رواية عمانية احرف مطموره بين طيات الورق كاملة

((((((((((((((((الفصل الحادي عشر))))))))))))))

~~قبل ميعاد الرحيل..~~

{{.. همس لي جدي: ماما الخنساء… تكلمي مع الدكتورة يلااااا….
هزيت راسي لا…لا… لا ما ودي أتكلم… وناظرت جدي… وكأني أقوله أنا ما قلت لك إني خلاص
ما بكلم أي أحد؟!
تنهد جدي وقال: الخنساء يا بنتي… الدكتورة تريدك تتكلمي… هي تحبك وتريدك تكوني مثل
كل الناس… تبي تساعدك…
هزيت راسي رافضة الفكرة…
تكلمت الدكتورة: ما عليك عمي أنا بحاول معها… الخنساء حبيبتي… إنتي بنت حلوة وطيبة…
وتتمنين أشياء كثييييرة… صح؟!
جذبني صوتها الحنون وكلامها… فهزيت راسي بكل بطء… ناظرتني وهي تبتسم أكثر…
قالت بحنان: أمممم أكثر شيء تتمنيه تقدري تتكلمي صح… مثل ما أنا اتكلم…
رجعت أهز راسي للمرة الثانية…
وكملت: آها وهذا يعني علشان تصير هالأمنية الحلوة حقيقة… لازم تتكلمي معي ومع الناس… مثل
ما تتكلمي مع جدو… لأنك لازم تتدربي على النطق…
هزيت راسي بلا… أبتسمت: أوكي… وليش ما تبين تتكلمي مع الناس؟!
أجبرني إنسياق الحديث وقتها إني أتكلم بصوت مبحوح: لا…لا… هم… هم… كلهم…
ضحك…ضحك…. أنا مجنونة… محنونة…
((لا…لا… الناس يضحكون علي لما أتكلم… ويقولون عني مجنونة))
ابتسمت الدكتورة: يضحكون لأنهم ما يعرفونك زين… وإنتي لازم تكوني قوية وتقولي لهم أنا
مو مجنونة… أنا بس كنت شوي مريضة… كان فيني بس حمى وراح أتعافى قريب…
هزيت راسي لا وعناد الأطفال صابني وقتها: هم… هم… أحسن… الخنساء… خرسا… لا…لا…
مجنونة…
((خلي الناس تقول الخنساء خرسا أحسن من يقولوا مجنونة))
وتلكلكت أكثر وأكثر: إشارت… إنتي… هب… عشاني… وددي… إشارت…
((خلاص أنا بتعلم الإشارات… وعلشان إنتي تحبيني فعلميني الإشارات… وجدي بعد علميه
الإشارات)))
تنهدت الدكتورة وناظرت جدي…
قالت له: كذا بيتأخر النطق عندها… إذا ما تدربت فبتم متأخرة كثير…
وهمس جدي بكلمة معتادة دوم ما أسمعها: حسبي الله على من كان السبب… حسبي الله على من كان
السبب…
ونزلت دمعه من عيني… تدحرجت بكل بطء لخده… مديت يدي ومسحت هالدمعة…
وابتسمت شوي وأنا أفكر بجدي…
وقلت: لا…لا… ددي… لا… أنا… كلم… كلم أنت… وكلم أنتي… وكلم أنا… بس… هم…
لا… لا…
((خلاص جدي لا تبكي… أنا بتكلم معاك ومع الدكتورة لأنكم تحبوني ما تضحكون علي… وحتى
بتكلم مع نفسي… بس الناس ما راح أتكلم معاهم))
ودفنت راسي بحضن جدي… شد علي وأنا سكنت بحضنه… أسمع رجاويه ودعاويه إلي طابت لها
أذني بسماعها… }}
..
وما زلت أسمع دعاويه… ورجاويه… ما زلت أسمع صوته يرن بأذني… ومازلت أحس بهمسه وهو
يناديني “خناس”… آآآه يا جدي… رحت وتركتني مثل الهايمة بهالدنيا… أشتاق لحنانك…
حبك… وحضنك… لو كنت يا جدي موجود ما كنت شفت إلي شفته إلحين… لكنت هالحين فبيتنا
القديم بالعامرات… وإلي بنيته بساعدك القوي… لكنت هالحين أجلس عند رجولك وأسولف لك
بكلماتي القليلة لكن عالأقل مفهومة لك… وأأشر لك عن كل شيء نفسي تطيب له… لكنت هالحين
أسمع دعاويك… أدري تبيني أقوم من سبات الألم والحزن على خرسي… تبيني أرجع أتكلم مع
غيري… بس أنا عاهدت نفسي ما راح أتكلم مع أحد غيرك… وهذا هو قراري إلي أتخذته… كان
قرار ما جاء بالساهل… قرار أنا مسؤولة عنه… بس أنا… مو أحد ثاني…
جدي… أنا تألمت… وأنطعنت بعد موتك ألف طعنه… من أبوي وأمي… من وليد وأهلي…
أنجرحت بجروح عميقة ما طابها إلا حب إنسان زرع فيني حياة جديدة… إنسان بكل ذرة من
ضلوعي تشتاق له وتحن لهمسه… إنسان لولاه لتخبط بدنياي… أمشي مثل العمياء بدون حتى عصا
تدلني… بس…
بكل هذا يا جدي أنقلبت الأحداث فوق تحت… لا تقول حب وليد لي جا لشخصي… إلا هو شفقة يا
جدي… شفقة… شفقة… وأبغضها من كلمة… إذا حاولت تقنعني إني غلطانة فأنا أحس إني مستحيل
أقتنع إنه يحبني لشخصي… شفت هو شو كثر حب شجاعتي… أشفق علي مو لأنه حبني… لأني
وحيدة… يتيمة… خرسا… أشفق عليها… أشفق عليها ووافق يتزوجها علشان وصية عمه…
وخاصة بهالوقت… بهالوقت… إلي إحساسي فيني يقبض بقايا أفراحي… أدري غبية وأفسر الأشياء
بطريقتي بس هالغباء إلي أحاوط فيه نفسي أفضل لي من وهم أعيش فيه… وهم حب وليد… وهم
حب أهلي لي… وهم مجتمع ما حسسني بيوم إني مثل الناس… نزعوا ثقتي بنفسي وبقيت محبوسة
للأكاذيب من حواليني…
..
“كفاية ذكريات يا الخنساء وإرجعي للواقع…”
“بس أنا ما أبي… أبي أرجع لذكرياتي مع جدي… كانت هي رغم فقرها وصعوبتها إلا إني كنت
فيها مرتاحة ومستريحة…”
” لكن… رغم كل شيء بترجعين للواقع وتودعين هالذكريات…”
“وأنصدم بأرض الواقع…؟!”
“لكن الخنساء… تذكري… طفلك؟!”
“آآآه… طفلي… لا… لا… ما أبيه يموت… أبيه يعيش… أبيه يكبر بين عيوني… أبيه يناديني
“ماما”… أبي أناديه “تاج راسي”… أبي هو يحسسني بالراحة والحب… أبيه يتحدى الناس
ويقول هذي “ماما الخرسا صح بس هي بعيوني جنه”… لا… لا… ما أبي ولدي يموت… ما أبي
ولدي يموت…
..
و… ولــــ..ـــدي… لا… لا…
هزيت راسي بكل عنف وأنا أحس بجسمي متكسر من الألم: لا…لا… لا… يــ..ـــمــ..و..ت…
و.. و..لــ..دي…
وفجأة صرخت… صرخة عظيمة… صرخة حسيت فيها بجسمي أنتفض… شد شخص على يدي…
وسمعت همس مشجون…
الخنساء… الخنساء… الخنساااااااء…
بديت أفتح عيوني بصورة بطيئة وشفت وجه وليد مشوش…
همست بكل ثقل: حـ..ر..مـ..تـ..و..نـ..ي… مـ..نه… حـ..رمـ..تو..ني… مـن… و..لـ..دي…
ورجع لي الإغماء بدون ما أسمع كلمة ثانية…
.
.
كنت بهاللحظات أحس بآلآم قاتلة… صرت أصرخ وأصرخ أحاول أسكن بصراخي شيء من آلآمي إلا إني
كنت أزيدها…
وقتها سمعت صوت جاني من بعيد: هي بأي شهر؟!
وسمعت الجواب… كان مرتجف وخايف: آ..آ… السـادس… لا…لا… السابع… السابع…
حسيت بيد تشد على يدي… حسيت من بين كل آلآمي بيد تحضن يدي بكل خوف… وسمعت أصوات
دعاوي…
وسمعت همسه متألم: الخنساء… الخنساء… آآآآه… حبيبتي… يارب… يارب… أرجوووك…
آآآآه…. أرجوووك يا ربي…
وبكى… أحس بدموعه تنسكب على وجهي ويدي…
خلاص… خـــــلاص… خلاص يا وليد… مكتوب لي أخسر طفلي… وأخسر نفسي… وأخسر حبي
لك… أخسر كل شيء… كل شيء… مكتوبه فرحتي تكون مجرد أيام… مكتوب أنعاد لأرض الأحزان
بكل قسوة…
.
.
صرخت بآهات عاليه… تيقظت بكل عنف على واقع مر… واقع آلامي إلي طغت على جسمي
وقلبي… من كثر الألم والوجع صرت أنتفض وصراخي يزيد…
راااااااااح… رااااح… و..و..لـ..لـ..ـدي… لا… لا… لا…
وهذيت بآهات وكلام مو مفهوم أبداً… وقبل كل آلآم جسمي… حسيت بآلآم قلبي… بطعنات شلت كل
عضلة بجسمي…
كنت بهذياني وأنا ما أسمع إلا بصورة فظيعة مشوشة… حسيت بنفسي مخدرة وما لي قدرة على
الحراك… وعدت لعالم الظلام… لحظات…
ساعات…
أيام…
سنين…
ودهور…
لكن الحقيقة هي مجرد ساعات بس… وسمعت بعدها صوت بكى طفل من بعيد… من بعييييد جاني
يحطم كل آمالي… مات طفلي… مـــات وأنحرمت أنا من سماع بكى طفلي… من شم ريحته…
حرموني منه بلا رحمة… بلا رحمة… بلا رحمة…

صرخة طغت عالمكان… صرخة ما هي فمحلها: مبروووووك… مبرووووووك…
انتفضت وفتحت عيني بكل بطء… حاولت أقاوم الغشاوة إلي على عيوني… لكني ما قدرت وعشتت
بالظلام… ارتجفت يدي وأنا أمدها بالفراغ… سمعت صوت وقتها قريب مني…
صوت يقول: جاكي… ولد… ولد مثل القمر… سبحان الله…
كنت مكممة بالأكسجين… وبسبب ثقل لساني ما قدرت أحرك شفتي… صرخت صرخة انتفظت منها…
ودمعت عيني وبكيت بألم…
كيف؟! كيف يضحكون علي؟! كيف يضحكون علي؟! لا…لا… دخيلكم… دخيلكم إلا تزيدون طعنات
قلبي… إلا تطعنوني وتزيدون قلبي جروح…
رجعت الممرضة تقول: هاتيه يا نسمة… هاتيه… أكوه (هذاك) الغطاء الثاني… هاتيه تقر
عينها فيه… هاتيه يا بنت…
حاولت أقاوم الغشاوة بعيني لكني فشلت بصورة كليه… قدرت أشوف بصورة مشوشة شخص واقف
قدامي… وقتها أرتجفت… أنتفظت وأنا أسمع صراخ قريب… صوت بكى طفل… يخترق بكل حلاوة
أذني… يخترق بكل حلاوة قلبي… ويخترق بكل حلاوة عقدة لساني…
وحسيت بثقل على صدري… وأنتفضت… أبكي… مو مصدقة… هالثقل هو ولدي… ولدي؟!…
همست: و..لـ..دي… دي…؟!
وأغمى علي ومازال صدى صوت بكاه يتردد بأذني… يتردد ويتردد بحلاوة طابت فيها كل جروح
قلبي…
.
.
{{… عمري ما تجاوز الـ 13 سنة…كنت أجلس على كرسي بالدكان إلي جدي يشتغل فيه…
وأحرك رجولي بضحكة… كان جدي قافل الدكان ويحسب الجردة…
غنيت بصورة عالية وفظيعة: عصـ..ــفووور… عصـ..ـفووور… جـ..جرة… يبــ..
حـ..حـ..ث.. مـ..مـ..مرة…
((عصفور فوق الشجرة… أخذ يبحث عن ثمرة))
ضجك جدي وهو يرفع راسه لي: وعصفورتي أنا تبحث عن جدها… ها غنيتي للدكتورة هبة
اليوم؟!
قفزت عن الكرسي وأشرت: لا… بس جدي… الدكتورة قالت لي أشياء كثيرة… تبيني أقولها
لك؟!
قال: أكيد… شو قالت لك؟!
قلت بصورة ركيكة: بابا… ماما… خنساء… حلوة… أنا… انا… ددي.. حلوة؟!
((قالت… بابا وماما جابوا بنت حلوة وهي أنا… أنا حلوة يا جدي؟!))
همس جدي يبوس خدي: حلوة… وشيخة البنات بعد…
ضحكت وأنا أقاوم دمعه: هههه… حلوة… أنا… ليش… ليش… أهئ… أهئ… ماما.. بابا… وين
خنساء…؟!
((ليش عيل بابا وماما ما يسألون وين الخنساء إذا أنا حلوة؟!))
حضني جدي يردد: حسبي الله على من يخلي كل دمعه منك تنزل… حسبي الله على من كان السبب
بس… حسبي الله ونعم الوكيل…}}…
..
{{… تخبيت ورا الباب وأنا أشوف جدي واقف وسط الصالة… كان واقف وساد علي أشوف من
زايره… صح ما كنت أشوف إلي جاي لجدي بس كنت أسمع صوتها يصارخ…
قالت: أفرح فيها… والله ووفرت علي…
قال جدي يصرخ: أحترمي نفسك يا بنت… ما أدري وش أنا غلط بتربيتك… ربيتك وحاولت بكل
شعرة شيبتيها أصلحك… بس…
وضحكت: سبحان الله… أقول يا أبوي هذي أول مرة وأدخل هالمكان الوسخ وما عاد راح أجي
وأعرض عليك هالشيء… أبوها ما يبيها… وأنا ما أبيها… عفنا هالخرسا… عفنا هالغلطة…
قرب جدي منها وهو يمد يده ويصارخ: يا قليلة التربية… إياني وإياك تعيدين كلامك هذا…
الخنساء بنتك وما هي عرض… وإلي عايفينه هو وجودك هنا…
قالت بنظرة محتقرة: مو من زيين المكان… وبعدين ليش تضحك على عمرك؟! أبوها كذب على
أهله على حساب بنته… كله علشان شو؟! علشان سلموه إلا ما تتسمى…
ومسك يدها وسحبها للباب وصرخ: بس… بسسسسسسس يالتافهة… إنتي كل المصايب… روحي ولا
عاد ترجعين… حسبي الله ونعم الوكيل… حسبي الله ونعم الوكيل…
ضحكت وسمعتها تصارخ: يحاول ينتقم مني… بس أنا… أنا بنتقم منه…
تراجعت ورا الباب أسند ظهري له وأنا أبكي بدون صوت… هذي الزيارة كانت رغم قصرها إلا
إني حاولت أمحيها من ذاكرتي… قالت تبي توديني لدار الأيتام… قالت أبوي كذاب… قالت إنهم
عافوني… قالت هو بينتقم… وهي بتنتقم… قالت وقالت… ودمرت طفلة ما فهمت كل
هالمعاني… ما فهمتها…}}
.
.
حضنت يد يدي… وحسيت بدفء رغم إنه سكن شيء من آلآمي إلا إني حسيت بزيفه وكذبه… حاولت
أفتح عيني وقاومت هالغشاوة إلي كرهتها… أبي أشوف ولدي… أبي أشوفه…
رددت كلمة وحدة هزت كل تعبي: و..و..لـ..دي…
سمعت صرخة قصيرة وهمس هو برجفة: الخنساء… الخنساء… حبيبتي… د..دكتورة… دكتورة…
وترك يدي فترة وأنا أفتح عيني أشوف بصورة مشوشة بالبداية… رفرفت بعيني لحد سمعت صوت
على جنبي… لفيت وشفت الدكتورة…
قالت: الحمد لله على سلامتك…
تجاهلت كلامها وإلي تقيسه… ولفيت وجهي بكل بطء أحاول أدور على ولدي بدون فايدة…
همست أحاول أنزع الأكسجين من فمي: و..لــ..دي… أنا..أنا… أشو..فه… ودي…
(( ولدي… ودي أشوفه))
حسيت بيد تمسح على يدي وتضغط عليها بقوة… وصوته جاني مبحوح…
قال: بخير… ولدنا بخير… هو بالحضانة إلحين…
لفيت له… وطاحت عيني عليه… كان ما هو وليد… رغم إنه هو نفسه… كان بدشداشة سوداء
ومبطل جيبه العلوي وأكمام الثوب مطويه لساعده… بلا كمه وشعره مبعثر… عينه كانت تلمع…
ذقنه مو محلوق وكله على بعضه باين معفوس… غمضت عيني قدام هذي الصورة… وابتسمت… ليش
يبين لي كثر إشتياقه لي؟! ليش يبين لي خوفه علي؟! ليش يضحك علي؟! ليش؟! مو كفاية هاللعبة
إلي يلعابها معي… مو كفاية؟!
رجع يمسك يدي ويشد عليها ويبوسها: آآآه حبيبتي… خوفتيني عليك… خوفتيني عليك…
ما حركت عضلة بجسمي… وتجاهلت مشاعره…
رجعت أهمس: و…لـ..دي…
قالت الدكتورة: تطمني ولدك بألف عافية بالنسبة للي شفتيه وشافه… بس هو بالحضانة… مو
مكتمل و…
لفيت راسي ورجعت أصرخ بضعف: لا… لا…
وأشرت لوليد بضعف: هاتوا ولدي… أبي أشوفه…
جلس جنبي وهمس: الخنساء…
تركتنا الدكتورة وطلعت ووليد يمسح على شعري ويقول: لا تخافي… ولدنا بخير… بخير…
تعافي بس وتقدري وقتها تشوفينه…
نزلت دمعه من عيني وتجاهلت كلامه… لو بيدي كنت تحركت هالحين وركضت لولدي… لو بيدي
كنت ضميت ولدي لحضني… لكن… لكن أحس نفسي مخدرة وما لي قدرة حتى أرف بعيني…
همس وليد بصوت مشجون: الخنساء…
وما قدر يكبت أكثر… نزل وجهه بكل بطء لصدري …
وهمس بصوت مبحوح ومشجون: بحياتي ما خفت مثل ما خفت عليك… الحمد لله… الحمد لله الله
نجاك… نجاك من…
وقف لحظة ومد يده يضم وجهي لبين يديه وهو يكمل همسه: حسيت بروحي تطلع من جسمي وأنا
أشوفك بدون حراك تحت السلالم… الحمد لله… الحمدلله إن الله كتب لك عمر جديد… وما حرمني
من وجودك بحياتي… الحمدلله… آآآآآه… الخنساء…
غريب…!!
وأكثر من غريب…!!
ليش أحس بهمساته مجرد شوشه وسموم تجري بعروقي… ليش ما أحس بأحاسيس وليد؟! لهالدرجة
صرت أحس بحبه شفقة؟! لهالدرجة؟!
مديت يدي بكل بطء لشعره… كنت بدفعه عن حضني بلحظة جنونية… بس… حسيت بضعف وبديت
أمسح على شعره وأنا أبكي بدون صوت… حبيتك حب أنطعن بأفكاري الغبية… حبيتك حب مدري
ليش طعمه علقم… وتحول لمرارة بنفسي… أتمنى بس أبعد وأريح أهلي من آلآمي… عاشوا بكذبة
وأنا جنبهم… وهذا أكبر دليل إني مختلفة عنهم… إني مستحيل بيوم أكون أكثر من مجرد شفقة
بالنسبة لهم… مستحيل…


الأربعاء…
4-6-2008…
رددت بكل ثقل: لا… لا… هـ..ـاتي… و..لـدي… لا… لا…
مسحت هدى على شعري وهمست: الخنساء حبيبتي… الخنساء والله ولدك بخير… بخير… بس إنتي
تعافي بسرعة وبتشوفينه…
تلكلكت وأنا أردد: هم… هم… يضحكـ..وا… علي… أنا… ولدي… مات… مات…
(( أدري هم يضحكون علي… أدري ما يريدون يجيبوه لي لأنه مات))
همست هدى: والله هو بخير… بخير… مو ميت… أستهدي بالله… بس هو بالحضانة… ولدوك
بالسابع والطفل مو مكتمل…
رفضت أسمع لكلامها وبكيت… لو ولدي بخير كان هو بحضني هالحين… ليش يكذبوا علي؟! ليش؟!
سمعنا صوت جاي من الباب… كان وليد واقف يناظرنا… جاني ومسك يدي… تركتنا هدى
وطلعت…
قال وليد بصوت هادي: ليش البكى يا الخنساء؟!
رجفت وأنا أقول وقلبي ينفطر: أعرف… أعرف… تكذبوا… تكذبوا… ولدي… أنا… مات…
ضغط على يدي وقال: وليش نكذب عليك؟! الولد بخير وعافيه… وهو بالحضانة… الطفل مو
مكتمل…
أنتحبت وأنا أحس بآلآم جسمي: عيييل… جيـ..بوه… ولدي…
باس وليد جبيني وهو يقول: تعافي وبتروحين له بعينك تشوفينه…
تجاهلت كلامه وتطميناته… ورجعت أبكي… أداري أحزاني وأوجاعي…
قالي وليد بكل هدوء: الخنساء… كفاية هالدموع… ليش مو مصدقتني؟! الطفل بخير…
أشرت بضعف وأنا أبكي:شيلوني له… خذوني… أحملوني له… بس أشوفه… أشوفه…
تنهد وليد وقال: خلاص الخنساء… أوعدك أخذك له بس مو اليوم… إنتي تعبانة ومالك قدرة
تتحركي…
هزيت راسي وشهقت وأنا أأشر: خذوني له إلحين…
ورددت: ودي… أشـ..أشـ…وفه…
مسح وليد على شعري وهمس: أوعدك تشوفينه بكرة… بس إنتي تعافي… أهتمي بنفسك وكلي إلي
يجيبوه لك… مو ترفضين وتبكين… الخنساء… ولدنا محتاج لك… محتاج لك… مو تعذبين
وتهملين نفسك… الطفل بخير وما عليه إلا العافية…
سكنت ودمعت عيني وتميت ساكته لحد ما طلع… ودخلت بعدها هدى وهي تحاول تهديني… وبعد
دقايق زارتني لجين وجدتي…
قالت لجين تبوس خدي: الحمدلله على سلامتك… وعلى سلامة ولدك…
ابتسمت وهي تمسح دمعة على خدي: والله توني شفت الطفل فالحضانة… ما شاء الله عليه نسخة من
أبوه… تعافي يالخنساء وبيشيلونك تشوفينه…
جلست جدتي جنبي ومسحت على شعري وهي تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله عليه العظيم… يا بنتي
وش هالسواة؟! ما يصير كذا تعذبي نفسك؟! تعافي ووقفي على رجولك وبتروحين تشوفين
ضناك…
أنتحبت وأنا أسمعاها تدعي لي… وحطت بعدها يدها على جبيني وبدت تقرأ كلام الله… تميت
ساكته أسمع كلام الله يخترق أذني ويهدي من إضطرابي… عاهدت نفسي ما راح أتحرك أو أتكلم مع
أحد إلا ويودوني أشوف ولدي… أشوفه وتقر عيني فيه… أشوفه وأتأكد إنه حي… وينبض
بالحياة… أشوفه وتطيب جروحي إلي قاعدة تزيد وتزيد…


الخميس…
5-6-2008…
تميت ساكنة وأنا انتظر وليد يجي ياخذني أشوف ولدي… هو وعدني ياخذني له… وعدني…
ناظرت الساعة وشفتها 4 العصر… حاولت أتحرك من السرير لكني ماا قدرت… جسمي أحس فيه
متكسر من كل جانب… قاومت هالألم ونهضت على طولي… بكيت وأنا أحس بزيادة ألمي… حاولت
أنزع الأشياء إلي ملصوقه على يدي… فالوقت إلي دخلت فيه الممرضة… ناظرتني وجاتني
تصرخ…
قالت: شو تسوين؟!
أشرت: أبعدي أببي أشوف ولدي…
ومو كنت منتبهة إنها ما فهمتني…
رددت بكل بطء: ولـ..دي… ودي… ولــ..دي…
قالت مو مهتمة بكلامي: حاسبي… حاسبي لا ينقطع…
صرخت لها علشان تسمعني: ولــ..دي… أفهمي… أشوفه…
((ولدي… أبي أشوفه…إفهميني))
جاتني ومسكت يدي تحاول ترجعني لمكاني… ضربتها… كذب علي… كذب علي… يقول بيوديني
لطفلي وما جا لحد الحين ياخذني له… كذب علي… صرخت وشاهقت وبكيت وأنا أصارعها…
وعلى صراخنا دخل وليد وجانا يقول للمرضة: شو فيها؟!
صرخت لوليد: كذاب… كذاب… تكذبون… كلكم… كلكم تكذبون…
وبكيت وأنا أحس بقساوة السرير على ظهري… ما أبي إلا أشوف ولدي… أبي أشوفه… جاني
وقتها وليد وضمني يصرخ على الممرضة تطلع…
همس: الخنساء… أنا مو واعدك؟! مو واعدك أخذك تشوفينه؟!
شاهقت ورددت: كذاب… ما… جيت… أخرت… كذاب… كذاب…
مسك وجهي بين يديه وقال مرتجف: لا مو كذاب… أنا واعدك أخذك له وهذا أنا جاي… أهدي
يالخنساء… أهدي…
وقف تاركني وطلع… وتميت أنا أحارب إحساس الثقة المهزوزة… الثقة إلي تبددت بدون شعور
بهاللحظات… وقتها شفته عند الباب هو وممرضة تجر كرسي متحرك… تجرعت ريقي… أتنفس
بصعوبة… وفرحة إنهم بيودوني لولدي كانت مكبوته بحنايا قلبي… وبعد ما جلست على
الكرسي… جرني وليد لخارج الغرفة…
حسيت بيده تنحط على كتفي لحظة وترجع تجر الكرسي…
قال يهمس: ليش ما عدتي توثقين بكلمتي؟!
غمضت عيوني وناظرت ليدي المضمومة لحضني وما رديت…
رجع هو يهمس: أحس فيك بعدتي مية خطوة لورا… أحس فيك تحاولين تبعديني… الخنساء…
وقفنا بنص الممر… ومد يده يضغط على كتفي…
وكمل همسه: أحس إنك تغيرتي… تغيرتي… ورجعتي تصاحبين الحزن والألم… مو عارف إذا أنا
غلط بحاجة ؟! مو عارف يالخنساء…
تميت ساكته بدون ما أتكلم… ضغط على كتفي يحاول يحصل جواب مني…
وبالنهاية جاوبته وأنا أردد: ما… أبي… إلا… أشو..فه… أشوف… ولدي…
حسيت برجفته وتراجعت يده لقبضة الكرسي… وكمل جرني وإحنا ساكتين…
.
.
وصلنا لغرفة الحضانة ودخلناها… أخذني وليد لسرير ولدي… وكل ما قربت… كل ما زادت
دقات قلبي… كل ما حسيت بدموعي تنزف… مديت يد مرتجفه للزجاج… بشوق ناظرت للطفل إلي
داخله… أرتجفت وأنا أناظره…
مستحيل أوصف مشاعري إلي أنتابت قلبي… وهزت كياني… مستحيل أوصف مشاعري وأنا أحضن
طفلي بعيوني… أسجل كل نفس ينبض منه بناظري… أرتجفت وبكيت وأنا مو قادرة أسيطر على
نفسي… نفسي أضمه… نفسي أضمه لصدري وأشم ريحته…
همس لي وليد: الخنساء…
تجاهلته وركزت أتتبع بيدي الزجاج وأنا أردد: ولـ..دي… حبـ..بيـ..بي…
وتميت كذا لساعة… أبد ما حسيت بالملل وأنا اناظره… إلا حسيت بشوق أتم كذا لآخر الدنيا
أناظره… وأدعي ربي يحفظه لي…
حسيت بوليد يقول: يلاااا الخنساء… خلنا نطلع… أبوي وعمي وأهلي جاين يزوروك…
هزيت راسي بلا…
همس: الخنساء… حبيتي… أوعدك أجيبك له بكرة مرة ثانية…
رجعت أهز راسي للمرة الثانية… وقتها مد يده لمقبض الكرسي ومال علي…
قال: الخنساء… كفاية… بجيبك لهنا بكرة مرة ثانية…
أعرف إني زودتها مع وليد… بس منيتي أتم مع ولدي… ما ودي أطلع من هنا…
قال وليد: يلاااا الخنساء…
نزلت يدي من الزجاج وضميتها لحضني… موافقة هالمرة… بس بكرة إذا ما جاني ياخذني
لولدي… والله لجي لهنا وحدي…
جرني وليد وأنا أحس بضيقه يزيد… أدري… أدري كثر تعبه وضيقه بإنسانة مثلي ما تجيب له إلا
المصايب… ابتسمت بكل ألم… بس قريب يتحلل هالرباط وهالقيد… ويتحرر وليد مني قريب…
قريب…


الإثنين…
9-6-2008…
كنت نايمة وما حاسة بالشخص إلي كان جالس عند سريري… تحرك وتنبهت لحركته… فتحت عيني
وناظرت عمي خالد جالس يناظرني… أبتسمت لعمي بعد ما شفت نظرة الحزن على وجهه…
ابتسم وباس جبيني وهو يقول: كيف حالك يا بنتي؟! شو أخبارك إلحين؟!
هزيت راسي ورددت ببطء: حمد لله… بـ..بخير…
مسح عمي على راسي وقال بحب: ها الخنساء ما ودك ترجعين لبيتك؟!
نزلت عيني وهزيت راسي بلا… ما ودي أبعد عن ولدي…
قال عمي: وليش؟!
رددت: قالوا… هم… ولدي… هنا بيتم… أنا… أطلع… لا… ما أبي…
رجع عمي يمسح على راسي: لكن إنتي لازم تطلعين…
شهقت وأنا مو قادرة أكبت حزني: لا… تودوني… البيت… أنا ما أبي… ما أبي…
مسك عمي يدي وقال: الخنساء… يا بنتي… شو صاير؟!
همست: عمي… أنا… ما أبي وليد… ما أبيه…
عبس عمي وهو يقول: أنا مو فاهم… شو فيك يا بنتي؟! صاير لك شيء مع وليد؟!
انتحبيت وأنا أسئله: أنت… أنت تعرف… أبوي… قال… وليد تزوج… خنساء؟! تعرف أبوي…
قال خنساء… غصب تزوجي وليد؟! تعرف؟! تعرف؟!
أرتجفت يد عمي وناظرني محتار يقول: أبوك غصبك تتزوجين وليد؟؟!
هزيت راسي بلا وقلت: مو… غصب… لا… لا… بس هو قال… وأنا ما أبي أبوي… يتعب…
أبوي كان… مريض… تعب… هو قال تزوجي… وليد… أنا قلت أيوه… كله… عشااان أبوي…
كله… بس… إلحين… أنا ما أبي… ما أبي وليد…
نزل عمي خالد راسه بين يديه وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله عليه العظيم… ليش أحمد كذب
علينا وقال إنه شاورك وكنتي موافقة؟!
بكيت وأنا أردد: أدري… هو كان… يريد… وليد… لي… هو يريد… أكون أنا… فرحانة…
((أدري كان هو يريد لي الأمان… يريد مني أعتمد على ظل وسند من بعده))
قال عمي بضعف: مثل ما كذب علينا المرة الماضية… كذب علينا إنك خرسا بالوراثة…
رفعت نظري لعمي ومسحت دمعتي وأنا أتذكر هالسالفة… أتذكر إني كنت أبي أسأل عمتي سؤال…
همست: عمي… ليش أبوي… كذب وقال لكم… أنا خرسا… وراثة؟!
قال عمي وهو يتنهد: أدري السبب إلحين… أدري فيه إلحين… لكن…
ناظرني وأنا احثه يكمل…
تردد وكمل: أمك السبب إلي خلت أخوها راشد يتعرف على سلمى… نشأة بينهم قصة حب غبية …
أنفكت علاقتهم لما تزوجت محمد… لكن رجعت هالعلاقة بسبب أمك وبدون دراية محمد… ما كانت
أمك تطلعك من البيت وما كنا نعرف إنه صابتك الحمى ومرضتي… إلي أعرفه إن أحمد جانا يقول
إنك خرسا بالوراثة ومالك علاج… إنك خرسا وراثة من أهل أمك… وقتها أنفكت علاقة سلمى
براشد بكل سهولة… كان راشد واعدها إذا تطلقت من محمد بيتزوجها… أختي سلمى تحب ذاتها…
وتخاف يصيبها أي شيء… ولما سمعت بهالمرض خافت إن راشد فيه هالجينات … وتركته وراح هو
لمصيره إلي ما نعرفه…
مسك عمي يدي وأنا دموعي تنزل: يا بنتي… أبوك كذب علشان أخته… علشان يبعد راشد عن
سلمى… وسلمى…
تنهد وهو يقول بكل حزن: كأنها ترفس هالنعمة برجولها…
ابتسمت بكل حزن وجرح وأنا أقول: لكن… كذب… على… حساب خنساء…
كذب على حسابي وخلاني عايشة فمعمة… مصيري بين أهلي مهزوز ومكسور… مصيري بين الحزن
والألم معروف…
همس عمي: يا بنتي وأنتي ما أعطيتينا فرصة نكذب أبوك من قبل…
دريت إنه يقصد كتماني لقدرتي على الكلام…
همست بحزن: هذا… أنا وددي… أنا ما أكلم أحد… من 7… 8 سنة… أنا ما أكلم أحد… هم
يقولون خنساء… خرسا… أحسن… من… خنساء مجنونة…
((أنا قررت مع جدي من قبل 7 و 8 سنوات إني ما أكلم أي أحد… كرهتهم وهم يقولون الخنساء
مجنونة… أحسن لي وأطيب يقولون الخنساء خرساء…))
تنهدت وأنا أردد: خنساء… يتيمة… وحيدة… أعرف… هو… وليد… شفق… أعرف…
(( أنا الخنساء اليتيمة والوحيدة… أدري إن وليد وافق يتزوجني علشان أبوي… أدري هو أشفق
علي… أدري))
مسح عمي على دموعي وهو يقول: لا يا بنتي… صح ولد عمك لكن هو ما أشفق عليك… حياتكم
من بعض الأيام إلي راحت كانت بلسم لأحزاني… شفت الراحة والسعادة تحاوطكم… فكيف تقولين
أشفق عليك؟!
هزيت راسي وأنا أردد: لا… لا… تحاول… هو… أشفق… أعرف… أعرف… وبس…
تكلم عمي وهو يهمس: لا حول ولا قوة إلا بالله… يا بنتي ما هو هذا القرار الصايب… وخاصة
هالوقت بينكم طفل…
نزلت دمعة وأنا اتذكر كلام أمي… وليد راح يرميني وياخذ الطفل لأحضانه… ياخذ ولدي من
أحضاني…
وقال عمي: فكري زين يا بنتي… فكري وخلي عنك هالكلام “الشفقة” إلي ما تودي ولا تجيب…
همست وأنا أهز راسي بلا: أنا… أريد… أروح… بيت ددي… أحسن… وليد… لا…
((أحسن لي أرجع لبيت جدي… أنا أريد أرجع للعامرات وأترك وليد))
تنهد عمي وهو يقول: أتركي عنك هالأفكار يا بنتي… وبيت جدك أنا شفت حاله… مستحيل تقدر
رجولك تطب أرضه وهو بحالته…
أنتحبت بين يدين عمي وهمست: عمي… أنا… وليد… ما أريده… أروح… أي مكان… بس…
وليد… لا… لا…
وسمعنا وقتها صوته جانا يخترق نحيبي: وأنا موافق…
موافق…!!
.
.
رفعت راسي من حضن عمي وأنا أناظر وليد… واقف عند الباب… كان لابس بنطلون جينز وقميص
أسود… كان واقف بطوله وهيبته… تذكرت بهاللحظات أول لقاء لي بوليد… أرتجف جسمي
وأقشعر وأنا أسمع موافقته… هذا إلي أبيه ليش أحس بقلبي أرتحل من مكانه؟! هذا إلي أبيه ليش
أحس إني مرضت لهالكلمة؟!
وقف عمي خالد وهو يقول: وليد… شو هالكلام؟!
أبتسم وليد لعمي وقال: هذا إلي تبيه هي… مو هذا إلي تبينه يالخنساء؟!
أرتجفت شفايفي… وتجرعت ريقي… لحظة وأنا أناظر وليد… أحس بقوته طغت عالمكان…
وبعدها هزيت راسي بأيوه…
قال عمي خالد: يا بنتي…
ناظرت وليد متجاهلة عمي: أيوه… طـ..طلقني…
صرح عمي خالد وهو يقول: الخنساء… وليد… شو هالكلام؟!
ناظر وليد أبوه ورد: أرجووك يا أبوي… هذا بيني وبين الخنساء…
ورجع يناظرني وهمست للمرة الثانية وبكل ضعف هالمرة: طـ..طلقـ..ني…
شفت شفايفه تتحرك يبي يتكلم… فحسيت بكل جسمي تخدر… تخدر وحسيت بالدوار…
تكلم وليد وهو يبتسم: الخنساء…
توقفت نبضات قلبي باللحظة إلي تكلم فيها…
صرخ عمي خالد وهو يمسك وليد من كتوفه: والله يا وليد… لا أنت ولدي ولا أعرفك إذا…
قاطعه وليد يقول بكل قوة: لا تحلف يا أبوي…
قال عمي معصب: وليد… إياني وإياك تذكر هالكلمة… الخنساء مو بوعيها… و…
قاطعه وليد يقول: بوعيها يا أبوي بوعيها… ومثل ما قالت لك إنها تزوجت بدون شورها…
جاتها فرصة تتحرر من هالزواج…
عمي خالد زاد صراخه: تزوجتها من قبل علشان عمك وما كنت أدري بكل هذا… مريتوا بأيام أدري
فيها كانت عصبية… بس شفت الفرحة والراحة ما بينكم… شفت الحب إلي أرتسم على وجوهكم…
ترمونه بالوقت الحالي بدون حتى ما تهتموا فيه… ومتى؟! لما صار بينكم طفل… طفل محتاج
لأبوه وأمه… شو غيرك يا وليد؟! شو؟!
همس وليد وهو يرص على أسنانه: الكثير يا أبوي… الكثير تغير… الكثير… حاولت قدر ما
أقدر أسير هالزواج واصلحه وما عاد فيني قدرة… شيء مو بيدي… وبالأخص هالثقة المنزوعة
المهزوزة بينا…
أهتزت شفايفي وأنا أسمع هالكلام… أكيد ثقته فيني منزوعه… أكيد…
ورجع يقول: وبالأخص كتمانها قدرتها على الكلام…
رفعت راسي وقلت بكل قوة: هذا… هو… قرار… خنساء… مو أحد…
ناظرني بكل غضب وقال: قرارك؟ قرارمثل هذا يتخبى عني؟! عن زوجك؟!
وناظر ابوه وهو يقول: وهذا أكبر… أكبر دليل… أكبر دليل يا أبوي…
أهتزت يدي وصرخت: أيوه… أيوه… طـ…طلقني… أنا ما أبي… ما أبيك…
جاني ومسك كتفي يهمس: ومن قال إني بطلقك؟! من قال؟!
أرتجفت بين يديه… وحسيت كأن ماي بارد أنساب بين عروقي يطفي نيران الخوف والقلق… ورغم
الراحة إلي حسيت فيها صرخت وأنا أضرب صدره…
وهمست: ليش؟! كل… هذا… ليش؟!
زاد ضغط على كتفي وقال يهمس: صدقيني… إنتي قيدك برقبتي… ما ينفك أو يتحلل إلا
بموتي… وإذا قلت إني بتركك… فبتركك تروحين لبيت عمي سيف مو أكثر… ورجوعك بيكون
متى أنا أقرره…
وتركني وطلع من المستشفى… طلع وتاركني أرتجف من فوق لتحت… أرتجف ودموعي تنزل
بألم… قرب عمي مني… وأرتميت بحضنه أبكي… أرتميت أبكي… وأشاهق…
همست بألم: يقول… يحبــ..ني… أعرف… يكرهـ..ني… كلهم… يضحكون… بابا… ماما…
وليد… كلهم… كلهم…
تكلم عمي بكل ضعف وتأثر: لا يا بنتي… لا…
تمسكت فيه وأنا أبكي: عمي… ولدي… لا… وليد… ياخذه… لا… لا…
همس عمي يقول: ما راح ياخذه يا بنتي… وين بياخذه؟! …
تنهد وهو يهدهدني: والله… مو عارف مكاني بينكم… مو عارف…
وسكنت بأحضانه أزيد بكاي… كل منا يبث همومه للثاني…


الثلاثاء…
10-6-2008…
الساعة 1 الظهر…
حمل عمي سيف شنطتي وناظرني يبتسم بحزن… حضني بدون كلمة وتميت بحضنه لحظات…
وأنسحبت منه أمشي بكل ضعف جنبه… أخذني بالأول أشوف ولدي… مشيت للزجاجة أمرر يدي وأنا
أبكي… تدهورت كل الأشياء يا طفلي… تدهور كل شيء يا حبيب ماما… تدهور كل شيء بسبب
غبائي… بسبب كبريائي… بسبب أفكاري… بسبب إني بديت مع أبوك بداية خطأ…
مسك عمي يدي وهو ياخذني لخارج المستشفى… دخلني السيارة وجلست جنبه… تأخر عمي وتميت
أنا اناظر من شباك السيارة لبوابة المستشفى… وفاجأني وجوده… وجود وليد واقف مع عمي
ويتكلم معاه… أرتجفت يدي وضميتها لصدري أوقف هالرجفات الجنونية… ناظرته يتكلم وهو
معصب مرة وحزين مرة وتعبان مرة… فجأة رفع أنظاره لي… ألتقت أعينا لحظات ولاحظت عينه
تشتعل نيرانها… لفيت بوجهي عنه وقلبي تزيد دقاته تسارع…
جاني عمي ودخل السيارة وهو متوتر: الخنساء حبيبتي…
مسك يدي وهمس: سمعت كلام ما عجبني من عمك خالد… كيف تقولين إننا نضحك عليك؟!
رفضت أناظره وهمست: لأني… أنا… خنساء… أعيش… بوهم…
ضغط عمي على يدي وقال بلهفة: لا… لا يالخنساء… أي وهم هذا إلي تتكلمي عنه؟! و…وليد…
وليد إلي…
قاطعته وأنا أبكي وأهمس: عمي… لا… تكلم… خلاص… أنا… تعبانة… تعبانة…
((أرجوووك يا عمي… أرجوووك لا تتكلم بهالموضوع… خلاص أنا تعبانة… تعبانة))
توقف عمي يناظرني لحظات وتنهد بحزن… مسح على دموعي وأبتسم بحزن…
وقال: خلاص… خلاص حبيبتي… ما يصير خاطرك إلا طيب… ما راح أتكلم بهالموضوع…
ورجع يسوق… كنا قريبين من بيت أبوي… ناظرت عمي شوي وهو شارد…
همست: عمي…
ناظرني شوي وقال: ها عمي…
رددت: أبي… بيت أبوي… أشو..فه…
ابتسم عمي بحزن ولف بدون لا يتكلم للفة بيت أبوي… وقفت قدام باب البيت أناظره… أبوي
وراح… وأخواني وراحواا… وليد وراح… والحب وراح… كلهم راحوا وتركوني… ما بقى لي إلا
ولدي… ما بقى لي إلا طفلي…
حسيت بعمي يهز كتفي ويقومني من شرودي… ناظرت عمي ودموعي توقف على رموشي… تنهدت
ومشيت مع عمي للسيارة…
.
.
نزلت الملعقة بصوت أنسمع… ناظروني محتارين وأنا أوقف…
قالت هدى: الخنساء حبيبتي ما أكلتي حاجه…
أشرت: الحمد لله شبعت…
قال جلند بحزن: باين من صحنك ما مسيتي حاجه…
أهلي كلهم باين الحزن والضيق عليهم… جلند وطلال ولجين وإلي يحاولون يرجعون البسمة لنا…
جلند بما إنه عايش بشقة مع عزابية إلا إنه ياكل فبيت أخته… وجوده ونظراته إلي شفتها بداية
لقانا رجعت من جديد… رجعت مع كمية حزن كبيرة…
أشرت: مو مشتهية… بطلع أريح…
وتركتهم… تركت السوالف والجمعه… تركت الضحك والفرحة… وحبست نفسي بغرفتي… أتوحد
مع نفسي… وأفكر بكل إلي قلته لوليد… تروح وتجيني الأفكار وبالنهاية… بالنهاية تنصب
فكرة وحدة ببالي… إني غبية لما ركضت ورا كبريائي… بهالطريقة أعيد مأساة وليد مع
الكبرياء… لكن… رغم كذا… تحرر وليد مني… يقدر إلحين يعيش بدون همي… بدون
أحزاني… بدون مشاكلي… بدوني… بدوني…


السبت…
21-6-2008…
كنت بوقت العصر جايه أزور ولدي… فتحت باب الحضانة وأنا مشتاقة لطفلي… صح زرته أمس
وأزوره كل يوم… يتناوبون عمامي وهدى ويجيبوني للمستشفى أشوف ولدي… إلا إني أشتاق له
كل ثانية وكل لحظة…
صدمني وجود شخص واقف بلبس العمل ويناظر للطفل… أرتجفت يدي… ما شفت وليد من يوم
عشت مع عمي سيف… أسبوعين… أسبوعين مروا كأنهم دهور… غمضت عيني ولفيت طالعة…
طلعت من الجناح وخرجت للشباك… وقفت أسكن دقات قلبي الجنونية… وأبث همومي بوحدتي… ما
ودي يشوفني… ما ودي نترجم العتب بعيونا… ما ودي نبث العصبية والأحزان…
سمعت صوت من وراي فاجأني: الخنساء…
لفيت بسرعة وشفت وليد واقف ويده مكتفه… تسارعت دقات قلبي كأني بسباق…
وأشرت: شو؟!
همس وهو يناظر لبعيد: أوراق ولدنا بالشنطة… شو تبين تسميه؟!
ابتسمت بكل جرح وأشرت: مو تقول تبي تسميه خالد؟!
حط عينه بعيني وقال: صحيح… بس ذاك كان أول…
أبتسم بكل شر وردد: أول لما كنا نضحك على نفسنا ونلعب لعبة الحب والسعادة… لعبة الراحة
الكاذبة…
أندمى قلبي بكلامه ورددت: قـ..قصدك… تضحك… أنت… مو… أنا…
قرب وقال: لا… مو أنا إلي كان يلعب هاللعبة… إذا ممكن تسميني كنت أنا اللعبة وأنتي إلي تلعبي
فيني…
شهقت وأشرت بألم: إلا هالكلام… إلا هالكلام يا وليد… تذكر شفت الويل منك… شفت الألم
والعذاب قدام عيوني… وبالنهاية سامحتك… سامحتك وبدينا من جديد… بدينا على أسس
غلط… ولما بدينا نبني أنهدم هالأساس… أنهدم… وأنت… أنت من هدمه…
ضحك وليد بقهر وقال: أنا؟! أنا هدمته؟؟!
أشرت بكل قهر: أيوه أنت… أنت… أنت وشفقتك إلي كرهتها… وأكرهك بسببها…
وجيت بطلع عنه… إلا إنه مسكني ولزقني بالجدار…
همس يضغط على زندي: بحياتي كلها ما شفت إنسانة معدومة الثقة بنفسها بالبداية وبغيرها
بالنهاية…
همست أردد بثقل: أتركـ..ني… ما أبي… أشو..فك… ما أبيك…
مرر وليد يده على خدي وهمس: مو إنتي إلي تقولين لي ما أبيك… أنا إلي أقول هالكلمة… أنا
يالخنساء وتذكري هالكلام…
رددت بألم وعيني بعينه: أعرف… أنت… تعيد… تعيد… مثل أول… كنت بس… تضحك…
وتضحك…
تركني وأشرت: أعرف كلامك… أفعالك ما كانت إلا كلها تضحك فيها علي… تضحك على خرسا…
مالها أب… مالها أحد… مالها أهل… وإلحين… إلحين بان لي كثر ضحكك علي… حركاتك
هذي… عصبيتك هي إعادة لكل حركه كانت لي سبب بمعرفتك… سبب بكرهي لإنسان غصبت عليه…
ما حسيت إلا ويده تنطبع على كتوفي… يضغط عليها بكل قوة…
همست بألم وكل جروحي تنفتح وتندمي… أكذب وأكذب بحروفي: أكرهك… أكرهك… أكرهك…
قيدك أبوي فيني… وأنت معتبرني وصية وحمل على كتفك… معتبرني مجرد مسؤولية لازم توليها
أهتمامك وشفقتك… توليها شفقتك… شفقتك… نزلت راسي ودمعت عيني…
أنسحب وتركني بدون كلمة… بعد وأنا اسمع خطواته تبتعد… صوت صدى خطواته تطبع بأذني
وداعنا… وداع الحب إلي أفتقد طيلة الأيام الماضية للثقة وإلي تزعزعت بكل سهولة…
.
.
مشيت بكل ثقل لجناح الحضانة… ناظرت المكان خالي من وليد… دخلت وجلست اناظر طفلي…
أناظر الطفل وانا أفكر إني غلط أكبر غلطة…إني عدت مأساتي الطفولية… عدتها فولدي.. .
والسبب هي أنا… انا…
همست أمرر يدي: ليتني… أقدر… أرجع… لورا…
فجأة سمعت صوت مو غريب وراي… لفت بسرعة وناظرت إنسان يمكن هو آخر شخص ممكن
أشوفه… آخر إنسانه أشوفه وبالأخص بهالمكان…
تقرب فيصل زوج أمي مني وسلم علي: الخنساء… كيف حالك؟! الحمدلله على سلامتك وسلامة
ولدك…
ابتسمت وأنا أمسح دموعي وأقول بصوت هامس مبحوح: بـ..بخير…
ناظرني مستغرب قدرتي على الكلام… لكنه ما علق وبانت فرحة على شفقة على عيونه…
قلت: غـ…غريب… أنت جاي… هنا؟!
ناظر الطفل وقال بتردد: مو غريب يا بنتي… أنا سمعت من أمك إنك ولدتي… ما شاء الله… الله
يحفظه لك…
همست: كيف… ماما… عرفت… أنا ولدت؟!
قال فيصل يبتسم بحزن: مدري عنها… آسف يا بنتي… أعذري أمك وتقلباتها… رفضت تعودك
وتزور الولد…
أهتز كتفي بألم وقلت: هي… عافت… الخنساء… من وهي… طفلة… وولدي… ما هو…
شيء… لها…
طفلي ما يعتبر شيء بالنسبة لها… مثل ما هي ما تعتبرني شيء بالنسبة لها… ومثل ما أنا ما
اعتبر لها شيء بحياتي…
ولما كان بيطلع قال: يلااا أنا بطلع… تامريني على شيء؟!
همست: لا … شـ..شـكراً… بس… لما… كيف لما؟! سلم… على لما…
ناظرني يبتسم ويده تمسح على يدي بكل حنان: بخير… الله يسلمك يا بنتي… واصل بإذن الله…
وطلع ومازلت أنا مستغربة لوجوده وزيارته… رجعت أناظر ولدي… خالد… وأنا ما زلت أفكر
إنا إذا أنتظرنا من أقاربنا يعودونا يفاجأونا إنهم يجرحونا ببعدهم… والعجيب إن الغرباء
يصيرون لنا طبيب بقربهم منا…


الأحد…
13-7-2008…
مسكت ولدي بين يدي بكل فرحة… اليوم هو يوم طلوعه من المستشفى… مشيت ورا عمي سيف
وأنا أبتسم بفرحة…
جلست بالسيارة أقول لعمي: شـ… شكراً عمي…
ابتسم لي يقول: وليش هالشكر؟!
رددت: أنت… هدى… تعبتوا… عشاني….
قال عمي يبتسم بكل حب: تعبك يا الخنساء راحة… جدتك وعمك خالد ينتظرونا بالبيت…
ضميت خالد لحضني وأنا أنزل من السيارة… ومشيت للصالة… أستقبلني عمي خالد عند الباب…
أخذ خالد حفيده بين يديه وباس راسي…
وهو يقول: الله يحفظه لك يابنتي… يتربى بعزك…
رديت بحب: آ..آمين…
جلست جنب جدتي وأنا أسمعها تعاتبني: يا بنتي… متى ناويه ترجعين لبيتك وزوجك؟! البيت مو
مثل عادته… مكتوم وهادي وما في من يونس وحدتنا أنا وعمك… وليد بحاله… ما يرجع إلا
عالمغرب ويطلع بعد العشاء ما يرجع إلا عالفجر… يا بنتي رأفي لحالك وحال زوجك وحال
ولدك وأرجعي لبيتك… خلي عنك هالعناد…
أبتسمت بألم… كل مرة جدتي تزورني تعيد لي نفس الكلام… أعطاني عمي خالد ولدي وناظرني
وهو يبي يتكلم…
قال: أيوه يا بنتي… والله البيت من دونك موحش وغريب…
ووافقه عمي سيف: الخنساء حبيبتي ما يصير كذا معلقة… حاولي بس تفهمي الوضع بدون كلمة
شفقة هذي…
هزيت راسي بألم ووقتها سمعنا صوت جرس البيت… وقفت هدى وفتحت الباب لجلند وطلال
ولجين… كانت لجين لاصقه بأخوها… ولما شافتني جات تبوس الطفل وتاخذه مني بدون ما تسلم
علي…
قلت لها ابتسم: سـ..سلمي… مو تشـ..تشوفين ولدي… وتنسي خنساء…
ضحكت لجين وهي تلاعب خالد: هههه… لا حبيبتي صرتي موضه قديمة… هذا الجديد… ما شاء
الله… فديت والله هالحلوو…
جا طلال ينرفزها علشان ياخذ خالد بعد ما سلم علي… ناظرت جلند وهو يسلم علي… وكانت
نظراته هالمرة فيها شيء من العتب… أستغربت بس ما أهتميت… جلس على الكرسي قدامي…
وبدا يقول بصوت هادي: الخنساء…
ناظرناه كلنا لأن صوته جا قوي… وكمل: الخنساء متى ناوية ترجعين لبيتك؟!
رفعت نظري له وأستغربت جرأته… إنه يتكلم معاي بهالشكل…
أشرت: وليش هالكلام؟!
ناظرني بغموض وقال: وليد… ما قد فكرتي فيه؟! ما يهمك إنك تركتيه بدون رحمة؟!
أشرت: هذا هو إلي يبيه…
قال: وأنتي متأكدة من هالشيء؟! متأكدة إنه تزوجك بس علشان أشفق عليك؟!
خذيت خالد ولدي بين يدي بدون شعور وتميت ساكته فترة…
ورجع يقول: إسألي عمي خالد… إسألي جدتي… إسأليهم عن حال وليد وبيخبروك…
أختار خالد بهالحظة يبكي… وقفت ودفنت خالد لحضني وتراجعت لوراي…
ورددت ودمعة تنزل: هو… لو… يبي خنساء… كان جا… من زمان…
ولفيت عنهم طالعة… يكفي هالكلام إلي سمعته… يكفي… يكفي…
*


الثلاثاء…
15-7-2008…
رفضت أروح لعمتي فبيتها… على قولتها مسوية عزيمة علشان طلال حصل وظيفة من قبل ثلاث
أشهر… وكانت بتسوي عزيمة من قبل بس… على حد قولها أنا نكد عليهم… خربت عليهم
الفرحة…
تنهدت وأنا أجلس عالكنبة وأفتح التلفزيون وخالد بحضني نايم… عمي سيف كان رافض يتركني
أنا وخالد الصغير بالبيت لوحدنا مع الشغالة… بس أنا أصريت… أصريت يروحون وينسوا
أحزاني… وينسوني فترة… سمعت صوت الشغالة من وراي… انتفظت وأنا أناظرها لأنها
فزعتني…
قالت لي: ماما… خلاص أنا شغل… تبي أجلس مع بيبي…
أبتسمت لها وأنا أقول: أيوه… خذي خالد… أنا أسوي… حليب…
أخذت خالد وهي تهدهده بأغنية غريبة… ناظرت الساعة وكانت على 9 الليل… وصلت للمطبخ
وحطيت الماي بالنار علشان يغلي… ووقفت عند باب المطبخ لأن كانت لي رغبة أطلع للحوش…
مشيت لباب المطبخ الخارجي وطلعت للحوش وأنا مو حاسه… وقفت أتنفس بعمق… مشيت للمرجوحة
وجلست عليها وأنا أناظر السماء…
..
{{… إش فايدة نبكي على شي قد راح
وإحنا قتلنا الحب من دون رحمة
المشكلة جيتك وبي حب يجتاح
جيتك طفل محتاج من الوقت ضمه
جيتك وله وأشواق والشوق فضاااح
رد الصدى ياصاحبي صاحبك راااااااااااح!
ومن يومها كل الفرح صار صدمة…
صار صدمه…!! }}
..
أدمعت عيني وأنا أفكر بوليد… أشتقت له… أشتقت لضحكته… لحنانه… لوجوده… لكلامه…
لهمسه… أشتقت له… ما كنت أكذب لما قلتها إني أحبك… ما كنت صادقة لما قلتها إني كرهتك…
إنت بخفوقي تسكن… بقلبي إنطبعت… بشفايفي حروف أسمك ترددت…
قالوا لي سافر… سافر علشان عمل… وتركني هنا بدون حتى ما يسأل عني أو حتى يسأل عن
خالد ولده… وهذا أكبر دليل على إنه رماني…
تنهدت بألم وأنا أتمنى الأيام ترجع لورا… دفنت راسي بيدي وأنا أنتحب… أقدر أكسر هالكبرياء
العنيدة وأرجع لوليد… أقدر أمحي هالحزن بلحظة وأرجع لوليد… بس هو… هو بين لي شو كثر
أنا كنت كذابة ألعب عليه… والله… والله ما كذبت عليه… ما كذبت بأي لحظة عليه… آآآآآه…
ليت… ليت الزمن يرجع لورا…
تؤ… تؤ… تؤ… شو يبكيك يختي؟!
انتفظت ووقفت أرتجف… ناظرت لوراي بالظلمة وأنا أشوف نشوى واقفة وجنبها شخص مو غريب
أبداً… وهالشخص ما كان إلا إلي شفته فبيت أبوي يحاول يشتريه…
رددت وأنا أرجع لوراي: أنتي… شو… تسوي هنا؟! وهذا…؟!
أشرت على الرجال…
ضحكت نشوى بميوعه وقالت: أمممم حبيبتي الخنساء… لما سوينا العزومة قلت بتجين… بس ما
جيتي وخيبتي آمال… آمال أمي وآمال عمر…
وبعدها سألت بكل حقد: كيف البيبي؟! يشبهه؟ يشبه حبيبي وليد؟!
ما أهتميت لكلامها… وناظرتها بخوف ورجعت أناظر الرجال جنبها… هذا إلانسان مو غريب
عني… مو غريب أبداً… أرتجفت يدي ورجعت لوراي… وركضت أهرب… ركضت أهرب لأني حسيت
إن شيء بيصير… بيصير لي من ورا هالإنسان…
سمعت صوت ضحكاتها تتبعني وتلكز ظهري…
صوتها يصرخ: روح… روح وألحقها… روح وألحق هالغبية… وطفي نار الإنتقام إلي فيك…
وفجأة صرخت وأنا أحس بقبضة يد تكتفني… حاولت أنزع قيد يده من يدي وأنا أصارخ… حاولت
أخمشه وأنا أصارخ… حاولت وحاولت… وبالنهاية تلقيت ضربتين على خدي تسكتني…
ليش؟! ليش ما يصير لي إلا هالأشياء؟! ليش؟! ليش الناس تكرهني… تجرحني… تألمني… وأنا
ما عملت لهم أي حاجة… ليش… ليش… ليش؟!!
أرتخت يدي بين يديه وهو يهمس… بصوت كان الشر نفسه…
قال بحقد: تذكرين؟!
أرتجفت وهو يكمل ويضغط علي بقوة: تذكرين راشد؟! تذكرين حمد؟! حمادة؟!
سكنت وأنا أتذكر… حمادة؟!… هذا الرجال… هذا…
وكمل هو بأحقد يكبر ويكبر: أخوه… أخوه إلي رميتيه بالسجن…
ومرر يده على يدي وأنتفظت وهو يقول: تتبعت كل معلومة عنك… تتبعت مكان سكنك…
وبالنهاية وصلت لبيت أبوك… وللأسف ما كنتي موجودة… وبالصدفة شفتك يومها فبيت أبوك…
عرفت إنك إنتي المقصودة لأنك خرسا ومثل ما وصفك حمد بالضبط…
لفني ومسك يدي يضغط علي…
وبكل حرة بصقت بوجه وصرخت: شو… تبي مني؟!
صفعني مرتين من كل خد وهو يصرخ بهمس: وسسسسس… يالحقيرة… يا بنت…
وكمم فمي وجرني… حاولت أصرخ بنشوى… حاولت وحاولت… هل في إنسانة بهالشكل حقيرة؟!
تبيعني لإنسان أحقر منها؟!
رجعت تلويت بين يديه وآلمني لما لزقني عالجدار… نزلت دموعي بكل بطء… كل دمعه تحكي
معاناة… كل دمعة تصرخ بوجع… كل دمعة تنادي وليد…
والغريب… سكون ما شابه إلا أنيني… مرتين أنحط بهالموقف وما ألاقي حامي… مرتين أكون
قريبه من الضياع والموت… مرتين وشكلها مالها ثالث…
غمضت عيوني ويده تمتد لذقني… غمضت عيوني بلحظة ضعف… وصورتين مروا قدامي… ولدي
خالد… ووليد…
أبعد أيدك عنها يالكلب…
.
.
ناظرت قدامي أحاول أخترق الظلام… مثل ما أحاول أخترق جدار الأحزان… وشفت المنظر
قدامي… عمي خالد ماسك نشوى إلي كانت تبكي عند رجوله… وعرفت من الكدمات على خدودها
إنه ضاربها…
وبس هي لحظات وأحس بالقيد أنفك… بس هي لحظات وأشوف صراع قايم قدام عيوني… صراع
عنيف… ضرب… رفس… سب… دم…
صرخ عمي خالد: الخنساء روحي… روحي وأتصلي عالشرطة…
وقفت جامدة وما حسيت إلا وأنا أركض وأدخل للبيت… ركضت للصالة وشفت الشغالة نايمة وبحضنها
خالد يبكي… أخذت خالد وقومت الشغالة…
قلت بصرخة: حرامي… حرامي… روحي… موبايل… يلااا…
أنتفظت الشغالة وما حسيتها إلا وهي طايرة تجيب التلفون وتتخبى وراي… كانت تصارخ
بهستيرية…
مسكت الموبايل وأنا ما أدري كيف بتكلم مع الشرطة… أرتجفت يدي وطاح الموبايل… ورجعت
أخذه وقررت أتصل على عمي سيف… الصدمة ما خلت فيني ذرة تعقل وتمسك بالشجاعة…
تكلمت أول ما إنشال الخط وأنا ألهث بخوف: حرامي… عمي خالد… حرامي…
وفجأة وأنا أسمع صوت صرخة جات من برا… وبدون ما أحس رميت الموبايل وركضت للمطبخ
وبعدها للحوش… وقفت أشوف عمي خالد يوقف والدم ينزف من أنفه… وعمر واقف يركض لاف
للحوش الأمامي…
قال عمي خالد يصرخ بكل وجع: والله… والله إني مو مخلنك (تاركك)… مو مخلنك يالنذل…
وجرى وراه… مسكت فيه وأنا اتبعه…
صرخت بخوف وأنا أحاول أعلي صوتي على صوت بكى خالد: عمي… عمي… لا… لا…
شو يبيله؟! كفايه… خله يروح… خله يولي…
هز عمي راسه وهو يجري وراه وأنا أتبعه: لا… والله مو مخلنه… مو مخلنه… بقطع يده إلي
أنمدت عليك… بقطعها…
وصلنا لباب الحوش وأنا أبكي مع ولدي خالد… كنت حافية وأنا أمشي ورا عمي… شفنا عمر وصل
لسيارته…إلي كانت على جنب البيت… وقبل لا يدخلها مسكه عمي خالد… وطاح فيه للمرة
الثانية ضرب… ورمى عمر عمي وهو يصارخ للأرض… وفتح الباب ودخل السيارة… مسكت عمي
وأنا أتشبث بولدي…
بكيت: بس… بس عمي… خله…
حاولت أوقفه لما أنطلقت السيارة… مسكت عمي وأنا أبكي وأحاول أوقف الدم إلي يسيل من أنفه…
عيونه كانت مورمة وتندمي… مديت يدي أمسح الدم…
كنا بوقفتنا ذيك وإحنا ما نحس بالسيارة إلي رجعت… بالسيارة إلي تمشي بدون أضواء…
بالسيارة إلي قربت منا شعرات…
صرخة عمي خالد طغت عالمكان وهو يحضني… صرخة أختلطت ببكى طفلي وهو يتلوى بين يدي…
صرخة أختلطت بهيماني… صرخة إختلطت بدموعي… صرخة إختلطت بصراخي أنا…
.
.
إنتهى كل شيء… كل شيء فجأة…
عمي المرتمي عالأرض والدم يسيل منه… طفلي إلي طاح من بين يدي وأرتمى عالأرض… طفلي
إلي سكن… وتوقف بكاه… طفلي إلي مات فيه الروح…
رغم كل جروحي… حبيت والدم يسيل مني… أطبع بدماي عالأرض… بدون دموع… بدون
صراخ… حبيت لطفلي… وبست العيون إلي نامت… نامت نوم أبدي… بست الأنف… الخد…
الجبين… الراس… العنق… الصدر… اليد الصغيرة… البطن… الرجل…
شلته بين يدي بكل حذر… وتربعت وهو بحضني… شميت ريحته… وإلي إختلطت بريحة الدم…
وبكل رجفة مررت يدي على راسه ووجهه… أمسحها بكل لطف… أخاف يقوم يبكي ويصارخ …
قلت أحاكيه علشان يقوم: حـ..بيبي… حبيب… ماما… بس نوم…
ولما ما جاوبني… همست بحلاوة: بس نوم… ماما… تبي… تشوف عيـ..يونك… حلوة…
ورجعت أهمس للمرة الثالثة: ماما… ما تبكي… بس نوم… حا… حاكي ماما… يلااا حبـ..بيب
ماااما…
أرتجفت شفايفي لما ما سمعت أي همس منه… نزلت دمعه يتيمة لخدي… تاخذ مجرى على خدي…
وأنا ما أشوف أي حركة بهالجسد إلي ساكن بحضني…
هزيته عالخفيف ورجفة شفايفي ما توقفت: خالد… حـ..بــ..يـ..بـ…ـي… قـ..قوووم يلااا…
يـ.. يـلاااا…
وبلحظة بس…
دمعت…
انتحبت…
شاهقت…
بكيت…
أنتفظت…
وصرخت… : لا…لا…لا…لاااااا… لااااااا… لااااااااااااا… لاااااااااااااااااااااااااااااااااااا….
صرخة هزتني… وهزت كل نبض فيني… هزت جدرا الصمت… السكون… هزت حالتي… وأنتهيت
من الصدمة للألم… للوعة والدموع… وفهمت وقتها ليش هو ما يسمعني… فهمت ليش ما
يتحرك… ينبض… يتنفس… يفتح عيونه… فهمت… فهمت وقتها إنه… تركني وراح…
تركني وراح…
راح..!!!
{{… ودي أبكي لين ما يبقى دموع
ودي أشكي لين ما يبقى كلام
من جروح صارت بقلبي تلوع
ومن هموم أحرمت عيني المنام
أنطفت في دنيتي كل الشموع
والهنا ما يوم في دنياي دام …
…ما يوم في دنياي دام}}
“أكيد مـ..نـ..قـ..ول”
.
.
error: