رواية عمانية احرف مطموره بين طيات الورق كاملة

(((((((((((((((((الفصل الثامن)))))))))))))))

~~رويتكي من ماء عيني…~~

بعد أقل من ساعة…
وقفت قدام المرآية جامدة وشاردة… أناظر الجرح إلي على رقبتي وإلي لاحظته إلحين… وآثر
صفع وليد على خدودي… غمضت عيوني… وشريط أحداث الليلة تمر علي وتألمني… تألمني
وتزيد قلبي طعنات…
وبلحظة ضعف………..
طحت على ركبتي… وبكيت… بكيت وشاهقت… وأنا أسند جبيني على الدولاب… ما دريت
يالخنساء… مادريت إن بك هالقساوة… هالجمود… هالضحكات اليائسة المجنونة… مادريت إنك
بلحظة تجردتي من الشفقة… من التسامح… من التعاطف… وكله… كله… لأن وليد أخذ حقه…
:آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه….
ضميت يدي لحضني وأنا أحس بدوخة… أحس بالدوار بسبب البكاء إلي ما وقفته… وليد صح أخذ
حقه… لكن أبقى أنا أنطعت منه… أنطعنت بأنوثتي… أنطعنت بكل قسوة ووحشة… ومستحيل…
مستحيل أسامحه… مستحييييل…
آآآآه…
حطيت يدي على فمي أكبت هالشهقات والآهات… كفاية يالخنساء… أكبتي هالبكاء وهالشهقات…
البكاء ماراح ينفعك… ماراح يصلح الوضع… مديت يد مرتعشة أغرسها على شعري وأنا
أتأوهوأبكي وأرجع أستند عالدولاب… كفاية هالدموع… كفاية…
سمعت صوت وراي… وبقيت مثل ما أنا أحس ببرودة الخشب على جبيني… أكيد هو… أكيد جا يطلب
السماح والغفران… يطلبه لأنه نادم على إنه حسب وحسب… وكان غلطان… يطلبه لأنه آذى
المسؤولية إلي حملها له عمه… غريب… غريب كيف ندمه وإعتذاراته ما أثرت فيني… غريب…
وقفت شوي شوي ألملم رجولي أوقف على حيلي… وطاحت عيني على إنعكاس صورة وليد بالمراية
وإلي واقف إلحين بوسط الغرفة… وبسبب نور الغرفة الخفيف وجهه ما بين… ما أهتميت له…
ورجعت أناظر الجرح برقبتي وأنا أجلس عالكرسي… سحبت دولاب أدور على مناديل أو أي شيء
أنظف فيه هالجرح…
وما حسيت إلا بيد أنحطت على كتفي… رفعت أنظاري له من المرآيه… وتعلقت أعينا لثواني…
نزلت نظري لحظة… لحظتين… أستجمع قوتي… ورجعت أرفعها أبتسم بكل توجع… ولما حاول
يتكلم سبقته…
وأشرت بابتسامة: ما بقى على دوامك غير ساعتين… تبيني أحضر لك فطور من مطبخ الجناح؟!
ارتعشت شفايفه وناظرني مشتت… ما قدر يتكلم… ولا تكلم… وقمت بكل ثقل ونسيت جرحي…
وقفني لما مسكني ورجعني أجلس على الكرسي…
قال بضعف يدفن راسه بحضني: الخنساء…آآآآآه يا الخنساء… أرجوك أسمعيني… أسمعيني… أدري
والله إني غلطاااااااااان… غلطااااااااااان بحقك … لكن… لكن… أرجوك… سامحيني… ولا تعذبيني
أكثر من كذا… كل ثانية وكل لحظة… أحس فيها إني قتلت نفس… أحس إني خنت عمي… خنته
وهو إلي أمني عليك… هو إلي ترجاني… وبكى علشان أوافق عليك… أرجوووك … أرجوووك…
سامحيني… سامحيني…
ناظرت بشرود لشعره الأسود وهو بحضني… ودمعت عيني… أبوي بكى وترجى حتى يتزوجني
وليد؟!… وليد إلي حسبني بعت شرفي وافق يتزوجني فدى لأبوي… وافق وهو مقتنع بأخلاقي
الوسخة… وإلحين… إلحين… لما عرف الحقيقة… هو ندمان لأنه خان ثقة عمه… خان وصية
عمه… هو ماهمه شو مقدار ألمي… همه بس إنه ندم لأنه خان وصية عمه… همه يريح باله…
فخلاااااص… خلااااص يالخنساء… هذا هو وليد… ضعيف ومهزوز… كفاية يالخنساء… ريحي
ضميره… وطمنيه إنه ما آذى مسؤولية عمه… ما آآآذاها… غريبة… غريبة يكون وليد
بهالضعف… من يوم عرفت وليد ما تخيلته إنه بيوم راح يكون بمثل هالضعف…
ورغم كذا… قلبي ما حن… ما رحم… الحرقة بصدري ترفض… الكبرياء المجروحة إلي أفتخر
فيها وليد من قبل صارت دوري إلحين… الأدوار أنقلبت… أنثوتي إلي طعنها وليد ترفض أسامح
وأنسى…
مسحت على شعره ورفع راسه يناظرني بأمل… ينتظرني بلهفة كلمة تريحه…
ابتسمت بحلاوة وأشرت: وليش تبي مني السماح؟! ليش تبي مني كلمة؟! أنا قلتها لك من قبل… راح
أكون لك نعم الزوجة إلي تبيها… جارية… خادمة… ظلك… أو طيفك… سمني شو تحب وراح
أكون لك… أنت أشر بإيدك وتلقيني عند رجولك أنفذ أوامرك وطلباتك… وما يحتاج تعتذر
لي… ما يحتاج أبدا…
أرتعش جسمه وناظرني محتار متألم… وقفت وتركته رايحة المطبخ وهو يضرب الكرسي بكل
قوته…
حضرت الفطور عالسريع… وجلست على كرسي طاولة الأكل أنتظر وليد يجي…
بعد تقريبا ربع ساعة دخل وليد… كان بلبس الشرطة… شعره مبلول وجسمه مشدود والألم باين
على وجهه… ناظرني لحظة بصمت وجلس مقابل لي…
قدمت له الأكل وصبيت له الحليب… ما حاول يتكلم… عرف إنه ماتت فيني الرحمة أو هذا إلي
فكر فيه… وقف بعد دقايق وهو ما أكل حاجة غير قطعة صغيرة…
سألته بأهتمام: ما أكلت حاجة… تبيني أحضر لك شيء ثاني؟!
ناظرني وقال بسرعة: أريد كلمة منك يالخنساء تريحيني فيها…
ابتسمت بألم: وهذا شيء صعب مالي قدرة فيه…
عض على شفايفه بألم ولف طالع… تذكرت ومشيت له… مسكت ساعدة…
أأشر: وليد…
ناظرني محتار وعيونه بها بريق أمل…
أشرت أحبط آماله: أريدك تتصل بعمي سيف… خبره إني ما أقدر أستقبل التوائم هاليوم… أعتذر
له عني…
همس: ليش؟!
أشرت أسخر منه وأنا أأشر على جروح رقبتي وآثار الضرب على خدودي: وهذا شو؟! تظن إنهم ما
بيسألوني عنه؟! يكفيني الجدة وعمي خالد…
غمض عيونه يكبت موجة ألم وهز راسه موافق… وطلع…
ولأني قدرت أغطي آثار خدودي بطبقة من بودرة الخدود… نزلت لجدتي وسمعتني كم كلمة…
على قولتها شو هالخرابيط بوجهي… ابتسمت لها بوجع وأنا أسمعها تتكلم عن زمان أول… وحريم
أول… ومر اليوم طويل وممل علي بشكل كبير … حتى بدون ما أشوف وليد للساعة 8 بالليل…
ولأني رحت غرفتي أريح ماحسيت إلا وأنا نعسانة… وما سمعته لما طلع باليوم الثاني…

الأحد…
28-10-2007…
الساعة 11 بالليل…
كنت جالسة بالصالة مع جدتي وعمي خالد… وكان عمي وهو يمشي يرفع موبايله يطلب رقم على
كل دقيقتين…
قال عمي: مدري؟! مدري وين هالولد…؟! ما يرد علي…
قالت جدتي وهي وحدها قلقانة: صلي عالنبي يا ولدي…
رد عمي وهو يجلس: اللهم صلي عليه وسلم… يا خالة أحس بقلق… أحس بنغزة تأكد لي إن وليد
فيه شيء… اليوم بطوله من الصباح ما رجع… حتى أتصال يطمنا فيه ما أتصل…
كتبت لعمي: يمكن يكون بدوريه… أتصلت على مكتبه؟!
رد عمي: ما في من يرد على المكتب هالحين… وموبايله مسكره… حتى ربعه يقولون ما يدرون
عنه…
تساءلت وين يكون وليد بهالوقت؟! عمي يقول مو من عادته ما يقول له عن تأخيره بدورياته…
كتبت: يمكن تكون دورية مفاجأة…
تنهد عمي وهو يقول بتوتر: آآآه يا بنتي… ما كنت أبيه يشتغل هالشغلة الخطيرة… بس وليد
عنيد ويقول نفسي فدى وطني… وكم مرة يجينا من دورياته إما مجروح أو مضروب…
حسيت إلحين بخوف على قلق… وأنتظرت معهم نسمع خبر… حتى وصلت الساعة وحدة وتحركت
جدتي بضيق…
قالها عمي: يا خالة روحي نامي وبنطمنك على وليد…
هزت راسها وهي تعبانة: حاشا لله… ولدي ما فالبيت تبيني أرتاح وأنام؟!
قال عمي يحاول فيها: أنتي تعبانة والساعة إلحين وحدة… ياللااا يا خالة… روحي نامي
وبخبرك لما يوصلنا بالجديد…
وبعد ما أقنعها عمي تروح تنام بغرفتها ويطمنها على وليدطلعت وهي تدعي بصوت مسموع…
دعاها زادني رهبة على أمل برجعة وليد… شعوري كان مهزوز ممزق… كنت جامدة بجلستي
والخوف جمدني…
وبعد ربع ساعة حسيت بالنعاس يجافيني ونمت على جلوسي بالكنبة…
سمعت صوت يناديني: الخنساء يا بنتي… قومي…
كان صوت عمي خالد… قمت نعسانة وتذكرت…قفزت وكتبت بسرعة: رجع وليد؟!
هز راسه وقال بوجع: لا… ما رجع… لكن…
مسكت يده وأنا أحس بشيء غريب…
كتبت: شو فيه يا عمي؟! صاير لوليد شيء؟!
قال وهو يمسح على شعري: لا تخافي يا بنتي… كان بدورية مفاجأة وواحد من الحثالة غرس
بصدره زجاجة خمر…
أرتعش جسمي… وبلعت ريقي… رغم كرهي لوليد ومعاملتي له يبقى هو ولد عمي… من لحمي
ودمي… وحزن عمي من حزني… وحتى الوجع بعدوي ما أرضاه له…
كتبت: الساعة كم إلحين؟! ووين هو إلحين؟!
قالي يوقفني: الساعة 3 الفجر… وهو إلحين بالمستشفى… يلاااا يا بنتي روحي ألحين أرتاحي…
أنتي تعبانة… بروح له الصباح وبطمنك على حالته…
كتبت: بروح معك…
قال: الزيارات تفتح العصر…
كنت بعترض لكنه قالي بتعب: يا بنتي هو كلمني يقول إنه بخير… وإذا بتجون تعالوا العصر…
والصباح الزيارات مغلقة…
هزيت راسي وجسمي متكسر من نومتي عالكرسي… وطلعت أريح بغرفتي…
أرتميت على السرير أتنفس بقوة… ما فهمت مشاعري… ما فهمت خوفي… قلقي… وألمي… ما
فهمت هالمشاعر… مديت يدي للمصحف أحاول أهدي دقات قلبي وأقرأ الكلمات إلي تطمني وتنساب
بعروقي أنسياب الماء…
رجعت راسي وأسندته وحضنت المصحف لي… يارب يرجع وليد بخير… لأبوه وجدته وأهله…
أدري إني ما زلت شايلة عليه بس ما أتمنى له يصير له مكروه… أهله محتاجين له… محتاجين
لوجوده بس أنا… أنا مازلت رغم كذا متألمه منه…


الأثنين…
29-10-2007…
الساعة 4 العصر…
أول ما أنفتحت الزيارات بالمستشفى كنت مع عمي وجدتي بالسيارة… ولما قربنا من الغرفة دق
قلبي بقوة… وخانتني شجاعتي أدخل… وقفت عند الباب مترددة… لا تسألوني عن سبب ترددي
وربكتي… بس حسيت بهالمشاعر ولفيت بسرعة لوراي أدور على عمي… وأنقذني عمي من ربكتي و
مسكني ودخلني معاه…
وهو يهمس بطيبة: خلك شجاعة ما فيه إلا الخير…
ودخلت شوي شوي… وشفت بالغرفة هدى وعمي سيف… وكانت جدتي واصلة له وتحضنه ومنها
ماقدرت أتبين ملامحه…
جدتي هامست بدعاوي وعتاب مرة وحدة: الله يحفظك يا أبوي… الله يطمني وتقر عيني بشوفتك
صحيح ومعافى… ما كان أحسن لك تهجع (تجلس) بالبيت… بدل ما ترهب هالبنت الضعيفة عليك؟!
وتخليها قلقانة عليك نهار وليل؟!
ضحك وليد شوي وطمن جدتي: يمه هذا شغلي… ومستحيل أستغنى عنه…
ولف لي وبعيونه أكبر سؤال… أكيد يتساءل عن قلقي الغريب… وألتقت أعينا لحظات… أرتبكت
وأنا أحس بأحساسيس مو المفروض أحس فيه… أحاسيس محظورة بالنسبة لي…
قالت هدى بدفاشة: سلمي على زوجك…
وناظرتني متوترة لأنها شافت فيني التردد والألم… تنهدت بالخفيف ومشيت لوليد بكل ثبات…
كان مربط بالشاش من صدره وكتفه اليمين… أرتعشت شفايفي وقربت أكثر… أستجمعت شجاعتي
وبست خده أتحمد له بالسلامة…
أشرت: كيفك إلحين؟!
همس: بخير… كيفك أنتي؟!
أشرت: بخير الحمد لله…
وسكتنا… ما كان عندنا كلام علشان نقوله… فبقيت بالظل حتى جات عمتي وبنتها نشوى وطلعتني
من ظلي…
قالت تناظرني بحقارة: وهذي شو فايدتها هنا؟! ما أظـــ….
سكتها عمي سيف بصرخة فاجأتنا: سلمى والله… والله إذا تكلمت زيادة بتشوفين….
وسكتت عمتي منفوخة من القهر…
همس وليد وقال: الخنساء صبي لي كوب ماي…
صبيته له ومن باب الدور الزوجي شربته الماي…
عمتي قالت تهامس: من يشوفها يقول وحدة مهتمه فاهمة وإلا هي بالأصل جاهلة… متخلــــ…
وهنا مو عمي إلي صرخ… وليد إلي همس بشرر: عمتي الله يخليك هالكلام ما أبي أسمعه مرة
ثانية…
أنتفخت أكثر وطلعت حرتها على بنتها تقول لها بصرخة: أعطيني كوب ماي…
عضيت على شفايفي… وكنت بضحك… والله موقفها ضحكني… ولما شافتني أبتسم عصبت وأحمرت
… وما شفناها إلا وهي طالعة من الغرفة ساحبة بنتها الظل…
ضحك عمي سيف وقال: تستاهل… خلها تتأدب وتثمن كلمتها قبل لا تطلقها…
ههههههه… أمففف…
كبت ضحكتي من موقف عمتي… ولفيت لوليد … وفجأة سكنت لما شفت نظرات وليد علي… مازال
بوجهه سؤال محيره… طولنا بالنظرات وما حسيت إلا عمي سيف يتمسخر علينا…
يقول بدفاشة: هلووووو إحنا هنا… ممكن نتعرف؟!…
ضحكنا كلنا على تعليقه… ولفيت منحرجة أسكن دقات قلبي…
قالت هدى معصبة عليه: سياف أقول خلنا نطلع… نفسي بعصير ينشف ريقي…
وسحبته معاها للخارج… أما عمي خالد فقال بكل هدوء: أنا بخليكم تاخذون راحتكم… يمه
تطلعين معي؟!
وقفت الجدة بصعوبة وقال: إيه يا ولدي… خلي العرايس بروحهم…
وطلعوا بكل بساطة… وبكل بساطة وقفت بوسط الغرفة وخدودي حمر من الحرج… أنا مو محتاجة
أجلس مع وليد… لفيت بطلع بلحظة جنون ورا أهلي…
لكني سممعته يهمس: ما يهمك يالخنساء؟! ما يهمك تسمعي شو أخباري؟!
بلعت ريقي ورجعت أناظره وسكت ومارديت عليه…
رجع يسأل محتار: عيييل شو هالقلق إلي سمعته من جدتي؟!
ما عرفت شو أرد عليه إلا وأنا أأشر بغباء: أنت ولد عمي إذا كنت ناسي…
تنفس بقوة وشفت يده تنضرب بكل قوة على السرير يكبت قهره…
تنهدت وسألته بالإشارات بعد ما رجعت أمشي بكل بطء… أحاول أبين له أهتمامي: شو صار لك؟!
ناظرني بأسف وإحباط… وقال وهو شارد: واحد من هالحثالة فاجأني وأنا أقتحم عليهم المكان
بزجاجة خمر مكسورة… غرسها أسفل كتفي…
وأشر على كتفه وأنا بلعت ريقي بخوف…
وأشرت برجفة: وليد…ليش… ليش رميت نفسك بهالمهمة؟!
مسح على شعره وقالي بصوت خفيف: أقربي يالخنساء… تعالي هنا…
وقفت مرتبكة وهو يأشر على حافة السرير…
طلب مني للمرة الثانية: تعالي…
ترددت ثانيتين… و بالأخير قربت وجلست محتارة…
قالي يمسك بيدي ويهمس: تدرين ليش رميت نفسي من هالمهمة؟!… من قهري… من ألمي… من
رفضك لي ولأعتذاراتي… من إحساسي بكرهك إلي يسمني… رميت نفسي بدون تفكير…
سحبت يدي وقلبي يدق بكل قوة… وناظرت لبعيد وأنا أفكر… كفاية عذاب يالخنساء… ريحيه
وسامحيه… لكن… ليش بنفسي هالقد من حب تعذيبه… حب تذويقه من كاسة الألم…؟!
رجع يقول: الخنساء… ناظريني…
رجعت أناظره وهمس بأمل: قولي إنك سامحتيني… سامحتيني على كل شيء… قوليها…
تعلقت أعينا لحظات… وابتسمت بوجع… بوجع أأكد له إني مازلت قوية… مازلت مسجونة عنده…
وهو سجاني إلي ظلمني… وهزيت راسي بالرفض…
غمض عيونه يكبت موجات الألم… ويغرس راسه على السرير…
فتحها بسرعة وتنفس بكل قوة: ما عدت قادر يالخنساء… ما عادت تكفيني الكلمات…
وقفت ولفيت معطته ظهري ونزلت دمعة يتيمة لخدي… ليش كل ما رفضت طلبه تنغرس طعنات
الألم بقلبي؟!

الثلاثاء…
30-10-2007…
الساعة 4 العصر…
استقبلت أنا وجدتي وليد عند باب البيت… كان يبان عليه ضعيف وشاحب من الألم… ويغتصب
أبتسامة لجدتي وعمي كل ثانية وإلحين… وبعد ما حصل بوسات ودعاوي من جدتي…سندته مع
عمي نوصل للمصعد ونطلع لجناحنا…
قال عمي يعاتب: شفت يا ولدي عاقبت كلامك وعنادك… فهالمرات سلمت… لكن…
لف وليد لعمي يقاطعه وإلي حسيت فيه هادي بشكل كبير: أرجوك يا أبوي… ما بي بهالوقت
عتاب… ما أبي إلا أرتاح…
تنهد عمي وسكت… دخلنا الجناح وقال وليد لأبوه: لا تتعب حالك بنام وبشبع نوم… بس أنت لا
تهتم… ولا تكدر نفسك… طيب؟!
قال عمي: وكيف ما تبيني أهتم وأتكدر؟! الخنساء يا بنتي أهتمي فيه… ما أوصيك… وهذي
أدويته… إذا زاد الألم خبريني… تمام؟!
هزيت راسي وطلع هو من الجناح…
ارتمى وليد على الكنب بتعب…
أشرت له: تبيني أحضر لك شيء تاكله؟!
هز راسه بلا وقام على حيله يمشي متسحب للغرفة… وقفت بمكاني أغمض عيوني متألمة… ورجعت
أفتحها أتنهد وطلعت لوليد… شفته رامي نفسه على السرير وهو مغمض عينه…
أخذت الغطا وغطيته… همس وهو ما تحرك ولا فتح عينه: ما كفاك تعذبيني بهالطريقة؟!
تراجعت بدون كلمة وطلعت من الغرفة…
.
.
تقريباً على الساعة 2 الفجر …
قمت من نومي مفزوعة… حسيت بنغزة بصدري… ما أدري السبب وتميت أناظر السقف… وبالأخير
إستسلمت وقمت رايحه للغرفة الزرقا… فتحت الباب شوي وبعدها دخلت… المكان بارد مرة…
مشيت للسرير… ولاحظت بضوء اللمبه إن وليد مرتمي عالسرير بإهمال… كان نايم ببنطلون
البيجامة والقميص مرتمي عالأرض… والفرشمعفوس ومرماي على جنب…
قربت من وليد ولاحظته يتنفس بصعوبة… المكان بارد وهو بدون غطا وبدون قميص… خليت
يدي على جبينه… ولاحظتها حارررة مرة… عرفت وقتها إن الحمى صابته…
جلست على طرف السرير أفكر شو بسوي… أنزل وأقوم عمي أو شو؟!… بس بالأخير رحت طفيت
التكيف… وجبت منشفة وبللتها وحطيتها على جبينه …وصرت لساعة كاملة أغير له الكمادات…
كان يهذي بكلام مو مفهوم أبداً طول ما أنا جالسة أناظره… وتبلل من العرق… الدنيا برد وهو
جسمه حارررر… ونفسه سريع…
مسحت على شعره بشرود… رغم كل لحظة تمر علي أحس بطعنات بقلبي… لكني حاولت أكون
قوية…
قمت أجهز شوربة… وأخذتها له… لاحظت من بين الأدوية إلي حطها عمي بالصالة حبوب خافض
الحرارة …كان تنفسه بدا ينتظم شوي… ضربت خدوده بهدوء أريده يقوم… وبعد محاولات فتح
نص عين… حطيت وسادة وراه وهو يأن من الألم لأنه تحرك مو مرتاح…وجلست على طرف
السرير مقابل له… وبدفعات صغيرة أحاول أشربه من الشوربة…
بعدها قال لي والحمى سكرته: كفاية… ما عدت قادر أبلع…
بعدت الصحن وأخذت الحبوب وأعطيتها له وشرب الماي ومنها غط بالنوم… ولساعة ثانية تميت
أغير الكمادات حتى إني نمت على طرف السرير من السهر…
.
.
سمعت صوت الآذان يصدح ويعلو… وخاصة إن المكان هادي… حطيت يدي على جبينه ولاحظت إن
الحرارة إنخفظت… وقمت تسحبت أصلي… ورجعت له وضربت خدوده بلطف حتى يصحى… رفرف
بعينه وفتحها يقاوم النعاس…
أشرت له: أذن الفجر يا وليد…
حاول يقوم وهو يحس بجسمه متخدر… أسندته حتى يجلس…
سمعته يقول بهمس: أكيد الشاش مليان دم…
وصحيح لاحظت بقعة دم كبيرة على أعلى صدره… وأكيد السبب تحركه السريع بنومه وضيقه من
الحمى…
أشرت له: بجهز لك الحمام… خذلك دوش ساخن بيفيدك وخاصة بتنزل الحرارة أكثر… وبربط
لك الجرح مرة ثانية…
ما جاوبني لأن كل همه يقاوم سكر الحمى والألم…
رحت وجهزت الحمام (تكرمون) ورجعت له وأنا أسنده…
أشرت له: حاسب لا تصب الماي بالجرح…
إنتظرته لعشر دقايق وبعدها طلع وليد وهو لاف منشفة حوالين خصره ومنشفة رامنها بإهمال على
كتفه ويبان عليه بدا يصحصح شوي…
أشرت له بعصبية وطلعت مني عفوية: وليد …المكان بارد وأنت طالعة كذا متبلل…
دخلت الحمام وأخذت منشفة أكبر هالمرة ولفيتها على كتفه… ورحت لغرفة التبديل وأخذت
بيجامة… طلعت له وأعطيته ورجعت للحمام أخذ مقص من الصندوق… بعدها طلعت وشفته جالس
عالكنبة ولابس البطلون والقميص بيده… شكل الحركة تعبته… هزيته شوي بعيد عن كتفه… وفتح
عيونه يناظرني…
أشرت له: بنظف لك الجرح…
همس: لا… بنظفه لوحدي… كفاية …روحي نامي…
أشرت: وكيف بتلف الشاش عليه؟؟
قال بتعب: روحي يالخنساء… لا تتعبين حالك..
أشرت له بعنف: لا… أجلس ساكن علشان ألف الشاش…
وجلست جنبه بعد ما جبت الشاش والمعقم… وبديت أقص الشاش القديم وهو سكن… يمكن لأنه
يدري إنه ما بقدرته ينظفه لوحده أو لأن التعب خدره… ولما فكيته فتحت عيوني مذهولة من
ثغرات الجروح… بلعت ريقي متألمة…
حطيت المعقم ولفيت له الشاش وضبطته… وساعدته بلبس القميص…وأسندته ليتوضى وتركته
بعدها يصلي… رحت للمطبخ… وجهزت عصير برتقال طازج حتى يستفيد من الفيتامين… ورجعت
له وحصلته يطوي السجادة… ساعدته ينام عالسرير براحة أكثر…
أشرت له: إشرب هالعصير راح يفيدك…
هز راسه بتعب… كان مفعول الدواء بدا يقل …فجلست على طرف السرير… وصرت أشربه
بجرعات حتى هز راسه رافض… غطيته بالفراش وناظرته لدقايق وهو يصارع النعاس…
قال لي بهمس أرهبني: ما كفاك… حتى… بكل… نفس… باردة… تداويني…؟!
وما كمل كلامه لأنه غط بالنوم… طلعت حاملة العصير والكمادات وجلست بطاولة المطبخ… وحطيت
راسي على الطاولة وبكيت… والله من كثر ما أبكي أحس بعيني تألمني… وبراسي يدوخ… والله
… ما كنت باردة لما داويته… لما كنت معاه طول هالوقت… كنت كل لحظة أحس بألمه ووجعه
وأحاول أسكن هالألم بمداواته… وأهتمامي فيه… تنهدت بألم… ورغم كل إلي صار قمت وتسحبت
لغرفتي ونمت…


.
.

الأحد…
4-11-2007…
ناظرت الساعة 2 الظهر… عمي خالد عنده شراكة شركة للأقمشة هو وعمي سيف… ورغم كذا
يحب يتواجد على الغداء بالبيت… عكس وليد إلي رجع لشغله بالأمس… بعد مناقشات حادة مع
أبوه… رجع يرمي نفسه بمهماته وشغله… ورغم كذا ما وقفت نظرات الإعتذار منه… إلا إني
مازلت بقلب متجمد… كل إلي مر بوليد هو نغزة ألم وقلق عليه لأنه يبقى ولد عمي… بس إلحين
أستمديت من بعدي عنه قوتي… ورجعت أعامله ببرود وجمود…
هزيت راسي أنفض أفكاري… وقمت أجهز السفرة لي ولعمي لأن جدتي اليوم طالعة تزور أخوها
المريض…
وكنت بشغلي لما سمعت صوت باب البيت ينفتح…
ناداني عمي: الخنساء يا بنتي… في ضيوف معي… ألبسي شيلتك وتعالي…
قمت وشلت شيلتي ولبستها… كنت لابسه جلابية بلون ليموني ووردي وتطريزها إبداع… ورحت
لعمي بالصالة… شفت مع عمي شاب طويل لابس دشداشة سودا وبلا كمه… شعره مسرح بعناية…
وكان يلبس نظارات طبية… بس وجهه ما كان غريب عني كثير… والثاني كان يلبس بنطلون
وقميص أسود… وكان يلعب بموبايله… ووجهه كمان مو غريب علي كثير…
قال عمي بابتسامة: يا بنتي… تعالي… قربي لا تستحين…
مشيت لهم وقربت… وقف الشاب صاحب الموبايل بعد ما رماه عالكنبه…
وقال وعينه علي: السلام عليكم… كيف حالك الخنساء؟!
هزيت راسي بالسلام وأنا متحيرة…
وكمل عليه صاحب الدشداشة بلغة الإشارات: شو أخبارك يالخنساء؟! ومبروووك الزواج…
فتحت عيوني مدهوشة… منو هذولا… ؟! وهذا بعد يعرف لغة الإشارات…؟!
قالي عمي خالد يجاوب على أفكاري: هذا جلند أخو هدى… خال وليد…
وأشر على صاحب الدشداشة…
وأشر بعدها على الثاني: وهذا ولد عمتك سلمى… طلال…
ابتسمت بالخفيف وأنا أقول بفكري إنهم مو غريبين علي… طلعوا أهلي…
قال جلند: تفضلي يالخنساء…
وعينه تعلقت بعيني ووجهي… استحيت بسبب نظراته… وجلست بدون راحة…
تكلم عمي: جلند وطلال كانوا يدرسوا بنيوزلاندا…
وكمل طلال: بجامعة أوكلاند…
أحمرت خدودي لهالمسميات الغريبة علي…
أشرت وأنا أحس بخجل من نظراتهم: أعذروني أنا ما قد سمعت مثل هالمسميات… هي طلاسم
بالنسبة لي…
قال جلند بسرعة: ما عليك من جامعتنا… إحنا خلصنا وتخرجنا… وجينا عالبلد بعد غيبة
طويلة… وصلنا صباح هاليوم وقلنا نجي نشوف قريبتنا إلي تفاجأنا بوجودها ونسلم عليها…
وابتسم طلال يكمل: ونبارك لها… ونكتشف قريبتنا إلي خطفت وليد وقدرت تقنعه بالزواج…
أشرت بطيبة وأنا خجلى: مشكورين… ما تقصروا… والله يبارك فيكم… والعقبى لكم…
ترجم جلند وقال طلال يضحك: ههههههه… وليد… شيخ العزابية وتزوج… مابقى غير هالأخ إلي
جالس هنا…
ناظره جلند بنص عين: والأخ إلي جالس جنبي ليش ما ذكرته؟! وإلا هو ولد البطة السودا؟!
قال طلال يتمسخر عليه: لا يابوك… وشو أبي بالزواج؟! تبني أنجلط وأموت وأنا بعز شبابي؟!
زوجة تزعجني ليل ونهار… ودزينة أطفال يركضون وراي… ونعم الحياة صراحة… هذي مخليها
لك يا أخوي…
ضحكت على مزاحهم الخفيف… وحسيت بعيون جلند علي وسكت بسرعة…
وناظرت عمي خالد إلي قال: إن شاء الله زواجكم بيوم واحد… أنتو أشروا وإحنا بنخطب لكم…
طلال وهو يجلس على طرف الكنبة ويقول متحمس: تصدق خالي أعطيتني فكرة حلوووة… جلند…
شو رايك نتزوج خوات ؟! وقتها بينخفض سعر المهر للنص؟! خذ وحدة وأحصل على الثانية مجاناً…
ضحكت وكممت يدي بفمي أكبت هالضحكات… والله إن هالإنسان غيييير عن أمه… من يصدق إن
عمتي سلمى هي أمه؟!… ونشوى هي أخته؟!
وقف جلند يضحك: ههههههه الله يقطع بليسك… أسكت بس وخلنا نروح… يلااا عمي بنترخص (
بنطلع)…
وقف عمي: وشو تروحون؟! أجلسوا تغدوا… يمكن وليد بيجي هالحين…
قال طلال وهو يناظر الساعة : صحيح إحنا ما إلتقينا بوليد… هذا مدري وين يتخبى… بس
مواصلين ما نمنا من…
وسمعنا صوت الباب… ودخل وليد…
قال جلند بإبتسامة كبيرة: الطيب عند ذكره…
ناظرنا وليد مستغرب متفاجأ… وطاحت عينه بعيني فترة طويلة… ورجع أهتمامه للشباب مو
مصدق… يضم جلند إلي جاه…
وقال له: هلاااااااااااا والله بالعقيد… هلااااااا بالغالي إلي تزوج وما أعطانا خبر…
قال له وليد مستغرب: أنتو متى جيتو؟!
جاوبه طلال وهو يسحب جلند من حضن وليد ويحضنه: والله وصلنا اليوم الصباح… وقلنا نجي
نبارك لك على زواجك السريع…
وضحك عليه يمزح: هههههههه بنبدل لقبك من شيخ العزابية لشيخ المتزوجين…
ضربه وليد على كتفه بالخفيف وهمس بفرحة بعد ما أستوعب وصولهم: ليش ما أعطيتوني خبر
بوصولكم…؟! قلتوا بتوصلوا بآخر الشهر؟!
ضحك طلال وقال: إحنا خلصنا ومابقت لنا إلا الإجراءات إلي سرعنا فيها… وقلنا نسويها لكم
مفاجأة… حتى أهلنا ما كانوا يدرون…
ابتسم وليد لهم وسألهم عن أحوالهم وأخبارهم وهم يرجعون للكنب… وقفت مع تنهيده قصيرة
ورفع وليد نظره لي… نظرته كانت مترددة… ابتسمت ولفيت بروح المطبخ… ولاحظت وقتها
جلند إلي ما فاتته هالنظرات…
زدت عدد الصحون والملاعق… ورجعت للصالة أأشر لوليد بإبتسامة مقصودة: وليد… خلي ضيوفك
يقربوا للسفرة… الغدا جاهز…
ولما جلسنا عالسفرة… ناظرت وليدبإهتمام وأشرت وأنا أبتسم: تبي عصير عنب أو أكتفيت منه؟!
هز راسه وهمس: لا… صبي لي عصير برتقال…
وعرفت إنه يدري إن تمثيلتي هذي هي وحدة من مهماتي الزوجية إلي قررتها بنفسي…
وجلست كل وقتي مستمعة لسوالفهم… وإلي قدرت أتبين حب هالشابين لوليد… حتى إنهم ينادوه
بالعقيد أو بالشيخ دليل على إحترامهم له… رغم إن أعمارهم بين 24 و26 إلا إنهم متعلقين
بوليد… ولاحظت بنفس الوقت نظرة جلند إلي تتنقل بين وليد وبيني… غريب هالإنسان شو سبب
هالنظرات؟! عرفت إنها ما نظرة أعجاب لأني تأكدت إنها نظرة فضول… أحسه مثل أخته هدى
عيونه تطاردك بتساؤلات…
قاطع أفكاري طلال وهو يحكي: تدري يا عقيد؟!… أستغربت أنك مداوم… توك معرس… خذلك
إجازة وروح لشهر العسل… أو حتى أسبوع العسل هذا…
ضحك جلند وكمل عليه: صحيح والله… بنشر بالجرايد إنك تزوجت علشان أصحاب الممنوعات
ياخذولهم فترة راحة…
وكانت ردت فعل عمي خالد إنه عبس: إيه يا شباب أقنعوه… أنا عييت أقوله… يرد علي… ما
أقدر شغلي… شغلي… يا أبوي الشغل ما بيخلص… وهذاك إلي جاك الأسبوع الماضي مو سهل…
تنهد وليد وناظرني شوي ورجع يناظر أبوه يبتسم بالخفيف: هذا شغلي… وما أقدر أسافر خارج
البلاد يا أبوي… لازم أكون متواجد قريب…
هز عمي كتفه بقلة حيله ورد عليه: شو أرد عليك؟! مدري… والخنساء؟! أكيد ما سألتها وين تبي
تروح…؟!
شفت وليد ينزل نظره شوي ويرجع يناظر أبوه ويرد: لا…
سمعت صوت جلند يقول: أنا عندي فكرة…
ناظرناه كلنا وكمل يقول وعيونه تلمع: شرايكم بما إنا وصلنا ومن زمان عن بلدنا الحبيب… يوم
الخميس الفجر نطلع من مسقط متوجهيين للجبل الأخضر ونمر على كهف الهوته… بتكون رحلة عائلية
أكثر منها أيام عسل لكم…
أحمرت خدودي ونزلت أنظاري…
وكمل طلال وهو يترك ملعقته: حماااااس… والله من زمان وأنا نفسي أطلع الجبل… أقول يالأخو
وافق وخلنا نطلع برحلة حلوة بعد هالغيبة…
ناظرني وليد متردد… وسأل: شو رايك؟!
أرتعشت شفايفي… لكني هزيت راسي وأنا أبتسم… وأشرت: أنا ما رحت من قبل للجبل… سمعت
عنه من جدي كثير… بس ما قدر رحت له من قبل…
ابتسم جلند وهو يقول: حلوووو… بيكون لك وليد مرشد سياحي ممتاز…
وكانت لوليد نظرة طويلة علي وبعدها قال: أوكي… تم…


طلعت غرفتي تاركه الرجال تحت يخططون لهالرحلة… يا الله كيف بتصرف بيومين مع وليد
وقدام أهلي… تنهدت بحيرة… أحس بنظرات جلند الحادة علينا… وأكيد هدى أخته بتلاحظ الفتور
بيني وبين وليد… وهذا غير عمتي وبناتها… والقهر أخواني الصغار ما شفتهم وماراح يكونوا
موجودين معنا…
مشيت بأسف وأرتميت على الكنبة وأنا أفكر… ما بقدر أعترض…
وحسيت بالنعاس… تثاوبت وناظرت السقف أفكر… أمممممم… بخبر عمي يحاول مع أرملة أبوي
علشان تسمح لخواني يكونوا معي… ورجعت أتثاوب… أخخخ… نعسانة وما يخلصني أروح
للغرفة… ونمت…
ولأن نومي خفيف حسيت بأحد يشيلني… ما حسيت بردة فعلي ذاك الوقت… إلا إني فتحت عيني
مفزوعة ورفست برجلي… وضربته على صدره أصرخ…
نزلني وليد على رجولي… كان قلبي يدق بكل قوة… أهتزت شفايفي وأرتعش جسمي… ومد يده
يحاول يهديني…
يقول بتوتر: أهدي… أهدي يالخنساء… أهدي…
تنفست بقوة وأشرت: أنت شو تبي؟! أتركني… أبعد أيدك عني… أبعدها…
ناظرني محتار… ورجع يمد يده على كتفي… وكانت ردة فعلي إني قفزت ولفيت أهرب… مسكني
من خاصرتي وأنا أصارعه… صرخت بوجع ولوعه حتى يتركني…
قال بألم ووجع: الخنساء… الخنساء… أهدي… أهدي… أنا ما كنت أبي إلا أشيلك لغرفتك…
شفتك نايمة على الكنبة وباين عليك مو مرتاحة…
سكنت حركاتي بالتدريج… وتنفست بكل قوة… نزلت عيوني للأرض وأنا ظهري لوليد…
وأرتعشت… الشجاعة خذلتني… خذلتني بردة فعلي بهالموقف… وعرفت… عرفت إني ما زلت
أخاف من وليد… مازلت رغم كل شيء أخاف منه… وبكيت… بكيت لهالشيء إلي أعترفت فيه
بقرارة نفسي…
لفني له وأنصدم من دموعي… أرتجفت شفايفه وهمس: الخنساء…
سحبت يدي وأشرت بوجع: كفاية… كفااااية أتركني… لا تلمسني… لا تلمسني…
وما سمع لي مسك وجهي بين يديه وأرتعشت… قال بنظرة متألمة: تبكين؟! تبكين؟! الخنساء
أنا… أرجوووك… أرجوووك لا تبكين…
أشرت وجسمي يرتعش: أتركني… أتركني…
لكنه رفض وضمني له وهمس بشجون: الخنساء… أنسي… حاولي تنسي… حاولي حتى نبدا من
جديد… نبدا بصفحة جديدة…
جمدت بمكاني وأنا مازلت أبكي… دريت وقتها إني بصدمة… بصدمة إكتشافي إني مازلت أخاف من
وليد… وإن شجاعتي تركتني بدون أسلحة…
قال يمسح على شعري: أعيدها لك… أعيدها إني غلطان وأعترف… وما أطلب منك إلا السماح…
سامحيني يالخنساء وريحيني…
فجأة تحولت شهقاتي وأنتحاباتي لضحكات ضعيفة وبعدها لعالية… يطلب مني أريحه؟!…
أريحه؟!… ومديت يدي ودفعته عني بكل قوه…
أشرت بعنف وأنا أبعد عنه: تبي مني أريحك؟! أريحك يا وليد؟ليش؟! ليش؟! أنت مو مرتاح؟!…
وبعدين إحنا خلاص فتحنا هالصفحة الجديدة… أنا زوجتك ولك إلي تبيه مني…
وضحكت ورجعت أقرب منه بجنون وأنا أأشر بحلاوة: لا…لا… أنسى ردة فعلي إلي قبل… ورفضي
الغبي… تذكرت إني زوجتك ولك حق علي… أنا جاريتـــــ…
قاطعني بشراسه وهو يتنفس بسرعة ماسكني من كتوفي: كفاية… كفاية تذكريني بمكانتك
عندي… كفاية يالخنساء… كفاية…
دفعته وأنا أصرخ بخفوت أأشر بجنون: وأنا؟! أنا لما قلتها لك من قبل… كفاية قسوة… كفاية
إتهامات… كفاية جروح… سمعتني؟! سمعتني؟!
وهزيت راسي بأسف وبكل عنف: لا… لا ماسمعتني ولا لفت لي أبداً… وإلحين أقولها لك… كفاية
تحاول تاخذ مني كلمة سامحتك… كفاية… لأني وحتى وبفراش الموت ماراح أسامحك… ما راح
أسامحك…
تركني وكور يده وهو يغمض عيونه بألم ووجع… ورغم كذا فتحها يناظرني بنظرات مترجية
ومتأسفة… أنا كنت بالسابق أكثر منك أذوق هالعذاب يا وليد… أذوقه أكثر منك… وإلحين أشربك
من كاستي… أشربك منها…
عض على شفايفه وخطفني يدفني لحضنه يهمس ويهمس بإعتذار… يهمس وأنا على كل همسه أكبت
رعشه ألم… لكني أبد ما كنت بموقف ضعيف… أبد… هو يحاول بهمس أعتذاراته وأنا صرت
صماء… حتى حس بالهزيمة وتركني يناظرني…
أشرت بجنون: لا تحاول… أنا ميته المشاعر وهمساتك هذي ما تنفعني…
فاجأني لما ضرب الجدار بقبضته… وصرخ بوجع: أنتي ما تفهمين؟! ما تفهمين؟!
وشد على شعره بقوة ورجع يصرخ وهو يصارع الكلمات: أنا… أنا… لا… لا… كفاية… ما عدت
أتحمل أكثر…
وبكل حرة طلع من الجناح يصفق بالباب… وأرتميت على ركبتي… أعض على شيلتي أكبت ضحكة
مجنونة مرة… وبكاء مؤلم مرة…
ليش؟! ليش؟! صرت بهالشكل؟! أنا شو صابني؟! شو صابني وأصير بشخصيتين ممزقة؟! ليش أصنع
لنفسي الألم؟! ليش؟!


الخميس…
8-11-2007…
تأكدت من أغراضي… وشنطتي… وليد بالأمس قالي بكل برود لازم أجهز بعد الصلاة بنطلع بعد ما
يرجع هو وعمي من المسجد… أممممم ما نسيت شيء؟!… رجعت أتأكد من الأشياء… سمعت صوت
وليد يناديني: الخنساء…
طلعت له وبيدي عبايتي وشنطتي… أخذ الشنطة مني ولبست عبايتي…
همس ببرود: بنطلع لبيت عمي سيف بالأول…
هزيت راسي ومشيت وراه… كان لابس دشداشه رمادية وحامل شنطتين ويمشي بكل هيبة… والبرود
يحاوطه…
وهذي حالة وليد من موقفنا الأخير… بارد وهاديء وما يصارخ أبد… حتى إنه توقف عن
إعتذاراته… مثل ماتوقفت نظرات التردد والأسف… وطبعاً ضحكت على هالمشاعر الباردة…
تأكدت إن همسات الأعتذار كانت زايفة… وإلحين ما همه إذا أنا سامحته أو لا… وأنا طبعاً ما
أهتميت… إذا صارت بينا مواقف أجرحه وأسخر منه وهو يناظرني ببرود ويطلع تارك لي
المكان… وبعدين أعاتب نفسي وألومها… ويرجع المشهد يتكرر وينعاد…
وصلنا بيت عمي سيف… نزلت من السيارة وأنا أشوف الكل متجمع حوالين السيارات… طبعاً علشان
إننا بنروح للجبل فأأمن يكون بسارات دفع رباعي…
كانت عمتي تتذمر: مدري ليش وافقت أرافقكم…؟! أووووف… ملل من إلحين…
قال زوجها (محمد) إلي لأول مرة أسمعه يتكلم بحدة: يا سلمى أقصري حسك… وإلا إذا تبنيا
نرجع مو مشكلة عندي…
قالت لجين بصوت خفيف: لا يا أبوي… ما صدقنا على الله نطلع تبي تكنسل هالرحلة…؟!
ما عرفت لجين أبد من قبل بس لمحات عنها… هي طالبة بالثانوية العامة… هادية مرة ومزعجة
مرة… وهذا على حسب المزاج…
جانا طلال يقول: هاااا إلحين أكتملنا؟!… أووووه الخنساء بنت خالي هنا؟! كيف حالك ؟! على
قولة الزنجباريين “خباري ياكو؟!”… وقولة أخوانا البلوش”شوتوري؟”…
ضحكت لهالترحيب إلي فهمت نصه ونصه الثاني لا… أما عمتي أنقهرت من ولدها…
أشرت أقهرها زود: أنا ما أفهم هاللغات… ما شاء الله متعلم…
ضحك طلال يقول: والله ربعي معظمهم يعلموني… أخذ كورسات من أيام الثانوية…
وسمعت جلند يقول: الأخ قصده كان من دون ما يتعلم الأنجليزية ويفلح بالعربية… كان يكتب
بآخر دفاتره كلمات بلوشية وسواحلية ويترجمها بالعربي…
ضحكنا كلنا عليهم… هالثنائي عجيب… من يوم رجع وهو ينكت ويضحك أهله…
قالت هدى وهي تناظر أخوها: وأنت؟!
ضحك جلند وقال: أنا؟! ما أعرف سواحيلي غير… خباري ياكو؟! “كيف حالك؟”… ومزوري ”
بخير” … وأنتظر طلول يعلمني بلوشي…
قال طلال ساخر: لا والله هذا إلي تعرفه… عز الله فلحت إذا علمتك…
قال وليد بابتسامة: كفاية سوالف… وين عمي سيف؟! ما رجع؟!
هدى: أيوه وصل مع الأطفال داخل… يعطيهم درزينة نصايح…
وبهالوقت طلع عمي سيف والتوائم وراه… وتفاجأت لما شفت علاء وعماد وطارق وراهم… رحت
لهم ركض أبوسهم… والإبتسامة شاقة الحلق…
أشرت على عمي: عمي؟! أنت جبتهم؟! كيف وأرملة أبوي؟!
قال عمي سيف: أنا ما سويت إلا إني جبتهم… وليد زوجك هو إلي أقنع أرملة أحمد تخليهم يجون
معنا…
أرتجفت شفايفي ولفيت أناظر وليد… إلي كان يناظرني وعيونه تلمع…
أشرت بفرحة كبيرة ونسيت كل إلي بينا: مشكووور…
هز راسه بإبتسامة خفيفة ولف لأبوه يتكلم معاه… أما أنا أنشغلت بأخواني… فرحتي بوجودهم
كبيرة… تمنيت ليلى لو كانت معنا بس للأسف هي طفلة وأمها راح ترفض بشدة تكون معنا…
وطلعنا لسياراتنا… أنا وعمي خالد ووليد وأخواني بسيارة… وعمي سيف وجلند وهدى والتوائم
بسيارة… وعائلة عمتي بسيارة…
وأنا جلست ورا مع أخواني أسمع سوالفهم وهم يحكون… يسولفوا لي على كل شيء… ضحكت لمعظم
سوالفهم… وحزنت لأنهم يذكروني كم مرة إنهم بيرجعوا يسكونوا بصحار…
قال علاء: الخنساء… أنتي طلعتي الجبل؟!
أشرت لا…
قال عماد وهو يضحك: إحنا طلعناه من قبل مرتين مع أبوي وعمامي… لكن الكهف يخوووف ما
دخلناه غير مرة وحدة… الكهف يخوووووف…
وقلب بعينه… أبتسمت لعماد وعاتبته بنظرة وأنا أشوف طارق هادي…
كتبت لعلاء: ليش طارق هادي؟!
علاء ضحك: هذا عماد أمس بالليل يحكيله عن الكهف… أما أنا ماقلت له شيء…
لفيت يدي حوالين طارق أطمنه وكتبت لعلاء علشان يعاتب عماد ويسكت عن أخوه…
.
.
وصلنا لولاية “الحمراء” على الظهيرة… وكان بناخذ جولة على كهف الهوته لمدة ساعة
تقريبا… نزلنا وإحنا نحس بالتعب من جلوسنا بالسيارة… خاصة إن الأطفال كان يركضون هنا
وهناك بعد هالفرج…
وقفت مع هدى وعمتي وبناتها لما الرجال راحوا يتشاورون و يدفعون الرسوم…
سمعت عمتي تتمسخر علي: والله ونعم رحلة شهر العسل… الناس تروح أوروبا… أمريكيا… مو
تجي لهالكهوف والجبال…
ناظرت عمتي وأنا رافعه حاجب…
سمعت لجين تقول لها: ماما… الله يخليك خلنا نتهنا بهالرحلة… لازم يعني هالسوالف؟!
ناظرتها عمتي بنظرة تسكتها…
وقالت هدى بفخر: الأولى بلدنا نترحل فيها وبعدها نسافر للخارج… وبعدين هالكهف والجبال
متعة… وجمال ما ينمل منه…
قالت عمتي: يوووووه هدى بتصيريلنا مرشدة سياحية… يكفينا إلي بنلاقيه بعدين…
لفيت عن عمتي إلي غاظني كلامها و ناظرت للرجال وهم يقربوا مننا…
قال عمي سيف: يلااااا بندخل… وين الأولاد؟!
وجمعهم طلال وهو يقول: يلااااا بدون إزعاج وراي…. وما أبي واحد منكم ينطق بكلمة…
مازن… خلي مزون بأول السيد هي البنت الوحيدة بينكم يالعفاريت… يلااااا… سر…
ابتسمت وأنا أمشي مع المجموعة… كانت هذي المرة الأولى إلي أطلع فيها برحلة مثل هذي… مع
أهل… عائلة… وزوج… ناظرت وليد إلي يمشي مع أبوه ويكلمه… وفجأة وقف ولف لي…
قرب ومسكني من يدي ومشى قربي…
قال بهدوء: مثل ما قال لك جلند بكون لك مرشد…
أشرت وأنا أرفض أحط عيني بعينه: مشكووور…
هز كتوفه وكملنا مشي…
دخلنا من بوابة الكهف… كان المكان مضاء ويبين كل شيء فيه…
قال وليدبصوت ما يسمعه إلا أنا: أمممم… هالكهف يسمى بكهف “الهوته” وهو يعتبر ثاني أكبر
كهف في السلطنة وهذا طبعاً بعد كهف “مجلس الجن”…
أشرت: ليش سموه بكهف الهوته؟
جاوبني: في قرية قريبة منه أسمها الهوته وسمي بأسمها…
وكمل: طبعاً الكهف ممكن نوصفه إنه وادي متطور… ويقولون إن البحيرة الموجودة بالكهف تمتد
لوادي تنوف “بنزوى”… لاحظي هنا عند المدخل…
وأشر على صخور بألوان مختلفه… وأعمدة بأشكال مخروطية وأعمدة نازلة…
وكمل وأنا أسمعه بنهم : هذي الصخور بألونها تدل على أجيال مختلفة… طبعاً هالكهف طوروه
حتى يقدروا السياح يمشوا فيه براحة… جسور ومممرات ومكتب أستقبال… تعالي بنشوف متحف
صغير عن الإستقبال…
وناظرت بفضول لصخور ومعادن معروضه بالمتحف…
كمل وليد وهو يأشر: شوفي هناك فيه قاعة يسموها قاعة العرض… يعرض فيها أفلام
وثائيقية… وهذيك قاعة الإنتظار وانطلاق القطار… تعالي بنركب القطار…
مشيت وراه وأنا أقل ما يقال عني مسحورة… وكنا أنفصلنا عن أهلي أنا ووليد… القطار فيه ثلاث
مقصورات… وركبت مع وليد بالمقصورة الأخيرة…
مرينا أول بنفق بديع… والمرشد كان يتكلم بصوت عالي يأشر على كل شيء ويحكيلنا عنه…
وبعدين وصلنا للمكان إلي أذهلني…
مسكت يد وليد وأنا أأشر برهبة على البحيرة: وليد… ناظر… فيه أسماك…
ناظرني شوي وأبتسم يقول: هذي الأسماك عمياء… لاحظي فبعضها عيون صغيرة بس رغم كذا
عندها شعيرات تقدر تتوصل لأكلها… ولاحظي بعد ألوانها كئيبة لأنها تعيش فمكان مظلم…
ووصلنا لنقطة النهاية… نزلت ووليد يساعدني…
وأنا أحس بأحاسيس غريبة… فرحة على سعادة على فضول وأكتشاف شيء بديع…
قال بصوت غريب علي: عجبك المكان؟!
هزيت راسي أأكد له إني فرحت بهالمكان وتناسيت بهاللحظات أحزاني وأنا مع هالطبيعة الساحرة…
حسيت براحة تغمرني… بهدنة بيني وبين وليد…
أشرت له بكل مصداقيه وأنا ما أحس بنفسي: سحر هالمكان غير طبيعي… بديع… وغريب…
ناظرني وليد مدة طويلة وبعدها ابتسم ولفني أمشي معاه وهو يقول: وبيعجبك الجبل الأخضر…
أشرت لنا هدى: وليد… الحنساء… هنا… هاااا الخنساء كيف المكان عجبك؟!
هزيت راسي بحماس وجلست أسولف لها عن إلي شفته…
قال عمي سيف: يلااا يا شباب خلونا نطلع…
قال محمد: ياللاا لازم نوصل الجبل ونسأجر شقق…
ومشيت وراهم وكنت بالفعل مسحورة من كل إلي شفته… أعجبني المكان وأعجبني شرح وليد… مثل
ما أعجبتني هالراحة إلي تغمرني…


بعد ساعتين من طلوعنا للجبل ودوارتنا لشقق نبيت فيها الليلة… نزلت من السيارة وأنا نعسانة…
أشرت لوليد: الأولاد نامو…
قال: مو مشكلة بصحي علاء وعماد وبشيل طارق… أطلعي شوفي الشقة… وخذي هذي…
مسكت شنطتي وكمة ونظارة وليد… وطلعت مع هدى…
قالت لي: أخخخخ والله جوعااااانه بس فيني نووووم…
ابتسمت لها وأنا أتركها عند باب شقتها… كانت الشقة الأولى لعائلة عمتي… والثانية لعمي سيف
وزوجته وأولاده… والثالثة لعمي خالد وجلند وطلال وأخواني… والرابعة لي ولوليد… من
نعاسي ما لاحظت إلا إنها شقة بغرفتين الأولى بسرير كبير والثانية بسريرين صغار… وصالة
وحمامين(تكرمون) ومطبخ… تركت الأغراض عالكنب… وتثاوبت طالعة للغرفة الواسعة… رميت
عبايتي وشيلتي على الكرسي… وأرتميت على السرير وقامت النعاس… لكني ما قدرت ونمت…
.
.
وقمت بعدها وأنا مفزوعة من المكان… تنفست بقوة وقمت جالسة على السرير… حس فيني وليد
إلي الظاهر كان يريح من تعب السياقة…
قام شوي وسأل: شو فيك؟!
دق قلبي بقوة من الفزعة إلي قمتها وأشرت: الساعة كم؟!
ناظرني شوي بكل بطء وقال: الساعة خمس… كنت أنتظرك تقومي علشان نتغدى…
وقام على حيله ومشى بهدوء للباب… ناظرته وأنا أغرس يدي على شعري والكسل ملازمني…
قال رافع حاجبه: يلاااا الخنساء…
أشرت وأنا أرد أرتمي عالسرير: أبي أنام…
غمضت عيوني… وما حسيت إلا وهو فوق راسي…
جاني صوته هادي: أهلنا أطلعوا للجبل… وكلهم تغدوا… وبنلاقيهم بمكان حددناه علشان نسهر
الليل ونشوي…
وفتحت عين وأشرت بتعب: خلني أنام… ما أبي أطلع…
هزني من كتفي: يلااا الخنساء ما بقى غيرنا…
غمضت عيوني متجاهله كلامه… فيني تعب غير طبيعي… وأبي أنام…
همس: الخنساء بروح أجيب الغدا… وألقاك وقتها قايمة من النوم… طيب؟!
وما سمعت غير خطواته تبتعد… ولفيت على جنبي وكملت نومي… ولأن نومي خفيف فسمعت صوت
خطواته…
وصوت همسه المدهوش: الخنساء؟! بعدك…
وما حسيت إلا وهو وشايلني… فتحت عيني مفزوعة… هذا وين شايلني؟!… رفست برجولي
وضربت صدره…
وكلها ثانيه وأشوف نفسي تحت الدوش الدافي…
صرخت وأنا أضرب برجولي بعد ما تخرست (تبللت) بالماي… هذا شو سوا؟! ناظرت نفسي ورجعت
أناظره…
وأشرت: أنت شو سويت؟!
قال وبشفايفه بسمة لأول مرة أشوفها بسمة حقيقية: أمممم هذا لأنك ما سمعتي كلامي…
عصبت عليه… ومسكت علبة صابون كانت قريبة مني ورميتها عليه لكنه قدر يبتعد… ضحك
وصرخت معصبة… ومشيت له وأنا مقهورة من حركته…
أشرت: وليش أسمع كلامك؟! بكيفي أبي أنام… أنام… مالك خص فيني…
وضربته على صدره… وكملت أأشر: تبي تروح تمزح وتضحك روح لعمتك وبنتها الظل…
عبس وهو يناظرني: وليش وأنا عندي زوجة؟! تسمعني وتسولف لي…
صرخت بقهر… وأشرت: أسولف لك؟! أسولف؟! وكيف تبيني أسولف؟!
أرتجفت يدي وكملت أأشر وأنا أرتعش: تبيني أسولف لك بشو؟! بحركات يدي إلي تعتبرها عمتي
مجنونة…؟! روح لنشوى وبتسولف لك بلسانها… وبلاش تبتلش بخرساء…
ضاقت عينه وهو يتمعن بنظرته فيني… وتراجع… ظنيت بيطلع لكنه فتح شنطتي وطلع منشفتي
ولفها علي… وردة فعلي كانت إني رميت المنشفة وضربت برجلي من القهر… ليش أنقلبت الأدوار
مرة ثانية؟! ليش صرت إلحين أحس بالخوف؟! وليش وليد أحس فيه هادي بشكل غير طبيعي؟!
أشرت بكل عنف: أنا أكرهك… أكرهك… روح لها وريح قلبك…
ومشيت للسرير وأرتميت عليه متجاهلة إني خرسانة بالماي…
شفته يشيل المنشفة ويجيني للسرير… ورجع يلفها علي…
قال بهدوء: بتمرضي إذا ما بدلتي ملابسك… الجو هنا بارد بالليل… تنزل عن الدرجة العادية
بالظهيرة بـ 10 درجات…
حاولت أتخلص من يده لكنه أصر…
صرخت وأشرت: شو تبي أنت؟!
ناظرني بنظرات طويلة وهمس بصوت مشجون: ما أبي إلا تمنحيني فرصة… نقدر فيها نبدا من
جديد… أنتي شفتي التوافق بينا لما كنا بالكهف… حياتنا ممكن تكون كذا وأكثر إذا منحتيني
هالفرصة…أعذري فيني القساوة والألم إلي شهدتيه مني… أعذري فيني التسرع وأرحمي الندم إلي
يسري فيني…أرجوك ما أبي منك إلا كلمة سامحتك نابعة من هنا…
سكنت حركاتي بلحظة صمت… وزادت دقات قلبي سرعة وهو يأشر على قلبي…
وكمل وهو يضمني: أبيها نابعة من قلبك…
وليد رجع لإعتذاراته؟!… رجع لها…؟! بعد البرود إلي ظنيته يعاملني فيه رجع لإعتذاراته؟!
لكن… لكن… أكيد كل هذا علشان هو يرتاح… يرتاح…
بعدت عنه وسألته مسحورة بالهدوء الغريب وأنا أحس بقلبي مدموم: ليش تكرر أعتذاراتك؟!
ليش؟! كل هذا علشان يرتاح ضميرك من جانب وصية أبوي؟!
زاد ضغطه علي وهمس: من قال؟! من قال يالخنساء؟! من قال إني ما أبي إلا أريح ضميري؟!…
أرجوك كفاية… عتاب… كفاية آلآم… وكفاية جروح… أنا كنت غلطان بحقك ونادم… تدرين
شو يعني نادم؟!
دمعت عيني… وأنا؟! أنا أحس نفسي إني مشتته… أبي أسامحك لكن… لكن… هزيت راسي
وكبريائي المجروحة ترفض…
غرس يده على شعري وسند جبينه بجبيني يهمس: أرجووووك… أرجووووك يالخنساء… إذا مو لي
هالسماح فلعمي… لعمي إلي سوا المستحيل قبل موته علشانك…
أرتعشت بين يديه وأنا تدمع عيني أتذكر أبوي… أبوي إلي بكى… وترجى وليد علشان
يتزوجني… سبحان الله سوى هالشيء وبنظرته إني بقدر أشوف طريقي وأتلمسه بالظلام مع
وليد… أبوي ما أختار أي أحد غير وليد… ورغم إنه يدري أن وليد شافني فبيت خالي إلا إنه هو
إلي أختاره أبوي لي… كانت هذي حكمته ورغبته… وكانت هذي رجاويه ووصيته…
مسح على دموعي وهو يكمل: الخنساء…؟! ممكن ننسى؟! ممكن نبدا من جديد؟! ممكن نحط كل آلآمنا
ورانا؟! ممكن يالخنساء؟!… ممكن؟!
نزلت أنظاري لتحت وأنتحبت… وما حسيت إلا وأنا أقرب من حضنه أبكي… أبكي فقد جدي… أبكي
موت أبوي… أبكي نبذ أمي لي… أبكي جروح أنوثتي المطعونة… وأبكي أطالب براحة ولو كانت
قصيرة… ولو كانت قصيرة…
قال بهمس يبعدني ويسأل مترجي بلهفة… يترجي كلمة مني: الخنساء…؟!
تأوهت بصوت مسموع وهزيت راسي ودموعي تسيل… أهز راسي موافقة… أهز راسي وأطلب هدنة
ولو قصيرة مع السعادة…
زاد تشبثه فيني وهمس بأذني وأنا أحس بصوته مشحون بالمشاعر: هذا هو الحل يالخنساء…
صدقيني… صدقيني نقدر نبدا من جديد… بس… خلني أكون… لك… محل ثقة…
محل ثقة يالخنساء…
محل ثقة……


.
.

معلومة من الكاتبة
للي ما يعرف شو معنى أسم جلند
{{هوأسم معروف عندنا بعمان… (((ههه خاص للعمانين)))
جلند “بضم الجيم” ومعناه الرجل الصلب القوي
كما ان آل الجلندى هم من ملوك عمان قديما… يعني معنى وتاريخ كاشخ…}}

error: