رواية إمبراطورية الملائكة بقلم/ياسمين عادل
<< إمبراطورية الملائكة >>
الفصل الخامس والثلاثون :-
- ما تتصرف يافواز هو انا المحامي ولا انت!!
ثم أغلق “رائد” هاتفه.. نظر بإتجاهها نظرات مغتاظة، فهي المتسببة الأولى بكل ما يعايشوه الآن بداخل المخفر.
بينما جاهدت “رفيف” لتبتعد عن نظراته التي تفتك بها فتكًا.. نظر “رائد” حوله بنظرات متجهمة، تلك هي المرة الأولى التي يدخل بها لمثل هذا المكان.. أطبق جفونه بحنق بالغ، بينما ردد الشرطي :
– أعذرني ياأستاذ رائد، لو كان معاك بطاقتك الشخصية كان زمانك برا القسم من بدري
تأفف بانزعاج جلي و :
– قولتلك البطاقة والرخص في العربية، لو خرجتني كنت جبتهم ورجعت
– ده قانون الطوارئ وانا بطبقه ، لازم حد ضامن ييجي يخرجك انت والمدام من هنا.. المفروض تشكرني عشان مسيبتكوش في الحجز
هز “رائد” ساقيهِ بإنفعال محاولًا ألا يفقد القليل مما بقى من أعصابهِ التالفة.. نزع عنه سترته وتركها على مسند المقعد، حيث اجتاحته حرارة انبعثت من صدره المُسعر جراء ما يحدث، مر الوقت دهرًا عليه وهو ينتظر وصول المحامي الخاص به.. حتى تفاجأ بحضور “عادل” للمخفر ، وقف وهو يحدجه بإندهاش :
– إيه اللي جابك هنا ياعمي؟
– فواز كلمني وقالي إنك هنا والبطاقة مش معاك، خدت مفاتيح عربيتك الاحتياطي وروحت جيبت البطاقة والرخصة وجيت على هنا
ثم قدم “عادل” بطاقة إثبات الهوية الشرطي وسأل :
– دلوقتي نقدر نمشي؟
– هنقفل المحضر وتمشوا على طول، اتفضلو ارتاحو
جذبه “عادل” ليتحدث إليه بصوت منخفض :
– إيه اللي حصل يارائد؟
فقال على مضض شديد :
– الواد طلع قاتل واحد صاحبه عشان متخانقين على بت، ودخل يستخبى في المحل بتاع الهانم.. ستر ربنا أني كنت قدام المحل كان زمانها مقتولة
زفر “رائد” وعاد يتابع :
– والواد اعترف إننا ملناش علاقة بيه،. عشان كدا هنخرج دلوقتي
– اتفضل ياأستاذ رائد
قالها الشرطي عقب أن انتهى من إغلاق المحضر وبسط يده بالبطاقة، فـ التقطها “رائد” ورمقها بإحتقان لبرودة أعصابها :
– انتي عاجبك القاعدة في القسم ولا حاجه؟
نهضت على الفور وهي تنظر إليه بتحرج و:
– آ لأ طبعًا
استبقها للخارج، فنظر إليها “عادل” وسأل :
– انتوا متخانقين ولا إيه؟
– تقريبًا يعني
……………………………………………………………………..
كانت مسترخية برأسها على صدرهِ.. وفي حالة سكون تام عقب لحظات حميمية عايشتها معه بعد جفاء أيام وليالي طويلة..
كانت ذقنه ملتصقة برأسها، ورائحة شعرها الغريبة أقرب لأنفه من أي شئ آخر.. رائحة تشبه التوت البري في آوانهِ.
تنهدت “برديس” بسعادة لأول مرة منذ زواجها.. أحست بفارق غريب، وكأنه أول مرة يتعامل معها بمثل هذه النعومة واللطافة.. عضت على شفتيها بحرج عندما استعادت بمخيلتها كيف اختطفها من أوج حزنها لعالمهِ الفريد فـ انخرطا به سويًا.. ثم تململت ببطء وهي تعتدل في جلستها ظنًا منها إنه قد نام.
فباغتها بسؤاله :
– رايحة فين يابيري!
فـ التفتت تنظر إليه نظرة عابثة وهي تردد :
– هقوم آخد شاور
فسألها بخبث وهو يستقيم في جلسته :
– تحبي اساعدك في حاجه؟
فـ ضحكت وهي تنهض مستخدمة الروب الطويل في ستر جسدها :
– لأ ، أنا هساعد نفسي
ثم نهضت من جواره وسارت نحو المرحاض.. وليتها لم تتركه، فقد تركته مع وخزات الشك التي تتلاعب بعقله حيالها من جديد.. زفر بحنق عندما تذكر ما أصابه بالضيق، ولكنه عاد يستطرد :
– حتى لو كان جواها حاجه ناحيته، أكيد اختفت.. وإلا مكنش زمانها في حضني وعلى سريري دلوقتي!.. كانت هتتهرب مني زي ما كانت بتعمل دايمـًا
أمسك كأس المياه ليرتشف منه جرعة كبيرة ثم تابع :
– أنا كمان لازم انسى.. لازم
………………………………………………………………………
- يــــــوه ، انتي مبتزهقيش من التلميح والكلام السخيف دا!
قالها “رائد” بصوت جهوري منفعل وهو يجلس بجوار “عادل” الذي يقود السيارة.. وهي تجلس بالخلف، فتدخل “عادل” عندما باءت الأمور أصعب من ذي قبل :
– يارائد مش كدا، أهدى شوية
فصاح وهو يشير للخلف :
– مش سامع كلامها اللي زي السم ياعمي، بعد كل اللي هي عملته برضو عندها لسان عايز قطعه ومش مبطلة كلام من الصبح!
ثم التفت قليلًا وتابع :
– لولاكي مكنش اللي حصل حصل !.. مكنتش تبقى الساعة ٣ بعد نص الليل واحنا في الشارع وراجعين من القسم ياهانم
فلم تكف عن معاندته وأثارة أعصابه أكثر :
– محدش قالك تيجي المحل!
– ده بدل ما تشكريني؟.. كان زمانك ميتة وبنقرا عليكي الفاتحة دلوقتي
كان هدوئها أكثر العوامل المثيرة لغيظه، فتمسكت به وهي تتابع :
– الأعمار بيد الله
لم يطيق صبرًا، فـ اندفع يقول :
– وقف العربية ياعمي، وقف
– رايح فين بس يارائد، ما تهدوا ياجماعة
فصاح به بإنفعال وإصرار :
– بقولك وقف ياعمي
توقف “عادل” على الجانب، فترجل “رائد” عن السيارة وهو يغمغم بكلمات غير مفهومة ولكنها تفهمت إنه سباب بالتأكيد.. ومضى في طريق معاكس لهم مترجلًا..
أضطر “عادل” لمتابعة الطريق أمامه كي يصل بها للقصر، ولكنها طلبت منه الذهاب لمنزلها الزوجي أولًا :
– معلش هجيب شوية حجات نقصاني
– حاضر
……………………………………………………………………..
كانت الغرفة حالكة السواد، حينما وطأها بقدميهِ مُتخطيًا العتبات بخطى حسيسة لئلا يوقظها.. ثمة ضوء ضعيف اخترق الغرفة أثر فتح الباب، ولكنهُ تلاشى مجرد إغلاقهُ..
اقترب بهدوء وصمت شديدين، ثم جلس ببطء جوار النائمة بوسط المضجع.. استشعرت على الفور بوجودهُ، ورائحتهُ المميزة ضربت أنفها بسهولة.. فـ انتفضت عن نومتها، وضغط على زر إنارة الأباجورة لتضاء الغرفة.. ومن ثم تطلعت إليهِ برهبة، ثم قالت بصوت مبحوح خالجتهُ رعشة إضطرابها :
- أنت جاي أوضتي ليه؟
امتدت ذراعهُ ليلمس بكفهُ شعرها الأشقر ولكنها ابتعدت لتفادي لمستهُ.. وأثناء ذلك هتف بصوت مشتاق لم يقوَ على ردعهِ :
– جاي عشانك
وسرعان ما اختطف قُبلة من شفاها، أعقبها بأخرى وأخرى.. وكلما زاد عمق قبلته، كلما تعمقت تنهيداتها المتنعمة بقربه ولمساته عليها، كانت تنتظر لحظة اقترابهما لهذا الحد.. حتى إنها لم تحلم قط بشئ مثل هذا، بادلته شعور العطاء بعد الحرمان.. الدفء بعد ليالي باردة بينهما، حتى أصبح واقعها أسوأ بكثير مما تظن.
انتفضت “رفيف” من نومتها وهي تبكي بكاءًا مريرًا عقب هذا الحلم الذي ودت لو إنه حقيقة تعيشها بين يديه وفي أحضانه.. رثت حالها وما سقطت فيه من مأزق حقيقي، فهي ليست بالإنسانة التي تنسى جروحها وتتأقلم مع الأوضاع، إنما داخلها من الكبرياء ما يكفي عشرات النساء من مثيلاتها.
نزحت دموعها التي أخذت تنهمر بغزارة عندما تذكرت وعيده بتنفيذ الطلاق بعد العودة من سفرهم.
واقتحمها شعور الفقد والخسارة، التفتت برأسها فوجدتها السادسة صباحًا وقد بدأ ضوء الشروق ينتشر.. مسحت دموعها وهي تنهض عن الفراش، ثم اتخذت من الأريكة موضعًا لجلوسها.. منذ أن تركهم لم يعود للقصر، وهذا ما جعلها ترتاب أكثر.
……………………………………………………………………
تأمل “رائد” هذه الكدمة أسفل ذقنه والتي كان يعالجها منذ الأمس.. وهذا الإحمرار بجانب صفحة وجهه والذي لم يستطع أن يزيل أثرها.
طاقته السلبية طفت على السطح وقد أصبح لا يحتمل أدنى شئ، طفح كيله وفاض الكثير أيضًا.. تابعته “فريدة” بنظرات مترقبة وهي على فراشها، ثم سألته :
– وأخرتها يارائد ؟ تفتكر الطلاق حل؟
– أيوة حل، آآآه
ضغط رغمًا عنه على هذا الإحمرار المؤلم، فقذف بقطعة الثلج وهو يردد :
– مش شايفه اللي معيشاني فيه ياماما؟.. أنا خلاص جبت أخري
فدافعت عنها “فريدة” قائلة :
– أنت اللي هونت يارائد
صُدم “رائد” من كونها تعلم الحقيقة.. والتفت إليها ليقول بذهول :
– كنتي عارفه!
– طبعًا عارفه، رفيف قالتلي.. اللي مستغرباه ازاي تبص لواحدة تانية وهي معاك! ، دا انت كنت بتقول فيها شعر قبل ما تعرفني عليها
تنهد بضيق وهو يبرر ذلك للمرة المائة :
– ياماما، ياماما انا موعدتهاش بأي حاجه، هي اللي رسمت أحلام في الهوا
– بس انت اللي سمحت انها ترسم الأحلام دي
عاد ينظر للمرآه من جديد وهو يسحب معطفهِ الأسود كي يرتديه :
– اللي حصل حصل خلاص، وانا حاولت كتير ومنفعش معاها حاجه
ثم تقدم منها يُقبل رأسها و:
– أنا لازم أروح اشوفها جهزت ولا لأ عشان لازم اسافر بدري.. عايزة حاجه
طرقات على الباب.. فـ برز صوت “رائد” :
– أدخل
ولج “سعد” وهو يحمل كأس المياه بيده، اقترب من الفراش وهو يردد :
– معاد الدوا يا……
بتر عبارته عندما غمزت له “فريدة” ليتذكر أن هذا الأمر سريًا بينهما.. فحمحم وهو يطرق رأسه قائلًا :
– آ… الميا اللي حضرتك طلبتيها
فلم يكن “رائد” غافلًا عما حدث توًا ، ليتسائل بتوجس وقلق :
– مانا انتي تعبانه؟.. دوا إيه اللي بتاخديه،. اجيبلك دكتور
فربتت على كتفه بحنو و:
– ياحبيبي انا بخير، بس كنت مصدعة امبارح شوية وخدت مسكن وهاخد منه دلوقتي تاني
– ماما متخبيش عني حاجه من فضلك
– ياحبيبي صدقني أنا كويسة.. روح شوف مراتك
وقف، ثم انحنى يُقبلها بعمق :
– حاضر، خلي بالك منها ياسعد
– حاضر
قالها وهو يضحك بوجهه ببراءة، فـ ابتسم “رائد” وهو يردد :
– شكلي هحب وجودك هنا ياسعد
ثم تحرك بإتجاه الباب، بينما عاتبته “فريدة” برفق:
– أخس عليك ياسعد كدا كنت هتقع بلسانك؟
فـ عقد حاجبيه بندم و :
– آسف والله نسيت، بس ليه مش عايزاه يعرف؟
– عشان ميتعلقش بأمل من أول وجديد بعد كان نسي، يمكن محاولتي الأخيرة دي متجيش بفايدة زي كل السنين اللي فاتت
أشارت نحو الكومود و :
– طلع العلاج من الدرج عشان أخده قبل ما عاكف يطلع هنا
– حاضر
……………………………………………………………………
أغلق “رائد” مؤخرة السيارة عقب أن وضع حقائب السفر، رفع بصره عاليًا ليجد “فاروق” يلوح له في الهواء.. فـ ابتسم وهو يلوح له أيضًا ومن ثم انتقل لمقعد القيادة ليتحرك بسيارته.. كل منهما متشحًا بالغرور وكبرياء النفس المهلك، فلم يبادر أحدهما بالحديث بتاتًا.. وبقى الوضع هكذا لساعات طويلة، إلى أن غفت “رفيف” بالسيارة رغمًا عنها.
_ غرفة مكتب” عادل”
تأففت “شهيرة” بسخط على تصرف “عادل” المتسرع ، ثم عنفته قائلة :
– وازاي تحكم ان بينهم حاجه من مجرد مشهد زي دا؟
تسلطت نظراته المستنكرة عليها وهو يردد :
– انتي فكراني بعدت عشان شاكك فيها؟؟.. أنا بثق في ندى جدًا وعمري ما شكيت في أخلاصها ليا
فزاد حنقها منه أكثر لغياب الدافع وراء هروبه :
– أمال ليه عملت كدا يابني بس!
أجفل وهو يردد بضيق اختلج صوته :
– لما شوفت الشاب دا معاها حسيت اني أناني أوي.. بخطفها من حياتها عشان احطها في حياتي، لما قارنت نفسي بالشاب دا حسيت إنهم ممكن يكونوا لايقين على بعض وبينهم صفات مشتركة.. عكسي أنا معاها، احنا مش شبه بعض
– عادل، اسمعني ياحبيبي
وقفت عن جلستها والتفت حول المكتب لتكون بجواره، مسحت على كتفه بعاطفة أمومة نبضت بداخلها لسنوات.. ثم تابعت :
– الشبه اللي بتكلم عنه ساعات بيكون ماسخ وبيبوظ الصورة.. وأحيانا بنحتاج الإختلاف في حياتنا وفي الناس اللي لنكون معاهم عشان اللوحة تكون أجمل وأبسط، الشبه بيخليك تعيش نفس اللي انت عايشه.. إنما الاختلاف بيديك فرصة تشوف حجات وتعيش حجات جديدة انت معيشتهاش قبل كدة، صدقني.. بلاش تحبط نفسك أكتر من كدا، هترجع تندم في الآخر يابني
أحس بمنطقية حديثها وعقلانيته.. فهو قد حكم على نفسه بالسجن لمجرد شكوك واهية لا صحة لها.
وهذا التخوف الذي يتملكه جعل منه قطعة لينه لتحكمات عقله الذي يرفضها.. عليه خوض التجربة التي اختارها من البداية حتى نهايتها، كي يكون الحكم معترف به وصادق.
لذلك نهض عن جلسته، والتقط هاتفه وهو يردد :
– عندك حق،. مينفعش اخذلها واقف عاجز كدا عشان سبب زي دا، على الاقل لو اترفضت هقتنع إني وقفت للنهاية
ومضى صوب الباب متحمسًا لما سيفعل، بينما شعرت هي ببعض الراحة كونها استطاعت التأثير عليه.. وتمنت لو أن الأمر يتم بأسرع من ذلك، فتكون ممتنة للقدر الذي وقف معها هذه المرة.
………………………………………………………………………
كانت حرارة شمس الغروب لطيفة وهي مسلطة عليها هكذا.. وقفت “رفيف” أمام الفندق الذي ستسكن به وزوجها لحين انتهاء عملهم بمدينة مرسى علم، تنتظر انتهاء زوجها من بعض الإجراءات الروتينية..
اقترب منها و :
– يلا عشان ناخد المفاتيح ونطلع
– ياريت
ثم توجه نحو الإستقبال و :
– المفاتيح لو سمحت
ناوله اثنان من الكروت الذكية لفتح أبواب الغرف، فناولها أحدهم و :
– ده عشان أوضتك
حملقت فيه وهي تردد :
– أوضتي؟.. هو انت مش معايا في نفس الأوضة؟
– لأ، هبقى جمبك في أوضة تانية
رمقته بنظرات مستشيطة، لقد تعمد فعل ذلك لإذلالها.. ولكنها تماسكت كي لا تفقد قوتها المتزعزعة، والتقطته منه و:
– ماشي
انبعج فمه فجأة وهو ينظر أقصى اليسار، وكأنه رأى أحدهم.. فـ استدارت برأسها لترى فتاة تقترب منهم وقد ظهر عليها إنها على معرفة سابقة به.. دنى منها “رائد” وهو يردد :
– أنا مستنيكي من بدري يادينا
صافحته بتودد ، ثم اقتربت منه فجأة تُقبل وجنتيه و :
– سوري والله كان عندي حجات كتير بخلصها.. حمدالله على السلامة
شملتها “رفيف” بنظرات متفحصة ليلفت انتباهها هذه التنورة القصيرة التي تصل لمنتصف فخذيها، وساقيها اللامعتان بجوارب شفافة.. بجانب كنزة زهرية اللون بالكاد تغطي صدرها وتترك ذراعيها مكشوفتان، تأججت الغيرة بداخلها وهي ترى مزاحهم وحديثهم وكأنهم يعرفون بعضهم البعض منذ سنوات.. عقدت ذراعيها بتبرم، ولم تقوَ على كبح ما تشعر بهِ من غبطة عنيفة تدفعها للقبض على عنق تلك الطويلة التي تقترب من طول “رائد” الفارع..
صحبها “رائد” نحوها و :
– دينا المديرة التنفيذية لفرع الشركة هنا.. رفيف
صافحتها “دينا” بطبيعية وتسائلت :
– انتوا Related (مرتبطين)
فأسرعت “رفيف” بالإبتسام السمج وهي تجيب :
– أنا مراته
جحظت عيناها غير مصدقة، وسرعان ما انفرجت شفتيها بابتسامة سعيدة وهي تقول :
– بــجد؟ طب ليه يارائد معرفتناش.. هي القاهرة غيرتك ولا إيه؟
فـ أفتر ثغره بإبتسامة مزيفة و :
– معلش كل حاجه حصلت بسرعة.. المهم انا عايز أقعد معاكي، هطلع شنطتي وهوصل رفيف وانزل نقعد في الـ Café شوية
– أوكي هستناك
توجهت “دينا” ناحية مقهى الفندق، بينما تصلبت “رفيف” بمكانها غير مصدقة ما يحدث أمام ناظريها الآن.. لوح “رائد” لها في الهواء ليلفت إنتباهها :
– رفيف، بقولك يلا نطلع
لم تستطع منع نفسها من السؤال :
– أنت هتقعد معاها لوحدكم؟
قرأ الغيرة التي غزتها وتراقصت في لمعان عيناها الرماديتين.. فـ ابتسم بحبور ملأ صدره وردد :
– أكيد مش هجيب محرم مثلًا، ده شغل
ثم استبقها نحو المصعد :
– يلا عشان مش فاضي استناكي
ازدردت ريقها ثم تمتمت :
– أكيد متعمد، أيوة متعمد يعمل كدا عشان يغيظني.. ماشي يارائد.. ماشي
……………………………………………………………………
كانت “برديس” تتحدث في هاتفها وهي تتصفح إحدى المجلات الشهيرة.. ثم ختمت حديثها بـ :
– أبعتيهم على البيت ومعاهم فاتورة، باي
أغلقت الهاتف ثم نظرت للمجلة مرة أخرى وهي تتحدث لنفسها :
– الأخضر أحلى ولا الفضي!.. مش معقول هكلمها عشان اعدل الأوردر لتالت مرة يعني!
– مساء الخير يابيري
قالها وهي يأتي من خلفها.. وانحنى يُقبل وجنتها.. فـ ابتسمت وهي تترك المجلة و :
– اتأخرت ليه ياطارق
– كنت بجيبلك المفاجأة اللي قولتلك عليها.. عارف إنها مش هتعوضك عن القطة بتاعتك بس أكيد هتعجبك
تحفزت كثيرًا لمعرفة ماهية الهدية التي حضر بها .. فـ اعتدلت في جلستها ووضعت كفيها على عيناها تعطيهم وهي تقول :
– أنا مغمضة أهو
وقف “طارق” أمامها ورفع “كلب” صغير في الهواء وهو يردد بحماسة :
– فتحي عينك
فتحت عيناها لتصدم برؤية هذا الحيوان الأليف الذي تبغضه.. شهقت بفزع وهي تنهض بسرعة عن المقعد و صاحت بصراخ :
– جايبلي dog!!.. هي دي المفاجأة
تفاجأ من رد فعلها الذي لم يتوقعه البتة و :
– أفتكرت هيعجبك ؟
فصرخت فيه وهي تبتعد :
– أنت متعرفش ان عندي Phobia (فوبيا) منهم؟!.. خرجه برا القصر بسرعة
فـ دنى منها و :
– ياحببتي دا أحلى من القطة بتاعتك اللي ماتت والله.. بصي بس عليه
– لأاااا عاااااا
وركضت منه.. بينما ركض هو خلفها وهو يمسك به مصرًا على أن يعطيه لها :
– يابيــري، استني بس رايحة فين.. هتحبيه والله
– حبه انت ياحبيبي، حد يسـاعدني Help me
كان الكلب ينبح عاليًا وصوته يخترق أذنها.. فـ التفتت لتنظر إليه وهي تلهث قائلة :
– طارق أرجوك مش قادرة اجري أكتر……
انقطع صوتها بسقوطها في المسبح المملوء بالمياه.. فقذف “طارق” الكلب بعيدًا وهو يصيح :
– يادي الليلة الزرقا، بسين تاني!
ثم ركض بسرعة البرق وقذف بنفسه وراءها في المسبح وقد أصبح مؤخرًا المُنقذ الرسمي لهذه العائلة..
………………..