رواية إمبراطورية الملائكة بقلم/ياسمين عادل
<< إمبراطورية الملائكة >>
- الفصل الثامن :-
جلست “رفيف” على هذه الأريكة المريحة.. غاصت فيها، فـ اعتدلت لتجلس على طرفها.. ومن أمامها “فريدة”، نظرت بإتجاه “رائد” وقالت :
– روح انت نادي لجدك يارائد، وانا قاعدة معاها
نظر “رائد” بإتجاهها، ثم ردد:
– حاضر
ثم نادى بصوت مسموع :
– زهـور
لحظات لتحضر “زهور” بين يده، فأمرها بـ :
– أعملي لماما الشاي بالقرنفل بتاعها، وحضري لرفيف هانم فراولة باللبن
– حاضر يارائد بيه
ثم انصرفت بتهذيب، يبتسم لها “رائد” ويغمز بعينه اليمنى وهو يردد :
– أي خدمة يافراولتي، هطلع ونازل على طول
فـ أطرقت رأسها بخجل :
– ماشي
ينصرف “رائد” وعيون “فريدة” على تلك الجميلة الرقيقة التي لاحظت إنها لا تضع أي شئ من مساحيق التجميل، عيناها.. بشرتها، أنفها وشفتيها، وحتي حبات الرمال المنثورة على وجنتيها، كل شئ فيها جميل.. وحتى عبيرها المميز، ابتسمت “فريدة” وراحت تردد :
– كلميني عن نفسك يارفيف، قوليلي كل حاجة، عايزة أعرفك
……………………………………………………………
فضولها يأكل منها أكلا، ليس فضولًا فحسب.. بل غيظًا شديدًا أيضًا، تود رؤية هذه التي فضّلها “رائد” على ابنتها الوحيدة.. ولذلك لم تمكث في مكانها طويلًا، قررت أن تهبط للأسفل وتشترك في هذه الجلسة ومحاولة تعكير صفـو الجميع..
ولجت لغرفة الجلوس الفسيحة، خطى متثية نحوهم.. ترى فريدة طيفها ولكن لم تعيرها إنتباهًا، بينما يواجهها ظهر “رفيف” فلا تتمكن من رؤيتها إلا عندما التفت حولهم وجلست :
- صباح الخـير
فأجابت “رفيف” ومازالت إبتسامتها تنير وجهها :
– صباح النور، حضرتك طنط ميسون صح؟
فـ تجهم وجه “ناهد” فجأة عقب هذا التشبيه، وقبل أن تجيب بفظاظتها.. بادرت “فريدة” :
– دي طنط ناهد يارفيف، مرات عم رائد
تنهدت “ناهد” بقنوط وهي توجه حديثها لـ “فريدة” :
– إيـه طنط دي يافريدة انتي كمان؟
ثم نظرت بإتجاه “رفيف” و :
– متقوليش طنط ياحببتي
ثم هبطت بناظريها نحو ثيابها، تقوست شفتيها بعدم إعجاب.. لاحظت “رفيف” نظراتها الموحيه، فنظرت حيث تنظر هي، لتشعر ببعض من الضيق.. ولكن سرعان ما تقول ” فريدة” وهي تستمع لدقات العكاز على الأرضية :
– دا صوت عصاية عمي
تلتفت رأس “رفيف”.. لتجد العجوز الذي تملك الشيب من رأسه ولحيته وشعيرات حاجبه، تقف بإستقامة، بينما “فاروق” مدققًا نظراته عليها يشملها بتفحص، علت البسمة مبسمه وهو يقترب منها ببطء يصاحبه عرجه بسيطة.. ومن خلفهُ تسير زوجته “ميسون” و “رائد”، حتى أصبح أمامها.. استشعر قلقها الطبيعي، فمد يده المجعدة وعليها خطوط الزمن وقصص تحكي عن نفسها؛ ليصافحها.. فوضعت كفها الصغير بين يديه ليقول هو بإعجاب شديد :
– إيـه الجـمال دا يارائد؟
فـ ابتسمت وهي تقول :
– أزي حضرتك ياجدو؟
فـ زادت ابتسامته وهو يرد بـ :
– جدو بقى كويس أوي لما شافك
حمحم “رائد” ووقف بجوارها، سحب كف “رفيف” الذي أطبق عليه الجد “فاروق”.. ثم ردد ممازحًا :
– دي تبعي أنا ياجدي، تبعي هه
فضحك “فاروق” وهو ينتقل نحو المقعد المميز الذي يجلس عليه فقط.. جلس الجميع، “رائد” بجوار “رفيف”، والبقية منتشرون.. تملّت “ميسون” من ثوبها البسيط الأنيق في آنٍ،فـ مالت “ناهد” على “ميسون” الجالسة بجوارها معتقدة أن رأيهن مماثلًا، ثم همست لها وهي تبتسم بسخرية :
– إيه اللي هي لابساه دا! ملقتش حاجة أشيك من كدا؟
افتر ثغر “ميسون” ببسمة رقيقة، قالت وهي تتودد إليها :
– فستانك جميل أوي يارفيف، مشترياه منين؟
فـ اتسعت إبتسامتها وقد زادت حماستها، ثم قالت بوداعة ونية صافية :
– دا تفصيل ياطنط مش جاهز، لو عجبك ممكن أفصلّك زيه
ارتفع حاجبي “فاروق” بتعجب وسأل :
– انتي بتعرفي تفصلّي يارفيف؟
– آه، على قدي كدا ياجدي
فقالت “ميسون” بتحمس :
– رائع، أنا بحب البنات المجتهدة اللي زيك
فتمتمت “ناهد” بإنزعاج :
– صحيح عيلة بنت ####.. كلهم منافين ولاد ###
شملهم “فاروق” قبل أن يقول :
– سيبوني مع رفيف لوحدنا، عايز أقعد معاها شوية
توجس “رائد” من ذلك، فقال وقد بدا واجمًا :
– بس ياجدي……
– رائد، أنا قولت سيبوني معاها
زوت “ناهد” شفتيها، ثم نهضت لتسير نحو الخارج.. والبقية أيضًا، كان “رائد” آخر الخارجين.. بينما عيني “رفيف” ترجوه أن يبقى، ولكنه لن يستطيع كسر كلمة جده.. أوصد الباب عليهما بهدوء شديد، ثم وقف بقلق ينتظر ماذا سيحدث بعد.
……………………………………………………………
نظرت “إيمان” إليهم بعدم برضا.. وتركت قهوتها الساخنة التي يتطاير منها بخار ساخن، وقالت بصوت مرتفع قليلًا :
– رفيف إيه دي كمان؟.. يعني إبنك يتجوز الجوازة اللي مزاجك ومزاجه يافريدة وانا أبني اللي يلبس في الحيط!
فـ تستنكر “ناهد” هذا الأسلوب الذي يمس ابنتها بشئ.. فـ اعتدلت في جلستها وهي تقول بنبرة عنيفة :
– والله إبنك اللي ماسك في بنتي، بيري قالتله مش عايزاك وهو برضو مش بييأس
فرفعت “إيمان” أنفها المتعجرف عاليًا وهو تبرر بالكذب :
– إبني مش عايز يزعل جده
فأجابت “فريدة” بنبرتها المتعقلة :
– الجواز مفيش فيه مراضية ياإيمان، لو مكنش طارق مقتنع ببرديس مكنش طلبها من عمي، وبعدين أبني حر يختار حياته زي ما هو عايز
عقدت “إيمان” حاجبيها بإستنكار ورددت :
– انتي بتقولي كدا عشان البت دخلت دماغك، ذنبي إيه إبني يدبس في جوازة مش عجباني!
فوقفت “ناهد” عن جلستها فجأة وقد تناثرت شرر الغيظ من بين عينيها وهي تقول :
– هو انتي ولا ابنك تطولوا جوازة زي دي، ولا ابنك المحروس يطول بنت زي بنتي.. أنا كمان مش عاجبني ابنك ومش موافقة عليه، لكن حكم القوي بقى
ثم تركتهم وغادرت عقب مناقشة حامية بينهن.. تراقب “ميسون” ما يحدث بتحفظ شديد.. ثم قالت گتعقيب :
– فاروق لو سمع كلامك ياإيمان، هيزعل أوي.. وانتي عارفه زعله كويس
ثم نهضت هي الأخرى.. بينما قد انصرفت “فريدة” منذ وقت، فبقيت “إيمان” وحدها، ضربت بقبضتها على ذراع المقعد وهي تقول :
– مفيش فايدة، يعني إيه الكلام دا؟ لو بنت عاصم وافقت يبقى انا وابني لبسنا الجوازة!! .. أوووف
……………………………………………………………
كانت المائدة تتجهز من أجل إستقبال هذه الضيفة الغالية بتوصية من “فاروق” بنفسه.. الجميع اتخذ محلهُ على المائدة، جلست “رفيف” بجوار حبيبها ذلك الذي تعشقه.. يتحدث إليها بخفوت شديد، لاحظهم الجد وهو يتقدم من مقعد رأس المائدة، فقال عابثًا :
– ريح نفسك يارائد، رفيف مش هتقولك أنا كنت بقولها إيه
ضحكت “رفيف”، بينما قال “رائد” :
– مسيرها تعترفلي ياجدي ، سر رفيف مش بيختفي أكتر من ٣ ساعات
دخل “عاكف” للغرفة، لم يلحظ وجود فرد جديد على المائدة.. اتجه نحو والده، ثم قبّل كفه وقال :
– مساء الخير يابابا
– أقعد ياعاكف، بس شوف مكان تاني عشان مكانك خدته مرات ابنك المستقبلية
كانت تلك هي الطريقة التي نشر بها “فاروق” خبر موافقته على زيجة “رائد” ومباركته لها، ابتهج “رائد” و”فريدة”، بينما غطى الخجل وجه الجميلة.. تلك الملاك الوحيدة بين الحاضرين، نظر “عاكف” نحوها نظرات شزره.. تأملها فلم تروق له البتة، فقال بإعتراض :
– بس انا مش بحب حد يقعد في مكان يخصني
تجهم وجه “رائد” وهو يقول بصوت حازم :
– بــابـا!
واستطرد “فاروق” :
– عـاكف ،شوف كرسي تاني تقعد عليه على طول، عشان المكان دا بقى بتاع رفيف خلاص.. مكانها جمب رائد
زفر “عاكف” زفيرًا محتقنًا وهو يبحث بعينيهِ عن مقعد آخر، “عاصم” غائبًا عن الحضور.. “برديس” تركت القصر منذ الصبيحة وعقب رؤية “رفيف”، “طارق” لم يحضر بعد.
بدأت الخادمات بتوزيع الطعام في الأطباق المرصوصة بإنتظام، والجميع بدأ يتناول طعامه.
أما هي، كانت في وادٍ آخر.. سيكون لها أكثر من كاره في هذا القصر، وحتي والد “رائد”.. هذا الأمر يؤرقها ويفسد سعادتها التي منحتها إياها الحياة، ولكن وجود هذا الذي أهداها إياه الوهاب يجعلها تتحمل أي شئ.. وتلك الحنون الرقيقة التي تكون والدتهِ، وقد أغدقت عليها بحنان وعاطفة لم يسبق أن رأتهم في امرأه..
شعور آخر ينتابها، ثمة كئابة في هذا القصر الكبير والفخم والمرفه، شُقة عمها البسيطة التي لا تحوي الكثير من الأثاث أجمل لديها من هذا المكان، وكأنك تدخل مقبرة، فيضيق عليك صدرك وتشعر بالوحشة.. هكذا شعرت.
- خلاص اتفقنا؟
قالها “رائد” وهو يقف أمام باب القصر العريض وهي تقف قبالته.. فقالت :
– اتفقنا، هكلم عمي النهاردة وابلغه إنك جاي آخر الإسبوع دا
كانت خصلاتها الشقراء على كتفها، لمس ملمسها الناعم.. ثم أزاحها للخلف وهو يقول :
– هدخل اجيب المفاتيح واجي، مش هتأخر
– ماشي
دلف للداخل وبقيت وحدها، لتتفاجئ به يأتي من خلفها ويقول :
– اسمعي يا…..
التفتت لتجد “عاكف” خلفها، فلم تظهر ضيقها من أسلوبه الفج في التحدث إليها.. وأجابت :
– أسمي رفيف
تقدم منها، وملامحه غير مبشرة على الإطلاق.. ليقول :
– اسمعي يارفيف، انا عارف إن ابني حبك.. بس دا مش سبب كافي يخليني أوافق على اللي بيحصل و…..
– عـــاكف!
يقطع “عاكف” حديثه فجأة، يتنهد بسئم.. يلتفت برأسه.. فيجد تلك النظرات المشتعلة التي يحفظها من زوجته عن ظهر قلب، لتقول بعد ذلك :
– تعالي وصلني أوضتي، رائد مش فاضي
فقال وهو يزفر بإحتقان :
– أدخلي وانا جايلك يافريدة
– لأ، هتيجي دلوقتي
عاد “عاكف” ينظر لهذه الفتاه التي بدأت تخشاه فعليًا.. ثم تحرك ليدفع مقعد زوجته بحركة منفعلة نحو الداخل، بينما وضعت “رفيف ” يدها على صدرها تتنفس بإضطراب.. وتفكر مليًا، ماذا ستفعل مع هؤلاء الذين يستحقرون شأنها ويقللون منها!
……………………………………………………………
يفتح “عاكف” باب غرفته، فتدفع “فريدة” مقعدها بنفسها وهي تردد بنبرة قوية :
– أدخل واقفل الباب، عايزاك
فيدخل “عاكف” ويصفع الباب، تلتفت فريدة بمقعدها لمواجهته بنظراتها النارية وهي تردف :
– أنت عايز إيه من أبني؟
فـ استنكر “عاكف” أسلوبها و :
– دا ابني أنا كمان، ومن حقي اساعده يختار اللي هتكمل معاه حياته
فـ احتدم صوتها قائلة :
– لأ مش من حقك، حياة ابني هو اللي هيختارها، ومش هسمحلك تتدخل فيها تاني
– فـــريدة!
فتابعت دون أن تخفض صوتها :
– أسمـع ياعاكف، مش هسمحلك تضيع إبني زي ما ضيعت ابني التاني مني زمان.. انت متهمنيش، لو جوازنا مستمر فـ دا عشان خاطر رائد وبس.. انت ميت بالنسبالي من ١٥ سنة، لكن لو هتيجي على حياة إبني، أنا ممكن أهد المعبد على اللي بانيه..
أنا ما صدقت قابل الإنسانة الصالحة اللي هتبعده عن سكتك.. هتصلح من جواه وتخليه نضيف، انما انت لوثته، وسخته زي ماانت و**
كانت عيونه مرابطة عليها، لا يصدق هذه الجسارة التي تتحدث بها الآن.. لم يقوَ على الـرد، فهي تملك ما يُدينه، وقد صمتت عنهُ لسنوات طويلة.. ولكن ها قد حان موعد إستخدام هذه البطاقة الرابحة.. كي يخضع ويكنّ
……………………………………………………………
كانت الغرفة مظلمة عندما وطأتها “ناهد”.. أغلقت الباب وضغطت على زر الإنارة لتُضاء الغرفة، وإذ بـ”فريدة” تجلس بمقعدها بوسط الغرفة.. صرخت “ناهد” بفزع وكتمت شهقاتها ، زادت دقات قلبها.. توترت لرؤيتها في هذه الساعة بغرفتها على غير المعتاد، وتسائلت وهي تبتلع ريقها :
– دخلتي هنا ازاي؟
رمقتها “فريدة” بخبث وهو تردد :
– زي ماانتي دخلتي بيتي زمان، وسرقتي روح أبني من قدامي.. وخلتيني عاجزة ومشلولة بقيت حياتي…………………………………….