رواية إمبراطورية الملائكة بقلم/ياسمين عادل
<< إمبراطورية الملائكة >>
الفصل السادس والثلاثون :-
طفت “برديس” على السطح بسرعة وقد أصابتها صدمة باردة نتيجة اصطدام جسدها بالمياه الباردة.. التقطت أنفاسها اللاهثة بصعوبة وازدردت ريقها أثناء ظهور “طارق” من أسفل المياه وقد لحق بها مسرعًا..
أقترب منها بتلهف وهو يسأل :
– بيري انتي كويسة؟.. حصلك حاجه ؟
وراح يفحص جسدها حينما كانت تجيب :
– لأ، بس بردانة.. بردانة أوي
أنفجر ضاحكًا بهيستريا لم تراها عليه من قبل.. تنغض جبينها بذهول وهي تسأله بتذمر :
– أنت بتضحك وانت السبب في اللي حصل؟
ومن بين ضحكاته ردد :
– أصلي افتكرت حاجه كدا
كان وجهها شاحبًا وشفتيها زرقاوتين أثر البرودة.. دقق بنظرات جائعة كل تفاصيل وجهها الجميل وهو يهمس :
– بس تصدقي إنك حلوة برضو!
اصطكت أسنانها وهي تتمسك به مرددة :
– طلعني أحسن هتجمد هنا
فـ ضمها لصدره الذي ما زال محتفظًا ببعض الدفء على عكسها.. والتصقت الجبهتان سويًا ، حتى بقيت أنفاسه على وجهها تلفحه بحرارة توهجت بصدره :
– أنا هدفيكي
ولم يمهلها حتى فرصة للأعتراض، حيث أطبق بشفاهه على شفتيها يقبلهما بشغف متأجج.. فـ اقشعر بدنها وانتفض بين ذراعيه، ليبتعد مسافة بحجم عُقلة الأصبع، فهمست له:
– طارق
مازال مطبقًا جفونه وهو يهمهم :
– أمممم
– هو احنا بنصور فيلم تيتانك؟
أخرجته من ذروة شعوره بالرومانسية الطاغية لحالة ضحك مرتفع، بينما استطردت وهي تضحك أيضًا :
– أنا بتجمد هنا وانت فايق أوي عشان تبوسني
وفجأة شهقت وهو تدفن رأسها في أحضانه مرددة :
– هااا، جدو بيبص علينا من فوق، هيقول إيه علينا دلوقتي؟
ارتفع حاجبيه وهو يهتف بـ :
– انتي مراتي على فكرة
ثم جذبها بهدوء نحو مطلع المسبح.. ورفعها كي تجلس على حافته أولًا، ثم صعد للأعلى و:
– أنا هخلي جدي يلغي البسين دا
ثم ساندها كي تقف على أقدامها .. تصلبت بمكانها ولم تتحرك، فنظر لساقيها المرتعشتين وسأل :
– مالك وقفتي ليه؟
تمسكت بذراعه أكثر و :
– مش قادرة امشي، Carry Me (شيلني)
فـ ذعن لرغبتها على الفور.. حملها بين ذراعيه برشاقة ومضى بها نحو القصر وهو يردد :
– هي مالها بردت كدا ليه؟
التصقت شعيراتها بوجهه نتيجة اقترابها الشديد منه، فنفخ بضيق و :
– لمي شعرك دا عن وشي
فـ لملمت شعرها المبتل للخلف وهي تزجره :
– متزعقليش
كانت هذه من اللحظات الأسعد لـ “فاروق”.. وهو يرى نبتته التي زرعها تنضج لتنتج أطيب الثمار، سعادتهِ التي يستشعرها الآن كان مفتقدًا إياها بشدة.. ظل يراقبهم حتى اختفوا بالداخل، فهز رأسه برضا، لتقترب “ميسون” منه وهي تحمل قنينة الدواء وكأس المياه قائلة :
– الدوا يافاروق
فـ لم يرهقها گكل مرة وتناوله على الفور.. مستمتعًا بشعور السعادة الذي سيطر عليه مؤخرًا.
كان “طارق” يسرع في خطاه حاملًا إياها عقب أن تملكت منه البرودة هو الآخر.. فـ لمحته والدته التي كانت على حافة الدرج، جحظت عيناها غير مصدقة ما ترى، وتفاقم الغيظ داخلها وهي تردد :
– يالهوي؟.. خلاص بنت عاصم ركبت على كتافك ودلدلت رجليها ياطارق!!
لم تتحمل أكثر من ذلك، فـ طارت على الأرض بخطى متعجلة نحوهم و :
– طــارق؟!
انتفضت “برديس” بين يديه، ولم تمنع تعقيبها المتذمر :
– يعني هو دا وقته ياعمتو!
قبضت “إيمان” على ساعده تحثهُ على أن يتركها أرضًا و :
– شايلها كدا ليه وطالع السلم جري أفرض وقعت؟
أفلتها “طارق” وهو يجيب :
– بعدين ياماما، بعدين
فصاحت به :
– بعدين إيـه؟.. وإيه اللي مغرقكم كدا، مش خايف تبرد واحنا في طلعة الشتا؟!
فـ أجابت “برديس” بحنق بالغ :
– متقلقيش ياأنطي ، هناخد Antibiotic (مضاد حيوي)
فـ رمتها بنظرة محتقنة وتابعت :
– مفيش عندك مسؤلية خالص كدا يابنت عاصم!.. عايزة تجبيله أنفلونزا ويقعد جمبك في البيت؟
فرمقها “طارق” بنظرة مستنكرة قائلًا :
– على فكرة لو فضلت واقف هنا هيجيلي شلل من البرد مش أنفلونزا بس
كانت “ناهد” قد صعدت الدرج عائدة من الخارج وهي تستمع لصوتهم المرتفع.. فـ مضت نحوهم وهي تردد :
– فيه إيه يابيري، حماتك.. قصدي عمتك صوتها عالي ليه؟
لاحظت “ناهد” وضعهم المبتل.. فضحكت و :
– انتوا كنتوا بتلعبوا مع بعض ولا إيه؟
وكركرت ضاحكة، حينما أجابت “إيمان” بفظاظة گعادتها :
– بدل ما تضحكي وتتريقي عقلي بنتك شوية وخليها تعرف إنها بقت مسؤلة
فتأففت “ناهد” بإنزعاج و :
– سيبيهم يعيشوا حياتهم براحتهم ياإيمان، ولا عايزة بنتي تعجز وجوزها بعيد عنها.. زيك
استشاطت “إيمان” من كلماتها السامة التي تحمل في طياتها مغزى مقصود.. بينما اقتربت منهم “ناخد” غير مبالية بها دفعتهم “ناهد” لداخل غرفتهم و :
– أدخلوا ياولاد واقفين هنا ليه!
ثم أغلقت الباب عليهم والتفتت لتقول :
– دول برضو لسه عرايس، Bonne nuit. (ليلة سعيدة “بالفرنسية”)
وتركتها ذاهبة نحو غرفتها وهي تضم وشاحها ذا الفراء على جسمها.. تسير بخطوات مغترة مختالة على الأرض، ثم أغلقت باب غرفتها عليها وهي تدندن بكلمات أغنية لم تدقق بها “إيمان”.. فقد كفاها ما تلقت من ردود قاسية استطاعت أن تسكتها.
…………………………………………………………………..
مر أكثر من ثلاث ساعات وهي لا تعرف شيئًا عن زوجها “رائد” منذ أن تركها أمام باب غرفتها.
حاولت أن تتنعم بوجود غرفتها أمام شاطئ البحر مباشرة، وبالقرب من أصواته وارتطام أمواجه، ولكنها لم تستمتع.. ولم تؤثر فيها أي وسيلة ترفيهية لتنسى ما حدث صباح اليوم.
قذفت جهاز التحكم بالتلفاز بعيدًا وهزت ساقيها بإنفعال واضح وهي تغمغم :
– مش معقول يكون كل دا معاها؟.. أنا هموت من الغيظ!
ارتمت على حافة الفراش وراحت تقضم أظافرها بعصبية مفرطة.. ثم نهضت من جديد واندفعت نحو الباب تفتحه، وقفت بضع ثواني وهي تحدث نفسها :
– عادي يعني جوزي وعايزة اشوف هو في أوضته ولا لأ
اقترب من باب غرفته وطرقته مرتين.. ولكن لم تتلقى رد، فطرقت مرة ثالثة بحدة أكثر وما زال الجو ساكنًا..
عادت تدخل غرفتها بحنق أشد و:
– يــــوه
ثم مضت نحو حقيبة سفرها التي لم تفرغها بعد.. وانتقت ثيابًا تناسب ليل گهذا، بدت أكثر رسمية وليست گعروس جديدة تقضي أيامًا لطيفة مع زوجها.. ارتدت بنطالًا ضيقًا إلى حد ما، وكنزة صفراء اللون يعلوها سُترة من الجينز القاتم الذي تماشى مع لون البنطال..
وقفت أمام المرآه لتضبط شعرها، حيث عقدتهُ للأعلى وانساب بقيته على ظهرها.. ومضت نحو الخارج بعد أن تأكدت من وجود البطاقة الخاصة بالدخول.
خرجت من المصعد متجهه نحو المقهى التابع للفندق، هبطت درجتين وبحثت عنه بعيناها .. لتجده جالسًا في المنتصف بصحبتها وكأن السمر بينهما لم ينتهي، وما أن استمعت “رفيف” لصوت ضحكتها الرنانة حتى ظهرت أنوثتها الغيورة.. عضت على شفتيها بعصبية بالغة وهي تتأمل هيئتها هذه المرة.. فلاحظت إنها تبدو بنفس التصميم القصير ولكن بألوان وأشكال مختلفة..
حررت “رفيف” شعرها المعقود ونفضته جيدًا، ثم تركته على كتفها وألقت بماسك الشعر بإهمال شديد ومضت نحوهم بخطوات متمايلة، حتى وصلت لطاولتهم.. انتبهت لها “دينا”، فـ ابتسمت بمجاملة وهي تدعوها :
– مدام رفيف، أتفضلي معانا
ألتفت “رائد” برأسه ليراها مندهشًا،. ثم عقب :
– أفتكرتك نمتي
– لأ صاحية
ثم سحبت المقعد وجلست.. اقترب منها النادل وسألها بتهذيب :
– الهانم تحب تطلب حاجه؟
فأجابت بعجلة :
– برتقال
لاحظت إنها تفضح عن شعورها بتلك التصرفات المتهورة، فـ أفتر ثغرها بإبتسامة باهتة و :
– أقصد عصير برتقال فريش
– أمرك
تمعنت “دينا” النظر لثيابها، ثم عقبت :
– استايلك لذيذ أوي، أنا عن نفسي بحب اللون الأصفر جدًا
فلم تستطع منع هذا الضيق المتجلي في نظراتها وهي ترد بـ :
– ميرسي
– بس انتي Bride (عروسة).. المفروض تختاري لبس بعيد عن الـ Formal (رسمي) شوية
فناصفها زوجها وهو يجيب عنها :
– رفيف بتحب الاستايل دا أكتر ، وعمومًا هي في أي حاجه زي القمر
– أكيد طبعًا، كفاية إنها مراتك
تسرب إليها بعض الأمان.. وإن كان قليلًا ولكنه تواجد، أعاد لها بعض الثقة بنفسها والتي خسرتها مؤخرًا لأسباب شتّى، وبدون تعمد أخفضت نظراتها بخجل محبب.. بينما تابع “رائد” :
– ساعديني يادينا
عاد الامتعاض يكسو وجهها من جديد وهي تتطلع إليه أثناء محادثتها گشخص قريب منه.. حينما وضع النادل كأس المشروب المثلج أمامها وأنصرف، وبقيت هي أسيرة حقدها وغيظها :
– ساعديني بجد لأني مش هينفع أقعد هنا أكثر من Two days (يومين)
– حاضر والله يارائد متقلقش أنا عاملة حسابي
وقفت “دينا” عن جلستها وابتسامتها العريضة مازالت تُزين محياها.. ثم انحنت قليلًا وربتت على كف “رائد” المسند على الطاولة ورددت بنعومة :
– معادنا بكرة الصبح الساعة ٩
حملقت عينا “رفيف” وهي تنظر لكفها.. كادت تمسك بالشوكة وتقوم بزرعها بين عظام يدها بغيظ شديد حتى تبرد نيران صدرها ولكنها تماسكت.. وتابعت بعيون مشتعلة ما يحدث بينهما..
وقف “رائد” عن جلسته وردد :
– اتفقنا، انتي كلمتي المحامي وجهزتي كل حاجه؟
– متقلقش كل حاجه جاهزة ومستنية أمضتك
ثم عادت تبتسم من جديد و:
– أوعى تروح عليك نومه زي عادتك، ولا أقولك.. أنا هاجي اصحيك بنفسي
– الله
صاحت بها “رفيف” فجأة لتنتقل نظرات الاثنين نحوها بنفس الآن .. فـ ابتسمت بتصنع وهي تنظر حولها قائلة :
– الله على الميوزك اللي شغاله، حلوة جدًا
فعاد “رائد” ينظر لها و:
– وانا هستناكي عشان ناخد الـ break fast (فطار) سوا
ثم أشار نحو المخرج :
– تعالي أوصلك لعربيتك
تجرعت “رفيف” كأس العصير الطازج رشفة واحدة وهي تراقب خروجهما من المخرج سويًا وقد تصببت عرقًا مفرطًا من شدة الغيظ، ثم رددت بأنفاس مهتاجة :
– هتصحيه بنفسها!!!! .. طب وربنا لأوريكوا انتوا الأتنين ، دا انا مش هنام النهاردة وهبات لكم قدام باب الأوضة
……………………………………………………………………
جلس “عادل” بالقرب من المدفأة الكهربية لعلها تُهدئ من جليد صدره.. منذ الصباح ولا يستطيع الوصول لها، لم تذهب للجامعة أو تحضر محاضراتها الدراسية لا اليوم ولا الأمس.. حتى اعتقد أن أصابها مكروه.
سحب شهيقًا عميقًا لصدره ثم زفره دفعة واحدة، تردد هل يحاول مهاتفتها مجددًا أم لا.. ولكنه في النهاية استسلم لرغبته وحاول الإتصال ليجد الهاتف ما زال مغلقًا..
فلم يجد مفرًا من التواصل مع “رفيف”، فهي الوحيدة التي تستطيع أن تصل إليها..
وقف عن جلسته منتظرًا أن تجيبه حتى أجابت :
– مساء الخير يارفيف
لاحظ شيئًا غير طبيعيًا في صوتها، فسألها:
– انتي بخير ورائد كويس؟!.. أمال مال صوتك..
طيب انا عايز بس اطمن منك على حاجه، ندى تليفونها مقفول وانا قلقان من الصبح.. ملقيتش غيرك اكلمه
وقفت “رفيف” أمام المرآه لتستكشف هل تجمد ماسك الوجه الأخضر اللون الذي قامت به لبشرتها أم لا وهي تجيبه بهدوء :
– صدقني هي كويسة، كلمتها الصبح قبل مااسافر وقالتلي إن خطوبة صحبتها النهاردة.. أكيد كانت هناك متقلقش.. ماشي ياعمي، سلام
ثم تركت الهاتف وتحسست وجهها وهي تردد :
– أما اشوف بقى البت ام رجلين طويلة دي هتصحيه ازاي
ثم اتجهت ناحية دورة المياه ومازالت تغمعم بسخط :
– أنا هخليه صباح أسود على دماغه، مش عارفه عاجبه فيها إيه برجلها الطويلة دي !!.. دي شبه مسمار عشرة
انتهت من تنظيف وجهها، ثم أمسكت بالمنشفة وخرجت بإتجاه الفراش :
– من ٦ الصبح هتلاقوني صحيالكم
ثم ضبطت جهاز التنبية بهاتفها واستعدت للنوم، منتوية أن يكون صباحهم مختلفًا بقدر ما عانت منه اليوم من شعور مُقيت لم تشعر به قط.
تدق الساعة السابعة إلا الربع صباحًا..
تتقلب “رفيف” على الفراش بأريحية.. وتفتح عيناها ببطء ليتسرب ضوء النهار لوجهها، انتفضت من جلستها وهي تنظر الشرفة المنيرة بنور الصباح ورددت :
– راحت عليا نومه!!
نظرت لساعة الهاتف، فوجدت الوقت مازال مبكرًا، تنفست الصعداء وهي تنهض بعجالة من مكانها.. ثم دلفت للمرحاض إستعدادًا ليومها الشاق الطويل..
وبدأت إرتداء ثيابها المكونة من فستان خريفي أبيض يغطي ركبتيها ويصل لمنتصف ساقيها، مرفقًا بـ سترة بيضاء قصيرة بالكاد تصل لصدرها.. وبقدميها ارتدت حذاء ذا كعب طويل من اللون الرمادي القاتم والذي تماشى مع طوق رأسها الخرزي الرقيق..
اهتمت بوضع القليل من طلاء الشفاه الوردي وبعضًا من أحمر الوجنتين.. ثم اكتحلت باللون الأزرق الفاتح لتظهر رماديتها الآخاذتين، سحبت هاتفها ثم خرجت مسرعة..
وقفت أمام باب غرفته تدق الباب، فلم يستجيب لها.. انقبض قلبها وهي تهمس :
– معقول نزل بدري؟!
وعادت تطرق الباب من جديد..
تململ “رائد” في نومته وهو يستمع لهذا الضجيج المزعج، وفتح عيونه وهو يغمغم متبرمًا :
– هي دينا معندهاش دم خالص كدا؟
نظر لساعة هاتفه ليجدها السابعة والثلث، فحدقت عيناه وهو يردد :
– سبعة وتلت!! جاية تصحيني سبعة وتلت ليـــه؟.. هنروح نبيع لبن؟
ثم نفض عنه الغطاء ومضى صوب الباب يفتحه فجأة منتظرًا أن يراها.. ليتفاجأ بزوجته هي التي تدق الباب، تفحصها بعيون خاملة.. ثم فرك وجهه وهو يردد :
– رفيف!!.. بتعملي إيه هنا؟ وصاحية بدري كدا ليه
دفعته من أمامها بيد غليظة، ثم رددت بانزعاج :
– دي أوضة جوزي واجي وقت ما احب
جلست على الأريكة بينما بقى هو متحجرًا في وقفتهِ يتطلع لها.. فأصرفت ناظريها عنه وهي تردد :
– أدخل خد شاور عشان طلبت فطار ليا وليك
صفع الباب وهو ينتقل نحو المرحاض قائلًا :
– أنا هنزل أفطر مع دينا قبل ما…….
وقبل أن يتمم عبارته، وجدها تنهض فجأة وتقترب منه وهي في هيئة الهجوم.. ثم باغته بعبارة لم يتوقعها :
-أسمع بقى ، لو عايز اليومين يعدوا على خير من غير ما أطبق على زمارة رقبتها وأفطسها.. يبقى تبعد عنها أحسن
فرفع حاجبيه بإعجاب وهو يقول :
– واو، انبهرت.. وانتي شاغلة بالك ليه بيا يامدام، مش خلاص هنطلق وكل واحد هيشوف حياته
رغم الألم الذي اعترى قلبها وكأنه يُعتصر ، إلا إنها كافحت لتبدو طبيعية وهي ترد على عبارته :
– لما نطلق ابقى اتصرف براحتك
ثم ابتعدت عنه متجهة نحو الشرفة.. فتحت الزجاج الجرار لتدخل طاقة من الرياح اللطيفة للغرفة، ثم رددت :
– أتفضل ادخل وانا مستنية هنا
والتفتت لتجده بالفعل قد ولج للداخل منذ لحظات.. تأففت بضيق شديد، ثم عادت تنظر للمنظر الخارجي.
كان يخطف نظرة إليها من حين لآخر، حتى إن ثوبها البسيط قد راق له كثيرًا.. يومًا آخر تبدو فيه بعينيه أجمل نساء الدنيا، وضع “رائد” قطعة من البيض على الخبر المحمص وبدأ يتناولها دون أن يظهر لها اهتمامه بالنظر إليها.. بينما سكبت هي الشاي بالحليب ووضعته أمامه ليلتقطه على الفور ويبدأ ارتشافه..
نظر لساعة يده، فإذ بها التاسعة إلا الربع.. استمع لطرقات على باب غرفته، فنهض ليفتحه.. ولكنه وجدها تسد طريقه وهي تردد :
– أنا اللي هفتح
ثم مضت نحو الباب.. فتحته متأهبة لإخراج شحنة من غضبها بوجه تلك الـ “دينـا” ، ولكنها تفاجئت بعامل الفندق يقدم لها المعطف الذي تمت عملية الكي بالبخار له و :
– البالطو ياهانم
حمحمت بتحرج لتجده أتى من خلفها :
– شكرًا
ثم أخرج ورقة نقدية گ إكرامية ووضعها في يده قبل أن يغلق الباب.. وضعه على الفراش، ثم قال :
– أنا نازل
– فين؟
كان ينظر لهيئته في المرآه :
– هشوف دينا جت ولا لسه
استمع لهمهماتها وكأنها تسبّ بصوت خفيض.. فـ ابتسم رغمًا عنه وهو يسألها :
– بتقولي حاجه يارفيف!
فقالت وهي لا تستطع منع غضبها البيّن على وجهها :
– نازله معاك
فأفسح لها المجال لكي تعبر أولًا :
– اتفضلي
……………………………………………………………………
- ماشي ياعاصم، زي ما قولتلك.. تفضي نفسك بكرة عشان عايزكم كلكم في موضوع مهم، طيب يابني.. سلام
أغلق “فاروق” هاتفه ووضعه جانبًا.. لاحظ نظرات “ميسون” الطويلة له، فسألها بـ فضول :
– بتبصيلي كدا ليه
– مفيش
سعل “فاروق” وهو يضع كفه موضع قلبه تحديدًا.. ثم تنحنح ليشعر بخشونة في صدره، عاد ينظر لها وهو يقول :
– أكيد عايزة تسأليني هجمعهم بكرة ليه؟
– أكيد
فـ ابتسم وهو يعتدل في رقدته على الفراش، وأجاب :
– بكرة تعرفي ياميسون، متستعجليش
تعلقت نظراتها القلقة عليه، فقد أصبح كتومًا وغامضًا أكثر بالفترة الأخيرة..
الكثير من الأشياء يخفيها والأكثر لا تعلم عنها شيئًا، تخشى أن يفاجئها القدر بشئ لن تستطيع مواجهته.. ورغم ذلك لا تملك سوى الصبر، أجفلت “ميسون” وهي تفكر مليًا.. ترى ما الجديد الذي سيجمع من أجله العائلة مرة أخرى.
……………………………………………………………………
انتهى “رائد” من التوقيع على آخر ورقة، ثم ترك المستند لها وهو يغلق القلم الحبري قائلًا بجدية :
– المُشتري جاهز؟
سحبت “دينا” المستند ونظرت به وهي تجيب :
– بعد ساعة هنقابلة في مقر الشركة
تركت المستند ثم قالت بمزاح :
– أنا كدا ليا عندك فطار
فـ ابتسم وهو ينظر لزوجته التي كادت تنقض عليه الآن لو تستطيع :
– مرة تانية ، رفيف كانت جعانة وأصرت نفطر فوق قبل ما ننزل
ثم أشار للنادل الذي حضر ومعه كشف الحساب.. وقبل أن يدفع حسابه سألها :
– هتعملي إيه يارفيف؟.. أنا رأيي تروحي تقعدي على البحر شوية
فـ اتسعت عيناها المسلطة عليه وهي تردد :
– وانت! انت رايح فين؟
فأجابت “دينا” نيابة عنه :
– هنروح الشركة عشان نخلص البيع مع المشترى
ضغطت “رفيف” على أسنانها تكبح غيظها الذي بدأ يطفو على صفحة وجهها.. بينما استطرد “رائد” :
– أنا هسيبلك الـ Credit card.. لو عايزة تخرجي تعملي شوبينج أو تشتري حاجه والسواق برا معاه العربية هسيبله خبر يوديكي فين
وقف عن جلسته عقب أن وضع الحساب النقدي بالدفتر.. ثم ترك بطاقة الإئتمان خاصته لها :
– عشان لو اتأخرت متزهقيش.. يلا يادينا
استبقته “دينا” للخارج، بينما وقف هو يقول لها :
– لو هتخرجي غيري هدومك.. عشان انتي لابسه خفيف
كل ذلك والصمت مسيطرًا عليها ينهش من لسانها الذي يود بالبوح عما يكنّه.. مضى من أمامها وهي في أوج اختناقها وضيقها مما يحدث، فـ نهضت بعجالة عن الطاولة وسحبت بطاقتهِ لتحتفظ بها معها و. :
– والله ما هروح في حته، يارب ياشيخة تقعي على جدور رقبتك بالكعب اللي انتي لابساه دا
وصعدت مسرعة لتحبس بنفسها في غرفتها غير مشتهية لأي شئ آخر.
…………………………………………………………………..
- آآآآآتــــشـــوووو
عطس “طارق” وهو يمسح أنفه المُحمر بالمنديل الورقي.. ثم تأوه وهو يقول :
– آآآه، عــضمــي كله بيسلم على بعضه
عقدت “برديس” حاجبيها بعدم فهم وسألته :
– يعني إيه ياطارق، بيسلم على بعضه ازاي يعني؟
فنظر له بعيناه المغرورقتين بفعل إصابته بالبرد.. ثم ردد بصوت متعب :
– يعني قافش في بعضه، ياترى ليه؟
– ليه؟
فأشار نحوها وهو يردد بسخرية :
– عشان مراتي بتتدلع، عيزاني اشيلها واتمختر بيها على السلم واحنا مبلولين
فتلوت شفتيها وهي تردد بتلميح مقصود :
– وليه متقولش عشان مامتك اللي هي عمتي وقفت تحقق معانا ساعة على الباب
ناولته قرص علاجي كبير الحجم وكأس المياه، ثم تحسست جبهته لتجد حرارته عادية.. ابتلع القرص بالماء وعاد يناولها الكأس وهو يقول :
– شوفيلي أي برشام للعطس بالمرة.. أنا مبطلتش عطس من الصبح
فكركرت ضاحكة بصوت مرتفع وهي تتأمل هيئته، وقالت :
– مفيش يابيبي حاجه اسمها برشام للعطس.. انا اديتك مضاد حيوي وبرشام لنزلات البرد وهتبقى كويس
تركت الكأس وأقتربت منه.. أمسكت بيده وسألته باهتمام :
– تحب اخليهم يطلعوا الغدا هنا؟
– ياريت، أحسن مش قادر اتحرك من مكاني
– حاضر
وكادت تتحرك من مكانها إلا إنه قبض على أصابعها وجذبها بلطف.. نظر لوجهها مليًا :
– شكرًا عشان اهتمامك بيا من امبارح
فـ أطرقت رأسها بحرج و :
– دي أقل حاجه
مسح على وجنتيها برفق أشعرها بالحبور.. ثم جذب وجهها ليقترب منه، أطبقت جفونها مستسلمة له للغاية.. منتظرة أن يطبع بطابع عشقه على شفاها، حتى تفاجئت بـ :
– آآآآآتــــشـــوووو.. آآه ، آسف ياحبيبتي
فتحت عيونها المصدومة، وسحبت منديلًا ورقيًا بسرعة كي تمسح الرذاذ عن وجهها وهي تقول بازدراء :
– ميرسي جدًا يعني
ثم نهضت من جواره بتشنج ومضت نحو المرحاض وهي تردد :
– فعلًا لازم أشوفلك حاجه للعطس عشان كدا too much (كتير أوي)
– ياريت يابيري.. آآآآآتــــشـــوووووو، هو انا مش هخلص ولا إيـــه بقــا
………………………………………………………………..
الساعة الثامنة مساءًا، وحتى الآن لم يعود من الخارج.. أعصابها على المحك تكاد تفقدها بأي وقت.. وإن تطلب الأمر ستقوم بالعودة إلى القاهرة حتى دون إبلاغه..
عادت تتصل بالإستقبال مرة أخرى لتسأل عنه للمرة العاشرة تقريبًا.. ليجيب الموظف :
– لسه واصل حالًا هو وآنسه معاه
– كــدا!.. طب متبلغوش من فضلك إني سألت عنه
وهبت من مكانها مستعدة للهبوط إليه.. حتى إنها تناست حذائها وخرجت حافية القدمين من فرط شعورها السلبي، فعادت من جديد وأخذته لترتديه بالمصعد :
– البيه مسابش فيا عقل، اهي دي نتيجة اللي تعرف واحد بتاع نزوات وستات وقرف، يارب ارحمني
وقف بمسافة بعيدة تراقب ما يحدث.. كان واقفًا أمام الإستقبال ليحصل على بطاقة الدخول خاصته، وعندما حصل عليها سار نحو المصعد وهي برفقته..
جحظت عيون “رفيف” وهي تراهم يستقلون المصعد سويًا، وركضت أليهم.. ولكن كان المصعد في طريقه للأعلى، تحجرت الدموع التي احتبستها طويلًا في عيناها، وضغطت علية مرات على المصعد الآخر وانتظرت حتى يهبط.. تتخيل الآن زوجها في أحضان أخرى، ترى ماذا حدث طيلة اليوم بينهما، مؤكد إنه قضى يومًا مبهجًا غير مهتمًا بتواجدها هنا بمفردها ولم يكلف نفسه عناء الإتصال بها حتى..
توقف المصعد، فـ استقلته على الفور و :
– المرة دي هجيبك متلبس يارائد، وهرجع القاهرة مطلقة منك.. ورحمة بابا ما هصبر عليك تاني ولا حتى هندم
طارت بقدميها تلتهم الطريق إلى غرفته.. و بيديها الاثنتين قرعت على الباب بعنف..
حتى فتح لها “رائد” وهو عاري الصدر، فـ رمته بنظرة مستخفة وهي تردد :
– لحقت أوام تغير هدومك!
ودفعته للداخل لتدخل هي وتصيح :
– هي فين اللي فضلتها عني؟! فيــن؟
بحثت بعيناها في أرجاء الغرفة فلم تجدها .. فأسرعت نحو المرحاض لتبحث فيه، ولكنها غير موجودة..
لا أثر لها بالغرفة نهائيًا، ازدردت ريقها وعادت تنظر له وهو واقفًا بمحله ببرود شديد.. وسألته مدعية القوة وهي أضعف ما تكون الآن :
– أنا شفتكم طالعين سوا، وديتها فين؟
تنهد قبل أن يبرر لها :
– دينا كانت طالعة معايا تعتذر ليكي عشان تأخرينا.. ولما ملقتكيش نزلت ، أكيد مش هتكون موجودة في أوضة واحد متجوز.. ولا إيه!
وكأن دلوًا مثلج سقط عليها الآن، بُهتت من أجابته التي اقنعتها على الفور.. وأحست ببرودة تعتريها نتيجة حرجها وتهورها، مضت بخطى متعجلة نحو الباب لتهرب من مواجهته، ولكنه سدّ طريقها.. وقف أمامها بـ عُرىّ صدره الذي أربكها يقول :
– وبعدين مهتمة أوي ليه، مش عايزة تطلقي؟
لم تجد جوابًا لتجيب به، حاولت أن تتجاوزه وتمضي ولكنه أطبق على رسغيها وبات يدفعها للداخل برفق وهو يردد :
– أعترفي إنك بتغيري عليا!
– آ نا…..
– انتي إيه؟
بدأت الحرارة تعود لجسدها أقوى من ذي قبل.. تلعثمت وهي تخفض نظراتها عنه و :
– عديني عشان اروح أوضتي
كان مستمتعًا بها هكذا أمامه.. ولو يدفع عمره مقابل تلك اللحظة لدفع بدون تردد، عبث معها وهو يتحسس ذراعيها المختبئتين بثوبها الأبيض و:
– لما تعترفي الأول
فـ رددت بصوت ضعيف :
– أنا بـ…. بكرهك يارائد
خطف شفاها بين شفتيه يلتهمهما بـ قُبل عاطفية عنيفة انتظر أن ينالها طويلًا.. وهي في حالة خدر قوية متملكة من حواسها التي رفعت الراية البيضاء مع أول مواجهة منه..
ترك شفاها المحمرتين وهمس في وجود شفتيه على شفتيها :
– وانا بــحبـك أكتر من أي حاجه في الدنيا، خلاص مش مسموحلك تبعدي لحظة تانية
ودفن شفتيه في وجهها يلثمه بإشتياق :
– انتي عشاني وبس ياأوركيدا
ودفعها برفق نحو مضجعهِ ومازالت يداه قيد إلتصاق بها و……….
…………….