رواية إمبراطورية الملائكة بقلم/ياسمين عادل

<< إمبراطورية الملائكة >>

  • الفصل الثـاني عـشر :-

الذعر الذي كان متملك من ملامحه جعل القلق يساور “فاروق” الذي سأله بإرتياب :
– مالك يارائد؟ شكلك مش على بعضك ليـه؟

استشعر إنه بالغ في الأمر حتى أصبح جليّا للعيان، فـ تمالك نفسه قليلًا وهو يجيب بجدية:
– مفيش حاجة، بس انا هرتاح كدا

استند “فاروق” بكلا يديه على عصاه، ثم رمقه بخبث رجل عجوز قد واجه من الحياة الكثير.. تنبأ بحدوث شيئًا جعله يرغب في التعجيل بالأمر، ولكنه لم يفرض سلطته في التعرف على هذا السبب.. وزفر أثناء قوله :
– ماشي يارائد، زي ما تحب.. لما اقابل أهلها واتعرف عليهم نشوف موضوع كتب الكتاب دا

التفت الجد ليستقل المصعد الكهربي، بينما ظل “رائد” في مكانه.. فتح شاشة قفل هاتفه، ونظر لصورتها التي احتلت واجهة الشاشة.. كم كانت ضحكتها رقيقة وديعة للغاية، اختفت الصورة وانبثقت شاشة إتصال هاتفي وارد، فأجاب على الفور و :
– أيوة ياأستاذ فواز

صمت قليلًا، ثم أفتر ثغره بإبتسامة ساخرة و :
– يعني الفلوس رجعت؟.. جـميل ، لأ لأ، ولا كأنك قولتلي أساسًا، سلام

……………………………………………………………

  • إيـــه! لأ انا مش موافقة على الكلام دا

وقف “عاصم” عن جلسته وهو ينظر لابنته نظرات متعجبة اختلطت بالحنق منها.. ثم سأل :
– ليه مس موافقة، مش انتي كنتي رافضة الحياة هنا في قصر جدك!.. ليه غيرتي رأيك

سيطر عليها الخوف بل والذعر أيضًا، عندما علمت بأن “طارق” سيعد منزلهما المنفرد بعيدًا عن العائلة.. فكرة الإنفراد معه في مكان مغلق وحدهما أرعبتها، رغم إنه سيكون زوجًا شرعيّا لها.. إلا إنها لم تتقبل الأمر الذي أسقطت فيه نفسها حتى الآن.
أحادت ناظريها عن والدها الذي تسلطت أبصاره عليها، ثم قالت :
– أنا مش واخدة على طارق،ومحتاجة شوية وقت أتقبل فيه حياتي الجديدة، عشان كدا عايزة اعيش هنا

أطلقت “ناهد” سراح ذراعيها اللذان عقدتهما أمام صدرها طوال تلك الجلسة الأسرية، ثم قالت بإمتعاض شديد :
– أنا مش داخل دماغي الجوازة كلها.. مش عارفه انتي وأبوكي ماسكين فيها ليه؟

تجاهلت “برديس” حديث والدتها الذي شبعت من استماعه كل حين وآخر.. ثم سألت والدها :
– ها يابابا؟ دا شرطي.. موافق؟
– إيه رأيك تقولي انتي لطارق؟.. هو هيتقبل الكلام منك أكتر
– أنا!
– آه انتي

ابتلعت ريقها وهي تقبض على جفونها، ثم تنهدت بإستسلام اعتادته الفترة الأخيرة.. وهمست :
– حاضر

وراحت تخرج عن غرفتهم بخطى متأدة.. بينما نطرت “ناهد” حيال زوجها وهي تردد بتبرم :
– انت بتضيع البنت وانت مش حاسس ياعاصم

أشعل “عاصم” سيجارته، وسحب نفسًا عميقًا منها ثم ردد :
– أنا أدرى بمصلحة بنتي ياناهد، أخرجي انتي منها عشان تعمر

ثم نهض، خرج وتركها وحيدة.. لتعبث هي بهاتفها وهي تردد بسخط بيّن :
– بكرة تتطربق على دماغك ان شاء الله، عشان مناخيرك اللي رافعها في السما دي تتكسر

……………………………………………………………

كان يقف أمام نافذته، وقد امتلأ صدره بالدخان الذي يتنفسه منذ وقت طويل وهو لا يشعر.. وإذ بها تفتح باب غرفته فجأة وبدون استئذان، مما جعل ملامحه تضجر وهو يستدير لرؤية الدخيل عليه.. ومع رؤيتها استكانت كل عضلات وجهه المتشنجة، لم تبدأ بمقدمة أو ما شابه، بل قالت مباشرة :
– أنا مش عايزة اسكن في بيت منفصل بعد الجواز

عقد “طارق” حاحبيه بإستغراب و :
– بس انتي كنتي كارهه الحياه هنا! حبتيها فجأة؟

تنهدت وهي تجيب بإقتضاب :
– آه

سعلت أثر دخان سجائره، فـ انتقل نحو المنفضة ودعس سيجارته بها وهو يردد :
– ولو رفضت؟

فقالت بإصرار، وهي تلاقي نظراته :
– أنا كمان هقول لأ، حقي أعيش في المكان اللي هكون مبسوطة فيه

ارتفع صوت “طارق” قليلًا و :
– بس انا مش عايز أعيش في المكان دا كتير، أنا تصورت إنهم يومين وهيعدوا.. لكن شكل القعدة هتطول

صمت لحظات و :
– أسمعيني يابيري، أنا مستعد أجيبلك الڨيلا اللي تختاريها في المكان اللي تحبيه.. ونسيب هنا

هزت رأسها برفض و :
– لأ

اقترب منها وهو يرمقها بإحتدام :
– متبقاش دماغك ناشفة ياروحي

وجدت إنه من الحكمة أن تسير على نهجه، فـ أخفضت نظراتها قبل أن تقول :
– عندي فكرة

زفر بإنزعاج في وجهها وهو يسأل :
– إيه هي؟
– هنعيش هنا فترة، ولما ناخد على بعض نبقى آ….
– ناخد على بـعـض؟

ثم ضحك ساخرًا و :
– إنتي محسساني إننا هنتجوز جواز صالونات وانتي لسه متعرفنيش

تعمق النظر بعينيه القاتمة في عيناها، فـ أربكها وهو يردد :
– أنا ابن عمتك على فكرة ونعرف بعض من سنين

تسحبت أصابعه ليلمس كف يدها، فـ اقشعرت أثر ملامسه كفه لها.. بينما ردد هو :
– يعني أنا مش محتاج آخد عليكي

فقالت وهي تسحب كفها بهدوء:
– أنا محتاجة، ودا آخر كلام عندي

كادت تنصرف لولا إنه سدّ طريقها بجسده وقال :
– وانا موافق، بس دا مؤقتًا

أومأت رأسها بتفهم، فأفسح لها المجال كي تنصرف.. وإذ بقدميها اللاتي گالبرق تقودها لغرفتها بسرعة، حينما همس هو :
– أنا مستني بس املكك، بعدها مفيش كلمة غير كلمتي أنا ياحببتي

……………………………………………………………

انتهت “مروة” من صنع مشروب الشاي المخمر، خرجت من المطبخ لتجد “رفيف” أمامها.. ابتسمت وهي تسألها بحسن نية:
– بكرة رائد وعيلته جايين، مش هينفع تستأذني بدري من شغلك و….

فقاطعتها بحزم :
– لأ
– بس انا ممكن اكلم رائد يديكي أجازة و…

فصاحت فيها بغير هدى :

-إيـاكــي تعملي حاجة زي دي، انتي سامعة؟

تفاجئت “رفيف” من رد فعلها العنيف والمفاجئ، فعادت للخلف خطوة وهي تقول :
– خلاص براحتك، أنا كان نفسي تحضري

فـ ابتسمت “مروة” بتهكم.. وأردفت :
– بجد!.. بس انا بقى ماليش نفس، عارفه ليه؟

فسألت بتوجس :
– ليه؟

إعترافًا كاملًا يقف الآن على حواف لسانها.. ستفيض بكل شئ، فتفسد سعادتهم وتخربّها، ولكنها شعرت بأن تلك اللحظة ليست المناسبة، ولن يكون الإنتقام مشبعًا لها.. فـ أمسكت بـ لجام لسانها بآخر لحظة، و :
– مفيش

وانسحبت من أمامها لغرفتها كي تنفرد بها گالمعتاد، تركت الكوب جانبًا.. ثم جلست لتتمسك بهاتفها وتتابع حسابها الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي.. وكانت صفحته الشخصية هي الأكثر زيارة منها، نظرت لصورته الشخصية التي تزين واجهة الحساب بـنظرات حاقدة.. ثم غمغمت :
– بس اصـبر عليا، طالما هي دي اللي هتوجعك أوي..أنا هوجعك يارائد، هوجعك بجد

……………………………………………………………

مرت هذه الساعات گالعذاب عليه.. وقف يعقد رابطة عنقه، وللمرة العاشرة يحلّ وثاقها ويعيد عقدها من جديد ولا يفلح.. فنزعها بإنفعال وألقاها أرضًا وهو يصيح بنفاذ صبر :
– يــــوه

فتح أزرار قميصهُ الأزرق القاتم وتركه هكذا، ثم ارتدى سترتهُ التي بلون الـ (الكافيه الفاتح).. صفف شعره الناعم بتعجل، ثم التقط ساعة اليد ليضعها في معصمه وهو يخرج من الغرفة.. ليجد والدته على وشك الدخول إليه.. فـ انحنى يسألها بإهتمام :
– ماما انتي مش هتيجي معانا؟
– سامحني يارائد، واعتذر لعيلة رفيف بالنيابة عني.. مش هقدر أروح

نفخ “رائد” بإنزعاج واضح، بينما تابعت والدته :
– روح شوف جدك خلص ولا لأ
– ماشي

وسار بإتجاه الدرج ليهبطه.. وقفت هي بمقعدها المتحرك في الردهة قليلًا، ثم استقلت المصعد لتهبط حيث الطابق الأول.. سارت بحذر في الرواق، وقبل أن تتجه لغرفة “ناهد”.. وجدت الباب ينفتح وتخرج هي منه بكامل أناقتها وزينتها، رمقتها ” فريدة” بنظرات متجهمة قبل أن تسأل :
– انتي رايحة فين ياناهد؟

تأففت “ناهد” بضجر وهي تجيبها :
– رايحة مع عمي ورائد وعاكف وعاصم عشان يطلبوا البنت دي اللي عايزها رائد.. عاصم قالي أروح معاهم

تبسمت “فريدة” بمغزى معين، ثم قالت وكأنها تأمرها :
– أدخلي غيري هدومك واعتذري لعاصم.. قوليله إنك تعبانة ومش هتقدري تروحي

اندهشت “ناهد” من نبرتها، ولم تروق لها هذه الكلمات الآمره، فقالت بصوت محتدم :
– لأ بقى، انتي زودتيها معايا أوي يافريدة، مش فاهمة حطاني في دماغك ليه وعايزة إيه مني!؟

فكان الجواب واضحًا :
– مش هتروحي معاهم، وهتقعدي هنا.. مش هسمحلك تروحي وانا مش موجودة، ومش محتاجة أفكرك.. ابني هيكون سعيد غصب عنك

استدارت بمقعدها وهي تتابع :
– اسيبك انا عشان تلحقي تغيري هدومك وتمثلي دور المرض على جوزك المسكين

وسارت من حيث أتت.. اشتعلت نيران الغيظ في صدر “ناهد”.. وضربت الحائط بقبضتها المتكورة وهي تقول :
– انتي بقيتي ست صعبة أوي، وانا مش هسكت كتير على تحكمك دا

ومضت تدخل لغرفتها مرة أخرى.. كي تنفذ الأمر رغمًا عنها.

……………………………………………………………

كل منهم له واديه.. “عاصم” ينظر للمحيط بشماتة واضحة، وكأنه يملّي نظراته بالمنزل الفقير الذي ستأتي منه زوجة أكبر حفيد للعائلة، الذي لطالما حصد حُب وحنان الجميع.. “فاروق” لا يهتم بهذا الشأن الظاهري، فقد راقت له العروس وهذا ما يكفيه.. بينما يتظاهر “عاكف” بالسعادة فقط من أجل ألا يعطي فرصة ثمينة على طبق من ذهب لأخيه كي يشمت فيه.. “عادل” معجب بشدة بهذا الجو الدافئ
الذي استشعره في المكان.. مال “عادل” قليلًا على “رائد” ليقول له :
– أنا مرتاح أوي يارائد، ربنا يتمم على خير ياحبيبي

بينما لم يكن “رائد” في حالة طبيعية تسمح له بالمشاركة في هذه المناسبة السعيدة.. ورغم إنه يُظهر السعادة والإبتسام، إلا أن القلق يطفو على سطح ملامحه من حين لآخر.. دخل “عماد” ومن خلفه زوجته التي تحمل المشروبات الباردة، وضعتها على المنضدة و :
– نورتوا ياجماعة

فأجاب كبيرهم “فاروق” :
– دا نورك ياهانم

جلس “عماد” في مقابلتهم، يبتسم بوجهه البشوش وهو يقول :
– كان نفسي أكون قاعد معاكم دلوقتي ومعانا والد رفيف اللّه يرحمه.. لكن أمر ربنا نفد
“فاروق ” :
– ربنا يرحم الأموات جميعًا، قولت إيـه ياحج عماد في موضوع كتب الكتاب.. أنا شايف نعجل بفرحة الولاد.. العمر مش طويل وانا عايز اطمن عليهم قبل ما اقابل وجه كريم

فتدخل” رائد”:
– ربنا يخليك لينا ياجدي

“عماد”:
– ربنا يبارك في عمرك وتشوفهم بخير.. أنا شاورت العروسة، وهي معندهاش مانع

ابتهج “رائد” في لحظة، وقال :
– يبقى نقرأ الفاتحة، ونحدد معاد كتب الكتاب بالمرة.. إيه رأي حضرتك؟

ضحك “عماد” وهو يجيبه :
– حلمك عليا يابني، لسه هجهز رفيف و….

فقاطعه “عادل” :
– إحنا متكفلين بكل حاجة ياحج، إحنا عايزين بنتكم بس

رفض “عماد” ذلك بتهذيب :
– لأ ياأستاذ عادل، لازم اجهز بنت أخويا وأحس بفرحة جوازها وهي كمان تحس بالفرحة دي.. وجهازها مش هياخد وقت بأذن الله تعالى

أومأ “فاروق” رأسه بالإيجاب و:
– اللي تشوفه ياحج، إحنا خلاص هنبقى عيلة ومش هنختلف

لاحظ “عماد” حالة “عاكف”.. فسأله بتلقائية :
– وانت ياأستاذ عاكف، مش هتشاركنا الرأي

فقال وهو يرسم ابتسامة لا تكاد تصل لعينيه :
– اللي يقوله بابا ماشي، وهو كبيرنا ياحج عماد

” عماد” :
على بركة اللّه
نقرأ الفاتحة، بس ثواني هنادي العروسة

كانت “رفيف” تقف على مقربة من غرفة الجلوس، تكاد تسقط مغشيًـا عليها من شدة فرحتها، وضربات قلبها تصارع بعضها.. ولا تستطيع التحكم بأي إنفعال وارد منها، خرج إليها عمها وأمسك بكفيها يضمهما بحنان وهو يردد :
– ألف مبروك ياحبيبة قلبي

ثم ضحك وتابع :
– مالك بتترعشي كدا ليه؟

فأجابت “ندى” بدلًا عنها :
– من الفرحة يابابا، من الفرحة.. يلا يافيفي بقى عشان نقرا الفاتحة يلا

سحبها “عماد” بهدوء للداخل.. وقف “رائد” ومن بعده “عادل”، بينما البقيّة جالسون، استقبلاها بحفاوة شديدة.. ثم تحرك “عادل” عن موضع جلوسه لها، ليكونا قريبين من بعضهما.. جلس في مواجهة الباب، لتقع عينه على تلك التي تراقب المشهد من بعيد وبإختلاس، ولكنه سرعان ما ابتعد بأنظاره عنها إحترامًا لقدسية حرمات المنزل..
رفع الجميع أكفهم، بينما بدأ “فاروق” :
– نقرأ الفاتحة، بسم اللّه الرحمن الرحيم

لاحظ إرتجافة أصابعها، وأنفاسها المضطربة التي تصل لمسامعه.. فـ ابتسم رغمًا عنه وهو يتابع تلاوة سورة الفاتحة، وداخله قد تناسى أي ريب أو خوف.. فقط هذه اللحظة بسعادتها تُطوق قلبه وتعانقه، فلا يشعر بسواها، انتهى الجميع.. فـ أشار “عماد” بعين واحدة، لتبدأ “دريّة” بنشر الزغاريد العالية بأمر من زوجها وإلا تتحمل عقباته.. انحنى “رائد” برأسه يمينًا ليُقبل ناصية رأسها، ومازال الجميع يبارك خطبتهما.. ثم همس لها عاشقًا :
– هـانت ياأوركيدا

……………………………………………………………

اقتربت “مروة” من البناية التي تقطن بها مع عائلة عمها.. فلاحظت هذا السرب من السيارات الذي يصطف أمام البناية.. فطنت إنهم مازالوا موجودين، ابتلعت ريقها بتألم وهي تطبق جفونها، حتى آتاها صوت من خلفها :
– أنتي كويسة

ياست مروة؟

التفت لترى صاحب الصوت، تماسكت.. ثم أجابت بإقتضاب :
– آه كويسة
– تحبي انادي أي حد من الجماعة ينزل ياخدك لو مرضانة “مريضة”
– لأ شكرًا ياجلال، عن أذنك

وانصرفت مبتعدة عن هذا المكان الذي شهد حلمها منذ قليل، ولكن ليس لها.. بل لأختها، تلك الجميلة الشقراء التي فضلها عنها والدها، وصحبها معه هي ووالدتها للخارج، وتركها هي هنا مع والدتها عقب إنفصالهما.. هذه التي حظت بحب والدها، الآن تحظى بحب حبيبها الذي لم تعشق سواه.. سحبتها خطواتها بعيدًا، حيث طريق لا تدري نهايته.. المهم أن تبتعد، ولا ترى أو تسمع.
……………………………………………………………

نهض “عادل” عن جلسته وهو يمسك بهاتفه الذي لا يلتقط إشارة الشبكة.. حيث أشار له “عماد” للخارج :
– برا هتلاقي إشارة كويسة ياأستاذ عادل
– شكرًا ياحج عماد

خرج “عادل” وهو ينظر لهاتفه بتمعن، منتظر أن يلتقط إشارة الشبكة.. ولكنه لم يحدث، تجول “عادل” يمينًا ويسارًا كي يستدل عليها، حتى بدأ الهاتف في تجميع بعض العلامات..
وهنا.. تخرج “ندى” من مطبخهم الصغير لتصطدم بشخص يقف بظهره أمامها فجأة، حيث كان بينه وبين المطبخ سنتيمترات قليلة..
التفت “عادل” بسرعة، وهي تشهق قائلة :
– آ.. آسفه

فـ ابتسم و :
– ولا يهمك حصل خير

نظرت “ندى” لكوب المياه الماثل بين يديها ورددت ببراءة :
– متقلقش دي ميا نضيفة

فـ ازدادت إبتسامته وهو يقول :
– وحتى لو مش نضيفة، فداكي

توهج وجهها وانبعثت منه حرارة أثر خجلها، نظرت حولها بتوتر وهي تبحث عن مخرج، ولكنه يسد عنها الطريق وعيناه بها عالقة.. حتى حمحمت وهي تردد بإستحياء:
– ممكن أعدي
– آآه، آسف جدًا

وفرّت هاربة، لتختفي في رواق المنزل.. بينما هو مشتاقًا متلهفًا لمعرفة اسمها فقط، أهتز
هاتفه ليعلن عن رسالة نصية جديدة، فنظر إليه وقد انصرف عنها قليلًا.. ثم عاد ينظر بإتجاه الرواق وهو يسأل :
– مـين دي؟

……………………………………………………………

جثت “مروة” عليها وهي تطبق بكفيها على عنقها تتعمد خنقها.. اشتعلت جذوة الحقد والغلّ بداخلها، تكاد الأخرى تلفظ أنفاسها الأخيرة.. شحب وجهها واحمر بشدة وهي تحاول التنفس، بينما هدرت فيها بجنون تعدى كل المراحل :

  • مش هسيبك تاخديه مني، هخليكي جثة قبل حتى ما يفكر يتجوزك.. هأموتك وأندمه على كل حاجة عملها في حيــــاته.

كان “رائد” يتنفس بصعوبة وكأن شيئًا يكبل قلبه وصدره ولا يستطيع التنفس، تتردد أصداء هذه العبارة على مسامعه.. يود لو يدخل في حلمه كي يزج بتلك القاتلة بعيدًا عن حبيبته، ولكنه فشل..
وأخيرًا أستيقظ “رائد” من نومته الثقيلة وهو يلهث.. حامدًا اللّه إنه كان يحلم حلمًا خبيثًا آلم قلبه، التقط كوب المياه وارتشف نصفه.. ثم بحث عن هاتفه ليتصل بها يطمئن على حالها، فلم تجيب.. نظر لساعة الحائط، فإذا بها تدق الثالثة صباحًا، مؤكد إنها تغوص في أحلامها عقب ليلة أمس، ولكنه لن يرتاح قبل أن يستمع لصوتها ويطمئن بنفسه.. نهض عن فراشه، وراح يتجول يمينًا ويسارًا.. شرقًا وغربًا، وقد أعاد الإتصال أكثر من مرة، حتى راودته الشكوك.. فهي ليست من ثاقلي النوم، مرة أخرى يجرب فيها.. حتى آتاه صوتها.. ليقول بقلق شديد :
– رفيف انتي كويسة؟.. ألــو رفيف! ، رفيف انتي سمعاني؟.. إيــه اللي حـصل، إيــــــه!!! ……

error: