رواية إمبراطورية الملائكة بقلم/ياسمين عادل
<< إمبراطورية المـلائكة >>
_ الفصل الرابـع :-
كانت مساحة المكان واسعة، سمحت لها بعمل جلسة إستراحة بالزاوية وإستغلالها بشكل راقي لإستقبال أي ضيف أو اللجوء إليها للإستراحة من أعباء العمل..
جلس بجوارها عقب أن غلفت واجهة المحلّ وخلفيتهِ وجانبيهِ عبر إستخدام الزجاج المعاكس للرؤية والذي تتمكن به رؤية الخارج فقط..
فاض لها بكُل ما يحمل في صدرهِ من هموم، عدا فكرة تزويجه من إبنة عمه.. حتى أشفقت عليه و :
– كُل دا وانا معرفش؟ طب ليه محكتش ليا
تنهد وهو يلقي بثقل رأسهِ للخلف وقال :
– مش عايز أشغلك معايا يارفيف
انعقد حاجبيها بإستهجان لتفكيره، ثم أمسكت بيده وهي تقول :
– مشاكلك هي مشاكلي يارائد
ثوانٍ ثم عادت تقول :
– هو جدك صحته إزيها دلوقتي؟
– الدكتور بيقول هيموت، وجدي لو مات كُلنا هنقطع في بعض وناكل من لحم بعض
للحظة اقشعر بدنها من وصفهِ.. وسحبت كفها برفق وقد هابت ما قال، حتى تدارك هو الأمر سريعًا وعاد يقول :
– أقصد أقولك إن الطمع وحش، وممكن يخلي الكل بيفكر في نفسه بس
فقالت بوداعة لم يراها “رائد” في مخلوقة سوى أمهِ :
– ملكش دعوة بيهم، أنت غيرهم يارائد
ألقى رأسه على كتفها يحتمي بملائكيتها التي افتقدها وسط إمبراطورية العائلة المبجلة.. فـ ضمتهُ إليها بحنان ومسحت على شعرهِ الكثيف، وكأنها تسحب منهُ طاقاتهِ وتبدلها بأخرى..
بعض من الوقت عاد فيهم لحال أفضل، فـ رفع رأسهِ ليُشبع عيناه برؤياها..
تلك الحبات الرملية الشقراء (نمش) التي انتشرت أعلى وجنتيها، وبشرتها البيضاء.. وعيناها الرمادية الواسعة، بجانب شفتين صغيرتين وأنف متوسط.. لمس حباتها بسبابتهِ وهو منبعج الفم، ثم همس :
– خليكي زي ماانتي، أوعي تتغيري في يوم.. أنا عشقتك عشان غيرهم
أومأت رأسها وقالت :
-عمري مااقدر اتغير عليك، أنت حياتي يارائد، حياة قلبي
قالتها وهي تداعب بصيلات ذقنهِ الخفيفة.. فـ ارتكزت نظراتهِ الوالهة بها عليها، إنها بريئة جدًا، بريئة للحد الذي لا نهاية لهُ.. إنعكاس كُل شئ جميل في وجهها وعيناها الصافيتين، أطلق زفيرًا مرتاحًا واعتدل في جلستهِ، نظر لساعة اليد.. ثم وقف مستقيمًا وقال :
– أنا همشي عشان عندي اجتماع، هتروحي من هنا أمتى؟
وقف هي الأخرى و :
– يعني بعد ساعتين تلاته
قطب جبينهُ وقال بتعجب :
– يعني الساعة تسعة بالليل!.. آسف معنديش الكلام دا
انحنى يلتقط سُترتهِ، ثم شرع بإرتدائها وقال :
– نص ساعة وامشي
وقفت تعاونه في ارتداء السترة وهي تستجديه بقولها :
– إزاي بس يارائد!.. في عريس جاي ياخد البوكية بتاع عروسته بعد ساعة ونص من دلوقتي
ابتسم وهو يردد :
– هانت، قريب هتصممي بنفسك بوكية فرحنا
خجلت وهي تطرق رأسها لأسفل و :
– بس انا عايزاه مفاجأة
– عيوني
قبّل كفيها وعاد يقول بجدية :
– بشرط يارفيف، هتستنيني أجي أوصلك بنفسي
فـ قالت برضا :
– حاضر
– هي ندى بنت عمك جاية؟
– آه
– خلاص، هاجي أخدكم في سكتي
– خليك مكانك
تركتهُ واقتربت نحو تلك الورود البيضاء المتفتحة، التقتطت إحداهن.. ثم عادت إليه وهي تقول :
– خليها معاك، عشان لما تنساني تفكرك وتبعتلي رسالة
خطفها وانحنى ليخطف ما هو أغلى، طمع في قُبلة من صدغها.. ولكنها عادت للخلف خطوة و :
– هـــاه، وبعدين؟
فـ ابتعد على الفور وأعلن إستسلامهِ :
– خلاص خلاص، آسـف
سار نحو الباب، وبضغطة واحدة على جهاز التحكم بدأ الزجاج يتزحزح للجانبين.. مرق للخارج، وتركها بمفردها لتعود على رأس عملها.. بينما بقيت هي تفكر في لياليهم سويًا، لقد حفظتهم جيدًا، تسعة أشهر مضت على علاقتهِ بها.. تقريبًا هذه هي أطول علاقة خاضها في تاريخهُ النسائي، هي فقط التي كانت غيرهن.. كُلهن سواسية، إلا هي.. هي ملاكهُ الوحـيد، رفـيـف.
……………………………………………………………
دام الإجتماع أكثر مما توقع “رائد”.. ومع مرور الوقت أكثر كان يضيق داخلهِ أكثر وأكثر، وفي الآوان الأخيرة أزداد مُعدل النظر لساعة اليد أو الحائط.. حتى انتهى أخيرًا، تنفس الصعداء وهو ينهض عن جلستهِ مستعدًا لمغادرة غرفة الإجتماعات، ولكن استوقفهُ “عاصم” و :
– رائد، استنى عايزك
وقف بقبالتهُ، فقال “عاصم” :
– مين إداك الإذن تبعت تاخد توكيل من بولندا؟
زفر “رائد” مختنقًا ونظر في ساعة يدهِ وهو يقول :
– نتكلم بعدين ياعمي، أنا ورايا معاد لازم الحقه
فـ تشدد “عاصم” برأيهِ و :
– لأ هتقولي دلوقتي
فـ اشتعلت عيني “رائد” من هذه النبرة التي يمقتها.. واندفع قائلًا :
– وانا قولت مش وقته ياعمي، وبعدين الإدارة معايا لو نسيت، وحقي أعمل اللي شايفهُ صح.. عن أذنك
وتركهُ منصرفًا، في حين تأججت مشاعر “عاصم” أكثر وأكثر اتجاهه.. وغمغم بسخط جلي :
– ماشي ياابن عاكف إبن الخدامة.. ماشي
ثم نظر من حوله يبحث عن شخص معين بعينه.. ولكنه لم يراه في الوسط طيلة اليوم، فـ اضطر لزيارة مقر مكتبه الخاص بالشركة.. والذي يعتبر واحد من أكبر مكاتب الشركة، كبير محامين “فاروق العامري”، والذي يشرف على كثير من الأعمال القانونية.. بجانب كونهِ صديق عزيز لـ”فاروق” منذ سنوات عدة، طرق على الباب حتى آذن له بالدخول.. وقف “فواز” عن جلستهِ وراح يصافحهُ وهو يقول :
- أهلًا ياعاصم، اتفضل
- أنا جاي أسألك عن حاجة مهمة أوي ياأستاذ فواز
فـ أشار له ليجلس و :
– طب اتفضل اقعد الأول، وقولي تشرب إيه
– مش لازم، أنا مش هينفع اتأخر
جلس “فواز” مسترخيًا على مقعده و :
– طالما جيت لحد هنا يبقى الأمر خطير جدًا
تنحنح “عاصم” قبل أن يبدأ بالحديث :
– فعلًا، عايز اسأل عن حاجة وياريت تقولي الحقيقة.. بابا كتب وصيته؟
قطب “فواز” جبينهِ بإستغراب وهو يسأله :
– وصية إيه؟ ربنا يدي أبوك الصحة وطول العمر.. مين قال الكلام دا؟
ضغط “عاصم” على فكهِ بإنفعال متواري، ثم قال متريثًا :
– عادي مجرد سؤال، الأعمار بيد اللّه طبعًا ياأستاذ فواز.. وانت عارف إن الحاج مقاطعني بقاله سنتين وأكتر..عشان كدا قلقان يخالف شرع اللّه ويفكر يشيليني من حساباتهُ في تقسيم الميراث
استنكر “فواز” حديث هذا الأبن الذي لم يبدو له بتاتًا إنه إبن.. بل ثعبان كبير جاء يضمن حقهِ في حياة المالك الأصلي، فـ رمقه بنظرات مغزية وهو يقول :
– أبوك مش ظالم ياعاصم، وعايزك متقلقش.. لو أبوك كتب وصية أنا هكون أول واحد يعرف كُل حاجة، ومش هسيبه يقع في الأثم دا ويظلم حد منكم
تنهد “عاصم” ببعض من الراحة، ثم نهض واقفا وقال بصوت ممتن :
– شكرًا ياأستاذ فواز، أنا هابقى أجيلك تاني
– ماشي ياعاصم، مع السلامة
كان مصدقًا للغاية، كما ابترع “فواز” تمثيل هذا المشهد جيدًا.. وما أن بقى بمفرده، رفع سماعة الهاتف وبدأ بالضغط على الأزرار، انتظر أن يأتيهِ صوت المُتصل.. حتى جاءهُ :
- أيوة يافاروق، عاصم كان لسه عندي دلوقتي.. أيوة أيوة، قولتله زي ما اتفقنا بالظبط
……………………………………………………………
كانت أمسية عادية للغاية گباقي الأمسيات.. بقيت “فريدة” جالسة على مقعدها المتحرك أمام شاشة التلفاز بغرفتها.. تتابع هذا المسلسل الدرامي القديم بشغف وكأنها تتابعهُ للمرة الأولى، رغم إنها قد شاهدتهُ أكثر من مرة.. ولكنها لم تمل.
وفي هذا الوقت، طرقات تدوي على الباب.. فقالت بتلقائية :
– أدخل
لتجد “ناهد” تدخل بكامل زينتها وشكلها المبهرج إليها.. فـ تنهدت “فريدة” وقالت :
– إيه سر الزيارة السعيدة دي ياناهد؟
فقالت بصوت تشبع بـ الغنج :
– عادي يافيرو جاية أقعد معاكي شوية
تطلعت “ناهد” للغرفة وأرجائها جيدًا، ثم مطت شفتيها للأمام وهي تردد بتصنع زائد :
– الأوضة دي صغيرة كدا ليه؟.. تحبي أكلم عمي يغيرها ليكي يافريدة
فـ تبسمت “فريدة” إبتسامة أحرقتها و :
– بالعكس الأوضة عجباني أوي ومريحاني، ومش بحب الأماكن الواسعة، لو انتي أوضتك مش عجباكي أكلم ميسون تقول للخدم يغيروها فورًا
كتمت “ناهد” إشتياطها من ذكر “ميسون”، ثم أردفت :
– لأ ميرسي ياروحي، لو انا احتاجت هبقى أقول لعاصم وهو يتصرف
فرضت” ناهد” نفسها أكثر وسارت نحو الأريكة لتعتليها، ثم قالت :
– مش بتزهقي من قعدة الأوضة طول النهار؟.. أنا ممكن أخلي الحرس ينزلوكي بالكرسي تحت
تحسست “فريدة” ساقيها ببعض مشاعر القهر المدفونة داخلها.. ورغم ذلك أظهرت سعادتها وهي تقول بإفتخار :
– رائد مش بيخليني أحتاج لحد مهما كان.. ربنا يخليه ليا، مش بيرضى أبدًا حد يشيلني ولا يحركني غيره هو
وكأنهُ استمع لندائها، كانت تلك الخطوات هي خطوات “رائد” وهو يتقدم من غرفة والدته.. وعندما وجد الباب مفتوحًا، اخترق المكان دون أذن.. ليتفاجأ بـ وجود “ناهد”، فـ تجهمت ملامحهُ و :
– مساء الخير
– مساء النور
فبادرت “فريدة” من بعد ذلك :
– لسه جايبين في سيرتك ياحبيبي، ناهد كانت عايزة الحرس ينزلوني أقعد معاهم تحت
مضى “رائد” ليكون تحت أقدام والدتهُ وعرض عليها :
– انتي عيزاني أنزلك ياماما؟
فـ مسحت على وجهه و :
– ربنا يخليك ليا ياحبيبي، لأ أنا مبسوطة هنا
فعادت نبرته تحتد من جديد وهو يقول :
– شكرًا على عرضك يامرات عمي
وقفت “ناهد” عن جلستها وهي تذّم شفتيها و :
– عن أذنكم
– مرات عمي
فوقفت وهي تنظر إليه، فقال وهو يشمل وجهها المُغطى بطبقات من مساحيق التجميل الزائدة عن حدها المسموح :
– نعم
تحركت عضلات جانبي العين وهو يضيقهما، وأردف متهكمًا :
– انتي عندك كام سنة؟
حملقت وهي تنظر إليه بغرابة، لم تكن متوقعة هذا السؤال.. فـ استطرد هو :
– خلاص مش لازم تقولي، بس متنسيش تعدي على برديس قبل ما تنامي.. اطمني عليها وقوليلها رائد بيقولك تصبحي على خير
فـ ضحكت “ناهد” لتواري موقفها الحرج، ثم خرجت مسرعة.. لتنفجر “فريدة” ضاحكة، نهض “رائد” عن وضعيته وراح يحملها بين ذراعيهِ ليضعها في الفراش.. دثرها جيدًا ثم جلس أمامها يسألها وهو يمسح على ساقها :
– هي ضايقتك بالكلام؟
فقالت “فريدة” غير مبالية :
– عادي يارائد سيبك منها، أنا بعرف أرد عليها.. المهم قولي إيه أخرك؟
أفتر ثغره بإبتسامة سعيدة وهو يقول :
– كنت بوصل رفيف بيتها، قريب أوي هتتعرفي عليها ياماما
فقالت “فريدة” وهي تشعر بأريحية :
– أنا مشتاقة أشوف البنت اللي عملت فيك كدا، البنت اللي خلتك تتحسن من غير ما تشعر
تقلصت المساحة ما بين حاجبيهِ وهو يسألها :
– هو انا كنت وحش؟
– كنت هتبقى وحش، اللي يعيش وسط التعالب يبقى زيهم يابني.. بس خلاص انا دلوقتي مطمنة، دخول البنت دي حياتك خلاني أطمن عليك
أطرق “رائد” رأسهِ ببعض الضيق، ثم أردف بصوت يشوبه الخوف :
– لأول مرة أخاف على حد، خايف ربنا يعاقبني على ذنوبي بيها وياخدها مني أو يحرمني منها.. أنا عملت حجات كتير وحشة، ومستعد اتحمل أي عواقب، إلا إنها تسيبني
ربتت بخفة على صدغيه وقد تأثرت بكلماتهِ، ثم قالت متعمدة تدعيمه :
– متخافش،ربنا غفور رحيم يارائد
أستند “رائد” برأسهِ على فخذيها، وبلمسات عاطفية كانت “فريدة” تغرس بأصابعها بين خصلات شعرهُ.. فهذه العادة لها قدرة خاصة على تخليصهِ من سموم التفكير وأثارهِ السيئة، حينما كان هو مُطيل التفكير فيها.. وفي الأيام التي ستجمع بينهم قريبًا.
……………………………………………………………
تحملت “ناهد” مزاح ابنتها وضحكاتها الغير منتهية على مضض، ثم قالت بإحتدام :
– ممكن اعرف بتضحكي على إيه يابرديس؟
فقالت وهي تنظر لوالدتها مليًّا :
– عارفه رائد قالك تيجي هنا ليه، عشان اشوف اللي انتي عملاه وأقولك إيه دا ياماما، انتي كبرتي على الحجات دي
ارتفع حاجبي “ناهد” تلقائيًا وهي تقول :
– إيـه! يعني بيهزقني؟
أومأت “برديس” رأسها بنعم، ثم قالت بنبرة معترضة :
– وبصراحة عندهُ حق، انتي حاطة make up كتير أوي يامامي وأوڨر يعني
كزت “ناهد” على فكيها وهي تنطق بصوت ملأه الحقد :
– صحيح إبن فريدة، هيقول إيه يعني غير كدا.. ياريتهُ كان طلع لأبوه
ضاقت عيني “برديس” وهي تسألها :
– يعني إيه زي أبوه يامامي؟
لم تظهر “ناهد” ربكتها، بل أجابت بثقة مبالغ فيها على الفور :
– قصدي يعني يكون لطيف في كلامهُ مش دبش كدا
انتقلت “ناهد” نحو الباب وهي تقول :
– خلصي وانزلي عشان نتعشا سوا
– Okey
وعادت تنظر لجهاز الـ ( تابلت ) الموجود بين يديها وتابعت تصفح حساباتها الشخصية على المواقع الإلكترونية.. صادفت صورة شخصية جديدة قام “رائد” بنشرها، فتوقفت عندئذ.. فتحتها وقامت بتكبيرها لترى ملامحه جيدًا، رغمًا عنها ابتسمت.. فقد كبحت مشاعرًا له بداخلها طوال سنوات، محتفظة بغرورها وكبريائها.. متمسكة بقرارها لئلا تبوح له قبل أن يحبها هو.
أطالت النظر هذه المرة أكثر من أي مرة سابقة رأت له صورة جديدة.. فقد استشعرت بإنه ازداد وسامة أو ما شابه، ملامحه ليست الطبيعية.. بل أجمل.. وحتى عيون البحر خاصتهُ أجمل من المعتاد، وفي النهاية، تنهدت وهي تسند جهازها على المقعد المريح.. ثم نهضت مبتعدة عن هذه الأفكار التي تهاجمها من حين لآخر، بأن تعترف له وتمد يد الوصال إليه.. وبرحت غرفتها متمنية أن تكون أفضل.
……………………………………………………………
نظرت “إيمان” حولها بنظرات مختلسة.. ثم أعادت النظر لأخيها “عاكف” لتتحدث إليه :
– يعني إيه عاصم يحضر الإجتماع وانت لأ ياعاكف؟.. دا انت الكبير
تفهم “عاكف” مقصدها المستتر على الفور.. ولكنهُ لم يبلغها أملها، وثبط عزيمتها في الإيقاع بينهما ليقول بتعقل شديد على غير العادة :
– فيها إيه ياإيمان
ثم تعمد تذكيرها بوضاعة المكانة التي فيها ولدها “طارق”.. فقال بتلميحات جليّة :
– انتي ناسية إن الإدارة مع ابني رائد، وهو كان حاضر.. يعني كأني هناك بالظبط
توهجت بشرتها بإحمرار، ما بين الحرج والغضب.. ولكنها أرخت عضلات جسدها المتيبسة وهي تقول :
– عندك حق، بس برضو عاصم مش سهل.. وانا هاخد احتياطي عشاني وعشان إبني و….
ولجت عليهم “ناهد”، فتوقفت “إيمان” عن الحديث وهمست :
– نكمل بعدين
لاحظت “ناهد” تهامسهن.. فـ ارتابت لما يحدث ولكنها لم تظهر ذلك، جلست أمامهم وهي تبتسم، ثم نطقت بـ :
– مساء الخير، هو عمي مش هينزل يتعشى معانا ولا إيه؟
فـ أجابت “إيمان” :
– لسه عشر دقايق على معاد العشا ياناهد
نظرت إليها بتدقيق قبل أن تقول :
– أنتي رايحة فرح ياناهد؟
فتأففت الأخيرة و :
– لأ
– أمال ليه عاملة full makeup ( مكياچ كامل )! ، عادي يعني إنتي وسط أهلك.. مش لازم الهيصة اللي في وشك دي
ارتفع صوت رنين هاتفها، فـ التقطتهُ عن المنضدة ونهضت “إيمان” وهي تردد :
– عن أذنكم
خرجت عن غرفة الجلوس، فـ تقلصت تعابير وجه “ناهد” وهي تقول بنبرة ساخطة :
– خلاص البيت كله فجأة مش طايقني؟
فمدحها “عاكف” كذبًا وهو يقول :
– متزعليش نفسك يادودي، انتي زي القمر في كُل حاجة
التفتت “ناهد” لتنظر بإتجاه الباب، ثم نظرت إليه مرة أخرى و :
– عايزة اتكلم معاك في موضوع مهم، بس مينفعش هنا.. لازم نتقابل في شقتنا
– اللي تشوفيه يادودي، هابقى أظبط الحكاية وأقولك نتقابل أمتى
زفر “عاكف” بإختناق.. وأطبق بأصابعه على عنقه وهو يردد :
– شكل القعدة هنا هتطول مش زي مااحنا متوقعين، وانا ابتديت اتخنق
تلوت شفتي “ناهد” مستنكرة هذا الوضع، ثم رددت بتبرم :
– أبوك مش عايز يخلصنا ويقابل وجه كريم، معرفش ليه ربنا بيعذبنا وبيعذبه كدا
– مــــامـي!
انتفضت “ناهد” من جلستها على صوت “برديس” وهي تهدر فيها.. وسرت رجفة بيديها وهي تردد أسمها :
– بـ… برديس؟
سارت ابنتها نحوها بإندفاع، وهي تصيح فيها :
– أنا سمعت كل كلامكم، إزاي تـعملي كدا إزاي؟!
جف حلقها وكأن الجو انسحب منه غاز الأكسچين فجأة.. فلم تعد قادرة على التنفس و………………