رواية إمبراطورية الملائكة بقلم/ياسمين عادل

<<إمبراطورية الملائكة>>

الفصل الـثاني والعشـرين :-

ابتسم العميل من زاوية فمهِ مستنكرًا رغبتها في الإدعاء ، وقد فطن للسبب بديهيًا :
– آه، يعني عيزاني أمثل إن مفيش أي مشكلة قدام الأستاذ اللي داخل دلوقتي!!.. ليـه بقى، هو صاحب المحل وخايفة أتسبب في قطع عيشك من هنا ؟

نظرت إليه بإستهجان وهي تجيب :
– لأ طبعًا، المحل دا بتاعي أنا.. ولو حضرتك مش عايز عادي جدًا

مط شفتيه وقد وجد الأمر في صالحهِ، وقال بخفوت :
– ماشي ، طالما هتعمليلي بوكيه جديد موافق

تركت “رفيف” هذه الباقة الحمراء جانبًا وبدأت في إعداد أخرى وكأن شيئًا لم يكن.. تمثلت بسمة وديعة على ثغرها وكأن الرضا قد غمر قلبها، ليدلف “رائد” في هذه اللحظة.. جاب أعلى الرجل وأسفله بنظرات متفحصة ثم انتقلت أنظاره عليها، قد تغييرت تعابيرها العابسة الضجره.. انتظر لحظات لتفرغ من عملها ، وهى تتأنى بكل تفصيله متعمدة ذلك..
ضجر “رائد” وتأفف بنفاذ صبر وهو يدس كفيهِ في جيبي بنطالهِ ، حتى وجدها تتقدم من الرجل وتبسط ذراعها له بباقة ورد بديعة رائحتها منتشرة في المكان ، ابتسمت بتزييف وهي تناوله بطاقة المتجر قائلة :
– happy valantine day

تناولها منها بإعجاب شديد وهو يردد :
– تسلم إيدك ياآنسه، جميلة جدًا.. إن شاء الله ميكونش آخر تعامل بينا ، وطالما في تغليف هدايا هنا كمان يبقى هجيلك تاني

فـ ابتسمت وهي تجيب :
– المحل تحت أمرك يافندم ، نورتنا

كز “رائد” على أسنانه مغتاظًا، ليتابع هذا السمج حديثه :
– زوء حضرتك في الألوان كمان حلو جدًا و…….

قاطعه “رائد” بفظاظة وغلظة :
– مش كفاية كدا ولا إيه؟!.. طالما استلمت الطلب بتاعك اتفضل مع السلامة

حدجه العميل بنظرات مستفزة وهو يردد :
– في حاجه حضرتك ؟.. أنا مكلمتش معاك ، أنت مين عشان تكلمني إساسًا ؟

فقال “رائد” محاولًا التمسك بإنفعالاته كي لا يصبح متجرها ساحة للعراك الآن :
– أنا جوزها، وبقولك امشي من هنا

فتدخلت “رفيف” وقد تحامى داخلها عقب عبارته الأخيرة :
– انت مش جوزي ، وقولتلك قبل كدا أنساني وانسى إن يكون في بينا حاجه تاني

وزع العميل نظراته عليهما وهما يتعاركان.. حيث صاح فيها “رائد” :
– وانا قولتلك أنسيها، لو ابوكي نزل من السما أنا مش هطلقك

حمحم العميل وهو يردد :
– طب عن أذنكم أنا

لم يستمع أيًا منهم له،. حيث تعالت أصواتهم :
– محكمة الأسرة موجودة ، وانا ممكن أبهدلك بالقانون لو مطلقتش بالزوء

يتوجه العميل بذهول نحو باب الخروج وهو متابعًا لهم، حيث همس بإندهاش :
– دا الموضوع كبير أوي!.. أدي أخرة الجواز ، بهدلة وشحططة في المحاكم ونفقة وعيال، الواحد من أولها يلحق ينفد بجلده قبل ما يدبس التدبيسه الكبيرة

زفر “رائد” بسأم وهو يردد بصوت هادئ وقد أجبر نفسه عليه :
– رفيف ياحببتي، أنا مديكي العذر في المرحلة اللي وصلنا ليها.. عارف إني غلطت، بس دي أول غلطة ليا معاكي

اقترب منها ، سحب كفيها.. فـ اجتذبتهم منه بعنف وهي تردد :
– أطلع بـرا يارائد

فـ مدّ أنامله يتحسس وجهها وهو يهمس بصوتهِ الخفيض :
– أغفريلي أول غلطة، وأوعدك مش هتتكرر

أطالت صمتها وهي تتعمق النظر لعينيهِ وهي تكافح جاذبية عيون البحر خاصته.. واللاتي يجتذبناها لعالم أزرق مكون من سماءٍ وبحر ، لم يترك الفرصة تضيع هباءًا.. ألصق شفتيهِ بأنفها وهو يخنتم :
– النهاردة تاني عيد حُب لينا، متضيعيش الفرصة دي مننا يارفيف، أنا بحبك حُب محبتهوش لمخلوق على الأرض

أعتقد صمتها إستسلامًا له، وموافقة منها على بداية جديدة ناصعة البياض.. ولكنها كانت في أضعف حالتها ، تحتاجه وتدفعهِ بعيدًا بآن واحد.. كاد يلتهم شفتيها الصغيرتين بين شفاههِ متذوقًا إياها بنهم ، ولكنها أشاحت وجهها بعيدًا وهي تردد :
– لو فعلًا حبتني أبعد عني، متحاولش محاولات فاشلة مش هتجيب نتيجة معايا.. إحنا مينفعش نكمل سوا.. خلاص، في حاجه حلوة اتكسرت

فأسرع بقول :
– نصلح اللي اتكسر سوا

فرفعت عيناها الرمادتين اللاتي تشبه سحابتين مغيمتين بالدموع لتقول بـ عزّة :
– اللي اتكسر مش بيتصلح، اللي اتكسر بيترمي يارائد

ثم انسحبت من أمامهِ لتكون بعيدة عنهُ.. ظل متصلبًا بمكانهِ بضع لحظات، حتى وقعت عيونه على باقة الورد الحمراء.. خطى نحوها والتقطها ، ثم غمغم :
– شكرًا على الورد

التفتت لتنظر إليه، فإذ به يأخذ الباقة وينصرف.. لم تستوقفهِ حتى لا يكون على عاتقها حمل حديث آخر معهُ.. حكّت عنقها بإنفعال ، وتحسست سخونة أنفها التي تأثرت بفعل أنفاسهِ التي لمستها.. أغمضت عيناها لتنسل دمعة حارقة وهي تهمس :
– ربنـا يسامحك

……………………..……………………..………..

برر عامل البوفيه موقفه قائلًا :
– والله ما اعرف حاجه يابيه، زي ما أمرتني روحت جبته وجيت.. ولا فتحته ولا اعرف جواه إيه حتى

فقذف “عاصم “المظروف” في وجههِ عقب أن دس فيه الأوراق مرة أخرى و :
– خـد رجـعهُ كـتك نيلـه علـى خبيتـك

تناوله العامل بسرعة ودسه مرة أخرى.. ثم استعد لمغادرة الغرفة بإرتباك ملحوظ، زمجر “عاصم” بصوت مكتوم ثم ردد :
– أكيد عرف قبل مني، عـرف إبن الخـدامة وانا لسه معرفش

قذف “عاصم” أحد مقاعد الطاولة الكبيرة بإنفعال وهو يصيح :
– ليه بتعمل كدا يابابا! لــــيه؟!

تجمع بعض موظفوا الشركة أمام غرفة الإجتماعات يسمعون لهذه الأصوات الغريبة الآتية من الداخل.. حتى حضر “عادل” ورأى هذا الحشد، فـ جأر بصوت مرتفع :
– إيـه اللي بيحصل هنا بالظبط؟

تفرق الجميع على أثر صوتهِ، عدا “حنين” التي قالت :
– آ.. مستر آ عاصم ، تقريبًا يعني آ.. هو متعصب شويتين

أشار لها “عادل” لتنصرف.. ثم فتح الباب فجأة ليجد أخيه على تلك الحالة الثائرة، لم ينبث كلمة واحدة.. بل تطلع إليه بفتور.. ثم أغلق الباب وانصرف، غير عابئًا به.
انتقل حيث غرفة “رائد” فـ رآه يدخل لحجرتهِ ممسكًا بباقة من الورود الحمراء.. فـ ابتسم متيقنًا من ذوبان الجليد بينهما، ودلف من خلفه وهو يقول :
– نقول هابي ڤلانتين داي ولا إيـه!

ترك “رائد” الباقة بجواره على سطح المكتب، وقد أفصحت ملامحه عن الوضع السئ الذي هو فيه.. تفهم “عادل” ذلك ، فـ عاد يقول :
– كله هيتحل يا رائد، قولي روحت لجدك النهاردة ؟

أومأ برأسه إيجابًا و :
– عديت عليه، والدكتور لسه بيقول إن الحالة ميئوس منها.. أنا خايف عليه أوي ياعمي

وكأنه وضع ملحًا على جرحهِ فـ اشتعل إحتراقًا وتألمًا.. جلس “عادل” قبالته وهو يردد :
– أبوك وعمك مسافرين كمان يومين، تخيل كدا إيه اللي هيحصل

ابتسم “رائد” بسخرية وهو يردد :
– يعني جدي حط البنزين جمب النار وسابنا ودخل في غيبوبة.. أنا متوقع إن الإتفاقية دي مش هتتم أساسًا، وإحنا مش هناخد التوكيل البولندي دا.. وبكرة أفكرك ياعمي

ثم قال ساخرًا :
– دي إمبراطورية ملعونة ياعمي، أمي حكتلي عن مصانع الحداد اللي كانت بين جدي وأخوه شقيقه.. لدرجة إنه مات مقهور على ورثه اللي ضاع، شوف ربك بيسيب ومبينساش.. النهاردة فاروق العامري عاش وشاف عياله وهما بياكلوا في بعض ، بعد اللي عمله في أخوه.. أنا ساعات بحمد ربنا إن ماليش أخوات ، أكيد ربنا رحمني من خطايا كان ممكن ارتكبها بحكم الوراثة

……………………..……………………..…………

جلست على مقعدها بحديقة القصر.. مرتدية ثيابها ومستعدة للذهاب إلى المشفى.
كانت تراقب حركات الصبي “سعد” وهو يعمل على تنظيف الجانب الشرقي من الحديقة.. وعندما شعرت إنه فرغ نادت عليه بصوتها الرنان :
– ســعـد

فـ ركض الصبي نحوها وهو يضحك ملء شدقيه.. ثم توقف أمامها وهو يلهث :
– نعم ياستي

قطبت “فريدة” جبينها وهي تردد :
– مش قولنا بلاش ستي دي ياسعد!.. قول ياطنط فريدة
– حاضر

ربتت على ذراعهِ وهي تقول :
– مبسوط هنا ؟

أجفل “سعد” عيونه بحرج منها وهو يقول :
– أنا لو بوست أيدك ورجلك هيبقى شوية ، انتي رحمتيني من نوم الشوارع وأكل الزبالة و الشحاته من الخلق ، عملتيلي فرشه أنام عليها ولقمه أكلها.. ربنا يراضيكي ياست هانم، قـ قصدي ياطنط

ابتسمت “فريدة” وهي تسأله :
– قوليلى ياسعد، بتعرف تقرا وتكتب ؟

فأشار رأسه سلبًا بخزي، لتقول هي :
– أنا هعلمك ، هجيبلك مدرس يعلمك القراية والكتابة واللغات والقرآن.. خلاص من النهاردة انت مسؤليتي، بس تسمع كلام كل الموجودين هنا، وأي شغل يطلب منك تعمله
– من عنيا

ترجل “رائد” عن سيارته وتركها للحارس كي يصفّها.. رأى والدته من مسافة بعيدة، فتوجه ناحيتها ليرى هذا الصبي الذي بدا في الحادية عشر من عمره، عقد ما بين حاجبيهِ بإندهاش حتى وقف قبالتهم.. وأردف :
– مساء الخير ياماما

وانحنى يُقبّل رأسها، فـ ابتسمت بوجهه و :
– تعالى يارائد لما اعرفك، سعد.. هيشتغل هنا مع الخدم.. هتحبه أوي يارائد

صافحه الصبي ، فلم يتردد “رائد” في مصافحتهِ.. ثم استأذنهم :
– هروح انا اكمل بقى

وتركهم.. ليملأ الفضول وجه “رائد” وهو يسأل :
– مين دا؟
– دا ولد غلبان أوي لقيته في الشارع، جيبته يعيش هنا وأهو ياخد باله من طلباتي

ارتفع حاجبي “رائد” غير مصدقًا :
– جبتيه منين!! من الشارع ؟!.. واحنا نعرفه منين عشان نعيشه معانا!.. وبعدين شكله مش بتاع شوارع خالص
– أنا أمرتهم يلبسوه ونضفوه الأول ، وبعدين متقلقش الولد مؤدب.. ملهوش أب ولا أم، استحرمت أسيبه في الشارع

تأفف “رائد” من سذاجة والدته، ثم ردد :-
– دول ليهم مؤسسات بيتحطوا فيها ياماما ،مش أي حد تعيشيه وسطنا كدا

تذمرت “فريدة” وهي تتابع :-
– طالما إحنا ناس قادرين نعمل الخير يبقى نعمله صح.. أنا مش ضامنه لو سيبته في مؤسسة يعاملوه ازاي.. ممكن يكبر ويبقى مش سوي ، وبعدين أنا تكفلت بيه خلاص.. مقولتش هسميه على أسمي

ثم أشارت للأعلى و :-
– أطلع غير هدومك عشان توصلني أنا وسعد عند جدك.. وبعدها تقدر تروح غداء العمل بتاعك، على الأقل دلوقتي في حد يعوضني عن غيابك

استدار “رائد” برأسه ليتطلع للصبي، فوجده يمارس طفولتهِ ويلعب بالمياه أثناء روي الأشجار..
لم يطيل النظر إليه ، وإنما صعد لغرفته عقب أن لاحظ بداية تعلق قلب “فريدة” بالصبي.. وكأنهُ تعويض الله لما فقدتهِ.

……………………..……………………..…………….

طردت “ناهد” الدخان من صدرها عقب أن سعلت بشدة.. ثم نظرت إلى “عاكف” غير مصدقة و :
– بتكلم جد ياعاكف ؟!

كان “عاكف” يهز ساقهِ بإنفعال وهو يجيب بـ :
– طبعًا بتكلم جد، ياعالم مخبي إيه عشان يخاف عليه بالشكل دا

ثم التفت ينظر إليها و :
– أنا ابتديت أشك إن فواز عارف كل حاجه ومتفق مع ابويا كمان

دعست “ناهد” سيجارتها وهي تزفر بحنق قائلة :
– أبوك خلاص مش هيخرج منها سليم المرة دي، بس انا مش عارفه هو طول ليه! ما يتكل على الله ويسبب مكان لغيره بقى

نهض “عاكف” عن جلستهِ وسار نحو المطبخ وهو يقول :
– أنا هعملي كاس، أعملك معايا ؟
– لأ، أنا هنزل اروح المستشفى عشان زمان عاصم هناك.. وانا مش عيزاه يلاحظ غيابي

فتوقف وغمز لها :
– ما قولتلك نفضي النهاردة ونخلي الليلة لينا

فـ ضحكت ضحكة مرتفعة وهى تقول :
– ياريت كان ينفع، خليها بعدين

نهضت عن مكانها وسارت متثنية نحوهِ وهي تردد :
– هختارلك يوم لوحدك واقضيه معاك

ثم استندت بذراعيها على كتفه لتلهب رغبتهِ الذكورية فيها :
– بعيد عن قرف العيلة دي، لوحدنا

فـ لم يطيق صبرًا، حيث حشرها في زاوية وهمّ يُقبلها بعنف تحبهُ.. وقد زحفت يداه على جسدها تستكشف كل ما يُطال باليد، مستسلمًا لشهوتهِ الحـارقة.

……………………..……………………..……………

كانت “رفيف” في غرفتها.. مستعدة لأن تعود لمتجرها مرة أخرى عقب أن بدلت ثيابها التي اتسخت بفعل تنظيف المتجر.. لملمت شعرها بعدم اهتمام وسارت للخارج ، استوقفتها “ندى” :
– ما كفاية كدا يافيفي شغل النهاردة
– النهاردة موسم ياندى، عيد الحب دا الموسم بتاع الورد والهدايا.. يعني مينفعش أقضيه في البيت

رنين جرس الباب دفع “ندى” لفتحه.. لتجد فتاتين وشاب.. متأنقين ف ثيابهم وهيئتهم، يحملون صندوقًا كبيرًا.. تحدثت إحداهن برقي :
– مساء الخير يافندم، مش دا منزل رفيف عبد المنعم ؟

فنظرت “ندى” لـ “رفيف” التي تقف خلفها قبل أن تجيب :
– أه هو
– طيب دا الطرد بتاعها، ممكن ندخل

فـ تقدمت “رفيف” تسألهم بعدم فهم :
– طرد إيه دا ؟ أنا مطلبتش حاجه ؟؟

فـ ابتهجت الفتاه وهي تدخل للداخل قائلة :
– أنتي بقى العروسة، ألف ألف مبروك.. متقلقيش ، إحنا هنشوف بس الفستان جاي مقاسك ولا محتاج تظبيط تاني.. أدخلوا ياجماعة

فـ استوقفتهم “رفيف” بشكل فظ وقد تفهمت ما يحدث :
– أنا مش عايزة فساتين و….

قاطعتها “ندى” :
– ميصحش كدا يافيفي

فأكدت الفتاه :
– فعلًا ميصحش، أكيد عروستنا قلقانه شوية.. عادي دي اضطرابات عادية وهتروح لحالها

ثم سألت “ندى” :
– فين أوضة العروسة ؟
– آخر الطرقة دي

فأشارت لزميلتها :
– تعالي ياسلمى جوا ، وانت استنى هنا يامحمد

سحبت الفتاه “رفيف” بتودد وكأنها تعرفها منذ زمن، ولم تكفّ عن ثرثرتها أثناء اقتيادها نحو الغرفة :
– دا عادي يحصل لأي عروسة، وعلى فكرة الفستان طالع أحلى من تصميمه الأصلي ومستر بيتر المدير اشتغل عليه بنفسه

فتحت الفتاه الباب ودفعت “رفيف” التي مازالت تحت تأثير الصدمة للداخل وهي تقول :
– أدخلي ياحببتي، يلا ياسلمى

ولجن للداخل وبدأت “سلمى” بإخراج الفستان من صندوقهِ.. بينما قامت الأخرى بمساعدة “رفيف” لإنتزاع ثيابها وهي تردد :
– كمان عملنا تفصيلات شيك جدًا على الكمام، هتلاحظي بنفسك قد إيه الفستان رائع

قاومتها “رفيف” وقد بدا عليها الإنفعال وهي تقول :
– أنا مش هقيس حاجه ولو سمحتي خدي الفستان دا وامشوا من هنا

فأجابت الفتاه :
– حاضر يافندم، مجرد ما نتأكد من القياس المظبوط هنمشي حالًا

وتابعت تجريدها من ملابسها العلوية فقط، والأخرى بادرت بـ إلباسها الفستان بسرعة.. وهي ما زالت في غفلة من ثرثرتهن وسرعتهن بالعمل،. وبالفعل ارتدت الفستان وأحكمن عقد خيوطهِ من الخلف، نظرت إليها “سلمى” بإعجاب شديد.. ثم اجتذبتها نحو المرآه وهي تقول :
– ما شاء الله الفستان روعة عليكي، أنا هنادي قريبتك تشوفه

وأسرعت للخارج.. بينما وقفت “رفيف” تتطلع لحالتها أمام المرآه ما بين السعادة والبؤس.. الحزن والبهجة ، لو كان الحال غير ذلك لـ حلقت في أعالي السماء بسعادة شديدة.. دلفت “ندى” لترمقها بنظرة خاطفة قبل أن تشهق بإنبهار وتقول :
– إيه دا!! Wow.. دا تحفة أوي ، انتوا عرفتوا تصلحوه؟
– لأ يافندم، إحنا خدنا التصميم القديم واشتغلنا على واحد copy منه عشان يطلع بنفس الشكل، بس زودنا فيه شوية حجات بسيطة

فـ اقتربت منها “ندى” والتفتت حولها وهي تردد :
– دا أحلى بكتير يافيفي، مبروك عليكي ياحببتي

فصاحت فيها “رفيف” بصوت گالصراخ :
– مـبروك على إيه ياندى!! هه.. على إيـه؟

غمزت “سلمى” لرفيقتها وهي تردد :
– كدا إحنا خلصنا ، نقلعك بقى عشان الفستان ميتكسرش أو يكرمش منك

وبدأت في مساعدتها لإنتزاعهِ من جديد، وهذا ما استغرق وقتًا منهن على عكس إرتدائهِ.. ثم وضعوه بشكل محترف في صندوقهِ عقب أن غلفوه، وتركوه جانبًا وبصمت.. وخرجن للخارج ، حيث همست إحداهن للأخرى :
– دا مش توتر قبل الفرح أبدًا، دي مشكلة كبيرة جدًا بينهم.. كويس إن مستر رائد بلغنا قبل ما نيجي عشان نقدر نتعامل

فقالت الأخرى ردًا عليها :
– هو رائد دا في واحدة تزعل منه!! ، دي بت غبية.. طب تسيبهولي بس وانا أحب فيه طول عمري

وتعالت ضحكاتهن أثناء الخروج من المنزل.. حتى هبطن درجات البناية ووقفت “سلمى” تتحدث في الهاتف أمام العقار القديم :
– كله تم يامستر رائد.. فعلًا كانت Nervous (عصبية) بس إحنا اتعاملنا معاها ، تمام.. باي

ثم هامت الفتاه عقب أن أغلقت ورددت :
– ولا صوته! يـجنن.. آه يابنت المحظوظة

فنهرهن زميلهم وهو يهتف :
– أتلمي انتي وهي ويلا اركبوا عشان نخرج من الحتة الـ local دي.. مش عارف واحد زي رائد العامري يرتبط بواحدة من السلالات العاشرة ليه ؟

فضربت “سلمى” على كتفه بمزاح وهي تردد :
– الحـب ياعديم الحُب

واستمرت قهقاتهن وهن يستقلن السيارة،. بينما رأتهم “دريّة” وهي تدخل بنايتها وتغمغم بإنزعاج :
– الأشكال المايعة دي جاية منين؟.. داهية لـ يكونوا نازلين من بيتي ، ما هو صحيح إن غاب القط ألعب يافار!

……………………..……………………..……………..

  • ياجماعة حرام ، بقولكم مفيش جديد والأجهزة اللي حاطينها دي بتعذبه مش أكتر.. فاروق بيه يعتبر ميت بقاله أسبوع

فـ هدر فيه “عادل” وكاد ينقض عليه يبرحه ضربًا موجعًا لولا تدخل “طارق” ليكون بينهما :
– قولتلك مش هــنشيل الأجـهزة، أنا مدخل أبويا هنا وبصرف عليه من جيبي مش جيب أهلك!.. يعني أنا اللي أقرر أمتى تشيل وأمتى متشيلش

عاد الطبيب خطوة للخلف تفاديًا لعدائية “عادل” ثم ردد مخليًا مسؤليته :
– براحتك ياأستاذ عادل، أنا قولت كدا لمصلحة المريض لأني شايفه كل يوم بيتعذب.. عن أذنكم

وسار من بينهم ، تعقبته عيون “عادل” المشتعلة حتى لمح بكاء “برديس” الصامت.. فنهرها بعنف شديد:
– متعيطيش، جدك هيقوم ويرجع أحسن من الأول

ثم أشاح وجهه بعيدًا وهي يصيح :
– ولو عايزة تعيطي أبعدي من قدامي أنا مش متحمل

وضغط بكلتا يديه على رأسه لـ يُخرس هذا الألم المتشعب في خلاياه.. ثم تهدل بكتفيهِ ليجلس منهزمًا ، أطبق جفونه هروبًا من مشهد الثوب الأبيض الأخير لوالده (الكفن).. وكأنهُ حُرم عليه.. راجيًا الله أن تخيب رؤياه.

……………………..……………………..…………..

بشرة شاحبة تقترب من الزرقة.. وجه تمكنت منه التجاعيد وخطوط الزمن ، وشعر أشيب ذا لون أبيض موحد.. وكأن وزنهِ أنخفض للنصف..
هكذا بدا “فاروق” عقب مرور أسبوع على إقامتهِ بغرفة العناية المركزة، دققت “ناهد” عيناها عليه.. ثم انتقلت نظراتها نحو الأجهزة التي ترصد النبض وحركة القلب وما إلى غير ذلك..
تسلط عليها شياطينها ، ورأت إن الحل الوحيد والأمثل للتخلص مما يعانيه الجميع.. هو إنهاء هذه المأساة بنفسها، تحرك كفها المرتجف نحو الأجهزة وهي تنظر هنا تارة وهناك تارة.. ابتلعت ريقها بتخوف ، وأقدمت على نزع سلك الجهاز المنشط للقلب بلا تراجع أو رويّة و…………………….…….

error: