رواية إمبراطورية الملائكة بقلم/ياسمين عادل
<< إمبراطورية الملائكة >>
- الفصل السابع عشر :-
تسلطت عيون “رائد” عليها وهي مسطحة على الأرضية.. تسعل بشدة وهى تتحسس عنقها.. كادت تفقد حياتها توًا لولا دخول “طارق” الذي أنقذ حياتها..
ركض “طارق” نحوها يفحصها وهو يصيح فيه :
– انت أكــيد اتجننت!!
ساندها لتعتدل في جلستها ، بينما يقف “رائد” بمحله مصدومًا من فعلته التي أجترأ على فعلها.. حدجته “مروة” بشراسة أكبر وقد انفجرت عدائيتها عليه :
– من النهاردة مش هتقدر تخليني أخاف تاني ، وكل حاجة هتتكشف والكل هيعرف الحقيقة
مازال “رائد” واقفًا لا حراك له.. بينما ركضت هي لتفر من أمامه عقب جرعة الشجاعة التي سيطرت عليها ، تعلقت نظرات “طارق” المتفحصة عليه.. ثم ردد مستخفًا :
– دي الحكاية باين عليها كبيرة أوي!.. مش دي تبقى أخت مراتك برضو ولا انا بيتهيألي ؟!
حل “رائد” زر قميصه الأول، ثم سحب هاتفه ومضى مستوفضًا للخارج.. لا يدري إلى أين وجهته، ابتسم “طارق” من زاوية فمه وتمتم بتحمس زائد :
– شكلها كدا طلاقك منها على إيدي، ولا هتبقى طولتها.. ولا حتى طولت بيري
وضحك مستمتعًا بإنتصار سيحققه عما قريب، فقد أمسك بطرف خيط سيؤدي لا محاله لكارثة كبرى.
……………………………………………………………
قاد سيارته بجنون.. يكاد يفقد عقله من كثرة التفكير، بالأخص إنه يحاول التواصل معها ولكنها لا تجيب على إتصالاته.. مما زرع بداخله الشكوك حول معرفتها بالأمر..
سقط هاتفه ، فجأر بنفاذ صبر وهو يضرب المقود :
– يــوه!!.. أنا أغبى خلق الله ، غبي يارائد غبـــي
وكأنه لا يرى الطريق إمامه وتسيطر عليه غيام الخوف.. غرز أصابعه في رأسه يحكها بعنف، حتى استمع لرنين هاتفه ، نظر للأسفل وهو يسبّ متذمرًا.. ثم انحنى يلتقطه بسرعة ليجدها تتصل ، فأجاب بنبرة مرتفعة :
– مش بتردي ليــه على طـول!!.. انتي بتجننيني وبتخلي الأفكار السودا تلعب في دماغي ليـه ؟؟
– آآ.. انا أسفه ، كنت بخلص بوكية و…..
فقاطعها بإحتداد و :
– لو عزرائيل بنفسه واقف قدامك بعد كدا تردي عليــا… و أأأأه
– رائــد.. انت سامعنـــي!
……………………………………………………………
أزاح “فاروق” كفيه عن وجهه.. نظر بالفراغ وحدق فيه قبل أن يردد :
– وبعدين يافواز!.. فات شهرين ولسه موصلناش لحل.. لو نفذوا تهديدهم أنا ممكن يجرالي حاجة
حاول “فواز” أن يطمئنه رغم قلقه البيّن :
– متقلقش يافاروق بيه، ان شاء الله نوصل لحل معاهم
إتكأ “فاروق” على عكازه ووقف بصعوبة يغالب آلام جسده.. ثم قال بوهن حزين :
– ربنا يسترها يامتر.. أحسن أنا ممكن اروح فيها
وقف “فواز” وراح يشد من أزرهِ :
– انا معاك يافاروق وان شاء الله تعدي على خير
– يارب
……………………………………………………………
كانت نظراته المظلمة گسواد الليل عالقة بنقطة بالفراغ.. يقوم الطبيب بتجبير ذراعه الذي التوى جراء حادث سير.. ومن حوله تقف “رفيف” و والدته ووالده أيضًا.. واللذان هرعا إلى هنا بمجرد إتصال “رفيف” بهم..
انتهى الطبيب من مهمته، ثم نظر إليه و :
– حظك حلو ياأستاذ رائد ، الأصابة كانت سطحية.. حضرتك هتحتاج ترتاح ومتجهدش دراعك الفترة الجاية وان شاء الله يتحسن بسهولة
نزحت “فريدة” عبراتها وهي تسأل بتلهف :
– يعني مفيش أي حاجة تقلق يادكتور!
– صدقيني يامدام الحادث كان بسيط والحمد لله.. عن أذنكم
تنهد “رائد” وهو ينظر لحبيبته الباكية ليقول لها معاتبًا :
– كلمتيهم ليه يارفيف!.. مش قولتلك حادثة بسيطة
فوبخته “فريدة” بلطف :
– أخس عليك يارائد ، لو مش هنكون معاك مين يكون معاك ياحبيبي
ربت “عاكف” على ساعده السليم وردد :
– حمدالله على سلامتك يابني، أنا هروح اشوف حساب المسشتفى واجيب الروشته اللي فيها المرهم اللي قال عليه الدكتور
فقالت “فريدة” :
– خدني معاك ياعاكف أحسن انا عطشانة أوي
سحب “عاكف” مقعدها وقاده للخارج.. حتى خرج بها من الغرفة، فـ استوقفته “فريدة” بفتور وهي تقول :
– أقف، روح انت وانا هستنى هنا
قطب جبينه وهو يتسائل :
– مش قولتي هتيجي معايا!
أشاحت بوجهها ، ثم ردت :
– كنت عايزة اسيب الولاد لوحدهم
فضحك ساخرًا وهمس :
– ربنا يخليكي ليهم ياام الحنية كلها
_ في الداخل..
جذبها لتجلس بجواره، وأردف بصوت رخيم :
– خلاص بقا يارفيف.. أنا كويس والله
شعرت بالذنب حياله وحملت عبئ قيامه بحادث.. بينما اهتم هو بإزالة هذا الهاجس عنها، فرك كفه الدافئ بكفها البارد ليبث فيه الحرارة، مستمرًا في التحدث إليها :
– أنا آسف عشان اتعصبت عليكي
– أنا اللي آسفه ، كل دا حصل بسببي
أجبر نفسه على الإبتسام لها :
– لأ مش انتي السبب، أنا اللي كنت أوڤر شوية.. بس انا كنت خايف يكون جرالك حاجة
جذبها بلطف ، حتى استقرت بين أحضانهِ واستندت رأسها على كتفه.. ضمها بذراعه السليم ، وظل يمسح على شعرها الناعم الأملس بحنان ليغزوها.. جال بخاطره إنها بضعة أيام وسينكشف كل شئ ، شعور الخوف متملكًا من كل حواسه ، تمنى لو استطاع أن يتجرأ ويبوح لها بكل شئ.. ولكنه عاجزًا عن ذلك.. حتى افتراض إنها ستتركه يرفض التفكير فيه ، وكل هذه اللحظات المميزة التي يعيشها معها الآن، ما هي إلا مُسكن قصير المدى والمفعول، وسيهاجمه الألم مرة أخرى.
……………………………………………………………
انفتح الباب،. فهرعت إليها “مروة” تسألها بتلهف :
– ها يارفيف، جراله إيه ؟
زفرت “رفيف” بإرهاق وهي تجلس على أقرب مقعد، ثم قالت :
– الحمد لله سليم ، الدكتور حطله جبيره لمدة ١٠ أيام عشان الإلتواء.. وكتبله على مراهم للكدمات اللي في جسمه
“عماد” :
– طب الحمد لله إنه خرج منها سليم ، ان شاء الله نروح نزوره يوم الجمعة
– إن شاء الله ياعمي
انسحبت “مروة” من بينهم لتدخل حيث غرفتها.. تركت دموعها تنساب بغزارة، بالرغم من إنها أصبحت تبغضه، ولكن قلبها يميل إليه رغمًا عنها.. كتمت صوتها بالوسادة وهي تشعر بوخزات تضرب رأسها كلما فكرت أنه كان سيلقى حتفه بسببها.. رفعت وجهها عن الوسادة ونزحت دموعها وقد استعادت قوتها، ثم قالت :
– مينفعش تموت يارائد، لسه ربنا كاتبلي آخد حقي منك كامل
……………………………………………………………
أيامًا عديدة مرت.. والجميع مستعد لإستقبال الحدث الأهم على الإطلاق..
حفل زفاف “برديس” و “طارق”..
لم ترغب “برديس” في الذهاب لمركز تجميل أو ما شابه ، بل إنها استدعت الكثير من الفتيات المتخصصات لتجهيزها في القصر، أحاطت بها الفتيات من كل اتجاه.. كل منهن تقوم بمهمة ، بينما تقف “ناهد” على مقربة منها تتأمل حسنها.. فقد أصبحت وحيدتها عروس تلفت الأنظار..
استمع الجميع لطرقات على الباب، فـ قامت “ناهد” بفتحه لتجد “فريدة” تنظر لها بإبتسامة مغزية.. أفسحت لها الطريق لتدفع مقعدها و :
- أهلًا يافريدة اتفضلي
أشارت لـ “رفيف” وهي ترد بـ :
ـ أنا مش لوحدي ، رفيف معايا وجايين نشوف العروسة
دلفن للداخل ، فلم تشعر “برديس” بتواجدهم.. حيث صوت مجفف الشعر وحديث الفتيات الذي لم ينته.. وإذ بها تنظر لتجد تلك الجميلة أمامها وهي تردد بنعومة :
– ألف مبــروك
أشارت “برديس” لمصففة الشعر ، فـ أوقفت هذا الصوت المزعج الذي يصدر عن المجفف.. وأجابت بجفاف :
– شكرًا ، عقبالك
“فريدة” :
– رفيف كانت مصممة تشوفك وتباركلك يابيري ، عشان كدا جت دلوقتي قبل الفرح
تفحصتها “ناهد” وداخلها يعج بالحقد.. فهذه البسيطة الغير متكلفة هي التي سرقت “رائد” واستحوذت عليه.. لا تدري ما الذي أحبه بها في منظورها، فهي غير ملفتة للأنظار رغم جمالها الطبيعي..
فكرت “ناهد” في المداعبة السمجة قليلًا.. فنظرت إليها شزرًا وهي تهتف بإستنكار :
– وانتي بقا هتروحي الفرح كدا ؟؟ ولا…….
قاطعتها “فريدة” ببعض الحزم قائلة :
– لسهMikap Artest بتاعت رفيف مجاتش واحنا مستنينها
ارتفع حاجبي “رفيف” غير مصدقة تلك المفاجأة التي لم تكن تتوقعها.. ولكنها أفاقت فجأة على صوت “فريدة” وهي تتابع :
– مش يلا بقى يارفيف ، اديكي شوفتي عروستنا القمر
– آ.. حاضر
خرجتا سويًا ، وسط نظرات “ناهد” المحتقنة.. في حين أن هم “برديس” أعظم مما تفكر فيه والدتها.. فاليوم قد باعت قلبها وعقلها وجسدها ونفسها لشخص لم تكن تحلم به قط.. ألمها الذي تدفنه الآن بداخلها يسيطر عليها ليحجب عنها التفكير بأي شئ آخر..
دلفت “رفيف” خلف “فريدة” لغرفتها.. ثم قالت “فريدة” وهي تشير نحو الخزانة :
– افتحي الدولاب يارفيف، هتلاقي فستان فضي في الوش متغطي بكيس شفاف
نفذت “رفيف” الأمر وأحضرت لها طلبها.. فـ ابتسمت وهي تنظر للثوب قبل أن تردف :
– الفستان دا اشتريته قبل ما ابقى قاعدة على الكرسي دا.. كنت هحضر بيه فرح مهم ، لكن محصلش نصيب، خديه.. هيبقى حلو أوي عليكي
صُدمت “رفيف” من فعل أم زوجها ، ولكنها لم تطيل في تعجبها.. فقد استشعرت فيها أمومتها الدافئة منذ الوهله الأولى، ولكنها شعرت ببعض النقص يلازمها جراء عطفها عليها.. فترددت في قبوله و :
- بس أنا معايا فستاني و…..
- رفيف، أنا عيزاكي تحسي انك في قصرك وكل حاجة هنا ملكك.. بلاش اشوف التعابير اللي في عنيكي دي ، يلا البسي عشان البنت اللي هتجهزك زمانها جاية.. وانا كمان هدخل البس
ابتسمت “فريدة” بعبث و :
– أوضة رائد فوق ، أول أوضة على الشمال.. اطلعي غيري هدومك وانا هبعتلك البنت على فوق أول ما تيجي
كانت خطوات “رائد” متعجلة نحو مدخل القصر.. صعد للأعلى مستوفضًا، دلف لغرفته وهو ينزع سترته.. ثم وقف أمام الخزانة ليخرج حُلته الجديدة إستعدادًا لحضور حفل الزفاف، كاد ينزع قميصه، فـ استمع لصوت الخادمة “زهور” وهي تردد :
– اتفضلي يارفيف هانم
اتسعت مقلتيه وهو يتنحى جانبًا ليكون خلف الباب، ليراها وهي تدلف غرفته وتتملى النظر فيها.. انشرح صدره وهو يقترب من ظهرها، حتى أصبح قريبًا من ظهرها.. وفجأة جذبها.. وقبل أن تصرخ كتم صوتها بيده و :
– دا أنا ، أهدي ياأوركيدا
استعادت انتظام أنفاسها، وتمعنت النظر إليه وهي تقول :
– انت!
أغرق وجهها تقبيلًا.. فـ زاد معدل اضطرابها وهي تعجز عن صدهِ ، أسقطت ثوبها عقب أن تراخت أعصابها جراء اقترابه الشديد منها.. حتى ابتعد عنها رغم عدم اكتفاءهُ ،وهمس :
– لو فوتنا الفرح هتبقي انتي السبب
تملصت منه بسهولة، وركضت بعيدًا وهي تردد :
– أعقل يارائد ، ماما فريدة هتيجي دلوقتي في أي وقت
– مش انتي اللي دخلتي أوضتي!
تحسست بشرتها الملتهبة و :
– آآه ، بس مكنتش اعرف موجود .. طنط بعتتلي السواق يجيبني هنا وقالتلي هروح الفرح معاها
فقام بتعديل المعلومة:
– تـؤ، قصدك هتروحي معايا.. أنا اللي اصطادتك
شهقت وهي تتابع :
– يعني ماما عارفه!
– أكيد
كان يتحرك نحوها فـ ابتعدت و :
– رائد الساعة بقت ٦ وانا معملتش حاجه، سيبني عشان خاطري
– أبدًا ، دا انا ما صدقت إنك قدامي
وأخيرًا نالها عقب أن ماطلتهُ طويلًا.. كان منتظرًا لدفء عنقها يحتضن وجهه، فـ يخدر خلاياه ويُسكر عقله.. ثوانٍِ وكان قد غاب عن أرض الواقع، وأصبح سجين رائحتها التي انغمس بها.
……………………………………………………………
نظر لها “عاصم” غير مصدقًا عيونه.. لقد أصبحت فاتنة للغاية، حتى هو لم يتعرف عليها في البداية بسبب تغيير ملامحها تغييرًا جذريًا..
وقفت ومن خلفها أمتار من فستانها الطويل على الأرضية، وطرحتها المطرزة تمتد حتى الأرضية.. وعلى رأسها تاج ماسي يضم أحجارًا زرقاء وبيضاء ماسية ضخمة.. تتناسق مع بعض فصوص الفستان من الأحجار الكريمة البراقة.. كان فستان ملكي بحق.
اقترب “عاصم” منها يُقبل ناصيتها بعمق، ثم مسح على وجهها وهو يردد :
– زي القمر يابيري، جايبة الجمال دا منين يابنت عاصم؟
فأجابت “ناهد” التي كانت في قمة جمالها بثوبها الرصاصي اللامع :
– طالعة لأمها طبعًا
فـ ابتسم وما زالت عيونه على ابنته :
– طبعًا
دلف “فاروق” وقد ارتدى حُلة بنية قاتمة.. مستندًا على عكازه، اقترب من جميلته الصغيرة وهو يرمقها بحنان جياش ، ثم فتح لها ذراعه لتهرع “برديس” إليه :
- حبيبة قلب جدو.. إيه الحلاوة دي يابرديس
وامتلأت عيناه بالدمع وهو يتأملها :
– مفيش حاجه مهونة عليا غير انك هتعيشي هنا تحت عيني
– ربنا يخليك ليا ياجدو
تدخلت “ناهد” بالأمر على الفور و :
– لأ لأ أوعي تعيطي يابيري، البنات مشيوا ومحدش هيعرف يظبطلك الميك أب بتاعك
تنحنح “فاروق” مستعيدًا ثباتهِ و :
– يلا ياعاصم ، العربيات تحت ورائد سبقنا على القاعة هو ومراته وعاكف مستني تحت
“عاصم” :
– حاضر يابابا
……………………………………………………………
ومن بين حين وآخر، كان يلتفت ليراها بطلتها الرائعة تلك.. ثوبها الفضي الأنيق و مساحيق التجميل التي أنارت وجهها ، فـ تشيح وجهها لتختبئ من نظراتهِ و :
– ركز في الطريق ، أنا فاضلي ثانية واحدة وهنط من
شباك العربية
فكركر بصوت مرتفع وهو يقوم بتشغيل مشغل الصوت لتشتعل السيارة بالأجواء الموسيقية، بينما تسائلت “رفيف” :
– هو السواق راح يجيب عمي والبنات ولا لسه ؟
فتضايق للتفكير بإنه سيراها الليلة مرة أخرى، ولكنه أجاب بتحفظ :
– زمانهم في الطريق ، متقلقيش
ثم همس بصوت لم تسمعه :
– إن شاء الله مش هيلحقوا يحضروا الفرح
……………………………………………………………
كانت القاعة قد اكتظت بالحضور.. الجميع في انتظار إطلالة العروس، حتى إنها تأخرت بتعمد عن موعد حضورها.. مما منح الفرصة لـ “رائد” كي يتغزل في زهرته اليانعة، رمقهم “عاكف” بنظرات حانقة، ثم همس :
- إبنك اتجنن يافريدة ، شايفة مدلوق عليها ازاي ؟.. أنا مش مصدق عنيا ، بقى دا ابني رائد!
تبرمت “فريدة” وهي تحدجه بسخط قائلة :
– ملكش دعوة بيهم وخليك في نفسك ، الحمد لله إنه مطلعش لأبوه.. طفس
استشاط “عاكف” من ردها الفظ الذي لم يتوقعه ، وكاد يرد بما هو أقوى.. لولا الأصوات الصادحة والنيران التي بدأت تشعل القاعة وانفتاح المداخل لإستقبال العروس..
وقف جميع الحضور وبدأت التصفيقات الحارة، وتجمعت الصحافة ووسائل الإعلام لتصوير دخول العروس المتأبطة في ذراع والدها.. بين صفين من الفتيات اللاتي يمسكن بالزهور البيضاء ويرتدين فساتين بيضاء قصيرة، ومن خلفها فتاتين تهتمان بذيل فستانها الطويل .. سارت بينهم غير شاعرة بمذاق هذه اللحظة الفريدة، ولكنها تبتسم بتزييف وكأنها أسعد إنسان على الأرض..
وفي النهاية يقف “طارق” بـ حُلتهِ السوداء الأنيقة، وقد أزال لحيته وهذب شعره وتعطر بأفضل عطر.. يقف منتصبًا في انتظار أن يحصل على يدها.
……………………………………………………………
انتهت مراسم عقد القران بعيدًا عن القاعة .. وأعقبها الرقصة الأولى للعروسين وسط الإضاءة الخافتة والموسيقى الهادئة ، أغلب العيون مسلطة عليهما.. حتى عيون “رفيف” التي تخيلت لوهله إنه حفل زفافها ، استشعر فيها “رائد” ذلك الشعور.. فاقترب ليهمس لها :
– متقلقيش هعملك فرح أكبر منه
فـ ابتسمت بسعادة طغت عليها، واستدارت لتواجهه وهي تقول :
– لأ أنا مش عايزاه فرح مبهرج أوي كدا ، هنعمل حاجة بسيطة
انعقد حاجبيه بعدم رضا و :
– ناقص تقوليلي نعمل فرح عائلي!
كركرت عقب أن أظهر ردة الفعل تلك، ثم قالت :
– لأ مش للدرجادي
كانت مظاهر البزخ والترف جليّه للعيان ، الأطعمة والمشروبات الفاخرة.. وأفضل أنواع الحلوى والشيكولاتات التي تم توزيعها على كافة الحاضرين.. استمرت “برديس” في الرقص بإلتهاء وسط زميلاتها ورفيقاتها الكُثر اللاتي حضرن الحفل..
لمحت إحداهن “رائد” عن مسافة بعيدة، فـ لمعت عيناها غير مدركة تلك الجميلة التي تقف بجواره، اقتربت منه متحمسة، عسى أن تعيد حبال الوصال بينهم.. سارت بخيلاء وهي تمسك بفستانها اللامع، فلمحتها.. ولكنها لم تتراجع عن موقفها ، وقف قبالته مباشرة.. وفجأة أشرأبت وقبّلت صدغه ، فـ انتفض وهو يرمقها بنظرات مصدومة ليجدها أمامه..
فقالت بدلال :
– أزيك يارائد، وحشتني مـوت
– ميران! ؟
تأملت أناقته وهي تقول بإعجاب :
– لسه شيك زي ماانت
كل ذلك و “رفيف” تقوم بدور المشاهد وداخلها نيران مُسعرّة..فـ أمسك “رائد” يدها بتشبث و :
– رفيف مراتي ، ودي ميران صاحبة برديس
اختفت الإبتسامة من وجهها ونظرت إليها بشدوه، ثم نطقت غير مصدقة :
– مراتك؟!.. مراتك انت ؟
ثم ضحكت غير مصدقة ما سمعت ، وتمادت في الضحك حتى إنها لم تنتبه لإنصرافهما من أمامها..
بدت “رفيف” مضطربة وقد تزعزعت ثقتها بنفسها، وما جعل توازنها يعود إليها هو “رائد” :
- خليكي واثقة في نفسك يارفيف، أنا سيبت الكل وجيتلك انتي.. افتكري دا كويس
لمس خصلاتها المتدلية على كتفها، وكاد يتحدث.. لولا اهتزاز هاتفه بجيب بنطاله، فـ امتعض وجهه وأخرجه ليجد مكالمة واردة من رقم غريب استمر بالإتصال أكثر من مرة..
فأجاب و :
– ألو..
صمت قليلًا وقد بدا عليه التوتر ، ثم أغلق المكالمة وابتسم لها ملاطفًا :
– هروح اعمل حاجه بسرعة وارجعلك، وانتي روحي اقعدي مع ماما
– ماشي
خرج من القاعة قاصدًا وجهه معينة، نظر حوله حتى رآها.. فـ امتعضت ملامحه وهو يقترب منها بخطى متعجلة و :
– جايباني هنا ليه ؟
نظرت له ببراءة كاذبة قبل أن تتفوه بـ :
– جاية اعتذرلك.. واقولك إني هنسى كل حاجه
قطب جبينه غير مصدقًا، وظل مرابطًا بعيونه على عيونها.. لتتابع هي :
– انت كنت صح، أنا اللي عيشت في حلم مش بتاعي.. وصدقت انك ممكن تفكر فيا ، لكن خلاص صحيت من حلمي، وصدقني رفيف عمرها ما هتعرف إنك كنت على علاقة بيا قبل ما تخطبها ، ولا هحكيلها حاجه
صوت ارتطام عنيف بالخلف ، جعله يلتفت فجأة ليجدها مفترشة على الأرضية و………………………..