رواية إمبراطورية الملائكة بقلم/ياسمين عادل
<< إمبراطورية الملائكة >>
الفصل العشـرون :-
(الجزء الأول)
لم يستغرق الأمر منه إلا ثوانِ، ركض ركضًا أبلغه لغرفة جدهِ.. لهث وهو يقترب من فراشه، تأمل شحوب وجهه الذي لا ينذر بالخير وصاح فيه مناديًا:
– جـدي، قـوم رد علـيا
فقالت “ميسون” من بين بكائها :
– جدك بيموت يارائد ، مش قادر يتنفس ولا عارف يفتح عينه حتى
فـ صاح فيها بإنفعال شديد :
– بـس اســكـتـي ، بــس
اعتدل في وقفته، وأخرج هاتفه بعجالة من جيبه وهاتف أحدهم.. أطال الإنتظار ، فزمجر وهو يردد :
– رد بـقا
لم يجيب، فأعاد “رائد” المحاولة وهو ينظر لـ جدهِ بتخوف شديد.. حتى أتاه الرد، فهتف :
– أيوة يادكتور نظيف، جدي تعبان جدًا والدوا مش جايب نتيجة معاه
يدخل “عاكف” ومن خلفه “عاصم” و “ناهد” مهرولين.. تجمعوا حول الفراش ينظرون لوالدهم الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة.. وكأن سكرات الموت متمكنة منه الآن، أنهى “رائد” المكالمة أثناء دخول “عادل” الذي دخل راكضًا.. لتصيح فيه “ميسون” بصراخ باكي :
– أمك السبب، من ساعة ما جت الصبح وهو في الحالة دي.. لو جراله حاجه أنا مش هسيبها في حالها
زفر “عاصم” وهو يردد :
– مش وقته ياميسون
فعقبت “ميسون” وهي تنزح دموعها :
– لأ وقته، شهيرة هي السبب في الحالة اللي وصلها فاروق
فتدخل “عاكف” وهو ينظر نحو أخيه “عادل” :
– ودي إيه اللي جابها هنا!
فصاح فيهم “رائد” وقد ارتعشت عضلات فكيهِ :
– بــــس، بــرا.. أطلــعوا كلكم برا
دفع الجميع للخارج فعليًا.. وأغلق الباب ليبقى هو بمفرده مع “فاروق” ، نظر الجميع لبعضهم البعض وقد ثار “عاصم” قائلًا :
– شايف عمايل ابنك ؟ بيطردنا من أوضة أبونا ؟
تركهم “عادل” وما زال صامتًا متأثرًا بما حدث، حينما وفدت إليهم “إيمان” وهي تسأل بتوجس :
– بابا جراله إيه؟
…………………………………………………………
تجمعت أسرتها الصغيرة حول مائدة الطعام المتواضعة.. وبقيت هي حبيسة غرفتها مُدعية النوم، زفر “عماد” بحنق وهو يترك ملعقة الطعام.. ثم نظر بإتجاه الداخل وهو يقول :
– مش عارف إيه اللي حصلها فجأة! البت كانت منورة في الفرح.. أطفت فجأة
مضغت “دريّة” الطعام وابتلعته، وقبل أن تدس ملعقة أخرى بفمها عقبت بعدم إهتمام :
– هيكون حصل إيه يعني ؟!.. ده دلع ،واللي يلاقي دلع وميدلعش يبقى حرام عليه
أصدرت ملعقة “ندى” صوتًا رنانًا وهي تتركها على الصحن.. ثم قالت بإنزعاج :
– رفيف مش بتدلع ياماما، في حاجه هي مخبياها علينا.. رفيف طول عمرها مبتحبش تشوف حد زعلان، عشان كدا كانت دايمـًا بتكتم جواها
تابعت “مروة” حديثهم وهي تنشغل بالطعام وكأنها غير مكترثة.. ولكن بداخلها شعور مخيف، وكأنها جريمة سيُكشف عن فاعليها عما قريب.
رمقتها “ندى” من زاوية عينيها وقد تشككت في أمرها، في وضع آخر كانت سـ تُثرثر كعادتها وتتهم أختها كما فعلت “دريّة” ولكن صمتها ذلك كان مريبًا.
لعبة موسيقية تدور حول نفسها وتصدر ألحانًا بديعة.. راقبت “رفيف” تلك اللعبة المتحركة الصغيرة وبداخلها أثنان يتراقصان ، ممدة جسدها المنكمش على الفراش.. تلمستها وهي تستمع لموسيقاها ، فهذة أول هدية يُهديها إياها في عيد الحُب الأول بينهما..
تكونت بقعة من دموعها على الوسادة، وهذه الأصداء تراودها من حين لآخر عاجزة عن إسكاتها..
أغلقت اللعبة ، ووجهت ناظريها للسقفية.. تخيلت بعض المواقف التي جمعتهم، فضرب رأسها هذا المشهد الذي كان منذ قريب.. عندما اعتقدت إنهُ يودعّها، الآن فقط تفهمت ما معنى كلماته لها.. لقد استشعر قرب نهايتهم ، لذلك كان عجولًا للإجتماع بها.. قبضت “رفيف” على جفونها لينسال خيطي الدموع من طرفيها وهي تهمس :
- رفيف العبيطة الساذجة ، إزاي كنت عامية للدرجة دي وانا شايفة تلميحات مروة قدام عنيا.. للدرجة دي كنت مغغلة وحبي ليك عماني!! غـبية يارفيف، انتي غبية
وكتمت شهقاتها وهي تعتدل في جلستها، بسطت يدها لتلتقط كوب المياه بأصابع مرتجفة لا أعصاب فيها.. تجرعت رشفة صغيرة وأعادته ، ثم دفنت رأسها بين كفيها وقد ساءت حالتها أكثر أكثر.
…………………………………………………………
استقل “رائد” سيارته مسرعًا ليلحق بعربة الإسعاف التي تنقل “فاروق” للمشفى.. شيئًا واحدًا يسيطر على تفكيره بإستمرار،. ماذا سيحدث حال وفاة الجدّ؟
ستقوم القيامة في هذا القصر، وسيطفو طمع الجميع على السطح.. كل ما يُطال باليد سيلتهمونه دون أي شعور، تأفف “رائد” وهو يتمتم :
– أستغفر اللّه العظيم
حاول الإتصال بـ “رفيف”، ليجد هاتفها مازال مغلقًا.. فـ قرر الإتصال بـ “ندى” عسى أن يبلغ مرادهُ.
– في سيارة “طارق”
كانت “برديس” تبكي بكاءًا هيستيريًا وهي تعتقد أن “فاروق” على حافة السفر للرحلة الأخيرة..
حتى أن “طارق” توتر أثناء القيادة كما جعله يصيح فيها :
– كفاية عـيـاط قولتلك هيبقى كويس
تعالت شهقاتها وهي تردد :
– انت مشوفتش شكله كان عامل إزاي!!.. ده بيموت
فـ نفخ بإنزعاج وهو يقول :
– يعني هو هيعيش أكتر من اللي عاشه!.. كفاية عليه كدا
حملقت عيناها بذهول غير مصدقة ما قيل للتو.. التفتت لتنظر إليه بذهول ، ثم صاحت فيه بإنفعال شديد :
– انت إزاي تقول كدا على جدو؟.. صحيح إنك معندكش إحساس!
رغمًا عنه أزاد من سرعة سيارته وهو يصيح فيها بغضب كاد يتقافذ من عينيهِ :
– شكلك كدا عايزة تطلعي الدلع اللي ادعلتيه في حياتك عليا، لو فاكرة إنك ممكن تغلطي وهسكتلك تبقي غلطانة.. أوعي تتغري بالوش البلسم اللي مصدره ليكي بقالي يومين ، أنا لو قلبت على وشي التاني هكرهك في اليوم اللي اتولدتي فيه
فلم تكفّ عن الصياح فيهِ :
– قصدك إيه انت بتهددني!.. أنا مش بتهدد ، وانت متقدرش تعملي حاجه
وكأن كلماتها تثيره لتحدي جديد لن تكون هي بقادرة على تحمله.. أحتدمت نظراته وهو ينطق بإنفعال :
– بقى كدا!.. طب انا هعرفك إني مش بتاع تهديد وبس
ومع أول ميدان صادف طريقهُ التف حوله وعاد عن تتبع عربة الإسعاف وهو يردد بلهجة متوعدة :
– ورحمة الميتين ماانتي رايحة المستشفى
لم تهدأ ثورتها بل تصاعدت النيران بصدرها أكثر لتحكمهِ الذي بدأ يظهر بتصرفاته، وصاحت فيه :
– إيه اللي بتقوله دا، أنا هروح لجدو يعني هروح لجدو.. ومش من حقك تمنعني أساسًا
فـ ابتسم بسخرية وهو يردد :
– شكلك نسيتي
رفع يداه اليسرى يشير لخاتم الزواج وهو يتابع :
– اللي بتقوليه دا كان زمان ياقطة، دلوقتي انتي مراتي وكلمتي هي اللي تمشي عليكي.. حتى أبوكي نفسه مبقاش من حقه يأمرك
حتى وهي في أوج إنفعالها تخشى فقدان الإنسان الأعز على قلبها، فـ هدأ صوتها وهي تقول:
– وديني عند جدو ياطارق، هو ملهوش دعوة بخناقنا
– لأ
فـ نظرت أمامها وهي تجبر أنينها على الصمت، وآخر ما قالت :
– okey.. مش عايزة أروح
استكمل طريقه عائدًا للقصر، متفاخرًا بأول إنتصار له.. والأيام المقبلة سيحقق إنتصارات أخرى ساحقة ، حتى يجعلها گعجينة من الصلصال اللين القابل للتشكيل.. هو يحبها منذ نعومة أظافرها،. ولكنها دومًا كانت تنحاز للجانب الآخر ، دائمة النفور منه.. مما جعل شعوره بإنها حرب يترسخ داخلهِ.
أقسم أن يجبرها على حُبه بأي شكل ، غير مؤمنًا بأن أحاديث القلوب لها رأي آخر.. فـ القلب قلب، وإن حرمتهُ نعمة التنفس؛ ستبقى رغبتهِ أبدية غير قابلة للإجبار.
…………………………………………………………
فوريًا تم وضع “فاروق” بغرفة العناية المركزة وتحت رعاية مشددة.. الجميع منتظر وفود أي أخبار من الداخل، والقلق مسيطرًا على وجوه الجميع.
نظرت “إيمان” حولها وأعادت محاولة الإتصال بـ “طارق” الذي أغلق هاتفه بسأم عقب مطاردتها له.. تأففت بإنزعاج ، لتجد الطبيب يخرج وعلى وجهه علامات غير مبشرة.. دنى منهم وهو يبادر معنفًا إياهم :
– أنا مش حذرتكم قبل كدا من إنه يتعرض لأي زعل أو عصبية!!
لم يعقب أحدهم، فتابع هو :
– بـ احييكم على الحالة اللي وصل ليها فاروق بيه، أنا دلوقتي مقدرش أتدخل ولا أعمل أكتر من اللي عملته
فقالت “ميسون” وقد آلمها قلبها :
– أزاي يادكتور نظيف؟.. أكيد في حل
– الحل هو الجراحة ، واللي نسبة نجاحها لا تتعدى ٥٪.. وانا مش هقدر أغامر بحياة فاروق
تنهد وهو ينكس رأسه بضيق، نزع عن رأسه الغطاء الأخضر المعقم وقال :
– آسف إني هقول كدا، فاروق بيه يعتبر ميت إكلينيكيًا
شهقت “ميسون” وهي تكتم أنينها، بينما ارتجف “رائد” بتخوف شديد مما سمع.. وبقى الأمر شبه عاديًا للباقين، عدا “عادل” الذي لم يفارق قسم الإستقبال ورفض مرافقتهم لئلا يستمع للخبر الذي سيصيبهُ بالشلل..
تركهم “نظيف”.. ينظرون لبعضهم البعض لا يدرون ماذا سيفعلون!
كل منهم له همّ يختلف عن الآخر.. ولكنهم اتفقوا في أطماعهم.