رواية إمبراطورية الملائكة بقلم/ياسمين عادل
<< إمبراطورية الملائكة >>
الفصل التاسع عشر :-
انقبضت ملامحه وحدق فيها قليلًا، بينما كانت نظراتها المتجبرة عليه لا تحيدها.. وگأنها تؤلمه أكثر وأكثر، أطبق جفونه مانعًا إنفعاله من الظهور ، ثم عاد يفتحهما وهو يردد :
– إيه اللي بتقوليه دا يارفيف؟ أنا عارف إن……
قطع حديثهِ مع فتح الباب، لتظهر من خلفه “فريدة” وهي تدفع مقعدها للأمام.. ابتسمت بحبور وهي ترى “رفيف” بحالة جيدة، وتقدمت منها وهي تنطق بـ :
– صباح الخـير ، أزيك ياحببتي عامله إيه النهاردة ؟
فأجابت “رفيف” بفتور وهي تشيح بصرها للجهه الأخرى :
– الحمد لله
نهض “رائد” يستقبلهم وعلى وجهه برزت ملامح الإمتعاض :
– أتفضلي ياأمي ، لو كنتي قولتي إنك جاية كنت جيت خدتك
وزعت “فريدة” نظراتها المتشككة على كلاهما و :
– عمك عادل وصلني وواقف برا
دفعت مقعدها عدة خطوات وهي تتسائل بفضول :
– مالك يارفيف ؟.. رائد زعلك في حاجه
و سرعان ما انتقلت نظرات “رفيف” المحتدمة نحوه ترمقه بصمت، لتتفهم “فريدة” على الفور وتقول :
– قوليلي بس عملك إيه وحسابه هيكون معايا
أطرقت “رفيف” نظراتها بإنكسار وهي تقول :
– مفيش حاجه ياماما فريدة
نفخ “رائد” بقنوط، فلم يستطع إستكمال حواره الذي انتظره طويلًا معها.. وقرر الإنسحاب من بينهن و :
– أنا هشوف عمي وارجع، عن أذنكم
وحدجها بنظرة نادمة قبل أن يخرج.. كان استنتاج “فريدة” لوجود خطب ما بينهما سهلًا، فهي تعي ولدها جيدًا.. بسطت ذراعها تربت به على كتف “رفيف” وهي تسأل :
– مالك ياحببتي ، قوليلي دا انا زي أمك بالظبط.. انتوا اتخانقتوا سوا؟
أبعد “رائد” هاتفه عن أذنيه وهو يسبّ بصوت خافت :
– الـ **** قافلة تليفونها من امبارح.. عشان عارفه إني لو طولتها هفرمها
نظر “عادل” بإتجاه عائلة “رفيف” وهو يردد بخفوت :
– وطي صوتك يارائد.. وبعدين اللي حصل كان في مصلحتك ، دلوقتي كل حاجه ظهرت ومبقاش في حاجه تخوفك، ولا هتفضل تحت رحمة مروة
ذمّ على شفتيه بإنزعاج شديد وهو بهتف بـ :
– مش دا الشكل اللي المفروض كانت تعرف بيه ياعمي ، أنا اتغفلت.. عملت عليا فيلم عشان تطلع هي بريئة ، بس على مين ؟
أصدر هاتفه رنينًا صاخبًا.. فأجاب بعجالة و :
– أيوة يا أميرة ، مروة جت الشركة ؟.. إيــه!
ثم ضحك بسخرية وهو يستمع لردها، وأغلق مباشرة وهو يقول :
– كانت سايبة استقالتها على المكتب من إمبارح ، يعني عندي حق وكل دا هي مدبراه.. دي أيامها الجاية هتبقى سواد على دماغها
لاحظ “رائد” شرود “عادل” ،حتى إنه لم يستمع لآخر حديثه.. عقد ما بين حاجبيه وهو ينظر خلفه، فوجد “ندى” تنظر إليهم من الحين للآخر.. زفر “رائد” بسخط وهو يسير مبتعدًا عن هذا المحيط، حتى أن “عادل” لم يلحظ ذلك،فقد غاب عن الواقع فعليًا.
لم تصدق “فريدة” حديث “رفيف” وإنكارها بوجود شئ.. حاولت مرارًا أن تجعلها تتحدث إليها، ولكن دون فائدة.. لازمت “رفيف” إدعاء الكذب و :
– لو في حاجه هقولك ياماما، الحكاية كلها شوية ضغوط وتراكمت عليا ، يعني إرهاق مش أكتر
نظرت إليها “فريدة” بترقب غير مقتنعة بحديثها، ثم قالت :
– ماشي يارفيف، وقت ما تحبي تتكلمي أنا هكون موجودة
أومأت “رفيف” رأسها قبل أن تريح رأسها على الوسادة.. بينما تحدثت “فريدة” لنفسها بتحير :
– ياترى عملت إيـه يارائد خلتها وصلت للحالة دي؟
……………………………………………………….
مازال “فاروق” جالسًا بمحله، يحاول أن يكون منتصبًا قويًا أمامها.. فقال بعدم اكتراث :
– كنت عارف إنك ذكية وهتكشفي الحكاية ، لكن انا معملتش جريمة زي ما بتقولي ياشهيرة، أنا بجمع ولادي وبصلح غلطي قبل مااموت.. أنا عارف إنهم كلهم بيكرهوا بعض، خايف أقابل ربنا وهما بيقطعوا في لحم بعض
حدجته بإستنكار وهي ترد بـ :
– وانت فاكر إن لمتهم حواليك هتصلح حاجه ؟!.. كل واحد فيهم راسم ملاك على وشه قدامك، وهما كلهم شياطين في نفوسهم.. اللي بتعمله دا هيخليهم يقتلوا في بعض عشان خاطر أي حاجه
ثم ابتسمت بتهكم و :
– الطمع في إمبراطوريتك وراثي يافاروق ، وانت اللي زرعته فيهم
– أطلعي انتي منها ياشهيرة وسيبيني أتصرف مع عيالي
– مش هيحصل، انت ناسي إن ابني الوحيد عادل بينهم؟
تنهد “فاروق” بتعب و :
– ياشهيرة أنا مش قادر اناهد معاكي…..
سعل بإنفعال ، ثم تابع :
– قولتلك مالكيش دعوة انتي
طار خبر وجود “شهيرة” بالقصر لـ “ميسون” التي استشاطت غضبًا فور علمها.. ألقت بالمنشفة أرضًا وهي تنظر للخادمة غير مصدقة ،ثم رددت :
– شهيرة تحت ؟!.. من أمتى الكلام دا يازهور؟
– من شوية ياهانم
دفعتها “ميسون” بعيدًا وهي تنطق بتذمر :
– وجاية تقوليلي دلوقتي ياغبية
ركضت للأسفل والتهمت المسافة التي تفصل بينها وبين المطبخ.. دلفت على حين غرة وهي تنادي بدلال :
– فـــاروق
استمعت “شهيرة” لصوتها الذي يثير استفزازها.. فـ أطلقت زفيرًا محتقنًا بينما رمقتها “ميسون” بتعالي وهي تردد :
– شهـيرة!!.. انتي هنا!
– لأ هناك
ثم التقطت حقيبتها وهي تنظر بإتجاه فاروق وتقول عبارتها الأخيرة :
– متنساش اللي قولتلك عليه يافاروق، لو متصرفتش أنا هضطر اتصرف بنفسي
وبرحت المكان.. لتتبدل ملامح “ميسون” لأخرى منفعلة وهي تسأل :
– مين جاب دي هنا ؟.. وعايزة إيه يافاروق ؟، إحنا مش هنخلص بقى
وضع “فاروق” كفه موضع قلبهِ وقد بدأت وخزات حادة تهاجمه.. تفاوتت أنفاسه، فـ اقتربت منه زوجته تسأله بتلهف:
– مالك يافاروق ؟
فقال بصوت متقطع وقد بدأ يتعرق بإفراط :
– مش قادر آخد نفسي ، النوبة.. النوبة هتجيلي ، طلعيني فوق بسرعة يا ميـ… آآ ه
– فــاروق!
…………………………………………………………
كانت “مروة” تجلس أمام التلفاز، تتابعه بعدم تركيز.. وكل ذهنها وتفكيرها منصب على أحداث الليلة الماضية.. استمعت لصوت فتح الباب، فـ انتقلت نظراتها على الفور معتقدة دخول الجميع الآن، ولكنها وجدت “ندى” فقط.. فأسرعت نحوها وهي تتسائل :
– إيه اللي حصل ياندى، خالتي من ساعة ما بلغتني باللي حصل وانا قلقانة عليكوا
تلوت شفتي “ندى” غير مصدقة ذلك التلهف ، ثم قالت بإستنكار :
– لو صحيح قلقتي كنتي جيتي تطمني عليها.. دا انتي مهانش عليكي حتى مكالمة تليفون!
ثم تركتها وولجت للداخل، فـ بقيت “مروة” بمفردها بين نيران الحيرة.. وحتى إن لم تتصل بها.. ستواجهها لا محالة، فماذا ستقول لها؟.. لم تعدّ حالها لمواجهة مثل تلك معها، فقد أغشتها نيران حقدها وغيرتها.. جلست على طرف الأريكة تفكر، لتجد “ندى” تخرج مرة أخرى وهي تحمل حقيبة صغيرة، فسألتها بفضول متردد :
– طب انتي رايحة فين دلوقتي؟
فأجابت وهي تستكمل طريقها نحو الباب:
– واخدة هدوم لرفيف عشان تغير هدومها قبل ما ترجع بيتها بالسلامة.. عن أذنك
توترت “مروة” حينما علمت بقرب تواجدها المحتوم هنا.. فركت كفيها سويًا بتوتر ، ثم همست وهي تقبض جفونها بإنفعال جلي :
– أنا مش غلطانة ،واللي حصل كان صدفة.. وبس
………………………………………………………….
كانت شرفة غرفتها الجديدة التي تطل على حديقة القصر مرتفعة للغاية عن الغرفة التي اعتادت عليها.. راقبت ذاك العامل الذي يهتم بإقتصاص أوراق الشجر الزائدة، وهي عاقدة لساعديها أمام صدرها..
هذة ليلتها الأولى گعروس، ولكنها ليلة عادية للغاية، استشعرت اقترابه منها ، فـ التفتت لتغادر الشرفة قبيل أن يحاصرها.. ولكنه كان أقرب كما تتصور ، رمقها بشغف وهو يردد :
– بكرة الصبح هنكون في تركيا، مستعدة لشهر العسل يابيري ؟
تنفست بتوتر وهي تجيب :
– طب ما نأجله شويه، أنا عايزة أقعد مع جدو و…..
تنهد “طارق” بسأم وهو يقول :
– مش هينفع، أنا خلاص حجزت التذاكر.. وبعدين انا عايز اعرف انتي بتهربي من أي مكان نكون فيه لوحدنا ليه ؟
ثم جذب رسغها لتكون بين أحضانه وتابع بمغزى لئيم :
– مااحنا هنا لوحدنا برضو، مش هاكلك متخافيش
ثم اقترب من وجنتيها وهمس :
– وحتى لو كلتك، مش مشلكة خالص
كاد ينهال على وجنتيها الناعمتين بقبلاته، ولكنها نجحت بالإنسحاب من بين يديه وهي تردد :
– أنا هحضر شنطتي
تنفس بمعدل أسرع وقد اشتهى تقبيلها أكثر من أي وقت.. ولكنه ضبط رغبته وتحكم فيها وهو يقول بهدوء حذر :
– وماله، بكرة مش بعيد
…………………………………………………………..
بسط لها ذراعه لتستند عليه وهي تترجل عن سيارته، ولكنها تجاهلته.. ترجلت بمفردها وهي تنظر حولها وتستنشق هواءًا غير هواء المشفى الذي عللها أكثر..
ثم مضت في طريقها نحو البناية القديمة دون أن تخاطبه بكلمة واحدة.. تابعها “عماد” بنظرات فضولية ، ثم برر موقفها :
– معلش يارائد شكلها تعبانة أوي ومرهقة
فـ ابتسم “رائد” بدون أن يوضح همومه، ثم أجاب بـ :
– معلش ياعمي أنا مقدر ، ان شاء الله هطمن عليها بعدين
ثم أغلق باب السيارة والتفت حولها كي يستقر في مقعده ويقودها للخروج من هنا..
صعدت “رفيف” ببطء وقد استبقتها “دريّة” و “ندى” ، وأول ما افتعلته هو دخول غرفة “مروة”.. كانت الأخيرة منعزلة بنفسها تظن أن “رفيف” لن تأتيها.. ولكنها أخطأت، فكانت هي أولى الخطوات التي قامت بها “رفيف”..
أشاحت “مروة” ببصرها عنها وهي تقول بخفوت:
– حمدلله على السلامة يارفيف
لم تجيبها ، أغلقت الباب بصمت.. وتقدمت منها حتى جلست أمامها مباشرة، نظرت لعيناها مليًا، فـ اضطربت “مروة” أكثر وأكثر و :
– بتبصيلي كدا ليه!.. آآ.. أنا معملتش حاجه، أ….
– إنتي عقاب من ربنا ليا في الدنيا يامروة..
من يوم ما رجعت مصر ، وانتي واخدة مني موقف.. قلبك كان عليا حجر، عمرك ما بصتيلي بصة رأفة واحدة
بدأت الدموع تتجمع في مقلتي “رفيف” وهي تتابع :
– حتى لما ربنا بعتلي الإنسان اللي يعوضني.. استكترتي الفرحة عليا ، ليه عملتي كدا.. ليه قولتي الحقيقة وانتي عارفه إني مش هستحملها!
أرادت أن تبين صدق نواياها وإن كان كذبًا :
– أنا مقولتش غير الحق، واللي كان لازم تعرفيه
– وطالما كان لازم اعرفه، مقولتيش قبل ما نكتب الكتاب ليه ؟
تمسكت بالصمت، فأجابت “رفيف” عنها :
– ملحقتيش ، رائد سبقك بخطوة صح ؟
إنسابت دموعها من بين طرفيها، وهي تتابع بقهر شديد :
– أنا كرهت الأخوة اللي بتجمعنا، تقدري تقوليلي هعيش إزاي وسط الحقيقة دي ؟.. ولا هقدر ابص في وشك ، ولا هقدر أكمل مع الإنسان اللي بحبه.. أنتي بقيتي سبب تعاستي يامروة ، سبب تعاستي
ونهضت لتتركها بين ذبحات ضميرها، عسى أن ينتقم لها منها.. غادرت غرفتها وهي تكبح شلال من الدموع انهمر بمجرد إختلائها بنفسها.. ولم تجد سوى وسادتها تحتمي بها من غوائل ما حدث، فـ ما زالت حتى الآن تحت وقع الصدمة.. ولم تفيق منها لتصطدم بالواقع بعد.
…………………………………………………………
لم تفلح الأقراص العلاجية السريعة التي يتناولها في مثل تلك الحالات ، وقد تضاعف عليه عبئ المرض وآلامه في هذه الساعات الأخيرة..
كانت “ميسون” في حالة من الخوف والفزع من أن يصيبه مكروه، اقتربت منه وهو مسطحًا على الفراش.. لتستمع إلى هذيانه المبهم، يلتقط أنفاسه بصعوبة ولا يقوَ على فتح جفنيه.. حتى إنها تشككت أن هذه لحظاتهِ الأخيرة، ثوانٍ وسيلفظ آخرها..
خرجت “زهور” وهي تبكي بكاءًا شديدًا من الغرفة لتقصد أيًا من غرف أبناؤه.. فوجدت “رائد” في طريقها، استوقفها عقب أن انتابه الفزع وهو يسألها :
– في إيه يازهور ؟؟
شهقت وتعالى صوت بكائها، فنهرها “رائد” بإنفعال كي تتكلم :
– ما تنطقـي في إيـه ؟
فقالت بصوت متقطع خالجهُ حشرجة باكية :
– فـ.. فاروق بيه، بـ بيـموت
– إيــــــــه!!
……………………………………………………