رواية وحدك حبيبتي
10- رجل لكل النساء
انتهى دكتور مسعود من نزع جبيرة الجبس عن ساق ممدوح للمرة الثانية ، قال موجهًا حديثه إليه :
ـ حمدًا لله .. لا توجد خطورة حتى الآن ولكن عليك توخي الحذر فى المرة القادمة
حانت منه التفاتة حانية إلى ليلى التي تعمدت الوقوف بجوار ممدوح وكأنها سمرت في مكانها ، أشاح ببصره مرغمًا أمام نظرات ممدوح الغاضبة ثم ما لبث أن غادر وهو يغمغم :
ـ أتمنى أن تكون هذه هي الإصابة الأخيرة ، حتى لا تحدث مضاعفات
التفت ممدوح إلى ليلى الشاردة :
– بماذا تفكرين ؟
تنهدت قائلة :
– لا شيء
حاول أن يبدو هادئًا وهو يسألها :
– ما مدى علاقتك بدكتور قيس هذا ؟
ـ اسمه دكتور مسعود
تأملها غاضبًا فأردفت :
– مجرد صداقة
قال في تهكم :
– صداقة ، من أي نوع ؟
– ماذا تعني ؟
أجابها ساخرًا :
– أخشى أن تكون صداقتك معه من نوع صداقتي بـ نجوى
صاحت مستنكرة :
– هل تسمي ما بينك وبين تلك الساقطة صداقة ؟!
تابع بنفس اللهجة الساخرة :
– ربما الحمى التي تصيبه كلما رآك هي الصداقة بعينها ..!
ـ لا تظن أن الرجال جميعًا مثلك
– فيما كنتما تتحدثان في الحديقة ؟
أشار محدزًا وأردف :
– ولا تقولي أنه كان يحدثك عني ؟
ـ نعم هذا ما حدث بالفعل
جذب ذراعها بقسوة فصرخت فيه ساخطة :
– كف عن عنفك معي ، تذكر أنني امرأة
تفحصها في وقاحة قائلًا :
– لستُ في حاجة لتذكر كونك امرأة ، فأنا أرى هذا دائمًا ، لكنك من تصر على الإنكار
تلاقت عيونهما في نظرة طويلة ، استسلمت بعدها لسيل من قبلاته الشرهة ، حتى استطاعت أن تتحرر منه أخيرًا قائلة بأنفاس لاهثة :
– عليك أن تعلم بأنني لن أسمح لك بأكثر من هذا حتى تصبح رجلي
هتف مستنكرًا :
– كفى بلاهة يا ليلى ، رجل من أنا إذًا ؟
ـ أنتَ رجل لكل النساء
ـ وكيف تريدينني أن أكون ؟ مثل هذا القيس ؟
ـ ومن أوصلك أنتَ لقيس ؟
ـ قيس هذا كان أحمق ، ترك امرأة تسلبه عقله
ـ قيس كان عاشقًا وظل مخلصًا لعشقه حتى الموت
ـ كفى أوهامًا ، إن كنت أصدق شيئًا في هذه الأسطورة الغبية ، فهي أن قيس هذا كان مجنونًا
ـ ليتك تجن مثله إذًا
ـ أهذا ما تريدينه ؟ أراهنك بعدها ستهجرينني بلا رحمة
ـ تنقصك بعض الثقة بالنساء
ـ بعض الثقة .. ! أنا لا أثق فيكن البتة ، وهذا ما يجعلني ممدوح سالم
ـ يا لك من متعجرف ، تتحدث عن نفسك وكأنك من بنى الأهرامات ..!
ـ أنا لا أبني الأهرامات ، بل أسقطها
زفرت في ضيق ، بينما ابتسم وهو يتأملها قائلًا :
– أتنكرين ذلك يا هرمي الأكبر ؟
ـ أنت لا تطاق
احتضن وجهها بين راحتيه ، وعيناه تغزو عينيها هامسًا :
– لكنك سقطت في حبي ، أليس كذلك ؟
هتفت في عناد :
ـ لا أعلم سوى شيئًا واحدًا.. وهو أنني لن أكون لك قبل أن تكون أنت أيضًا لي
ـ أنت تلعبين بالنار يا ليلى ، حذار أن تقتربي من حصوني أكثر من هذا
لا تدري كيف استسلمت لقبلاته كالمسحورة من جديد ، لكنها ابتعدت عنه في حدة عندما دلف أشرف إلى الحجرة فجأة .. وكأن ارتباكها انتقل إليه فغمغم فيتلعثم :
ـ لقد طرقت الباب ولكن يبدو أنكما …….
عضت ليلى على شفتيها في خجل بينما صاح به ممدوح ساخطًا :
– ماذا حدث لك ؟
أجابه أشرف في لهجة ما زال الخجل يشوبها :
– لقد نسيت أن آخذ معي الورقة التي كتبها الطبيب لكي أحضر الدواء
ناولته ليلى الورقة دون أن تجرؤ على رفع وجهها نحوه فانصرف وهو ينظر إلى ممدوح مبتسمًا ، قال ممدوح وهو ينظر إلى ليلى في تهكم :
– يبدو أن حماقتك شديدة العدوى
لكزته في ضيق قائلة :
ـ ليت عدواها تنتقل إليك إذًا ، فربما أصابتك ببعض الحياء ..!
*****
فى المساء دلفت ليلى إلى غرفتها لتوقظ ممدوح لكنها وجدته واقفًا أمام المرآة وقد انتهى تقريبًا من ارتداء ملابسه كاملة ، حدقت فيه قائلة :
– ماذا تفعل ؟
ـ كما ترين ، لقد مللت جدران هذه الحجرة
قالت فيتردد :
– هل يمكنني الذهاب معك ؟
نظر إليها قائلًا:
– لن نكون بمفردنا
ابتسمت في مكر قائلة :
– هل أنت خائف أم أن هذه نصيحة نجوى ؟
بادلها الابتسام :
– كفي عن استفزازي يا ليلى ، هل ستأتين معنا ؟
ـ إن لم يكن لديك مانع
ابتسم وهو يقبلها قبلة صغيرة :
– سأنتظرك بالأسفل ، لا تتأخري
ما كاد يصل إلى باب الحجرة حتى استدار إليها وقال محذرًا :
ـ ليلى … سنذهب إلى ملهى ليلي هذه المرة
ظل يذرع الردهة ذهابًا وإيابًا وهو يهتف ساخطًا :
– اللعنة على النساء جميعًا ، لمَ كل هذه العطلة ؟
خرجت نجوى منغرفتها أخيرًا وقد أعادت زينتها من جديد بعد علمها بوجود ليلى معهم ، التفتت إلى ممدوح قائلة :
– ما رأيك الآن ؟
تأملها بإعجاب قائلًا :
– رائعة ، أنت دائمًا رائعة يا نجوى
قالت ماكرة :
– أرجو ألا ترتدي ليلى الجينز
ابتسم ممدوح :
– لا أظن
ـ هذه البلهاء لها ذوق قروي لا يطاق
نظر إليها صامتًا وجلس ساخطًا في انتظار ليلى ، جلستفوق مسند كرسيه وهمست في دلال :
ـ ممدوح ، أنا من ستجلس بجوارك ، أليس كذلك ؟
ابتسم في خبث :
– أنا سأجلس بجوار أشرف ، ربما أمكنك الجلوس بجوار ليلى في المقعد الخلفي
ـ وماذا عن سميرة ؟
نظر إليها مستنكرًا ، فتابعت في وقاحة :
– سميرة ستكون معنا في السيارة
ـ وماذا عن ليلى ؟
لوت فمها في مزيد من الدلال قائلة :
– يمكنها أن تركب في السيارة الأخرى ، لقد أصبحت علاقتها حميمية جدًا معهم وكأنها تعرفهم منذ دهر كامل
ـ ما هذا الهراء ؟ كوني معقولة يا نجوى
ـ وهل طلبت المستحيل ؟
ـ هل نسيت أنها زوجتي ؟
نهضت غاضبة :
– قلت لك مرارًا ، كف عن ترديد هذه الكلمة أمامي
استدار ممدوح إلى حيث تعلقت عيناها فجأة قبل أن تغادر الردهة ساخطة ، كانت ليلى تهبط الدرج في نعومة
وعلى شفتيها تلألأت ابتسامة أحلى من كل الجواهر التي تزينت بها والتى تحلى بها فستانها السماوي الرائع الذي التصق بجسدها في عشق تولد عنه أنوثة طاغية ، صعد ممدوح الدرجات المتبقية إليها عدوًا
همست في دلال :
– هل يعجبك هذا ؟
همس وهو يقبل يدها :
– ماذا ترين ؟
*****
شعرت نجوى بالجنون وهي تصرخ في عادل :
-لماذا تصر على أن تكون سيارتنا في المقدمة ؟
كان عادل قد فهم الإشارة التي وجهها إليه أشرف بناء على طلب ممدوح فقال مماطلًا :
ـ ولماذا تصرين أنت على السير خلفهم ؟
ـ عادل ، هل أصابك العته فجأة ؟
ـ الطريق ضيق كما ترين وأخشى أن أعرضكما لمكروه
ـ تتحدث وكأنها المرة الأولى التي نسلك فيها هذه الطرق
جلست ليلى بجوار ممدوح على المقعد الخلفي وقد أحاطها بذراعه بينما احتضن كفيها بيده الأخرى مما جعل قلبها يهتف في عنف حتى كادت تبكي وهي تتلقى الترحيب من أشرف وكمال بكل العبارات الرائعة .. ما إن بدأ الطريق يزدحم بالسيارات حتى غمز ممدوح لأشرف :
ـ نريد أن نرى مهارتك في القيادة يا أشرف
ضحك أشرف وهو ينعطف بالسيارة فجأة في طريق جانبي تاركًا السيارة التي يقودها عادل في الطريق الآخر
ابتسم ممدوح بينما غمغمت ليلى :
– ماذا تفعلون ؟
ضحك أشرف قائلًا :
– نلهو قليلًا
توقفوا بالسيارة أمام مقهى كبير لبيع المشروبات الساخنة والمثلجة ، سألهم أشرف :
– ماذا أحضر لكم ؟
قال كمال بسرعة :
– عصير مانجو
نظر ممدوح إلى ليلى وقال مبتسمًا :
– بل آيس كريم
ضحك كمال قائلًا :
– منذ متى وأنت تأكل الآيس كريم ؟!
بادله أشرف دهشته وهو يسأل ممدوح بدوره :
– ما هذه الطفولة المتأخرة أيها الزعيم ؟!
همس ممدوح في أذن ليلى :
– هل أخبرهما ؟
اتسعت عيناها الجميلتان تحمل التحذير والرجاء معًا ، فابتسم ممدوح قائلًا دون أن يرفع عينيه عنها :
ـ ليلى تحبه كثيرًا
ابتسم أشرف :
– إن كان الأمر كذلك ، فليحيا الآيس كريم
انتابها بعض الضيق عندما عاد أشرف إلى القيادة معلنًا انتهاء اللحظات السعيدة التي تمضيها مع ممدوح بعيدًا عن غريمتها ، يا لها من لحظات رائعة ، ليتها تدوم للأبد
همس ممدوح وهو يتأملها :
– هل أنت سعيدة ؟
ـ جدًا
مال عليها يقبلها ، فابتعدت عنه في خجل هامسة :
– ممدوح ، لسنا بمفردنا
استدار إليهما كمال قائلًا :
– لا عليك يا ليلى ، نحن معتادون منه على ما هو أكثر من هذا
عضت ليلى على شفتيها بينما أزاحه ممدوح في عنف قائلًا :
– انظر أمامك يا ذنبي الأسود
*****
حدقت نجوى فيممدوح بغضب وهو يقترب منها مبتسمًا ، جلس بجوارها قائلًا في لا مبالاة :
ـ هل تأخرنا عليكِ ؟
ضحك في مرح عندما أعلنت نظراتها بأنها تتمنى قتله ، بينما ابتسمت ليلى مرغمة وهي تشعر بالشفقة تجاه نجوى .. وتجاه نفسها أيضًا ، يا له من قدر هذا الذي أوقعها في عشق رجل بهذه القسوة ، قدروضعها في موقف ..لو أقسم كل من تعرفهم ومن لا تعرفهم منذ أيام قليلة بأنها ستوضع فيه لكذبتهم جميعًابل واتهمتهم بالجنون
رغم ما تشعر به نجوى من ضيق بلغ ذروته ، فقد أصرت على أن لا تدع ليلى تنعم وحدها بهذه السهرة أبدًا ، لن تدعها تخطف منها ممدوح مهما حدث ، ابتسمت وهي تعاتبه في دلال مفرط ، راحت تهمس في أذنه بعبارات لم تسمع منها ليلى شيئًا ، عدا هذه الضحكات التي تعقب الهمس حتى شعرت بالجنون وارتفعت حرارتها غيظًا
أقبل الجرسون في هذه الأثناء وقدم لهم قائمة الطعام ، نظر ممدوح إلى نجوى قائلًا :
– ماذا تفضلين ؟
همست في نبرة بدت لـ ليلى كريهة جدًا :
– ألم تعرف بعد أن أفضل ما عندي هو ما تفضله أنت ؟
ابتسم ممدوح وهو يلقي على ليلى نظرة عابرة قائلًا :
– سأطلب لثلاثتنا إذًا ، لحوم باردة و……
قاطعته ليلى ساخطة :
– يمكنني أنا أن أطلب ما أريد
حدق فيها وهو يقدم لها قائمة الطعام صامتًا ، فقالت في محاولة لاستفزازه :
ـ سأتناول سمكًا وأرز بالخلطة
صاح مستنكرًا :
– ماذا ؟ سمكًا فى المساء !!
نظرت في عينيه قائلة :
– ألديك مانع ؟
ابتسم وهو يتفحصها قائلًا :
– كما تشائين ، إنها معدتك على أية حال
ثم أردف هامسًا وهو يقترب منها :
– على الأقل سيكون هناك مبرر قوي حين تشتكين من المغص بعد قليل
ـ ماذا تعني ؟
ضحك ولم يعلق بينما نظرت إليها نجوى وقالت ساخرة :
– لديك ذوق رهيب يا ليلى
بادلتها ليلى نظراتها ساخطة .. قبل أن تغمغم بابتسامة صفراء :
– حمدًا لله أن لي ذوق ..إنها نعمة يفتقدها كثيرون
ضحك ممدوح مستمتعًا بالحرب الباردة بينهما لأجله ، نظرت إليه ليلى في ضيق لم تستطع إخفاءه ، ضيق تحول إلى ثورة مكبوتة عندما أقبلت تلك الراقصة ، راحت ترقص له وحده وكأنها لا ترى في الملهى سواه كالعادة مع غيرها من الراقصات، بينما هو ينفث دخان سيجارته ببطء وثقة وفي عينيه نظرات وقحة تخترق جسدها العاري وهيتتلوى كالحية أمامه وتقترب منه في ميوعة ، تمادتفأحاطت عنقه بالإيشارب الذي ترقص به وجذبته معها إلى حلبة الرقص ليتشاركا معًا في رقصة خليعة اقشعر لها بدن ليلى .. حانت منها التفاتة إلى نجوى فوجدت الأخيرة تبتسم في سعادة ورضا ،تضاعف جنونها ، هل يعقل أن تكون هذه الحمقاء تحبه بالفعل ، محال ؟!
أما نجوى في هذه اللحظة بالذات ، فلم تكن في حاجة إلى تصنع السعادة ، كانت سعيدة بالفعل وهي تراقب الغيرة والغضب يفتكان بغريمتها .. التي اعتبرتها الوحيدة
التفتت إلى سميرة قائلة :
ـ انظري إلى وجهها الذي كاد أن يحترق ، ماذا كانت تظن هذه البلهاء ؟
أجابتها سميرة ساخرة :
– ربما كانت تحلم بأن يسقط ممدوح أسيرًا لجمالها !
اتسعت ابتسامة نجوى بينما أردفت سميرة :
ـ حان الوقت لتتجرع بعضًا من الكأس الذي لا أظن أنها ستتحمل مذاقه طويلًا
تنهدت نجوى قائلة :
– لكم أتمنى أن يكون سمًا ، يقضي عليها سريعًا ويخلصنا منها
عاد ممدوح إلى المائدة وعلى شفتيه ابتسامة استقبلته نجوى بمثلها بينما أشاحت ليلى بوجهها غاضبة ، أقبل الجرسون بعد قليل بالطعام ، راح ممدوح يتناول طبقه سريعًا كعادته ، حانت منه التفاتة إلى ليلى فوجدها توقفت عن تناول الطعام وهي بالكاد قد مست طبقها
ابتسم قائلًا في تهكم :
ـ لماذا توقفت عن تناول الطعام ؟ هل اكتشفت أن السمك ليس جيدًا في المساء ؟
زفرت بضيق قائلة :
– لقد فقدت شهيتي
أشار في مكر إلى نجوى قائلًا :
– كيف هذا والصحبة رائعة ؟
تنهدت ليلى في ضيق بينما أطلقت نجوى ضحكة خليعة ، جذبت إليها الانتباه ، ثم مالت على ممدوح وهي تهمس في دلال :
– ممدوح ، أريد أن أرقص
جذبها في مرح :
– أمرك يا جميلتي
شعرت ليلى برغبة عارمة في تحطيم المائدة وما عليها ، ما هذا الكابوس البشع الذي تحياه ؟ محال أن تكون قد سقطت في عشق رجل منحل مثله ، رجل يتنفس إثمًا ، لكنها يجب أن لا تستسلم أبدًا ، حان الوقت لتلقن هذا المنحل درسًا من دروسها الخفيفة ، نظرت حولها تبحث عن معجب بعينه …
عجبًا …!! كل أعين الرجال تنصب عليها في رغبة متوحشة ، كيف لم تلحظ هذا من قبل ؟ لم تكن ترى في غمرة غيرتها على هذا الوقح سوى نساءً يتهافتن عليه ، نست نفسها تمامًافي خضم غروره ، توقفت عيناها لحظات فوق أحد الوجوه المحدقة بها وما لبثت أن ابتسمت له في عذوبة ، كأنها دعوة خفية ،اقترب منها الرجل قائلًا :
– هل أتشرف بهذه الرقصة معكِ ؟
– بكل سرور
أوقفها أشرف قائلًا :
– مهلاً يا ليلى ، الزعيم لن ….. أقصد ممدوح لن يعجبه هذا
أجابته ساخطة :
– فليذهب زعيمكم إلى الجحيم
ما إن انطلقت إلى حلبة الرقص حتى شمر أشرف عن أكمامه وكذلك فعل كمال ، أما عادل فقد كان منهمكًا في الرقص مع سميرة .
كانت نجوى هائمة بين ذراعي ممدوح حين انتفض الأخير فجأة وتصلب جسده ، رفعت رأسها لترى فيما يحدق ، وقعت عيناها على ليلى تراقص الرجل ، فزفرت في ضيق قائلة :
– هذه البلهاء تهوى المشاكل !
أعادها ممدوح إلى طاولتهمصامتًا ثم عاد لينفجر في وجه هذا الذي يراقص ليلى :
ـ هل تركتها لي ؟
أجابه الرجل فى ضيق :
– الرقصة لم تنته بعد
أزاحه ممدوح جانبًافي شيء من العنف وهو يغمغم محذرًا :
– يكفيك ما نلته حتى الآن
هم الرجل بالاعتراض ، لكنه ما أن تفحص بنية ممدوح القوية ، والشرر الذي يتطاير من عينيه ، حتى تركها له وانصرف وهو يتمتم ساخطًا
ابتسمت ليلى مرغمة بينما عينا ممدوح تحدقان فيها بغضب لا حد له ، استمرت في الرقص معه غير مبالية حتى قال أخيرًا :
– ما الذي تريدينه بالضبط يا ليلى ؟
ابتسمت قائلة :
– ما أردته قد حصلت عليه
توقف عن الرقص وحدق فيها قائلًا في تهكم :
– أتقصدين أنك فعلت كل ذلك من أجل الرقص معي ؟
اتسعت ابتسامتها قائلة :
– بلى .. هو كذلك
صاح ساخطًا :
– وما الذي منعك من طلب هذا مني ؟
رفعت رأسها إلى أعلى قائلة :
– كبريائي
قال وقد ازداد سخطًا :
– كبرياؤك !! كبرياؤك هذا كان من الممكن أن يتسبب ليفي عاهة مستديمة
قالت في نبرة هادئة :
– من قال هذا ؟
صاح غاضبًا :
– ألم تسمعي تحذيرات الطبيب ؟ أم أنكِ كنتِ غارقة في جاذبية دكتور قيس ونظراته الهائمة فلم تنتبهي لما قاله لي؟
قالت في لا مبالاة :
– لم يحدث مكروه .. فلماذا أنت غاضب ؟
ضغط على كفها بقسوة حتى تأوهت قائلًا :
– ماذا لو أصر هذا الأبله على الرقص معك ، هل كنت تتوقعين أن أتركك له ؟
ابتسمت في شغف فأردف وهو يضغط على أسنانه غيظًا :
– إن كنتِ لم تفهمي بعد ، فأنا أفضل الموت رجلًا على الحياة في الظل
برقت عيناها وهي تتأمله قائلة :
– اطمئن أيها المتهور ، كان سيسقط صريعًا بعد لكمة واحدة من يدك الطائشة
تراقصت ابتسامة على شفتيها وهي تنظر في عينيه مردفة :
– ألم تلحظ بعد أنه أكثر الموجودين نحافة ؟
استدار ممدوح يتطلع إلى الرجل الذي كان لا يزال يحدق فيه غاضبًا ، ثم عاد ينظر إلى ليلى وقد برقت عيناه قائلًا :
ـ ومعه رفيق واحد لايزداد عنه وزنًا
ضحك طويلًا قبل أن يتعمق في عينيها قائلًا :
-وماذا لو تعاطف معه بعض الحضور ؟
ابتسمت قائلة :
– نحن لسنا بمفردنا
عادت ترفع رأسها إلى أعلىوتضيف :
– وكنت سأتدخل بنفسي للدفاع عنك إذا لزم الأمر وأخبرهم أنك زوجي ولك كل الحق فيما تفعل
برقت عيناه ببريق تعشقه وقالمبتسمًا :
– يروق لي كبرياؤك يا ليلى
همست :
– كبريائى فقط ؟
اتسعت ابتسامته قائلًا :
– وذكاؤك أيضًا
عادت تهمس :
– فقط
ضحك قائلًا :
– كل ما فيكِ يروق لي أيتها الجشعة
ضمها إليه بقوة استسلمت لها وأعماقها تهتف :
– لن يمكنني مقاومتك ، لن يمكنني التصدي لغزو حبك العنيف لقلبي ، لا حيلة لي سوى الدفاع عن هذا الحب ، فالتصدي لكل نساء العالم أيسر كثيرًا من التصدي لحبك الذي أجدني غارقة فيه وكأنني ولدت به ، لكنني لن أكتفي أبدًا بكوني أقربهن إلى قلبك ……
كل ما فيــــــــــــكَ إبداع … إبداع
لا لــوم لقلبي إن لبى . إن أطـــاع
إن قال لماضٍ لست به الــــــوداع
ولأجلكَ أودعه سفنًا ما فيها شراع
بلغت العصبية مداها من نجوى ، وهي تراقبهما يرقصان وكأنهما يسبحان معًا في عالم آخر ، غادرت المائدة وهي تهتف في رفاقه غاضبة :
– ماذا حدث لزعيمكم ؟ انظروا كيف تحركه هذه القروية كطفل صغير ..!
ذهبت وتبعتها سميرة تحاول التخفيفعنها ، نظر رفاقه الثلاثة بعضهم لبعض في دهشة ، قال أشرف بعد فترة من الصمت :
– نجوى معها حق ، ماذا حدث للزعيم ؟ لم أره هائمًا هكذا من قبل
تهلل وجه كمال قائلًا :
– يبدو أن دعواتي له يوم عرسه قد تحققت
تمتم عادل :
– إن حدث هذا سأؤمن بك يا شيخ كمال
ابتسم أشرف في تهكم :
– رغم علمي بأن البلهاء هم أقربنا إلى الله ، لكن ما تفكرا فيه مستحيل
هز رأسه مستنكرًا وأردف :
– لن أصدق أبدًا أن ممدوح يقع في الحب
قال كمال في عناد :
– ولمَ لا ؟ أليس بشرًامثلنا ؟
عاد أشرف ليغمغم وكأنه يحدث نفسه :
– أفكار ممدوح عن النساء ، تمثل حاجزًا منيعًا بينه وبين الحب
نظر عادل إلى ممدوح وليلى ثم ابتسم قائلًا :
– ربما وجد أخيرًا من تحطم هذا الحاجز
*****
أغلق ممدوح باب الحجرة وأقبل إلى ليلى وعلى شفتيه ابتسامة واسعة ، استسلمت طويلًا لقبلاته النهمة قبل أن تبتعد عنه قائلة :
– يكفي هذا الآن
همس معاتبًا :
– كفى عنادًا يا ليلى ، أما زلت تنكرين حبك لي ؟
تنهدت بعمق قائلة :
– أحبك حبًا أقوى من أن أنكره
ابتسم قائلًا :
– ما المشكلة إذًا ؟
ـ لا أريد أن أكون مجرد رغبة عابرة ، أريدك أن تبقى معيحتى آخر العمر
ـ وأنا لن أفرط فيكِ أبدًا
ـ لن أكون لك ، قبل أن تقر بحبك لي
ـ لا بأس ، أحبك إذا كانت هذه هي الكلمة السحرية التيستسعدك
ـ لا تسخر مني ، لقد بدلت حياتي ومعتقداتي وكل ما تعلمته طيلة عمري من قيم لأجلك ، من العدل أن تتغير أنت أيضًالأجلي
ـ ماذا تريدين الآن ؟
ـ يمكننا أن ننتظر حتى …..
قاطعها ساخطًا :
– كنت أعلم أن النساء حمقاوات ، أما حماقتك فلا يمكنني تحملها أكثر من هذا
صاحت مستنكرة :
– حمقاء لأنني أريد أن أحتفظ بك للأبد ؟
صاح في تهكم :
– تحتفظين بي ..!ماذا تظنينني ؟ قطعة حلي فيعلبة مجوهراتك أم ثوب في خزانتك ؟!
ضغط على أسنانه وأردف في عصبية :
– بل حتى هذه الأشياء ، لا يمكنك الاحتفاظ بها للأبد
أبعدت وجهها في عنف قائلة :
– أنا لن أقبل إلا أن أكون المرأة الوحيدة في حياتك
نظر إليها قائلًا :
– وأنا لن أكون أبدًا لامرأة واحدة ، وقد أخبرتك بهذا مرارًا ، ولكن يبدو أن عقلك الصغير لم يستوعبه ، أو ربما غرورك أبى أن يصدقه
هتفت قائلة :
ـ يا لك من قاسٍ ، جاحد ، لكنني أستحق هذا ، لأنني سمحت لنفسي بعشق منحل مثلك
ضحك في تهكم قائلًا :
– سمحتِ لنفسك ، وماذا كنت تتوقعين غير هذا ؟ هل صدقتِذلك التحدي الأحمق ؟
احتضن وجهها بين كفيه رغمًا عنها و نظر في عينيها قائلًا :
ـ يا دكتورة .. قلت لكِ مرارًا ، أنتِ تلميذة صغيرة جدًا في عالم أنا العميد فيه
أزاحته بعيدًا عنها وانتحبت في لوعة صارخة :
– اصمت وابتعد عني ، كلما سمعت صوتك هذا ، ورأيت ما أرى في عينيك ، كلما ازددت كرهًا لنفسي
صاح بصبر نافد :
-لقد مللت جنونك وكآبتك ، سأسافر غدًا ولن أعود إلى هنا قبل أن تتعقلي
ـ إن كنت ترى ما أنا فيه جنونًا ، لا تعود أبدًا
ضاقت عيناه وهو ينظر إليها قائلًا :
– حسنًا يا ليلى ، وأنا لن أنتظر الغد لأرحل ، بل سأرحل الآن