رواية إمبراطورية الملائكة بقلم/ياسمين عادل

<< إمبراطورية الملائكة >>

الفصل الثلاثون :-

قامت بإلغاء تفعيل كافة حساباتها الشخصية على مواقع التواصل الإجتماعي عقب أن تشككت في ضياع هاتفها.. منذ الصبيحة وهي تجلس على حاسوبها الشخصي وتتطلع لحركة هاتفها الذي يتحرك سارقهِ بكل حرية .. صفعت الحاسوب بإنفعال شديد وهي تهتف بصياح :
– إزاي ضاع مني إزاي ؟

غرزت أصابعها برأسها تحكها بعصبية شديدة و :
– وكمان مكانش فيه password.. يعني اللي سرقه بيقلب في خصوصياتي براحته الحيوان

فتحت باب غرفتها فجأة لتصطدم برؤية “طارق”.. شهقت بخضة أصابتها ثم أطبقت جفونها وهي تردد :
– طارق انت فين من إمبارح ؟

كانت نظراتهِ تعكس كمّ السعير الذي يحتفظ به في صدرهِ ولكنها لم تفهم ذلك.. أجابها بنبرة غير مواتية لما يجيش بداخله :
– كان ورايا شوية حاجات

أزاحها برفق من طريقه ثم دلف للداخل لتتبعه وهي تقول :
– أنا لازم أروح Police Department (قسم الشرطة)

عقد حاجبيه بإستغراب و :
– ليه ؟

حكت عنقها بأظافرها لتخدشهِ دون عمد وهي تردد بغيظ شديد :
– الـ Mobile phone بتاعي اتسرق

أنحلت عقدة حاجبيه بتفهم، ثم مد يده بداخل سترتهِ ليخرج هاتفها :
– متسرقش ولا حاجه، موبايلك أهو

ركضت نحوه وقد اتسعت عيناها بعدم تصديق.. اجتذبتهُ منه وهي تتفقده بتلهف شديد وكأنها عثرت على وليدها وليس مجرد هاتف ، تابع رد فعلها الذي توقعه منذ الصباح حتى باغته بسؤال :
– انت لقيته فين؟ أنا كنت هموت عليه من الصبح
– نسيتيه هو شنطتك في عربيتي امبارح

لم تستطع تشغيله لإنتهاء شحن البطارية خاصتهُ.. فبحثت عن شاحنها على الفور وبدأت بتشغيله ، بينما قال هو :
– جهزى نفسك عشان خارجين نتعشى برا

التفتت إليه وقد ابتسمت أخيرًا :
– بجد! ياريت

فقطع أملها وهو يقول :
– مش لوحدنا ، دا عشاء عمل وللأسف مجبر أخدك معايا

عبست على الفور، وقبل أن ترد بادر هو :
– متنسيش تخطي كريم جروح على رقبتك، مكنتش اعرف إن يوم واحد من غير موبايلك ممكن يوصلك للحالة دي

ثم خرج.. تركت هاتفها وراحت تنظر لعنقها الذي استشعرت ببعض الحكة بهِ ، لتجد خدوش أظافرها قد تركت بصمة غير لطيفة على عنقها.. ذمت شفتيها بضيق و :
– إيه الغباء دا يابيري! هخرج انا ازاي دلوقتي!

بدأت الإشعارات المتتالية تتوافد على هاتفها.. فـ انتقلت إليه تتفحصه، تذكرت الآن أن هاتفها هذا يحوي الكثير من أسرارها.. أهمهم صور “رائد” التي تحتفظ بها، أسرعت بتفحص معرض الصور لتكتشف إختفاء كافة الصور المتعلقة به.. أنتابها القلق، على ما يبدو أحدهم قام بالتفتيش في هاتفها.. أي إنه زوجها ، لم تقلق بشأن الصور.. وإنما أزعجها عثور “طارق” على صور گتلك لـ “رائد” بهاتفها وهو زوجها.
ألقت هاتفها بعدم إهتمام وهي تفكر كيف ستقوم بحلّ هذه المشكلة التي ستواجهها.. توجهت لخزانتها تبحث عما سترتديه ومازالت تفكر..
أضاء عقلها بفكرة تبدو إنها جميلة، اتسع ثغرها ببسمة راضية.. وراحت تستخدم هاتفها لتتصل بأحدهم وهي تنظر لخاتم زواجها حتى آتاها الرد :
– ألو ، آ.. أنا برديس العامري، من فضلك عايزة أسأل عن حاجه

…………………………………………………………

فتح “عاكف” باب شُقته البعيدة عن العيون ودلف للداخل وهو ينظر بعينيه باحثًا عنها حتى وجدها أمام الطاولة الصغيرة.. فنادى عليها :
– جيباني على ملى وشي ليه ياناهد ، حصل حاجه ؟

التفتت له، فتمكن من رؤية مائدة طعام تضم الكثير من الأطعمة الشهية التي تطاير منها دخان سخونتها.. نظر للطعام بشهية مفتوحة و :
– الله الله، إيه الروقان دا

تقدمت منه لتُقبل صدغهِ ثم رددت بنعومة :
– فكرت نتعشا سوا

ثم تعمدت بقول :
– عارفه إنك محروم من الأكل البيتي بقالك ١٥ سنة

زفر بحنق وهو يرمقها بتحذير بيّن :
– نـاهد!
– خلاص خلاص، أقعد

وجلسا قبالة بعضهما، وضعت أمامه من كل صنف وقد فاحت رائحة الطعام.. بدأ يتناول بشهية مفتوحة، ثم سألها :
– قولتي لعاصم إيه ؟
– قولتله هبات عند اختي

توقف عن مضغ الطعام وبقى فمه ممتلئًا به.. ابتلعه ثم ردد :
– هتباتي ؟

فـ ابتسمت وهي تنظر إليه مؤكدة :
– أها، اليوم النهاردة بتاعنا

حمحم “عاكف” و :
– مينفعش نختفي احنا الأتنين ياناهد، أنا لازم ارجع لفريدة

وكأنهُ سحب أمان سلاح موجهه فوهتهِ عليه.. تغيرت ملامح “ناهد” على الفور وهي تنظر إليه بإمتعاض و :
– فريدة!.. على أساس إنها بتفكر فيك أوي ولا انت تهمها حتى!

ترك “عاكف” ملعقته وقد ضجر من أسلوبها الفظ ذلك في التحدث عما يخص زوجتهِ تحديدًا :
– وبعدين معاكي ياناهد؟.. انتي جيباني هنا عشان تنكدي عليا مثلًا! ، ما قولتلك شيلي فريدة من دماغك شوية

فقالت بإنفعال :
– مش لما تشيلها انت الأول من قدام جوزي

لحظة واحدة كانت كفيلة بتغيير ملامحهِ للأظلم.. حدجها بإستنكار وهو ينهض بإندفاع حتى سقط مقعدهِ، وبدا على شفا حفرة من الإنفجار :
– انتي بتقولي إيه ياخرفانه انتي!.. مال فريدة بعاصم ؟

فـ ضحكت بسخرية وهي تنهض لتوازيه :
– والله ابقى أسأل مراتك اللي بقالها فترة بتقعد تتكلم مع جوزي وتضحك وتقهقه متسألنيش انا

وراحت تدعم حديثها بما حدث بالأمس :
– و لو مش مصدقني أسأل إيمان اختك هي أدرى مني وشافت بعينها عاصم وهو بيعاكس مراتك وهي مرحبة على الآخر

فوجدت صفعة لم تكن تتوقعها قط تضرب بوجهها.. صرخت على أثرها.. ولم تنفك تفيق من صدمتها حتى وجدته يغرز أصابعه بفروة رأسها ويجذب شعرها بعنف لم تواجهه من قبل وهو يصيح فيها :
– إياكي تتكلمي عن مراتي مرة تانية.. دي أشرف مني ومنك ومن عشرة زينا، أنا اللي وسخ مستاهلش ضفرها.. إوعي يغرك وش الحنية بتاعي ، أنا لما بقلب ببقى ابن ***** متعرفنيش.. المرة الجاية اللي هسمع فيها أسم فريدة على لسانك، مش هتردد إني أفضحك وافضح نفسي عند عاصم.. وهو بقى يطبق عقابه علينا

كانت تترنح ليفلتها، ولكن بقيت أصابعه ممسكة بشعرها بغير رحمة أو هوادة.. ثم دفعها بإنفعال لترتد إلى الخلف، وتابع :
– مفيش بينا حاجه من النهاردة، تاخدي حاجتك وتخرجي من شقتي.. وبعد كدا مش عايز اشوفك غير صدفة، سمعتي يا… يا مرات أخويا

وسحب مفاتيحه وهاتفه وهو يردد :
– ومن بكرة هبيع الشقة النجسة دي

وفي غصون ثلاثين ثانية كان قد غادر الشُقة بأكملها، وهي واقفة بمكانها غير مصدقة ما حدث.. كفها مثبت على وجهها، هل حقًا صفعها أم تتهيأ ما حدث!
ومن أجل من؟.. من أجل زوجته التي تعاملهُ وكأنه غير موجود بحياتها منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، وهي التي وهبته كل شئ قام بـ طردها اليوم من جنتهِ.
تراخى جسدها على المقعد وكلامته تتردد أصدائها في أذنيها.. إذا هو يراها هكذا منذ البداية، ليس حبًا أو ما شابه، كانت أدنى وسيلة لإفراغ شحناته الذكورية الرخيصة.. أما عنها، فهي التي يقول عنها “زوجتي”.
يالآلام فؤادها اليوم، لقد شعرت الآن فقط بدونيتها.

…………………………………………………………..

قد يكون تخطيطه هذه المرة في صالحهما.. قرر مفاجئتها بشكل مختلف ستحبهُ حتمًا.
كان “رائد” يُهاتف عمه ويدبران سويًا لهذا المخطط الذي يقوم به منذ يومان من أجل سعادتها.. كان يتحدث في هاتفهِ بهذا الآن من الصباح :
– كويس جدًا كدا، أنا مستني اهو.. لأ أكيد المرة دي هيحصل تغيير ، حاضر.. سلام

ثم أغلق هاتفه وراح يتفحص حسابهِ الإلكتروني الذي تلقى عليه صور زفافهما.. تأمل كل منهما بعمق وهو يدقق ناظريهِ فيها هي، مرت من أمامه.. فناداها :
– تعالي يارفيف شوفي صور الفرح، لسه واصلة حالًا

فـ دنت منه ووقفت خلفه تنظر لشاشة الحاسوب وهو يقوم بتكبير الصور وتصغيرها لتتمكن من التدقيق فيهم.. ثم أشار لأحدهم و :
– بصي هنا، كنتي زي القمر
– شكرًا
– وشكلك كان متغير خالص

فقالت بنبرة ذات مغزى :
– كل حاجه بتتغير ، حتى الوعود والعهود بتتغير.. اشمعنا أنا اللي هفضل على حالي!

ثم أولته ظهرها وانصرفت.. زفر بضيق وعيناه المشدوهتان مسلطتان على شاشة الحاسوب، حتى استمع لصوت الباب ونهض يفتحهِ بتحمس شديد.. ليجد “سعد” أمامه :
– أزيك ياأستاذ رائد
– أدخل ياسعد، أنا بخير

عبر عتبة الباب وهو يبسط ذراعهِ بمظروف بني :
– أستاذ عادل باعت الظرف دا معايا

التقطه منه و :
– خليك هنا هجيبلك حاجه من جوا

غاب “رائد” بالداخل بينما كانت أعين الصبي “سعد” تتجول بالمكان بنظرات منبهرة.. فقد كان كل شئ على أحسن شكل وهيئة..
حضر “رائد” وهو يمسك بعلبة كبيرة إلى حد ما.. وناوله إياها :
– الحاجه الحلوة دي شايلها مخصوص عشانك لأنك محضرتش الفرح

فتناولها “سعد” بسرور شديد و :
– تسلم إيدك ياباشا، قصدي ياأستاذ رائد

ربت على كتفه و :
– يلا روح انت وخلي بالك من نفسك

غادر وأغلق الباب من خلفه، بينما كان “رائد” يتفحص تذاكر السفر التي أرسلها “عادل” وهو يتمنى أجازة سعيد يحظى بها معها بعيدًا عن الجميع..
لم يطيق انتظارًا، فـ دلف عليها غرفتها و :
– أوركيدا، عايزك تجهزي نفسك عشان مسافرين بكرة بالليل

تنغض جبينها بإندهاش وهي تعتدل في جلستها على الفراش الصغير و :
– مسافرين ؟؟ فين وليه؟

فداعب وجنتها وهو يردد بشغف أكبر :
– هنقضي الـ Honeymoon (شهر العسل)

ثم أشهر تذاكر الطيران أمام عيناها وتابع بتحمس مفرط :
– وكل حاجه جاهزة

انتفضت من جلستها ووقفت أمامه ترمقه بإنفعال شديد و :
– ومين قالك إني هسافر معاك في حته ولا هتحرك من هنا!.. إزاي مش قادر كل دا تصدق إننا مش زوجين طبيعين ؟

لن يبقى له من ثباتهِ الإنفعالي شيئًا.. ولكنه تظاهر بالهدوء بعض الشئ :
– أنا مصدق وانتي كمان ياريت تصدقي.. أنا بحاول أعالج أي جرح سببته ليكي وانتي مش سايبالي فرصة، أنا آ…

قاطعته وما زال امتعاضها مسيطرًا عليها :
– مش عايزة منك غير انك تسيبني في حالي، سفر إيه اللي جاي تكلمني عنه!

سحب شهيقًا عميقًا طرده على مهلٍ وهو يقول ببوادر غاضبة :
– رفيف انتي استهلكتي كل طاقتي، وانا بدأت أزهق

عقدت ساعديها أمام صدرها و :
– ياريت تزهق.. ياريت، لو عايز تسافر سافر لوحدك

فخرج عن طور الهدوء والتعقل لطور الإنفعال والحدة :
– يعني إيه أسافر لوحدي؟.. انتي مراتي سواء اعترفتي بدا أو لأ، ورجلك هتخط مكان ما اكون.. مش عشان بعاملك زي ما الكتاب بيقول تفتكري دا ضعف مني ، أنا دفعت تمن غلطتي حرقة دم طول الفترة اللي فاتت وخلاص مش هسكت أكتر من كدا

ثم مزق تذكرتي السفر و :
– ومفيش سفر ولا تزعلي نفسك

ثم قذف بـ فتات التذكرتين على الأرض وانصرف وهي يصيح بكلمات ساخطة على تماديها فيما تسميهِ “عقاب”.. تعلقت نظراتها ببقايا التذكرتين قبل أن تنحنى لتفحصهم، فوجدت إنها فوتت أكثر الرحلات التي كانت تتمناها، رحلة لمدينة السحر “أسوان”.. نفخت بضيق وتعتدل في وقفتها و :
– أحسن برضو ، قال شهر عسل قال؟!

………………………………………………………..

كان يقود سيارتهِ بتروي مرغمًا بسبب زحام السير في هذا الساعة الظهرية.. يستمع لحديثها الممتع الذي يتلذذ بالتركيز فيه دائمًا، رغم كونها ثرثارة في الكثير من الأحيان إلا أن ثرثرتها شيئًا نفيسًا بالنسبة له..
أغلق “عادل” الراديو الملحق بالسيارة ليستمع إلى آخر ما قالته وقد أثار ريبتهِ :
– رحـلة ؟

فقالت بتحمس مفرط وهي تعتدل في جلستها :
– آها، رحلة للفيوم منظمها إتحاد الطلاب هتطلع بعد أسبوع، إيه رأيك ؟

ورغم رفضهِ الشديد لهذا الشكل من أشكال الإختلاط إلا إنه لم يظهر ذلك.. وقال :
– اللي يريحك

استشعرت بحدسها الأنثوي الشفاف إنه قد تغير في لحظة.. فـ وضحت الأمور أكثر :
– لأ اللي يريحك انت.. ماانا حجزت ليك انت كمان

التفت برأسهِ إليها مدهوشًا و :
– أنا ؟

فأكددت :
– آها انت، ولو مش هتروح أنا كمان مش هروح

ارتفع حاجبيه بإعجاب وقد أفتر ثغرهِ بإبتسامة راضية أخيرًا :
– وانا موافق
– وممكن كمان نقول لرفيف وجوزها ييجوا معانا

ضحك “عادل” و :
– لأ مش هيكونوا في مصر، رائد هياخد رفيف ويطير بيها على أسوان

أضاء هاتفه بإتصال من “رائد” فـ التقطه ليرد و :
– جيبنا في سيرة القط

فوجد صوتًا مرتفعًا يصيح بكلمات منزعجة.. استمع له حتى النهاية ثم قال :
– أهدى يارائد مش فاهم منك حاجه جرالك إيه ؟.. مالك ؟

متابعًا لقيادتهِ أثناء الإستماع له، بينما صوت “رائد” مرتفع لدرجة جعلت “ندى” تستمع لبعض كلماتهِ التي استخلصت منها وجود معركة حامية بين العروسين..
أطبق “عادل” شفتيه أخيرًا و :
– حاضر يارائد، هلغي حجز الفندق دلوقتي.. وبعدين هتبقى تفهمني حصل إيه

صمت قليلًا و :
– ماشي حاضر، أهدا بقى.. يلا سلام

أغلق ثم ردد :
– شهر العسل أتضرب، تقريبًا كدا هخليكي تحجزي مكانين ليهم معانا
– تمام مفيش مشكلة
– ندى، انتي أقرب واحدة لرفيف، حاولي تكلمي معاها يمكن تسمع منك.. اللي بيحصل دا غير منصف للأتنين بالمرة

أومأت “ندى” رأسها بالإيجاب و :
– حاضر

………………………………………………………..

وأخيرًا وصل الطرد الذي تنتظرهُ منذ البكور.. فتحت “برديس” الطرد المستطيل لتخرج منه الإطار الكبير الذي يحمل صورة زفافها ، قد اختارت أفضل صورة وقامت بتكبيرها وتصميم إطار خشبي أنيق يناسبها.. تلمست زجاج الواجهه بتفاؤل وهي تدقق نظرها بشكلها وبهِ أيضًا.
جابت الحوائط بعينيها وهي تبحث عن المكان المناسب الذي ستضع فيه هذا الإطار الضخم.. ولكنها لم تجد، ذمتّ شفتيها وفكرت لحظات، ثم تركته جانبًا بهدوء وخرجت لتنادي من أعلى :
– زهـــور

فأجابت الخادمة وهي تصعد الدرج :
– أيوة يابرديس هانم

فأشارت إليها لتتوقف و :
– خليكي متطلعيش، أنا عايزة آ… Hammer (شاكوش) ومسامير
– حاضر

ثم عادت تدخل، نظرت للحوائط وهي تفكر في أيهما ستضعه :
– مش هيبقى باين هنا، بس ممكن هناك
– أتفضلي

التفتت “برديس” إليها لتلتقطم منها :
– شكرًا، تقدري تمشي

سحبت مقعد منضدة التجميل خاصتها، ثم ثبتته ووقفت أعلاه وبدأت تدق عليه بتريث.. فلم تفلح، فقامت بتزويد مجهودها أكثر، وبدلًا من أن تضرب رأس المسمار ضربت أصبعها.. فصاحت بصرخة متألمة و :
– أاااه.. أووووف

عضت على أصبعها وقد تشنجت عضلات وجهها.. لم تيأس وتابعت عملها متشجعة أكثر ، ترجلت وسحبت الإطار الثقيل.. ثم وقفت على المقعد من جديد ورفعت الإطار محاولة أن تثبته في مسماره، ولكنها كانت عملية غاية في الصعوبة بسبب ثقل الإطار وكِبر حجمهِ.. تأففت بضجر وهي تعيد محاولاتها الفاشلة ، حتى أتاها صوته من الخلف :
– بتعملي إيه عندك؟

ذُعرت من مفاجئتهِ وانتفضت لينفلت الإطار منها ويسقط أرضًا وتسقط هي الأخرى عقب ترنحها.. فـ استطاع اللحاق بها وحملها وهو يردد معنفًا :
– حاسبي يابرديس

تنفست بمعدل سريع :
– خضيتني حرام عليك

لاحظت قربها الشديد والغير متوقع منه، حيث علقت نظراته عليها وهو يتسائل متصنعًا البرود :
– إيه اللي مطلعك كدا وكنتي بتصرخي لي؟
– آ.. أصل البرواز آ….

تذكرت أمر الإطار الذي سقط.. فـ شهقت و :
– البــرواز

تشنجت حتى أفلتها، ثم نظرت على الأرضية لتكتشف إنه قد تهشم.. حملقت عيناها عليه بصدمة وهي تهمس :
– أتكسر!

اقترب من الإطار ليكتشف إنها صورتهما، تعجب من تصرفها وأعجب به في آن واحد.. انتظر تبريرًا ولكنها ما زالت في صدمة :
– كنت هـ هعمل مفاجأة و…
قطعت صوتها وقد تجمعت الدموع في عيناها :
– أتكسر

حمحم و :
– فداكي خلاص

فـ مضت من أمامه مسرعة نحو الخارج وهي تردد بحنق شديد :
– أنـت الـسـبـب

وخرجت تاركاه بمفردهِ.. لم يحزن أو يضجر أو يتذمر، بل إن صدره امتلأ حبورًا بفعلتها.. انحنى متقرفصًا على الأرض، وبأطراف أناملهِ أبعد الزجيجات الصغيرة لتظهر صورتهم أكثر.. انبعج فمهِ ببسمة قائلًا بعدها :
– ماانتي بتعرفي تتصرفي أهو

ثم عبس فجأة و :
– أمال معذباني ليه ؟

وقف عن وضعيتهِ.. ثم دس كفيهِ بجيوبهِ وهو يفكر، هل من طريقة يراضيها بها؟.
…………………………………………………………

وضعت “مروة” متعلقات عملها بالدرج الصغير، ثم تأففت بضيق و :
– ١١ ساعة شغل وانا المفروض أقعد ٨ ساعات بس!.. ربنا يرحمني بقى، كل مرة أقع مع مدير معندوش دم و……..

فآتاها الصوت من حيث لا تحسب :
– مـروة

رفعت بصرها فجأة و :
– أيوة يافندم

وضع أمامها ملفًا كبيرًا و :
– دي قايمة العملا اللي هتتصلي بيهم وتأكدي معاهم المعاد بكرة أول ما توصلي
– حاضر
– دلوقتي تقدري تروحي

ثم أشار للخارج و :
– محمود مستنيكي برا عشان يوصلك بعربية الشركة

فـ ارتاحت أخيرًا عقب أن ضمنت وسيلة مريحة ستنقلها لمسكنها.. وسرعان ما لملمت أشيائها مستعدة للخروج، فكان “محمود” بإنتظارها.. فتح لها الباب وهو يجلس خلف المقود، فـ استقلت مكانها بجواره و :
– سوري يامحمود هتعبك معايا

وقبل أي شئ قام بتشغيل الأغاني وهو يردد :
– ولا يهمك يامروة إحنا زملا في مكان واحد ومش معقول اسيبك لوحدك في ساعة زي دي

ثم أدار المحرك و :
– طمنيني الشغل ماشي معاكي كويس ولا في حاجه مضايقاكي
– الحمد لله كله تمام

توقف في أشارة مرورية و :
– أنا سمعت إننا احتمال نتنقل لفرع الشركة في اسماعيلية أسبوعين نخلص شغل هناك

جحظت عيناها غير مصدقة وصاحت :
– إيــــه!

وسرعان ما تداركت خطأها و :
– أسفه، بس أول مرة اسمع الكلام دا!

ابتسم لأجل تلقائيتها و :
– ولا يهمك، اعتبريها فسحة.. والشركة هتوفر حجز الفندق وكل حاجه

فقالت بشئ من التردد :
– أيوة بس آ… أهلي يعني و….
– متقلقيش ساعتها ربنا يسهل، هنعرف نقنعهم

وفجأة وجد من يقتحم نافذة سيارته ويدخل يده الممسكة بزهرة حمراء وتشحذه بقولها :
– والنبي تاخد وردة يابيه، هدعيلك تتجوزها بس خد مني وردة

فضحك “محمود” حينما تطلعت إليها “مروة” بإستغراب وهو يعطيها بعض النقود المعدنية.. ثم نظر للطريق الذي انفتح أمامه وهمّ بقيادة السيارة :
– قوليلي بتعملي إيه في الأجازة

تذكرت موعدها مع الطبيب النفسي الذي تتابع معه جلسات علاج نفسية منذ فترة.. ثم أصرفت هذا الأمر عن عقلها و :
– ولا حاجه ، بخرج مع صحابي أو بقضيه في البيت

ثم أخرجت تنهيدة تتحدث بالكثير عنها.. ونظرت للطريق تتأمله وتتأمل الماريين والعربات والسيارات وهي تمضي گالبرق من أمامها.
…………………………………………………………..

استيقظت “رفيف” على صوت أشياء تتحرك بالخارج.. تململت بإستياء وهي تهمس بصوت ناعس :
– إيه الدوشة دي على الصبح ؟

نظرت بعيناها الشبه مغلقة على النافذة لتجد الصباح قد حلّ.. أطبقت جفونها من جديد محاولة إستعادة النوم، ولكن صوت الحركة ما زال مستمر.. نزعت عنها غطاءها بإنفعال وخرجت وهي لا تشعر بجسدها المخدر بفعل تأثير النوم.. فركت عيناها وهي تنظر إليه، فوجدت حقيبتين كبيرتين وإذ به مرتدي ثيابه كاملة، وقبل أن تتحدث بادر “رائد” :
– أدخلي غيري هدومك واستعدي عشان ماشيين من هنا

بدأت تستعيد قوة عقلها، وقالت بإنزعاج :
– مش انا قولتلك مش هسافر في حته ؟

تلوت شفتيه بعدم إكتراث و :
– مين قالك مسافرين!.. أنا هوديكي مكان تاني هترتاحي فيه جدًا، يلا عشان انا مستعجل.. هنزل اجيب العربية تحت البيت تكوني خلصتي

فـ استوقفته قائلة :
– استنى هنا، أنا لازم اعرف إنت موديني فين؟
– بعدين تعرفي

ثم تهامس بينه وبين نفسه :
– ماهو عند بعند بقى، واما نشوف مين نفسه أطول من التاني يارفيف

error: