رواية عمانية احرف مطموره بين طيات الورق كاملة

((0 الفصل السادس عشر والأخير…0))0
: أعزف أشواق عمري… :

تنفس بكل قوة يركض ورا المسعفين وهم يسحبوا السرير… كان كابت كل ذرة جنون بالصراخ
لألآمه وأوجاعه… وأول ما أنغلق باب مكتوب على أعلاه “غرفة العمليات”… أسند ظهره بكل قوة
للجدار… وتألم لأنه ضرب براسه… وتأوه بألم… دمعت عينه وتوالت الدموع… ورجع ينزلق
عالجدار وجسمه يهتز كله… ضم وجهه لكفوفه وهو يتفس بصعوبة… آآآآآه… قاطع تفكيره
أصوات الركض… جمد بمكانه وهو يحسهم يحاوطونه…
وينه؟!
تجرع ريقه وهمس بعد مدة طويلة: وين بعد؟! بغرفة العمليات…
تموا لأكثر من ساعة وهم ساكتين… لأنه رفض وقتها يتكلم أو حتى يرفع راسه من بين كفوفه…
لحد ما حس بالكبت ينهش صدره ويحرقه… وفجأة…
صرخ بحرقة: ما توقعت… ما توقعت تنقلب الأحداث… ما توقعت أبرأ واحد فينا… ما توقعت
إنه راح يصاب…. ما توقعت راح تطيح فيه… آآآآه يا أبوي…
مسكه خالد وضمه له: وليد كفاية يا ولدي… كفاية…
وليد بألم: شو راح أقول لأهله يا أبوي؟! شو راح أقول لهم؟! أنا السبب… أنا…
شد سيف عليه وهمس: وليد أذكر الله… إن شاء الله راح يعيش… خلي أملك كبير…
ومسكه جلند بقوة وهو يتجرع ريقه: ما صاير إلا الخير… أدعي له… أدعي لـ بدر يا وليد…
أدعي له…
ضرب راسه بقوة عالجدار وهو يتأوه: أنا… أنا أقحمته بسالفة عمر بكل غباء… أقحمته وهو
إلي…
وقف كأنه تذكر شيء غاب عن فكره… وهو يتلوا من الألم… حتى إنهم ناظروه محتارين…
وقتها كان جلند بيتكلم إلا إنه إنفتح باب غرفة العمليات وطلع منه الدكتور بلباس العمليات
الأخضر…
أهتزت شفايف الوليد وهو يهمس: دكتور..؟!
قال الدكتور وهو يتنهد: أنتو أهله؟!
حس وليد بقلبه يطيح: لا… لا… إحنا… أنا صديقه…
ووقتها حس وليد بشفايف الدكتور تهمس… لكنه ما سمع أي كلمه والسبب كله إنه ما كان يسمع
إلا… إنا لله وإنا إليه راجعون… حس بسكووون…. بسكووون غريب ما شابه إلا صوت يقول له
بجنون وهستيرية…. مات… مات… مات بدر… مات… نفض راسه بكل قوة… ولف بيركض…
يخرج من هالمستشفى… إلا إن جلند فاجأه لما مسكه… مسكه بكل قوة…
وقال: وليد على وين؟! وين رايح؟!
همس وليد بكل حرقة: مات… مات يا جلند… مات بدر… مات…
شد جلند على يده بكل قوه وقال بإنفعال: وليد… أنت ما سمعت الدكتور شو قال؟!
لف وليد له بألم… من كثر الأحداث ما درى هو بواقع أو حلم…
همس له جلند بلهفة: بدر تجاوز مرحلة الخطر يا وليد… بدر والحمد لله … الله مده بالعمر
الجديد…
وليد مسكه وتشبث بيده بكل قواه: شو تقول أنت؟! توه الدكتور قال…
قاطعه جلند: قال إنه بخير…
همس وليد مو مصدق: لكن…
ورفع راسه… هو ما سمع الدكتور شو يقول إلا إن عقله هو إلي صور له هالشيء… تنفس
بصعوبة… وناظر جلند يحاول يشوف الصدق بكلامه… وحضنه… حضنه بكل قواه…
همس: الحمدلله… الحمدلله… الحمدلله… والله إني…
ضغط جلند عليه وهو يقول: لا تزيد يا وليد… والله إني داري بالمعاناة إلي عايشها… حتى
صرت ما عدت تفرق بين الحلم واليقظة… بس تأكد إن الله عادل وقريب من عباده.. الله يمهل ولا
يهمل… وإننا إحنا كلنا بجنبك…
وفكر… أنا شو خلاني أترك لجين… غيرك أنت يا وليد… غير حبي لك وأحترامي لك…
وكأن وليد عرف شو يفكر فيه جلند همس بأذنه يقول بشكل مو متوقع: جلند… لا تتركها
لحالها… مالها ذنب… مالها ذنب بأي شيء صار… جلند… لا تعيد مأساتي مع الخنساء… لا
تعيدها… وأرجع لها…
وتركه وليد وهو رايح لأبوه… حضنه يبث إرتياحة… الحمد لله بدر تخطى مرحلة الخطر…
الحمدلله… أما جلند فوقف ساكن… وما يخفى على نفسه إنه تأثر بكل كلمة قالها وليد… تركهم
وطلع يبي يرتب أفكاره… يبي يتخذ قراره… وإلي راح يكول لأول مرة بدون أنفعال… بدون
تأثير… بدون غباء وجهل… إلا بتعقل وتفكير…
.
.
كلها ساعتين وتصلب ظهر وليد من الجلسة عالكرسي… طلب من أبوه وعمه يروحوا يريحوا
ويطمنوا جدته وهدى… أما هو فأول ما قال له الدكتور بإنهم راح ينقلوه لغرفة العناية طالب
بشوفته… وطبعاً الدكتور اقتنع بعد فترة… وأعطاه نصيحة إنه يريح… وخاصة إنه شافه يحرك
جنبه بكل ضعف… ووليد ما اعطى جرحة أي أهمية… وده يتطمن على بدر… ولما دخل عليه شاف
مركب عليه أنواع الأجهزة والأنابيب… تأثر من منظره… الدكتور قاله نزف كثير بسبب الإصابتين
إلي كانت مستقرات على أسفل صدره بشعرة…. الحمد لله إنهم لحقوا عليه… شد وليد على يد
بدر… وأشفق لحاله هذي… ماله ذنب بهالمعمعة كلها… جلس عالكرسي بتعب… وتذكر… كل
شيء صار لهم أول ما وصولوا لبيت الجد علي…
....
اسند بدر وليد بعد ما حس وليد بضعف برجله… كانت ترتعش من وجع جرحه…
همس وليد: أنا بخير… بخير… خلنا ندخل بسرعة…
وأول ما دخلوا تفاجأوا من المنظر قدامهم… فالصالة كانت سعاد تحضن جسد صغير والإغماءة
أخذها لعالمه… فيصل كان ماسك بنته ويصرخ بهستيريه لخالد…
فيصل: اتصل… بالشرطة… هذا الظاهر… مجنون… مجنون…
صرخ وليد وهو يسحب رجله الموجوعة وخصره الملتهف وجع: يبه… يبه…
خالد لف بكل قواه وحالته حاله من التوتر والخوف: ولييييييد….؟!
وليد بخوف: يبه شو صاير؟! وينه الحقير..؟! صادفتوه؟!
خالد هز راسه وقال متوتر: أول ما وصلنا كان متخبي بالغرفة… الظاهر صراخ الخنساء شده فلما
وصل للصالة كنت أنا وسيف وجلند ندخل العتبة… عرفته وصرخت عليهم هذا قاتل خالد…
أرتجف وليد: ووين هو إلحين؟!
خالد أهتزت شفايفه: شرد… هرب… مدري طلع من الباب الخلفي… ولحقه جلند وسيف… لحقوه
يا وليد… مدري شو صار لهم… ووين هم إلحين…
وليد أرتجف: من وين طلعوا؟!
فيصل أشر على الباب الخلفي: من هناك…
وليد سحب نفسه أكثر وهو يقول بتقطيع: فيصل خلنا نلحق عليهم… يبه أتصل… أتصل
عالشرطة…
ونساها… نسى الجسد المتكور بالصالة فغمرة الأحداث… وطلع من الباب الخلفي وبجنبه بدر
يسنده… حضنهم الظلام… ودفء الجو… ناظروا للسيح (الصحرا) إلي ابتلعته الظلمة…
همس وليد بصوت قطع السكون: بدر…
بدر همس جنبه: أنا جنبك… خلنا نلحق عليهم… كأني ألمح على يساري شيء… تعال…
وسحب وليد نفسه وكل ماله خطوة يخطوها… كل ما رجله ترتعش أكثر… والخدر يشل جسمه…
لف له بدر بعد ما حس إنه بدا يثقل بحركته… ويميل بثقل جسمه عليه…
بدر بخوف: وليد…؟!!!
وليد همس: أنا بخير… بخير خلنا نمشيء…
بدر قال بقلق: وليد…
وحط يده على خصره وبكل سرعة تبللت يده من الدم إلي بدا ينزف من جرح وليد… جلسه بدر
بعد ما كان يسمع أصوات صراخ توصلها الريح الخفيفة لهم…
قال بدر بقلق أكبر: جرحك ينزف… وليد…
وبعدها ناظر عيون وليد إلي كانت فارغه… الوجع أسكت كل إحساس …
قال بدر بصرامة: أجلس يا وليد… ارتاح جرحك بدا ينزف… اجلس هنا وانا بروح لهم…
وقف وهو يقاطع وليد إلي كان بيتكلم: وراجع لك إن شاء الله…
وركض والظلام يبلعه… أما وليد فحس بالخدر وبدون شعور تمدد على الأرض وهو يتنفس بكل
قوة… وقتها يمكن ما مرت غير دقايق ينعدوا ويسمع ثلاث طلقات متالية… وصراخ هز كيانه…
حس بضيق… بضيق غير طبيعي… وجلس على حيله ووقف على رجوله إلي أبد ما كانت تدعمه…
وتسحب بكل ألمه… وهناك أكثر منظر فجعه من يوم ما أشتغل بشرطة مكافحة المخدرات… جسد
مرتمي عالأرض والدم يسيل منه… وتبين إنه بدر… أما جلند وسيف… وبالأخص جلند كان بكل
هستيرية يستخدم قبضة يده ويضرب جسد عمر… كان يصارخ عليه وما يحس بيده إلي صابتها
الكدمات والجروح… وإلي تخدرت من قوة الضرب… أما عمر فأحساسه بالواقع أنتهى… وأغمى
عليه من الضرب على وجهه…
وصلت سيارة الإسعاف بوقتها… حاولوا يسعفوا وليد… بس وليد صرخ عليه…
وهو ينادي بخوف: بدر… اسعفوا بدر… بدر…
ولما كانوا ينقلوه لسيارة الإسعاف تبعهم وليد ودخلها بدون دعوة… هذا غير إنه بقى ساكن يمسك
بيد بدر وهو يضمها لكفوفه… يهمس له ويطمنه ويطمن قلبه المجروح… وطول الطريق حاول
المسعف يداويه… وكان رفض وليد كفيل يسكت المسعف… بس بالأخير وافق لأنه حس بالضعف
والخدر وبالإغماء يين لحظة وثانية… أسعفه المسعف… ضمد جرحه ويد وليد أبد ما أنرفعت عن
يد بدر… كان يشد عليه بكل قوة… بكل ثبات…
..
..
تنهد وليد… ومسح على وجهه وهو يحمد الله ويشكره… ودخل عليه الطبيب وأصر إنه يطلع
وياخذه لغرفة يعالجه فيها… أصر عليه بقوة…
قاله الدكتور: الحمد لله تطمنت عليه.. .وهو بدنيا مو داري عن إلي جنبه… إذا ما إرتحت راح
تصير حالتك أصعب منه…
وإذا ما قلنا سحبه بالحقيقة إلا إنه سحبه مجازياً… وأخذه للغرفة ومن شدت تعبه وإنهاكه أول ما
حط راسع عالمخدة سلطان النوم كان له الكلمة الأخيرة…
.
.
.
تشنجت وهي تحس بالخوف… ووقفت تناظر المكان الغريب عليها… عرفت إنها بالمستشفى من
ريحة المكان… جلست عالسرير تلم نفسها وتعقدها بيدها… حطت خدها على ركبتها والدموع
تسيل وتسيل… بصورة تراجيديه تصورت لها كل حدث أول ما بدا جونو كضيف ثقيل يطرق
الأبواب… لحد لحظة أمس… أو قبل ساعات بالأصح… وأكثر موقف حست بألمه سهام تنغرس
بقلبها موت خالد… طفلها… وإلي إلحين صار لها واقع… حقيقة موته بانت لها وظهرت…
تذكرت الجنون إلي انتشل من راسها ذرة تعقل… عيشها بخيال خالد… ووجود خالد… بس… إنها
ترتطم بأرض الواقع… كانت صدمة ثانية… وثالثة… بس هي أخف من إلي قبلها… الموت
حق… وكلنا مصيرنا للواحد الأحد… الموت حق يالخنساء… وخالد برحمة الله…
تنهدت بألم ورفعت راسها وتذكرت مقطع كان مشوش… أمها سعاد… غريبة كيف جنونها لين
الصخر واذابه… وفيصل ونورة وأخوانها… عمي خالد و سيف وهدى والجدة… التوائم… جلند
ولجين… عمتي سلمى ونشوى… محمد وطلال… عمر الدخيل… بدر الموجوع ووليد… وليد
الغايب… شخوص وجدها القدر وتلاعبت بحياتها بجوانب مختلفة… كل شخص كان له دور… نمى
بالخنساء شعور الحب والعطف… الشفقة والخوف والقلق… الحيرة والألم والكره والحقد…
رجعت تمدد جسمها عالسرير وبكاها تحول لنحيب منقطع لمستقبل مجهول… نست أفكارها
ونحيبها… وأستقبلت النوم بالأحضان…
.
.
.
صباح اليوم التالي…
كانت لجين جالسة على طرف سرير أمها تحاول تأكلها بس أمها من يومها دخلت المستشفى وهي لا
تتكلم ولا تحرك عينها والسبب كل السبب إنها تدري بخروجها من المستشفى راح تواجه عاصفة من
زوجها ومن أخوانها… لذا عيشت نفسها بسواد ماله نهاية من الخوف… وهذا أبسط عقاب
لحركاتها…
لجين بكل حنية: ماما الله يخليك علشاني كلي هذي… الله يخليك كلي شيء…
ماردت عليها…
فرجعت لجين تهمس لها: ماما… إنتي اليوم إن شاء الله بتطلعي من المستشفى… راح نرجع للبيت أنا
وأنتي بس… راح يكون البيت هادي يا ماما… بدون طلال… بدون نشوى… بدون أبوي…
وانتحبت وهي تمسح دموعها بطرف شيلتها… رفعت راسها وهو تشجع نفسها إن مال للدموع مكان
هالحين… أهلها محتاجين لها وهي الوحيدة إلي قادرة تلمهم لها…
رجعت تبتسم بحب: ماما… كلي شوي علشاني…
رفضت سلمى تفتح فمها رفض قاطع… تنهدت لجين ومسحت دمعتها وغطت شعرها ولفت شيلتها عدل
وقامت على حيلها رايحة لأختها نشوى… جلست تمسح على شعرها… وإلي كان وجهها مزرق ومحمر
من الضرب… وباين شحوب شديد بوجهها لأنها دخلت بغيبوبة والسبب ضربة حادة على راسها…
قالوا لها فترة بسيطة وبتفيق… بس الهروب للظلام أفضل من مواجهة عاصفة…
قالت لجين بألم وهمس: ليش؟! ليش يا نشوى سويتي بنفسك كذا؟! ليش جريتي ورا عنادك
وتهورك ورغباتك ونسيتي الواحد الأحد إلي يمهل ولا يهمل؟! أنتي دمرتينا… دمرتي نفسك
ودمرتينا… أبوي… وأمي… وطلال… وأنا…
رجعت تبكي على حضنها… وقفت عتابها إلي ما كان يجيب فايده… وقفت على حيلها وراحت للقسم
إلي كان فيه أبوها… الجلطة مرت لكنهاشالت اعز إلي يملكه أبوها… وإلي الخنساء تعرفه زين…
وتفهمه… لسان أبوها صار ثقيل وكله يهذي بكلمات مثل “حسبي الله عليهم” “الله أكبر عليهم”…
لجين تحاول تمسد يده بحنان: أرجوك… أرجوك يا أبوي أنسى وسامح…
لكن محمد رفض يسمع لها وطردها…
لوى لسانه بصرخة: برا… برا… لا… بارك… الله… فيكم… لا… بارك… الله فيكم… الله
أكبر… عليكم…
لجين تراجعت وراها بخوف… وركضت ترتجف للباب… طلعت وجلست عالأرض وأستندت عالجدار
وهي تسد أذنها… بكت بكل قواها وهي تتصل على عماتها تطلب منهم يوقفون مع أبوها… لأنه
رافض حتى يشوفها…
وبعد ما هدت رجعت لأمها… رتبت أغراضهم وراحت تاخذ أوراق الخروج… وعلى طول بدون حتى
لا تتصل بعمها سيف أخذت تكسي وهو تجر أمها معها… ولما وصلت البيت فتحت الباب برجفة…
ودخلت البيت إلي كان موحش رغم إنهم بوقت الظهر… راحت لوحدة من غرف الضيوف رتبتها
وخدمت أمها لساعة لحد ما فضت لنفسها… راحت للمطبخ وعملت لهم غدا بسيط… ورجعت لأمها
لياكلوا… رغم إنها دارية إن ولا وحدة منهن بتاكل…
.
.
مسك خالد وليد على جنب وهو يشوف أخوة بدر وإلي جوا من نزوى “بمنطقة الداخلية” علشان
يشوفوا اخوهم…
همس خالد: وليد… أنت شو تسوي هنا لحد هالوقت؟!
عبس وليد وهو يمشي للكراسي ويجلس عليها… لأن وجع جرحه ما زال يألمه… جلس بكل بطء…
وقال: الله يخليك يبه أنا بخير…
خالد مسك يده بحنيه: وليد… يا ولدي… كفاية إلي صار لحد إلحين… جرحك يألمك وأنا
أدري… أدري من عبوس وجهك ونظرة عيونك… كفاية خالد الصغير راح فلحظة… ما أبيك… ما
أبيك أنت تروح من بين يدي يا وليد… كفاية لحد إلحين إلي جانا…
مسك وليد يد أبوه لما حس بتقطع صوته… وقرب راسه لكتف أبوه يزيح شيء من آلامة…
قال بوجع: يبه… بدر له حق علي… أكون جنبه… أشد من أزره… وأنا الحمد لله بخير… بخير
ما دامني عايش… بخير وأنت بخير و…
قاطعه خالد: الخنساء…
رفع وليد راسه وناظر ابوه… همس بألم: كـ… كيفها إلحين؟!
خالد قال بعتاب: وحتى ما سألت عنها يا وليد… ما سألت عنها… تبي تعيد مأساتها لما فاقت
من مصيبة موت ولدها وهي وحيدة…؟!
همس وليد: أرجوك يبه… مو قادر أرتب أفكاري… مو داري عن مكاني… خلي هدى وجدتي
يهتموا فيها…
حاول خالد يقاطعه… بس وليد همس: الله يخليك يبه… ما هو هرب.. بس… مجرد… مجرد…
ما درى شو يعبر عنه ووقف معطي أبوه ظهره وهو يخفي رعشة شفايفه…
رجع يلف له وهو يتحكم بصوته: إن شاء الله أكون عندها بكره…
خالد همس: يا ولدي مكتوب لها خروج هاليوم…
وقاطعهم واحد من أخوه بدر وهو يقول بصراخ حاد: وليد… وليد… بدر فاق ويسأل عنك…
وبكل لهفة راح يخطوا خطواته للغرفة… ناداه خالد: وليد..؟!
قال وليد بربكه قبل لا يدخل الغرفة: ودها البيت يبه وخلي جدتي تهتم فيها… وأنا… أنا…
بكرة ما صاير إلا الخير…
ودخل وليد لبدر وبكل لهفة مسك يده وهمس: بدر…
بدر أبتسم رغم ألامه: أنا… بخير… وليد… بخير…
ورجع يهمس: عمر…!!!
وليد طمنه: ورا حديد السجن… وصدقني بيشيخ بالسجن وأنا إلي بركض ورا قضيته…
همس بدر بضعف: الحمد… لله… إنتهينا…
رد وليد عليه بحنيه: الحمد… لله على سلامتك بدر…
ابتسم بدر وبعدها عبس وهو يقول: جرحك…؟!
وليد هز راسه: انسه… أنا بخير… وشد حيلك… و وقف على رجلك… علشان أزوجك…
ضحكوا أخوة بدر وهم يحسوا بالتوتر بدا ينزاح من الجو…
ضحك بدر بخفوت وبعدها سعل وهو يقول: ناقصني أنا…
وليد شد على يده وقال يشجعه: ما في أحلى من الإستقرار…
بدر ابتسم بحزن: وليد… يمكن… ما يحق… لي… بس… زوجتك؟!
وليد جاوبه بتوتر وابتسامه مضطربة: بخير… بخير والحمد لله…
.
.
وقفت سعاد عند باب الغرفة الخاصة… وبدون ما تحس مسكت يد فيصل بتردد…
همست بقلق: يمكن ما تبيني؟!
فيصل ابتسم للتغير إلى جرى لزوجته… وخاصة إن صار للمشاعر والأحاسيس مكان بقلبها… صارت
حنونة وحساسة بشكل غريب…
طمنها فيصل: توكلي على الله… وادخلي لها… بنتظرك هنا…
ولما جات بتدخل كان خالد وقتها مخلص أوراق خروجها… ووقف يتكلم مع فيصل… أما سعاد
فدخلت للغرفة وناظرت للخنساء وهي تلبس عبايتها وتلف شيلتها على وجه حسس سعاد بالذنب…
بنتها أبد ما حست بحياة مريحة مثل الناس والسبب إنها كانت معاقة وعاجزة اللسان من صغرها…
جمدت حركت الخنساء وعيونها تصطدم بعيون سعاد… لحظات مرت… لحظاااااات العيون كانت تحكي
وتفك هالحكي… وبالنهاية الخنساء هي إلي شاحت بوجهها ورجعت بخطوات بطيئة تلم أغراضها…
وما حست إلا بيد سعاد تمسك يدها… رفعت الخنساء عيونها…
سعاد همست: الخنساء…
ما تكلمت الخنساء ورجعت بدون إحساس تكمل حركة يدها إلي بدت ترجف… سعاد وترها رفض
الخنساء لها… وإلي ما قالته إلا بينت أفعالها… وعيونها إلي… إلي أحرقتها بالصميم… وبدون
ما تحس مسكتها بكل قواها ولمتها لها… حضتها وهي تبكي…
تبكي وتردد كلمة وحدة بس: سامحيني… سامحيني… سامحيني… سامحيني يا بنتي… سامحيني…
ودخلوا خالد وفيصل على هالمنظر… تجمدوا وهم يناظروا ردة فعل الخنساء إلي سحبت نفسها من
سعاد بكل عنف…
ابتسمت الخنساء بوجع وهي تلوي شفايفها: مسـ..مو…حة… ماما… مسـ..مـوحة…
تسمرت سعاد وهي تدري إن الخنساء قالتها بدون إحساس… مو مقصودة أبد… ورجعت تمسك
شنطتها… وهذا بعد ما لفت شيلتها على وجهها…
همست لخالد: عمي… خذني… خذني… لأي… مكان… خذني… بعيد عن هذي…
وأشرت لأمها… ورجعت تكمل والكل مصدوم: خذني بعيييد… خلاص… ما أبي… أحد…
مسكها خالد من كتفها ولمها بحنية… وبدون كلمة طلعوا وهم تاركين سعاد تبكي بصدر زوجها
وهي تهمس إنها السبب والسبب…
طمنها فيصل: هي مصدومة… مصدومة يا سعاد… مصدومة من كل إلي مر لها… لا تلوميها إذا
كانت هذي ردت فعلها…
تعلقت بكلمته وهي تهمس: يعني..؟!
طمنها يبتسم وهو يمشيها للباب: إنتي أمها مهما دارت بها الدنيا… أدري مو سهل عليها تتقبل
فأعطيها الوقت إلي بتهدا فيه… وأرجعي لها مرة ومرتين وثلاث حتى مليون… أدري بأعماقها ما
شايله عليك بس المواقف والأحداث أجبرتها على الخوف…
سعاد سكتت ما تكلمت ورجع فيصل يقول بصرامة: وأتمنى تفهمي من هالتجربة و..
قاطعته سعاد وعيونها تلمع: صدقني… صدقني… والله إني ندمانة… قد شعر راسي ندمانة…
ندمانة…
ابتسم يطمنها أكثر وأكثر… ويشجعها وهم يرجعوا للبيت وبقلب سعاد الحزن الكبير إلي كان يأرق
حياتها ونومها… ولولا فيصل لكانت فخبر كان… حنية فيصل… تشجيعه علمها شو كثر هي
محظوظة … ومستحيل تكرر غلطتها مع بنتها لما… والخنساء… راح تركض لها كل مرة حتى
ترضى عنها…

بكت بكتف عمها تبث همومها وقال: هو… نسى… نسى الخنساء… نسى…
كان يدري منو قصدها… فقال: لا يا بنتي… هو…
مسكت الخنساء يد عمها وهي تقول مقاطعته: خلاص… عمي… ما أبي… خذني… بيت بابا…
حاول يتكلم بس الخنساء هزت راسها: عمي… أرجوك… ما أبي بيت… وليد…
ما تكلم خالد… يحق لها تبعد… وخاصة إنه يحط اللوم على وليد إلي هو إلحين أبد ما حس بحاجة
الخنساء له…
قال بحنية: يا ببنتي خلني أتصل على أمي مريم تجي معك…
هزت الخنساء راسها… وبعد مشاورات وافقت الجدة تروح مع الخنساء وشغالتين لبيت أحمد…
وهناك تركهم خالد… وراح لبيت سيف يتطمن على لجين… ويمكن يروحوا من هناك يزوروا
سلمى ومحمد… وحتى رغم الأحداث إلي صارت تبقى أخته… وهم أهله…
ولما قاله سيف إن لجين رجعت لبيت أبوها هي وأمها… حس بالحزن عليها… قرر يروح لهم
يشوفهم هم محتاجين حاجة… بس تذكر طلال… وغير وجهته وطلع للمركز…
.
.
خيم الليل وهي جالسة على البلكونة تناظر النجوم بخوف… كان المكان موحش… اليوم راحت
لأختها واستوعب… وقامت من غيبوبتها… بس حالتها النفسية زفته… مثلها مثل أمها… لفت
طالعة رايحة لأمها… ناظرتها متمددة عالسرير تناظر للسقف… وباين من عيونها الفارغة إنها
تفكر بسوداوية… نشوى بعد كم يوم بتطلع من المستشفى ومصيرها مثل أمها… أما طلال فما
تدري عنه… كم مرة حاولت تتصل بس ما كانت محظوظة… وأبوها!!… عماتها قالوا إنهم راح
ياخذون أبوها لعندهم… لحد ما يتشافى… ابتسمت بألم… ما بقت إلا هي… وين مصير؟! وكيف
مصيرها مع جلند؟! ما تدري…
رجعت للمطبخ تعمل لها شيء ياكلوه رغم إنها ما تاكل إلا حتى تكون بوعيها… وتحاول تتملق أمها
تاكل… وكانت تشيل صحن بالشوربة لما سمعت صوت الباب الرئيسي حق الصالة ينفتح ويطل منه
شخص… هو بآخر أحلامها كان سراب… كان الصحن بيطيح بس هو مسكه…
همست بصرخة متألمه لما شافته حقيقة وهو يحط الصحن على جنب… ورمت نفسها له…
ضحكت وهي تبكي: آآآآآآآآآآآآآه طلااااااااااال… طلاااااال!!!… متى طلعت؟! من طلعك من الحبس؟!
شد عليها طلال… آآآه اشتاق لها ولضحكاتها وعصبيتها… اشتاق لأخته إلي كانت أقرب إنسانه له
من أهله…
طمنها: خالي خالد هو إلي طلعني… وهذا هو…
لفت تشوف خالد واقف على جنب يتأملهم بحب حزين… ركضت لخالها وضمته بقوة وهي تبكي:
خالي… خالي… آآآآآه…
مسح خالد على راسها: الحمد لله على سلامة طلال يا لجين… يلاااا شدي حيلك أهلك محتاجين لك…
لجين مسحت دموعها وراحت مسكت بأخوها وهي مو مصدقة إنه طلع… ضحك طلال بخفوت…
وهمس لها: صدقيني لجين… أنا ما طلعت إلا وكلي ندم…
ردت لجين بخوف: أمي ونشوى…
ابتسم طلال بتردد: رغم كل شيء هم أهلي… شرفي… أمي… أختي…
ضمت يده بيدها الثنتين وهمست: الحمد لله… الحمد لله… طلال… تعال… أمي… داخل…
تقدم خالد وقال: أنتظروا هنا بدخل لها أنا بالأول…
ونفذوا كلامه وهم مضطربين… وجلست لجين تاخذ أخباره وهي مرة تمسح دموعها ومرة تبتسم…
ومرة تضحك بوجع…
وبعد ما مرت أقل من نص ساعة طلع خالد… وقفوا الأخوين بتوتر ما يدروا شو كان رد فعل
خالهم مع أمهم…
لما شاف خالد نظرة التوتر بعيونهم طمنهم: تكلمت معها… الظاهر الصمت هو الجواب الوحيد
عندها… بس صدقوني بترجع مثل ما كانت وانتوا جنبها… نسوها أحزانها… وأهتموا فيها… لا
تترددوا تتصلوا فيني وخبروني بكل شيء… بروح إلحين البيت التعب هدني… وسيف إن شاء الله
بكرة على وصول لأمكم…
وكان بيطلع لما سمع أصواتهم تناديه…
همست لجين: خالي… أرجوك سامحهم…
وردد طلال وهو خجلان يحط عينه بعين خاله: خالي…سامح أمي… نشوى… أستسمح من وليد…
والخنساء… لو إننا ندري إنهم ما يطيقوا لنا وجه أو أسم…
ابتسم خالد بوجع وقال: المسامح كريم يا ولدي… المسامح كريم…
وطلع تارك طلال ولجين بحيرة… ما يدروا متى راح يرجعوا لدائرة أهلهم… ورجعوا يمشوا
لغرفة أمهم… طلال قوى قلبه… وحاول قدر ما يقدر يزيح نظرة الخوف من عيون أمه… هي
أمه رغم كل شيء… حاول بكل حنية يفهما إنه يبيها تصحى وتستعيد قوتها… لكن… مثل ما
قالوا… لا حياة لمن تنادي… سلمى محتاجة للوقت إلي ترجع فيها تثق إن أهلها وأولادها ما زالوا
محتاجين لها مثل ما هي محتاجة لهم…
.
.
.
واليوم إلي بعده مر على وليد وهو بالمستشفى مع بدر… أحساسه خانه ما وده يروح ويواجه
الخنساء… لأنه يحس إنه أبد مو مستعد… بس اشتاق لها… اشتاق لها كثير…
بدر قال مبتسم: يا حظه إلي تفكر فيه…
وليد ضحك وقال: عيييل يا حظك… كنت أفكر فيك…
بدر ضحك ورد: أكذب وقص علي بكلمتين… أدريبك آخر واحد تفكر فيني…
ناظر وليد بعبوس… وقهقه بدر وقال بعد ما سكت: وليد… الحمد لله على كل حال… الحمد لله
والشكر له… شكلي بروح البلد وبتزوج…
وليد ابتسم: إيوه تسوي خير… وتفكني من جلستي معك بهالمستشفى…
بدر سكت لحظة ورد يقول بتنهيدة: وليد..!!!
مارد وليد يدري بدر شو يبي…
ورجع بدر يقول: وليد… أنت رحت تشوف زوجتك؟!
وليد هز راسه بدون كلمة…
بدر فجأة بدا يتمسخر عليه: غبي.. جاهل… أحد يجلس بهالمستشفى إلي تمرض بالصاحي… وتقتل
المريض… ويترك زوجته وأهله مرميين…
وليد رفع راسه بعبوس ورجع بدر يقاطعه: لا تحاول… يلاااا أشوف قم… قم وروح لزوجتك…
أنساني… وأنسى إلي صار… وروح للي محتاجة لك…
وليد ما تحرك… فحاول بدر يتحرك وتألم لما حاول يقوم… رفع وليد وجهه…
عبس وهو يقول: شو تبي؟! ليش…
قاطعه بدر وهو يحاول يوصل للجهاز حتى ينادي الممرضة أو الممرض….
وليد قال: محتاج حاجة بدر..؟!
بدر قال بحدة: أبي الممرض يجي حتى أقوله ينادي السكيوريتي يجون يطردوك من غرفتي…
فتح وليد عيونه مدهوش… ومن الأحاسيس إلي أنرسمت بوجه وليد ضحك بدر بقوة حتى إنه شهق
لما حس بالألم… وليد مسك يده بخوف…
همس: بدر… بدر…
رجع بدر يضحك عليه: شوي شوي على نفسك يا وليد… هههههه… آآي… أقول… رح.. رح
لبيتك وأهلك…
ولما حاول وليد يتكلم… قاطعه بدر بصورة قاطعه وآمرة: وليد… للمرة الأخيرة أقولك رح
لأهلك وإلا تو بطردك صح… ما أمزح ترا…
وليد فكر شوي… وقلب الأفكار لحظة وثانية…
حتى قال بدر: ها… شو طلع؟!
وليد تراجع للباب: قررت أروح… بس صدق أنت مو كفؤ تبي تطردني بعد ما كنت بتجلطني وانا
أشوفك مرمي عالأرض مثل الميت…
أشر له بدر يطلع بيده وهو يضحك: رح يا ولدي… وتعال بكرة نتفاهم…
وطلع وليد… رايح لبيته… ولأهله… ولزوجته وإلي من كثر شوقه لها ابتسم بحزن وأدمعت
عينه…
.
.
.
كان طلال جالس مع أمه يتكلم معها مرة ويسكت ألف مرة… بالوقت إلي رن جرس الباب… طلع
من عند أمه وراح يفتح الباب… شاف لجين جايته…
قالت بتعب: طلال الله يخليك إذا وحدة من الجارات الفضوليات قولها مو موجودين… تعبت وأنا
أشوف الفضول يقتلهم…
هز راسه طلال بسخرية مكبوته… ورجعت لجين للمطبخ…
فتح طلال الباب وهو منشغل يدخل موبايله بجيبه… ولما رفع راسه وقف جامد لما شاف الشخص
الواقف قدامه… ألتهبت عيون طلال وتوقدت بالنيران… أما جلند فعيونه كانت فيها نظرة حدة
وصرامة…
قال جلند وهو يبعد أنظاره عن طلال: وينها لجين؟
طلال ما تحرك من مكانه ولا أعطاه مجال إنه يدخل…
رجع جلند يناظره وقال: لو سمحت… أبي أتكلم مع لجين؟!
طلال ناظره لحظتين وبعدها قال وهو يمسك بالباب: ما أظن في كلام تبي تقوله لها بعد ما شفنا
ردك… أختي مو حمل كلام حاد وموقف أحد منه… لذا لو سمحت أنت… أرسل لها ورقة طلاقها
بدون لا ترمي عليها الطلاق بكل برود…
ناظره جلند بحدة وهو يحاول يدفع بالباب إلي طلال كان بيسكره: إلا أبي أتكلم معها…
ودفع بالباب بقوة ودخل يقول: وينها؟!
طلال أرتجفت يده بصورة كبيرة وكان بيضربه لولا جلند قال: يحق لي أتكلم معها… هي زوجتي
رغم كل شيء…
تراجع طلال وهمس بقهر: يكفيها إلي جاها بسببك… جاي تزيد عليها…
جلند أختفت فيه كل نظرة حدة وهمس بغموض: ما جيت إلا أحاول أطلع بحل… حل يرضي كل
الأطراف…
سخر منه طلال: شوف حالتك بالأول… وبعدين حاول ترضي غيرك…
همس جلند من وراه: وهذا إلي ناوي عليه…
ومشى طلال قدامه بدون كلمه داخل البيت… تبعه جلند وقلبه يدق طبووول… مو خوف إلا ترقب
للموقف إلي بيجمعه مع إلانسانة إلي حبها بكل ما يقدر وحاول ينساها مرات ومرات… بس وجد
إنه مستحيل يبعد عنها…
همس طلال وهو يقول بحدة: تفضل…
دخل جلند الصالة…
قال جلند: ودي أتكلم معها… لوحدنا…
وشدد عالكلمة…
ناظره طلال بعصبية: تبي تكلمها بتكلمها بوجودي… بس أخلها لوحدها معك… بتاكلها وأنت حي…
ضحك جلند بعصبية وسخرية وشدد: أبي أكلمها لوحدي يا طلال… هي زوجتي إذا ما نسيت…
وبهالوقت طلعت لجين جايه من المطبخ… وكانت لابسه بنطلون جينز وقميص بكم قصير لونه
أسود… ولامه بعض خصلات شعرها لورا بإهمال… وأول ما حست إن فيه شخص مع أخوها رفعت
شيلتها من كتفها حتى تلبسها وتراجعت لوراها… ما كانت تدري إن جلند هو الشخص إلي كان مع
أخوها… لأنها ما ناظرت إلا جانبه وأختفت بسرعة… راجعه للمطبخ…
حس جلند بالوجع لما شاف وجهها الحزين… لمح سمة الألم بوجهها الحزين… ولف لطلال…
همس له وهو يناظر للمطبخ إلي راحت له لجين: ليش… وجهها كذا… حزين…!!
ابتسم طلال بحزن: شو بتتوقع تكون؟! مرت أيام عليها كانت مثل الدهور… وحيدة مالها سند
وهي تركض بالمستشفى…
غمض جلند عيونه بقوة وهمس يمشي: أرجوك طلال… محتاج أتكلم معها لوحدي…
طلال ما أعترض… سند الباب بظهره… ومشى لغرفة أمه وقال: بكون قريب… ويلك إذا حاولت
تضايقها ولو بكلمة…
.
.
همس بخوف: شو يعني مو هنا؟!
طمنه خالد: يا ولدي هي رفضت تدخل هالبيت… قالت ودني لبيت أبوي… ووافقت وخليت أمي
مريم وشغالتين يروحوا معهم…
أرتبك وليد… ووقف يدور مرة هنا ومرة هناك وهو يفكر… بالأخير راح ماشي للمصعد…
قاله خالد: على وين وليد؟!
وليد قال: بروح أخذلي شاور سريع… وطالع بعدها للخنساء…
ابتسم خالد بعمق… ابتسامه أشرقت وجهه: تسوي خير يا ولدي… تسوي خير…
وطلع وليد لفوق… دفع وجهه تحت الدوش… وانساب الماي يزيل الأفكار الحزينة من راسه…
محتاج لشجاعة وقوة يقنع الخنساء برجعتها له… يمكن تأخر يروح لها… بس العتب عالتردد…
ولما لبس له بنطلون أسود مع قميص بني… سرح شعره بسرعة… وطلع نازل رايح لها… بكل
شوق ولهفة…
.
.
دخل بكل هدوء وسكون للمطبخ… ناظرها وكانت واقفة ماسكه كوب ماي بيدها… كانت معطته
جنبها وشاردة بفكرها لبعيد… تنهدت بقوة وبألم… وطاحت عينها عليه… توقف إحساسها
بالزمان… وحست برجفة بيدها… وبكل بطء انزلق الكوب من يدها… إنزلق حتى طاح وأندوى
وتناثر الزجاج عند رجولها… تراجعت وراها بكل خوف… بكل ألم…
قرب منها جلند… وتخطى الزجاج ووقف عندها… وقف مقابلها يناظرها بخليط من النظرات إلي
أزعجتها وخوفتها… وبدون ما تحس بدت الدموع تزل… دمعه… دمعه… مد يده برجفه ومسح
دموعها… غمضت عيونها وهي تنتحب…
همست برجفة: كفاية جروح يا جلند… ما عدت قادرة… ليش تسوي فيني كذا؟ ليش؟!
فتحت عيونها وكملت بوجع: أرميها إلحين ولا تزيد حالي أكثر…
همس: شو تتكلمي عنه؟!
رجعت تهمس: كل لحظة.. كل ثانية… أفكر فيك… أفكر بردك… أفكر بمصيرنا… أفكر بمصيري
معك… بمصيري مع أهلي…
كان بيتكلم بس هي كملت بصورة حزينة: أدري تكرهني وتكره أهلي… أمي… نشوى… حتى
طلال… إلي كان لك اعز صديق… وأنا إلي…
توقفت الكلمات بلسانها وما قدرت تكمل…
قال جلند بحدة ضعيفة: وأنتي شو يا لجين؟!
رفعت لجين عيونها له وقالت: أدري أنا ما أسوى شيء… أنا سبب آلامك… طلقني يا جلند…
طلقني وأرتاح…
قال بجمود: أطلقك؟!
ردت لجين بخوف: ومو هذا إلي جاي علشانه؟! أرجوك لا تعذبني زيادة… كفاية إلي جاني منك…
ومن غيرك…
ولما شاف نظرة التعب والإرهاق بعيونها همس: غبية… ومن قال إني بطلقك بعد ما حاربت
علشانك؟! لازم تعرفي إني علشان حبي لك حاربت… وحاربت…
أرتجفت شفايف لجين وردت تقول وعيونها تحكي العذاب: جلند… أرجوك… لا تضحك علي…
والله… إني… إني…
وشهقت… وبكت… مد يده وشدها لحضنه…
همس لها وهو يمسح على شعرها: مستحيل… مستحيل أبعد عنك… صدقيني حاولت… أبعد أفكاري
بس عنك ومالقيت إلا المرض… ندمان يا لجين… ندمان على إني تركتك لوحدك… وما وقفت
معاك بمصيبتك…
هدت شوي شوي بين يديه… ولما حست بالمكان والزمان… سحبت نفسها منه وهي تعض على
شفايفها حرج…
همست وهي تبعد: ليش عييل كل هالعذاب لقيته منك؟! ليش؟!
رد جلند وهو يبتسم بجرح: سميني جاهل… ومجنون لأني كنت مو مقدر النعمة إلي كانت بين
يدي… يمكن أحزني… كل إلي صار لوليد والخنساء… بس بالنهاية هو… وليد إلي نبهني إني
بخسرك… بخسر الإنسانة إلي حبيتها… من كل قلبي… بخسر الإنسانة إلي حاربت علشانها طول
الشهور إلي مرت…
عضت لجين على شفتها وقالت بألم: تعرف… تعرف إني كنت مجنونة بحبك… وما كنت أحسب إلا
إنك تبي تبين لي إنك تقدر تنتصر علي…
قاطعها جلند وهو يمسك بيدها ويضغط عليها: تفكيرك هو إلي صور لك… صدقيني حاولت أبين
لك شو كثر غلاك وحبك بقلبي… بس ما وجدت إلا الصدود منك…
ضحكت بألم: كنت أنانية… طفلة… خوفتني برغباتك… وحبك لإزعاجي…
مد يده يمسح على شعرها بحنية: وكانت سموم كلامك مثل العسل على مسمعي…
ضحكوا بتوتر وعيون لجين تحكي معاناه ثانية: جلند…!!
عرف لجين شو بتقول فشد على يدها وطمنها بكل حنية: لا تزيدي… أدري… إنتي كنتي المظلومة
لما أذنبناك بخطأ أهلك… صدقيني… ما شايل على أمك أو أختك حاجة… الحقد والخوف والحسد
مرض… المفروض كنا نعالجه بعقلانية… بس لا… الوقت ما فات… نقدر نعالجهم… ولما الأمور
تصير بخير وتبدا تصلح… بنعمل زفة صغيرة…
همست لجين وعيونها تلمع بالدموع: وليد… الخنساء… وأهلك… يكرهونا… صعب.. نرتبط
وأهلنا تسودهم الكراهيه علينا…
مسح على خدها.. وارتعشت… ابتسم بحب: وليد والخنساء… ما في مثلهم… حتى ولو قالوا إلي
قالوه يبقى قلبهم أبيض… ما يشيل علينا حاجة…
وما حست إلا وهي تبكي وتدفن راسها بصدره: آآآه… مو مصدقة… رجعت… لي…
تموا كذا لدقيقة لا أكثر… حتى سمعوا صوت حاد… تعثرت لجين وبعدت عن جلند… وأحمرت بقوة
وهي تشوف أخوها يناظرهم…
همست بخجل: طلال..!!!
طلال قال بحدة: شو هذا؟!
لوى جلند شفايفه وقال بغيظ: زوجتي… يحقلي…
شد طلال على شفايفه: ما تستحوا أنتو؟! ملكة مو يعني مطيحين الميانة…
قاطعه جلند بغيظ أكبر: زوجـ….
ورد يقاطعه طلال وهو يعبس بوجهه: درينا زوجتك… وكم مرة رددت علي هالكلمة بهاليوم؟!
سكت جلند ورد طلال يقول: شو كان هذا إلي شفته قبل شوي؟!
ناظره جلند بحدة: والله شيء مالك دخل فيه…
سخر منه طلال: لا والله؟! أحيد هالضعيفة أختي…
قالت لجين بحدة: أنا مو ضعيفة…
سكتها طلال وبعدها قال بغيظ وبقوة: يلااااا قومي وشيلي عفشك وأطلعي لغرفتك…
همست لجين ودموعها تلمع: طلال…
جلند قال وهو يمسك بيدها: لا… خلها…
طلال قال بصرخة مجلجلة: أطلعي أشوف…
سحبت لجين يدها منه وطلعت محتارة من موقف أخوها… كانت تحسب إن طلال بيفرح لرجعتها
لجلند…
طلعت شرارة من عين جلند وقال بعصبية: شو فيك أنت؟! ليش كذا؟!
جلس طلال على الكرسي وناظره بقوة ولمدة طويلة…
وبعدها قال بكل هدوء وعيونه ترتخي وتحكي فرحة مكبوته: أجلس… نتفاهم… أبي… منك
وعد… وعد إنك بتسعد أختي وتهتم فيها… وما تتوقف أبدا عن حبها…
تغيرت ملامح جلند من العصبية لهدوء وسكون… وبالنهاية ابتسم… ابتسامة نساها من زمان…
وجلس قدامه يحاول يرجع المياه لمجاريها… بينه وبين طلال… ولو إنه يدري إنه يحتاج لفترة
حتى يرجعوا مثل ما كانوا من قبل…
رفعت لجين راسها وغمضت عيونها وهي تسمع صوت أخوها وجلند يحاولوا يرجعوا الأمور لمثل
ماكانت… ابتسمت براحة… ودعت من كل قلبها… يارب… يارب… رجعنا لمثل ما كنا أهل…
عائلة محبة… لم شملنا يارب… وتركتهم يتكلموا براحة وراحت لأمها… تسترضيها… تفهمها إن
الدنيا مازالت بخير… وإن الله غفور… رحيم…


باست جبين الجدة بحب…
وهمست وهي تسكر اللمبات: تصبحي… على… خير… يمه…
جاها صوت الجدة من تحت الفراش: وأنتي من أهله يمه… روحي نامي وارتاحي…
همست: إن… شاء… الله…
طلعت لغرفتها إلي كانت لها من قبل… يوم كان أبوها حي وعاشت لفترة بهالبيت… دخلت الحمام
(تكرمون)… أخذتلها دوش ولبست قميص نوم أسود وشدت روبه عليها… سرحت شعرها إلي كان
رجع لطوله الطبيعي… جلست عالكرسي تناظر صورتها… أحاسيس تصارعت بقلبها… كان مستحيل
أفكارها تترجمها… غمضت عيونها وفتحتها بعدها… وناظرت العود عالتسريحه… حطت بيدها
ومسحت على رقبتها بخفة ولطف… تنهدت وتركت مكانها نازله لتحت… تشوف لها شيء تشربه…
راحت للمطبخ… عملت لها كوب عصير ليمون يزيح ضيقة الصدر إلي تحس فيها… جلست عالكنبة
والمكان هاديء وساكن… والظلمة كانت تعم المكان غير اللمبات القليلة الضعيفة على زوايا
السقف… وأعطت الجو وحشة… سببت رعشة للخنساء…
سمعت أصوات… صوت مفاتيح… باب… خطوات تقرب… عيونها كانت مفتوحة على وسعها…
وحركتها جمدت… جمدت بخوف ورهبة… وقفت بكل بطء والغريب وصل لبداية الصالة… وقف
بالظل يناظرها… وهي لمحت بس شخصه سرت بجسمها رهبة… ساعات… أيام… إلا هي دهور
وسنين كانها مرت عليها من يوم ما أنحطت عينها عليه…
لحظات من طولها وهم يتبادلوها سرت رجفة بالخنساء… غمضت عيونها… يمكن تحلم… تحلم…
راح تفتح عينها وبتشوفه مجرد طيف له جاها بآخر الليل… بس لا… أول ما فتحت عينها شافته
واقف مكانه… وهو إلحين بدا يتحرك لعندها…
مشى بكل بطء… مشى لها… لحبيته… طفلته… زوجته… حلم طفولته… أخيراً إنتهت كل
مشاكلهم… ما عاد في أسرار… ما عاد في إنتقام… ما بقى إلا يرضيها ويسترضيها…
حست بصوته يهمس وكأنها معزوفة: الخنساء…
تجرعت ريقها… وبان بوجهها خوف… خوف شل حركتها… بس بعدها دفع رجولها تتتراجع
لوراها… ومن هناك لفت بكل سرعة للدرج… تركض وتركض… تختبي… هنا أو هناك… أي
مكان… بس إنها تناظره شيء صعب… صعب…
كانت عند باب غرفتها وهي تدفعه لما وصلها ومسكها…
صرخت بخوف: ابعد… ابعد…
مسكها بكل قواه… وقال بشدة: ليش؟! نسيتي إني وليد… وليد زوجك… وليد إلي كان مرة جزء
من حياتك… وليد حبيبك… وأبو ولدك…
رجفت يدها وهي تحاول تبعد يده وتقول بكل رجا: أرجوك… أرجوك… لا.. تذكره… لا…
تذكره…
همس وليد وهو يشدها أكثر… يضغط بيده على زنودها ويهمس بشراسه: بعدك ما فقتي؟! بعدك
معيشة نفسك بوهم؟! قومي من سباتك يالخنساء… قومي من سباتك… خالد مات… مات رحمة
الله عليه…
حست بجرعة سم تسري بشراينها… وبدون إحساس بعد ما حررت يدها… مدتها… وصفعته بكل
قوة… بكل شراسه… بكل وحشيه… حتى إن ظفرها شمخ خده من مكانين… وسال خطين من الدم
على خده وهي توقفت حركتها وجمدت… تناظر مكان ما ضربته… مكان ما الدم نزف… عيونها
تنقلت من خده لعيونه… ومثلها هو جمد بمكانه يناظرها… أصوات تنفسهم بس هي إلي إنسمعت…
توقف دوران الزمن… وحست الخنساء بدمعه توقف على رمشها… وبكل بطء قربت أكثر له…
ومدت يدها لخده بكل رجفة… مسحت على الدم وعيونها تنزف الدمع…
همست بصوت مشبوب بعاطفة: أدري… خالد… مات… راح… خالد… أدري… وأنت… رحت
معاه… رحت… وبقت الخنساء… وحدها…
مد يده لها وسحبها له… شد عليها يحضنها وعيونه تحكي… وخزه ألم جرحه… بس نسى ألألم…
نساه بوجود معشوقته…
همس بشجون: لا… أنا هنا يالخنساء… كنت ومازلت… هنا… معك… ومكاني معك…
انتحبت الخنساء… وشهقت… وبعدها بكت وهي تقول: إلا رحت… رحت… وتركتني… وحدي…
كنت أعيش… مجنونة… شفت خالد… مرة… وسادة… مرة د…دمية… مشيت… ومشيت بالـ…
بالشارع… أدور على… وهم… وحدي… أمشي… بدون… وليد…
ضغطها أكثر لها… يطمنها… مسح على شعرها: كنت أنا المجنون… انا يالخنساء… مو أنتي…
بعدت عنك بكل غباء… وهذا أنا هنا جنبك… معك…
همست: إلا… إنت… وهم…
ابعدها وليد عنه وقطع السكون بصوت ضحكه مجلجلة… مد يده ولوى خدها بكل قوة… صرخت
وتوسعت عيونها من الخوف…
همس وليد: وهذا شو؟! أنا واقع يالخنساء… واقع بحياتك… ناظريني زين…
الخنساء بغيظ مدت يدها ودفته عنها…
قالت وهي تمسح على خدها: أدري…
ضحك: وعييييل ليش سميتيني وهم؟!
وقرب منها مسح على خدها… ناظرته بنظرات لاهبة وقالت بكل حزن: ليش… تأخرت؟! أنا…
حسبت… نسيت الخنساء…
ضغط على راسها لصدره وهمس بكل آهه: أنسى نفسي ولا… أنساك… ولا أنساك يالخنساء…
همست بصوت مكبوت: زماااااان.. مرت… وقت… طوووويل مر…
ضغط عليها أكثر… يبي يحسسها إنها آمنه… بين يديه… وإنها آمنه بحياتها معه…
وكمل: أدري… زمااااان… زمان طويل مر علينا… زمان طويل كأنها دهور من آخر مرة حسيت
بحضني لك…
أندست الخنساء أكثر فيه وهي تقول: وأنا… كنت أعيش… بوهم… كنت… بعيييييدة…
بعيييييدة…
وقاطعها وليد: خالد بعيوني وعيونك ما ننساه… كان ثمرة من ألم وحزن… وموته كان صدمه..
لك أدري… مثل ما كان صدمه لي… وصدقيني من يومها… دريت إني كنت غبي لأني ما حاولت
أتمسك فيك من البداية… من يوم زواجنا… ظروف زواجنا سببت إن الثقة مطعونة… الثقة بينا
ما انبنت بشكل صح… كبرنا وعشنا نحاول نزعزع قيود انزرعت من طفولتنا… بس ما قدرنا
لها… وموت خالد عاد يزرع هالقيود بشكل قوي… وكنتي إنتي عايشة بوهم…
همست وهي تبتسم بوجع: قولها… أدري… أنا… مجنونة… كنت… ادري…
وليد همس: فترة مرت كانت صعبة… صعبة يالخنساء… صعبة حيييييل علي…
وضمها له أكثر… يبوس قمة راسها… يمسح خده بشعرها…
وردت تقول بدمعه فرح: وكانت… صعبة… صعبة للخنساء… آآآآآآه… و… وليد!!!
مسك يدها يبوسها بحب وهو يهمس: أبي أقولك سر…
همست وبعيونها دمعه: شو… !!!
تكلم وليد وعيونه تلمع: تدرين لما كنت طفل… أو بالأصح مراهق… كنت أموت بترابك… أموت
فيه… طفلة سكنتي بين يدي بكل حب… مدري… إنزرع حبي لك بقلبي وكبر… نمى… وأنتي
بعيد… يوم شفتك فبيت خالك… حسيت بسهم ينغرز بقلبي… ما صدقت إنك كنتي الطفلة إلي كانت
لي… حاولت أوجد الأعذار… بس حسيت كأن الألم إنغرس بقلبي… أندمى بالأصح… وعمي الله
يرحمه… جاني يومها… يطالبني بتنفيذ وعدي له… تدريني شو كنت واعده وأنا مراهق؟!
هزت الخنساء راسها بلا… وكمل وليد بشجون: لما كنت طفل وعدته إني بتزوجك لما تكبري…
كنت قايلها بكل ثقة… من دواخل أعماق قلبي… وعمي المرحوم سجل ذيك اللحظة بذاكرته… كان
يبي يحسسك بالراحة بدنياك… يحسسك بالحب إلي ما قدر يعطيك إياه… وتمنى أنا أقدر أعطيك
إياه…
همست الخنساء بذهول وعيونها تدمع: كنت… أحس… إن… فيه… سبب… وليد… يتزوج…
الخنساء… بس…
ودمعت عيونها أكثر وابتسمت برعشة: ما كنت… أدري… إنه… كذا… ما كنت… أدري…
تحبني… هالقد…
مرر بشفايفه على أصابعها وهمس: أحبك… لأنك عشق طفولتي… حلم طفولتي… البرئ… إنتي
الشيء الوحيد إلي كنتي بحياتي… نجمة سطعت وضوت قلبي… وأشعلته… أحبك يالخنساء…
أحبك… أحبك…
شهقت تلم يده ليدها… حست بقلبها طيور تحلق بسماء الحب… هذي العاطفة المعجزة… إلي ما
تكون إلا بالإحترام والتفاهم… ما تكون إلا بين إثنين وبالحلال…
اهتزت شفايفها وهي تقول بصوت مرتجف: تبي… تعرف… إنت شو للخنساء… أنت… أنت…
حياتها… قلبها… نبضها… أنت كلها…
وبعدت تمسح دموعها وهي تهمس بضعف: يمكن… كنت… طفلة… حسيت… وليد… قاسي…
بس… أنت مثلك… ما أنولدت… إلا… بس… للخنساء…
ابتسم وليد وهو يسمع صوتها إلي كان يجيه ثقيل بسبب نطقها… وبسبب نحيبها… خرسها ما كان
له عائق بحياته معها من قبل… وهو يدري… يوم عن يوم… إن شخصها… شخص هالطفلة إلي
سكنت بقلبه بتسلب كل ذرة تعقل بقلبه… وإلي بدا يشوف المستقبل فيها… عاهد نفسه… يعوضها
عن كل دمعه… والله بيعوضهم عن خالد… بأطفال راح يملون سعادتهم ويكملوها…
مد يده بكل بطء… وابتسم بكل حلاوة… وهمس لها بصوت مشجون: تعالي… تعالي… لحضني…
أعزف لك… أشواق… عمري…
مسحت آخر دمعه ورمت بنفسها عليه…
ترتوي من حبها له…
وتضحك للحزن إلي بدت تودعه…
وللجروح إلي بدت تندمل…
للألم إلي بدا ينزاح…
للسعادة إلي بدت تخلخل كل عرق ينبض فيها…
للحب إلي بدا ينسل لقلبها وعقلها…
للعشق إلي بدا يخط بريشته على مستقبلها.. مستقبلها مع وليد…
..
…(((…يضيق الكون في عيني واشوفك في خيالي كـون
أشـوفـك كـلـمـا أغـفـى لأنـك حـلـمـي السـاهـر
أحبك في تفاصيـلك أحـب أسـلـوبك الـمـجـنــون
أحـبـك في طـلـوع الشـمـس أحـبـك يا أمل باكر
أشوفك داخلي أطفال مع ريح الـفـرح يـمـشـون
أحبك في أبتسـامـه طـفـل أذا ناديــت يا شـاطـر
أحبك ياصدى صوتن بحاسيس الهوى مشحـون
أحـبـك ياربـيـع أخـضـر أحـبــك ياشـتـا مـاطـر
أحـبـك لـذة الـسـكـر أحـبـك ريـحـة الـلـيـمـون
أحبك في قصيدة شوق كتبها في الهـوى شـاعر
أنا صـادق بـحـبـي لك وقـلـبـي أول الـعـربـون
أنا لا جـيـتـك الاول بـلا ثانـي بـلا عـاشــر
حـقـيـقـه أسـمـك الفـاتـن حـقـيـقه قلبي المفتون…}}…
“منقوووول”
::::::::*
:::خاتمة بداية:::
مرت شهور كانت مثل الحلم عالخنساء ووليد… حياة ما هي حلم إلا واقع ممزوج بسعادة طعهما مثل
السكر بعد الحزن إلي كان علقم عليها… حياة تخللتها سعادة… فرح… ودموع… وطبعاً ما ننسى
شيء من الأحزان… لأن بالحقيقة الحزن هو جزء مننا… حتى ولو حاولنا نهرب منه لآخر الدنيا…
بس بحياة مثالية نحاول نخفف من هالحزن… وراح أترك لتخيلاتكم… كيف راح تكون علاقة
وليد والخنساء مع أهلهم…!!!
كل شخص كان له دور… إما دور رئيسي… أو ثانوي…
“الخنساء: كانت ببساطة خليط من الأحزان… تجسيد للمعاناة والألم… سوا بالنبذ… بالكره…
بالقساوة… الظلم… جونو أو بالخرس… رسمت فيها هالمشاعر لأني كنت أحب وبشدة أن أرسم
الحزن وأخطه… كنت منذ طفولتي أحب أكتب عن الحزن والألم وبعدها أرسم نهاية من تخيلاتي…
نهاية متفائلة سعيدة… كبرت… وعرفت… إن المعاناة جنين يعيش بدواخلنا… ونحن بيدنا نرسم
حدوده…
الخنساء… شخصبية كتبتها بكل مشاعري… كنت قد مررت خلال الأشهر الماضية بمواقف كانت
مزيج من ضيق… من حزن… من خوف… وصببت كل مشاعري بالخنساء… أدرس هالشعور…
وأفهمه… وأوجد نتيجة منها…
“وليد: شابه الخنساء… بالمعاناة… وزاد عنها بالقسوة والتسرع… أحببت شخصيته بكل
أعماقي… رسمته وببالي خليط من خيالات عدة… هو بطلي مثل ما هو بطل الخنساء… أحببت فكرة
أن أرسم له مشاعر أنولدت وهو طفل… وكبرت بقلبه لطفلة بريئة… أرقى أنواع الحب… جسدته
ببطلي… يمكن رسمت له بضع لحظات خوف… تردد… وضعف… بس صدقوني… للرجل قلب…
تعلمت من خلال حياتي إن… الرجل… يبقى رجل… حتى وإن أدمعت عينه وبكى… ما هو ضعف
رجولة… من يقول إن من الخجل الرجل يبكي… أرد عليه بكل بساطة… إنه (كاذب)…
“جُلند: أو يرجع لأصله (الجُلندى… بضم الجيم)… وإلي كان لبعضكم غرابة أسمه… شخص جسدت
فيه التردد… التسرع… وإلي حاولت أعالج هالشعور بقصتي هذي… تعلمت… إن بعض القرارات
إلي تنولد من التسرع تنهدم بكل سرعة…
“لجين: مزيج من مشاعر الإحتياج… البحث عن مرسى… نرسي مشاعرنا بالطريقة الصح… بس
أدري… والكل يدري… إننا ممكن نتعثر بثغرات بطريقنا… الخطأ ما هو عيب… إلا طريقة…
لنتعلم الصح… ولنستمر…
“طلال: هو بكل بساطة… نوع من أنواع التردد… البحث عن عذر لأخطاء الغير… لكن… بعض
الأحيان… صعب نكبت مشاعرنا لما نحس بالخطأ… وخاصة إذا كان قريب منا… وفينا… والصعب
لما تجي… ردة فعلنا بطريقة أعظم من الخطأ…
“خالد… سيف… هدى… التوائم… محمد… الجدة مريم… الجد علي… أحمد… أخوة
الخنساء…فيصل: شخوص تعيش منا وفينا… بعض الأحيان عقولنا هي إلي تسيرنا… بس فأحيان
كثيرة… قلوبنا إلي تسيرها… نعيش ونحن نسير حياتنا… وبعضنا يسيرنا…
“نورة… سلمى… نشوى… سعاد…: البعض منا يحاول يبني من الحبة قبة… الحسد والحقد يعيش
بيننا… يتعشعش بقلوب أكثرنا… وإذا رويناه… بينمو حتى يأذي من حوالينا… ويأذينا إحنا أكثر
وأكثر… ردود أفعالنا تجي إما على شكل ندم… أو هرب من الواقع…
“بدر… أبو فيصل وزوجته وبناته: شخوص نصادفها بحياتنا بقلة… نتمسك فيها… ونتمناها
حقيقة تمشي معنا… وتمسك بيدنا فالظلام… ترشدنا للنور…
راشد… حمد أو حمادة… عمر…: من الصعب نمحي هالشخوص من واقعنا… فكيف نمحيها من
تفكيرنا؟!… بس (( ومن يعمل مثقال ذرة شر يره))… لو حكمنا عقولنا لكنا ما وقعنا
بالخطأ… والعتب ما يجي إلا على إننا نسينا نستخدم عقولنا… وجعلناها تتصدأ…

::::*
(تمت بحمد الله وشكره… الحمد لله على كثير نعمه)
ختمت بتاريخ: 1-7-2009… 1:30 فجر الأربعاء بتوقيت السلطنة…

 

error: