رواية إمبراطورية الملائكة بقلم/ياسمين عادل

<< إمبراطورية المـلائكة >>

  • الفصل الرابع عشر :-

لم يلبث أن ينهي الشيخ جملته لمباركة الزيجة، حتى نهض “رائد” متعجلًا وجذبها لتقف قبالته، احتواها بعناق عميق وضمها لصدره وسط أصوات مبهجة من الزغاريد والضحكات والمباركات..
هنا فقط استطاعت أن تشدد قبضتي كفها على ظهره تضمه لها بحرية، شعرت بدقات قلبه تخترقها.. وأصابعها هي المرتجفة تتمسك به بتشبث.
أكل الغيظ من “مروة” التي تصلبت بمحلها تراقب بأعين مغلولة لحظتهم الرومانسية السعيدة.. لقد دبرت لإفساد ليلتهم في وقت مناسب اختارته هي،ليكون وقع الصدمة أقوى وأعنف.. ولكنها لم تضع حسبانًا بأن “رائد” قد يكشف ما يجول برأسها، تتحامل على نفسها وقلبها الآن وهي ترى عناقه لها.. بل كان من اللازم أن تكون هي بمحلها وليس العكس، هي الأولى به وليس أختها التي ظهرت فجأة في علاقتهم .. هكذا كان رأيها.
لم ينتبه أحدًا لوجودها، فقد عمّت الفرحة أرجاء المكان واجتمع الجمع حولهم لتهنئتهم، حتى لاحظت “دريّة” وجودها.. فـ نادت اسمها و :
– تعالي يامروة، واقفة عندك ليه

انتقلت نظرات “رائد” حيث تقف هي، رمقها بتفاخر وكأنه ينبئها بكشف خدعتها.. بينما تبادله هي نظرات الحقد والكره والبغض، حدجتها “رفيف” بإبتهاج وهي تناديها :
– تعالي يامروة، أنا كنت مستنياكي بس الشيخ كان مستعجل

ثم خطت نحوها وهي ترفع فستانها عن الأرضية، عانقتها “رفيف” بأخوية متجاهلة سوء معاملتها لها وعدم الإعتراف بأخويتهم كونها من دم أم أخرى.. وكان تجسيد دور الأخت الكبرى ليس عسيرًا عليها، ضمتها “مروة” بعناق مزيف.. حمل في طياتهِ الضغينة، ثم ابتعدت عنها وقالت ببسمة أشعت خبثًا :
– مبروك يارفيف، انتي تستاهلي كل خير

رفعت بصرها نحو “رائد” الذي راقبها بتمعن.. دارسًا لتفاصيل ملامحها الكاذبة، مطمئنًا بعض الشئ عقب أن ضمن بقائها في ذمته..
أشاح وجهه، فوجد من يتابع مسيرات الأمور بأكثر عمقًا.. “عادل” الذي اكتشف هذه الكارثة حديثًا، وقد نال “رائد” منه من التوبيخ ما كفاه.
……………………………………………………………
هامت “رفيف” في سقفية غرفتها وكأنها سماء متلألئة بنجوم أحلامها.. تتلمس قلادتها الذهبية المحفورة بأسمها، والتي ألبسها “رائد” إياها عقب عقد القران، وتذكرت عبارته الهامسة التي همس بها بجوار أذنها :
– أوعي تقلعيها أبدًا، دي أغلى حاجة ممكن اهديهالك

ثم نظرت لأصابع يدها اليمنى، لترى دبلتها العريضة التي تزينت بـ خاتم ذا فص ماسي واحد.. وتركت ما بقى من “شبكتها” في درج الكومود، اقتربت منها “ندى”.. جلست جوارها وهي تقول بنبرة مفعمة بالسعادة:
– فيفي، خلاص كلها شهرين وتبقى أحلى عروسة في الدنيا.. سمعت بابا وهو بيتفق مع ماما ننزل نجيب الجهاز بتاعك أول الشهر

تنهدت “رفيف” بسعادة وهي تهمس :
– أنا حاسة إني مش هقدر اكون زوجة، مبسوطة اوي بس خايفة.. حاسه إنها مسؤلية أكبر مني

ثم ابتسمت وتابعت :
– بس اللي مصبرني إني هشيل مسؤلية إنسان انا بحبه، وساعتها كل مسؤليات الدنيا هتكون صفر على الشمال

غمزت لها “ندى” بخبث وهي تسأل:
– كان بيقولك إيه في ودنك قبل ما يمشي؟

استحت “رفيف” ما تذكر كلماته الموحية بكثير من الأشياء التي يدخرها من أجلها.. واكتفت بالإبتسام الخجل، ثم استدارت بجسدها يمينًا لتنام و :
– هقولك لما تكبري

لكزتها “ندى” بغيظ و :
– بقى كدا ، طب خليكي فكراها

ونهضت من جوارها، بينما اندمجت “رفيف” في الضحك متناسية أي صعاب مرت بها، فقط دفء أحضانه هو الذي تشعر به الآن وكأنه مازال موجودًا
……………………………………………………………

مضى “رائد” في طريقه مسرعًا للخارج.. حتى تصادف معه، فـ استوقفه “عادل” و :
– رايح فين بدري كدا؟؟
– عندي كام حاجة لازم اخلصهم قبل ما اروح لرفيف، عمها عازمني على الغدا النهاردة

رمقه “عادل” بنظرات حانقة قبل أن يردف :
– إمبارح عرفت توزع مروة، هتعمل إيه النهاردة وبكرة وكل يوم؟

أطرق “رائد” رأسه، وقبل أن يجيب.. قاطعه “عادل” :
– أنا عارف إنك كنت متهور، وعرفت بنات بعدد شعر راسك.. بس المرة دي الموضوع معقد يارائد، وطالما رفيف كانت في حياتك، ليه مروة؟

تنهد “رائد” قبل أن يبرر :
– مروة هي اللي كانت بتقرب مني ياعمي، وانا مقدرتش اصدها.. في نفس الوقت اللي رفيف كانت فيه بتبعد عني وخايفة مني، وبتصد أي وسيلة مني للقرب منها.. معرفش حصل ازاي، بس علاقتي مع مروة مخدتش أي شكل غير إنها حبتني من طرف واحد.. وانا عمري ما فكرت اقولها كلمة تعشمها
– تصرفاتك كانت أكبر عشم ليها، ودا اللي مورطنا دلوقتي

نظر “رائد” في ساعك يده قبيل أن يردد :
– أنا هلاقي حل أكيد.. بس لازم امشي دلوقتي

ثم مضى مستكملًا طريقه نحو سيارته، ليجد “برديس” أمامه.. توقف وهو يسأل :
– برديس!.. بقالي فترة مش بشوفك، مختفية ليه؟

فأجابت بفتور وهي تحيد ناظريها عنه :
– عادي، مش ببقى دايمًا فاضية.. وانت على طول برا.. يعني طبيعي متشوفنيش حتى واحنا في قصر واحد

بسط يده ليصافحها و :
– تتعوض، عايزك تكوني موجودة يوم الاحد الجاي عشان عازمين أسرة رفيف.. وكنت حابب تتعرفوا على بعض أكتر

تناست أمر كفها الذي بقى بين أحضان كفه بعض الوقت.. ونظرت إليه بنظرات مشتاقة امتشج بها حزنها، وكأنها تقول له “ألا تراني”.. وخز قلبها أكثر عندما أفصح لها برغبته، فهي تغار عليه من نسمة قد تلفح وجهه، فما بالك بحبيبة وزوجة جعلها على رؤوس كل النساء..
أطبقت” برديس” جفونها لتستعيد طاقتها، ثم أردفت بثبات :
– حاضر

نظرت لكفها وهي تسحبه منه.. ثم قالت :
– عن أذنك

انتقل هو نحو سيارته، استقلها وهو يضع نظارته الشمسية الرمادية الأنيقة ليغطي عيون البحر خاصته.. بينما دلفت هي للداخل وقد انشغل عقلها بما رواه، لتتفاجأ بيدٍ تجتذبها بعنف.. حتى كادت تسقط على وجهها لولا جسده الذي ارتطمت به.. شهقت وهي ترفع بصرها إليه، ثم صاحت بإنفعال :
– طــارق! إزاي تمسكني كـدا ؟ you are crazy!

فقال بحنق بالغ :
– إزاي تسمحيله يمسك إيدك بالشكل دا؟

توترت وهي تخلص ذراعها منه، ثم ردت :
– رائد إبن عمي، وبتعامل معاه عادي.. وانا مش هسمحلك تتحكم في تصرفاتي بالشكل دا مرك تانية، ولا تعاملني بالهمجية دي.. سمعتني أكيد!

ثم انصرفت گبرق انخطف من أمام عينيه.. بينما بقى هو گالقدر المشتعل على نيران غيرته.. كز أسنانه بعنف، ثم قال متوعدًا :
– اما اشوف كلامك دا هيتغير بعد الجواز ولا يبقالي كلام تاني معاكي!

……………………………………………………………

خرج “عاكف” من قسم المالية بالشركة.. قاصدًا مكتب ولده.. ولكنه تصلب مكانه عندما رآها، حدق فيها طويلًا يتأكد من كونها هي.. حتى وجدها تبتسم بتشفي وهي تردد بنعومة :
– أزيك ياعاكف، وحشتني بجد

حملق فيها قبل أن يسأل بتجهم :
– بتعملي إيه هنا ياشهيرة؟

مازالت تبتسم ببرود شديد وهي تجيب :
– انت ناسي إن ليا ٥ % هنا.. وانت ملكش أي حاجة

ارتفع أحد حاجبيه مستغربًا الوضع :
– وانتي بقى هتفضلي هنا على طول؟

فقالت والشماتة تتجلى بناظريها :
– وعلى عرض كمان

ثم تركته يغلي گالقدور وانصرفت.. تتبع اثرها بعيونه قبل أن يهمس لنفسه :
– دي الدنيا بتتعقد أكتر كل يوم!

……………………………………………………………

كانت مائدة صغيرة، ولكنها ضمت أشكالًا عديدة من الأطعمة الشهية والدسمة.. أغلب الأصناف فد صنعتها “رفيف” بنفسها عقب أن تابعت عدة برامج تليفزيونية شهيرة تهتم بفنون الطبخ.. ثم أعدت الطيب من أجله..
جلس “رائد” على يمين “عماد” على رأس المائدة، وبجواره “رفيف”.. وقبالتهم” مروة، ندى ” وعلى الرأس الآخر جلست “دريّة”، أهتم” عماد ” بشأن ضيفه العزيز.. فقام بنفسه بوضع الطعام في صحنهِ بإفراط، حتى أن “رائد” تناول فقط ربع كمية الطعام.. وما بين الحين والآخر، لم يكفّ عن إطراء صنعها والتغزل المتخفي فيها، حتى انتهى الطعام.. ورُفعت المائدة..
جلس “رائد” وهو يرتشف من قهوته.. ثم تحسس مذاقها الرائع وهو يردد :
– القهوة تجنن

ابتسم “عماد” و :
– دا بن يمني معتبر

كانت “مروة” مصرة على مشاركتهم جلستهم أينما كانوا.. حتى لا تكون فرص الإنفراد بها أكبر، وضعت “درية” طبق كبير من الفاكهة أمامهم، ثم رفعت بصرها بإتجاه “رفيف” تحدجها بإمتعاض وهي تردد :
– ما تتحركي من مكانك شوية يارفيف، من ساعة ما خطيبك جه وانتي قاعدة كدا.. والحوض مليان مواعين معرفتش اغسل الفاكهة بسببها!

تحرجت “رفيف” بشدة وقد تلون وجهها بالحُمرة الساخنة.. بينما بادرت “ندى” بالنهوض وهي تردد :
– أنا هتصرف ياماما

فوقفت “رفيف” لتواري نفسها عن “رائد” عقب الحرج الذي تلقته.. وقالت :
– لأ أنا رايحة خليكي ياندى، ثواني وراجعة

كانت نظرات “عماد” الحانقة مسلطة على زوجته التي أثارت نظرات “رائد” الماقتة نحوها ولكنه أثّر الصمت..
جلست “دريّة” وهي تنظر حيال هذا الوسيم الذي سقط من السماء على رأس “رفيف” كما تقول.. ثم سألت :
– مامتك كويسة يارائد؟

فأجاب بإقتضاب وهو يترك القهوة خاصته :
– كويسة

أضاء هاتفه باهتزازات متوالية، فـ التقطه ونظر إليه وهو يردد :
– عن أذنكم هرد برا

خرج “رائد” من غرفة الجلوس، أغلق هاتفه ونظر حوله يبحث عن مكان المطبخ.. حتى وجد ردهة صغيرة، ولج عبرها واتبع صوت هدير المياه، حتى وجدها.. كانت تنساب بعض عبراتها الحساسة جراء فعلة زوجة عمها المحرجة وهي تتولى تنظيف الصحون.. ذمّ “رائد” شفتيه بضيق لأجلها، ثم حمحم لتنبيهها بوجوده.. وسرعان مع أزالت بقايا دموعها بظهر كفها، وتابعت ما تقوم به.. دلف ليقف جوارها، ثم سألها بعبث :
– مش محتاجة مساعدة، دا أنا مساعد شيف قديم

كركرت “رفيف” بصوت منخفض، بينما امتدت أنامله ليزيح عبراتها وهو يردد :
– متزعليش، شوية وهتسيبلها البيت كله وتكوني في مملكتك لوحدك

فتنهدت وهي تطبق جفونها، مستشعره دفء أصابعه على وجنتيها وتستمتع بكلماته الرقيقة الذي أذابت جليد قسوة “دريّة”.

كانت نظرات “مروة” عالقة على باب الغرفة منتظرة دخوله بفارغ صبر.. ولكن خاب ظنها، ابتلعت “دريّة” قطعة التفاح وهي تغمغم :
– ما تقوم تشوف نسيبك اتأخر برا ليه ياعماد

تأفف “عماد” وهو يردد بإحتدام :
– ياريت تسكتي خالص، لسه لينا حساب لما الضيف يمشي

تخرج “مروة” وتبحث بعينيها الصائدة عنه، ولكنها لم تجده.. فتستمع لصوت ضحكاتهم الآتية من إتجاه المطبخ، فتشتعل جذوة حقدها وهي تسير نحو المطبخ باندفاع..
وقفت على بعد مسافة ليست ببعيدة، لتجد “رائد” بنفسه يقوم بتنظيف الصحون وهي تقف بجواره تتحدث إليه.. حدقت نظراتها وهي تراقبهم.. حتى وجدت “رفيف” تقهقه بصوت مرتفع عقب أن همس لها بعبارة لم تسمعها..
وعقب أن انتهى “رائد” من مهمة تنظيف آخر طبق بالحوض، غسل يده جيدًا وجففها، ثم التفت لها وهو يهمس بمكر :
– فين الهدية اللي وعدتيني بيها؟

ابتسمت بإستحياء وهي تقترب لتطبع قبلة صغيرة على وجنته.. فـ عقد حاجبيه بعدم رضا :
– لأ مش حلوة
– وبعدين معاك!

فأشار بأصابعه وهو يردد :
– واحدة كمان بس

اقتربت لتعويض قبلتها الصغيرة بأخرى.. فتفاجئت به يسرق شفتيها ويُقبلها بعمق، استسلمت له عقب محاولة غير مجدية للإبتعاد عنه.. فضمها إليه وقد زاد عمق قبلته لها، وهي مغمضة عيونها بإستكانة.. ابتعد هو متمسكًا بثباته الإنفعالي كي لا يتمادى بأكثر من ذلك.. فـ لمح ظل “مروة”، مما دفعه ليكرر فعلتهِ من جديد ويُقبلها بشغف أكبر ، وكأنه يخبرها، أن حبيبته هي واحدة فقط..” رفيف “

error: