رواية إمبراطورية الملائكة بقلم/ياسمين عادل
<< إمبراطورية الملائكة >>
- الفـصل السـابع :-
صباحًا رائعًا بالنسبة له عقب ما حدث بالأمس من قرار جدهِ بمقابلة حبيبتهُ “رفيف”.. كان بمثابة إنتصار أوليّ منه..
أغلق” رائد” خزانتهُ الحديثة، ثم وقف عن جلسته والتفت حول المكتب.. سحب هاتفه عن سطحه وابتسم أثناء نظرهُ للشاشة، ثم وضعه على أذنيه وانتظر صوتها.. ليقول بنبرة هادئة :
– صباح بريحة الياسمين
استند على سطح المكتب، جلس على طرفه وقال :
– كويس الحمد لله، خلاص زي مااتفقنا هاجي أخدك بكرة.. ومش لازم تفتحي المحل
صمت ثواني وقال :
– عايزك تكوني أجمل بنوتة في الدنيا
تقتحم الباب فجأة بدون استئذان ومن خلفها “أميرة” توبخها :
– قولتلك يامروة مستر رائد مش فاضي، ميصحش تدخلي كدا
تجهم وجه “رائد” وهو يعتدل في وقفته.. وقال :
– طب هقفل دلوقتي ونتكلم بعدين
يغلق المكالمة ويلقي بهاتفهِ على المكتب.. تتغير ملامحه للحدة وينطلق الغيظ من بين عينيه إنطلاقًا وهو يقترب من محلهن صائحًا في “مروة” بإنفعال شديد :
– انتي إزاي تدخلي هنا بالشكل دا؟ انتي اتجننتي
ذمت “مروة” شفتيها بحرج، وزاد معدل تنفسها نتيجة التوتر المسيطر عليها، ثم تقول بصوت ضعيف :
– في حاجة مهمة لازم ابلغ حضرتك بيها
فقاطعتها “أميرة” وهي تبرر لنفسها :
– بعتذر يافندم ، هي دخلت فجأة ملحقتش امنعها
يشير “رائد” برأسهِ كي تخرج “أميرة” :
– أطلعي انتي برا
تنسحب “أميرة” بهدوء وحذر شديدين، وما أن تغلق الباب خلفها.. حتى يقبض “رائد” على رسغ “مروة”، يسحبها بعنف للداخل وهي تأن بخفوت.. ثم يقف وهي أمامه ليردد بصوت محتدم رافقهُ نظرات مقيتة :
– أول وآخر مرة هسمحلك تتعدي حدودك، انتي فاهمة؟
أومأت رأسها بتخوف وهي تطالع نظراتهُ الغير مبشرة، ثم قالت من بين ارتجافة شفتيها :
– ليه بتعاملني كدا يارائد
انا………
فقاطعها مجددًا وهو يشير بسبابتهِ محذرًا إياها :
– مــستر رائد يامروة، متهيألي سمعتيني
ثم ابتعد لتسير هي من خلفه وهي تقول بنبرة حزينة :
– وهو دا اللي عايزاك فيه، انت مبقتش تحبني؟
توقف فجأة، التفت إليها.. حدجها بنظرات مبهمة غير مفهومة، قبل أن ينطق متعجبًا :
– أنا قولتلك إن أنا بحبك؟
نظرت إليه بترقب، ولم يسعفها عقلها للتفكير قليلًا قبل أن ترد بلا إرادية :
– لأ، بس آ……
لم يمهلها فرصة الحديث، حيث قال :
– وطالما هو لأ، إزاي جاية تسأليني؟.. أنا عمري ما حبيتك
اتسعت عيناها فجأة، لمعت عيناها لمعة باكية.. وهي تحاول أن تقول :
– إزاي؟ طب و…. و كلامك ليا؟.. وأفعالك وقربك مني و……
انتقل بخطاه يجلس على مقعد مكتبه المتحرك وهو يقول :
– يومين وراحوا لحالهم، ياريت تقبلي الواقع ومتتأمليش أكتر من كدا
سحب علبة سجائرهُ المستوردة.. التقط إحداهم وأشعلها بقداحتهُ، نفث فيها مرة وزفر الدخان دفعة واحدة.. وما زالت عيناها المصدومتين عالقتين به، حتى استطرد هو :
– أنسي أي حاجة حصلت، أنا مش الراجل اللي ممكن يتجوزك ويبنيلك بيت، أظن كدا فهمتي كلامي
وقعت عبرة دون وعي منها من بين جفونها، وهي تقول غير مصدقة :
– يعني كل دا كذب؟.. كل اللي حصل؟، دا انا آ… دا انا كنت مستعدة أديك روحي لو طلبتها
تطاير الدخان من فمه، ثم ردد بعد ذلك :
– ابقي عدي على قسم الموارد البشرية، هيبلغوكي بوظيفتك الجديدة هنا في الشركة
وقف عن جلسته و :
– تقدري تخرجي دلوقتي، انتي أجازة النهاردة
لم تستطع الوقوف هنا ثانية أخرى، انسحبت بعجلة فرارًا من هذه الغرفة التي لطالما شهدت لحظاتها المميزة معه.. عندما كان يغدق عليها بوهج مشاعره وقد صدقتها تصديقًا لا يقبل الشك، ثمة شرخ بقلبها وقد انسكر توًا، طيلة الأيام الغابرة تخلق له الحجج والأعذار، ولكن الآن قد تيقنت صدق شكوكها.. لقد كان يراها إحدى نزواته، وهي كانت گالقطة الوديعة بين أسواره، خاضعة لمشاعرها الجياشة.. فهو حُبها الأول، أول رجل تتزعزع مشاعرها نحوه ويتعلق به وجدانها، لقد حلمت كثيًرا بالمنزل الذي سيأويها تحت كنفهِ.. أنكسر كل شئ، سارت في ممرات الشركة حتى وصلت للباب الخارجي وهي في غفلة مما يدور حولها من تلامذ عنها وعن علاقتها بالمدير الوسيم الذي تركها كغيرها من الكثيرات وهي لا تدري، في أي أثم قد وقعت ليكون هذا قدرها معهُ..
ذبلت عيونها، وقد امتلئت بكثير من دموع القهر والظلم والإنكسار، ومضت طريقها غير شاعرة حتى بماهية المكان والزمان، فقد ضاعت منها روحها.
_ في مكتب “رائد”
يرفع سماعة الهاتف، يطلب رقمًا، ثم يتحدث برسمية :
– أديني قسم الموارد البشرية
ينتظر لحظات وهو يحدق في سيجارتهُ المشتعلة، ثم يعود ليقول :
– أيوة، أنقل مروة من قسم العلاقات العامة لقسم مبيعات خارجية، عايز ٨٠ % من شغلها يكون برا الشركة.. ومتنساس تحط ١٠ % زيادة على مرتبها، ولو رفضت وظيفتها الجديدة صفي حسابها وسلمها مكافئة نهاية الخدمة
ثم أغلق الهاتف، عاد بظهره للخلف يستند على ظهر المقعد.. ثم همس وهو يطبق جفونه :
– كدا كل حاجة خلصت
فتح كلمة السر الخاصة بهاتفه، لتظهر صورتها في الواجهة.. ابتسم وينظر إليها بحُب، ثم همس :
– كل دا عشانك، ولسه.. مستعد أعمل أي حاجة في الدنيا بس تكوني مبسوطة
تختفي الصورة فجأة وتنبثق شاشة إتصال هاتفي من والدته.. يعقد حاجبيه بإنزعاج، ثم يجيب :
– ألـو
يصمت قليلًا :
– لأ لسه بكرة ياماما، انتي أول واحدة هتشوفيها.. هطلعها عندك قبل ما جدي يشوفها
ابتسم وعاد يقول :
– هتحبيها متقلقيش ، كفاية إن فيها شبه منك وعينها صورة طبق الأصل من عينك، هانت كلها كام ساعة ياماما
……………………………………………………………
استيقطت بحيوية شديدة، تتفتح الأزهار من وجهها الأبيض المشرق.. نظرت للنافذة الصغيرة التي ينبعث منها ضوء الشمس، وقد انبعجت شفتيها بإبتسامة زاهية عريضة.. أبعدت عنها الغطاء، نهضت نحو الخارج وقد صحبت منشفتها الصغيرة لتجد “ندى” تتناول الإفطار إستعدادًا للذهاب إلى الجامعة، وما أن وقعت عيونها على “رفيف” حتى نهضت بسرعة إليها لتهمس بالقرب من أذنها :
– يلا بسرعة يافيفي عشان تلحقي تلبسي
فـ ابتهجت “رفيف” وهي تنتقل للمرحاض، بينما اقتربت “دريّة” لتضع أكواب الشاي على المائدة الصغيرة وهي تتحدث بشدة :
– بتتوسوسي معاها في إيه؟
نظرت “ندى” للقيمات التي بين يديها وقالت قبل أن تلتهم إحداهن :
– ولا حاجة ياماما
نظرت إليها “دريّة” بعدم اقتناع، ثم جلست ترتشف من كوبها.. بينما نهضت “ندى” لتجلس بالداخل، دقائق ودخلت إليها “رفيف” وهي تمسح وجهها، فجذبتها “ندى” لوسط الغرفة وهي تقول :
– تعالي قوليلي هتلبسي إيه؟
انتقلت “رفيف” نحو الخزانة الصغيرة التي تمتلك منها جانب.. فتحتهُ وأخرجت فستان ربيعي رقيق للغاية، ذا لون واحد فقط.. أرجواني، وحذاء مكشوف أبيض اللون ذات شريطتين تلتف حول أول الساق، نظرت له “ندى” بعدم رضا، ثم قضمت شفتيها وقالت :
– هو مش وحش، بس رائد شافك بيه كتير.. ولازم تلبسي حاجة أشيك عشان جده كمان
نظرت “رفيف” للثوب الذي انتقته ورددت :
– بس دا أحلى حاجة عندي، مفيش لبس أحلى منه
مضت “ندى” نحو الخزانة، فتحت ضلفتها وأخرجت حقيبة بلاستيكية، ثم أخرجت منها تنورة غير واسعة وكنزة من اللون الأزرق.. ومعها عقد رقيق، ناولتها إياهم وقالت :
– خدي البسي الطقم دا
ارتفع حاجبي “رفيف” بشدوه ، ورفضت قبوله و :
– لأ الطقم دا جديد وانتي لسه ملبستيهوش ولا مرة
فـ ألحت عليها “ندى” وأصرت :
– فيها إيه يعني مااحنا اخوات، وانا ياما لبست من لبسك.. لو مخدتيش الطقم دا والله هزعل، دا هيبقى حلو أوي أوي عليكي
تبادلت نظرات “رفيف” على ثوبها وثوب “ندى”، تتردد هل تقبل عرض إبنة عمها الغالية، أم ترتدي الفستان خاصتها؟.
……………………………………………………………
ألقت “دريّة” الملعقة المتسخة بداخل حوض الأطباق وهي تذفر بضيق :
– وبعدين بقى في المواعين اللي مش بتخلص دي! والهانم عاملة نفسها صاحبة محل وتخرج من طلعة النهار لحد بالليل وترجع تلاقي الخدامين مروقين الشقة ومخلصين الطبيخ وغاسلين المواعين كمان، انا ميعجبنيش الحال المايل دا!
خرجت من المطبخ وهي تجفف يديها بالمنشفة الصغيرة.. وما زالت تغمغم بضيق شديد، لترى “رفيف” تخرج بصحبة ابنتها وهي ترتدي هذا اللباس الجديد، حملقت عيناها بذهول وهي تقول بشكل فظ :
– إيه دا؟ الطقم دا بتاع ندى وهي لسه ملبستهوش ولا مرة، إزاي تلبسيه؟
تحرجت “رفيف” وتمنّت لو أن الأرضية تنشق لتبتلعها.. في حين تدخلت “ندى” وقد أزعجتها طريقة والدتها التي لا تنتهي :
– ماما! ، فيها إيه يعني مـ…..
فقاطعتها “دريّة” وهي تعنفها صائحة :
– بس اسكتي انتي، أدخلي غيري الطقم دا ورجعيه الدولاب.. دي صاحبته لسه متهنتش بيه
دلفت “رفيف” دون أن تنبث كلمة واحدة.. بينما بقيت عيني “ندى” الحزينة نحوها حتى اختفت، وعادت تنظر لوالدتها التي ولجت لغرفتها كي لا تتحدث إليها “ندى”..
_ في غرفة “رفيف، ندى”..
أمسكت “رفيف” ثوبها الأرجواني بعيون مدمعة.. ولكن الإبتسامة التي تقتلك حزنًا تعلو ثغرها، بدأت بتبديل ثيابها.. وحالة الضيق تنازع السرور في صدرها المتوهج، انتهت من تبديل الثياب، وأعادت كل شئ بمكانهُ،
نظرت في ضلفتها لتجد هذا الوشاح الأبيض الحريري معلقًا، فكرت في إرتدائه حول عنقها.. فيكون لطيفًا مع لون حذائها، ربطت أنشوطة على الجانب وألقت بالذيل خلف ظهرها.. ثم خرجت مستعدة لليوم الذي انتظرته طويلًا.
……………………………………………………………
كانت النغمات الأجنبية بصوت هادئ مُشغلة في سيارتهِ أثناء انتظاره لها.. عيناه تتوزع على المرآه الأمامية والجانبية منتظرًا إياها، حتى ظهرت أخيرًا.. تحفزت نظراتهُ وراح يترجل عن السيارة لإستقبالها، مد يدهُ ليلتقط كفها.. أحتضنهُ بن كفيه، ثم هبطت عيناه تلقائيًا ليرى لباسها، فإذ به عادي ومتواضع للغاية.. تحكم في تعابير وجهه ولم تتبدل وهو يردد :
– مستعدة؟
فأجابت بحماسة :
– آه
فعرض عليها رغبتهُ بشكل لائق :
– الفستان تحفة، وأنا بحب اللون دا عليكي انتي بالذات.. بس إيه رأيك نروح نختار أي طقم جديد على زؤي أنا وتروحي بيه؟
كانت تبتسم بوداعة جراء كلماته الإطرائية، ولكنها اختفت بسرعة عقب عبارته الأخيرة، وقالت بتصريح مباشر :
– أنت مستعر من لبسي يارائد؟، لبسي مش مقطع ولا قديم ولا…..
قاطعها وقد احتدت نظراته لها :
– إيه الكلام الفارغ دا يارفيف، أنا بفتخر بيكي في أي شكل، أنا قصدت آ…
قاطعته هي بثقة :
– جدك هيشوف رفيف، مش لبس رفيف.. وانا عاجبني أوي لبسي
أراد تصحيح الوضع، فأقدم على تقبيل كفيها.. وتابع :
– وعاجبني انا كمان
سحبها برفق وقد رافقها الخجل، ثم أجلسها بمقعدها وأغلق عليها وعاد لمقعدهِ ليقتاد نحو هذا القصر الفسيح.
……………………………………………………………
لم تطيق “فريدة” صبرًا، فقد لازمت الحديقة منذ الباكر لإستقبال هذه العروس التي سيتزوج بها ابنها الوحيد.. عيناها دائمة التسلط على البوابات الكبيرة للقصر.. حتى اقترب “رائد” من محلّ القصر.. فـ نقلت مقعدها المتحرك نحو الممر لتكون أول من يراها وداخلها متحمس ومتلهف للغاية..
تتقدم السيارة من البوابة، فـ تنظر “رفيف” لهيئة القصر وأسواره من الخارج.. تنبهر بشدة، وتشعر بالخوف يدب أعماقها فجأة لتجد الفارق بحجم بُعد المشرقين، فغرت فاهها وهي تتأمل فتح البوابة وطاقم حرس القصر الضخام يستقبلون سيدهم الصغير بالترحاب.. اتضحت صورة القصر أكتر، وما يحيطه من محيط واسع فسيح.. ضمت أصابعها لبطن كفها بقلق شديد، حتى قال “رائد” وهو يلفت إنتباهها :
– بصي مين مستنيكي هناك
تنظر “رفيف” أقصى الأمام لتجد تلك السيدة الجالسة على مقعد متحرك، فيتابع “رائد” :
– دي أمي
تبتسم “رفيف”، فيترجل” رائد” وينتقل نحو والدته التي تسأل بعجالة :
– فين هي يارائد، منزلتش من العربية ليه؟
– انتي نزلتي ليه ياماما من فوق، مش قولتلك هطلعهالك!
هزت رأسها برفض و :
– لأ مكنتش هقدر أستنى
– طب ثواني
يعود “رائد” إليها وهي مازالت في حالة من الإنبهار الممزوجة بالخوف والقلق عقب رؤية هذا الرغد والترف الذي يعيش فيه حبيبها، يفتح الباب وتمتد ذراعه لتتسمك بأصابعه بأصابع باردة.. فـ يتفهم ما تشعر به ويردد :
– متقلقيش، كل اللي هنا هيحبوكي
حمحم وعاد يقول بينه وبين نفسهِ :
– مش كلهم أوي يعني!
يسحبها برفق نحو والدته التي دفعت مقعدها نحوهم.. تبتسم “رفيف” حينما تبينت لها ملامح “فريدة” والتي كانت فريدة بحق، تتوقف أمامها وتصافحها بتملق وهي تقول :
– أزيك ياطنط ؟
فـ تظهر أسنان “فريدة” البيضاء أثناء إبتسامتها العريضة وهي تردد :
– قوليلي ياماما، ماما فريدة
انشرح صدر “رفيف” لعبارتها ، فهي لم تنطق هذه الكلمة منذ وقت طويل جدًا.. فقالت بتحمس زائد وقد بدأ خوفها يتلاشى :
– حاضر ياماما فريدة
تجذبها “فريدة” برفق :
– قربي مني
تنحني عليها “رفيف”، فـ تُقبلها “فريدة” من صدغها.. ثم تعانقها بودٍ.
هنا في شرفة الغرفة الخاصة بـ “عاصم” وزوجته، تجلس “ناهد” لترتشف من كوب الشاي.. وفجأة، تترك الكوب وتنظر للمشهد بالأسفل بترقب، تقريبًا تعرفت على هوية هذه الفتاة.. دققت أنظارها عليهم تراقبهم بإختلاس، ثم شهقت فجأة وهي تقول :
– هـا، اللّه اللّه.. بوس وأحضان وكأنك تعرفيها من سنين يافريدة!
ثم خرجت مسرعة، تتوجه للطابق الأعلى.. تدخل غرفة ابنتها بعجالة، تقترب منها بإندفاع لتنزع عنها سماعة الأذن.. وتصيح فيها :
– قاعدة هنا ومش دريانة باللي بيحصل تحت ياخايبة، ضرتك جت تحت
عقدت “برديس” ما بين حاجبيها بعدم فهم وقالت :
– مامي انتي بتقولي إيـه؟
جذبتها والدتها بعنف، واتجهت بها نحو النافذة الكبيرة وهي تقول :
– هوريكي دلوقتي
نزعت الستارة الوردية، ثم فتحت النافذة وأشارت لها :
– بصي شوفي رائد جايب مين هنا، أكيد البت اللي اكلم عنها مع جدك.. شايفة ياخايبة
حملقت “برديس” فيهما.. كان يبدو على “رائد” السعادةوهو يقف بجوارها، محاوطًا لكتفها ويتحدث لوالدته.. بينما “فريدة” تضحك ملئ شدقيها، تأجحت نيران الغيرة من “برديس”.. وأصبح نهجان صدرها ساخنًا للغاية، حقدت عليها قبل أن تدري حتى اسمها، في حين كانت “ناهد” لا تتوانى عن زرع سموم الكلمات في أذن ابنتها تعنفها وتؤذيها بالحديث :
- ياما نبهتك، ياما قولتلك كفاية عجرفة وقربي منه.. مسمعتيش كلامي، أهو جايب واحدة من الشارع منعرفش عنها حاجة وكمان عايز يتجوزها، ياعالم هيعيش بيها هنا ولا آ…..
- بــس ، بـس كفايـة أرحـميني
قالتها “برديس” وهي تصرخ في وجه والدتها، ثم ركضت خارجة.. سلكت الدرج لتهبط حيث أسفل، دقات قلبها كعقارب الساعة ولكن أشد سرعة وحدة.. طرقت على باب الجد “فاروق” بطرقات عنيفة لا تشعر بنفسها، فقد أصبحت في حالة تقترب من الإنهيار. فتحت “ميسون” الباب لتقول :
– برديس! ، في إيه يابرديس بتخبطي كدا ليه؟
فقالت وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة :
– عايزة اشوف جدو
تفسح لها “ميسون” المجال لتدخل، فتركض “برديس” للداخل.. وتجد “فاروق” طريح فراشه يتحرك بصعوبة وهو يسأل بتخوف :
– مالك يابنتي، انتي كويسة؟
منعت “برديس” تلك القطرة التي تقف على حافة أهدابها.. وقالت بصوت غير صوتها الرقيق الناعم، وكأنها استسلمت قبيل بدء الحـرب :
– أنا مـوافقة ياجـدو، موافقـة اتـجوز طارق
تتعلق نظرات “فاروق” بها و……………………..