رواية عمانية احرف مطموره بين طيات الورق كاملة

(((((((((((((((الفصل الخامس عشر))))))))))))))
~~بقايا ذكريات..وأحلام~~

..]].. الليلة الأولى..[[..
بعد عاصفة من القلق… التوتر… الإضطراب… الخوف… الدوران حوالين البيت كامله أربع
مرات… البحث هنا وهناك بالحوش… وعند البوابة… الجيران… السكك… والشوارع… وصل
وليد لبيته وهو مهموم مسنود من جلند…
صرخ بجنون: الخنسااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اااااء… راحت… راحت… راحت وتركتني…
أختفت… أختفت… آآآآه يا ربي…
وبكل سهولة ترك نفسه يرتمي على ركبته… دفن راسه بيده وكفوفه…
همس بصوت قاسي: أنا… أنا السبب… أيوه أنا السبب… لولا معاملتي القاسية لها… ما كانت
طلعت… ما كانت طلعت…
مسكه بدر من كتوفه وشده… همس بصوت ما يسمعه إلا هو…
بدر: وليد… أوشششش الكل يناظرك… أمسح دموعك… أمسحها…
قرب جلند منه وهمس هو الثاني: تعال… تعال ندخل…
سحبوه بدر وجلند وهو مو حاس بنفسه…
وأنتشر الخبر مثل ما تنتشر النار… وصل لمسمع الجدة إلي لطمت وبكت… وصل لهدى إلي بكت
وشاركت الجدة… وصل للجين إلي قطعت نفسها بالبكاء… وصل لنورة إلي حست برعشة تهز
كيانها… وصل لسيف إلي من طوله طاح… وصل لخالد إلي رفض يتكلم… وصل للأطفال إلي
حسوا بالتوتر… وصل لكل شخص الخنساء كانت تعنيله شيء…
أسند وليد راسه عظهر الكنب وهو يحس بصداع أليم براسه… أهله كانوا حوالينه… يحاولوا يتلقوا
أي خبر عن الخنساء… أي خبر يطمن قلبهم المرتجف…
نادى وليد ودمعته تلمع بعيونه: بدر…
بدر إلي كان مستند على الباب ويكلم جلند وموبايله بيده… لف لوليد…
وليد قال: شغل السيارة بدر والله يخليك خذني معك ندور بالشوارع… أكيد ما أبعدت كثير…
وقف على رجوله وهو يحاول يدارك نفسه… يلملل شتات نفسه ويقويها بذكر الله…
همس خالد: لا يا ولدي… يكفي دوارتك بهالشوارع وروح إرتاح…
رفع وليد راسه لأبوه بثقل وقال بتمرد: لا يا ابوي ما برتاح إلا وألاقي الخنساء…
خالد حاول: وليد…
قاطعه وليد بلحظة وهو يضحك بهستيرية وأهله يناظروه بحيره: وهالمرة ليش يا أبوي؟! علشان
شو؟! تبي تتستر على عمتي وبنتها على فعلتهم الشنيعة وأزفت من الشنيعة؟! وبعد شو جايين بكل
جرأة يناظرون فيني… ما أستبعد… ما أستبعد يكون إختفائها سببكم إنتو…
ورفع عيونه لعمته إلي من بداية العزومة وهي تتحاشاه وتتحاشى خالد… أصلا ما كانت تبي تجي
العزومة لا هي ولا بنتها بس محمد لزم وهي وافقت مجبورة… حتى بنتها نشوى كانت وراها وهي
ترتجف من ساسها لراسها… وهنا أهله كلهم ناظروه يحاولون يفهموا شو السالفة بالضبط…
صرخت سلمى وأنتفظت: والله والله ما عملنا حاجة لها والله…
صرخ وليد يقاطعها: ما عملتوا حاجة؟! ما عملتوا؟! إلا إنتوا عافتكم النفس والخاطر…
قاطعه خالد بأسف: وليد يا ولدي… أذكر الله و…
ورجع وليد يقاطعه بصوت رهيب… بصوت أهله كلهم خافوا منه… بصوت طلال كان يرتجف ما
يدري ليش السالفة كبيرة وكبيرة… بصوت محمد حس نفسه فيها المثقول والمهزوم… وسلمى
ونشوى فخبر كان…
وليد: لا إله إلا الله محمد رسول الله…
وبعدها رجع يناظر عمته وبنتها وقالها بكل برود وجمود: إذا مو قادر يا بوي تقولها لأختك
وبنتها فأنا إلي بقولها…
قالها بكل سخرية: أنا يا عمتي…ما يشرفني يكون لي عمة مثلك ما أحترمت لا أخوها ولا حتى
أحترمت وأشفقت على يتيمة تكون لسخرية القدر بنت أخوها…
وكمل بكل حنق: وعمر إلي جابته نشوى حتى يغتصب الخنساء مصيره والله على يدي… مصيره على
يدي… لأني حلفت كل شخص كان سبب بمرض الخنساء يلاقي مصيره… أنتي… يا عمتي… البيت…
النفس عافتك… عافتك أنتي وبنتك وما عاد أشوف لكم وجه بحياتي… ما عاد تعرفوني ولا
أعرفكم…
قالها وهو يصرخ: ما عاد أشوف لكم وجه بحياتي… أطلعوا… أطلعوا برا… برا… برا… برا…
براااااااااا…
أهتز البيت وأركانه من صراخ وليد… صراخه إلي جمد الدم بعروق محمد وطلال… ثواني مرت
كان فيها السكون غالب على صوت الأنفاس المتلاحقة… ثواني مرت طلال فيها تحرك من جموده
وراح لأخته… إلي من خوفها مسكت أمها ولزقت فيها وهي تبكي… وتهذي بكلام أبد مو مفهوم…
مسكها طلال وهو يرتجف…
مسكها وهو يهمس: كنت والله داري… داري إن السالفة فيها شيء… بس ما توقعت… ما توقعت
أختي ومن لحمي ودمي تسوي هالسوات… تكون بهالشكل بلا دم… قذرة… متخلفة… غبية…
وما سمعوا إلا صراخ نشوى وهي تتلقى الضرب من أخوها… بكل عنف… بكل شراسة قدر فيها
طلال يده توصل لأخته ضربها… حاولوا فيه ييسحبوه… يبعدوه عنها وعن أمه إلا صابها شيء من
الرفس والضرب… وقدروا يبعدوه… كتفوه وهو يتنفس بضيق ودموعه تجري… موقف أبد ما
يحسد عليه… اليوم عرف إنه فقد مكانته وكرامته بين أهله وبين الناس…
وقتها سمعوا صوت سقطة أعظم منها ما سمعوا… لفوا كلهم لمحمد إلي أرتمى عالأرض وطاح…
ألتموا عليه يصاخوا…
صرخت لجين وهي ترتمي عند أبوها: لااااااااااااااااااااا أبوي… أبوي… أبوي…. شو صار لأبوي؟!
شوفوا أبوي الله يخليكم… شوفوه… أهئ… أهئ… أبوييي…
وبهالوقت… مشى وليد بكل جمود وبرود لباب المجلس… مشى تارك أهله يصرخوا يحاولوا بمحمد
يقوم… مشى تارك نشوى نصها دم ودموع وضلوع مكسرة… مشى تارك عمته تصارخ ويغمى
عليها… مشى تارك الكل بحاله غريبة عجيبة…
وصل لباب المجلس الخارجي… وقف مستند عالجدار… وترك نفسه ينزلق على الأرض… جلس
وكفوفه تغطي وجه وملامحه… إلي جمدت التعابير فيه… ما كان وقتها يسمع إلا صوت الصراخ
يجيه مثل الهمس… وصوت الخنساء يناجيه…
.
.
صرخت الخنساء بعصبية: لا… لا… لا… ما أبي… ما أبي…
كانت واقفة عند محل من المحلات فالشارع وفيه سيارة واقفة على جنب وعندها واحد شاب جالس
يحاول فيها…
قال يحاول: أوكي إنتي إركبي السيارة وبنتفاهم…
ضربت الخنساء رجولها عالأرض وقالت بتقطع: لا… لا… أصلا وليد قال لا تكلمي مع ناس…
مسكها من يدها يحاول يجرها وهو يقول بصوت خفيف حتى ما يسمعه أحد: اسمعي أنا مش
غريب… أنا أعرف وليد هذا…
كانت الخنساء تناظره بشك قبل شوي يقولها ما أعرف وليد إلحين يعرفه… قلبت شوي فخلفية
عقلها وبالأخير ضربت يده… وبعدت عنه…
قالت بعصبية: لا… خلاص… لا تكلمني… يلا روح… روح… ما أبي كلمني… ما أحبك أنا…
ومشت عنه وما حست إلا وهو لازق فيها يمسكها يحاول يسحبها للسيارة… ضربته ورفسته…
وصرخت وحاول يكمم فمها بيده… وعضته… وعلى صراخها سمعهم رجال كبير بالسن كان يمشي
بحال سبيله… وبكل قوة مسك عصاه إلي كان يستند عليها وضربه بكل قوة… تألم الشاب
وشرد…
قاله بكل عصبية وهو يهدده بعصاه: تعال… تعال يا ولد… إذا ما شبعت من الضرب… تعال
أزيدك وأكسر راسك وأنفك… يلي ما تستحي وتحشم أحد…
كانت الخنساء تبكي وهي تمسك بدميتها بيدها وتحضنها لها… قرب منها… وحاول يكلمها…
قالها: يا بنتي أنتي وش حادك جالسة بهالمكان وهذا الوقت؟! أنتي وحدك هنا؟!
رفعت الخنساء راسها وناظرته ودموعها تجري على خدها…
قالت بتقطيع: أهئ… أهئ… أنا ما أحبه ما أحبه…
قرب أكثر وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله… تعالي يا بنتي عند الضوء… عيوني هالله هالله
تشوف دربها…
ما فهمت شو يقول بس قلبها شوي إرتاح… وقفت لما قالها تعالي هالمكان… كانت ما زالت
تبكي…
سألها: أنتي تنتظري أحد هنا؟!
هزت الخنساء بلا… ورجع يرص بعينه علشان يقدر يشوفها زين لأن نظره ضعيف… وبين له من
جسمها إنها بنت فريعان الشاب…
رجع يسألها وهو يتحسر على أهلها إلي ما حافظوا عليها وتركوها لوحدها: كيف جيتي وحدك
لهنا؟!
همست الخنساء وهي تتشبث بخالد: أنا جيت من هناك… من البيت طلعت…
وأشرت على مكان بعيد…
وكملت بلهاث: مشيت… ومشيت… ومشيت بعدين تعبت خلاص… جيت أبي أشرب… ماي… هذاك ما
أحبه أنا… جا يبي يخذني… انا ما أبي…
هز الشايب راسه بحيرة ورجع يسأل: وليش مشيتي؟! وطلعتي من البيت وحدك؟!
فكرت الخنساء شوي ورجعت تقول: أمممم هو أنا… كنت أبي… أروح هناك بعيد… بيت… ددي…
وبعدين كأنها تذكرت قالت وهي تجلس: خلاص تعبت… أبي أشرب… أبي أنام… تعبت أنا…
تنهد الشايب وهو مازال أبد مو فاهم حاجه إلا إن هالبنت عقلها مريض وهذا إلا عرفه بعد شوي
لما جا وجايب لها غرشة ماي… شربت الخنساء منها ومسكت خالد بين يديها وبدت تشربه… كان
الماي يسيل بين فم الدمية لحد رقبتها وتبلل ثوبها…
سألها: وش هذا إلي فحضنك؟!
همست الخنساء: ولدي… خالد… شوف…
قرب الشايب علشان يناظر أكثر… وعرف إنها دمية من جمودها… ولما حاول يلمسها ويقربها
أكثر لعيونه…
هز راسه: لا حول ولاقوة إلا بالله عليه العظيم…
وكأنه أتخذ فكرة: تعالي… تعالي يا بنتي أوديك لمركز الشرطة أكيد أهلك يدورون عليك…
الخنساء كانت مازالت جالسة ورافضة تتحرك لأنها كانت مرة تعبانة وتبي تنام…
قالها الشايب: قومي معي يا بنتي…
هزت الخنساء راسها: لا… لا… تعبت انا خلاص…
تنهد مرة ثانية وثالثة ولأنه حسبها ما تبي تروح مركز الشرطة قالها: طيب يا بنتي تعالي
أوديك تنامي مع بناتي… قومي… يا بنتي الله يستر عليك…
وقفت الخنساء بعد ما أغراها بالنوم… ومشت وراه وعكس إلي سوته مع الشاب قبل دقايق ركبت
السيارة وجلست بدون كلمة أو إعتراض… والشايب لأنه من أهل الخيرة والكرم فشغل قرآن
بالسيارة… وجلس يردد معاه… وطبعاً ما نسى نظارته يلبسها… أما الخنساء إرتاحت بشكل كبير
حتى إنها ما تدري حست بالنوم يثقل جفونها وأسندت راسها ونامت… طبعاً الخنساء غرقت بالنوم
حتى إنها ما لاحظت إن الشايب كان يسوق بطريقة غريبة بسبب ضعف نظره… وإنه بالفعل طلع من
القرم متجه للخوير… كأنه كذا يرجع لورا والخنساء دربها من الجهة الثانية…
* : * * : *

شال وليد شيلة من شيل الخنساء كانت مستخدمته ومعلقته عالشماغة… شمه وهو يستشق ريحة
عطرها… ريحة البخور… ريحة أنفاسها… عض على شفايفة وتأوه وتنهد بألم… ومن دون ما
يستسلم قام يناظر الساعة كانت على 1 الفجر… ما أعطاها إهتمام ونزل وهو شايل الشيلة بين
يديه يضمه له ويستمد قوته منها… وكان الهدوء طاغي عالصالة والبيت بشكل عام…
حرك سيارته ودار من شارع لشارع… من سكه لسكه… وما وجد لها أثر… وبدون إهتمام للوقت
كمل البحث… وهو ما يدري أبد شو صار لأهله لما تركهم…
.
.
لكن الحقيقة إن بعد ما تركهم وليد قبل ساعتين كانوا خلاص شايلين محمد إلي جاته جلطه مش
مميته وأدت لمضاعفات فيه… وعالجوا سلمى إلي رفضت تقوم من الغيبوبة حتى ما تنصدم أكثر
بالواقع… إن حياتها إنتهت بكل بساطة… وفتحوا تحقيق لنشوى بسبب آثار الضرب… وطبعاً هذا
خلا طلال يبات بمركز الشرطة محبوس… أما لجين… فحالة أهلها تركتها مهدومة الحيل… أرتمت
على كرسي المستشفى تبكي بدموع صامته… تركض مرة من غرفة أبوها لغرفة أمها وبعدها لغرفة
أختها… حتى أعصابها تلفت وطاحت بين يدين عمها سيف… أخذها سيف لبيته بعد ما أشفق عليها
رغم إنه بقلبه شايل هم الخنساء ووليد… ومعاتب أخته ونشوى… والعتب هذا ما طاح إلا على
البنت الضعيفة الوحيدة الصاحية… وإلي مازالت بوعيها…
ما قدرت تنام وقفت ولفت عليها روب ثقيل وجلست عالكنبة ترجع تبكي… مسكت الموبايل بيدها
وقلبته… فتحت إسم جلند وإلي كان مسجل بإسم “مطفرني”… بكت وهي تكبت شهقة بيدها…
أبد… أبد ما شفته طول ما كنت بالمستشفى وحتى لما جيت لبيت خالي سيف سألت عنه ردوا علي
إنه ما يعرفونه وين… وهذا هو إلحين ما سأل عني أبد… رغم إني محتاجة لوجوده بقربي… لفت
يدها تحضن نفسها وتهدي من حالها… أكيد هو مثل أهلي يعاتبوني على غلطة أمي وأختي…
وعيونها تدمع فتحت رسالة جديدة ورسلت كلمتين أرتمت بعدها على ظهرها تحضن الموبايل
لصدرها… وجاها الرد عالسريع… فتحتها وأدمعت عيونها أكثر وأكثر وشهقت أكثر من قبل…
رسلت له: ” محتاجة لك” ..
رد عليها: “خلي أهلك ينفعوك..”
ردت: “لا تتركني”
آلمها: “انسيني..”
سألت: “وأنا شو ذنبي؟!”
جاوبها: “ذنبك إنهم أهلك”
سألته: “بطلقني؟!”
ما رد عليها لفترة كانت طويلة… طويلة وطويلة خلت من راس لجين ينفجر من الصداع من كثرة
البكي… وبكل ألم رمت موبايلها تكسر لألف قطعة وقطعة… رمت نفسها عالسرير ونامت
ودموعها تحجرت على خدودها…
أما جلند فتحجر قلبه ورمى نفسه على سريره يدور السلوى… كان دوم يحاول يساعد غيره…
ونسى نفسه… ولما جرى ورا قلبه خانه… خانه ووقع بمشاكل هو بغنى عنها… لكن شو ذنبها
هي؟! ذنبها إنها بنت أمها؟! ذنبها إنها أختها؟!… ضرب راسه بقوة وصرخ بغيظ… غبي… غبي…
طول عمري غبي… طول عمري متسرع بقراراتي… خلااااص… خلااااص… خلني أكون بعيد عنها
وعن أهلها إلي أذوا أحب شخص لقلبي… وقهروه بكل عنف… خلني أكون بعيد والطلاق هو الحل
الوحيد…
إنسى… إنسى يا جلند… إنسى… إنسى…
(وكذا يا جلند يكون بعد نظرك ما يتجاوز أنفك؟!! صراحة أنا نفسي أنقهرت… بس صدقوني فيه
ناس كذا قراراتهم يتخذوها عن تهور…)
.
.
ترك السيارة تحت شجرة كبيرة عند بيتهم القديم بلونه البني بس النظيف بشكل ملفت… نزل
وفتح الباب…
قالها بكل حنية: يا بنتي قومي وصلنا… نزلي كملي نومتك براحة أكثر…
تململت الخنساء بنومها ونزلت بعد إصراره تبعته وهي كلها نوم ونعاس… حاولت تفرك (تدلك)
عينها علشان تناظر المكان إلي وصلت له…
قالت بعبوس: هذا بيت ددي… لا… هو لا… لا…
وكانت تقيم كل حيطة وكل ركن…
قالها الشايب وهو مو فاهم: يلااا يا بنتي… تعالي… تفضلي البيت بيتك… صبري شوي بناديلك
زوجتي وبناتي…
وطلع لزوجته وخبرها كم كلمه عن هالمجنونة المسكينة… من طبعها زوجته طيبة وحنونة وما
عليها من الناس… ساذجة لأبعد حد قامت وراحت لها…
سألتها: أنتي وش أسمك يا بنتي؟!
ناظرتها الخنساء ثانية تقيمها وردت عليها: الخنساء…
ورجعت الخنساء تسألها: وأنتي؟! وهو؟!
كان الشايب جاي من غرفة ووراه ثلاث بنات يتبعوه وهذا بعد ما حكى لهم بالتفصيل عن
الخنساء…
رد عليها: أنا إسمي أبو فيصل…
وأشر على بناته : هذي أم فيصل وهذي بنتي مزنة… الكبيرة… وهذي إلي بعدها طيبة… وهذي
آخر العنقود بنت العشر سنوات حنان…
جاتها مزنة وسلمت عليها وكانت بنت 24 سنة مدرسة رياضيات… وإلي بعدها طيبة سوت مثلها
وهي بالثانوية…
قالت مزنة لأبوها: أقول يبه شكلها بنت عز… شوف وشلون ثوبها باين عليه غالي…
كملت طيبة وهي تأشر على الدمية: وش هذا؟!
ردت الخنساء تحضن خالد: هذا انا ولدي… خالد…
حاولت طيبة تقربه لها تشوفه عدل… لكن الخنساء رفضت وضربتها على يدها…
قالت الخنساء: لا… لا… نايم… يصيح بعدين… أنا أنام أبي…
جات حنان وقربت منها… همست بحلاوة: أعطني أشوفه الخنساء…
الخنساء عجبها أدب البنت وقربته منها… ولما شافوا إنها مجرد دمية… حكالهم الأب إنه يشك فيها
إنه صابتها مصيبة… مزنة كانت معارضة لو شايلها ابوها لمركز الشرطة هم يقدروا يتفاهموا
معاها… أما طيبة فحاولت تقلد أختها حنان بالإستأذان والطيبة… وتجاوبت معاها الخنساء… أما
أم فيصل فقامت على حيلها وهدت بنتها كم كلمة…
أم فيصل: كيف أبوك تبغيه يترك البنية وحدها بالمركز؟! يلاااا قومي معي نجهز فراش لها…
شوفي المسكينة تعبانة مرة…
وراحوا جهزوا لها فرش والخنساء كانت عاجبتها السوالف مع طيبة وحنان حتى إنها نست تعبها…
إلا لما جابوا طاريه قامت ورمت نفسها بلبسها عالفرش وتغطت عن البرد ونامت بدون كلمه ثانية
تضم خالد لها…
* : * * : *
..]].. الليلة الثانية..[[…
فترة الصباح مرت بكل سرعة… وليد ما زال يدور بالشوارع مارجع للبيت إلا ليتحمم ويحلق ذقنه
ويرجع لمراكز الشرطة يقدم إبلاغ عن إختفائها وبدر ما قصر أبد… وخاصة إنه كان حاضر لكل
كبيرة وصغيرة…
أما خالد وسيف فما كان بيدهم حيلة إلا يحاولوا يطلعوا طلال من حبسه وإلي إلاجراءات كانت
تستدعي مكوثة لحد ما أخته تستوعب… وهدى والجدة حاولن يهدن لجين رغم إنها ما شافت إلا
البرود بعيون الكل…وطبعاً خالد وسيف رجعوا يدوروا بالشوارع مع جلند…
والخنساء أستمتعت بيوم طويل تتعرف عالعيلة المتلاحمة الطيبة إلي أغدقت عليها بحنانها… حتى إن
أبو فيصل نسى يقدم بلاغ عنها… ومزنة حبت الخنساء وصارت تسولف معها عن خطيبها وزواجها
القريبة… وصارت الخنساء بكل حب تحاوطهم بسوالفها…
(بعد المغرب بوقت مش طويل…)
مزنة ركضت تفتح الباب وشهقت وهي متفاجأة: فيصللللللللللللللللل يا مرحبا والله بأخوي… متى وصلت
من السفر؟! ووين بنتك؟!
فيصل إبتسم وهو يدخل البيت ويبوسها على خدها عالطاير: قبل ساعة واصل وبنتي مع أمها…
جاي أسلم عليكم ما أشتقـ…
توقفت الكلمات وعينه تطيح على شكل ابد مو غريب عليه كان محاوط وسط أخواته وأمه…
دخل أبو فيصل وقال: هلا والله بولدي … حياك أبوي تفضل… متى وصلت من السفر؟! ما
خبرتنا… مالك كذا واقف؟!
قرب فيصل يناظر أكثر وهو مو مصدق ابد…
سأل بغباء: من وين طلعت هذي؟!
ردت عليه حنان بكل لهفة وهي تحكي له كيف أبوها حصلها وكيف جابها لعندهم… قرب فيصل
وتمعن بملامح الخنساء…
صرخ فجأة وهو تأكد أكثر: الخنساء…
ناظروه أهله مستغربين كيف يعرفها…
قال فيصل وهو يناظرها ويرجع يجوب بعيونه على أهله: هذي أعرفها انا… الخنساء بنت أحمد…
بنت سعاد زوجتي من زوجها السابق…
شهقت مزنة مو مصدقة هالمفاجأة…
سألته: هذي هي الخنساء إلي مرة ذكرتها لنا؟!
قال فيصل وهو مازال مو مصدق: أيوه… أيوه…
ردت مزنة: بس قلت لنا إنها خرسا… بس هذي…
قاطعها فيصل: كانت بس أنا لما زرتها آخر مرة بالمستشفى لما ولدت وولدها بالحضانة وكانت
تتكلم بشكل ضعيف… وبعدين أنا سافرت مع زوجتي وبنتي… تدرون علشان قدمت ماجستير
إدارة…
وتوقف عن الكلام كأنه درى إنه بعد عن الموضوع الأصلي: عالعموم إحنا ما سمعنا أي شيء عن
الخنساء… تعرفي أمها رفضتها من قبل وما جابت أبد سيره لها…
هزت مزنة راسها بإشمئزاز: صراحة زوجتك هذي تجيب المرض…
قاطعتها أمها: بس يا بنت… ما تستحي أنتي قدام أخوك…؟!
كملت مزنة وهي ما همها: ناظري يمه وش طيبة قلب هالبنت… ما ندري شو صار لها حتى تحسب
ولدها هالدمية…
رد فيصل بكل حزن: ما يبيلها تفكير يا مزنة… أكيد ولدها خالد مات…
الخنساء أول ما سمعت طاري خالد نفخت بعصبية وردت: كلهم يقولوا… كلهم… خالد مات…
مات… بس إنتوا ماتعرفوا… ما تعرفوا ولدي أنا… خالد هذا… خالد ولدي…
وصارت تنددن للدمية… وسكتت الكل… تجرع فيصل ريقه…
وهمس مو مصدق: لا حول ولا قوة إلا بالله… شكل البنت جنت…
وبعدها وقف فجأة بحركة سريعة ناظروه أهله محتارين…
قال فيصل بشجاعة غريبة: لازم أوديها لأمها… حرام عليها لحد إلحين رافضتها… والله إني أنا ما
هي من لحمي قلبي قارصني على حالتها…
وجاها يقول: الخنساء… تعالي قومي معي… بوديك عند أمك…
الخنساء لما جا طاري الأم عبست مو فاهمة…
رد فيصل يقول: ماما الخنساء تعالي تشوفينها…
الخنساء فتحت عيونها مستغربة بعدين سألت: ماما الخنساء؟!
فيصل هز راسه بلهفة: أيوه… أمك تعالي بوديك عندها…
وقفت الخنساء وقالت: بس وليد قال… ماما الخنساء راحت… وبابا الخنساء مات… مسكين…
مسكها فيصل بعد ما أستأذن من أمه وأبوه وإلي بعدهم مو مستوعبين الموقف… والأخوات عارضوا
تعودوا عالبنت ما يبون فراقها… بس فيصل أصر يوديها لأمها…
قال فيصل وهو يركبها السيارة: أيوه ماما الخنساء راحت بس هي رجعت… تعالي بتشوفيها….
وصار يسولف لها عن أمها وعن بنته وهي تسمعه مرة ومرة تسأله… وبعدين أستلمت هي دفة
الحديث لأنها بدت تسولف عن خالد…
وصلوا تقريبا والساعة كانت 8 الليل… فتح فيصل باب الشقة بمفتاحة وطلع لزوجته بعد ما ترك
الخنساء جالسة عالكنب…
دخل غرفة زوجته وشافها متمددة من تعب السفر… لما سمعت صوت ناظرته شوي وصلحت
جلستها…
قالت: وين رحت؟!
رد فيصل: رحت أسلم على أهلي…
قالت سعاد بحركة مو مبالية لأنها مو همها أهله وهي تدري ما يحبوها ولا تحبهم: آها… زين…
تعال إرتاح تونا واصلين من السفر وجسمي منهد من التعب…
ورجعت تبي تكمل نومها بس فيصل فاجأها: تعالي سعاد جايه معاي ضيفة تبي تشوفك…
جلست سعاد على حافة سريرها وصرخت فجأة: ضيفة؟!
هز فيصل راسه وما أعطاها فرصة وطلع من الغرفة علشان تتبعه… وهي ما قصرت تبعته لأنها
كان كل فكرها يروح لهالضيفة إلي تخوفت منها… على بالها زوجها تزوج عليها… وقفت عند
العتبة وهي تشوف الإنسانة إلي ياما وياما نبذتها وطردتها… من فكرها بالأول ومن حياتها
بالتالي… ما تدري ليش بلحظة حست ان الدنيا وقفت… وهذا لأول مرة يصير لها كذا… أما
الخنساء فكانت تهدهد الدمية بين يديها… رفعت راسها بحركة سريعة لما حست بصوت قدامها…
كان فيصل مأشر لزوجته إنها ما تتكلم… كان يبي يحسسها بموقف الخنساء وحالتها…
ناظرتها الخنساء وابتسمت أحلى ابتسامة… وما تدري ليش هالإنسانة مو غريبة عليها…
..
“شو ذكرك فيني؟!”
“ما جيت إلا فضول أشوف وين وصل حالك مع ولد عمك… مع وليد العقيد… ”
” كلها أيام وبياخذ الطفل من أحضانك ويرميك… ”
“الأكاذيب بكل بساطة طعنتني… طعنت الأحاسيس الوليدة بقلبي…”
” أدري؟! أدري عن شو؟! أدري عن الأكاذيب إلي أنقالت تحت عن خرسي… ”
” تدرين إن خرسك مو عائق بالنسبة لي… أبي أولادي نسخة منك ولو الخرس فيهم… أبيهم
ياخذون منك كل صفاتك… وما ياخذون مني إلا حبي لك…”
“سحبت نفسي بكل قوة وركضت طالعة من الجناح… وأنزل السلالم بكل جنون بدون حتى ما أهتم
إذا بأذي الجنين إلي ببطني أو لا… بس كنت أبي أرجع أسأل عمتي سؤال خطر فبالي فجأة… سؤال
تعلقت كل الحيرة فيه… سؤال له علاقة بأبوي وخرسي… ويمكن له علاقة بجدي وأمي…”
“ما حسيت إلا وأنا أتخرطف بالسلالم… آآآآآآآآآآآآآآآآآآآه….”
..
هزت الخنساء راسها بكل عنف… بكل عنف توقف هالحديث إلي يرن بأذنها وراسها… لا… لا…
يكفي… يكفي… وحست بدموع حارة تحرق عيونها… وبدون ما تحس تدحرجت دمعة…
دمعتين… وعالتوالي نزلت الدموع… وهذا غير الصداع إلي صار ينبض براسها… حاولت تقاوم
هالدموع وهالصداع… وقفت على حيلها وتشبثت بطفلها بكل قواها… ومسحت دموعها العالقة
برموشها بكل شراسة… كل هذي الدموع وأمها واقفة قدامها… وهي ما تدري إن هذي هي الام إلي
طردتها من حضنها قبل لا تطردها من حياتها…
قال فيصل وهو يأشر لسعاد: هذي أمك…
ابتسمت الخنساء وهي تمشي بكل ثقل بسبب الصداع…
قالت بحلاوة: أنتي ماما… الخنساء؟!
ناظرت سعاد زوجها مستغربة…
وكملت الخنساء بإلحاح: هم قالوا… ماما خنساء راحت… بس هو… قال… لا ماما الخنساء
أنتي… صح؟!
همست سعاد تقول لزوجها: وش صار لها؟! وش فيها؟! ليش كذا تتكلم؟! ومن متى أصلا بدت
تتكلم؟!
فيصل ما قدر يكبت ضحكته وقال بكل سخرية هو تعجب منها قبل زوجته ما تتعجب منه: وتسألين
يا سعاد؟! غريبة صراحة… توقعت بتصرخي وتطرديها بدون تفاهم…
وقف كلامه ولف عنها يقول بقسوة: بنتك يا زوجتي أشك فيها جنت…
وأشر على الدمية بيدها وكمل: هذي الدمية تقول عنها ولدها خالد… بس الظاهر ولدها مات…
بانت الحيرة بوجهها وتلعثمت: حـ… جـ… جــ… جنت؟!
أرتجفت شفايف سعاد وهي مرة تناظر الخنساء إلي وقفت حيرانه وتنتظر جواب على سؤالها…
وتناظر مرة زوجها إلي لأول مرة يظهر قساوة بصوته… وتناظر الدمية بين يد الخنساء
وتتعجب منها…
قال فيصل فجأة: صح كنت أنا إلي قلت لك من قبل إني ما أبي سيرة حياتك السابقة وسيرة بنتك
بحياتنا… وأنتي تحججتي بهذا الكلام… طوال حياتنا وطوال ما عرفت هالإنسانة الضعيفة أنا
اشفقت عليها وتراجعت عن قراري وحاولت ألين قلبك… بس ترجعين تتحججي بكلامي الأولي
وتتشبثي فيه… وأنا طبعاً ما أقدر أغير رايك لأن هذا كان قراري الغبي قبل لا أعرف
هالإنسانة…
وهز كتفه وقال: عالعموم هذي بنتك وهذا قرارك… أنا بدخل للما وتفاهمي مع بنتك…
وقبل لا يلف ويطلع قال بكل جفا: صحيح إذا ودك تطردينها خبريني بالأول علشان أرجعها محل ما
جبتها… عند أهلي إلي حصلها أبوي هايمه بالشوارع تدور بيت جدها…
وهنا ترك فيصل إلي لأول ولأول مرة يبين معدنه الصلب… ترك سعاد تتأمل فيه… وترجع
تناظر بنتها… وصرخت فجأة وهي بعد ما تقوم من صدمتها…
صرخة رفض: لا…لا… لا…
وناظرت الخنساء تقول بتجريح مادرت إن الخنساء كلها جروح وما عاد تفرق: أنا ما أمك … ما
أمك… ما أمك…
ومسكت يد فيصل تغرس أظافرها بحدة…
وقالت بقساوة: لحظة وش هالتمثيلية إلي عاملينها؟! فيصل ما علي أنا من…
نفض يده منها… وقاطعها فيصل بقساوته الجديدة: الظاهر وصل لي وش هو قرارك…
حاولت تتكلم بحدتها إلي كانت تسيطر فيها على زوجها من قبل… بس لا… فيصل الجديد منعها
بحركة يد سكتت بعدها سعاد…
ورجع للخنساء وإلي كانت واقفة وعيونها نص مفتوحة من الألم إلي بعده يعصف ويرعد براسها…
مسكها من يدها بكل حنان…
وقال: ها الخنساء… شو فيك؟! شو تحسي؟!
قالت الخنساء بتقطيع وهي تتأمل بسعاد وتحرك وجهها بعبوس وأسف: هي… قالت… ماما خنساء
لا… بس ليش صرخت؟!
ولفت تقول لسعاد بحركة عفوية وبريئة: خلاص… لا تزعلي… أنتي ما تبي… ماما خنساء…؟!
أنا أروح أدور… ماما خنساء ثاني…
وفكرت شوي بعدها لفت لفيصل تسأل بلهفة: يصير بعد… أدور بابا خنساء؟!
فيصل حس بدمعه ترتجف على رمشه…
وجاوبها يبتسم بكل حنية: ويصير أكون أنا بابا خنساء؟!
ابتسمت الخنساء بكل حلاوة وضحكت وهي تربت على يده: أيوه… يصير… خلاص… انت بابا
خنساء… أنا أحبك… وخالد ولدي… يحبك بعد…
وقربت خالد منه علشان يشوفه… ولفت لسعاد إلي كانت تناظرهم وهي مو مصدقة وكلها
ترتجف…
قالت الخنساء تغاير فيها سعاد: أنتي خلاص… ما تشوفي ولدي… خالد… لأن أنتي ماما خنساء
لا… أروح ادور ماما خنساء… تشوف ولدي… خالد…
ولفت لفيصل وهي بدت تحس بثقل حاد براسها: يلااااا بابا خنساء… نروح دور ماما خنساء…
وإلا بس هي خطوة إلي مشتها حست بالدنيا ظلام… مسكها فيصل وهو يحاول يوعيها…
صرخ: الخنساء… يووووه وش صار لها؟! الخنساء…
ورفع راسه لزوجته الجامدة وصرخ: روحي…. روحي هاتي عطر…
ولما شافها ما تحركت صرخ: بسرعة…
أنتفضت سعاد وركضت تجيب عطر عود… شممها إياه علشان تقوم… بس الظاهر الخنساء ما رضت
تقوم من حالة اللا وعي… لأن هي بدنيا خالد ولدها أفضل لها وأبرك من الواقع المر وإلي تحس
فيه بدا يقرب منها ويطاردها بكل مكان…
* : * * : *

..]]..الليلة الثالثة..[[..
مر يوم كامل وهي تسترجع كل شريط حياتها… زواجها… إنهدام هالزواج… حملها… محاولة
إجهاضه… ولادتها… خبر مرض طفلتها… حياتها التعيسة… حياتها اللعوبة… الخيانة… البحث
عن سعادة ولو قصيرة… طلاقها… التعاسة… الإنتقام… القسوة والجفا والكره… محاولة
التعقل… الزواج للمرة الثانية… محاولة التشبث بهالزواج… ومحو الماضي…
كانت طول الوقت تناظر الجسد إلي مرتمي عالسرير بغرفة بنتها وترتجف… وترجع تهز راسها
بعنف… وتخرج بدون كلمة… وبعدها ترجع للغرفة تناظرها أكثر… وبكذا… مر اليوم بطوله
بكل سرعة للخنساء… وبكل بطء لسعاد ووليد وأهلها… ولنورة إلي حست لأول مرة بضميرها
يأنبها… وهذا أقسى عذاب… الحياة بضمير مثقل بالذنوب… وطبعاً ما قدرت تستحمل رجعت
لصحار مع أولادها هروباً من الأوجاع…
كانت جالسة على سريرها تنتظر زوجها يرجع… قبل شوي راحت للغرفة حصلت الخنساء صحت…
حطت لها الأكل وطلعت… تحس بنغزات فقلبها والسبب شوفتها لبنتها بهالشكل الهزيل المريض
والهايم… وأكثر إلي خوفها هو الدمية إلي كانت بيدها وتدندن لها الخنساء…
وش فيك جالسة كذا؟!
انتفظت سعاد ومسكت قلبها: فزعتني الله يهديك… تغديت؟! أو تبي أجهز لك…
قاطعها فيصل وهو يشيل مصره وبيدل ثوبه ويلبس ثوب البيت: لا تغديت… الخنساء صحت؟!
همست سعاد: أيوه…
سألته وهي تشوفه بيطلع من الغرفة: وين رايح…؟!
ناظرها شوي ورفع حاجب وهو يقول متمسخر: غريب ما تعرفي وين رايح… بروح لبناتي…
بـ… ـنا…تي… تجين معي؟! أو وحدة من بناتي ما ملت عينك؟!
وتركها وهي مصدومة من طريقته بالكلام… لكنها بكل تردد لحقته… دخل فيصل الغرفة أما سعاد
فوقفت عند الباب متردده… شافوا الخنساء تضحك مع لما… ولما شافت فيصل داخل ابتسمت بكل
حنان…
قالت الخنساء بحلاوة: بابا أنت… جيت؟! شوف لما… تقول هذا خالد لا… بس هي ما تعرف…
خبرها… هذا ولدي… خالد…
سألها فيصل متجاهل زوجته: هذا خالد صح… ها الخنساء تحسي بوجع؟! تبيني أخذك المستشفى؟!
الخنساء أول ما جابوا طاري المستشفى قلبت بوجهها: لا… يععععع… ما أبي… أنا تعبت… أول
طحت… هنا يدي تعورت… دكتورة شريرة صارت كله… أبرة.. أبره… أنا أحبها لا… بعدين…
قاطعها فيصل: ليش طلعتي من البيت الخنساء؟!
الخنساء جاوبت بعد تفكير: وليد عصب… زعل… أنا أدري… هو تعب خنساء تحبه… بس هو
خنساء يحبها لا… أنا قلت أروح… هناك بعيد… بيت ددي… عشان وليد خلاص يفرح… يزعل
لا…
بعدين تداركت دمعتها إلي نزلت بدون ما تحس فيها: وليد أحبه أنا… ولدي خالد يحبه… هو كل
يوم يقول خنساء أحبك… خنساء أحبك… بس هو تعب… هو… هو… أنا أبي وليد… يفرح…
خلاص خنساء تروح بيت ددها… هناك بعييييد…. هناك كان… ددي يحب خنساء… خنساء تحبه…
بس أنا ما أعرف…
وتوقفت وردت تقول بكل لهفة: أنت ودي خنساء بيت ددي…؟!
فيصل حس بضيقة صدر وقف فجأة بدون كلمة ولاحظ وقتها بس إن زوجته طلعت من الغرفة…
قال فيصل للما: لما حبيبتي روحي شوفي ماما…
لما: طيب بابا…
طلعت لما وهي مو دارية عن أي شيء يصير بهالبيت… غير إنها فرحت بوجود الخنساء معها… أحد
يونسها غير أبوها وأمها…
ورجع فيصل يمسك يد الخنساء ويقول: أوديك بس يكون وليد معنا…
وطلع موبايله…
وقال: أنا بتصل بوليد يجي يشوفك… أكيد هو يحاتيك…
الخنساء هزت راسها: لا… لا… ما أبي… لا… وليد لا… لا…
قالها فيصل: لا يا بنتي ما يصير… أنا من الصباح كنت أبي أتصل فيه بس قلت بخبره أول ما
تقومي…
الخنساء تذكرت وليد وكيف زعل وعصب عليها… ما تدري ليش ما تبي تشوفه… ما تدري ليش
حست إنها إذا شافته بيألمها ويأذيها…
وصارت تهز راسها بجنون… بجنون… وحست بيدها ترتجف ويرتمي خالد بين يديها…
صرخت تمسك راسها: وليد لا… لا… لا… ما أبي.. ما أبي…
تفاجأ فيصل لردة فعلها وحاول يهديها: خلاص… خلاص ما بتصل فيه…
الخنساء ما أقتنعت صرخت بوجع وهي تحس براسها بينفجر: لا… لا… كذاب… كذاب… ما أبي
وليد… ما أبي وليد…
كانت الخنساء بحالة اللاوعي إلي هزت كيانها وهدت حيلها… حست بدموع تملي عيونها وتمنعها من
الشوفه… حست ببرد بأطرافها… وصداع غيب شيء من وعيها…
وإلا الموقف تبدل بالمرة…
إحساس اليد إلي ضمتها لها كانت دافيه… كانت على رغم إنها قاسية حنونة…. كانت على رغم
إنها مترددة بمشاعر جياشة… أنتفظت الخنساء وهي تحس بهالحضن يرجع لها شيء من الخوف إلي
كانت عايشته…
..
“حضنت يد يدي… وحسيت بدفء رغم إنه سكن شيء من آلآمي إلا إني حسيت بزيفه وكذبه…”
“آآآه حبيبتي… خوفتيني عليك… خوفتيني عليك…حسيت بروحي تطلع من جسمي وأنا أشوفك
بدون حراك تحت السلالم… الحمد لله… الحمدلله إن الله كتب لك عمر جديد… وما حرمني من
وجودك بحياتي… الحمدلله… آآآآآه… الخنساء… ”
” ليش أحس بهمساته مجرد شوشه وسموم تجري بعروقي… ليش ما أحس بأحاسيس وليد؟!
لهالدرجة صرت أحس بحبه شفقة؟! لهالدرجة؟!”
“تميت أحارب إحساس الثقة المهزوزة… الثقة إلي تبددت بدون شعور بهاللحظات…”
” أحس فيك بعدتي مية خطوة لورا… أحس فيك تحاولين تبعديني… الخنساء… ”
“ما… أبي… إلا… أشو..فه… أشوف… ولدي… ”
“مستحيل أوصف مشاعري إلي أنتابت قلبي… وهزت كياني… مستحيل أوصف مشاعري وأنا أحضن
طفلي بعيوني… أسجل كل نفس ينبض منه بناظري…”
“حاولت قدر ما أقدر أسير هالزواج واصلحه وما عاد فيني قدرة… شيء مو بيدي… وبالأخص
هالثقة المنزوعة المهزوزة بينا…”
“طـ…طلقني… أنا ما أبي… ما أبيك… ”
“صدقيني… إنتي قيدك برقبتي… ما ينفك أو يتحلل إلا بموتي…”
“تذكر شفت الويل منك… شفت الألم والعذاب قدام عيوني… وبالنهاية سامحتك… سامحتك
وبدينا من جديد… بدينا على أسس غلط… ولما بدينا نبني أنهدم هالأساس… أنهدم… وأنت…
أنت من هدمه… ”
“آسف يا بنتي… أعذري أمك وتقلباتها… رفضت تعودك وتزور الولد…”
“هي… عافت… الخنساء… من وهي… طفلة… وولدي… ما هو… شيء… لها… ”
“تركني هنا بدون حتى ما يسأل عني أو حتى يسأل عن خالد ولده… وهذا أكبر دليل على إنه
رماني… دفنت راسي بيدي وأنا أنتحب…”
” أنتحب… أنتحب وأبكي… أبكي… أبكي…”
..
آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه… لا… لا… لا… بس… بس… ما أبي… ما أبي… ما أبي…
سحبت نفسها من حضن أمها بكل عنف… بكل شراسة وبكل قسوة… صار تنفسها ثقيل… الدموع ملت
خدودها وتحجرت فيها… الرجفة خلتها تنتفض وتحركت مرة قدام ومرة ورا وهي تهذي بكلام أبد
مو مفهوم… مسكت بالفراش وصارت تعضه وهي تكبت سلسلة من الآهآت والشهقات…
سعاد ارتجفت ونزلت دمعه منها وهي خايفة للحال إلي تشوفها قدامه… وأكثر إلي ألمها لما سحبت
الخنساء نفسها منها… عمرها ما ذاقت الخنساء حلاوة حضن أمها فكيف وهي إلحين؟! أكيد ما تعرفت
عليها… أكيد…
مسكها فيصل يحاول يهديها: الخنساء… يا بنتي وش صار لك؟!
كلم زوجته إلي كانت منهارة: سعاد… وش فيها؟! هذا كله لأنها ما تبي نكلم وليد؟!
ورجع للخنساء بعد ما حصل أي تجاوب من سعاد: الخنساء… أسمعيني… أسمعيني… ما بتصل
بوليد… ما بتصل فيه… وباخذك لبيت جدك… باخذك لبيت جدك…
وقفت الخنساء هذيانها وهي تسمع أسمع جدها… ناظرته وهي متشككه… ما عادت توثق بأحد…
همس لها فيصل: أيوه الخنساء… باخذك لبيت جدك بكرة مثل ما تبين…. بس أنتي أهدي…
تمام؟!
هدت الخنساء شوي وهي تحاول تسيطر على دقات قلبها…. على رجفاتها… ورجعت تناظر
سعاد…
همست بوجع: أنتي بيت ددي… تعرفي؟!
سعاد دموعها تنزل بغزارة ما تعودت عليها: أيوه… أعرفه…
همست الخنساء بألم أكبر: تروحي بكرة… بيت ددي؟!
جاوبت سعاد وهي تشهق: بروح… بروح…
ردت الخنساء تقول وعيونها تثقل: بس… أنتي… ددي كنتي… تحبيه لا… أنتي خنساء تحبيها
لا…
وقبل لا تغمض كلياً دورت هنا بجنبها على خالد حضنها.. دواها… علاجها… من هالآلآم والأوجاع
والصداع… وحصلته… جنبها يشد من عزيمتها… دفنته بحضنها… ورمت راسها عالوسادة… هذت
وحست بسكرة التعب تخطف بقية أحلامها… إن خالد كان لها ومازال لها…
همست بكل تقطيع وآهه وهي تهذي: أنتي… قلتي… خنساء… وديها بعيييد… قلتي بابا خنساء
كذاب… قلتي هم يحبوني لا… بيت ددي خنساء تحبه… أنتي لا… خلاص أنتي هنا… وليد بيت
كبير… خنساء… بيت ددها… وحدها… خنساء وحدها… وحد… ها…
ونامت… وهي تاركه جسد من كثر البكي والشهيق والصدمة أغمى عليه… مهمها كانت قسوة الأم
يتبدل شعورها لمية وثمانين درجة وهي تشوف ضناها يموت بين يديها بكل بطء… وبطء… وهذا
إلي الخنساء أثبتته لها كل مرة تجيها… هي بنفسها شهدت غسيلها… وتكفينها… ودفنها…
.
.
مو معقولة يكون…
صرخ بهالكلام وليد وبعدها خفض صوته حتى ما يسمعوه… كان وقتها يتكلم مع شخص
بالموبايل… وأبوه وجدته وعمه وهدى وجلند كانوا كلهم جنبه وهو يهمس مثل الأفعى… لما سكر
وقتها وليد الموبايل لفوا له وكلهم لهفة… على بالهم لقوا خبر عن الخنساء…
جلند: بشر… الخنساء؟!
وليد هز راسه بعنف ووقف: لا مو عن الخنساء… بطلع فوق لجناحنا…
وتركهم وليد… وقتها لف خالد لسيف وقال: سيف… وين لجين؟!
أول ما سمع جلند أسم لجين قام واقف وطلع من المكان…
تنهد خالد بألم… يدري أكثر واحد بصراع مع نفسه هو جلند…
رد سيف بحزن: رفضت تجي… البنت ضعفت بشكل كبير… لا أكل تاكله ولا نوم تنامه… كل
نهارها بالمستشفى وليلها بكاها ما يوقف…
ورغم هالكلام قلوب المجتمعين كانت حاسه بالقهر… وقتها نزل وليد وهو لابس بنطلون جينز
وقميص بني بياقه طويلة…
سألته الجدة: على وين رايح يا ولدي؟! توك راجع… كفاية تدور بالشوارع روح إرتاح لك
شوي…
هز وليد راسه وقال: لا يا يمه.. أنا ما برتاح إلا والخنساء فبيتها… أنا طالع لا تنتظروني…
وقف سيف: خذني معك…
لا…
تفاجأوا من وليد وهو يقولها بكل عنف…
وكمل: لا بروح مشوار…
وما كمل كلامه وطلع… تحسس وقتها خصره وصابت يده جسم معدني صلب… جلس بسيارته وتوجه
ليقابل شخص قال إنه يعرف مكان عمر… وهذي الخطوة الثانية… أو الثالثة؟! ما فرقت… المهم
يعرف مكانه وين… والخنساء…؟! ضرب الستيرنج بقهر وصرخ بآه معبرة…
وليد: وينك؟! وينك يالخنساء؟! وينك؟! وينك؟!… والله إني بطريقي آخذ حقك وحق ولدنا…
بس أطلعي لي… أطلعي لي سليمة ومعافاة… بعدك عذاب… عذاااااب… عذاااااااااااااااب يالخنساء
عذاب…
* : * * : *
..]]..الليلة الأخيرة..[[..
شهقت الجدة وهي تقول: من يوم ما طلع أمس وهو ما رجع… يا ويلي… يا ويلي على ولدي…
راح وراحت معاه بنيتي الخنساء… ياربي وش هالمصايب إلي تجينا…
قالها خالد وهو يكفكف دمعته: أذكري الله يا يمه… أذكري الله…
همست الجدة بتقطيع: لا حول ولا قوة إلا بالله… لا إله إلا الله… لا حول ولا قوة إلا بالله…
اتصل خالد بسيف وقال له: الله يخليك يا أخوي.. تعال أنت وجلند خذوني معاكم…
سيف رد عليه لما شاف أخوه بيتجنن من الحال إلي بدوا يتدهورا فيها: إن شاء الله… إحنا على
وصول…
وبكذا طلع خالد مع سيف وجلند… وتركوا هدى والجدة يبكوا وينعوا حالهم…
خالد بربكه: جلند اتصل على بدر وأسأله عن وليد…
جلند تجرع ريقه وهمس: يا خالي إتصلنا عليه أكثر من عشر مرات ما رد علينا…
سيف قال: لا تخاف يا أخوي… هذا يعطينا أمل إن بدر مع وليد… ولو إنه ضعيف…
وبكل إضطراب قال خالد: أرجع أسأل المستشفيات القريبة… وهاتي يا جلند أرقام أصحابه يمكن
واحد منهم يعرف وين مكانه…
وبدون كلام نفذوا الإثنين أمره مع إنهم كانوا متأكدين إن ما في أحد يعرف خبر عن وليد… مثله
مثل الخنساء…
.
.
ألو… لجين؟!
شهقت وهي تبكي: أيوه… أيوه يا طلال… وينك يا طلال تركتني ورحت؟! أمي بالمستشفى
وحالتها لا تسر صديق ولا عدو… نشوى تعيش فحالة لا وعي والسبب ضربك لها… أبوي يدعي
علينا وصراخه مالي المستشفى…
ورجعت تشهق وهي تكمم يدها تخفي آهاتها…
طلال غمض عيونه بوجع…
وهمس: وانا… أنا يا لجين… حالي أزفت من حال أبوي وامي ونشوى….
لجين بوجع: طلال… متى بيطلعوك من الحبس؟!
طلال بطمأنينه: مدري… بس خالي خالد بيحاول عن قريب… لا تخافي…
همست لجين: طلال… أنا محتاجة لك… طلال… الله يخليك لا تتركني… أحس أهلي بيقتلوني
بنظراتهم… أحس حالي وحيدة مالي أحد… وجلند… جلند يا طلال… تركني لحالي… تركني
لحالي…
وتأوهت بصوت مسموع تغلغل لقلب طلال: أرجوك يا لجين… بكاك يقتلني… أدري أهلي وجلند
يعاتبونا… بس هذا قضاء وقدر… لا تبكي أرجوك… أنتي تزيدين حالي أكثر…
حاولت لجين توقف بكاها وهمست: طلال… أحس بوحشة… أطلع من الحبس علشان أمي بتطلع من
المستشفى وخوالي مستحيل بياخونها… أطلع علشان أخذها للبيت… رغم كل إلي صار هذي أمنا…
أرتجف طلال وهو يتذكر المشهد إل كان فيه يضرب أخته والضرب طاح نصه بأمه…
رجعت لجين تهمس: طلال… كلهم تخلوا عني صرت وحيدة… وحيدة… أرجوك أطلع بسرعة…
همس طلال وهو يمسح دمعته: إن شاء الله حبيبتي… ما صاير إلا الخير… أنتي أهتمي بنفسك وقوي
نفسك…
بعبرة قالتها تطمنه: إن شاء الله… وأنت بعد طلال أهتم بنفسك… أرجوك…
همس: إن شاء الله… يلاااا مع السلامة بسكر… مضطر…
وما زاد كلمه وسكر السماعة… كل واحد شكى للثاني إلي فيه رغم قصر الكلام… إلا إنهم حسوا
براحة… همومهم رغم كبرها وعمقها إلا إنهم مازالوا صامدين… والحمد لله على كل حال…
.
.
وصلوا عند محطة بترول… فيصل تنهد وهو يناظر الخنساء نايمه ولما جنبها تناظرها بشفقة…
أما زوجته سعاد فكانت تناظرها وبعيونها ألم… كل إلي صار أمس خلا سعاد تترك الأكل والنوم
وتتابع بعيونها حركات الخنساء… وكل ما يكلمها تنتفض وتمسك قلبها بخوف… وطبعاً الخنساء
صح كانت تسولف لهم إلا إنها كانت تتجنب سعاد وترفض إنها تكلمها أو تحضنها… وحتى إذا رجعت
لها حالة الهذيان سعاد تضمها بصورة لا شعورية… والخنساء كردة فعل تسحب نفسها من حضنها
بكل شراسه…
رجع فيصل للسيارة وأعطاهم كيس فيه مشروبات وقال: أنتظروني هنا بروح أتكلم بالموبايل…
وتركهم رايح لزاويه هاديه… ضغط عالإتصال وجاه صوت خالد: ألو… السلام عليكم… الأخ
خالد معي؟!
رد خالد: أيوه… عفوا أخوي ما عرفتك…
فيصل: أنا فيصل الـ… زوج سعاد الـ… أم الخنساء…
خالد عبس بوجهه وتحير لإتصال فيصل: أيوه… خير… إن شاء الله؟!
فيصل بربكة: أنا حاولت أتصل على وليد قبل كذا كم مرة بس يعطيني خارج التغطية…
رد خالد بوجع: أيوه هو له يوم ما رجع البيت… ندور عليه…
فيصل قال مهزوز: أكيد يدور على الخنساء… بس تطمنوا… الخنساء بإيد امينه وهي معي…
قاطعه خالد بصرخة مو مصدق: شو تقول؟!
فيصل قال: الخنساء معي وإحنا متوجهين للعامرات… أنا وأمها وبنتي… رايحين لبيت العم علي…
خالد قال بنفظه: الحمدلله… الحمدلله… الحمدلله والشكر… أنت متاكد؟! متأكد إن الخنساء معك؟!
رد عليه فيصل بلهفة: أيوه… من ليلتين أبوي بالصدفة حصلها هايمه بالشارع فأخذها عنده ولما
وصلت من السفر حصلتها وسط اخواتي… فأخذتها لأمها… كنت أبي أرسل لوليد وأتصل فيه أخبره
بس هي رفضت… تقول ماتبي وليد… إلا إني حاولت أتصل فيه أمس بالليل واليوم الصباح بس كله
خارج التغطية…
تنهد خالد بكل إرتياح وهو يدعي ويدعي بقلبه: الحمدلله إن الله حط الخنساء بطريق أبوك…
الحمدلله… طمنا يا فيصل أنت ليش رايح العامرات؟!
فيصل بربكة: والله من أمس والخنساء تصارخ وتبكي تبي تروح العامرات لبيت جدها…
خالد قال بتوتر: بيت جدها؟! غريبة تذكره…
فيصل بحيرة: أنا صراحة لاحظت الخنساء شكل عقلها… يعني…
خالد كمل عليه: أيوه من صار لها لحادث ومات فيه ولدها… صارت ما هي معنا… موت ولدها
أخذ عقلها… وصارت تحسب ولدها هالدمية إلي ماتفارقها…
تنهد فيصل: لا حول ولا قوة إلا بالله… بس الظاهر إن الخنساء بدت ترجع لعقلها… وذكرها
وتعلقها بروحتها لبيت جدها هو الدليل…
خالد قال: الحمدلله… أنت كمل طريقك للعامرات وإحنا لاحقينك… وبيكون بينا أتصال…
فيصل: إن شاء الله… يلااا فأمان الله…
سكر خالد الموبايل وتنهد… أخوه وجلند كانوا سامعين لك المكالمة لأنه كان حاطه سبيكر أول ما
سمع إن الخنساء مع أمها وزوج أمها…
سيف قال وهو يمسح وجهه: الحمد لله… الحمدلله والشكر…
ولف لجلند وإلي كان لسانه يعجز عن الكلام: جلند جرب أتصل… أرسل مسج لوليد أو بدر وخبره
إن الخنساء عند زوج أمها… طمنه حتى يرتاح أكيد راح يشوف المسج عالأقل…
هز جلند راسه: إن شاء الله…
وقال خالد وهو يتصل بالجدة علشان يطمنها: خذ طريق العامرات يا سيف…
سيف: إن شاء الله…
وبكذا طاح هم من كتوفهم لكن… شو صار لوليد هذا إلي ما يدرون عنه…
* : * * : *
صرخ بوجع: آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه بدر… شوي… شوي… الله… يخليك…
همس بدر وجبينه معرق: لا حول… ولاقوة إلا بالله… أصبر شوي… إلحين بطلعها… والله ما
صرنا بدنيا الواقع… أحسني أمثل بفلم…
تأوه وليد وهو يحط يده على خصره ويرتجف: أخخخخ… هذي هي حياتي… أنت تدري… مو
شيء غريب…
وصرخ لما حس بنصل السكين الحار بدت تحفر بجسمه ويسحب الطلقة….
وكمل بهذيان: عملي كان… صورة من هذي… سكين… زجاج مكسور… مسدس… حديد… كله
أكل من جسمي… آآآآآآآآآآآآآه… بـ..ـد..ر…
بدر بعد ما طلع الطلقه وتدحرجت عند رجوله قال: خلاص… خلاص خلصت…
ولف له يطمنه شافه أغمى عليه من الألم… حاول يعقم جرحه ويضمده… وطلع وقتها يجيب له
دكتور يشوف حاله…
مشى وهو يردد: الله يهديك يا وليد… الله يهديك… الحمد لله مرت على خير…
ولما وصل الدكتور أضطر بدر يخبره إنه شرطي وأعطاه إثبات وهذا غير إنه شرح له إنهم كانوا
بمهمة عمل…
قال الدكتور معاتب: يا خوي الحمدلله جات الطلقه سطحية… والجرح مو عميق وإلا كانت كبد
هالشاب تفتت ألف قطعه…
تجرع بدر ريقه وهمس: الحمدلله على كل حال…
الدكتور: أعطيته مهديء… جسمه منهد لازم ننقله للمستشفى بيتلقى علاج أفضل…
رد بدر: وهو الله يهديه رضى… لو كان راضي كنت وديته من أول للمستشفى…
الدكتور عفس بوجهه: عالعموم هذا قراركم… شكله هالشاب ما شاء الله عليه عنده إرادة فكلها
ساعة ساعتين وبيقوم… أعطه هالأدوية إذا أشتد عليه الألم… وأنصحك طبعا توديه للمستشفى…
هز بدر راسه بعد ما طلع الدكتور…
وصحيح كلها ساعة ونص قام وليد وهو يهذي وينادي: بـ..ـدر… وينك؟! وين أنت؟!
رد بدر وهو جنبه: هنا… ها شو تحس؟!
همس وليد: الحمدلله… أحسن…
رد بدر بإضطراب: الله يهديك أي أحسن… الدكتور كان بينجن وهو يشوف حالتك هذي بشقتي…
ابتسم وليد بوجع: الحمد… لله… كنت أنت.. معي… وإلا كان… صرت علوووم…
تنهد بدر وفتح موبايله بعد ما نساه: شو الخطة إلحين أنت ما تقدر تتحرك…
وليد همس: إلا… بس أعطني ساعتين بالكثير اقوم فيها على رجلي…
فيصل فتح موبايله وسمع صوت المسجات المتراكمه: لا… بشيلك من هنا للمستشفى… وبروح مع
فرقة للعامرات… ما شاء الله كل هذي مسجات؟!
وليد بعصبية: أنا ما خبرتك علشان بالنهاية ترميني بالمسـ…
قاطعه بدر وهو يأشر له ويقرأ بصوت عالي: بدر… إذا كنت تعرف مكان وليد… فخبره إن
الخنساء زوجته بأمان… هي مع أمها وزوج امها رايحين للعامرات… بيت جدها…
انتفض وليد بكل وجع وهو يحاول يجلس: آآآآآآآآآآآه… الخنساء… يا ربي شو هالمصايب؟!
مسكه بدر يحاول يعدل وضعه: شو يوديهم للعامرات؟!
همس وليد: والله مدري… مدري… أخخخخ قومي ساعدني أوقف على رجلي… وخلينا ناخذ طريق
العامرات…
رد بدر بعنف: أنت تبي تقتل عمرك؟؟!
رد وليد بصورة قاطعه وهو يحاول يشيل نفسه ويتوجع وعينه تدمع: تدري… يا بدر…
الخنساء… فخطر…
تنهد بدر وساعد وليد وقال: هذي هي الساعتين إلي تبيني أعطيك إياها… خلني أتصل بعمي خالد
عالأقل…
وليد بوجع: تمام أتصل وإحنا بالطريق… ما عندنا وقت…
وتسحب بكل وجع للباب وللسيارة… وهو يتذكر إن الشخص إلي راح يقابله تخلف عن موعده ودرى
إنه ما فيه الشجاعة يقول له… وأضطر يسأل عنه ويعرف مكانه بنفسه ولما وصل له مع بدر…
أنقلب الحال أشتبكوا مع شلة خمارى وسكارى وطلع منها وليد بجرح قريب من خصره… مثل ما سحب
كلمتين من الشخص الغامض… إن عمر من يوم هرب وهو مختبي فبيت العم علي… وهذا آخر مكان
وليد فكر إنه يبحث عنه… وإلحين الخنساء شو مصيرها وهي تمشي للخطر… لا… لا… لازم
يوصل لهناك قبل… لازم…
.
.
وما درى وليد إنه تأخر كثير…
وخاصة إن الخنساء كانت خلاص رجلها تطب باب العتبه وهي تتذكر كل زاوية تأثرت فيها
بحونو… ومن دون ما تحس قطعت الليل وسكونه بصراخها… صراخها الممزوج بالدموع والصياح…
كانت تشوف كل مقاطع من حياتنا من موت جدها… لحد موت ولدها خالد… وهي تدور حوالين
نفسها ويدها تنغرس براسها تحاول تسكن شيء من آلآمه…
وبالأخص إنها درت… ودرت إن هالدمية ما هي خالد… وبصورة دراميه… رمت الدمية عالأرض
بدون أهتمام والمشهد ينعاد قدامها…
..
“إنتهى كل شيء… كل شيء فجأة…
عمي المرتمي عالأرض والدم يسيل منه… طفلي إلي طاح من بين يدي وأرتمى عالأرض… طفلي
إلي سكن… وتوقف بكاه… طفلي إلي مات فيه الروح…
رغم كل جروحي… حبيت والدم يسيل مني… أطبع بدماي عالأرض… بدون دموع… بدون
صراخ… حبيت لطفلي… وبست العيون إلي نامت… نامت نوم أبدي… بست الأنف… الخد…
الجبين… الراس… العنق… الصدر… اليد الصغيرة… البطن… الرجل…
شلته بين يدي بكل حذر… وتربعت وهو بحضني… شميت ريحته… وإلي إختلطت بريحة الدم…
وبكل رجفة مررت يدي على راسه ووجهه… أمسحها بكل لطف… أخاف يقوم يبكي ويصارخ …
صرخت صرخة هزتني… وهزت كل نبض فيني… هزت جدرا الصمت… السكون… هزت حالتي…
وأنتهيت من الصدمة للألم… للوعة والدموع… وفهمت وقتها ليش هو ما يسمعني… فهمت ليش ما
يتحرك… ينبض… يتنفس… يفتح عيونه… فهمت… فهمت وقتها إنه… تركني وراح…
تركني وراح… ولدي خالد راح… راح… راح… }}…
..
أرتمت عالأرض وفيصل وأمها يحاولون فيها… سعاد تضمها لها بكل قوة… بكل قوة تحاول تكبت
هالصرخات الهستيرية… لكنها عرفت إلحين إن خالد مات… وهي كانت عايشة بوهم خالد…
وهذي هي رجعت للواقع بكل بطء… سلسلة الآهآت ما أنقطعت من جوفها… فطل صوتها ضعيف
مكبوت بصدر أمها…
همست بكل شجون وهي تغمض عيونها قبل لا يغمى عليها: أحضنيني حييييل… أحضنيني… يا ماما…
أحضنيني…
.
*
.
*
.
error: