها إليه حتى أصبحت على بُعد إنش واحد فـ إتسعت عينيها بـ رهبة..أخذت تتنفس بـ سرعة وطار حديثها ولسانها..إبتسم أرسلان بـ سُخرية ثم أردف بـ نبرةٍ ذات مغزى
-اسمها نمتي فـ حُضني…
فتحت فاها تنوي الرفض إلا أنه أسكتها بـ قوله الخبيث
-وبـ إرادتك
-لا مش بـ إرادتي..أنت أجبرتني…
ليبتسم..وأبتسامته في قاموسها شر..شر يجب الحذر منه فـ حاولت التملص منه وهي تهدر بـ شراسة أُنثى لا تليق سوى بـ الشيطان
-بقولك إيه!..بلاش شُغل العيال دا وإبعد وإعقـ…
وهذه المرة كان صمتها بـ جذبه لها إلى جواره ثم أردف وهو يُقيد حركتها بـ يديه
-بلاش كلام كتير ونامي..نامي أحسنلك أنتِ تعبانة
الصدمة و هجومه المُباغت أجبرها أن تكون مُستسلمة لسطوته عليها..ولأول مرة مُنذ لقاءهما الأول تشعر بـ ضئالتها أمامه..إبتلعت ريقها بـ توتر ثم قالت
-فعلًا تعبانة وكدا مينفعش..إبعد عني…
إبتعد أرسلان عنها ثم تمدد فوق الفراش ليردف بـ جمود وهو يضع يده فوق عينيه
-لو مش عاوزة تنامي ع السرير..الكنبة قدامك…
ضيقت عيناها بـ غضب ثم نهضت مُنتفضة ترفض أن تظهر بـ مظهر ضعيف أمامه..لذلك توجهت إلى الخزانة وأخرجت غطاء إضافي ثم تمددت فوق الأريكة دون أن تعبأ به
وليلة أُخرى تقضيها بـ مفردها مع شيطانها..شيطانها الضحية
إستيقظت صبا اليوم التالي لتجد نفسها وحيدة بـ الغُرفة..بحثت عنه فـ لم تجد سوى قميصه و سُترته..نظرت إلى ثيابها التي لم تُبدلها أمس بـ تأفف لتنهض مُقررة تبدليها سريعًا قبل أن يدلف
إرتدت منامة قُطنية ثقيلة من اللون الأبيض يعلوها مئزر أسود اللون..أغلقته جيدًا ثم ترجلت خارج الغُرفة
نظرت بـ أنحاء الشقة ولكنها لم تجد أحد..نظرت إلى ساعة الحائط فـ وجدت عقاربها لم تتخطى الثامنة..زفرت بـ قنوط ثم توجهت إلى المرحاض ولكن بـ طريقها إصطدمت به..شهقت و تراجعت ثم هدرت من بين أسنانها
-مش تفتح وأنت ماشي!
-أجاب بـ تململ واضح:أنتِ اللي عمالة تُبصي وراكِ زي ما تكوني سارقة حاجة
-دا أنت بجـ…
لم تقوَ على إكمال حديثها وهى تنظر إلى هيئته المُثيرة والمُخجلة بـ آنٍ واحد..فـ لم يكن يرتدي سوى منشفة كبيرة حول خصره دون أن يأبه إلى تجفيف جسده والذي يُقطر ماءًا
أشاحت بـ وجهها وهمست بـ تلعثم
-أستغفر الله العظيم يا رب…
إبتسم أرسلان بـ خُبث ثم دنى منها إلا أنها وضعت يدها على صدرهِ تُبعده هاتفة بـ حدة
-أوعى كدا رايح فين!
-رفع منكبيه وقال بـ بساطة:هروح الأوضة…
أشارت إليه من رأسه حتى أخمص قدميه دون النظر إليه وقالت بـ نفاذ صبر
-مينفعش تمشي كدا فـ الشقة خصوصًا إن فيه ستات تانية هنا..ثم إننا فـ الشتا إزاي مش بتحس بـ البرد!
-زفر بـ ملل وقال:أنتِ هتعديني ولا…
لم تسمح له بـ إكمال حديثه إذ دفعته مرةً أُخرى إلى المرحاض عندما سمعت صوت أبيها يسعل و صوت سُمية يصدح من خلفه
أغلقت الباب وحمدت الله أنهما لم يلحظاهما..وضعت يدها على صدرها ثم نظرت إلى أرسلان الذي ينظر إليها رافعًا أحد حاجبيه لتقول بـ غيظ
-إيه في إيه!..بابا لو شافك كدا مش هيعدي الليلة على خير
-لم يلتفت إلى حديثها بل قال:أنتِ عاجبك الوضع دا يعني!
-قطبت حاجبيها وتساءلت:وضع إيه؟؟…
سُرعان ما شهقت وهي ترى نفسها بين أحضانه فعليًا..يتكئ إلى الحائط من خلفه وهي أمامه تضع كِلتا يديها على صدره..حاولت الأبتعاد ولكنها وجدت قيدٍ حديديٍ حول خصرها يعوق إبتعادها
نظرت إلى سواد عينيه القاتل بـ زُرقتي عينيها المُرتعب بـ نظرات تُشبه الجراء..إبتسم أرسلان من زاوية فمه ثم همس بـ عبث
-كنتِ جاية تاخدي حمام مش كدا؟!…
نفت بـ رأسها بـ قوة إلا أنه دفعها إلى حوض الأستحمام ثم أردف بـ خمول ومكر
-يلا خُديه…
ضمت حافتي المئزر إلى صدرها وهمست بـ توتر
-بلاش هبل..إحنا بس هنستنى هنا لحد أما يرجعوا الأوضة وبعدين نطلع…
أقترب ليُحاصرها ثم همس بـجوار أُذنها بـ نبرةٍ أسارت القُشعريرة بـ جسدها كله
-بس أنا مش ناوي أطلع…
نظرت إلى عينيه العابثة بـ عينين مُتسعتين لا تعي ماذا يقصد..ولكن نظرة عيناه الثعلبية توحي بـ خُبث نيته
سهوًا أدار مقبض المياه لتنهمر فوقهما..شهقت سديم بـ فزع وحاولت الإبتعاد إلا أن يده أعاقتها..تبللت ثيابها وإلتقصت بها فـ ضمت يديها إلى صدرها وأخفضت رأسها أرضًا ولكن هذه المرة خجلًا وليس ذُلًا
إقترب أرسلان أكثر ثم وضع يده أسفل ذقنها ورفعه إليه
قطرات المياه التي تنهمر فوق شفتيها جعلت منها كـ حبة كرز ناضجة..حينها لم يعي وهو يقترب ليلتقط ما هو حقه الشرعي..حقه الحصري و فقط
نبضاتها بـ تلك اللحظة توقفت وأحست أن العالم يدور من حولها وهي تستشعر شفتيه القاسية تُقبل خاصتها بـ رقة لم تعهدها منه
ثوان لم تدم قُبلته سوى ثوان ليبتعد عنها..وضع جبهته فوق خاصتها والماء تُكمل اللوحة..جسدها ضربته البرودة والسخونة بـ ذات الوقت
لم تكن مُستسلمة لقُبلته بل الصدمة التي ضربتها جعلت منها أُثنى ضعيفة..همت الحديث ولكنه أردف بـ هدوء ناظرًا إلى عينيها
-إعتبريها لم تكن…
مسح شفتيها بـ إبهامهِ ورحل..تاركًا إياها أسفل المياه تمحو أثر قُبلته ولكن هل ستمحو أثر القُبلة عن روحها!!
بعد مرور ثلاثة أيام
كان هو بـ روسيا يهبط من الطائرة..أغلق أزرار سُترته الثقيلة ثم أكمل سيره
ترجل خارج الميناء الجوي ليجد سيارةً ما بـ إنتظاره..صعدها دون حديث لنتطلق به في صمتٍ لم يقطعه سوى صوت أرسلان القوي
-عملت اللي قولت عليه!
-أتاه صوت السائق:بالحرف يا باشا..مقدمتش ولا أخرت دقيقة…
أومأ أرسلان بـ فتور ثم نظر إلى ساعة يده..لم يتبقَ سوى ساعتين على اللقاء..تنهد بـ ضيق وذاكرته تسترجع تلك القُبلة مُنذ ثلاثة أيام..وحين خرج من المرحاض ترك المنزل ورحل..رحل مُبتعدًا عنها لا يستطيع أن يغفر ذلته
ثلاثة أيام أقامهم مع جميلة وكم بدت السعادة بـ عينيها..وهي لم تُحادثه أبدًا مُنذ ذلك اليوم..الأمور تتعقد وتتشابك..الأمور تخرج عن سيطرته وهو لا يُحب ذلك..فـ قرر الإبتعاد وإستعادة زمام الأمور مرةً أُخرى
أخرجه صوت السائق وهو يمد يده بـ شيٍ صغير
-إتفضل يا باشا…
أخذه أرسلان واضعًا إياه بـ جيب سترته ثم قال بـ جمود
-متخرجش من العربية سامع!
-أوامرك يا باشا…
بعد تسعون دقيقة
وصلا إلى المكان المنشود..وكانت عدة سيارات مُصطفة بـ تتابع مُنظم وذلك الرجل صاحب القُبعة يجلس فوق أحد المقاعد الحديدية وبجواره عدة رجال ذوي بنية قوية
ترجل هو من سيارته ليتقدم بـ خيلاء وثقة..ونظرات كـ السهام القاتلة تبثُ الرعب بـ النفوس
نهض الرجل وصافحه مُبتسمًا ثم قال
-لقد تأخرت دقيقتين عن الموعد
-إلتوى شدقه بـ سُخرية وقال:أعتذر..ستكون الأمرة الأخيرة على الإطلاق
-لا بأس..فـ لنبدأ العمل…
تحاور الأثنان بـ عدة موضوعات لزمن تراوح ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات حتى ختم أرسلان الحديث بـ نبرتهِ الخبيثة
-أعدك ألا أخطاء أبدًا
-إبتسم الرجل وقال:هذا ما أتوقعه منك…
إبتسم أرسلان شبه إبتسامة قاسية قبل أن يردف بـ جمود
-حسنًا لا داعي لقدومك إلى مِصر..سأُتمم الأوضاع من هُنا
-عقد حاجبيه وتساءل:كيف؟!
-همس أرسلان بـ فحيح:لا تقلق..أعدك سأُشعل النيران كما أشعلتموها بـ منزلي…
عقد الرجل حاجبيه بـ توجس إلا أن إبتسامة أرسلان التي إرتسمت وهو يُكمل حديثه جعلت الآخر يطمئن
-سأُشعلها بـ قوة ستعجز بلدي وبلدك عن إطفاءها..فـ لم أجني منها سوى الظُلم…
ثم رحل دون حديث آخر..صعد سيارته ولم تتحرك السيارة بل فتح أرسلان نافذته وراقب صعود الرجل الروسي سيارته الفارهه تبعه الأخرون ثم تحرك الأسطول بـ تنظيم
أخرج أرسلان ذلك الشئ من جيب سُترته ثم أمر السائق أن يتحرك..وما أن أصبح على مسافةٍ مُناسبة ضغط على الزر ليصدح خلفه سلسلة من الإنفجارات المُتتالية
الدُخان الأسود يتصاعد إلى عنان السماء..وَعَدَ بـ إشعال النيران وهو بـ العهد خيرُ وافي..تلك النيران لم تستطع إخماد ذلك الحريق المُشتعل بـ قلبه
قبض على جهاز التحكم ثم همس بـ نبرةٍ شيطانية
-السلسلة قربت تخلص..ونهايتك قربت يا نزار الكلب…
وعاد إلى بلده دون أثر